أخلاقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع الأسرى
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
17ـ أخلاقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع الأسرى
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
لقد تَعَدَّدَت أساليبُ التَّعامُلِ مع الأسرى من مُجتَمَعٍ إلى مُجتَمَعٍ، ومن دِيانةٍ إلى أخرى، وكانَ الغالِبَ الأعَمَّ الذي يَغلِبُ على الجميعِ هوَ القَسوَةُ والبَطشُ والانتِقامُ والظُّلمُ والتَّغَشِّي، حتَّى جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنقِذاً للبَشَرِيَّةِ جَمعاءَ من الظُّلمِ، من ظُلمِ العِبادِ للعِبادِ إلى رحمَةِ الإسلامِ بالعِبادِ، جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُعامِلَ الأسرى المُعامَلَةَ الإنسانِيَّةَ الرَّاقِيَةَ التي ما عَرَفَتها البَشَرِيَّةُ جَمعاءَ قبلَهُ.
ما كان سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ينظُرُ إلى الأسرى أنَّهُم كانوا يُريدونَ قَتلَهُ وقَتلَ أصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وأنَّهُم كانوا يُريدونَ أن يُطفِئوا نورَ الله تعالى بأفواهِهِم، وأنَّهُم كانوا يُريدونَ خَنقَ الإسلامِ في مَهدِهِ الأوَّلِ، بل كان ينظُرُ إليهِم بِعَينِ الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ، لأنَّهُم ما عَرَفوا اللهَ تعالى، وما عَرَفوا رسولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وما عَرَفوا ما أعَدَّ اللهُ تعالى لِخَلقِهِ من نعيمٍ إذا آمَنوا وعَمِلوا صالِحاً، وما أعَدَّ لهُم من عذابٍ مُقيمٍ إذا كَفَروا.
صُوَرٌ من مُعامَلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع الأسرى:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِنَنظُرْ إلى حَياةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كيفَ كانَ يَتَعامَلُ مع الأسرى، لقد عامَلَهُم مُعامَلَةَ من قالَ اللهُ تعالى فيه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾. وقالَ فيه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾. مُعامَلَةَ من قالَ عن ذاتِهِ الشَّريفَةِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أولاً: مُعامَلَتُهُ لأسرى بدرٍ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من خلالِ قَولِ الله عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾.
ومن خلال ما روى الترمذي والنَّسائي عنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: (جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الأَسْرَى، إِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ عَامَ مُقْبِلٍ مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ، قَالُوا: الْفِدَاءَ، وَيُقْتَلُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ. أَي يُقتَلُ مِنهُم سَبعُونَ رَغبَةً في الشَّهادَةِ فِي سَبِيلِ الله).
قامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ باستِشارَةِ أصحابِهِ الكِرامِ في أسرى بدرٍ، وكانوا سَبعينَ رجلاً.
روى الإمام أحمد عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيَّاً وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا نَبِيَّ الله، هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونُ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ، فَيَكُونُونَ لَنَا عَضُداً.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟».
قَالَ: قُلْتُ: والله مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ ـ قَرِيباً لِعُمَرَ ـ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ.
فَهَوِيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد جَنَحَ سَيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى رَأيِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، لما فيهِ مِنِ الرَّحمَةِ والعَطفِ والِّلينِ بِمُقتَضَى الذِي أَقَامَهُ اللهُ تَعالى فِيهِ، وهُو قَولُهُ تَعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.
ثانياً: إكرامُ الأسرى:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد أَوصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ فِي الأَسرَى فقال: «اسْتَوْصُوا بِالأَسَارَى خَيْراً» رواه الطبراني عن مصعب بن عميرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وهذه الوصِيَّةُ لم تَكُن مُجَرَّدَ قانونٍ نَظَرِيٍّ ليسَ له تَطبيقٌ في الواقِعِ، بل طُبِّقَت هذهِ الوَصِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَطبيقاً ما شَهِدَتِ البَشَرِيَّةُ مثلَهُ، لأنَّها كانت نابِعَةً من قُلوبٍ مُلِئَت رحمَةً بِخَلقِ الله تعالى، لأنَّ أحَبَّ النَّاسِ إلى الله تعالى أنفَعُهُم للنَّاسِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد تَجَلَّى حِرصُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَعامُلِهِ مع الأسرى في الاهتِمامِ بِطَعامِهِم وشَرابِهِم، حتَّى صارَ الصَّحابَةُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم يُقَدِّمونَهُم على أنفُسِهِم، ويُقَدِّمونَ لهم أجوَدَ ما عندَهُم من طَعامٍ، بهذِهِ الوَصِيَّةِ النَّبَويَّةِ تَحَقَّقَ فِيهِم قولُ اللهِ عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾.
1. جاء في معرفةِ الصَّحابةِ لأبي نعيمٍ عن عزيزِ بنُ عُمَيرٍ شقيقِ سيِّدِنا مُصعبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، يُحَدِّثُ عن مُعامَلَةِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُم له عندما كانَ أسيراً، فيقولُ: كُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ، وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ: فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ ما يَمَسُّهَا.
وكانَ أبو عَزيزٍ صاحِبُ لِواءِ المشرِكينَ، ومن المعلومِ أنَّ الذي يَحمِلُ اللِّواءَ هوَ الشُجاعُ والسَّيِّدُ في قَومِهِ، وهكذا عامَلَهُ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
2. روى الإمام البخاري عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصاً فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ ـ لِعَبدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ عِندَمَا مَاتَ مُكَافَأَةً لَهُ عِندَمَا كَسَا عَمَّهُ العَبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ
3. روى أبو شيبة عن عطاءٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كانَ مِن بينِ أَسرى بَدرٍ خَطِيبٌ من خُطَباء المُشركِين اسمُهُ سُهَيل بنُ عَمرو، وكانَ يُحَرِّضُ النَّاسَ على قَتلِ سيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ويَتَكَلَّمُ فيهِ بِسُوءٍ، فَأَشَارَ إِلَيهِ عمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَومَ أُسِرَ بِبَدرٍ فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنزَعُ ثِنيَتَيهِ السُّفلِيَّينِ فَيَدلَعُ لِسَانُهُ فَلَا يَقُومُ عَليكَ خَطِيبَاً بِمَوطِنٍ أَبَداً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَمثُلُ بِهِ فَيَمثُلُ اللهُ بِي).
كانَ هَذا الخُلُقُ الكَريمُ الذِي غَرَسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في نُفُوسِ أَصحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم قَد أَثَّرَ فِي إِسرَاعِ مَجمُوعَةٍ كَبِيرَةٍ مِن كُبَرَاءِ الأَسرَى وأَشرَافِهِم إِلى الإِسلَامِ، فَأَسلَمَ أَبو عَزِيزٍ عَقِبَ مَعرَكَةِ بَدرٍ بُعَيدَ وُصُولِ الأَسرى المدينة وتنفيذ وصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأسلم معه السائب بن عبيد.
وعَادَ الأَسرَى إِلى بِلَادِهِم وَأَهلِيهِم يُحَدِّثُون قَومَهًم عَن مَكَارِمِ أَخلَاقِ سَيِّدِنَا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
4. جاءَ في مَغَازِي الوَاقِدِي أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ لأَصحَابِهِ في أَسرَى بَنِي قُرَيظَةَ بَعدَمَا احتَرَقَ النَّهارُ في يومٍ صَائِفٍ ـ شَدِيدِ الحَرِّ ـ: «أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ وَقَيِّلُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ حَتَّى يُبْرِدُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ بَقِيَ، لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السِّلَاحِ».
ثالثاً: نهى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن التَّفريقِ بينَ النِّساءِ والأطفالِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد اهتَمَّ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شأنِ الأسرى، حتَّى في النَّواحي النَّفسِيَّةِ، لذلكَ حَذَّرَ الأمَّةَ أن تُفَرِّقَ بينَ الوالِدَةِ ووَلَدِها في الأسرِ.
روى الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ويَتَجَلَّى هذا التَّوجيهُ النَّبَوِيُّ في القِصَّةِ التَّالِيَةِ:
روى الحاكم عن جعفرِ بن محمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ أبا أسَيدٍ الأنصارِيِّ قَدِمَ بِسَبيٍ من البَحرَين فَصُفُّوا، فَقَامَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إليهِم، فإذا امرأةٌ تَبكي فقال: «ما يُبكيكِ؟» فقالت: بِيعَ ابني في بَني عَبسٍ، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأبي أسَيدٍ: «لَتَركَبَنَّ فَلَتَجيئَنَّ به» فَرَكِبَ أبو أسَيدٍ فَجَاءَ به.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
قال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون﴾. فهل عَرَفَتِ الدُّنيا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وهل عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ الشَّريعةَ الغَرَّاءَ التي جاءَ بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
نعم أيُّهَا الإخوَةُ الكرام، هذا هوَ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هذهِ هيَ رحمَتُهُ وإنسانِيَّتُهُ، وهذهِ هيَ شَريعَتُهُ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا للتَّمَسُّكِ بها حتَّى نلقاهُ وهوَ عنَّا راضٍ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
17ـ أخلاقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع الأسرى
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
لقد تَعَدَّدَت أساليبُ التَّعامُلِ مع الأسرى من مُجتَمَعٍ إلى مُجتَمَعٍ، ومن دِيانةٍ إلى أخرى، وكانَ الغالِبَ الأعَمَّ الذي يَغلِبُ على الجميعِ هوَ القَسوَةُ والبَطشُ والانتِقامُ والظُّلمُ والتَّغَشِّي، حتَّى جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنقِذاً للبَشَرِيَّةِ جَمعاءَ من الظُّلمِ، من ظُلمِ العِبادِ للعِبادِ إلى رحمَةِ الإسلامِ بالعِبادِ، جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُعامِلَ الأسرى المُعامَلَةَ الإنسانِيَّةَ الرَّاقِيَةَ التي ما عَرَفَتها البَشَرِيَّةُ جَمعاءَ قبلَهُ.
ما كان سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ينظُرُ إلى الأسرى أنَّهُم كانوا يُريدونَ قَتلَهُ وقَتلَ أصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وأنَّهُم كانوا يُريدونَ أن يُطفِئوا نورَ الله تعالى بأفواهِهِم، وأنَّهُم كانوا يُريدونَ خَنقَ الإسلامِ في مَهدِهِ الأوَّلِ، بل كان ينظُرُ إليهِم بِعَينِ الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ، لأنَّهُم ما عَرَفوا اللهَ تعالى، وما عَرَفوا رسولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وما عَرَفوا ما أعَدَّ اللهُ تعالى لِخَلقِهِ من نعيمٍ إذا آمَنوا وعَمِلوا صالِحاً، وما أعَدَّ لهُم من عذابٍ مُقيمٍ إذا كَفَروا.
صُوَرٌ من مُعامَلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع الأسرى:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِنَنظُرْ إلى حَياةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كيفَ كانَ يَتَعامَلُ مع الأسرى، لقد عامَلَهُم مُعامَلَةَ من قالَ اللهُ تعالى فيه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾. وقالَ فيه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾. مُعامَلَةَ من قالَ عن ذاتِهِ الشَّريفَةِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أولاً: مُعامَلَتُهُ لأسرى بدرٍ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من خلالِ قَولِ الله عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾.
ومن خلال ما روى الترمذي والنَّسائي عنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: (جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الأَسْرَى، إِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ عَامَ مُقْبِلٍ مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ، قَالُوا: الْفِدَاءَ، وَيُقْتَلُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ. أَي يُقتَلُ مِنهُم سَبعُونَ رَغبَةً في الشَّهادَةِ فِي سَبِيلِ الله).
قامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ باستِشارَةِ أصحابِهِ الكِرامِ في أسرى بدرٍ، وكانوا سَبعينَ رجلاً.
روى الإمام أحمد عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيَّاً وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا نَبِيَّ الله، هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونُ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ، فَيَكُونُونَ لَنَا عَضُداً.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟».
قَالَ: قُلْتُ: والله مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ ـ قَرِيباً لِعُمَرَ ـ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ.
فَهَوِيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد جَنَحَ سَيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى رَأيِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، لما فيهِ مِنِ الرَّحمَةِ والعَطفِ والِّلينِ بِمُقتَضَى الذِي أَقَامَهُ اللهُ تَعالى فِيهِ، وهُو قَولُهُ تَعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.
ثانياً: إكرامُ الأسرى:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لَقَد أَوصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ فِي الأَسرَى فقال: «اسْتَوْصُوا بِالأَسَارَى خَيْراً» رواه الطبراني عن مصعب بن عميرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وهذه الوصِيَّةُ لم تَكُن مُجَرَّدَ قانونٍ نَظَرِيٍّ ليسَ له تَطبيقٌ في الواقِعِ، بل طُبِّقَت هذهِ الوَصِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَطبيقاً ما شَهِدَتِ البَشَرِيَّةُ مثلَهُ، لأنَّها كانت نابِعَةً من قُلوبٍ مُلِئَت رحمَةً بِخَلقِ الله تعالى، لأنَّ أحَبَّ النَّاسِ إلى الله تعالى أنفَعُهُم للنَّاسِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد تَجَلَّى حِرصُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَعامُلِهِ مع الأسرى في الاهتِمامِ بِطَعامِهِم وشَرابِهِم، حتَّى صارَ الصَّحابَةُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم يُقَدِّمونَهُم على أنفُسِهِم، ويُقَدِّمونَ لهم أجوَدَ ما عندَهُم من طَعامٍ، بهذِهِ الوَصِيَّةِ النَّبَويَّةِ تَحَقَّقَ فِيهِم قولُ اللهِ عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾.
1. جاء في معرفةِ الصَّحابةِ لأبي نعيمٍ عن عزيزِ بنُ عُمَيرٍ شقيقِ سيِّدِنا مُصعبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، يُحَدِّثُ عن مُعامَلَةِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُم له عندما كانَ أسيراً، فيقولُ: كُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ، وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ: فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ ما يَمَسُّهَا.
وكانَ أبو عَزيزٍ صاحِبُ لِواءِ المشرِكينَ، ومن المعلومِ أنَّ الذي يَحمِلُ اللِّواءَ هوَ الشُجاعُ والسَّيِّدُ في قَومِهِ، وهكذا عامَلَهُ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
2. روى الإمام البخاري عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصاً فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ ـ لِعَبدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ عِندَمَا مَاتَ مُكَافَأَةً لَهُ عِندَمَا كَسَا عَمَّهُ العَبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ
3. روى أبو شيبة عن عطاءٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كانَ مِن بينِ أَسرى بَدرٍ خَطِيبٌ من خُطَباء المُشركِين اسمُهُ سُهَيل بنُ عَمرو، وكانَ يُحَرِّضُ النَّاسَ على قَتلِ سيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ويَتَكَلَّمُ فيهِ بِسُوءٍ، فَأَشَارَ إِلَيهِ عمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَومَ أُسِرَ بِبَدرٍ فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنزَعُ ثِنيَتَيهِ السُّفلِيَّينِ فَيَدلَعُ لِسَانُهُ فَلَا يَقُومُ عَليكَ خَطِيبَاً بِمَوطِنٍ أَبَداً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَمثُلُ بِهِ فَيَمثُلُ اللهُ بِي).
كانَ هَذا الخُلُقُ الكَريمُ الذِي غَرَسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في نُفُوسِ أَصحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم قَد أَثَّرَ فِي إِسرَاعِ مَجمُوعَةٍ كَبِيرَةٍ مِن كُبَرَاءِ الأَسرَى وأَشرَافِهِم إِلى الإِسلَامِ، فَأَسلَمَ أَبو عَزِيزٍ عَقِبَ مَعرَكَةِ بَدرٍ بُعَيدَ وُصُولِ الأَسرى المدينة وتنفيذ وصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأسلم معه السائب بن عبيد.
وعَادَ الأَسرَى إِلى بِلَادِهِم وَأَهلِيهِم يُحَدِّثُون قَومَهًم عَن مَكَارِمِ أَخلَاقِ سَيِّدِنَا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
4. جاءَ في مَغَازِي الوَاقِدِي أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ لأَصحَابِهِ في أَسرَى بَنِي قُرَيظَةَ بَعدَمَا احتَرَقَ النَّهارُ في يومٍ صَائِفٍ ـ شَدِيدِ الحَرِّ ـ: «أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ وَقَيِّلُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ حَتَّى يُبْرِدُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ بَقِيَ، لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السِّلَاحِ».
ثالثاً: نهى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن التَّفريقِ بينَ النِّساءِ والأطفالِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد اهتَمَّ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شأنِ الأسرى، حتَّى في النَّواحي النَّفسِيَّةِ، لذلكَ حَذَّرَ الأمَّةَ أن تُفَرِّقَ بينَ الوالِدَةِ ووَلَدِها في الأسرِ.
روى الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ويَتَجَلَّى هذا التَّوجيهُ النَّبَوِيُّ في القِصَّةِ التَّالِيَةِ:
روى الحاكم عن جعفرِ بن محمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ أبا أسَيدٍ الأنصارِيِّ قَدِمَ بِسَبيٍ من البَحرَين فَصُفُّوا، فَقَامَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إليهِم، فإذا امرأةٌ تَبكي فقال: «ما يُبكيكِ؟» فقالت: بِيعَ ابني في بَني عَبسٍ، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأبي أسَيدٍ: «لَتَركَبَنَّ فَلَتَجيئَنَّ به» فَرَكِبَ أبو أسَيدٍ فَجَاءَ به.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
قال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون﴾. فهل عَرَفَتِ الدُّنيا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وهل عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ الشَّريعةَ الغَرَّاءَ التي جاءَ بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
نعم أيُّهَا الإخوَةُ الكرام، هذا هوَ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هذهِ هيَ رحمَتُهُ وإنسانِيَّتُهُ، وهذهِ هيَ شَريعَتُهُ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا للتَّمَسُّكِ بها حتَّى نلقاهُ وهوَ عنَّا راضٍ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
أمس في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
أمس في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
أمس في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
أمس في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
أمس في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
أمس في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
أمس في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
أمس في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
أمس في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
أمس في 19:09 من طرف Admin