وقال لمن اعتبر في قوله وتدبيره " لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ" في علوّ المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم الّتي أعطاهم اللّه في بواطنهم وأجراها فيهم ،
ثمّ إنّ اللّه تعالى خلق الدوابّ الّتي تعمّر البحرّ الّذي بين السماء والأرض ثمّ جبال البرد والثلج الّذي دون البحر ممّا يلي الأرض بقوله تعالى :" وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ".
وكون فيها حيّات بيضاء صغارا وقد يصل إلى هذه الجبال بعض الطيور وربّما تصيد من هذه الحيّات الشّودنيقات الفرْه البلنسيّة .
ورأينا من ذلك حيوانا يسمّى السمندر وله خاصّيّة عجيبة في ترك نبات الشعر وما زال التكوين ينزل إلى أن وصل إلى الأرض
فأوّل تكوين في الأرض المعادن ثمّ النبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان
وجعل آخر كلّ صنف من هذه المكوّنات أوّلا للّذى يليها
فكان آخر المعادن وأوّل النبات الكمأة
وآخر النبات وأوّل الحيوان النّخلة وآخر الحيوان وأوّل الإنسان القردة فلنذكر نشأة الإنسان خاصّة الّذي هو المقصود في هذا الكتاب ولنضرب عن ذكر ما سواه إذ لا حاجة لنا بذكره في هذا الموضع " وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ "
باب نشأة الإنسان الأوّل
اعلم أنّ اللّه تعالى لمّا أراد أن يخلق الإنسان بعد ما مهّد له المملكة وأحكم أسبابها إذ كان اللّه قد قضى بسابق علمه أن يجعله في أرضه خليفة نائبا عنه فيها فجعل نسخة من العالم كلّه فما من حقيقة في العالم إلّا وهي في الإنسان فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهيّة الّتي توجّهت على إيجاد العالم بأسره توجّهت على إيجاد هذه النشأة الإنسانيّة الإماميّة
فقال عزّ وجلّ للملائكة :" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً "
فلمّا سمعت الملائكة ما قاله الحقّ لها ورأت أنّه مركّب من أضداد متنافرة وأنّ روحه يكون على طبيعة مزاجه قالوا " أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ".
غيرة منهم على جناب الحقّ ثمّ قالوا عن أنفسهم بما تقتضيه نشأتهم " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ". قالَ:" إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ".
ثمّ نرجع ونقول إنّا روينا أنّ اللّه تعالى وجّه إلى الأرض ملكا بعد ملك ليأتوا بقبضة منها ليفتح فيها صورة جسدا الإنسان وما من ملك منهم إلّا وتقسم الأرض عليه بالّذى أرسله أن لا يأخذ منها شيئا
يكون غذا للنار فيرجع إلى أن وجّه اللّه عزرائيل فأقسمت عليه كما أقسمت على غيره فقال لها إنّ الّذي وجّهنى وأمرني أولى بالطاعة فقبض منها قبضة من سهلها وحزنها وأبيضها أحمرها فظهر ذلك في أخلاق الناس وألوانهم
فلمّا حضر بين يدي الحقّ شرّفه الحقّ بأن ولّاه قبض أرواح من يخلقه من تلك القبضة فتميّز وتعيّن مخمّر اللّه طينة آدم بيديه حتّى قبلت بذلك التعفين النفخ الإلهيّ وسرى الروح الحيوانىّ في أجزاء تلك الصورة .
ثمّ فتح بعد التمييز والنفخ هذه الصورة الآدميّة وعيّن لها من النفس الكلّيّة النفس الناطقة الجزئيّة فكان الروح الحيوانىّ والقوى من النّفس الرحمانىّ بفتح الفاء
وكانت النفس الناطقة الجزئيّة من أشعّة أنوار النفس الكلّيّة وجعل بيد الطبيعة العنصريّة تدبير جسده وبيد النفس الجزئيّة تدبير عقله .
وأيّدها بالقوىّ الحسّيّة والمعنويّة وتجلّى لها في أسمائه لتعلم كيفيّة تدبير ما ملّكها إيّاه ثمّ جعل في هذه النفس الناطقة قوّة اكتساب العلوم بواسطة القوى الّتي هي كالأسباب لتحصيل ما تريد تحصيله .
فبالنّفس الرحمانيّ كانت حياة هذه النشأة وبالنّفس الناطقة علمت وأدركت وبالقوّة المفكّرة فصّلت ما أجمل الحقّ فيها فأنزلت الأشياء مراتبها وأعطت كلّ ذي حقّ حقّه فبما هو من الطبيعة هو من ماء مهين وآدم " مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . وصَلْصالٍ . ومِنْ تُرابٍ . والشَّياطِينُ .
وغير ذلك وبما هو من النّفس الكلّيّة والروح المضاف إليه تعالى هو حافظ عاقل دراك متصوّر ذاكر إلى أمثال هذه الصفات الإنسانيّة والقوى
ولمّا سرّت النّفخة فيه خرج الهواء من منخريه فعطس فتغيّرت صورته فلمّا انفصل عنه عادت صورته كما كانت
فقال له الملك احمد اللّه على ردّ حسن صورتك إليك فحمد اللّه
فقال له ربّه "يرحمك ربّك "
يا آدم لهذا خلقتك أي لتحمدنى فأرحمك .
فذلك هو تشميت العاطس إذا حمد اللّه ثمّ كان من أمره مع الملائكة ما قصّه اللّه علينا وأنزله في الأرض خليفة جامعا للأسماء الإلهيّة والكونيّة كلّها لجمعيّته الّتي خلقه اللّه عليها فهو المشار إليه وإلى كلّ كامل من الناس بقوله " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ "
من نفسه" وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ "
من طبعه وهو العليم بما علّمه الحقّ من الأسماء والحكيم بتعيين المراتب وإطلاق الأسماء على مسمياتها .
وهذا كلّه على طريق الإشارة لا على جهة التفسير فاعلم ذلك فأعطته النيابة والخلافة هاتين الصفتين الحقيقيّتين " أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ " فهذا هو الإله المتّخذ وأضلّه اللّه أي حيّره على علّم .
فجعل علمه في حيرته يقول الصدّيق العجز عن درك الإدراك إدراك فعلمك أنّ ثمّ ما لا يعلّم علم محقق أنت به عالم بلا شكّ وهو قولنا الحمد للَّه الّذي أنا جامع لعلومه ولعلم ما لم يعلم أنّه لا يعلم
ولمّا تعدّد الكمّل من هذه النشأة جعلهم الحقّ خلائف بعد ما كان خليفة
فكلّ كامل خليفة وما يخلو زمان عن كامل أصلا فما يخلو عن خليفة وإمام فلا يخلو الأرض عن ظهور صورة إلهيّة يعرفها جميع خلق اللّه .
معيّنة ما عدا الثّقلين الإنس والجنّ فإنّها معروفة عند بعضها فيوفّون حقّها من التعظيم والإجلال لها "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ " ثمّ لتعلم أنّ كلّ مولود فإنّه يولد على الفطرة الّتي أخذها اللّه على بني آدم من الإقرار بربوبيّته
لمّا قبض على ظهر آدم فاستخرج منه ذرّيّته كأمثال الذرّ
فقال لهم : "أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى" أنت ربّنا فهذه هي الفطرة "الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها" وهي الإقرار بربوبيّة الحقّ عليهم فلمّا كبروا صاروا بحكم الاباء والمربّين وحكم لهم بحكم الذرّ فمن استمرّ على الفطرة إذا كانت أبواه مسلمين إلى أن يموت عليها كان من السّعداء الموحّدين .
وإن طرأ عليه خلل يزيله عن الفطرة كان بحسب ما زال إليه ثمّ يموت على ما هو عليه قبل موته وقبل الاحتضار وإذا انتقل إلى البرزخ وانفصل عن الدنيا انفصال من لا يرجع يكون في البرزخ على الحالة الّتي كان عليها عند الانفصال
فإن كان على حالة تعطيه السعادة سعد وإن كان على حالة تعطيه الشقاوة شقىّ ثمّ
تردّ عليه حياته وعقله أوفر ما كان في قبره فيأتيه فتّانا القبر ومعهما محمّد صلعم فيقال له ما تقول في هذا الرجل ولا يظهران له بما ينبغي له من التعظيم فإن عصم الميّت منهما فيقول هذا محمّد رسول اللّه جاءنا بالبيّنات والهدى فآمنّا وصدّقنا
فيقولان له نم هنيئا فقد كنّا نعرف منك هذا وإن وقف مع ما يرى من عدم تعظيم السائلين له صلى الله عليه وسلم ، وتلك فتنة القبر .
فيقول لو كان لهذا عند اللّه قدر مثل ما يعتقده المؤمنون فيه لعظّمه هذان
فيقول سمعت الناس يقولون فيه أنّه رسول اللّه .
فقلت فيه ما قاله الناس فيقولان له لا سمعت ولا قلت فتتسلّمه ملائكة العذاب ثمّ يبقى على ذلك إلى حين البعث ويبعث على ما مات عليه كان ما كان كما ذكرنا ولا يزال ينتقل في مواطن القيامة من موطن إلى موطن على تلك الصورة الّتي قبض عليها .
فإنّ ذلك الموطن وتلك الدار ما هي دار تكليف لو كانت دار تكليف لنفعهم إيمانهم إذا آمنوا وما بقي كافر إلّا أسلم وآمن فإنّه يعاين ما لا يقدر على جحده ولا إنكاره ثمّ إنّ الناس يحشرون إلى أخذ كتبهم .
فمن الناس من يعطى كتابه بيمينه وهم أهل السعادة
ومنهم من يعطى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه وهم الكافرون
ومنهم من يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره يضرب في صدره فينفذ إلى ظهره
وهم المنافقون والمرتابون
فأمّا المؤمنون فهم وجه بلا قفا يرون من كلّ جهة
وأمّا الكافرون فهم قفّا بلا وجه
والمنافقون وجه وقفا
ثمّ يرجع لهم الموازين فيوزنون بأعمالهم فإن رجح عمله به ثقل ميزان عمله به وارتفعت الكفّة به فأخذ إلى علّيّين وإن رجح هو بعمله نزل بكفّته إلى سجّين
وهنالك يقرأ كتابه بما قدّمت يداه وأمّا الكفّار المقلّدة في الكفر فيقول القائل منهميا :" لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا " .
وهم الّذين بلغتهم دعوة الرسل عم فردّوها ولم يعملوا بها وأمّا المجرمون فلا يقيم لهم اللّه عزّ وجلّيَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ولا يعبأ اللّه بهم من قبورهم إلى جهنّم ويأتي أيضا طائفة مستجيرة يقول مترجمهم ، شعر:
رؤوف رحيم لا يكون مؤاخذا * عبيدا أتاه راجيا متلهّفا
لأجل ذنوب قد أتاها بغفلة * ولو كانت الأخرى أتى متكلّفا
فإن شئت عفوا لا تؤاخذه إنّه * أتى مستجيرا سائلا متكتّفا
فأجابه الناطق بلسان الحال ، شعر
إن كنت أنت فأنت * وإن تشأ كنت أنتا
يا يا منيتي يا حبيبي * بكم وبي حيث كنتا
إنّى علمت بأنّى * في حفظكم إذ حفظتا
لو كنت أملك نفسي * عنكم لكنت ملكتا
عيني ولست بغير * لكم فكن لي وأنتا
ثمّ إنّ اللّه تعالى خلق الدوابّ الّتي تعمّر البحرّ الّذي بين السماء والأرض ثمّ جبال البرد والثلج الّذي دون البحر ممّا يلي الأرض بقوله تعالى :" وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ".
وكون فيها حيّات بيضاء صغارا وقد يصل إلى هذه الجبال بعض الطيور وربّما تصيد من هذه الحيّات الشّودنيقات الفرْه البلنسيّة .
ورأينا من ذلك حيوانا يسمّى السمندر وله خاصّيّة عجيبة في ترك نبات الشعر وما زال التكوين ينزل إلى أن وصل إلى الأرض
فأوّل تكوين في الأرض المعادن ثمّ النبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان
وجعل آخر كلّ صنف من هذه المكوّنات أوّلا للّذى يليها
فكان آخر المعادن وأوّل النبات الكمأة
وآخر النبات وأوّل الحيوان النّخلة وآخر الحيوان وأوّل الإنسان القردة فلنذكر نشأة الإنسان خاصّة الّذي هو المقصود في هذا الكتاب ولنضرب عن ذكر ما سواه إذ لا حاجة لنا بذكره في هذا الموضع " وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ "
باب نشأة الإنسان الأوّل
اعلم أنّ اللّه تعالى لمّا أراد أن يخلق الإنسان بعد ما مهّد له المملكة وأحكم أسبابها إذ كان اللّه قد قضى بسابق علمه أن يجعله في أرضه خليفة نائبا عنه فيها فجعل نسخة من العالم كلّه فما من حقيقة في العالم إلّا وهي في الإنسان فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهيّة الّتي توجّهت على إيجاد العالم بأسره توجّهت على إيجاد هذه النشأة الإنسانيّة الإماميّة
فقال عزّ وجلّ للملائكة :" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً "
فلمّا سمعت الملائكة ما قاله الحقّ لها ورأت أنّه مركّب من أضداد متنافرة وأنّ روحه يكون على طبيعة مزاجه قالوا " أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ".
غيرة منهم على جناب الحقّ ثمّ قالوا عن أنفسهم بما تقتضيه نشأتهم " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ". قالَ:" إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ".
ثمّ نرجع ونقول إنّا روينا أنّ اللّه تعالى وجّه إلى الأرض ملكا بعد ملك ليأتوا بقبضة منها ليفتح فيها صورة جسدا الإنسان وما من ملك منهم إلّا وتقسم الأرض عليه بالّذى أرسله أن لا يأخذ منها شيئا
يكون غذا للنار فيرجع إلى أن وجّه اللّه عزرائيل فأقسمت عليه كما أقسمت على غيره فقال لها إنّ الّذي وجّهنى وأمرني أولى بالطاعة فقبض منها قبضة من سهلها وحزنها وأبيضها أحمرها فظهر ذلك في أخلاق الناس وألوانهم
فلمّا حضر بين يدي الحقّ شرّفه الحقّ بأن ولّاه قبض أرواح من يخلقه من تلك القبضة فتميّز وتعيّن مخمّر اللّه طينة آدم بيديه حتّى قبلت بذلك التعفين النفخ الإلهيّ وسرى الروح الحيوانىّ في أجزاء تلك الصورة .
ثمّ فتح بعد التمييز والنفخ هذه الصورة الآدميّة وعيّن لها من النفس الكلّيّة النفس الناطقة الجزئيّة فكان الروح الحيوانىّ والقوى من النّفس الرحمانىّ بفتح الفاء
وكانت النفس الناطقة الجزئيّة من أشعّة أنوار النفس الكلّيّة وجعل بيد الطبيعة العنصريّة تدبير جسده وبيد النفس الجزئيّة تدبير عقله .
وأيّدها بالقوىّ الحسّيّة والمعنويّة وتجلّى لها في أسمائه لتعلم كيفيّة تدبير ما ملّكها إيّاه ثمّ جعل في هذه النفس الناطقة قوّة اكتساب العلوم بواسطة القوى الّتي هي كالأسباب لتحصيل ما تريد تحصيله .
فبالنّفس الرحمانيّ كانت حياة هذه النشأة وبالنّفس الناطقة علمت وأدركت وبالقوّة المفكّرة فصّلت ما أجمل الحقّ فيها فأنزلت الأشياء مراتبها وأعطت كلّ ذي حقّ حقّه فبما هو من الطبيعة هو من ماء مهين وآدم " مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . وصَلْصالٍ . ومِنْ تُرابٍ . والشَّياطِينُ .
وغير ذلك وبما هو من النّفس الكلّيّة والروح المضاف إليه تعالى هو حافظ عاقل دراك متصوّر ذاكر إلى أمثال هذه الصفات الإنسانيّة والقوى
ولمّا سرّت النّفخة فيه خرج الهواء من منخريه فعطس فتغيّرت صورته فلمّا انفصل عنه عادت صورته كما كانت
فقال له الملك احمد اللّه على ردّ حسن صورتك إليك فحمد اللّه
فقال له ربّه "يرحمك ربّك "
يا آدم لهذا خلقتك أي لتحمدنى فأرحمك .
فذلك هو تشميت العاطس إذا حمد اللّه ثمّ كان من أمره مع الملائكة ما قصّه اللّه علينا وأنزله في الأرض خليفة جامعا للأسماء الإلهيّة والكونيّة كلّها لجمعيّته الّتي خلقه اللّه عليها فهو المشار إليه وإلى كلّ كامل من الناس بقوله " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ "
من نفسه" وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ "
من طبعه وهو العليم بما علّمه الحقّ من الأسماء والحكيم بتعيين المراتب وإطلاق الأسماء على مسمياتها .
وهذا كلّه على طريق الإشارة لا على جهة التفسير فاعلم ذلك فأعطته النيابة والخلافة هاتين الصفتين الحقيقيّتين " أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ " فهذا هو الإله المتّخذ وأضلّه اللّه أي حيّره على علّم .
فجعل علمه في حيرته يقول الصدّيق العجز عن درك الإدراك إدراك فعلمك أنّ ثمّ ما لا يعلّم علم محقق أنت به عالم بلا شكّ وهو قولنا الحمد للَّه الّذي أنا جامع لعلومه ولعلم ما لم يعلم أنّه لا يعلم
ولمّا تعدّد الكمّل من هذه النشأة جعلهم الحقّ خلائف بعد ما كان خليفة
فكلّ كامل خليفة وما يخلو زمان عن كامل أصلا فما يخلو عن خليفة وإمام فلا يخلو الأرض عن ظهور صورة إلهيّة يعرفها جميع خلق اللّه .
معيّنة ما عدا الثّقلين الإنس والجنّ فإنّها معروفة عند بعضها فيوفّون حقّها من التعظيم والإجلال لها "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ " ثمّ لتعلم أنّ كلّ مولود فإنّه يولد على الفطرة الّتي أخذها اللّه على بني آدم من الإقرار بربوبيّته
لمّا قبض على ظهر آدم فاستخرج منه ذرّيّته كأمثال الذرّ
فقال لهم : "أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى" أنت ربّنا فهذه هي الفطرة "الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها" وهي الإقرار بربوبيّة الحقّ عليهم فلمّا كبروا صاروا بحكم الاباء والمربّين وحكم لهم بحكم الذرّ فمن استمرّ على الفطرة إذا كانت أبواه مسلمين إلى أن يموت عليها كان من السّعداء الموحّدين .
وإن طرأ عليه خلل يزيله عن الفطرة كان بحسب ما زال إليه ثمّ يموت على ما هو عليه قبل موته وقبل الاحتضار وإذا انتقل إلى البرزخ وانفصل عن الدنيا انفصال من لا يرجع يكون في البرزخ على الحالة الّتي كان عليها عند الانفصال
فإن كان على حالة تعطيه السعادة سعد وإن كان على حالة تعطيه الشقاوة شقىّ ثمّ
تردّ عليه حياته وعقله أوفر ما كان في قبره فيأتيه فتّانا القبر ومعهما محمّد صلعم فيقال له ما تقول في هذا الرجل ولا يظهران له بما ينبغي له من التعظيم فإن عصم الميّت منهما فيقول هذا محمّد رسول اللّه جاءنا بالبيّنات والهدى فآمنّا وصدّقنا
فيقولان له نم هنيئا فقد كنّا نعرف منك هذا وإن وقف مع ما يرى من عدم تعظيم السائلين له صلى الله عليه وسلم ، وتلك فتنة القبر .
فيقول لو كان لهذا عند اللّه قدر مثل ما يعتقده المؤمنون فيه لعظّمه هذان
فيقول سمعت الناس يقولون فيه أنّه رسول اللّه .
فقلت فيه ما قاله الناس فيقولان له لا سمعت ولا قلت فتتسلّمه ملائكة العذاب ثمّ يبقى على ذلك إلى حين البعث ويبعث على ما مات عليه كان ما كان كما ذكرنا ولا يزال ينتقل في مواطن القيامة من موطن إلى موطن على تلك الصورة الّتي قبض عليها .
فإنّ ذلك الموطن وتلك الدار ما هي دار تكليف لو كانت دار تكليف لنفعهم إيمانهم إذا آمنوا وما بقي كافر إلّا أسلم وآمن فإنّه يعاين ما لا يقدر على جحده ولا إنكاره ثمّ إنّ الناس يحشرون إلى أخذ كتبهم .
فمن الناس من يعطى كتابه بيمينه وهم أهل السعادة
ومنهم من يعطى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه وهم الكافرون
ومنهم من يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره يضرب في صدره فينفذ إلى ظهره
وهم المنافقون والمرتابون
فأمّا المؤمنون فهم وجه بلا قفا يرون من كلّ جهة
وأمّا الكافرون فهم قفّا بلا وجه
والمنافقون وجه وقفا
ثمّ يرجع لهم الموازين فيوزنون بأعمالهم فإن رجح عمله به ثقل ميزان عمله به وارتفعت الكفّة به فأخذ إلى علّيّين وإن رجح هو بعمله نزل بكفّته إلى سجّين
وهنالك يقرأ كتابه بما قدّمت يداه وأمّا الكفّار المقلّدة في الكفر فيقول القائل منهميا :" لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا " .
وهم الّذين بلغتهم دعوة الرسل عم فردّوها ولم يعملوا بها وأمّا المجرمون فلا يقيم لهم اللّه عزّ وجلّيَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ولا يعبأ اللّه بهم من قبورهم إلى جهنّم ويأتي أيضا طائفة مستجيرة يقول مترجمهم ، شعر:
رؤوف رحيم لا يكون مؤاخذا * عبيدا أتاه راجيا متلهّفا
لأجل ذنوب قد أتاها بغفلة * ولو كانت الأخرى أتى متكلّفا
فإن شئت عفوا لا تؤاخذه إنّه * أتى مستجيرا سائلا متكتّفا
فأجابه الناطق بلسان الحال ، شعر
إن كنت أنت فأنت * وإن تشأ كنت أنتا
يا يا منيتي يا حبيبي * بكم وبي حيث كنتا
إنّى علمت بأنّى * في حفظكم إذ حفظتا
لو كنت أملك نفسي * عنكم لكنت ملكتا
عيني ولست بغير * لكم فكن لي وأنتا
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin