29 موقف المشركين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار 6bc44d2d-ccd3-4caf-873f-0468bd486034
دروس وفوائد:
1) في موقف أبي طالب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فائدة، وهي أن الداعية قد يستفيد من القبلية والقرابة في حمايته وحماية دعوته، ولاسيما إذا كانت الدعوة في مهدها ومستضعفة من المجتمع .
2) لطف الله تعالى بعبده وحفظه له.. نعم قد يصيبه بعض البلاء بإذن الله وبحكمته .
(إنا كفيناك المستهزئين).. مَن توكل على الله كفاه.. ولو ان عبداً كادته السماوات والأرض لجعل الله له فرجاً ومخرجاً .
30- دار الأرقم:
دروس وفوائد:
1) قد تدعو الظروف إلى سرية الدعوة، والاختفاء عن المجتمع حفاظاً على الجماعة المسلمة والتقائها بالمعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- .
إلا أن هذا الأمر ليس قاعدة ثابتة في الدعوة، بل هو أمر فرضته المصلحة والظروف الواقعة المحيطة بالدعوة .
فلا يعارضه قول بعض السلف:
إذا رأيت الناس يتناجون في دينهم فاعلم أنهم على غير الحق .
لأن هذا إنما يكون في وقت ظهور الدين والأمن من الفتنة والبلاء .
2) حكمة وذكاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: لماذا اختار النبي - صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم؟
1- أنه لم يكن معروفاً بإسلامه .
2- أنه كان من بني مخزوم التي تحمل لواء الحرب وتنافس بني هاشم فيستبعد أن يختفي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قلب عدوه .
3- أنه كان صغير السن حين اسلم.. كان عمره 16 عاماً فليس من كبار الصحابة الذين قد يختفي النبي -صلى الله عليه وسلم- عندهم .
4- أن داره كانت قريبة من الصفا، وسط حركة الناس مما يصعب إدراك حركة خاصة لأناس معينين .
31- الهجرة الى الحبشة:
دروس وفوائد:
1) مشروعية الهجرة إلى الله ورسوله .
2) أسباب الهجرة إلى الحبشة:
كانت الأهداف من هجرة الحبشة متعددة منها:
- الفرار بالدين خشية الافتتان .
- البحث عن مكان آمن للمسلمين ريثما يشتد عود الإسلام وتهدأ العاصفة، فكان يبحث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قاعدة أخرى غير مكة، قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها الحرية .
- نشر الدعوة خارج مكة، وشرح قضية الإسلام، على نحو ما تفعله الدول الحديثة من تحرك سياسي يشرح قضاياها وكسب الرأي العام .
ومما يدعم الرأي القائل بكون الدعوة للدين الجديد في أرض الحبشة سببًا وهدفًا من أسباب الهجرة, إسلام النجاشي، وإسلامُ آخرين من أهل الحبشة .
3) لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة؟
أ- النجاشي العادل .
ب- النجاشي الصالح:
"وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يُظلم أحد بأرضه" .
ج- الحبشة متجر قريش: ذكر الطبري وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش، يتجرون فيها، يجدون فيها رفاهاً من الرزق وأمنًا، ومتجرًا حسنًا» .
د- الحبشة بلد آمن:
4) من تمام شفقة هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه ورحمته بهم، وحرصه الشديد للبحث عما فيه أمنهم وراحتهم .
5) مشروعية الهجرة، إذا كان الخروج فرارًا بالدين وإن لم يكن إلى إسلام، فإن أهل الحبشة كانوا نصارى يعبدون المسيح، والمسلمون خرجوا من بيت الله الحرام إلى دار الكفر، لما كان فعلهم ذلك احتياطًا على دينهم, ورجاء أن يُخلى بينهم وبين عبادة ربهم, يذكرونه آمنين مطمئنين .
وهذا الحكم مستمر متى غلب المنكر في بلد, وأوذي على الحق مؤمن ورأى الباطل قاهرًا للحق ورجا أن يكون في بلد آخر، أي بلد كان، خلى بينه وبين دينه ويظهر فيه عبادة ربه فإن الخروج على هذا الوجه حق على المؤمن .
6) يجوز للمسلمين أن يدخلوا في حماية غير المسلمين، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، سواء كان المجير من أهل الكتاب كالنجاشي، إذ كان نصرانيًّا عندئذ، ولكنه أسلم بعد ذلك، أو كان مشركًا كأولئك الذين عاد المسلمون إلى مكة في حمايتهم عندما رجعوا من الحبشة، وكأبي طالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمطعم بن عدي الذي دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في حمايته عندما رجع من الطائف .
وهذا الأمر مشروط بألا تستلزم مثل هذه الحماية إضرارًا بالدعوة الإسلامية، أو تغييرًا لبعض أحكام الدين، أو سكوتًا على اقتراف بعض المحرمات .
اجتمع الصحابة حين جاءهم رسول النجاشي وطلب منهم الحضور، وتدارسوا الموقف، ولم يختلفوا بل أجمعوا على رأي واحد.. وهكذا كان أمر المسلمين شورى بينهم .
7) دهاء عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وكان على الكفر:
نريد أن نعمل مقارنة:
1- تحدث وهو سفير مكة وهو ثقة عنده عن وقوع الفتنة والفرقة بدعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- .
2- تحدث بلسان الناصح المحب للنجاشي عن خطورة أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنهم ربما يزلزلون الأرض تحت قدمي النجاشي .
3- بيَّن خروجهم على عقيدة النجاشي وكفرهم بها «فهم لا يشهدون أن عيسى ابن مريم إله، فليسوا على دين قومهم وليسوا على دينك» فهم مبتدعة دعاة فتنة .
4- دلل على استصغارهم لشأن الملك، واستخفافهم به أن كل الناس يسجدون للملك لكنهم لا يفعلون ذلك .
كان رد جعفر على أسئلة النجاشي في غاية الذكاء, والدهاء:
1- عدَّد عيوب الجاهلية، بصورة تنفر السامع، وتشوه صورة قريش في عين الملك .
2- عرض شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المجتمع بنسبه وصدقه وأمانته وعفافه .
3- أبرز جعفر محاسن الإسلام وأخلاقه التي تتفق مع أخلاقيات دعوات الأنبياء، كنبذ عبادة الأوثان، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار .
4- فضح ما فعلته قريش بهم؛ لأنهم آمنوا ورفضوا عبادة الأوثان .
5- أحسن الثناء على النجاشي بما هو أهله، بأنه عادل ولا يُظلم عنده أحد.. وأن المسلمين اختاروه ملجئاً من دون الناس، وهذا الكلام يأسر العقل والنفس .
6- أحسن جعفر اختيار السورة عندما طلب الملك النجاشي قراءة القرآن، لأنها تتحدث عن مريم وعيسى عليهما السلام .
7- مع أن جعفر غريب وضعيف هو ومَن معه، فإنه لم يُجامل على حساب دينه وعقيدته، بل بيَّن عقيدة الإسلام بكل ثبات واعتزاز مع أنها تُخالف عقيدة النجاشي وأهل البلد كلهم .
8- كان رده في قضية عيسى عليه السلام دليلاً على الحكمة والذكاء النادر، فردَّ بأنهم لا يُألهون عيسى ابن مريم، ولكنهم كذلك لا يخوضون في عِرض مريم عليها السلام، بل عيسى ابنُ مريم كلمته وروحه ألقاها إلى مريم .
والنتيجة انتصار جعفر، وخسارة عمرو .
32- إسلام حمزة وعمر:
دروس وفوائد:
1- حاجة الدعوة لأصحاب القوة والجاه كحمزة وعمر، ليكونوا سنداً قوياً للدعوة في المجتمع، ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن يُعِزَّ الإسلام بهؤلاء الرجال .
فعلى الداعية أن يحرص على دعوة الشخصيات الهامة وأصحاب النفوذ في المجتمع ويتألف قلوبهم .
2- شجاعة حمزة -رضي الله عنه- في موقفه مع أبي جهل ومع عمر، وأعظم منه شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما خاف الصحابة لما رأوا عمر يريد دخول دار الأرقم، فنهض إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمسك به وهزه وهدده، ثم دعا له بالهداية .
3- فائدة: عدم اليأس من إسلام وهداية الآخرين مهما عظم إجرامهم وكفرهم، فقد كان بعضهم يقول: لو أسلم حمار ابن الخطاب ما أسلم عمر .
4- فائدة: في فضل عمر وعزة الإسلام والمسلمين به من أول يوم أسلم فيه، وكان حصناً للدين وسداً أمام الفتن حتى قتل -رضي الله عنه- .
33- عرض الرغائب والمغريات والحوار مع عتبة:
دروس وفوائد:
1- تجرده -صلى الله عليه وسلم- في حواره مع عتبة، فلم يدخل في معركة جانبية حول أفضليته على أبيه وجده أو أفضليتهما عليه، ولم يجادل في العروض المغرية، ولم يغضب لاتهامه بأنه يريد بالدعوة كذا وكذا من الدنيا ، إنما ترك ذلك كله لهدف أبعد وهو أساس الدعوة ومصلحتها .
2- أدب الاستماع في الحوار، فترك -صلى الله عليه وسلم- عقبة يعرض كل ما عنده، وبلغ من أدبه صلى الله عليه وسلم أن قال: «أفرغت يا أبا الوليد؟» .
3- كان جواب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكيماً وحاسمًا، وأحسن اختياره لهذه الآيات، التي تناولت عدة قضايا رئيسية منها: إن هذا القرآن تنزيل من الله، بيان موقف الكافرين وإعراضهم، بيان مهمة الرسول وأنه بشر، بيان أن الخالق واحد هو الله، بيان تكذيب الأمم السابقة وما أصابها، وإنذار قريش صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .
4- خطورة المال، والجاه، والنساء على الدعاة، فكم سقط من الدعاة على الطريق تحت بريق المال، وكم عرضت الآلاف من الأموال على الدعاة ليكفوا عن دعوتهم، والذين ثبتوا أمام إغراء المال هم المقتدون بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كان الاستعمار في بعض البلدان الإسلامية يستخدم مثل هذا الأسلوب، فكان الخطيب يقوم يحث الناس على الجهاد وطرد المستعمر، فلا يزال المستعمرون وأذنابهم يغرونه بالمال والمنصب، ويوظفونه، فإذا استلم الوظيفة خرج للناس بوجه جديد متسامح.. ومضت الأيام حتى فقد الناس الثقة بالخطباء، فكانوا كلما قام رجل ويخطب بقوة ويثير الناس على المستعمر، قالوا: وظفوه، وتمضي الأيام ويصدق ظنهم .
5- انظروا كيف كان أثر تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عتبة، فبعد أن كان العدو ينوي القضاء على الدعوة، إذا به يطلب من قريش أن تخلي بين محمد -صلى الله عليه وسلم- وما يريد .
35- المقاطعة العامة وفرض الحصار:
دروس وفوائد:
1- في الحصار تضامن مشركوا بني هاشم وبني المطلب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحموه..
طبعاً لم تكن هذه الحماية حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت لشخصه -صلى الله عليه وسلم- من الغريب كأثر من أعراف الجاهلية .
وفي هذا فائدة أنه يسع المسلم أن يستفيد من قوانين الكفر فيما يخدم الدعوة, على أن يكون ذلك مبنيًّا على فتوى صحيحة .
2- ظاهرة أبي لهب تستحق الدراسة والعناية:
لأنها تتكرر في التاريخ الإسلامي، فقد يجد الدعاة من أقرب حلفائهم من يقلب لهم ظهر المجن، ويبالغ في إيذائهم أكثر من خصومهم البعيدين .
3- كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم لأفراد المسلمين ألاَّ يواجهوا العدو:
وأن يضبطوا أعصابهم، فلا يشعلوا فتيل المعركة أو المواجهة, فالتزم الصحابة بذلك .
وهذا يدلك على عظمة الصف المؤمن, في التزامه بأوامر قائده، وبعده عن التصرفات الطائشة، فلم يكن شيء أسهل من اغتيال أبي جهل، وإشعال معركة غير مدروسة وغير متكافئة .
وإن أعظم تربية في هذه المرحلة هي صبر أبطال الأرض على هذا الأذى, دون مقاومة.
مثل حمزة وعمر، وأبي بكر وعثمان .
4- كانت هذه السنوات الثلاثة زادًا عظيمًا في بناء وتربية الجيل الاول:
بالصبر على الابتلاء، وتحمل آلام الجوع والخوف، وضبط الأعصاب والنفوس، ولجم العواطف عن الانفجار .
5- لم تتوقف الدعوة الإسلامية في تلك الفترة:
بل كانت تحقق انتصارات رائعة في الحبشة، وفي نجران، وفي دَوْس، وفي غفار .
بل يمكن أن نقول إن حادثة المقاطعة كانت سببًا في خدمة الدعوة والدعاية لها بين قبائل العرب، وفي موسم الحج, ولفتت الأنظار إلى هذه الدعوة التي يتحمل صاحبها وأصحابه الجوع والعطش والعزلة كل هذا الوقت .
6- فائدة فقهية:
كان لوقوف بني المطلب مع بني هاشم وتحملهم الحصار أثر في مسألة سهم ذوي القربى من خمس الغنائم، في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) .
وعبد مناف ترك أربعة من الولد، نوفل وعبد شمس والمطلب وهاشم .
النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني هاشم وهم الذين قاطعتهم قريش هم وبنوا المطلب لأنهم انحازوا معهم، أما بنو عبد شمس, وبنو نوفل, وإن كانوا بني عمهم, فكانوا مع قريش .
فلما كانت غزوة خيبر أعطاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنائم، فجاءه وفدٌ من بني عبد شمس وبني نوفل، جاءه جبير بن مطعم وعثمان رضي الله عنه من بني عبد شمس فقالوا: يا نبي الله إنك أعطيت إخواننا من بني هاشم وهذه لا تثريب فيها؛ لأن الله شرفهم بك، وإنك أعطيت إخواننا من بني المطلب ونحن وإياهم شيءٌ واحد .
فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا، إن بني المطلب لم يُفارقونا في جاهلية ولا في إسلام، وشبك بين أصبعه .
والقول بأن ذوي القربى هم بنوا هاشم وبنو المطلب هو قول جمهور العلماء كما ذكر ابن كثير.
7- لم يزل -صلى الله عليه وسلم- يتذكر أيام الحصار:
حتى بعد نصر الله لدينه، وإعزاز رسوله بفتح مكة، ثم حجة الوداع، فلما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينفر من مكة بعد أيام التشريق تعمَّد أن ينزل في خَيْف بني كنانة .
ففي البخاري عن أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أين تنزل غدًا؟ قال: «وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟» ثم قال: «نحن نازلون غداً بخيف (أي وادي) بني كنانة، المحصب، حيث قاسمت قريش على الكفر» يعني لما حالفت قريش بني كنانة على حصار بني هاشم وكتبوا الصحيفة في ذلك الوادي .
إنه -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، فيشكر الله على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، ويؤكد انتصار الدين، وتمكين الله للصابرين، والعاقبة للمتقين .
وفي البخاري عن أنس أنه -صلى الله عليه وسلم- بعدما رمى الجمرات اليوم الثالث عشر سار إلى المحصب فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ونام فيه، ثم سار إلى البيت آخر الليل فطاف طواف الوداع، ثم صلى بالناس في البيت الفجر وقرأ فيها سورة الطور، ثم سار إلى المدينة بعد صلاة الفجر من اليوم الرابع عشر .
36- عام الحزن:
دروس وفوائد:
1- في وفاة أبي طالب على الكفر ست فوائد:
الأولى) أن الهداية بيد الله، أبو طالب مع أنه مشرك فقد كان يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحوطه، حتى بلغ من محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا جاء الليل يحمل النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ويضعه في مكانًا آخر، ثم يأتي بأحد أبنائه ويضعه مكانه، حتى إذا أراد أحدٌ قد بيت النية أن يغتال النبي عليه الصلاة والسلام وهو نائم يغتال ابنه لصلبه ولا يغتال النبي عليه الصلاة والسلام، هذا يفعله كله وهو مشرك، يقول الله في الأنعام ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾، ﴿يَنْهَوْنَ﴾ عن أحدٍ أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي أنه لا يقبل أن يدخل في الدين .
كان عليه الصلاة والسلام يُثني على عمه، ويسعى جاهداً لإسلامه.. ومع هذا لم يسلم أبو طالب لحكمة ربانية .
الثانية) استشعار نعمة الهداية:
الإنسان قلبه مُعلقٌ بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنت لا تفرح بشيءٍ أعظم من نعمة الهداية، التي حُرِمها أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي ناصره وحماه، حتى تعلم فضل الرب تبارك وتعالى عليك، ولا ييأسن أحدٌ من أحدٍ وهو يدعوه، ولا يُجزم أحدٌ في أحدٍ وهو يراه، بمعنى مهما رأيت على رجلٍ من الصلاح لا تقطع له بجنةٍ ولا بنار، ومهما رأيت على أحدٍ من سوءٍ وفساد لا تقطع له بجنةٍ ولا نار، إنما الأعمال بالخواتيم.
الثالثة) أن الدعاء بالمغفرة والرحمة لا يجوز إلا للمؤمن:
لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك.. فلما نزلت الآية كف عن الاستغفار له .
الرابعة) شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب:
شفع له عند ربه أن يكون أهون أهل النار عذابًا.. ولا يعارض هذا قوله تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين).. لأن هذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أن الشفاعة المنفية هي الخروج من النار وليس شفاعة التخفيف .
الخامسة) يجب على العاقل المسلم أن يستفيد من الأوضاع الاجتماعية التي يعاصرها:
فقد استفاد النبي -صلى الله عليه وسلم- من جاه عمه ومن نصرته، ولم يقل إنه كافرٌ ولا أستعين به ولا ألجأ إليه لأن الأوضاع تختلف من زمنٍ إلى زمن، والإنسان يقدم أعظم المصلحتين ويدرأ أعظم المفسدتين، والمقصود الأعظم نصرة الدين، وقد قبل -صلى الله عليه وسلم- أن يكون مع عمه في شعبٍ واحدٍ وهو كافرٌ يسجد لغير الله .
السادسة) أثر الرفقة السيئة على الإنسان في حياته وعند مماته:
فإنهم يحضرونه إما بأجسادهم وإما بأعمالهم واجتماعاتهم فيكون لصحبته لهم أثر عند موته، وقد يمثل له جلساؤه في سكرات الموت كما ذكر ابن القيم .
2- في وفاة خديجة ثلاثة فوائد:
الأولى: فضل خديجة ودورها في الدعوة:
كما تقدم بيانه وذكره المصنف .
الثانية: وفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لخديجة حتى بعد موتها:
فقد كان في غاية الوفاء ورد الجميل مع زوجته المخلصة .
تقول عائشة رضي الله عنها كما في البخاري: (ما غرت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة, وما رأيتها، ولكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطّعها أعضاءً ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: «إنها كانت وكانت وكان لي منها الولد») .
وأظهر صلى الله عليه وسلم البشاشة والسرور لأخت خديجة لما استأذنت عليه لتذكُّره خديجة, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك، فقال: «اللهم هالة بنت خويلد» فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين (يعني لا أسنان لها من الكبر) هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرًا منها .
وأظهر صلى الله عليه وسلم الحفاوة بامرأة كانت تأتيهم زمن خديجة: كما روى الحاكم والبيهقي وصححه الألباني في السلسلة عن عائشة قالت: (جاءت عجوز إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عندي فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أنت؟ قالت أنا جثامة المزنية .
فقال بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ .
قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله .
فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان) .
الثالثة: سنة الابتلاء بفقد الأحباب:
من الناحية الدنيوية كان موت أبي طالب وخديجة بمثابة نكبة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاصة والعامة، لكنها سنة الله في أوليائه وهو الحكيم في جميع أفعاله .
ابتلى الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفقد زوجته وأولاده في حياته، المصيبة والخسارة الحقيقية هي خسارة الدين ، أما الدنيا فهي حقيرة عند الله ، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء كما في الحديث.
ولك أيضاً أن تستحضر الفترة التي مات فيها أبو طالب وخديجة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أحوج ما يكون إلى هذين الإنسانين ، ولعل هذا لحكمة أن يقطع الله عن عبده رجاءه بالخلق ويكون اعتماده الأول على الله تعالى بالصبر واليقين والتوكل على الله وحده .
وأيضاً لدفع توهم أن أبا طالب هو الذي وراء نجاح الدعوة وأنها لا تقوم إلا بحمايته.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin