ولمّا كانت الحروف من هذا الفلك لا تعطى خواصّها إلّا ما يعطيه حكم المنازل ولا تعطى أبدا شكلا غريبا لأنّها دون الفلكين .
غير أنّ لها روحانيّة لطيفة في الفلك الأطلس الّذي هو سقف الجنّة بها يبقى الكلام على أهل الجنّة أعنى الحروف الفكريّة وأمّا اللفظية
فهي لهم في نفس هذا الفلك الّذي هم فيه ولكن هو ألطف وأعذب من هذا الكلام المعتاد للعباد لأنّها تفعل هناك بالروحانيّة الخالصة كشكلنا أيضا في الجنان على أعدل نشأة
فأنتج الاستعداد الحسن والفيض الروحانىّ نتيجة تناسب نشأتها وبما في الفلك الأطلس من الطبيعة وفي هذا الفلك كان في الجنّة الأنهار والرياح والأشجار والحور والقصور والولدان والأكل والشّرب والنكاح والانتقالات من حال إلى حال على أهل الطبيعة
إلّا أنّ الأمر ثابت في عين الحوامل والقوابل بحفظ الاعتدال فلا يستحيلون أبدا
لكن يختلف عليها الصّور والحالات والصفات والأشكال في المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والأعراض بشريف
وأشرف وحسن وأحسن وجميل وأجمل حكمة بالغة من عزيز عليم
وهنا نكتة اللطيفة الانسانيّة ليست من عالم الاستحالة والفناء بل هي من عالم الثبوت والبقاء وهي تستدعى بيتا تدبّره يسمّى الجسم الطبيعىّ
وهي المخاطبة العاقلة الحية الدائمة الملتذّة المتألّمة والجسم بما هو جسم طبيعىّ يتغذّى ويتخلّل قليلا قليلا
وينمو قليلا قليلا ويعطى الغذاء من الزيادة قدر ما نقص والفاضل يخرج في هذه الدار عذرة وبولا وبصاقا ومخاضا وعرقا
وهناك ليس إلّا العرق خاصّة يخرج من أعراضهم يعنى من الأبدان وهو فضلات الأغذية أطيب من ريح المسك فالمعتبر من الإنسان لطيفته وهي الحافظة لما
حصّلت والمميّزة لما أدركت فتفهّم هذا فإنّه ينفعك فلمّا أكمل سبحانه أفلاك الثبات والبقاء وصارت الكلمة أربعة بوجود هذا الفلك الرابع
أراد سبحانه إيجاد عالم الدنيا من الأركان والسماوات السبع والمولّدات الّتي مال تراكيبها وأجسامها إلى فساد وانتقال وما من فلك أوجده الحقّ تعالى من هذه الأفلاك الثابتة إلّا وقد جعل اللّه سبحانه للملكين الكريمين القلم واللوح توجّها إليها عند ما أراد إيجاده
ويخلق اللّه عند التوجّه ما شاء أن يخلقه ممّا شاء أن يتوجّه عليه لا بالتوجّه لأنّه يتعالى ويتقدّس عن المعين والشريك وأحكام الأسباب إذ هو الناصب لها والخالق
وما لها سبب إلّا من حيث التوجّه والقصد وهو خلق للَّه تعالى مثل أعمالنا المرادة لنا بخلقه سبحانه الإرادة فينا إلى تحريك يدنا أو إلى فعل من الأفعال المرادة لنا
فعند ما تتعلّق إرادتنا بتحريك يدنا أو بفعل ما خلق اللّه تعالى الحركة في اليد وذلك الفعل ليس غير ذلك
فلا فاعل في الوجود إلّا هو سبحانه هذا هو الّذي أعطاه دليلي وكشفى وهو علمي واعتقادي نسأل اللّه الثبات عليه وأنّه سبحانه ليس بعلّة لشيء بل هو الواحد
أوجد ما أوجده إيجادا من لم يكن إلى فكان ما ثمّ أزلي قديم انتفت عنه الأوّليّة إلّا هو لا إله إلّا هو فجعل سبحانه للنفس الكلّيّة الّتي هي اللوح توجّها
من حيث أنّه يريد إيجاد الأجرام النورانيّة وغيرها حتّى إذا حصّلت الاستعدادات لأشخاص أنوار هذه الأفلاك على حسب مقاماتهم ومراتبهم الّتي أهّلهم اللّه تعالى لها وأهّلها لهم وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ
توجّه العقل الّذي هو القلم عن إذن الواحد القهّار توجّه النّفخ
فأوجد اللّه الأرواح الملكيّة في الأشخاص الفلكيّة
فقامت حيّة ناطقة بالثناء على اللّه تعالى . ولذلك خلقها
ولنا في هذا النوع الملكىّ أبيات أوّلها:
روح من الروح في جسم من النور * كالماء أودعته في جام بلّور
يعطيك ظاهره أسرار باطنه * كالمبصرات إذا ما فضّ في النور
له الجناح إذا ما شاء يبسطه * أو شاء يقبضه من غير تشمير
له اليدان له العينان نبصرها * في العين قائمة من غير تصوير
لواحد سدرة علياء يسكنها * وآخر همّه في النّفخ في الصّور
وثالث يقبض الأرواح كارهة * وواهب رزقه من غير تغيير
وخامس يسمع الأرواح دعوته * خير يجود وبخل خلق تدمير
هم الكثيرون لا يحصى مقاصدهم * ولا مراتبهم إلّا من الطّور
فمن على الطور يلحظ سرّ خلقهم * وفوقه سابح في ماء تنّور
وفرق بين النفخ والدّعاء
ولهذا بيّنّا أنّ النفخ في البدء والإعادة فإنّ الإعادة كالبداءة سواء
ولهذا قال : "كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ "
وقال في خلق عيسى عم الطير "فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي " وهو إيجاد مخصوص والدّعاء ليس كذلك كما قال لإبراهيم عليه السلام "ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً "
وما كان أذهب منهنّ شيئا إلّا فساد عين التركيب وأمّا الأجزاء فهي باقية بأعيانها
وليس حكم الجوهر بعد زوال الحياة منه الّتي كان يحملها حسّا لنا مثل الجوهر الّذي لم يكن له ذلك أصلا
مع أنّا نعلم أنّه ما من شيء إلّا سبّح بحمده إيمانا ولا نعلم الكيفيّة ولا يكون التسبيح إلّا من حىّ .
باب خلق الدنيا
ثمّ انصرف النظر والتوجّه الإرادىّ الإلهيّ بعد خلق ما ذكرناه إلى النّفس الّذي هو الملك الكريم
فأوحى اللّه تعالى أن ينحدر بالتدبير في عمق الجسم إلى أقصاه وذلك نقطة مركزه المعبّر عنها بعجب الذّنب الّذي تقوم عليه النشأة
وهو جزء لا يبلى وهو محل نظر العنصر الأعظم الّذي خلق العقل من التفاتته فانحدر الملك الكريم بإذن العزيز العليم إلى أن انتهى إلى المركز فوجد نظر العنصر الأعظم إليه .
وأنّ أمر الكون المدبّر كلّه منه صدر وإليه يعود حكمة بالغة
فأدار كرة الأرض ابتداء وكانت هذه الحركة من هذا الملك بطالع السرطان وهو الملك الكريم الّذي ذكرناه في سماء البروج
وجعل ممّا يلي المركز صخرة عظيمة كريّة وفي نقطة تلك الصخرة الصّمّاء حيوانا في فمه ورقة خضراء يسبّح اللّه ويمجّده وهو الحيوان الأشرف .
ولنا فيه كلام طويل فإنّ مقامه من أعجب المقامات وعمّر هذه الأرض بصنف من الملائكة يقال لهم الناشرات
وقد نبّه الشرع عليها أنّ الملائكة تنشر أجنحتها لطالب العلم وهم هؤلاء فإنّ الأرض إنّما هي لعباده الصالحين وهم العلماء باللّه
وجعل فيها مقدّما من الملائكة عظيما اسمه قاف وإليه ينسب الجبل المحيط بالأرض جبل قاف .
فإنّه مقعد هذا الملك وبيده حكم الأرض وحكم الزّلازل والرّجفات والخسف وكلّ ما يحدث في الأرض منها بيد هذا الملك زمامه
وجعل هذه الأرض محلّ أكثر المولّدات وهي المقصودة من بين سائر الأركان وفيها ينزل الخليفة وعليها ينزل الأمر الإلهيّ .
ولمّا كانت المقصودة لم تتنزّل الكتب إلّا بذكرها
فقال في غير موضع "السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" و"السَّماءِ وَالْأَرْضِ".
وقال :" وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها "
وقال :"خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْن " . ِثمّ قال :"ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ".
ولم يذكر من الأركان غيرها فدلّ ذلك على أصالتها وعلى أنّها المقصودة
ثمّ الكشف يعطى بأنّها هي الّتي خلقت أوّلا .
وأنّها أوّل الأركان خلقها قبل بقيّة الأركان وفيها خلاف كثير بين العلماء وقبل السماوات وما فيها . ومنها يكونون في الجنّة وعليها يحشر الناس
غير أنّ نعوتها تتبدّل فتكون الخاصّيّة في الحشر الساهرة أي لا ينام عليها لهذه الخاصّيّة
وقال :" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ " والجنّة مبنيّة كلّها وخلقها من نفائس معادنها من اللؤلؤ والمرجان والجوهر والدّر والياقوت والذهب والفضّة والزمرّد والمسك والعنبر والكافور وما أشبه ذلك
وإذا وقفت في الأخبار على أنّ مراكب الجنّة من درّ وياقوت ومرجان وحورها وولدانها وجميع ما فيها فافهم من ذلك ما فهمت .
من "أنّ آدم خلق مِنْ تُرابٍ "، "ومِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " وأنّك مخلوق "ِمنْ ماءٍ مَهِينٍ "،
فهو تنبيه على الأصل وكما كانت الأرض للجنّة من حيث ما ذكرناه
فمنها أيضا للنار كلّ معدن خسيس مثل الكبريت والحديد والرّصاص والنّحاس والنّار والقطران وكلّ نتن وقذر .
وقد عبّر الشارع فقال: " سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ، ولَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ "
وصبّ في أذنيه الآنك ويجعل لمن كان يسجد اتّقاء ورياء وهو المنافق ظهره طبقة نحاس وقد نبّه بوادي جهنّم بالبيت المقدّس وبطن محسّرا
وبالأرض الملعونة وبشجرة الغرقد فقسم هذه الأرض وفصّلها بين الجنّة والنار فللنار منها جزء وللجنّة منها جزء .
وأخبر ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنّة إلّا أنّها لا تتبدّل بالصفات وقد ذكرنا في كتاب الجنّة ما يشفى .
في ذلك وفي كتاب النار ما يشفى في ذلك فالأصل الأرض خلقها بما فيها في أربعة أيّام وهي أربعة آلاف سنة كلّ يوم من الأيّام ألف سنة عنده فعيّن فيها أماكن الخير وأماكن الشرّ مقدّرة .
ثمّ إنّ اللّه تعالى وتقدّس خلق الأفلاك الثابتة دائرة بالتوجّه نحو الكمال والكائنات يوجدها الحقّ عند دورانها كما يوجد الشّبع عند الأكل
وليس ذلك بمقصود للأفلاك وحلّل في جوف كرة الأرض منها ما حلّل وسخف ولطف فكان ماء نتنا وهو البحر العظيم الّذي يعذّب به أهل الشّقاء وهو ماء أسود وكثيرا ما يظهر آثاره في الأماكن المخسوفة ينفخ له منفس .
فيظهر منه على وجه الأرض ما يظهر ومنه منبع المياه الرديئة كلّها الّتي لا يلائم مزاج الإنسان والحيوانات فدار هذا الماء بالصخرة وصارت الأرض عليه
ثمّ حلّل سبحانه منه ما حلّل ولطّفه ممّا يلي المركز فكان الهواء المظلم وهو اليحموم فدار ذلك الهواء بالمركز الّذي هو الصخرة .
غير أنّ لها روحانيّة لطيفة في الفلك الأطلس الّذي هو سقف الجنّة بها يبقى الكلام على أهل الجنّة أعنى الحروف الفكريّة وأمّا اللفظية
فهي لهم في نفس هذا الفلك الّذي هم فيه ولكن هو ألطف وأعذب من هذا الكلام المعتاد للعباد لأنّها تفعل هناك بالروحانيّة الخالصة كشكلنا أيضا في الجنان على أعدل نشأة
فأنتج الاستعداد الحسن والفيض الروحانىّ نتيجة تناسب نشأتها وبما في الفلك الأطلس من الطبيعة وفي هذا الفلك كان في الجنّة الأنهار والرياح والأشجار والحور والقصور والولدان والأكل والشّرب والنكاح والانتقالات من حال إلى حال على أهل الطبيعة
إلّا أنّ الأمر ثابت في عين الحوامل والقوابل بحفظ الاعتدال فلا يستحيلون أبدا
لكن يختلف عليها الصّور والحالات والصفات والأشكال في المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والأعراض بشريف
وأشرف وحسن وأحسن وجميل وأجمل حكمة بالغة من عزيز عليم
وهنا نكتة اللطيفة الانسانيّة ليست من عالم الاستحالة والفناء بل هي من عالم الثبوت والبقاء وهي تستدعى بيتا تدبّره يسمّى الجسم الطبيعىّ
وهي المخاطبة العاقلة الحية الدائمة الملتذّة المتألّمة والجسم بما هو جسم طبيعىّ يتغذّى ويتخلّل قليلا قليلا
وينمو قليلا قليلا ويعطى الغذاء من الزيادة قدر ما نقص والفاضل يخرج في هذه الدار عذرة وبولا وبصاقا ومخاضا وعرقا
وهناك ليس إلّا العرق خاصّة يخرج من أعراضهم يعنى من الأبدان وهو فضلات الأغذية أطيب من ريح المسك فالمعتبر من الإنسان لطيفته وهي الحافظة لما
حصّلت والمميّزة لما أدركت فتفهّم هذا فإنّه ينفعك فلمّا أكمل سبحانه أفلاك الثبات والبقاء وصارت الكلمة أربعة بوجود هذا الفلك الرابع
أراد سبحانه إيجاد عالم الدنيا من الأركان والسماوات السبع والمولّدات الّتي مال تراكيبها وأجسامها إلى فساد وانتقال وما من فلك أوجده الحقّ تعالى من هذه الأفلاك الثابتة إلّا وقد جعل اللّه سبحانه للملكين الكريمين القلم واللوح توجّها إليها عند ما أراد إيجاده
ويخلق اللّه عند التوجّه ما شاء أن يخلقه ممّا شاء أن يتوجّه عليه لا بالتوجّه لأنّه يتعالى ويتقدّس عن المعين والشريك وأحكام الأسباب إذ هو الناصب لها والخالق
وما لها سبب إلّا من حيث التوجّه والقصد وهو خلق للَّه تعالى مثل أعمالنا المرادة لنا بخلقه سبحانه الإرادة فينا إلى تحريك يدنا أو إلى فعل من الأفعال المرادة لنا
فعند ما تتعلّق إرادتنا بتحريك يدنا أو بفعل ما خلق اللّه تعالى الحركة في اليد وذلك الفعل ليس غير ذلك
فلا فاعل في الوجود إلّا هو سبحانه هذا هو الّذي أعطاه دليلي وكشفى وهو علمي واعتقادي نسأل اللّه الثبات عليه وأنّه سبحانه ليس بعلّة لشيء بل هو الواحد
أوجد ما أوجده إيجادا من لم يكن إلى فكان ما ثمّ أزلي قديم انتفت عنه الأوّليّة إلّا هو لا إله إلّا هو فجعل سبحانه للنفس الكلّيّة الّتي هي اللوح توجّها
من حيث أنّه يريد إيجاد الأجرام النورانيّة وغيرها حتّى إذا حصّلت الاستعدادات لأشخاص أنوار هذه الأفلاك على حسب مقاماتهم ومراتبهم الّتي أهّلهم اللّه تعالى لها وأهّلها لهم وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ
توجّه العقل الّذي هو القلم عن إذن الواحد القهّار توجّه النّفخ
فأوجد اللّه الأرواح الملكيّة في الأشخاص الفلكيّة
فقامت حيّة ناطقة بالثناء على اللّه تعالى . ولذلك خلقها
ولنا في هذا النوع الملكىّ أبيات أوّلها:
روح من الروح في جسم من النور * كالماء أودعته في جام بلّور
يعطيك ظاهره أسرار باطنه * كالمبصرات إذا ما فضّ في النور
له الجناح إذا ما شاء يبسطه * أو شاء يقبضه من غير تشمير
له اليدان له العينان نبصرها * في العين قائمة من غير تصوير
لواحد سدرة علياء يسكنها * وآخر همّه في النّفخ في الصّور
وثالث يقبض الأرواح كارهة * وواهب رزقه من غير تغيير
وخامس يسمع الأرواح دعوته * خير يجود وبخل خلق تدمير
هم الكثيرون لا يحصى مقاصدهم * ولا مراتبهم إلّا من الطّور
فمن على الطور يلحظ سرّ خلقهم * وفوقه سابح في ماء تنّور
وفرق بين النفخ والدّعاء
ولهذا بيّنّا أنّ النفخ في البدء والإعادة فإنّ الإعادة كالبداءة سواء
ولهذا قال : "كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ "
وقال في خلق عيسى عم الطير "فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي " وهو إيجاد مخصوص والدّعاء ليس كذلك كما قال لإبراهيم عليه السلام "ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً "
وما كان أذهب منهنّ شيئا إلّا فساد عين التركيب وأمّا الأجزاء فهي باقية بأعيانها
وليس حكم الجوهر بعد زوال الحياة منه الّتي كان يحملها حسّا لنا مثل الجوهر الّذي لم يكن له ذلك أصلا
مع أنّا نعلم أنّه ما من شيء إلّا سبّح بحمده إيمانا ولا نعلم الكيفيّة ولا يكون التسبيح إلّا من حىّ .
باب خلق الدنيا
ثمّ انصرف النظر والتوجّه الإرادىّ الإلهيّ بعد خلق ما ذكرناه إلى النّفس الّذي هو الملك الكريم
فأوحى اللّه تعالى أن ينحدر بالتدبير في عمق الجسم إلى أقصاه وذلك نقطة مركزه المعبّر عنها بعجب الذّنب الّذي تقوم عليه النشأة
وهو جزء لا يبلى وهو محل نظر العنصر الأعظم الّذي خلق العقل من التفاتته فانحدر الملك الكريم بإذن العزيز العليم إلى أن انتهى إلى المركز فوجد نظر العنصر الأعظم إليه .
وأنّ أمر الكون المدبّر كلّه منه صدر وإليه يعود حكمة بالغة
فأدار كرة الأرض ابتداء وكانت هذه الحركة من هذا الملك بطالع السرطان وهو الملك الكريم الّذي ذكرناه في سماء البروج
وجعل ممّا يلي المركز صخرة عظيمة كريّة وفي نقطة تلك الصخرة الصّمّاء حيوانا في فمه ورقة خضراء يسبّح اللّه ويمجّده وهو الحيوان الأشرف .
ولنا فيه كلام طويل فإنّ مقامه من أعجب المقامات وعمّر هذه الأرض بصنف من الملائكة يقال لهم الناشرات
وقد نبّه الشرع عليها أنّ الملائكة تنشر أجنحتها لطالب العلم وهم هؤلاء فإنّ الأرض إنّما هي لعباده الصالحين وهم العلماء باللّه
وجعل فيها مقدّما من الملائكة عظيما اسمه قاف وإليه ينسب الجبل المحيط بالأرض جبل قاف .
فإنّه مقعد هذا الملك وبيده حكم الأرض وحكم الزّلازل والرّجفات والخسف وكلّ ما يحدث في الأرض منها بيد هذا الملك زمامه
وجعل هذه الأرض محلّ أكثر المولّدات وهي المقصودة من بين سائر الأركان وفيها ينزل الخليفة وعليها ينزل الأمر الإلهيّ .
ولمّا كانت المقصودة لم تتنزّل الكتب إلّا بذكرها
فقال في غير موضع "السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" و"السَّماءِ وَالْأَرْضِ".
وقال :" وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها "
وقال :"خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْن " . ِثمّ قال :"ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ".
ولم يذكر من الأركان غيرها فدلّ ذلك على أصالتها وعلى أنّها المقصودة
ثمّ الكشف يعطى بأنّها هي الّتي خلقت أوّلا .
وأنّها أوّل الأركان خلقها قبل بقيّة الأركان وفيها خلاف كثير بين العلماء وقبل السماوات وما فيها . ومنها يكونون في الجنّة وعليها يحشر الناس
غير أنّ نعوتها تتبدّل فتكون الخاصّيّة في الحشر الساهرة أي لا ينام عليها لهذه الخاصّيّة
وقال :" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ " والجنّة مبنيّة كلّها وخلقها من نفائس معادنها من اللؤلؤ والمرجان والجوهر والدّر والياقوت والذهب والفضّة والزمرّد والمسك والعنبر والكافور وما أشبه ذلك
وإذا وقفت في الأخبار على أنّ مراكب الجنّة من درّ وياقوت ومرجان وحورها وولدانها وجميع ما فيها فافهم من ذلك ما فهمت .
من "أنّ آدم خلق مِنْ تُرابٍ "، "ومِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " وأنّك مخلوق "ِمنْ ماءٍ مَهِينٍ "،
فهو تنبيه على الأصل وكما كانت الأرض للجنّة من حيث ما ذكرناه
فمنها أيضا للنار كلّ معدن خسيس مثل الكبريت والحديد والرّصاص والنّحاس والنّار والقطران وكلّ نتن وقذر .
وقد عبّر الشارع فقال: " سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ، ولَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ "
وصبّ في أذنيه الآنك ويجعل لمن كان يسجد اتّقاء ورياء وهو المنافق ظهره طبقة نحاس وقد نبّه بوادي جهنّم بالبيت المقدّس وبطن محسّرا
وبالأرض الملعونة وبشجرة الغرقد فقسم هذه الأرض وفصّلها بين الجنّة والنار فللنار منها جزء وللجنّة منها جزء .
وأخبر ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنّة إلّا أنّها لا تتبدّل بالصفات وقد ذكرنا في كتاب الجنّة ما يشفى .
في ذلك وفي كتاب النار ما يشفى في ذلك فالأصل الأرض خلقها بما فيها في أربعة أيّام وهي أربعة آلاف سنة كلّ يوم من الأيّام ألف سنة عنده فعيّن فيها أماكن الخير وأماكن الشرّ مقدّرة .
ثمّ إنّ اللّه تعالى وتقدّس خلق الأفلاك الثابتة دائرة بالتوجّه نحو الكمال والكائنات يوجدها الحقّ عند دورانها كما يوجد الشّبع عند الأكل
وليس ذلك بمقصود للأفلاك وحلّل في جوف كرة الأرض منها ما حلّل وسخف ولطف فكان ماء نتنا وهو البحر العظيم الّذي يعذّب به أهل الشّقاء وهو ماء أسود وكثيرا ما يظهر آثاره في الأماكن المخسوفة ينفخ له منفس .
فيظهر منه على وجه الأرض ما يظهر ومنه منبع المياه الرديئة كلّها الّتي لا يلائم مزاج الإنسان والحيوانات فدار هذا الماء بالصخرة وصارت الأرض عليه
ثمّ حلّل سبحانه منه ما حلّل ولطّفه ممّا يلي المركز فكان الهواء المظلم وهو اليحموم فدار ذلك الهواء بالمركز الّذي هو الصخرة .
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin