كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة الأربعون بيان وادي المعرفة الأبيات من 3456 - 3481
بعد ذلك يتضح أمام نظرك وادي المعرفة ، وهو واد لا بداية له ولا نهاية ، ولا يوجد شخص قط في هذا المقام يشك في طول الطريق ،
وفيه يختلف كل طريق عن الآخر ، وفيه يختلف السالك بالجسد ، عن السالك بالروح ،
وفيه تداوم الروح والجسد الترقي والزوال ، وذلك عن طريق النقصان والكمال . . .
فلا جرم أن وضح الطريق لكل سالك قدر طاقته إذ كيف يكون العنكبوت المبتلي رفيقا للفيل في هذا الطريق الجليل ؟
فسلوك كل شخص مرهون بكماله ، ويتم قرب كل شخص حسب حاله ، فإن تطر بعوضة هناك بكل قوتها ،
فكيف تستطيع أن تساوي الريح الصرصر في قوتها ، فلا جرم إن كان السير فيه مختلفا ، فلن يصير كل طائر فيه سالكا . . .
وهنا تتفاوت المعرفة ، حيث يدرك هذا المحراب ، ويدرك ذاك الصنم ، وعندما تضيء شمس المعرفة من فلك هذا الطريق العالي الصفة ، فسيصبح كل فرد مبصرا قدر استاطعته ، ثم يجد صدره في الحقيقة ،
وعندما يشرق سر ذاته عليه ، يصبح موقد حمام الدنيا روضة لديه ، ويرى لبه في دخيلته لا في جسده ، كما لن يرى نفسه لحظة ، حيث يرى الحبيب وحده ، ومهما يرى ، فسيرى وجهه على الدوام ،
وسيرى محلته ذرة ذرة على الدوام ، وستظهر مئات الألوف من الأسرار وجهها له كالشمس من تحت النقاب ، وسيفني آلاف الخلق دواما ، حتى يتضح سر واحد تماما . . .
لابد لهذا الطريق من إنسان كامل ، حتى يغوص في هذا البحر العميق ، وإن يظهر ذوق من الأسرار لك ، فسيتولد في كل زمان شوق جديد لديك ،
وسيسود الظمأ الكل هنا ، وستسفك مئات الألوف من الأرواح حلالا هنا . . .
كي تصل إلى العرش المجيد ، لا تكف مطلقا عن ترديد : هل من مزيد ؟
وأغرق نفسك في بحر العرفان ، وإلا ، فأقل شيء هو أن تنثر التراب على مفرقك .
وإن لم تكن أيها الغافل من أهل التهنئة ، فلم لا تعزي نفسك ؟
وإن تعدم السعادة في وصل الحبيب ، فلا أقل من أن تقيم مأتم الهجران ، وإن تحرم من جمال محبوبك ، فانهض ولا تجلس ،
وداوم الطلب بحثا عن الأسرار ، وإن تجهل الطلب ، فليتملكك الخجل ، وإلام تظل كالحمار بلا زمام ؟ . .
المقالة الأربعون حكاية 1
الأبيات من 3482 - 3498
كان بجبال الصين رجل مشغول بتحطيم الأحجار ، وكانت عيناه تذرفان الدمع على الثرى ، وكانت دموعه تتساقط على الأرض بغزارة،
ثم تتحول إلى حجارة ، ولو سقط حجر منها في يد السحاب ، لما ظهر منه غير الأسى حتى يوم الحساب ،
ولدى هذا الرجل الصادق علم نافع ، فابحث عنه حتى ولو تسافر إلى الصين ، وكل شيء في هذه الدنيا الفانية ظلام في ظلام ، ولكن العلم لديه يشبه مصباح الهداية .
في هذه الدنيا المظلمة ، الروح هي المرشد ، وجوهر العلم يسمو بروحك ، وأنت في هذه الظلمة قد عدمت الرأس والقدم ، كما أصبحت كالإسكندر عديم المرشد ،
وإن تجمع الكثير من الجواهر ، فستجد نفسك أكثر الناس ندما ، وهذه الدنيا وتلك لا قيمة لهما في عالم الروح .
فالروح خفية عن الجسد ، والجسد خفي عن الروح .
وعندما خرجت من القلة انتقلت إلى القلة أيضا ، لأن هذه المنزلة خاصة بالآدمي فقط . .
إن تصل هناك إلى هذا المكان الخاص ، فستجد في كل لحظة مئات الأسرار ، وإن تظل في هذا الطريق ، فالويل لك ، حيث تفنى في البكاء من أولك إلى آخرك ، لا تنم بالليل ،
ولا تشغل بالأكل في النهار ، فربما يظهر هذا الطلب فيك ، فاطلب حتى يصيبك الطلب بالفناء ، وإلا فسيصيبك الأكل نهارا والنوم ليلا بالفناء !
المقالة الأربعون حكاية 2
الأبيات من 3499 - 3509
أصيب عاشق بالاضطراب من فرط العشق ، فنام على التراب في ذلة وانكسار ، ثم مر به معشوقه وهو في مرقده هذا ، فرآه نائما وقد غاب عن وعيه ،
فكتب وريقة تليق به وربطها على كم عاشقه ، وما أن استيقظ عاشقه من نومه ، وقرأ الوريقة ، حتى سيطر الحزن عليه ،
وكان المكتوب يقول : أيها الرجل الخامل ، إن كنت تاجرا للفضة ، فانهض ، واسع ، وإن كنت زاهدا ، فتهجد بالليل ، وعش في تضرع حتى النهار ، وكن للّه عابدا ، وإن كنت عاشقا ، فليعترك الخجل ،
فمتى جاز لعين العاشق أن تنام ؟
فالعاشق كالريح بالنهار ، وفي الليل يبدو في حرقته كالقمر ، ولما كنت يا عديم الضياء لا هذا ولا ذاك ، فقلل من التفاخر الكاذب بعشقنا ،
فإذا نام العاشق ففي الكفن ، أما أنت فعاشق لنفسك . وإن كنت بالعشق جاهلا ، فاهدأ بالنوم لأنك لست للعشق أهلا .
المقالة الأربعون حكاية 3
الأبيات من 3510 - 3537
كان أحد الحراس عاشقا ولها ، لا ينام الليل ولا يقر له قرار بالنهار ،
فقال صديق حميم للعاشق المسهد : يا من لا تنام ، لتنم في النهاية لحظة من الليل .
فقال ( العاشق ) : لقد أصبح العشق قرين الحراسة ، فكيف ينام من له هذان الأمران ؟
ومتى كان النوم بالحارس لائقا ، وبخاصة إذا كان هذا الحارس عاشقا ؟
فإن كان الإنسان يخاطر أبدا ، فكثيرا ما يدفع كل أمر الإنسان إلى أمر آخر ، وكيف أستطيع النوم لحظة ، وأنا لا أستطيع استعارة النوم من أحد ؟
في كل ليلة كان العشق يعقد للحارس امتحانا ، حيث يجعله مشغولا بالحراسة ، فكان يمضي هنا وهناك ضاربا بالعصا ، وأحيانا يضرب وجهه ورأسه حزنا ،
وإذا غفا لحظة هذا المسهد الجائع ، رأى العشق في منامه ، فكان الخلق جميعا في سبات طوال الليل ، أما هو فأسير النواح والأنين .
فقال له حبيبه : يا من قضيت الليل كله في حرقة واضطراب ، لم لم تنم لحظة ؟
قال : ليس للحارس أن ينام ، ولا رواء لوجه العاشق إلا بالدمع ، فطبيعة الحارس عدم النوم ، وطبيعة العاشق شحوب الوجه ، وإذا كان الدمع ينهمر من العين وهي موضع النوم ، فكيف يمكن لها أن تكتحل بالنوم ؟
لقد اتفق العشق والحراسة ، وسلبا النوم من عينيه ، وألقياه في البحر .
وقد خاطب العاشق الحارس بكلام عذب ، فوقع أمر سهده موقعا حسنا في عقله .
فمن يسر للسهاد ويطرب ، لا يمكن للنوم أن يسيطر على رأسه ولبه ، فلا تنم أيها الرجل إن كنت طالبا ، أو لينعم عليك اللّه بالنوم الهانىء ، إن كنت بالقول متشدقا .
وكن على الدوام حارسا في محراب القلب ، فما أكثر اللصوص المتربصين بالقلب ، وقد انتزع القلب الطريق من أيدي اللصوص ، فإذا تم لك التحلي بصفة الحراسة ،
فما أسرع ظهور العشق في المعرفة ، ففي هذا البحر الملئ بالدم ، ستنبثق المعرفة للرجل من عدم النوم ، وكل من يتحمل كثرة السهاد ، سيمضي إلى الحضرة متيقظ القلب .
فقلل من النوم وكن وفي القلب ، إذا كنت من السهاد يقظ القلب ، ويجب القول أنه حينما يغرق جسدك ، لن تخلصك الاستغاثة من الغرق .
لقد مضى العشاق السابقون ، ورقدوا جميعا سكارى بالمحبة ، فاضرب رأسك ، حيث استعذب السابقون كل ما وجب فعله ، ومن بدا له ذوق العشق ، فسرعان ما وجد مفتاح العالمين ،
فإن توجد امرأة في طريق العشق ، تصبح رجلا مهيبا ، وإن يوجد رجل في هذا الطريق ، يصبح بحرا عميقا .
المقالة الأربعون حكاية 4
الأبيات من 3539 - 3550
قالت العباسة لأحد الرجال : ليس العشق إلا ذرة تقع على من يشرق عليه ألم العشق ، فإن كان رجلا تنجب المزأة منه ،
وإذا كان امرأة ، فحسبها أنها تنجب الرجل ، لقد علمت أن المرأة من نسل آدم ، وألم تعلم أن الرجل من نسل مريم ؟
وإذا لم يظهر ما يجب أن يكون تاما ، فإن الأمر لا يمكن أن يتضح لك تماما ، وعندما يتضح الملك ، ويتم تحصيله لك ، فسيتم كل ما يصبح حاصلا في قلبك ، واعلم أن هذا هو الملك ، وتلك هي السعادة ،
واعتبر أن ذرة من هذا العالم ، ما هي إلا قبس من الدين ، وإن تقنع بملك هذه الدنيا ، فستظل ضائعا إلى الأبد ،
أما السلطنة الدائمة ففي المعرفة ، فاجتهد حتى تحصل على هذه الصفة ، وكل من يكون ثملا بعالم العرفان ،
يكون بالنسبة لخلق الدنيا جميعا بمثابة السلطان ، ويصبح ملك العالم ملكا له ، وتصبح الأفلاك التسعة فلكا في بحره ، وإن يدرك ملوك الأرض طعم جرعة واحدة من ذلك البحر اللانهائي ، فإنهم يجلسون جميعا في مأتم ، لما اعتراهم من ألم ، وما رأى بعضهم وجوه بعض من شدة هذا الألم .
المقالة الأربعون حكاية 5
الأبيات من 3557 - 3551
مضى محمود صوب خرابة ، فرأى هناك مجنونا ولها ، وقد طأطأ الرأس مما به من غم ، وقصم ظهره من كثرة ما اعتراه من هم .
وما أن رأى السلطان ؛ حتى قال : ابتعد ، وإلا ألحقت بك أدى كثيرا ، فابتعد !
أنت لست سلطانا ، لأنك عديم الهمة ، كما أنك كافر بما منحك اللّه من نعمة .
قال له محمود : لا تتهمني بالكفر ، وقل لي لفظا واحدا ولا تكثر .
فقال : لعلك تعلم أيها الجاهل ، عن من ابتعدت ، يا عديم النظر ، فأنت لست إلا ترابا ورمادا بالتمام ، وستصب النار على رأسك على الدوام .
المقالة الأربعون بيان وادي المعرفة الأبيات من 3456 - 3481
بعد ذلك يتضح أمام نظرك وادي المعرفة ، وهو واد لا بداية له ولا نهاية ، ولا يوجد شخص قط في هذا المقام يشك في طول الطريق ،
وفيه يختلف كل طريق عن الآخر ، وفيه يختلف السالك بالجسد ، عن السالك بالروح ،
وفيه تداوم الروح والجسد الترقي والزوال ، وذلك عن طريق النقصان والكمال . . .
فلا جرم أن وضح الطريق لكل سالك قدر طاقته إذ كيف يكون العنكبوت المبتلي رفيقا للفيل في هذا الطريق الجليل ؟
فسلوك كل شخص مرهون بكماله ، ويتم قرب كل شخص حسب حاله ، فإن تطر بعوضة هناك بكل قوتها ،
فكيف تستطيع أن تساوي الريح الصرصر في قوتها ، فلا جرم إن كان السير فيه مختلفا ، فلن يصير كل طائر فيه سالكا . . .
وهنا تتفاوت المعرفة ، حيث يدرك هذا المحراب ، ويدرك ذاك الصنم ، وعندما تضيء شمس المعرفة من فلك هذا الطريق العالي الصفة ، فسيصبح كل فرد مبصرا قدر استاطعته ، ثم يجد صدره في الحقيقة ،
وعندما يشرق سر ذاته عليه ، يصبح موقد حمام الدنيا روضة لديه ، ويرى لبه في دخيلته لا في جسده ، كما لن يرى نفسه لحظة ، حيث يرى الحبيب وحده ، ومهما يرى ، فسيرى وجهه على الدوام ،
وسيرى محلته ذرة ذرة على الدوام ، وستظهر مئات الألوف من الأسرار وجهها له كالشمس من تحت النقاب ، وسيفني آلاف الخلق دواما ، حتى يتضح سر واحد تماما . . .
لابد لهذا الطريق من إنسان كامل ، حتى يغوص في هذا البحر العميق ، وإن يظهر ذوق من الأسرار لك ، فسيتولد في كل زمان شوق جديد لديك ،
وسيسود الظمأ الكل هنا ، وستسفك مئات الألوف من الأرواح حلالا هنا . . .
كي تصل إلى العرش المجيد ، لا تكف مطلقا عن ترديد : هل من مزيد ؟
وأغرق نفسك في بحر العرفان ، وإلا ، فأقل شيء هو أن تنثر التراب على مفرقك .
وإن لم تكن أيها الغافل من أهل التهنئة ، فلم لا تعزي نفسك ؟
وإن تعدم السعادة في وصل الحبيب ، فلا أقل من أن تقيم مأتم الهجران ، وإن تحرم من جمال محبوبك ، فانهض ولا تجلس ،
وداوم الطلب بحثا عن الأسرار ، وإن تجهل الطلب ، فليتملكك الخجل ، وإلام تظل كالحمار بلا زمام ؟ . .
المقالة الأربعون حكاية 1
الأبيات من 3482 - 3498
كان بجبال الصين رجل مشغول بتحطيم الأحجار ، وكانت عيناه تذرفان الدمع على الثرى ، وكانت دموعه تتساقط على الأرض بغزارة،
ثم تتحول إلى حجارة ، ولو سقط حجر منها في يد السحاب ، لما ظهر منه غير الأسى حتى يوم الحساب ،
ولدى هذا الرجل الصادق علم نافع ، فابحث عنه حتى ولو تسافر إلى الصين ، وكل شيء في هذه الدنيا الفانية ظلام في ظلام ، ولكن العلم لديه يشبه مصباح الهداية .
في هذه الدنيا المظلمة ، الروح هي المرشد ، وجوهر العلم يسمو بروحك ، وأنت في هذه الظلمة قد عدمت الرأس والقدم ، كما أصبحت كالإسكندر عديم المرشد ،
وإن تجمع الكثير من الجواهر ، فستجد نفسك أكثر الناس ندما ، وهذه الدنيا وتلك لا قيمة لهما في عالم الروح .
فالروح خفية عن الجسد ، والجسد خفي عن الروح .
وعندما خرجت من القلة انتقلت إلى القلة أيضا ، لأن هذه المنزلة خاصة بالآدمي فقط . .
إن تصل هناك إلى هذا المكان الخاص ، فستجد في كل لحظة مئات الأسرار ، وإن تظل في هذا الطريق ، فالويل لك ، حيث تفنى في البكاء من أولك إلى آخرك ، لا تنم بالليل ،
ولا تشغل بالأكل في النهار ، فربما يظهر هذا الطلب فيك ، فاطلب حتى يصيبك الطلب بالفناء ، وإلا فسيصيبك الأكل نهارا والنوم ليلا بالفناء !
المقالة الأربعون حكاية 2
الأبيات من 3499 - 3509
أصيب عاشق بالاضطراب من فرط العشق ، فنام على التراب في ذلة وانكسار ، ثم مر به معشوقه وهو في مرقده هذا ، فرآه نائما وقد غاب عن وعيه ،
فكتب وريقة تليق به وربطها على كم عاشقه ، وما أن استيقظ عاشقه من نومه ، وقرأ الوريقة ، حتى سيطر الحزن عليه ،
وكان المكتوب يقول : أيها الرجل الخامل ، إن كنت تاجرا للفضة ، فانهض ، واسع ، وإن كنت زاهدا ، فتهجد بالليل ، وعش في تضرع حتى النهار ، وكن للّه عابدا ، وإن كنت عاشقا ، فليعترك الخجل ،
فمتى جاز لعين العاشق أن تنام ؟
فالعاشق كالريح بالنهار ، وفي الليل يبدو في حرقته كالقمر ، ولما كنت يا عديم الضياء لا هذا ولا ذاك ، فقلل من التفاخر الكاذب بعشقنا ،
فإذا نام العاشق ففي الكفن ، أما أنت فعاشق لنفسك . وإن كنت بالعشق جاهلا ، فاهدأ بالنوم لأنك لست للعشق أهلا .
المقالة الأربعون حكاية 3
الأبيات من 3510 - 3537
كان أحد الحراس عاشقا ولها ، لا ينام الليل ولا يقر له قرار بالنهار ،
فقال صديق حميم للعاشق المسهد : يا من لا تنام ، لتنم في النهاية لحظة من الليل .
فقال ( العاشق ) : لقد أصبح العشق قرين الحراسة ، فكيف ينام من له هذان الأمران ؟
ومتى كان النوم بالحارس لائقا ، وبخاصة إذا كان هذا الحارس عاشقا ؟
فإن كان الإنسان يخاطر أبدا ، فكثيرا ما يدفع كل أمر الإنسان إلى أمر آخر ، وكيف أستطيع النوم لحظة ، وأنا لا أستطيع استعارة النوم من أحد ؟
في كل ليلة كان العشق يعقد للحارس امتحانا ، حيث يجعله مشغولا بالحراسة ، فكان يمضي هنا وهناك ضاربا بالعصا ، وأحيانا يضرب وجهه ورأسه حزنا ،
وإذا غفا لحظة هذا المسهد الجائع ، رأى العشق في منامه ، فكان الخلق جميعا في سبات طوال الليل ، أما هو فأسير النواح والأنين .
فقال له حبيبه : يا من قضيت الليل كله في حرقة واضطراب ، لم لم تنم لحظة ؟
قال : ليس للحارس أن ينام ، ولا رواء لوجه العاشق إلا بالدمع ، فطبيعة الحارس عدم النوم ، وطبيعة العاشق شحوب الوجه ، وإذا كان الدمع ينهمر من العين وهي موضع النوم ، فكيف يمكن لها أن تكتحل بالنوم ؟
لقد اتفق العشق والحراسة ، وسلبا النوم من عينيه ، وألقياه في البحر .
وقد خاطب العاشق الحارس بكلام عذب ، فوقع أمر سهده موقعا حسنا في عقله .
فمن يسر للسهاد ويطرب ، لا يمكن للنوم أن يسيطر على رأسه ولبه ، فلا تنم أيها الرجل إن كنت طالبا ، أو لينعم عليك اللّه بالنوم الهانىء ، إن كنت بالقول متشدقا .
وكن على الدوام حارسا في محراب القلب ، فما أكثر اللصوص المتربصين بالقلب ، وقد انتزع القلب الطريق من أيدي اللصوص ، فإذا تم لك التحلي بصفة الحراسة ،
فما أسرع ظهور العشق في المعرفة ، ففي هذا البحر الملئ بالدم ، ستنبثق المعرفة للرجل من عدم النوم ، وكل من يتحمل كثرة السهاد ، سيمضي إلى الحضرة متيقظ القلب .
فقلل من النوم وكن وفي القلب ، إذا كنت من السهاد يقظ القلب ، ويجب القول أنه حينما يغرق جسدك ، لن تخلصك الاستغاثة من الغرق .
لقد مضى العشاق السابقون ، ورقدوا جميعا سكارى بالمحبة ، فاضرب رأسك ، حيث استعذب السابقون كل ما وجب فعله ، ومن بدا له ذوق العشق ، فسرعان ما وجد مفتاح العالمين ،
فإن توجد امرأة في طريق العشق ، تصبح رجلا مهيبا ، وإن يوجد رجل في هذا الطريق ، يصبح بحرا عميقا .
المقالة الأربعون حكاية 4
الأبيات من 3539 - 3550
قالت العباسة لأحد الرجال : ليس العشق إلا ذرة تقع على من يشرق عليه ألم العشق ، فإن كان رجلا تنجب المزأة منه ،
وإذا كان امرأة ، فحسبها أنها تنجب الرجل ، لقد علمت أن المرأة من نسل آدم ، وألم تعلم أن الرجل من نسل مريم ؟
وإذا لم يظهر ما يجب أن يكون تاما ، فإن الأمر لا يمكن أن يتضح لك تماما ، وعندما يتضح الملك ، ويتم تحصيله لك ، فسيتم كل ما يصبح حاصلا في قلبك ، واعلم أن هذا هو الملك ، وتلك هي السعادة ،
واعتبر أن ذرة من هذا العالم ، ما هي إلا قبس من الدين ، وإن تقنع بملك هذه الدنيا ، فستظل ضائعا إلى الأبد ،
أما السلطنة الدائمة ففي المعرفة ، فاجتهد حتى تحصل على هذه الصفة ، وكل من يكون ثملا بعالم العرفان ،
يكون بالنسبة لخلق الدنيا جميعا بمثابة السلطان ، ويصبح ملك العالم ملكا له ، وتصبح الأفلاك التسعة فلكا في بحره ، وإن يدرك ملوك الأرض طعم جرعة واحدة من ذلك البحر اللانهائي ، فإنهم يجلسون جميعا في مأتم ، لما اعتراهم من ألم ، وما رأى بعضهم وجوه بعض من شدة هذا الألم .
المقالة الأربعون حكاية 5
الأبيات من 3557 - 3551
مضى محمود صوب خرابة ، فرأى هناك مجنونا ولها ، وقد طأطأ الرأس مما به من غم ، وقصم ظهره من كثرة ما اعتراه من هم .
وما أن رأى السلطان ؛ حتى قال : ابتعد ، وإلا ألحقت بك أدى كثيرا ، فابتعد !
أنت لست سلطانا ، لأنك عديم الهمة ، كما أنك كافر بما منحك اللّه من نعمة .
قال له محمود : لا تتهمني بالكفر ، وقل لي لفظا واحدا ولا تكثر .
فقال : لعلك تعلم أيها الجاهل ، عن من ابتعدت ، يا عديم النظر ، فأنت لست إلا ترابا ورمادا بالتمام ، وستصب النار على رأسك على الدوام .
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin