كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة الحادية والأربعون في وصف وادي الاستغناء الأبيات من 3558 - 3580
بعد ذلك يأتي وادي الاستغناء ، وهو خال من كل دعوى ومعنى ، وفيه تسرع الريح العاتية مما بها من قوة ، حيث تشمل كل إقليم في لحظة .
والبحار السبعة ما هي إلا بركة ماء هنا ، والكواكب السبعة ما هي إلا ومضة ضوء هنا ، وتكون فيه الجنات السبع في موت مطبق ،
كما تصبح النيران السبعة فيه كالثلج المتجمد ، وفيه تصبح للنملة ويا للعجب ، قوة مائة فيل بلا أدنى سبب ، ولكي يصبح الغراب ممتلئ الحوصلة ،
فلن يبقى أحد قط على قيد الحياة من مائة قافلة ، ولقد احترق مئات الألوف من الملائكة حتى أضاء مصباح لآدم .
وخلت آلاف الأجسام من الروح ، حتى أصبح نوح نجارا في تلك الحضرة .
وهجم العديد من البعوض على الجيش ، حتى سما إبراهيم فوق الجميع .
وسفك دم العديد من الأطفال ، حتى أصبح كليم اللّه صاحب رؤية .
وعقد مئات الألوف من البشر الزنار ، حتى أصبح عيسى محرم الأسرار . واضطرت مئات الألوف من الأرواح والقلوب ، حتى أدرك محمد ذات ليلة المعراج .
الجديد والقديم هنا لا قيمة لهما ، فلا ترغب في شيء هنا مطلقا ، وإن كنت قد رأيت الدنيا مكتوبة القلب ، فما رأيته ليس إلا حلما ،
وإذا سقطت آلاف الأرواح في هذا البحر ، فكأنها قطرة ندى سقطت في هذا البحر اللانهائي ،
وإذا استسلم مئات الألوف إلى النوم ، فإنهم يصبحون بفعل الشمس كذرة مع الظل،
وإذا تساقطت الأفلاك والأنجم قطعة قطعة ، فكأنما سقطت ورقة شجر واحدة في هذه الدنيا ،
وإذا أصبحت الدنيا من البحر إلى القمر عدما في عدم ، فكأنما عرجت نملة في قاع بئر ،
وإذا خرب العالمان دفعة واحدة ، فهب أن حبة رمل قد انعدمت من الأرض .
وإذا لم يبق أدنى أثر للناس والشيطان ، فكأنما سقطت قطرة مطر واحدة ،
وإذا سار الكل إلى التراب ، فأي بأس إن اختفت شعرة كائن حي واحدة ،
وإذا ضاع الجزء والكل هنا ، فقد نقصت ورقة تبن واحدة من على وجه الأرض ،
وإذا نقصت هذه الأفلاك التسعة مرة واحدة ، فما نقصت غير قطرة ماء من البحار السبعة .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 1
الأبيات من 3581 - 3594
كان في قريتنا شاب في جمال البدر ، فسقط هذا البدر الشبيه بيوسف في البئر ، وانهال عليه الكثير من التراب ، وأخرجه في النهاية أحد الأشخاص ، فاضطرب حاله ، كما أصابه الزمان بالعديد من المصائب .
كان اسم هذا الشاب الطيب المحتد « محمدا » وهكذا تسمى بعد قدومه إلى الحياة مباشرة .
وقد قال له الوالد حين رآه مضطربا : يا ولدي ، ويا نور العين ويا روح الوالد ، ويا محمد ، تلطف مع أبيك ، وانطق بكلمة واحدة !
فقال في النهاية : ما الكلمة ؟
ومن محمد ؟
ومن الغلام ؟
ومن الإنسان ؟
قال هذا وأسلم الروح . وهذا ما حدث .وكفى .
انظر أيها السالك ، يا من يتصف ببعد النظر ، أين محمد ؟
وأين آدم ، وتنبه ! ثم أين آدم ، وأين ماله من ذريات ؟
وأين أسماء الجزئيات والكليات ؟
وأين الأرض ؟
وأين الجبال والبحار ؟
وأين الفلك ؟
وأين الملائكة والشياطين ؟
وأين الخلق والملك ؟
وأين الآن الألوف المؤلفة التي واراها التراب ؟
وأين الآن الملائكة الأطهار ؟
وأين من أسلموا الروح في اضطراب ؟
وأين الإنسان ؟
وأين الروح والجسد ؟
وأين العدم ؟
فإن تنخل كلا العالمين ومائة مثليهما ، وتغربلهما ، فلن تجد أي شيء في الغربال ، ما دامت الحياة قد أقبلت عليك مضطربة مختلة .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 2
الأبيات من 3595 - 3615
كان يوسف الهمداني يأمل في المسير ، وكان له صدر طاهر وقلب كبير ، وقد قال : لتسم دائما فوق العرش ، ثم اهبط بعد ذلك تحت الفرش .
فكل ما كان وما يكون وما سيكون سواء أكان حسنا أو سيئا ، فليس إلا ذرة تافهة ، وهذا كله مجرد قطرة من بحر الوجود ،
فلا جدوى من وجوده أو عدمه ، وليس هذا الوادي هكذا بسيطا سهلا ؛ يا سليم العقل ، بل أنت الذي تعتبره سهلا بجهلك ،
يا سليم العقل ، حتى ولو أصبح البحر غاصا بدماء قلبك ، فلن تستطيع قطع سوى منزلة واحدة منه فقط ، وإن تتخل عن الدنيا في كل لحظة ،
فستكون لك الخطوة الأولى إن تمعن النظر ، وما رأى شخص قط نهاية لهذه الطريق ، وما رأى شخص قط دواء لهذا الداء .
فإن تتجمد كالحجر في الحياة . فأنت جيفة أو ميت ، وإن تسرع وتظل في عدو دائم ، فلن تسمع صوتا يدعوك للدخول مطلقا ، وليس الإسراع مقبولا منك ، ولا التوقف كذلك ، وليس الموت أفضل لك ، ولا الولادة كذلك .
صعب ذلك الأمر الذي حل بك ، فما الفائدة ؟
إن أمرك صعب مشكل ، فما جدوى توقفك ؟
وسواء أكنت جامحا أو مطيعا ، أيها الخامل ؛ وسواء تخليت عن العمل أو اجتهدت فيه ، وسواء قلت بترك العمل أو بالسعي فيه ،
وسواء أكان عملك قليلا أو كثيرا ؛ فلعلك تزاول العمل طالما العمل موجود ، حيث يلازمك العمل على الدوام ،
وإن لا يتقدم أي شخص لمعالجة الأمر ، فما أطول ما أنت فيه من بطالة .
واترك الأعمال التي كنت تعملها سلفا ، فسواء فعلتها أو امتنعت عنها .
وكيف تدرك العمل ، وهو أمر لا يمكن إدراكه ، حتى ولو أدركته فمتى تستطيع مزاولة العمل ؟
تبين حقيقة عدم الاحتياج ، وأمعن النظر إلى الاستغناء ، سواء كنت فرحا أو نائحا .
وما أن أضاء برق الاستغناء هكذا ، حتى أحرق لهيبه مائة دنيا في لحظة واحدة ، وستنهار المائة دنيا ، وتخلد إلى التراب ، وأي خوف لو تلاشت الدنيا في هذا الوادي ؟
المقالة الحادية والأربعون حكاية 3
الأبيات من 3616 - 3626
لعلك رأيت ذلك الحكيم ذا العقل الكبير ، وقد أحضر أمامه لوحة ترابية ، وقد أخذ يزين اللوحة بالكثير من النقوش والرسوم ، حتى بدت عليها الثوابت والسيارة ،
وبين عليها كذلك الأفلاك والأرض ، فكان يوجه أوامره لهذه تارة ولتلك تارة أخرى ،
وأظهر عليها النجوم والبروج كذلك ، كما وضح عليها الأفول والعروج ،
ورسم عليها علامات النحس والسعادة ، وصور فيها مرتبة الموت والولادة ، وعندما يحسب النحس يتولد السعد منه ، لذا لزم جوار هذه اللوحة .
إنك تقول : دع هذا الهراء الذي لا يحدث مطلقا ، فهذه النقوش والرسوم لا توجد مطلقا .
إن صورة هذا العالم المضطرب شبيهة بصورة تلك اللوحة ، ولن تستطيع تحمل كل هذا فتخير الكنز ، وقلل الطواف حول العالم ، والزم ركنك .
فقد أصبح جميع الرجال نساء هنا ، بعد أن عجزوا عن معرفة أي شيء عن هذين العالمين ، وإن تعجز عن سلوك هذا الطريق فلن تساوي قشة تبن حتى ولو تزن جبلا . !
المقالة الحادية والأربعون حكاية 4
الأبيات من 3627 - 3638
قال ذلك الرجل الذي يعد من أهل السر ؛ لقد أنكشف النقاب عن عالم الأسرار ، وجاء الهاتف قائلا : أسرع أيها الشيخ ، واطلب كل ما تبغي ، وانطلق بسرعة ،
فقال الشيخ : إنني أرى الأنبياء مبتلين دائما ويحيط بهم البلاء ، وأينما تكثر الهموم والبلايا تجد الأنبياء سباقين إليها ، فإذا كان البلاء من نصيب الأنبياء ، فكيف تدرك الراحة هذا الشيخ الغريب ؟
فلست بطامع في عزة أو ذلة ، وليتك تتركني أسير عجزي !
إذا كان نصيب العظماء المصائب والنوائب ، فكيف يستطيع الصغار إدراك الكنز؟
الأنبياء دائما في اضطراب ، أما أنا فلا أستطيع تحمل كل هذا ؛ فارفع يدك عني . إذا كان كل ما أقوله نابعا من روحي ، فأي جدوى منه ؟
وإن لم يرق لك الأمر ، فأي جدوى مما يصدر عني ؟
لو كنت قد سقطت في بحر الخطر ، فأنت تشبه بطة ضعيفة الجناح ، وإن يتملكك الخوف من تمساح القهر ، فكيف يروق لك سلوك هذا الطريق ؟ وستظل في البداية لا يقر لك قرار مما بك من تفكير وخوف ، فإن تسقط ، فكيف تستطيع روحك الوصول إلى الشاطئ ؟
المقالة الحادية والأربعون حكاية 5
الأبيات من 3639 - 3652
كانت ذبابة تطير باحثة عن طعام ، فرأت خلية عسل في زاوية ، فاضطرب قلبها شوقا إلى العسل ،
وصاحت قائلة : أين ذلك الرجل الحر ؟
لعله يأخذ دانقا مني أنا المسكينة ، ويجلسني داخل الخلية ، وإن يثمر فرع وصلي هذا ، فما أجمل أن تكون جذوره في العسل .
أخيرا يسر شخص لها ما أرادت ، وأدخلها الخلية بعد أن أخذ منها دانقا ، وما أن دخلت الذبابة إلى العسل ،
حتى كبل العسل يديها ورجليها ووهنت مفاصلها من الاختلاج ، واشتد قيدها كلما زادت حركتها ،
فصاحت قائلة : يا سوء ما وقع لي ، لقد أصبح العسل أثقل على نفسي من السم ، إن كنت قد أعطيت دانقا ، فالآن أعطي دانقين ، لعلي أخرج من هذا المأزق ، وأتخلص من هذه الذلة .
إلهي ، لا تجعل إنسانا في فراغ لحظة في هذا الوادي ، ولا تحرم إنسانا من بلوغ المراد ، لقد اضطربت زمنا أيها القلب ، فإلام تقضي العمر غافلا ؟
فانهض واقطع هذا الوادي الصعب ، وتخلص من الروح ، واقطع صلتك بالقلب ، وذلك لأنك إن تظل رفيقا للقلب والروح ، فإنك مشرك ،
بل أكثر غفلة من المشركين . فابذل الروح في الطريق ، وقدم قلبك نثارا ، وإلا فابعد عن طريق الاستغناء .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 6
الأبيات من 3653 - 3669
كان هناك شيخ صوفي مشهور ، قد شغفته بنت الكلّاب حبا ، وأصبح واهنا في عشق تلك المعشوقة ، كما تلاطمت الدماء في قلبه كأمواج البحر ،
وأملا في رؤية وجهها ، كان ينام ليله مع كلاب محلتها ، ففطنت والدة الفتاة لتلك الحيلة ، وقالت للشيخ أي ضلال هذا ؟
إن كنت صادقا في هذا الحب ، فعملنا هو تربية الكلاب ، وحسب .
فإن تكن على شاكلتنا ، وتقم بتربية الكلاب ، نعقد قرانك بعد عام ونقم حفل العرس .
ولما كان العشق متمكنا من قلب الشيخ ، فقد ألقى الخرقة ، وبادر إلى مزاولة العمل ، وذهب إلى السوق بمصاحبة كلب ، وقضى قرابة عام على هذا العمل .
وكان يصادقه صوفي آخر ، فعندما رآه هكذا ،
قال له : يا عديم المروءة ، لقد قضيت ثلاثين عاما رجلا ، ونعم الرجل ، فلم فعلت هذا ؟
ومن فعل هذا ؟
قال : أيها الغافل ، لا تطل الحديث ، حتى لا يرتفع الستر عن هذه القصة .
إن الحق تعالى يعلم بهذه الأسرار ، وبإمكانه إصابتك بمثل ما أصابني ، فإن يستمر لومك لي ، فقد ينقل الكلب من يدي إلى يدك .
ما أكثر ترديدي الأقوال حتى دمى قلبي من آلام الطريق ، وما تقدم أحد للسلوك ، وما أكثر ما تكلمت دون جدوى ، حيث لم يتقدم واحد منكم باحثا عن الأسرار ، فإن تصبحوا عالمين بأسرار الطريق ، تدركوا في هذا الوقت مقدار آلامي .
حتى ولو تكلمت أكثر من هذا في وصف الطريق ، فالجميع في سبات عميق ، وأين السالك الحق ؟ .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 7
3670 - 3672
قال مريد لشيخه : لتقل لنا نكتة عن الحضور ،
فقال الشيخ ابتعد ، فإن تغسلوا وجوهكم في هذا الزمان ، أقدم النكتة أثناء ذلك .
ولكن أي جدوى من العطر في النجاسة ؟
وأي جدوى من أن تقول نكتة أمام السكارى ؟
العو
المقالة الحادية والأربعون في وصف وادي الاستغناء الأبيات من 3558 - 3580
بعد ذلك يأتي وادي الاستغناء ، وهو خال من كل دعوى ومعنى ، وفيه تسرع الريح العاتية مما بها من قوة ، حيث تشمل كل إقليم في لحظة .
والبحار السبعة ما هي إلا بركة ماء هنا ، والكواكب السبعة ما هي إلا ومضة ضوء هنا ، وتكون فيه الجنات السبع في موت مطبق ،
كما تصبح النيران السبعة فيه كالثلج المتجمد ، وفيه تصبح للنملة ويا للعجب ، قوة مائة فيل بلا أدنى سبب ، ولكي يصبح الغراب ممتلئ الحوصلة ،
فلن يبقى أحد قط على قيد الحياة من مائة قافلة ، ولقد احترق مئات الألوف من الملائكة حتى أضاء مصباح لآدم .
وخلت آلاف الأجسام من الروح ، حتى أصبح نوح نجارا في تلك الحضرة .
وهجم العديد من البعوض على الجيش ، حتى سما إبراهيم فوق الجميع .
وسفك دم العديد من الأطفال ، حتى أصبح كليم اللّه صاحب رؤية .
وعقد مئات الألوف من البشر الزنار ، حتى أصبح عيسى محرم الأسرار . واضطرت مئات الألوف من الأرواح والقلوب ، حتى أدرك محمد ذات ليلة المعراج .
الجديد والقديم هنا لا قيمة لهما ، فلا ترغب في شيء هنا مطلقا ، وإن كنت قد رأيت الدنيا مكتوبة القلب ، فما رأيته ليس إلا حلما ،
وإذا سقطت آلاف الأرواح في هذا البحر ، فكأنها قطرة ندى سقطت في هذا البحر اللانهائي ،
وإذا استسلم مئات الألوف إلى النوم ، فإنهم يصبحون بفعل الشمس كذرة مع الظل،
وإذا تساقطت الأفلاك والأنجم قطعة قطعة ، فكأنما سقطت ورقة شجر واحدة في هذه الدنيا ،
وإذا أصبحت الدنيا من البحر إلى القمر عدما في عدم ، فكأنما عرجت نملة في قاع بئر ،
وإذا خرب العالمان دفعة واحدة ، فهب أن حبة رمل قد انعدمت من الأرض .
وإذا لم يبق أدنى أثر للناس والشيطان ، فكأنما سقطت قطرة مطر واحدة ،
وإذا سار الكل إلى التراب ، فأي بأس إن اختفت شعرة كائن حي واحدة ،
وإذا ضاع الجزء والكل هنا ، فقد نقصت ورقة تبن واحدة من على وجه الأرض ،
وإذا نقصت هذه الأفلاك التسعة مرة واحدة ، فما نقصت غير قطرة ماء من البحار السبعة .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 1
الأبيات من 3581 - 3594
كان في قريتنا شاب في جمال البدر ، فسقط هذا البدر الشبيه بيوسف في البئر ، وانهال عليه الكثير من التراب ، وأخرجه في النهاية أحد الأشخاص ، فاضطرب حاله ، كما أصابه الزمان بالعديد من المصائب .
كان اسم هذا الشاب الطيب المحتد « محمدا » وهكذا تسمى بعد قدومه إلى الحياة مباشرة .
وقد قال له الوالد حين رآه مضطربا : يا ولدي ، ويا نور العين ويا روح الوالد ، ويا محمد ، تلطف مع أبيك ، وانطق بكلمة واحدة !
فقال في النهاية : ما الكلمة ؟
ومن محمد ؟
ومن الغلام ؟
ومن الإنسان ؟
قال هذا وأسلم الروح . وهذا ما حدث .وكفى .
انظر أيها السالك ، يا من يتصف ببعد النظر ، أين محمد ؟
وأين آدم ، وتنبه ! ثم أين آدم ، وأين ماله من ذريات ؟
وأين أسماء الجزئيات والكليات ؟
وأين الأرض ؟
وأين الجبال والبحار ؟
وأين الفلك ؟
وأين الملائكة والشياطين ؟
وأين الخلق والملك ؟
وأين الآن الألوف المؤلفة التي واراها التراب ؟
وأين الآن الملائكة الأطهار ؟
وأين من أسلموا الروح في اضطراب ؟
وأين الإنسان ؟
وأين الروح والجسد ؟
وأين العدم ؟
فإن تنخل كلا العالمين ومائة مثليهما ، وتغربلهما ، فلن تجد أي شيء في الغربال ، ما دامت الحياة قد أقبلت عليك مضطربة مختلة .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 2
الأبيات من 3595 - 3615
كان يوسف الهمداني يأمل في المسير ، وكان له صدر طاهر وقلب كبير ، وقد قال : لتسم دائما فوق العرش ، ثم اهبط بعد ذلك تحت الفرش .
فكل ما كان وما يكون وما سيكون سواء أكان حسنا أو سيئا ، فليس إلا ذرة تافهة ، وهذا كله مجرد قطرة من بحر الوجود ،
فلا جدوى من وجوده أو عدمه ، وليس هذا الوادي هكذا بسيطا سهلا ؛ يا سليم العقل ، بل أنت الذي تعتبره سهلا بجهلك ،
يا سليم العقل ، حتى ولو أصبح البحر غاصا بدماء قلبك ، فلن تستطيع قطع سوى منزلة واحدة منه فقط ، وإن تتخل عن الدنيا في كل لحظة ،
فستكون لك الخطوة الأولى إن تمعن النظر ، وما رأى شخص قط نهاية لهذه الطريق ، وما رأى شخص قط دواء لهذا الداء .
فإن تتجمد كالحجر في الحياة . فأنت جيفة أو ميت ، وإن تسرع وتظل في عدو دائم ، فلن تسمع صوتا يدعوك للدخول مطلقا ، وليس الإسراع مقبولا منك ، ولا التوقف كذلك ، وليس الموت أفضل لك ، ولا الولادة كذلك .
صعب ذلك الأمر الذي حل بك ، فما الفائدة ؟
إن أمرك صعب مشكل ، فما جدوى توقفك ؟
وسواء أكنت جامحا أو مطيعا ، أيها الخامل ؛ وسواء تخليت عن العمل أو اجتهدت فيه ، وسواء قلت بترك العمل أو بالسعي فيه ،
وسواء أكان عملك قليلا أو كثيرا ؛ فلعلك تزاول العمل طالما العمل موجود ، حيث يلازمك العمل على الدوام ،
وإن لا يتقدم أي شخص لمعالجة الأمر ، فما أطول ما أنت فيه من بطالة .
واترك الأعمال التي كنت تعملها سلفا ، فسواء فعلتها أو امتنعت عنها .
وكيف تدرك العمل ، وهو أمر لا يمكن إدراكه ، حتى ولو أدركته فمتى تستطيع مزاولة العمل ؟
تبين حقيقة عدم الاحتياج ، وأمعن النظر إلى الاستغناء ، سواء كنت فرحا أو نائحا .
وما أن أضاء برق الاستغناء هكذا ، حتى أحرق لهيبه مائة دنيا في لحظة واحدة ، وستنهار المائة دنيا ، وتخلد إلى التراب ، وأي خوف لو تلاشت الدنيا في هذا الوادي ؟
المقالة الحادية والأربعون حكاية 3
الأبيات من 3616 - 3626
لعلك رأيت ذلك الحكيم ذا العقل الكبير ، وقد أحضر أمامه لوحة ترابية ، وقد أخذ يزين اللوحة بالكثير من النقوش والرسوم ، حتى بدت عليها الثوابت والسيارة ،
وبين عليها كذلك الأفلاك والأرض ، فكان يوجه أوامره لهذه تارة ولتلك تارة أخرى ،
وأظهر عليها النجوم والبروج كذلك ، كما وضح عليها الأفول والعروج ،
ورسم عليها علامات النحس والسعادة ، وصور فيها مرتبة الموت والولادة ، وعندما يحسب النحس يتولد السعد منه ، لذا لزم جوار هذه اللوحة .
إنك تقول : دع هذا الهراء الذي لا يحدث مطلقا ، فهذه النقوش والرسوم لا توجد مطلقا .
إن صورة هذا العالم المضطرب شبيهة بصورة تلك اللوحة ، ولن تستطيع تحمل كل هذا فتخير الكنز ، وقلل الطواف حول العالم ، والزم ركنك .
فقد أصبح جميع الرجال نساء هنا ، بعد أن عجزوا عن معرفة أي شيء عن هذين العالمين ، وإن تعجز عن سلوك هذا الطريق فلن تساوي قشة تبن حتى ولو تزن جبلا . !
المقالة الحادية والأربعون حكاية 4
الأبيات من 3627 - 3638
قال ذلك الرجل الذي يعد من أهل السر ؛ لقد أنكشف النقاب عن عالم الأسرار ، وجاء الهاتف قائلا : أسرع أيها الشيخ ، واطلب كل ما تبغي ، وانطلق بسرعة ،
فقال الشيخ : إنني أرى الأنبياء مبتلين دائما ويحيط بهم البلاء ، وأينما تكثر الهموم والبلايا تجد الأنبياء سباقين إليها ، فإذا كان البلاء من نصيب الأنبياء ، فكيف تدرك الراحة هذا الشيخ الغريب ؟
فلست بطامع في عزة أو ذلة ، وليتك تتركني أسير عجزي !
إذا كان نصيب العظماء المصائب والنوائب ، فكيف يستطيع الصغار إدراك الكنز؟
الأنبياء دائما في اضطراب ، أما أنا فلا أستطيع تحمل كل هذا ؛ فارفع يدك عني . إذا كان كل ما أقوله نابعا من روحي ، فأي جدوى منه ؟
وإن لم يرق لك الأمر ، فأي جدوى مما يصدر عني ؟
لو كنت قد سقطت في بحر الخطر ، فأنت تشبه بطة ضعيفة الجناح ، وإن يتملكك الخوف من تمساح القهر ، فكيف يروق لك سلوك هذا الطريق ؟ وستظل في البداية لا يقر لك قرار مما بك من تفكير وخوف ، فإن تسقط ، فكيف تستطيع روحك الوصول إلى الشاطئ ؟
المقالة الحادية والأربعون حكاية 5
الأبيات من 3639 - 3652
كانت ذبابة تطير باحثة عن طعام ، فرأت خلية عسل في زاوية ، فاضطرب قلبها شوقا إلى العسل ،
وصاحت قائلة : أين ذلك الرجل الحر ؟
لعله يأخذ دانقا مني أنا المسكينة ، ويجلسني داخل الخلية ، وإن يثمر فرع وصلي هذا ، فما أجمل أن تكون جذوره في العسل .
أخيرا يسر شخص لها ما أرادت ، وأدخلها الخلية بعد أن أخذ منها دانقا ، وما أن دخلت الذبابة إلى العسل ،
حتى كبل العسل يديها ورجليها ووهنت مفاصلها من الاختلاج ، واشتد قيدها كلما زادت حركتها ،
فصاحت قائلة : يا سوء ما وقع لي ، لقد أصبح العسل أثقل على نفسي من السم ، إن كنت قد أعطيت دانقا ، فالآن أعطي دانقين ، لعلي أخرج من هذا المأزق ، وأتخلص من هذه الذلة .
إلهي ، لا تجعل إنسانا في فراغ لحظة في هذا الوادي ، ولا تحرم إنسانا من بلوغ المراد ، لقد اضطربت زمنا أيها القلب ، فإلام تقضي العمر غافلا ؟
فانهض واقطع هذا الوادي الصعب ، وتخلص من الروح ، واقطع صلتك بالقلب ، وذلك لأنك إن تظل رفيقا للقلب والروح ، فإنك مشرك ،
بل أكثر غفلة من المشركين . فابذل الروح في الطريق ، وقدم قلبك نثارا ، وإلا فابعد عن طريق الاستغناء .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 6
الأبيات من 3653 - 3669
كان هناك شيخ صوفي مشهور ، قد شغفته بنت الكلّاب حبا ، وأصبح واهنا في عشق تلك المعشوقة ، كما تلاطمت الدماء في قلبه كأمواج البحر ،
وأملا في رؤية وجهها ، كان ينام ليله مع كلاب محلتها ، ففطنت والدة الفتاة لتلك الحيلة ، وقالت للشيخ أي ضلال هذا ؟
إن كنت صادقا في هذا الحب ، فعملنا هو تربية الكلاب ، وحسب .
فإن تكن على شاكلتنا ، وتقم بتربية الكلاب ، نعقد قرانك بعد عام ونقم حفل العرس .
ولما كان العشق متمكنا من قلب الشيخ ، فقد ألقى الخرقة ، وبادر إلى مزاولة العمل ، وذهب إلى السوق بمصاحبة كلب ، وقضى قرابة عام على هذا العمل .
وكان يصادقه صوفي آخر ، فعندما رآه هكذا ،
قال له : يا عديم المروءة ، لقد قضيت ثلاثين عاما رجلا ، ونعم الرجل ، فلم فعلت هذا ؟
ومن فعل هذا ؟
قال : أيها الغافل ، لا تطل الحديث ، حتى لا يرتفع الستر عن هذه القصة .
إن الحق تعالى يعلم بهذه الأسرار ، وبإمكانه إصابتك بمثل ما أصابني ، فإن يستمر لومك لي ، فقد ينقل الكلب من يدي إلى يدك .
ما أكثر ترديدي الأقوال حتى دمى قلبي من آلام الطريق ، وما تقدم أحد للسلوك ، وما أكثر ما تكلمت دون جدوى ، حيث لم يتقدم واحد منكم باحثا عن الأسرار ، فإن تصبحوا عالمين بأسرار الطريق ، تدركوا في هذا الوقت مقدار آلامي .
حتى ولو تكلمت أكثر من هذا في وصف الطريق ، فالجميع في سبات عميق ، وأين السالك الحق ؟ .
المقالة الحادية والأربعون حكاية 7
3670 - 3672
قال مريد لشيخه : لتقل لنا نكتة عن الحضور ،
فقال الشيخ ابتعد ، فإن تغسلوا وجوهكم في هذا الزمان ، أقدم النكتة أثناء ذلك .
ولكن أي جدوى من العطر في النجاسة ؟
وأي جدوى من أن تقول نكتة أمام السكارى ؟
العو
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin