5- الوفاء بالعهد وحبهم للصراحة والوضوح والصدق .
شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Z
6- الصبر على المكاره وقوة الاحتمال، والرضا باليسير .
7- النسب الشريف / جده قصي:
ولي إسماعيل عليه السلام زعامة مكة ، وكان قد تزوج من جرهم، فلما مات انتقلت زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وكان لأولاد إسماعيل مركز محترم .
ثم ساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها، واستحلوا مال الكعبة.. حتى نزلت قبيلة خزاعة بمكة، فقاموا بمعونة من بطون عدنان بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، واستولت على حكمها .
ولما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة أشياء منها غزالي الكعبة، والحجر الأسود .
واستمرت [ولاية] خزاعة على مكة ثلاثمائة سنة، وانتشر العدنانيون في جزيرة العرب، حتى جاء قصي بن كلاب، فتزوج ابنة زعيم خزاعة حُليل، فلما مات، ووقع بينهم قتال شديد، حتى اصطلحوا، وتغلب قصى على أمر مكة والبيت، وصار هو الرئيس الديني لمكة.
وكان له عدة أعمال منها:
- أنه جمع قومه من منازلهم إلى مكة.. أسس دار الندوة.. كان له اللواء،
والحجابة، وسقاية الحاج، ورفادة الحاج وغيرها .
7- النسب الشريف / جده هاشم:
لما مات قصي انتقل الملك إلى ابنه الأكبر عبد الدار، مع ان عبد مناف كان قد شرف وساد في حياته .
لكن لما مات عبد مناف نافس أبناؤه بنى عمهم عبد الدار في هذه المناصب، وافترقت قريش، وكاد يكون بينهم قتال، ثم وقع الصلح، واقتسم الفريقان المناصب .
فصارت السقاية والرفادة والقيادة إلى بنى عبد مناف، وبقيت دار الندوة واللواء والحجابة بيد بنى عبد الدار .
ثم حكم بنو عبد مناف القرعة فيما أصابهم، فصارت السقاية والرفادة لهاشم، والقيادة لعبد شمس .
هاشم:
اسمه عمرو فما سمى هاشمًا إلا لهشمه الخبز، وهو أول مَن أطعم الثريد للحجاج بمكة، وهو أول مَن سن الرحلتين لقريش، رحلة الشتاء والصيف.
وفيه يقول الشاعر:
عمرو الذي هَشَمَ الثريدَ لقومه
قَــومٍ بمـكــة مُسْنتِيــن عِجَــافِ
سُنَّتْ إليه الرحلتان كلاهـمــا
سَفَرُ الشتاء ورحلة الأصياف
ومن حديث هاشم أنه خرج إلى الشام تاجرًا، فلما قدم المدينة تزوج سلمى بنت عمرو من بني عدى بن النجار، فحملت بعبد المطلب، ثم خرج هاشم إلى الشام فمات بغزة في فلسطين، وولدت امرأته سلمى عبد المطلب وسمته شيبة؛ لشيبة كانت في رأسه .
7- فائدة (مَن هم آل البيت؟):
عندما يصل الأمر إلى جده هاشم يتعلق به أمرٌ شرعي وهو: مَن هم آل بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
ما الحكم الشرعي الذي يتعلق بهذا النسب؟ أن الزكاة لا تُعطى إليهم كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه.
الجواب: آل البيت هم بنو هاشم ، لكن هل يضاف لهم غيرهم؟
هاشم بن عبد مناف، وعبد مناف ترك أربعة من الولد، نوفل وعبد شمس والمطلب وهاشم .
سيأتينا بإذن الله أنه لما حاصرت قريشٌ النبي عليه الصلاة والسلام وبني هاشم في شعب بني طالب، انضم إليهم أبناء المطلب، كافرهم ومؤمنهم، أما بنو عبد شمس وبنو نوفل فكانوا مع قريش ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبني هاشم.
هذه الخصيصة لبني المطلب حفظها النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم، فلما كانت غزوة خيبر أعطاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنائم، فجاءه وفدٌ من بني عبد شمس وبني نوفل، جاءه جبير بن مطعم وعثمان رضي الله عنه من بني عبد شمس فقالوا: يا نبي الله إنك أعطيت إخواننا من بني هاشم وهذه لا تثريب فيها؛ لأن الله شرفهم بك، وإنك أعطيت إخواننا من بني المطلب ونحن وإياهم شيءٌ واحد .
فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا، إن بني المطلب لم يُفارقونا في جاهلية ولا في إسلام"، وشبك بين أصبعه، -صلى الله عليه وسلم-.
ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن بني المطلب يدخلون في آل البيت لهذا الحديث.
7- النسب الشريف / جده عبد المطلب:
لما مات هاشم صارت السقاية والرفادة إلى أخيه المطلب بن عبد مناف .
لما بلغ عبد المطلب سبع سنين أو ثماني سنين سمع به عمه المطلب، فرحل إلى المدينة وأخذه إلى مكة، وهو رديفه على بعيره، فقال الناس: هذا عبد المطلب، فقال: ويحكم، إنما هو ابن أخى هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع.. ثم إن المطلب مات في اليمن، فتولى بعده عبد المطلب، وساد في قومه، واشتهر ذكره بين العرب .
ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت شيئان:
1] حفر بئر زمزم .
2] حادثة الفيل .
8- حفر زمزم:
ذكر الشيخ إبراهيم العلي في كتابه القيم: «صحيح السيرة النبوية» رواية صحيحة في قصة حفر عبد المطلب لزمزم من حديث علي بن أبي طالب -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آتٍ فقال لي: احفر طيبة، قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني.
قال: فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برة، قال: قلت وما برة؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة. قال: قلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب.
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم .
قال: قلت: وما زمزم؟ قال لا تَنزِف أبدأ ولا تُذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم (في ساقيه بياض)، عند قرية النمل .
قال: فلما بيَّن شأنها، ودل على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعول (أي فأس) ومعه ابنه الحارث فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطيّ (حافة البئر) كبر، فقالت قريش: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، فأشركنا معك فيها.
قال: ما أنا بفاعل، فاختلفوا، ثم اتفقوا على الاحتكام إلى كاهنة بني سعد بأشراف الشام.
فركبوا إليها، ونفد ماء عبد المطلب وأصحابه، فاستسقى الآخرين من قريش فأبوا، وقالوا: إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فقال عبد المطلب: إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه، فحفروا ثم قعدوا ينتظرون الموت، ثم إن عبد المطلب قال: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لعجز، ارتحلوا، فارتحلوا فانفجر الماء تحت خف راحلة عبد المطلب، فكبر عبد المطلب، وكبر أصحابه، وشربوا، وملأوا أسقيتهم، ثم دعا قبائل قريش فقال: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاءوا فشربوا، واستقوا، ثم قالوا: قد والله قضى لك علينا، والله ما نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فخلوا بينه وبين زمزم .
وحينئذ نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء يمنعونه، لينحرن أحدهم عند الكعبة .
9- حادثة الفيل:
وفيها أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء سماها القُلَّيَس، وزعم أنه يصرف إليها حج العرب، فسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة .
فغضب أبرهة، وسار بجيش عرمرم -عدده ستون ألف جندى- إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلاً من أكبر الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلاً.
لما سار أبرهة خرج إليه ذو نفر (ملك من ملوك حمير) فقاتله هو وقومه، فهزمه أبرهة .
ثم سار إلى مكة، فلما دنا من بلاد خثعم, خرج إليه النفيل بن حبيب الخثعمي ومَن معه من القبائل فقاتلوه فهزمهم ، فقال النفيل: أيها الملك... إني عالم بأرض العرب فلا تقتلني، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاستبقاه وخرج معه يدله .
حتى إذا بلغ الطائف خرج إليه رجال من ثقيف فقالوا: أيها الملك نحن عبيد لك ليس لك عندنا خلاف، وليس بيننا وبينك الذي تريد -يعنون اللات- إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك مًن يدلك عليه، فبعثوا معه مولى لهم يقال له أبو رغال فخرج معهم حتى إذا كان بالمغمس (مكان قرب مكة في طريق الطائف) مات أبو رغال، فكانت العرب ترجم قبره .
لما نزل أبرهة في المغمس أصابت خيله مائتي بعير لعبد المطلب بالأرك، ثم أرسل إلى عبد المطلب أنه لم يأت لقتال ، إنما جاء لهدم هذا البيت .
فجاء عبد المطلب ودخل على أبرهة، وكان عبد المطلب رجلاً عظيمًا جسيمًا وسيمًا، فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط فجلس عليه معه، فقال له عبد المطلب: أيها الملك إنك قد أصبت لي مالاً عظيماً فاردده علي، فقال له: لقد أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك، قال: ولِمَ؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم ومنعتكم فأهدمه فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير؟ .
قال: أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه، قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك، قال: فأمر بإبله فردت عليه .
خرج عبد المطلب من أبرهة، وأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
فقال عبد المطلب:
لا هم إن العبد يمـنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومِحالهم غَدْوًا مِحالك
إن كنت تاركَهم وقبلــتنا فأمرٌ ما بَدَا لك
ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومَن معه من قريش إلى شغف الجبال فتحرزوا فيها.
أراد أبرهة التحرك من المغمس إلى الكعبة، فلما قرّب الفيل وحمل عليه لم يتحرك، فحركوه وضربوه في رأسه وأدخلوا فيه المحاجن فلم يتحرك، ثم وجهوه إلى اليمن فهرول، فأعادوه إلى الحرم فوقف، ثم فر الفيل إلى أحد الجبال .
وبينما أبرهة وجنوده كذلك، أرسل الله عليهم الطير الأبابيل من البحر، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، ويحملن أمثال الحمص والعدس من الحجارة, فألقت الحجارة عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك، ثم بعث الله على أبرهة داءً في جسده، تتساقط منه أنامله، ويتقطع منه جسمه، حتى وصل اليمن وهو مثل فرخ الطير ثم مات .
ولهذا جاء في البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خرج زمن الحديبية سار حتى إذا كان بالثنيَّة (المطلة على الحديبية) بركت راحلته فقال الناس: خلأت القصواء! (أي امتنعت عن السير)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل».
يعني حبسها الله عن دخول مكة، كما حبس الفيل.. يعني أن الأمرين فيهما سفك للدماء، ووقوع مفاسد، وذهاب مصالح، كما قال تعالى: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)، ولله الحكمة في أمره كله .
10- المولد:
مكان المولد اليوم:
يقال: إنه ولد في شعب أبي طالب قرب سوق الليل، وهو مكان مكتبة الحرم اليوم.
والعجب أن بعض الناس عيّنوا محلاً من الدار مقدار مضجع، وقالوا: هذا موضع ولادته صلى الله عليه وسلم .
ثم وقعت الفتنة لبعض الجهلة فوقعوا في تجاوزات شرعية وأعمال بدعية عند المكتبة من التمسح والتبرك بالمكان .
نحن نقول أولاً هل لهذا التحديد مستند صحيح؟
الحقيقة أن نسبة مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المكان محل شك لدى كثير من العلماء .
ولمغلطاي العالم الحنفي المصري مؤلف في السيرة في مكتبة الحرم المكي هو كتاب: "الإشارة إلى سيرة المصطفى، وتاريخ من بعده من الخلفاء"(1) ورد فيه: (وُلد صلى الله عليه وسلم بمكة، في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، ويقال: بالشِّعب، ويقال بالرَّدم، ويقال: بعُسفان).
وقال الإمام السهيلي (581-508) في كتاب: "الروض الأنف": وولد بالشِّعب، وقيل: بالدار التي عند الصفا، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخي الحجاج .
وقد ألقى الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- "علامة الجزيرة في التاريخ" محاضرة في (جامعة أم القرى) بمكة سنة 1402هـ، أبطل فيها كل هذه الدعاوى .
قال الجاسر: "وهذا الاختلاف في الموضع الذي وُلد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- يحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد لا يقوم على أساس تاريخي صحيح" .
ومن العجيب أن أحد الدكاترة في جريدة عكاظ ناشد الدولة في عدة مقالات إلى إحياء تلك الأماكن التاريخية، ودعا الى بناء المكان الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولا شك أن هذا الكلام يخالف الأدلة الشرعية.. ومنهج سلف الأمة ويترتب عليه غلو الجهال في هذه الآثار ، مشابهة اليهود والنصارى في تعظيمهم لآثار أنبيائهم وصالحيهم .
الآثار في مكة:
1 - مشاعر العبادة المقدسة، في مكة ومِنَى ومزدلفة وعرفات، ومواقيت الحج المكانية، وقد تكفل الله بصيانتها وحفظها، لارتباطها بما تعبّد عباده بالقيام به من أنواع العبادة.
2 - ونوع آخر من الآثار، له ارتباط بحياة مَن عاش على تراب هذه البلدة الطاهر، كالمساجد والموالد والقبور .
الأمر الهام الذي يقوم عليه منهج أهل السنة تجاه هذه الآثار ((قاعدة هامة)):
أن سلفنا الصالح في القرون الثلاثة المفضلة الأولى ما كانوا يهتمون بالمحافظة على آثارهم، ولا يعتنون بتحديد مواقعها أو أزمانها، بل كانوا في كثير من الأحيان عندما يخشون المبالغة في تعظيمها يسعون لإزالتها، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى الناس ينتابون بالزيارة شجرة الرضوان، التي بايع المسلمون المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تحتها، وأنزل الله في تلك البيعة قوله عز وجل: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) فأمر الفاروق رضي الله عنه بقطعها.
- من أسباب فتنة الناس بالأماكن:
1] تساهل العلماء في رواية ما يتعلق بفضائل المواضع أثر في حدوث كثير من الآثار .
2] التنافس بين أهل المدن في بعض الأحيان زاد تلك الفضائل كثرة وشهرة .
12- الرضاع في بني سعد:
كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء.
قالت: وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا (قحط وجدب)، قالت: فخرجت على أتان لى قمراء (شديدة البياض)، ومعنا شارف لنا (ناقة مسنة)، والله ما تَبِضّ بقطرة (يخرج منها)، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يُغنيه، وما في شارفنا ما يُغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أدمت بالركب (حبستهم) حتى شق ذلك عليهم، فقدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله، إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
قال: لا عليكِ أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه وأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبى حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذتِ نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إنى لأرجو ذلك.
قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتانى، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحكِ! ارْبَعي علينا، أليست هذه أتانكِ التي كنت خرجتِ عليها؟
فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا.
ما الذي حدث بعد وصولهم إلى بني سعد؟:
قالت حليمة: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنـًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعًا لبنًا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا (ممتلئاً).
قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.
12- الرضاع في بني سعد:
دروس وفوائد:
1. بركة النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة حليمة:
فقد ظهرت هذه البركة على حليمة السعدية في كل شيء.. في إدرار ثدييها بالحليب.. في سكون الطفل ولدها.. في حمارتها.. في مراعيها وغنمها .
كانت هذه البركات من أبرز مظاهر إكرام الله له، وأكرم بسببه بيت حليمة السعدية التي تشرفت بإرضاعه، فيُحب أهل البيت هذا الطفل ويحنوا عليه ويحسنوا في معاملته.
2. خيار الله للعبد أبرك وأفضل:
اختار الله لحليمة هذا الطفل اليتيم وأخذته على مضض؛ لأنها لم تجد غيره، فكان الخير كل الخير فيما اختاره الله، وبانت نتائج هذا الاختيار مع بداية أخذه وهذا درس لكل مسلم بأن يطمئن قلبه إلى قدر الله واختياره .
3. أثر البادية في صحة الأبدان وصفاء النفوس، وذكاء العقول:
وإنها لتعاسة أن يعيش أولادنا في بيوت أو شقق ضيقة متلاصقة كأنها صناديق أغلقت على من فيها .
وتعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بادية بني سعد اللسان العربي الفصيح، وأصبح فيما بعد من أفصح الخلق، وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله ما رأيت أفصح منك، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «وما يمنعني وأنا من قريش وأرضعت في بني سعد» .
4. يستفاد من حادثة شق الصدر:
أن التطهير من حظ الشيطان هو إرهاص مبكر للنبوة، وإعداد للعصمة من الشر وعبادة غير الله، فلا يحل في قلبه إلا التوحيد الخالص.
- ولهذا إذا أردنا أن تحيا قلوبنا بالإيمان والتوحيد ونتلذذ بذكر الله والتعلق به فلنطهر قلوبنا من الذنوب والأمراض.. حتى تتأهل للترقي في مدارج الإيمان .
13- إلى أمه الحنون / وفاة أمه:
دروس في حكمة اليتم:
1- أن الله جلّ وعلا لحكمةٍ أرادها أن يعيش نبيه -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا حتى تكتمل عليه مِنَّةُ الله، والله إذا أراد أن يمُنَّ على عبدٍ من عباده بشيء جنبه الناس، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام همَّ قومه بأن يلقوه في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.. وكان ملك المطر يطأطأ رأسه ينتظر متى يؤمر أن ينزل القطر، ولكن الله جلّ وعلا إكرامًا لإبراهيم خاطب النار بذاته العلية بقوله: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ .
خرج وليس لأحدٍ من أهل الأرض عليه مِنَّة صلوات الله وسلامه عليه إلا مِنَّة الله، وهذه منزلة لا ينالها الإنسان إلا إذا بلغ درجة عظيمة في العبودية، فإن الإنسان إذا تحرر قلبه من غير الله كان أقرب إلى الله .
وهذا هو المقصود الأسمى من كونه -صلى الله عليه وسلم- نشأ يتيمًا لم يرعاه أبٌ حتى إذا بلغ النبوة نسب الناس نبوته إلى أبيه، ولم ترعاه أمه حتى إذا بلغ المجد نسب الناس رعايته وتربيته إلى أمه، قال الله جلّ وعلا مُمتنًا عليه: ﴿ألم يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ .
2- حياة اليتم والحرمان لا يعرفها إلا مَنْ ذاقها، وهي مما يرقق القلب، ويشعره بالرحمة والإنسانية تجاه المساكين والمحرومين .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin