العبارة أن الأفعال المولدة إنما هي من خلق اللَّه .
( 1670 ) من أمثلة ذلك - عند الصوفية - أن الوليّ إذا دعا على إنسان ثم ندم ورجع عن هذا الدعاء ، يستجيب اللَّه لرجوعه ، ولا يقع من جراء دعائه ضرّ ولا أذى .
( 1679 ) يقول ابن العربي عن الإنسان : “ وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر ، المعبرّ عنه بالبصر . فلهذا سُمي إنساناً ، فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم “ . ( فصوص الحكم ، ص 50 ) .
( 1680 ) أصحاب الصدارة “ في هذا البيت ربما تعني أقطاب التصوف . وقد تعني الأنبياء . ومهما يكن ، فالصوفية يؤمنون بالامتناع عن ذكر الأسرار لمن لا يكونون أهلًا لتلقيها . وفي مشكاة الأنوار للغزالي ( ص 40 ) حديث منسوب إلى الرسول عليه السلام وتعليق عليه الغزالي جاء فيه : “ إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللَّه . فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرّة باللَّه ، ومهما كثر أهل الاغترار وجب حفظ الأستار على وجه الأسرار “ .
( 1681 - 1690 ) تناول الشاعر في أبيات سابقة ( انظر 388 - 402 ) النوم وأثره على الإنسان . وهو في هذه الأبيات يصور الإنسان منفصلًا عن أفكاره وخبراته ساعة النوم . ومع هذا تعود إليه الأفكار والخبرات والطباع ذاتها حين يستيقظ ، كما يعود الحمام الزاجل إلى موطنه مهما أُبعد عنه.
[ شرح من بيت 1700 إلى 1850 ]
( 1700 ) اللسان يتلكم بالخير وكذلك بالشرّ . والشرّ الذي ينطلق من اللسان يقضي عى ما ينطق به من خير ، كما تقضي النار على البيدر .
( 1701 ) يتحدث الغزالي عن أثر اللسان على القلب فيقول : “ إن الجوارح كلها تؤثر أعمالها في القلب ، ولكن اللسان أخصّ به لأنه يؤدي عن القلب ما فيه من الصور ، فيقتضي كل كلمة صورة في القلب محاكية لها ،
“ 526 “
فلذلك إذا كان كاذباً حصل في القلب صورة كاذبة ، واعوج به وجه القلب ، وإذا كان في شيء من الفضول مستغنى عنه اسودّ به وجه القلب ، وأظلم حتى تنتهي كثرة الكلام إلى إماتة القلب . . “ ( الأربعون في أصول الدين ، ص 106 ) .
( 1703 ) إن اللسان يخدع القلوب كما يخدع الصفير الطيور .
( 1704 ) السيطرة على اللسان تعدّ من الأمور العسيرة التي لا تتحقق إلا لمن أوتوا عقلًا راجحاً وحلماً كبيراً . أما الإنسان العاميّ فلا سيطرة له على لسانه ، مهما سعى إلى ذلك .
( 1706 ) يخاطب التاجر لسانه بقوله : “ أجبني ، أو كن منصفاً فلا تتحدث بما يسيء إليّ ، أو انطلق بما يكون سبباً لسروري ، كذكر اللَّه والتحدث بالخير “ .
( 1710 ) انتقل التاجر من وصف حزنه على فراق طائره المحبوب ، إلى الحديث عن حزن روحه لفراق عالمها الأعلى ، فهناك كانت خالية من الآلام ، نقية بريئة من أدران المادة .
( 1711 ) هذه الآلام التي يعانيها العاشق مبعثها خيال المحبوب ، وما تعانيه الروح لا نفصالها عن وجودها الحقّ ، ووقوعها أسيرة للمادة في هذه الدنيا .
( 1723 ) القمر هنا رمز للروح . والحساب رمز لماديات الحياة الدنيا .
فهذه الماديات قد حجبت الروح كما يحجب السحابُ القمر .
( 1726 ) إن العشق المضطرم لا يكون من المستطاع السيطرة عليه .
( 1727 ) الحبيب هنا قد يكون إنساناً . ومن الممكن - عند الصوفية - حدوث اتحاد روحيّ بين إنسانين بلغا مرتبة رفيعة من المحبّة والصفاء الروحيّ . والحبيب هنا يدعو الشاعر ألا ينشغل عن الجمال بالألفاظ التي يقولها في وصفه .
( 1728 - 1729 ) هنا يُؤكد الشاعر لمحبوبه أنه مصدر انسجام
“ 527 “
تفكيره وتوزانه ، وأن الألفاظ لا أهمية لها ، فليست هذه إلا إطاراً يحيط بالمعنى ، كما تحيط الأشواك بالكروم .
( 1730 ) يريد الشاعر أن ينطلق من التحدّث مع محبوبه بالألفاظ إلى التحدّث معه حديثاً روحياً ، لا يقيده لفظ ولا صوت .
( 1731 ) الإنسان الكامل عند الصوفية هو الجامع لأسرار العالم .
والشاعر هنا يقول إنه سيبوح له بكلمة خفيت على آدم ، وهذه الكملة هي “ سر الاتحاد “ الذي يقول به الصوفية . يقول ابن الفارض في التائية الكبرى :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي فيه معنى ناطق بأبوّتي
ونفسي على حجر التجلي برشدها * تجلّت وفي حجر التجلي تربت
( 1732 - 1733 ) يمكن أن يُفسر هذان البيتان على ضوء ما قاله ابن الفارض في تائيته الكبرى :
وفي المهد حزبي الأنبياء وفي عنا * صري لوحي المحفوظ والفتح سورتي
وقبل فصالي دون تكليف ظاهري * ختمت بشرعي الموضحي كل شرعة
وفي أبيات جلال الدين وابن الفارض حديث رمزي عن “ التجلي “ ، وهو - عند الصوفية - كاشف لجميع الأسرار التي سعى الأنبياء إلى كشف جانب منها لعامة الخلق .
( 1735 ) لقد أدرك معنى الوجود الحق حينما تخلص من إحساسه بذاته ، وفني في حبّ الخالق ، فكانت اللاذاتية سبيله إلى الذاتية الحق .
( 1744 ) ماذا يضيرني لو هلك الجسد ، ما دامت الروح - وهي جوهر الإنسان - ستفترق عنه مكتملة بالمحبة ، ساعية إلى عالمها العلويّ .
( 1747 - 1748 ) في سبيل الحبيب ينبغي أن تكون الألم حلو المذاق ، وعلى المحبّ أن يتلقى الشقاء في الحب بذات الرضا الذي يتلقى به سعادة الحب . فليس المهم في العشق الصوفيّ رغبة العاشق ، وإنما يتوقف
“ 528 “
كل شيء على ما يريده الحبيب .
يقول ابن الفارض :وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلتُ له شكري مكان شكيتي
نعم وتباريح الصبابة إذ عدت * عليّ من النعماء في الحب عدِّت
ومنك شقائي بل بلائي منّة * وفيك لباس البؤس أسبغ نعمة
( 1749 ) النجوم في هذا البيت قد تكون رمزاً للتجليات الإلهية .
أما الهلال فقد يكون رمزاً لنور العقل أو للوجود الإنساني . فالشاعر يقول إنّ لمحة واحدة من تجليات الحق تفوق في قيمتها مائة عقل أو مائة كيان إنساني .
يقول ابن الفارض :إذا ما أحلت في هواها دمي ففي * ذرا العزّ والعلياء قدري أحلت
( 1750 ) ثمن الدماء هو ما خصّ اللَّه به محبيه من عناية جعلتهم يضحون بوجودهم الدنيوي في سبيل وجود أسمى يسارعون إليه بقلوب مطمئنة .
يقول ابن الفارض :
وما هو إلا أن ظهرت لناظري * بأكمل أوصاف على الحسن أربت
فحليت لي البلوى فخليت بينها * وبيني فكانت منك أجمل حلية
( 1751 ) شبيه بهذا البيت قول ابن الفارض :هو الحب إن لم تقض ، لم تقض مأربا * من الحب فاختر ذاك أو خلّ خلتي
( 1752 - 1756 ) في هذه الأبيات يصور الشاعر الحب الصوفي الذي يقتضي من المحب فناء كاملًا عن ذاته ، وقد وصف الشاعر من أبصر ذاته إلى جانب الحبيب بأنه ثنائي الرؤية .
ولا بن الفارض أبيات تعبر عن المعنى ذاته قال فيها :
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى * ولكنها الأهواء عمت فأعمت
وقد آن أن أُبدي هواك ومن به * ضناك بما ينفي ادعاك محبتي
“ 529 “
حليف غرام أنت لكن بنفسه * وإبقاك وصفاً منك بعض أدلتي
فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانيا * ولم تفن ما لا تجتلى فيك صورتي
فدع عنك دعوى الحب وادع لغيره * وفؤادك وادفع عنك غيّك بالتيانظر أيضاً تعليقنا على البيت 517 .
( 1759 ) حينما أنفي ذاتي فالمراد من ذلك إثبات ذات اللَّه “ .
وفي البيت اقتباس من لفظ شهادة التوحيد “ لا إله إلا اللَّه “ .
( 1760 - 1762 ) إن الصوفي يخفي عن الناس ما قد يتكشف له من تجليات وأسرار وراء قناع من الصمت والتحفظ . وليس مما يجيزه الصوفية أن يبوح أحدهم بسرّ تكشف له ، وخاصة إذا حدث هذا أمام من لا يعدُّون - في اعتبارهم - أهلًا لتلقي مثل هذا السر .
( 1763 ) غيرة الحق هي أنه يريد من عباده ألا يكون لهم تعلق بأحد ولا بشيء سواه .
ويقول القشير : “ الحق تعالى غيور ، ومن غيرته أنه لم يجعل إليه طريقاً سواه “ . ( الرسالة ، ص 116 ) .
ويقول الغزالي : قال عليه السلام : “ أتعجبون من غيرة سعد ، أنا واللَّه أغير منه ، واللَّه أغير مني “ . ولأجل غيرة اللَّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ( الإحياء ، 2 / 46 ) .
وانظر أيضاً : ان عبربي ، فصوص الحكم ، ص 109 ، 110 .
( 1765 ) كل من أصبح موقن الإيمان ، يعبد ربه كأنه يراه ، لا يليق به أن يعود إلى إيمان العوام ، وما يشوبه من شوائب الغفلة والجهل .
( 1773 ) القلوب العشرة رمز للتجليات المتباينة من رضى وسخط وقبول وإعراض وما إلى ذلك . ومنها أمور يشعر بها الصوفية ، ويتحققون بها ، ويعدّونها أحوالًا . والأحوال عندهم مواهب لا يد لهم في تحقيقها .
“ 530 “
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin