كتاب انشاء الدوائر للشيخ الأكبر
المدخل :-
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه الّذي خلق الإنسان على صورته وخصّه بسريرته ، وجعل المضاهاة والمباهاة مقدّمتين ، لتصحيح نتيجة معرفته فطورا يضاهي به حضرة ذاته وصفاته وطورا ، يضاهي به حضرة مخلوقاته والصلاة على النبىّ الجامع للمبادئ الأوّل والمقابل ، حضرة الأزل النور الساطع الّذي ليس له فيء والمستور ، خلف حجاب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ذلك حقيقة الحقائق والنّشء ، الأوّل المبرز ، على ، صورة المخلوقات والخالق منه من باب الشكل ومنه من باب الحقيقة ومنه من باب الاسم والوصف ومنه من باب الخلائق محمّد صلّى اللّه عليه وعلى ، آله وصحبه وسلّم ، وشرّف وكرّم .
أمّا بعد فإنّ اللّه سبحانه لمّا عرّفنى حقائق الأشياء .
على ما هي عليه في ذواتها وأطلعنى كشفا على حقائق نسبها وإضافاتها ،
أردت أن أدخلها في قالب التشكيل الحسّىّ ليقرب مأخذها على الصاحب ، الولىّ عبد اللّه بدر الحبشي وليتّضح لمن كلّ بصره عن إدراكها ولم تسبح درارىّ أفكاره في أفلاكها فيتبيّن له من أين مرتبته في الوجود ، وما الشرف الّذي تحصّل له حتّى خضعت له الملائكة بالسجود .
وإذا سجد له الملك الكريم الأخلص فما ظنّك بالملإ الأسفل الأنقص ألا ترى خبر الحقّ الصدق عنه حيث قالوَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُوأدخل العالم كلّه أجمع ،
تحت تسخير هذا الإنسان الأرفع فما من ملإ أعلى إلّا بك مستعل ، وما من ملإ أدنى إلّا يتضرّع إليك ويبتهل فهم بين مستغفر لك ومصلّ عليك ، وملك سلام يوصله من الحقّ تعالى إليك .
وإذا كان السيّد الحقّ يصلّى عليك فكيف بملائكته وإذا كان ناظرا لك فما ظنّك بخليفته وما من فاكهة ونعمة عند تناهيها إلّا متضرّعة لك خاضعة أن تؤدّى لك ما أودع اللّه من المنافع فيها فما في الوجود كلّه حقيقة ولا دقيقة إلّا ومنك إليها ومنها إليك رقيقة فعدد الرقائق على عدد الحقائق والدقائق .
فلو لا ما صحّ لهذا الإنسان أحسن تقويم وفطر على صورة القديم واستخرج من
قصيراه الحقّ لمّا سكن له وبه تعشّق لمّا صحّ عنه وجود خلق ولا دان له الملأ الأعلى ولا ظهر بالموقف الأجلى ولا عنت له وجوه الأملاك ولا دارت بنفسه أجرام الأفلاك فاشكر اللّه ثانيا .
يا أيّها الإنسان على ما خصّك به الجواد الرحمن من كمال هذه النصبة وأوقفك على معاني حقائق هذه النسبة فابحث عن وجودك
وأين مرتبتك من معبودك وميّز بينك وبين عبيدك فانّك إن فعلت هذا حشرت في الاستواء الرحمانىّ والإنباء الربّانىّ
وهذا قد أوضحت لك في هذا الكتاب الّذي سمّيته إنشاء الدوائر الإحاطيّة على مضاهاة الإنسان للخالق والخلائق في الصّور المحسوسة والمعقولة والخلائق
وتنزيل الحقائق عليه في أنابيب الرقائق فنصبت الأشكال وضربت الأمثال وبيّنت ما هو في الإنسان بما هو إنسان وما فيه بما هو صاحب إيمان أو إحسان تقريبا للفهم وتوصيلا للعلم ومن موجد الكون نسأل التأييد والعون بمنّه وكرمه فصل
في الوجود والعدم
واعلموا وفّقكم اللّه لطاعته وجعلكم من الفائزين بمعرفته برحمته أنّه لمّا كان الغرض في هذا الكتاب أين مرتبة الإنسان في الوجود ومنزلته في حضرة الجود وبروزه من غيبه بعينه وهل كان متّصفا بحال قبل كونه احتجنا أن نتكلّم على العدم والوجود ولما ذا يرجعان وهل بين ذلك الوجود والعدم ما لا يتّصف بهما أمّ لا .
فجعلت هذا الفصل لهذا الأمر ومعرفته ثمّ بعد ذلك إن شاء اللّه ننشئ الدوائر والجداول ونمدّ الرقائق والحبائل ونبرز الأصول والفروع ونفرق بين المفروق والمجموع وما يتعلّق بهما من الأسماء
وأين الأرض من الإنسان والسماء وكيفيّات التجليّات وترتيبها على المقامات كلّ ذلك وأشباهه في أبواب مبوّبة في هذا المجموع وأشكال منصوبة بصناعة عمليّة ليقرب على الطالب مأخذ الفوائد والمعاني منها ويتصوّر المعنى في نفسه صورة ما نجسّده تسهل عليه العبارة عنها لقوّة حصولها في الخيال
ويحرص الناظر على استيفاء النظر حتّى يقف على كلّيّته معانيها إن المعنى إذا أدخل في قالب الصورة والشكل تعشّق به الحسّ وصار له فرجة يتفرّج عليها ويتنزّه فيها فيؤدّيه ذلك إلى تحقيق ما نصب له ذلك الشكل وجسّدت له تلك الصورة
فلهذا ما أدخلناه في التصوير والتشكيل فاعلم أنّ الوجود والعدم ليسا بشيء زائد على الموجود والمعدوم لكن هو نفس الموجود والمعدوم لكنّ الوهم يتخيّل أنّ الوجود والعدم صفتان راجعتان إلى الموجود والمعدوم ويتخيّلهما كالبيت والموجود والمعدوم قد دخلا فيه.
ولهذا تقول قد دخل هذا الشيء في الوجود بعد أن لم يكن وإنّما المراد بذلك عند المتحذلقين أنّما معناه أنّ هذا الشيء وجد في عينه
فالوجود والعدم عبارتان عن إثبات عين الشيء أو نفيه ثمّ إذا ثبت عين الشيء أو انتفى فقد يجوز عليه الاتّصاف بالعدم والوجود معا وذلك بالنسبة والإضافة فيكون زيد الموجود في عينه موجودا في السّوق معدوما في الدار
فلو كان العدم والوجود من الأوصاف الّتى ترجع إلى الموجود كالسواد والبياض لاستحال وصفه بهما معا بل كان إذا كان معدوما لم يكن موجودا
كما أنّه إذا كان أسود لا يكون أبيض وقد صحّ وصفه بالعدم والوجود معا في زمان واحد هذا هو الوجود الإضافيّ والعدم مع ثبوت العين
فإذا صحّ أنّه ليس بصفة قائمة بموصوف محسوس ولا بموصوف معقول وحده دون إضافة فيثبت أنّه من باب الإضافات والنسب مطلقا مثل المشرق والمغرب واليمين والشمال والأمام والوراء فلا يخصّ بهذا الوصف وجود دون وجود
فإن قيل كيف يصحّ أن يكون الشيء معدوما في عينه يتّصف بالوجود في عالم ما أو بنسبة ما فيكون موجودا في عينه معدوما بنسبة ما فنقول نعم لكلّ شيء في الوجود أربع مراتب إلّا اللّه تعالى
فإنّ له في الوجود المضاف ثلث مراتب المرتبة الأولى وجود الشيء في عينه وهي المرتبة الثانية بالنظر إلى علم الحقّ بالمحدث
والمرتبة الثانية وجوده في العلم وهي المرتبة الأولى بالنظر إلى علم اللّه تعالى بنا
والمرتبة الثالثة وجوده في الألفاظ
والمرتبة الرابعة وجوده في الرقوم ووجود اللّه الحقّ تعالى بالنظر إلى علمنا على هذه المراتب ما عدا مرتبة العلم
هذا هو الإدراك الّذي حصل بأيدينا اليوم ولا أدرى إذا وقعت المعاينة البصريّة المقدّرة في الشرع هل يحصل في نفوسنا علم إثبات أو مزيد وضوح في جنس العلم الّذي بأيدينا اليوم منه في علمنا به سبحانه
فإن كان كذلك فليس له إلّا ثلث مراتب وإن كان يوجب النظر إثباتا في الدار الآخرة أو حيث وقعت المعاينة لمن وقعت فقد نصفه بالمرتبة الرابعة فتحقّق هذه الإشارة في علمنا باللّه سبحانه
فإنّها نافعة في الباب ثمّ هذه المراتب بالإضافة إلينا كما قدّمنا بتقدّم وجود العين أو وجود ما يماثل العين أو وجود أجزاء العين مبدّدة غير مجموع بعضها إلى بعض بالإضافة إلى شكل ما يخترعه العاقل
كلّ هذا لا بدّ من تقديمه أعنى واحدا منها ثمّ بعد هذا ينضبط في العلم ويتصوّر في الذهن هذا بالإضافة إلينا وبالإضافة إلى اللّه تعالى
إنّما العلم متقدّم من غير زمان بالشيء قبل عينه فوجود الشيء المحدث في علم اللّه تعالى قبل وجود الشيء في عينه ومتقدّم عليه
غير أنّ ثمّ سرّا سنؤمى إليه في هذا الفصل إن شاء اللّه تعالى ونبيّن لك أنّ وجود العين يتقدّم على وجود العلم بالمرتبة ويساويه في الوجود أزلا لا من جهة كونها محدثة وهذا في حقّ الحقّ وأمّا في حقّ الخلق فسنبيّن لك أنّ إدراك الحقّ للموجود في عينه تفصيلا أنّه قد كانت له حالة ما بالنظر إلى أمر ما لا يتّصف فيها بالوجود ولا بالعدم مع عدمه في عينه
ثمّ نرجع ونقول فامّا تبيين تلك المراتب الأربع المتقدّمة فهي أن نقول زيد باللسان فنعقل معناه أو نرقمه في الكاغد زيد فنعقل معناه أو يظهر في عينه فنعقل معناه أو نتخيّله في أنفسنا وهو غير حاضر فنعقل معناه
وهذا هو الوجود في العلم فكلّ واحدة من هذه المراتب متّحدة المعنى لم يزد باختلافها معنى في زيد فكلّ شيء قديم أو محدث لا يخلو من أن يكون في بعض هذه المراتب أو في كلّها
فإذا تقرّر هذا وثبت أنّه الحقّ فنقول أنّ الإنسان قديم محدث موجود معدوم أمّا قولنا قديم فلأنّه موجود في العلم .
القديم متصوّر فيه أزلا وهي من بعض مراتب الوجود المذكورة وأمّا قولنا محدث فإنّ شكله وعينه لم يكن ثمّ كان فيخرج من هذا أنّ زيدا موجود في العلم موجود في الكلام معدوم في العين أزلا مثلا فقد تصوّر اتّصافه بالوجود والعدم أزلا
فصحّ من هذا أنّ الوجود ليس بصفة للموجود وإذ قد تقرّر هذا فبقي لنا أن ننظر بما ذا
يتعلّق العلم هل بالموجود أو بالمعدوم ولا نعلم ذلك ما لم نعلم ما هو العلم وإلى ما ذا تنقسم المعدومات
فنقول أوّلا أنّ العلم عبارة عن حقيقة في النفس تتعلّق بالمعدوم والموجود على حقيقته الّتي هو عليها أو يكون إذا وجد فهذه الحقيقة هي العلم والمعدومات
تنقسم أربعة أقسام :
معدوم مفروض لا يصحّ وجوده البتّة كالشريك والولد للإله والصاحبة له ودخول الجمل في سمّ الخياط
ومعدوم يجب وجوده وجوبا ترجيحيّا اختياريّا لا اضطراريّا كشخص من الجنس الواحد وكنعيم الجنّة للمؤمنين
ومعدوم يجوز وجوده كعذوبة ماء البحر في البحر ومرارة الحلو وأشباه ذلك
ومعدوم لا يصحّ وجوده قطعا اختياريّا لكن وجود شخص من جنسه
وهذا كلّه أعنى ما يجوز وجوده وما لا يصحّ اختيارا إنّما أريد به الشخص الثاني من الجنس فصاعدا على أنّ الحقيقة تثبت الإرادة وتنفى الاختيار كما تثبت العلم وتنفى التدبير
وإن كان ورد في السمع" يُدَبِّرُ الْأَمْرَ" ، وورد "و َرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ " ولكن من وقف على سرّ وضع الشريعة عرف موضع هذا الخطاب بالتدبير والاختيار
وسأبيّنه إن شاء اللّه تعالى في كتابي هذا
أنّه سبحانه مريد غير مختار وأنّه ما في الوجود ممكن أصلا
وأنّه منحصر في الوجوب والاستحالة
وأنّه كلّما ورد في القرآن من قوله ولو شئنا ولو شاء اقتران المشيئة بحرف الامتناع لسبب موجود قديم يستحيل عدمه فيستحيل ضدّ مشيئته فخرجت المشيئة عن بابها المعقول في العادة إلى بابها المعقول في الحقيقة فمهما ذكرت في كتابي هذا ما بدّل على الإمكان أو الاختيار أو التدبير
وغير ذلك ممّا تأباه الحقائق فإنّما أسوقه للتوصيل والتفهيم الجاري في العادة وصاحب الحقيقة يعرف مرتبة الموضوعات ومعه أتكلّم في الحقائق وإيّاه أخاطب ومن نزل عن هذه الحقائق فإنّه يحمل الكلام على ما استقرّ في عرف العادة الّذي يتخيّل فيه أنّه حقيقة فيقبل كلّ واحد منهما المسألة
ولا يرمى بها لكن من وجهين مختلفين وبينهما ما بين مفهوميهما فإذا علمت هذا
فالعلم لا يتعلّق من هذه الأقسام إلّا بالثلاثة
وأمّا المعدوم الّذي لا يصحّ وجوده البتّة فلا يتعلّق به علم أصلا لأنّه ليس شيئا يكون فالعلم إذا لا يتعلّق إلّا بموجود ولا يتعلّق بمعدوم رأسا
إذ العدم المحض لا يتصوّر تعلّق العلم به لأنّه ليس على صورة ولا مقيّد بصفة ولا له حقيقة تنضبط إلّا النفي المحض والنفي المحض لا يحصل منه في النفس شيء
إذ لو حصل لكان وجودا والعدم من جميع الجهات لا يكون وجودا أبدا فإنّ الحقائق لا سبيل إلى قلبها ألا ترى علمك بنفي شريك عن اللّه تعالى
إن تأمّلت إلى ما تقدّر لك في نفسك وما انضبط لك في قلبك من نفى الشريك فما تجد في النفس شيئا إلّا الوحدانيّة وهي موجودة وهي الّتي ضبطتها النفس وإن أبيت قبول هذا وعسر عليك فارجع إلى نظر آخر وهو أنّ الشريك معلوم عندك موجود في عينه في المحدثات في حقّ زيد
فتلك النسبة الّتي أضفت بها الشريك إلى زيد موجودة هي بعينها لم تضفها إلى اللّه تعالى فانظر علمك بالمحال راجعا إلى العلم بأجزاء متفرّقة موجودة
ولولا ذلك ما عقلت نفيها عن اللّه تعالى فمهما تصوّر لك العلم بعدم ما فليس عندك إلّا العلم بوجود ضدّه أو بوجود الشرط المصحّح لنفيه أو بأجزاء موجودة في العالم نفيت نسبتها وإضافتها الموجود ما لحقيقة ذاتيّة موجودة
لذلك الموجود هو عليها علمتها أنت فنفيت عنه ما منعت تلك الحقيقة قبول ما اتّصف بها لذلك وأثبتّها لآخر لحقيقة أيضا موجودة يتّصف هذا الموجود الّذي أثبتّها له بها فتحقّق هذه المسألة فإنّها نافعة إن شاء اللّه تعالى
وهذا هو القسم الواحد من أقسام المعدومات وما عداه فقد جعلناه إمّا وجوبا أو جوازا أو محالا اختيارا مع فرض وجود شخص من الجنس فكلّها راجعة إلى الوجود وما كان راجعا إلى الوجود فالعلم يضبطه ويحصّله
واعلم أنّ الإنسان لولا ما هو على الصورة لما تعلّق به العلم أزلا إذ العلم المتعلّق أزلا بالحادث إنّما حصل ولم يزل حاصلا بالصورة الموجودة القديمة الّتى خلق الإنسان عليها والعالم كلّه بأسره على صورة الإنسان فهو أيضا على الصورة الّتى خلق الإنسان عليها فالعلم إنّما يتعلّق بالمعدوم لتعلّقه بمثله الموجود فافهم
فإذا تقرّر هذا فقد يمكن أن تحدس في النفس أن تقول لي إنّى أريد أن أعلم من أيّ طريق يتعلّق العلم بالمعلوم المعدوم الّذي يجوز وجوده
فإنّى فهمت من كلامك أنّه لا بدّ من الرؤية وحينئذ يحصل العلم في زمان الرؤية أو في تقدير زمان إن كان الرائي لا يجوز عليه الزمان
وإنّما المراد حصول العلم عند رؤية المعلوم بالإدراك البصرىّ أو مثل البصرىّ أو مثل المعلوم أو أجزاء المعلوم .
فلتعلم أنّ الأمر كما فهمت وأشرت إليه كذا هو عندي في حقّ كلّ عالم سواء ولا أحاشى من الأقوام من أحد .
غير أنّى سأنبّهك على ما سكّت عنه من الاعتراض أدبا منك وخوفا على القلوب العمى الّذين لا يعقلون ولمعرفتك تتفطّن لما أومأت إليه رمزا فاعلم أنّه ليس من شرط تعلّق العلم بالمعلوم عند الإدراك أن تكون أشخاص ذلك الجنس موجودة في أعيانها
لكن من شرطها أن يكون منها موجود واحد أو أجزاء في موجودات متفرّقة بجمعها يظهر موجود آخر فتعلمه وما بقي معدوما
فهو مثل له فعلمك إذا إنّما تعلّق رؤيتك بذلك الموجود وتلك الحقيقة وليس سماع الأصوات معرفة أعيانها
وإنّما تعرف عينها من باب الرؤية وهكذا كلّ معلوم على مساق ما تقدّم فما بقي معدوما فمدرك حقيقة عندك إدراكا صحيحا لأنّه مثل أمّ أجزاء موجودات لا سبيل إلى هذا
وضرورة أنّ كلّ عالم أحاطه من غير تخصيص موجود في نفسه وعينه عالم بنفسه مدرك لها وكلّ معلوم سواه إمّا أن يكون على صورته بكمالها فهو مثل له أو على بعض صورته فمن هذا الوجه يكون عالما بالمعلومات
لأنّه عالم بنفسه وذلك العلم ينسحب عليها انسحابا خذ هذا عموما في كلّ موجود ولا تقيّد غير أنّك يجب عليك التحفّظ من التشبيه إن دخلت إلى الحضرة الإلهيّة والتمثيل
فهذا هو إدراك المفصّل في المجمل وأمّا نحن فما أدركنا المجمل إلّا من المفصّل الحادث الحاصل في الوجود ثمّ أدركنا في ذلك المجمل تفصيلا مقدّرا يمكن أن يكون وأن لا يكون فتفهّم ما أومأنا إليه في قولنا عموما في كلّ موجود
المدخل :-
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه الّذي خلق الإنسان على صورته وخصّه بسريرته ، وجعل المضاهاة والمباهاة مقدّمتين ، لتصحيح نتيجة معرفته فطورا يضاهي به حضرة ذاته وصفاته وطورا ، يضاهي به حضرة مخلوقاته والصلاة على النبىّ الجامع للمبادئ الأوّل والمقابل ، حضرة الأزل النور الساطع الّذي ليس له فيء والمستور ، خلف حجاب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ذلك حقيقة الحقائق والنّشء ، الأوّل المبرز ، على ، صورة المخلوقات والخالق منه من باب الشكل ومنه من باب الحقيقة ومنه من باب الاسم والوصف ومنه من باب الخلائق محمّد صلّى اللّه عليه وعلى ، آله وصحبه وسلّم ، وشرّف وكرّم .
أمّا بعد فإنّ اللّه سبحانه لمّا عرّفنى حقائق الأشياء .
على ما هي عليه في ذواتها وأطلعنى كشفا على حقائق نسبها وإضافاتها ،
أردت أن أدخلها في قالب التشكيل الحسّىّ ليقرب مأخذها على الصاحب ، الولىّ عبد اللّه بدر الحبشي وليتّضح لمن كلّ بصره عن إدراكها ولم تسبح درارىّ أفكاره في أفلاكها فيتبيّن له من أين مرتبته في الوجود ، وما الشرف الّذي تحصّل له حتّى خضعت له الملائكة بالسجود .
وإذا سجد له الملك الكريم الأخلص فما ظنّك بالملإ الأسفل الأنقص ألا ترى خبر الحقّ الصدق عنه حيث قالوَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُوأدخل العالم كلّه أجمع ،
تحت تسخير هذا الإنسان الأرفع فما من ملإ أعلى إلّا بك مستعل ، وما من ملإ أدنى إلّا يتضرّع إليك ويبتهل فهم بين مستغفر لك ومصلّ عليك ، وملك سلام يوصله من الحقّ تعالى إليك .
وإذا كان السيّد الحقّ يصلّى عليك فكيف بملائكته وإذا كان ناظرا لك فما ظنّك بخليفته وما من فاكهة ونعمة عند تناهيها إلّا متضرّعة لك خاضعة أن تؤدّى لك ما أودع اللّه من المنافع فيها فما في الوجود كلّه حقيقة ولا دقيقة إلّا ومنك إليها ومنها إليك رقيقة فعدد الرقائق على عدد الحقائق والدقائق .
فلو لا ما صحّ لهذا الإنسان أحسن تقويم وفطر على صورة القديم واستخرج من
قصيراه الحقّ لمّا سكن له وبه تعشّق لمّا صحّ عنه وجود خلق ولا دان له الملأ الأعلى ولا ظهر بالموقف الأجلى ولا عنت له وجوه الأملاك ولا دارت بنفسه أجرام الأفلاك فاشكر اللّه ثانيا .
يا أيّها الإنسان على ما خصّك به الجواد الرحمن من كمال هذه النصبة وأوقفك على معاني حقائق هذه النسبة فابحث عن وجودك
وأين مرتبتك من معبودك وميّز بينك وبين عبيدك فانّك إن فعلت هذا حشرت في الاستواء الرحمانىّ والإنباء الربّانىّ
وهذا قد أوضحت لك في هذا الكتاب الّذي سمّيته إنشاء الدوائر الإحاطيّة على مضاهاة الإنسان للخالق والخلائق في الصّور المحسوسة والمعقولة والخلائق
وتنزيل الحقائق عليه في أنابيب الرقائق فنصبت الأشكال وضربت الأمثال وبيّنت ما هو في الإنسان بما هو إنسان وما فيه بما هو صاحب إيمان أو إحسان تقريبا للفهم وتوصيلا للعلم ومن موجد الكون نسأل التأييد والعون بمنّه وكرمه فصل
في الوجود والعدم
واعلموا وفّقكم اللّه لطاعته وجعلكم من الفائزين بمعرفته برحمته أنّه لمّا كان الغرض في هذا الكتاب أين مرتبة الإنسان في الوجود ومنزلته في حضرة الجود وبروزه من غيبه بعينه وهل كان متّصفا بحال قبل كونه احتجنا أن نتكلّم على العدم والوجود ولما ذا يرجعان وهل بين ذلك الوجود والعدم ما لا يتّصف بهما أمّ لا .
فجعلت هذا الفصل لهذا الأمر ومعرفته ثمّ بعد ذلك إن شاء اللّه ننشئ الدوائر والجداول ونمدّ الرقائق والحبائل ونبرز الأصول والفروع ونفرق بين المفروق والمجموع وما يتعلّق بهما من الأسماء
وأين الأرض من الإنسان والسماء وكيفيّات التجليّات وترتيبها على المقامات كلّ ذلك وأشباهه في أبواب مبوّبة في هذا المجموع وأشكال منصوبة بصناعة عمليّة ليقرب على الطالب مأخذ الفوائد والمعاني منها ويتصوّر المعنى في نفسه صورة ما نجسّده تسهل عليه العبارة عنها لقوّة حصولها في الخيال
ويحرص الناظر على استيفاء النظر حتّى يقف على كلّيّته معانيها إن المعنى إذا أدخل في قالب الصورة والشكل تعشّق به الحسّ وصار له فرجة يتفرّج عليها ويتنزّه فيها فيؤدّيه ذلك إلى تحقيق ما نصب له ذلك الشكل وجسّدت له تلك الصورة
فلهذا ما أدخلناه في التصوير والتشكيل فاعلم أنّ الوجود والعدم ليسا بشيء زائد على الموجود والمعدوم لكن هو نفس الموجود والمعدوم لكنّ الوهم يتخيّل أنّ الوجود والعدم صفتان راجعتان إلى الموجود والمعدوم ويتخيّلهما كالبيت والموجود والمعدوم قد دخلا فيه.
ولهذا تقول قد دخل هذا الشيء في الوجود بعد أن لم يكن وإنّما المراد بذلك عند المتحذلقين أنّما معناه أنّ هذا الشيء وجد في عينه
فالوجود والعدم عبارتان عن إثبات عين الشيء أو نفيه ثمّ إذا ثبت عين الشيء أو انتفى فقد يجوز عليه الاتّصاف بالعدم والوجود معا وذلك بالنسبة والإضافة فيكون زيد الموجود في عينه موجودا في السّوق معدوما في الدار
فلو كان العدم والوجود من الأوصاف الّتى ترجع إلى الموجود كالسواد والبياض لاستحال وصفه بهما معا بل كان إذا كان معدوما لم يكن موجودا
كما أنّه إذا كان أسود لا يكون أبيض وقد صحّ وصفه بالعدم والوجود معا في زمان واحد هذا هو الوجود الإضافيّ والعدم مع ثبوت العين
فإذا صحّ أنّه ليس بصفة قائمة بموصوف محسوس ولا بموصوف معقول وحده دون إضافة فيثبت أنّه من باب الإضافات والنسب مطلقا مثل المشرق والمغرب واليمين والشمال والأمام والوراء فلا يخصّ بهذا الوصف وجود دون وجود
فإن قيل كيف يصحّ أن يكون الشيء معدوما في عينه يتّصف بالوجود في عالم ما أو بنسبة ما فيكون موجودا في عينه معدوما بنسبة ما فنقول نعم لكلّ شيء في الوجود أربع مراتب إلّا اللّه تعالى
فإنّ له في الوجود المضاف ثلث مراتب المرتبة الأولى وجود الشيء في عينه وهي المرتبة الثانية بالنظر إلى علم الحقّ بالمحدث
والمرتبة الثانية وجوده في العلم وهي المرتبة الأولى بالنظر إلى علم اللّه تعالى بنا
والمرتبة الثالثة وجوده في الألفاظ
والمرتبة الرابعة وجوده في الرقوم ووجود اللّه الحقّ تعالى بالنظر إلى علمنا على هذه المراتب ما عدا مرتبة العلم
هذا هو الإدراك الّذي حصل بأيدينا اليوم ولا أدرى إذا وقعت المعاينة البصريّة المقدّرة في الشرع هل يحصل في نفوسنا علم إثبات أو مزيد وضوح في جنس العلم الّذي بأيدينا اليوم منه في علمنا به سبحانه
فإن كان كذلك فليس له إلّا ثلث مراتب وإن كان يوجب النظر إثباتا في الدار الآخرة أو حيث وقعت المعاينة لمن وقعت فقد نصفه بالمرتبة الرابعة فتحقّق هذه الإشارة في علمنا باللّه سبحانه
فإنّها نافعة في الباب ثمّ هذه المراتب بالإضافة إلينا كما قدّمنا بتقدّم وجود العين أو وجود ما يماثل العين أو وجود أجزاء العين مبدّدة غير مجموع بعضها إلى بعض بالإضافة إلى شكل ما يخترعه العاقل
كلّ هذا لا بدّ من تقديمه أعنى واحدا منها ثمّ بعد هذا ينضبط في العلم ويتصوّر في الذهن هذا بالإضافة إلينا وبالإضافة إلى اللّه تعالى
إنّما العلم متقدّم من غير زمان بالشيء قبل عينه فوجود الشيء المحدث في علم اللّه تعالى قبل وجود الشيء في عينه ومتقدّم عليه
غير أنّ ثمّ سرّا سنؤمى إليه في هذا الفصل إن شاء اللّه تعالى ونبيّن لك أنّ وجود العين يتقدّم على وجود العلم بالمرتبة ويساويه في الوجود أزلا لا من جهة كونها محدثة وهذا في حقّ الحقّ وأمّا في حقّ الخلق فسنبيّن لك أنّ إدراك الحقّ للموجود في عينه تفصيلا أنّه قد كانت له حالة ما بالنظر إلى أمر ما لا يتّصف فيها بالوجود ولا بالعدم مع عدمه في عينه
ثمّ نرجع ونقول فامّا تبيين تلك المراتب الأربع المتقدّمة فهي أن نقول زيد باللسان فنعقل معناه أو نرقمه في الكاغد زيد فنعقل معناه أو يظهر في عينه فنعقل معناه أو نتخيّله في أنفسنا وهو غير حاضر فنعقل معناه
وهذا هو الوجود في العلم فكلّ واحدة من هذه المراتب متّحدة المعنى لم يزد باختلافها معنى في زيد فكلّ شيء قديم أو محدث لا يخلو من أن يكون في بعض هذه المراتب أو في كلّها
فإذا تقرّر هذا وثبت أنّه الحقّ فنقول أنّ الإنسان قديم محدث موجود معدوم أمّا قولنا قديم فلأنّه موجود في العلم .
القديم متصوّر فيه أزلا وهي من بعض مراتب الوجود المذكورة وأمّا قولنا محدث فإنّ شكله وعينه لم يكن ثمّ كان فيخرج من هذا أنّ زيدا موجود في العلم موجود في الكلام معدوم في العين أزلا مثلا فقد تصوّر اتّصافه بالوجود والعدم أزلا
فصحّ من هذا أنّ الوجود ليس بصفة للموجود وإذ قد تقرّر هذا فبقي لنا أن ننظر بما ذا
يتعلّق العلم هل بالموجود أو بالمعدوم ولا نعلم ذلك ما لم نعلم ما هو العلم وإلى ما ذا تنقسم المعدومات
فنقول أوّلا أنّ العلم عبارة عن حقيقة في النفس تتعلّق بالمعدوم والموجود على حقيقته الّتي هو عليها أو يكون إذا وجد فهذه الحقيقة هي العلم والمعدومات
تنقسم أربعة أقسام :
معدوم مفروض لا يصحّ وجوده البتّة كالشريك والولد للإله والصاحبة له ودخول الجمل في سمّ الخياط
ومعدوم يجب وجوده وجوبا ترجيحيّا اختياريّا لا اضطراريّا كشخص من الجنس الواحد وكنعيم الجنّة للمؤمنين
ومعدوم يجوز وجوده كعذوبة ماء البحر في البحر ومرارة الحلو وأشباه ذلك
ومعدوم لا يصحّ وجوده قطعا اختياريّا لكن وجود شخص من جنسه
وهذا كلّه أعنى ما يجوز وجوده وما لا يصحّ اختيارا إنّما أريد به الشخص الثاني من الجنس فصاعدا على أنّ الحقيقة تثبت الإرادة وتنفى الاختيار كما تثبت العلم وتنفى التدبير
وإن كان ورد في السمع" يُدَبِّرُ الْأَمْرَ" ، وورد "و َرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ " ولكن من وقف على سرّ وضع الشريعة عرف موضع هذا الخطاب بالتدبير والاختيار
وسأبيّنه إن شاء اللّه تعالى في كتابي هذا
أنّه سبحانه مريد غير مختار وأنّه ما في الوجود ممكن أصلا
وأنّه منحصر في الوجوب والاستحالة
وأنّه كلّما ورد في القرآن من قوله ولو شئنا ولو شاء اقتران المشيئة بحرف الامتناع لسبب موجود قديم يستحيل عدمه فيستحيل ضدّ مشيئته فخرجت المشيئة عن بابها المعقول في العادة إلى بابها المعقول في الحقيقة فمهما ذكرت في كتابي هذا ما بدّل على الإمكان أو الاختيار أو التدبير
وغير ذلك ممّا تأباه الحقائق فإنّما أسوقه للتوصيل والتفهيم الجاري في العادة وصاحب الحقيقة يعرف مرتبة الموضوعات ومعه أتكلّم في الحقائق وإيّاه أخاطب ومن نزل عن هذه الحقائق فإنّه يحمل الكلام على ما استقرّ في عرف العادة الّذي يتخيّل فيه أنّه حقيقة فيقبل كلّ واحد منهما المسألة
ولا يرمى بها لكن من وجهين مختلفين وبينهما ما بين مفهوميهما فإذا علمت هذا
فالعلم لا يتعلّق من هذه الأقسام إلّا بالثلاثة
وأمّا المعدوم الّذي لا يصحّ وجوده البتّة فلا يتعلّق به علم أصلا لأنّه ليس شيئا يكون فالعلم إذا لا يتعلّق إلّا بموجود ولا يتعلّق بمعدوم رأسا
إذ العدم المحض لا يتصوّر تعلّق العلم به لأنّه ليس على صورة ولا مقيّد بصفة ولا له حقيقة تنضبط إلّا النفي المحض والنفي المحض لا يحصل منه في النفس شيء
إذ لو حصل لكان وجودا والعدم من جميع الجهات لا يكون وجودا أبدا فإنّ الحقائق لا سبيل إلى قلبها ألا ترى علمك بنفي شريك عن اللّه تعالى
إن تأمّلت إلى ما تقدّر لك في نفسك وما انضبط لك في قلبك من نفى الشريك فما تجد في النفس شيئا إلّا الوحدانيّة وهي موجودة وهي الّتي ضبطتها النفس وإن أبيت قبول هذا وعسر عليك فارجع إلى نظر آخر وهو أنّ الشريك معلوم عندك موجود في عينه في المحدثات في حقّ زيد
فتلك النسبة الّتي أضفت بها الشريك إلى زيد موجودة هي بعينها لم تضفها إلى اللّه تعالى فانظر علمك بالمحال راجعا إلى العلم بأجزاء متفرّقة موجودة
ولولا ذلك ما عقلت نفيها عن اللّه تعالى فمهما تصوّر لك العلم بعدم ما فليس عندك إلّا العلم بوجود ضدّه أو بوجود الشرط المصحّح لنفيه أو بأجزاء موجودة في العالم نفيت نسبتها وإضافتها الموجود ما لحقيقة ذاتيّة موجودة
لذلك الموجود هو عليها علمتها أنت فنفيت عنه ما منعت تلك الحقيقة قبول ما اتّصف بها لذلك وأثبتّها لآخر لحقيقة أيضا موجودة يتّصف هذا الموجود الّذي أثبتّها له بها فتحقّق هذه المسألة فإنّها نافعة إن شاء اللّه تعالى
وهذا هو القسم الواحد من أقسام المعدومات وما عداه فقد جعلناه إمّا وجوبا أو جوازا أو محالا اختيارا مع فرض وجود شخص من الجنس فكلّها راجعة إلى الوجود وما كان راجعا إلى الوجود فالعلم يضبطه ويحصّله
واعلم أنّ الإنسان لولا ما هو على الصورة لما تعلّق به العلم أزلا إذ العلم المتعلّق أزلا بالحادث إنّما حصل ولم يزل حاصلا بالصورة الموجودة القديمة الّتى خلق الإنسان عليها والعالم كلّه بأسره على صورة الإنسان فهو أيضا على الصورة الّتى خلق الإنسان عليها فالعلم إنّما يتعلّق بالمعدوم لتعلّقه بمثله الموجود فافهم
فإذا تقرّر هذا فقد يمكن أن تحدس في النفس أن تقول لي إنّى أريد أن أعلم من أيّ طريق يتعلّق العلم بالمعلوم المعدوم الّذي يجوز وجوده
فإنّى فهمت من كلامك أنّه لا بدّ من الرؤية وحينئذ يحصل العلم في زمان الرؤية أو في تقدير زمان إن كان الرائي لا يجوز عليه الزمان
وإنّما المراد حصول العلم عند رؤية المعلوم بالإدراك البصرىّ أو مثل البصرىّ أو مثل المعلوم أو أجزاء المعلوم .
فلتعلم أنّ الأمر كما فهمت وأشرت إليه كذا هو عندي في حقّ كلّ عالم سواء ولا أحاشى من الأقوام من أحد .
غير أنّى سأنبّهك على ما سكّت عنه من الاعتراض أدبا منك وخوفا على القلوب العمى الّذين لا يعقلون ولمعرفتك تتفطّن لما أومأت إليه رمزا فاعلم أنّه ليس من شرط تعلّق العلم بالمعلوم عند الإدراك أن تكون أشخاص ذلك الجنس موجودة في أعيانها
لكن من شرطها أن يكون منها موجود واحد أو أجزاء في موجودات متفرّقة بجمعها يظهر موجود آخر فتعلمه وما بقي معدوما
فهو مثل له فعلمك إذا إنّما تعلّق رؤيتك بذلك الموجود وتلك الحقيقة وليس سماع الأصوات معرفة أعيانها
وإنّما تعرف عينها من باب الرؤية وهكذا كلّ معلوم على مساق ما تقدّم فما بقي معدوما فمدرك حقيقة عندك إدراكا صحيحا لأنّه مثل أمّ أجزاء موجودات لا سبيل إلى هذا
وضرورة أنّ كلّ عالم أحاطه من غير تخصيص موجود في نفسه وعينه عالم بنفسه مدرك لها وكلّ معلوم سواه إمّا أن يكون على صورته بكمالها فهو مثل له أو على بعض صورته فمن هذا الوجه يكون عالما بالمعلومات
لأنّه عالم بنفسه وذلك العلم ينسحب عليها انسحابا خذ هذا عموما في كلّ موجود ولا تقيّد غير أنّك يجب عليك التحفّظ من التشبيه إن دخلت إلى الحضرة الإلهيّة والتمثيل
فهذا هو إدراك المفصّل في المجمل وأمّا نحن فما أدركنا المجمل إلّا من المفصّل الحادث الحاصل في الوجود ثمّ أدركنا في ذلك المجمل تفصيلا مقدّرا يمكن أن يكون وأن لا يكون فتفهّم ما أومأنا إليه في قولنا عموما في كلّ موجود
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin