07 - كيف دعا الوحوش الأسد إلى التوكل وترك السعي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
كيف دعا الوحوش الأسد إلى التوكل وترك السعي .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف دعا الوحوش الأسد إلى التوكل وترك السعي
[قصة ظلم الأسد على الوحوش وتدبيرها عليه ]
900 - كانت طائفة من الوحوش في واد طيّب ، وكانت دائمة الذعر من الأسد .
لقد أصبح هذا المرعى غير هنيء لجملة الوحوش ، لأنّ الأسد ، كثيراً ما خرج من مكمنه ، واختطفها .
فاحتالوا للأمر ، وجاءوا الأسد ( قائلين ) : « إننّا سوف نشبعك دوماً بوظيفة ( ثابتة ) .
فلا تبغ صيداً بعد تلك الوظيفة حتى لا يصبح ذلك المرعى لنا مرّ المذاق » .
كيف أجاب الأسد الوحوش وذكر لها فائدة السعي
فقال الأسد : «أقبلُ إنْ رأيت منكم وفاء لا مكراً، فكم بلوت المكر من زيد ومن بكر.
“ 174 “
905 - فإنّي ضحيّةُ فعل الناس ومكرهم ، إنّي لديغُ الحية والعقرب ! ولكنّ إنسان نفسي ، الكامن في كياني ، أسوأ من كل الناس في مكره وغدره .
ولقد سمعتْ أُذني قول الرسول : “ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) ، فاخترت هذا بقلبي وروحي “ .
كيف رجّح الوحوش التوكل على السعي والاكتساب
فقالت جملة الوحوش : “ أيّها الحكيم العالم ، دع الحذر فليس يُعني عن قدر .
إنّ في الحذر الحيرة البالغة والشرّ ، فاذهب وتوكّل على اللَّه ، فالتوكلّ خير .
910 - ولا تضرب بقبضتك القضاء - أيّها العنيف الحادّ - حتى لا يلتحم القضاء في صراع معك .
فالمرء يجب أن يكون ميّتا أمام حكم الحق ، وإلا جاءته الضربةُ من ربّ الفلق “ .
كيف رجّح الأسدُ السعي والاكتساب على التوكلّ والتسليم
فقال الأسد : “ إذا كان التوكلّ هو المرشد ( الصادق ) ، فإنّ ( الإفادة ) من الأسباب هي أيضاً سنة النبيّ .
“ 175 “
فقد نادى الرسول بأعلى صوته : « اعقل فخذ بعيرك وتوكلّ على اللَّه » . « 1 »
واستمع إلى مغزى قول القائل : « الكاسب حبيب اللَّه » ، ولا تكن بتوكلّك متراخياً عن الأسباب والوسائل !
كيف رجّحت الوحوش التوكّل على الاجتهاد
915 - فقالت الوحوش للأسد : « أعلم أنّ الكسب من ضعف الخلق ، وأنه لقمة مزوّرة على قدر الحلق !
فليس هناك كسب أحسن من التوكل ، وأيُّ شيء أحبّ ( إلى اللَّه ) من التسليم ؟
فكم يفر المرء من بلاء ليقع في بلاء آخر! وكم يهرب المرء من الثعبان ليلقى التنّين!
لقد احتال الانسان فكانتْ حيلته شركاً وقع فيه ، وكان موته فيما حسب أنه حياته !
فقد أوصد الباب والعدوّ في منزله! وإنّ حيلة فرعون لم تكن إلا قصة من ذلك النوع.
920 - فهذا الحقود قد قتل أُلوف الأطفال ، بينما كان الطفل الذي يبحث عنه في منزله !
.........................................................................
( 1 ) جاء في حديث مروي عن أنس بن مالك أنه قال : جاء رجل على ناقة له فقال :
يا رسول اللَّه أدعها وأتوكل ، فقال : أعقلها وتوكل . ( الرسالة القشيرية ، ص 76 ، مكتبة صبيح ، القاهرة 1948 ) .
“ 176 “
إنّ بصرنا يعاني الكثير من العلل ، فاذهب وأفْن بصرك في بصر الحبيب !
فإذا أصبح إبصارُنا إبصارَه فما أجمل العوض! إنك ببصره، تجد كلّ أمل تتطلع إليه.
فالطفل ما لم يشتدّ ساعده ويقول على الجري ، فليس له من مركب سوى عنق أبيه.
فإذا ما أظهر الفضول ، واستخدم يديه ورجليه ، وقع في العناء والشقاء .
925 - إن أرواح البشر - قبل خلق الأيدي والأرجل - كانت - لو فائها - تحلق في جو الصفاء .
وعندما قُيِّدت الأرواح بأمره تعالى :” اهْبطُوا “ *” 1 “ ، صارت أسيرة الغضب والحرص والرضى .
إننا عيالُ اللَّه ، نطلب منه اللبن. وقد قال ( الرسول ) : “ الخلق عيال “ 2 “اللَّه“.
فذلك الإله الذي يُنزل الغيث من السماء ، قادر أن يمنحنا الخبز رحمة منه وإشفاقاً “ .
كيف كرّر الأسد ترجيح السعي على التوكل
فقال الأسد : “ نعم ! ولكنّ ربّ العباد وضع سلّماً أمام أقدامنا .
930 فالواجب أنْ نصعد السُلمَّ درجة درجة نحو القمة . وأما القول
...............................................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ “ . ( 2 : 36 ) .
أو إلى قوله : “ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون “ . ( 2 : 38 )
( 2 ) يقصد هنا الحديث الذي رواه ابن مسعود عن الرسول ( ص ) وفيه يقول :
“ الخلق كلهم عيال اللَّه فأحبهم إلى اللَّه أنفعهم لعياله “ .
“ 177 “
بالجبر هنا فإنّه طمع ساذج .
إنّ لك ساقين ، فكيف تجعل من نفسك إنساناً أعرج ؟ . وإن لك يدين ، فكيف تخفي أصابعك ؟
فالسيّد عندما يضع الفأس في يده عبده ، يتضح مرادهُ دون حاجة إلى القول .
فاليدُ مثل الفأس ، إشارة منه إلينا ( لنسعى ) ، والتفكر في العقبى عباراتُه ( الموجّهةُ إلينا ) .
فإنْ جعلت إشاراته في قلبك ، ضحيت بروحك من أجل تحقيق ما أشار به .
935 - فإشاراته تمنحك الأسرار ، وتضع عنك وزرك ، وترفع قدرك . “ 1 “
وإنّ حمل ( أمانته ) ليجعلنّك محمولًا إلى عليّين ، وإن تقبّل ( أوامره ) ليجعلنّك مقبولًا عنده .
وإذا قبلت أمره أصبحت ناطفاً ( بأمره ) ، وإن كنت تبغي الوصل أصبحت واصلًا من بعد ذلك ( القبول ) .
إن السعي لشكر نعمته لهو القدرة ( والاختيار ) ، وأما إنكار النعمة فهو الجبر .
فشكرك على القدرة ، يزيد من قدرتك ( وحرية إرادتك ) ، وأما الجبر فيُخرج تلك النعمة من يديك .
940 - واعتقادك الجبر مثل النوم في الطريق ، فلا تنم ! وكن يقظاً حتى ترى الباب والصرح !
حذار أيها الجبرّي الذي لا يعتبر ! لا تنم إلا تحت هذه الشجرة المثرة !
...................................................
( 1 ) الشطر الأول من هذا البيت كما ورد في طبعة نيكولسون هو :
“ بس اشارتهاى أسرارت دهد “ ! وترجمته : “ وإنه ليعطيك الكثير من علائم الأسرار “ .
ولكنا فضَّلنا على هذا نصَّ الشطر كما ورد في المنهج القوي .
“ پس إشارتهاش أسرارت دهد “ .
“ 178 “
فلسوف تهزّ الريح الغصون في كل لحظة فتُساقطُ على النائم نُقلًا وزادا .
إن ( اعتقاد ) الجبر كالنوم بين قُطاّع الطرق ، وهل يجد الأمان طائرُ لم يكتمل جناحاه ؟
فإذا شمخت بأنفك ( وتعاليت ) على أوامره فأنت - لو تحقّقت الأمر - امرأة وإن حسبت نفسك رجلا “ 1 “ .
945 - ويضيع منك ما لديك من عقل ، وما رأس بلا عقل سوى ذَنَب .
إن كفران النعمة شؤم وعار . إنه يلقي بصاحبه إلى قرار النار .
فإذا توكلت على اللَّه فتوكل عليه في عملك ، ألق البذور ثم توكل على الخالق الجبار .
كيف عاودت الوحوش ترجيح التوكل على الجهد
فعلا صوتُ الوحوش جميعاً قائلين للأسد : “ ما لهؤلاء الحريصين الذين زرعوا الأسباب .
وهم ألوف مؤلفة من الرجال والنساء - ظلّوا محرومين من مواتاة الزمن ؟
950 - فقد مرّت آلاف القرون منذ بدء العالم ، وكان كل منها يفغر مائة فم كفم التنّين .
فهذا فريق من الأذكياء مكر مكراً كاد يقتلع الجبال من أساسها .
ووصف ذو الجلال مكرهم ( بقوله ) :” وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولَ منْهُ الْجبالُ ““ 2 “ .
فلم يحقق لهم ذلك الصيد والعمل إلا ما قُسم لهم منذ الأزل !
...................................................................
( 1 ) في البيت جناس بين كلمتي ، “ زني “ بمعنى تضرب “ وزني “ بمعنى امرأة .
( 2 ) سورة إبراهيم ، 14 : 46 .
“ 179 “
لقد فشلوا جميعاً في التدبير والعمل ، وبقي قضاء الخالق وأحكامه .
955 فيا نابه الذكر ! اعلم أنّ الكسب ليس سوى الذكر الحسن ! وأنت أيها الخبيث ! لا تحسبنّ الجهد إلا وهماً وهباء “ .
كيف نظر عزرائيل إلى رجل وكيف فرّ ذلك الرجل إلى قصر سليمان
وتقدير رجحان التوكّل على الجهد ( وبيان ) قلة فائدة الجهد
في ضحى أحد الأيام ، جاء حرّ “ 1 “ إلى قصر سليمان ، واندفع إلى بهو عدالته .
لقد كان - من الهمّ - أصفر الوجه أزرق الشفاه .
فقال له سليمان : “ ما ذا بك أيها السيّد ؟ “ .
فقال ( الرجل ) : “ إنّ عزرائيل قد نظر إلىّ نظرة مشحونةً بالغضب والبغصاء ! “ .
فقال سليمان : “ وما الذي تريده الآن ؟ سلني ! “ فقال الرجل : “ يا ملجأ روحي ! مر الريح .
960 - أنْ تحملني من هنا إلى بلاد الهند ، فلعلّ عبدَك ينجو بروحه عندما يصل إلى تلك البلاد “ .
فهكذا يفرّ الخلقُ من الفقر ، وهم - من جرّاء ذلك - لقمةُ ( في فم ) الحرص والأمل !
فخوف الفقر يشبه الخوف في هذه القصّة ، وأما الحرصُ والسعي فيشبهان الهند .
فأمر سليمان الريح أن تسرع ، فتطير به فوق الماء إلى أقصى بلاد الهند .
...........................................................................
( 1 ) ترجمة : “ زاد مردي “ . وفي نص المنهج القوي “ ساده مردي “ أي رجل غزّ .
“ 180 “
وفي اليوم التالي - ساعة الديوان واللقاء - قال الملك سليمان لعزرائيل :
965 - أَنظرتَ بغضبٍ إلى ذلك المُسلم ، لكي يشرُدَ بعيداً عن درياره ؟ “ .
فقال عزرائيل : “ متى نظرتُ إليه بغضب ؟ إنني نظرتُ إليه متعجّباً عندما رأيته في الطريق !
فقد أمرني الحقّ أقبض اليوم روح ذلك الرجل في بلاد الهند .
فقلت متعجبّاً : لو أنّ لهذا الرجل مائةَ جناح ، فإنّ وصوله ( اليوم ) إلى الهند أمرُ بعيد “ .
فلتقس أمور الدنيا على ذلك ، ولتقتحْ عينيك وتتأمل .
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
كيف دعا الوحوش الأسد إلى التوكل وترك السعي .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف دعا الوحوش الأسد إلى التوكل وترك السعي
[قصة ظلم الأسد على الوحوش وتدبيرها عليه ]
900 - كانت طائفة من الوحوش في واد طيّب ، وكانت دائمة الذعر من الأسد .
لقد أصبح هذا المرعى غير هنيء لجملة الوحوش ، لأنّ الأسد ، كثيراً ما خرج من مكمنه ، واختطفها .
فاحتالوا للأمر ، وجاءوا الأسد ( قائلين ) : « إننّا سوف نشبعك دوماً بوظيفة ( ثابتة ) .
فلا تبغ صيداً بعد تلك الوظيفة حتى لا يصبح ذلك المرعى لنا مرّ المذاق » .
كيف أجاب الأسد الوحوش وذكر لها فائدة السعي
فقال الأسد : «أقبلُ إنْ رأيت منكم وفاء لا مكراً، فكم بلوت المكر من زيد ومن بكر.
“ 174 “
905 - فإنّي ضحيّةُ فعل الناس ومكرهم ، إنّي لديغُ الحية والعقرب ! ولكنّ إنسان نفسي ، الكامن في كياني ، أسوأ من كل الناس في مكره وغدره .
ولقد سمعتْ أُذني قول الرسول : “ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) ، فاخترت هذا بقلبي وروحي “ .
كيف رجّح الوحوش التوكل على السعي والاكتساب
فقالت جملة الوحوش : “ أيّها الحكيم العالم ، دع الحذر فليس يُعني عن قدر .
إنّ في الحذر الحيرة البالغة والشرّ ، فاذهب وتوكّل على اللَّه ، فالتوكلّ خير .
910 - ولا تضرب بقبضتك القضاء - أيّها العنيف الحادّ - حتى لا يلتحم القضاء في صراع معك .
فالمرء يجب أن يكون ميّتا أمام حكم الحق ، وإلا جاءته الضربةُ من ربّ الفلق “ .
كيف رجّح الأسدُ السعي والاكتساب على التوكلّ والتسليم
فقال الأسد : “ إذا كان التوكلّ هو المرشد ( الصادق ) ، فإنّ ( الإفادة ) من الأسباب هي أيضاً سنة النبيّ .
“ 175 “
فقد نادى الرسول بأعلى صوته : « اعقل فخذ بعيرك وتوكلّ على اللَّه » . « 1 »
واستمع إلى مغزى قول القائل : « الكاسب حبيب اللَّه » ، ولا تكن بتوكلّك متراخياً عن الأسباب والوسائل !
كيف رجّحت الوحوش التوكّل على الاجتهاد
915 - فقالت الوحوش للأسد : « أعلم أنّ الكسب من ضعف الخلق ، وأنه لقمة مزوّرة على قدر الحلق !
فليس هناك كسب أحسن من التوكل ، وأيُّ شيء أحبّ ( إلى اللَّه ) من التسليم ؟
فكم يفر المرء من بلاء ليقع في بلاء آخر! وكم يهرب المرء من الثعبان ليلقى التنّين!
لقد احتال الانسان فكانتْ حيلته شركاً وقع فيه ، وكان موته فيما حسب أنه حياته !
فقد أوصد الباب والعدوّ في منزله! وإنّ حيلة فرعون لم تكن إلا قصة من ذلك النوع.
920 - فهذا الحقود قد قتل أُلوف الأطفال ، بينما كان الطفل الذي يبحث عنه في منزله !
.........................................................................
( 1 ) جاء في حديث مروي عن أنس بن مالك أنه قال : جاء رجل على ناقة له فقال :
يا رسول اللَّه أدعها وأتوكل ، فقال : أعقلها وتوكل . ( الرسالة القشيرية ، ص 76 ، مكتبة صبيح ، القاهرة 1948 ) .
“ 176 “
إنّ بصرنا يعاني الكثير من العلل ، فاذهب وأفْن بصرك في بصر الحبيب !
فإذا أصبح إبصارُنا إبصارَه فما أجمل العوض! إنك ببصره، تجد كلّ أمل تتطلع إليه.
فالطفل ما لم يشتدّ ساعده ويقول على الجري ، فليس له من مركب سوى عنق أبيه.
فإذا ما أظهر الفضول ، واستخدم يديه ورجليه ، وقع في العناء والشقاء .
925 - إن أرواح البشر - قبل خلق الأيدي والأرجل - كانت - لو فائها - تحلق في جو الصفاء .
وعندما قُيِّدت الأرواح بأمره تعالى :” اهْبطُوا “ *” 1 “ ، صارت أسيرة الغضب والحرص والرضى .
إننا عيالُ اللَّه ، نطلب منه اللبن. وقد قال ( الرسول ) : “ الخلق عيال “ 2 “اللَّه“.
فذلك الإله الذي يُنزل الغيث من السماء ، قادر أن يمنحنا الخبز رحمة منه وإشفاقاً “ .
كيف كرّر الأسد ترجيح السعي على التوكل
فقال الأسد : “ نعم ! ولكنّ ربّ العباد وضع سلّماً أمام أقدامنا .
930 فالواجب أنْ نصعد السُلمَّ درجة درجة نحو القمة . وأما القول
...............................................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ “ . ( 2 : 36 ) .
أو إلى قوله : “ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون “ . ( 2 : 38 )
( 2 ) يقصد هنا الحديث الذي رواه ابن مسعود عن الرسول ( ص ) وفيه يقول :
“ الخلق كلهم عيال اللَّه فأحبهم إلى اللَّه أنفعهم لعياله “ .
“ 177 “
بالجبر هنا فإنّه طمع ساذج .
إنّ لك ساقين ، فكيف تجعل من نفسك إنساناً أعرج ؟ . وإن لك يدين ، فكيف تخفي أصابعك ؟
فالسيّد عندما يضع الفأس في يده عبده ، يتضح مرادهُ دون حاجة إلى القول .
فاليدُ مثل الفأس ، إشارة منه إلينا ( لنسعى ) ، والتفكر في العقبى عباراتُه ( الموجّهةُ إلينا ) .
فإنْ جعلت إشاراته في قلبك ، ضحيت بروحك من أجل تحقيق ما أشار به .
935 - فإشاراته تمنحك الأسرار ، وتضع عنك وزرك ، وترفع قدرك . “ 1 “
وإنّ حمل ( أمانته ) ليجعلنّك محمولًا إلى عليّين ، وإن تقبّل ( أوامره ) ليجعلنّك مقبولًا عنده .
وإذا قبلت أمره أصبحت ناطفاً ( بأمره ) ، وإن كنت تبغي الوصل أصبحت واصلًا من بعد ذلك ( القبول ) .
إن السعي لشكر نعمته لهو القدرة ( والاختيار ) ، وأما إنكار النعمة فهو الجبر .
فشكرك على القدرة ، يزيد من قدرتك ( وحرية إرادتك ) ، وأما الجبر فيُخرج تلك النعمة من يديك .
940 - واعتقادك الجبر مثل النوم في الطريق ، فلا تنم ! وكن يقظاً حتى ترى الباب والصرح !
حذار أيها الجبرّي الذي لا يعتبر ! لا تنم إلا تحت هذه الشجرة المثرة !
...................................................
( 1 ) الشطر الأول من هذا البيت كما ورد في طبعة نيكولسون هو :
“ بس اشارتهاى أسرارت دهد “ ! وترجمته : “ وإنه ليعطيك الكثير من علائم الأسرار “ .
ولكنا فضَّلنا على هذا نصَّ الشطر كما ورد في المنهج القوي .
“ پس إشارتهاش أسرارت دهد “ .
“ 178 “
فلسوف تهزّ الريح الغصون في كل لحظة فتُساقطُ على النائم نُقلًا وزادا .
إن ( اعتقاد ) الجبر كالنوم بين قُطاّع الطرق ، وهل يجد الأمان طائرُ لم يكتمل جناحاه ؟
فإذا شمخت بأنفك ( وتعاليت ) على أوامره فأنت - لو تحقّقت الأمر - امرأة وإن حسبت نفسك رجلا “ 1 “ .
945 - ويضيع منك ما لديك من عقل ، وما رأس بلا عقل سوى ذَنَب .
إن كفران النعمة شؤم وعار . إنه يلقي بصاحبه إلى قرار النار .
فإذا توكلت على اللَّه فتوكل عليه في عملك ، ألق البذور ثم توكل على الخالق الجبار .
كيف عاودت الوحوش ترجيح التوكل على الجهد
فعلا صوتُ الوحوش جميعاً قائلين للأسد : “ ما لهؤلاء الحريصين الذين زرعوا الأسباب .
وهم ألوف مؤلفة من الرجال والنساء - ظلّوا محرومين من مواتاة الزمن ؟
950 - فقد مرّت آلاف القرون منذ بدء العالم ، وكان كل منها يفغر مائة فم كفم التنّين .
فهذا فريق من الأذكياء مكر مكراً كاد يقتلع الجبال من أساسها .
ووصف ذو الجلال مكرهم ( بقوله ) :” وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولَ منْهُ الْجبالُ ““ 2 “ .
فلم يحقق لهم ذلك الصيد والعمل إلا ما قُسم لهم منذ الأزل !
...................................................................
( 1 ) في البيت جناس بين كلمتي ، “ زني “ بمعنى تضرب “ وزني “ بمعنى امرأة .
( 2 ) سورة إبراهيم ، 14 : 46 .
“ 179 “
لقد فشلوا جميعاً في التدبير والعمل ، وبقي قضاء الخالق وأحكامه .
955 فيا نابه الذكر ! اعلم أنّ الكسب ليس سوى الذكر الحسن ! وأنت أيها الخبيث ! لا تحسبنّ الجهد إلا وهماً وهباء “ .
كيف نظر عزرائيل إلى رجل وكيف فرّ ذلك الرجل إلى قصر سليمان
وتقدير رجحان التوكّل على الجهد ( وبيان ) قلة فائدة الجهد
في ضحى أحد الأيام ، جاء حرّ “ 1 “ إلى قصر سليمان ، واندفع إلى بهو عدالته .
لقد كان - من الهمّ - أصفر الوجه أزرق الشفاه .
فقال له سليمان : “ ما ذا بك أيها السيّد ؟ “ .
فقال ( الرجل ) : “ إنّ عزرائيل قد نظر إلىّ نظرة مشحونةً بالغضب والبغصاء ! “ .
فقال سليمان : “ وما الذي تريده الآن ؟ سلني ! “ فقال الرجل : “ يا ملجأ روحي ! مر الريح .
960 - أنْ تحملني من هنا إلى بلاد الهند ، فلعلّ عبدَك ينجو بروحه عندما يصل إلى تلك البلاد “ .
فهكذا يفرّ الخلقُ من الفقر ، وهم - من جرّاء ذلك - لقمةُ ( في فم ) الحرص والأمل !
فخوف الفقر يشبه الخوف في هذه القصّة ، وأما الحرصُ والسعي فيشبهان الهند .
فأمر سليمان الريح أن تسرع ، فتطير به فوق الماء إلى أقصى بلاد الهند .
...........................................................................
( 1 ) ترجمة : “ زاد مردي “ . وفي نص المنهج القوي “ ساده مردي “ أي رجل غزّ .
“ 180 “
وفي اليوم التالي - ساعة الديوان واللقاء - قال الملك سليمان لعزرائيل :
965 - أَنظرتَ بغضبٍ إلى ذلك المُسلم ، لكي يشرُدَ بعيداً عن درياره ؟ “ .
فقال عزرائيل : “ متى نظرتُ إليه بغضب ؟ إنني نظرتُ إليه متعجّباً عندما رأيته في الطريق !
فقد أمرني الحقّ أقبض اليوم روح ذلك الرجل في بلاد الهند .
فقلت متعجبّاً : لو أنّ لهذا الرجل مائةَ جناح ، فإنّ وصوله ( اليوم ) إلى الهند أمرُ بعيد “ .
فلتقس أمور الدنيا على ذلك ، ولتقتحْ عينيك وتتأمل .
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin