كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة التاسعة والثلاثون في وصف وادي العشق الأبيات من 3313 - 3334
بعد ذلك يتضح وادي العشق ، ومن يصل هناك يغرق في الحرقة ، فلا تجعل يا إلهي أي فرد في هذا الوادي بلا حرقة ،
ولا تجعل عيش من لا يتردى في الحرقة سعيدا مسرورا ، فالعاشق من يكون في نار وحرقة ، كما يكون متقد القلب ملتهبا ثائرا .
العاشق من لا يفكر لحظة في العاقبة ، إنما يكون غارقا في النار كبرق الدنيا ، وفي لحظة لا يعرف الكفر ولا الدين ،
كما لا يعرف ذرة من شك أو يقين ، الخير والشر متساويان في طريقه ، فإذا جاء العشق نفسه ، فلا وجود لهذا أو ذاك .
يا من تكترث ، إن هذا الكلام ليس لك ، فأنت مرتد ، وهذا الذوق لم يتوفر لروحك ، فكل من يتطهر ، يطرح المادة جانبا ، ثم يقامر بروحه في وصال الحبيب ، لقد وعد الآخرون بالغد ،
أما هو فيأخذ حسابه في التو والحال ، وطالما لم يحرق نفسه دفعة واحدة ، فكيف يستطيع التخلص من الآلام والهموم ؟
وطالما لم يحرق الجواهر في وجوده ، فكيف يمكن أن يضيء قلبه فرحا وسرورا ، إنه يختلج دائما في حرقة وانصهار ، حتى يعود أدراجه مرة أخرى ،
كالسمكة إذا ما انتزعت من الماء إلى اليابسة ، تملكها الاضطراب ، لعلها تلقى في البحر ثانية .
العشق نار هناك ، أما العقل فدخان ، فما أن يقبل العشق حتى يفر العقل مسرعا ، والعقل ليس أستاذا في مجال العشق ، وليس العشق وليد العقل ،
وحتى لو منحت حق الاطلاع على عالم الغيب ، فلن تدرك من أين ينبت هناك أصل العشق ، وكل ورقة في عالم العشق ،
ستطرح رأسها على كتف أختها ثملة بالعشق ، وإن منحت فرصة الاطلاع على
الغيب مرة أخرى ، أصبحت ذرات الدنيا قرينة لك .
إن تنظر إلى الأمور بعين العقل ، فسترى العشق لا أول له ولا آخر ، وهو ضرورة لك حصيف ؛ كما أن العشق ضرورة لكل حر ،
ولكنك لست حصيفا ولا عاشقا وإنما أنت ميت ، فكيف تكون للعشق لائقا ؟ ولابد من رجل حي القلب لهذا الطريق ، حتى يقدم مائة روح نثارا في كل لحظة .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 1
الأبيات من 3335 - 3344
هام أحد السادة على وجهه بعيدا عن أسرته ، وساءت حالته من عشق صبي يبيع الفقاع ، ومن فرط عشقه ، ذاعت قالة السوء عنه ،
وكانت له ممتلكات وضياع ، فباعها واشترى بثمنها الفقاع ، وعلى الرغم من تخليه عن كل ممتلكاته وترديه في الفقر ،
إلا أن عشقه كان يزداد ويتضاعف ، وعلى الرغم من توفيرهم الخبز له على الدوام ، إلا أنه كان في جوع دائم ، حيث كان شبعه من الروح دواما ،
وذلك لأنه كان يشتري فقاعا بكل ما يصله من خبز وفير ، وكان يمضي وقتا طويلا أسير الجوع ، وذلك حتى يتجرع مائة كأس من الفقاع .
وسأله سائل : أيها الحزين المضطرب ، ما هو العشق ؟ لتوضح لي سره .
فقال : هو أن تبيع مائة عالم من المتاع ، مقابل كأس واحدة من الفقاع ، وإذا لم يرق هذا العمل للآدمي ؛ فكيف يعرف العشق والألم ؟
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 3345 - 3367
لم يكن أهل ليلى يسمحون للمجنون ، بالحضور إلى قبيلتهم ولو للحظة ، وتصادف أن كان أحد الرعاة يجلس في تلك الصحراء ، فأخذ المجنون الثمل منه فرو خروف ،
ثم انحنى وألقى الفرو على رأسه ، فبدا شبيها بالخروف ، وقال للحارس استحلفك باللّه ، أن تتركني أسير وسط القطيع ، ثم سق القطيع وأنا وسطه صوب ليلى ،
حتى أجد - ذات لحظة - ريح ليلى ، وإنني أتخفى عن الغير تحت هذا الفرو ، لكي أنعم بالحبيب ساعة .
إن يصبك ألم مثل هذا ولو للحظة ، تكن رجلا ونعم الرجل ، وللأسف لم تصبك آلام الرجال ، إذ لابد من الألم للرجل ، أما أنت فلا علم لك به .
وأخيرا تخفى المجنون تحت الفراء ، وسار إلى محلة المحبوبة مع القطيع ، سار غاية في السرور بعد أن تملكه الاضطراب أول الأمر ، سار وقد فقد عقله واتزانه نشوة في نهاية الأمر ،
وما أن هاج عشقه ، حتى تصبب عرقه ، فأخذه الراعي وحمله إلى الصحراء ، وألقى الماء على وجه ذلك الثمل النشوان ، حتى ينطفئ أوار تلك النار بفعل الماء .
بعد ذلك ، جالس المجنون الثمل ذات يوم ، جمعا من الأهل بالصحراء ، فقال أحد أقربائه : لقد ظللت عاريا فترة طويلة ، يا عالي الهمة . . . أي رداء تفضله ، آتيك به في التو إن تطلبه .
قال ( المجنون ) : ليس كل رداء يليق بالحبيب ، ولا رداء عندي أفضل من الفرو ، إنني أطلب ردائي من ذلك الخروف ، كما أحرق البخور من أجل عين السوء ،
وعلى الرغم من أن المجنون جدير بأن يرتدي الأطلس والحرير ، إلا أنه يطلب أي رداء تفضله ليلى .
لقد رأيت وجه الحبيب وأنا في هذا الفرو ، فكيف اتخذ رداء غير هذا الفرو ؟ لقد أدرك القلب سر الحبيب عن طريق الفرو ، فليكن لي رداء إن أفقد العقل .
العشق ضرورة حتى يحررك من عقلك ، ثم يبدل صفاتك ويمحوها ، وأقل شيء في محو الصفات ، هو هبة الروح وترك الترهات ، فاسلك الطريق إن كنت ذا همة ، إذ لا مجال فيه للعب ، بل كله مخاطرة .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 3368 - 3405
أصبح ذلك المعدم عاشقا لاياز ، وانتشر هذا القول في كل مجلس ، فإذا مضى اياز ممتطيا جواده ، أسرع وراءه ذلك المسكين العارف لقدره ،
وإن أقبل ذلك المسكي الرائحة إلى الميدان ، ما نظر المجنون إلا صوبه فقط ، فأخبر محمود ، بأن هذا المسكين أصبح عاشقا لاياز ،
وفي اليوم التالي عندما حضر الغلام ، أسرع صوبه ذلك الواله وهو متيم في العشق ، فكان يديم النظر إلى كرة اياز ، وكان في متابعته ككرة ضربها الصولجان .
وفي الخفاء أمعن السلطان النظر إليه ، فرأى وجهه كذرات تبن ، وروحه كحبة شعير ، وكان ظهره مقوسا كعصا الصولجان ، كما كان كالكرة مضطربا ،
وكان يسرع الخطى نحو كل مكان في الميدان كالكرة ، فناداه محمود قائلا : أيها المسكين ؛ أترغب في أن تكون نديما للسلطان ؟
قال المعدم : سواء أكنت مسكينا أم لا ، فلست أقل منك في مضمار العشق ، العشق والإفلاس قرينان ، وهما ثروة من لا ثروة له ، فالعشق يستمد ملحه من الإفلاس ، والعشق يليق بالمفلس بلا شك .
أنت سلطان الدنيا ولك قلب مشرق فرح ، ولكن يلزم العشق مشبوب القلب مثلي ، إن أسباب الوصل وفيرة لديك ، وكفى ، فلتصبر لحظة على آلام الهجر ، وما أكثر ما تفعله من أجل الوصل ، فيجب عليك أن تتحمل الهجر إذا كنت عاشقا .
قال له السلطان : أيها الجاهل بفعل السكر ، لماذا تديم النظر إلى الكرة ؟
قال : إن الكرة حائرة مثلي ، وأنا مثلها مضطرب ، إنها تعرف قدري كما أعرف قدرها ، فكل منا كرة في صولجانه . وكل منا قد وقع أسير الحيرة والاضطراب ، وقد وقفنا على روحينا ، حيث عدمنا الأرجل والرأسين .
إنها تعرفني ، وأنا أعرفها ، ونقول دواما : مرحى بالمزيد من الغم . ولكن كرة الطريق أسعد حظا مني ، فالحصان أحيانا يقبّلها بنعله ، ومع أنني عدمت الرأس والقدمين كالكرة ،
إلا أنني أفوق الكرة في تحمل المحن ، فإذا كانت الكرة تتحمل الجروح من الصولجان ، فإن هذا المسكين انفطر قلبه من آلام روحه ، وإن تجرح الكرة كثيرا ، فإن اياز يسرع صوبها في النهاية ، ومع أنني أجرح أكثر منها ، فهو لا يسعى في إثري على الرغم من أنني قريب منه .
وكثيرا ما نعمت الكرة بالحضور معه ، أما أنا المسكين فمبعد عنه على الدوام ، فإن تنعم الكرة بالحضور فإنها تشعر بالسرور من خمر الوصال ، وأنا لا أستطيع عقد الأمل في وصاله ، بينما يتم الوصال للكرة ، لذا فهي تفضلني .
قال له السلطان : أيها المفلس ، لقد ادعيت الإفلاس أمامي ، وإن لم تكن تتحدث كذبا ، أيها العاجز ، لكان لك من إفلاسك خير شاهد .
قال : ما دامت الروح باقية ، فلست مفلسا ، وإن كنت مدعيا ، فلست رجلا جديرا بهذا المجلس، ولكن إذا نثرت روحي في العشق ، فإن نثر الروح علامة المفلس.
أما أنت يا محمود ، ما معنى العشق لديك ، عليك بنثر روحك ، وإلا فلا تدع العشق .
قال هذا وفاضت روحه من الدنيا ، وأسلم روحه للأحبة ، وما أن أسلم ذلك المعدم روحه على تراب الطريق ، حتى اسودت دنيا محمود من الغم .
إذا كان قد خاطر بروحه على مقربة منك ، فتقدم أنت لترى هل توفق . وإذا قيل لك تقدم ساعة ، فتقدم طالما تسمع أصواتا نابعة من الطريق ،
وهكذا تظل لا أول لك ولا آخر على الدوام ، حيث تقامر به كله على الدوام ، فإن تندرج فيه وتتم لك المعرفة ، فسرعان ما يضطرب العقل والروح ويصبحان في ارتفاع وانخفاض .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 3406 - 3427
رحل أحد الأعراب إلى بلاد العجم ، فتملكه العجب من تقاليد العجم ، وتجول هذا الجاهل لمشاهدة الخلق ، فوقع بصره على بيت القلندرية ، فرأى جماعة السكارى لا أول لهم ولا آخر ،
وقد تخلوا عن كلا العالمين بلا كلمة واحدة ، كما أهمل كل منهم ماله وتخلى عن كل ما يخصه ، وكم كان كل منهم يفوق الآخر في التكاسل والتراخي ،
وقد أمسك كل منهم بكأس خمره ، وتجرع الجميع ما بها من خمر ، فحل بهم السكر .
وعندما رأى هؤلاء القوم ، مال إليهم ، وانحاز عقله وروحه إلى شارع سيلهم .
عندما وجده القلندرية وسطهم ، وقد سلبت الخمر عقله وروحه ،
قالوا جميعا له : تقدم يا مجهول الهويّة ! فدخل ! وهذا ما حدث دون نقص أو زيادة .
فثمل الأحمق من كأس واحدة ، وفقد وعيه وخارت عزيمته ، وكان معه الكثير من المال والمتاع والفضة والذهب ؛ فسلبه إياها رجل في لحظة ، ثم جاءه قلندري آخر ، وزاده سكرا ، ثم ألقى به خارج دار القلندرية .
فسار الأعرابي حتى بلاد العرب ، سار عاري الجسد مفلسا صادي الروح جاف الشفة ، فقال له أهله :
أي اضطراب هذا أصابك ؟
وأين ذهبك وفضتك ؟
لعلك غفلت عنها ! لقد ولى ذهبك وفضتك وحل مكانها الاضطراب ، فهل كان ذهابك إلى بلاد العجم شؤما عليك ؟
وهل قطع لص الطريق عليك ؟
وإلا ، فأين مالك ؟
اشرح ما حدث حتى نعرف حقيقة حالك .
قال : لقد سرت متبخترا في الطريق ، وفجأة ملت إلى دار القلندرية ، ولا أعلم شيئا بعد ذلك ، إلا أن ولي الذهب والفضة ، وأصبحت محطما . . .
فقال ( أحد أهله ) : صف لي جماعة القلندرية ، قال : هذا هو الوصف ، ثم قال : هيا ادخل . . .
وقد ظل الأعرابي في فنائه ، وأخذ يردد قولة : هيا ادخل . . .
تقدم ! وإلا فالو رأسك وامض ، وانثر روحك !
وإلا فاحرص على روحك وامض ، وإن تتقبل بروحك أسرار العشق ؛ فانثر الروح في مضمار العشق ، وليكن لك نثر الروح ، ثم تعر بعد ذلك ، وليبق لك قولة « هيا ادخل » من جميع الأقوال . . .
"" القلندرية : المراد من القلندرية التجريد من الكونين والتفريد من الدارين ، والفرق بين القلندري والملامتى والصوفي هو أن القلندري يعتبر الكمال في التفريد والتجريد ، ويجتهد في تخريب العادات ، والملامتي يجتهد في كتم العبادات .
أما الصوفي فقلبه أصلا غير مشغول بالخلق .
( فرهنك مصطلحات عرفا ، نقلا عن تعليقات الدكتور جواد مشكور .
انظر منطق الطير نسخة طهران 1341 ش ص : 334 )"" .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 3428 - 3442
عشق شخص يتسم بالهمة والكمال ، فتاة غاية في الجمال ، وقضاء وقدرا دهم المرض قلب المعشوقة ، فأصبحت نحيلة كعود الزعفران ، مصفرة الوجه ، وأصبح النهار المشرق مظلما على قلبها ، وجاءها الموت من بعيد ، واقترب منها . . .
خبّر العاشق بذلك ، فهرول مسرعا وبيده سكين ، وقال : أريد قتل الحبيبة ، حتى لا تموت المعشوقة بفعل الموت نفسه . . .
فقال له الخلق : إنك في غاية الاضطراب ، وأي حكمة تراها في هذا القتل ؟
لا تسفك دمها ، وكف يدك عن هذا القتل ، لأنها ستموت ميتة طبيعية هذه الساعة ، فإن لم تمت ، فليكن القتل ، ولا يقطع رأس الميت إلا جاهل !
قال : إن أقدم على قتل المعشوقة بيدي ، فسأقتل قصاصا لها ، وعندما تقوم الساعة ، فأمام الجميع يحرقونني كالشمع ، فإما أن أقتل اليوم بسبب تعلقي بها ، وإما أن أحرق غدا بسببها ، فكل رغبتي هنا أو هناك أن يكون اسمى المحروق أو المقتول بسببها .
يتقدم العشاق إلى الطريق مضحين بأرواحهم ، يتقدمون وقد قصروا أيديهم عن العالم ، وتحملوا وسط ذلك آلام الروح ،
كما خلصوا القلب من الدنيا كلية ، وما أن خلصوا أرواحهم من الكل ، حتى أصبحوا في خلوة مع الحبيب . . .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 6
الأبيات من 3443 - 3455
عندما كان خليل اللّه في النزع الأخير ، لم يسلم الروح لعزرائيل بسهولة ويسر ، فقد قال له : عد مرة أخرى ،
وقل للّه : لا تقبض في النهاية روح خليلك .
فقال الحق تعالى : إن تكن الخليل حقا ، فاترك الروح تسلك طريقها إلى خليلك ، لا يليق بك أن تقبض روحك بحد السيف ، ومن ذا يندم على تسليم روحه لخليله ؟
وقال له أحد الحاضرين : يا شمع الدنيا ، لم لا تسلم روحك لعزرائيل ؟
إن العشاق يضحون بأرواحهم في الطريق ، فلم تحافظ أنت على روحك في النهاية ؟
فقال : كيف أقول بترك الروح الآن ، وقد تدخل عزرائيل بيننا ، فقد جاءني جبريل ساعة إلقائي في النار ،
وقال : أيها الخليل ، قل لي حاجتك ، فلم أعره إلتفاتة في ذلك الوقت ، لأن طريقي أغلقت تجاهه ، ولم تفتح إلا في اتجاه اللّه ،
فإذا كنت قد أشحت برأسي عن جبريل ، فكيف أسلم الروح لعزرائيل ؟
لذا لا أستطيع نثر الروح ، حتى أسمع من اللّه الأمر بتسليم الروح .
فإذا جاءني الأمر بتسليم الروح ، فإن الدنيا لا تساوي بالنسبة لروحي نصف دانق ، وكيف أسلم روحي لأي شخص في كلا العالمين ؟
إنني لن أسلمها إلا بأمره ، وهذه هي القصة ، وكفى . . !
المقالة التاسعة والثلاثون في وصف وادي العشق الأبيات من 3313 - 3334
بعد ذلك يتضح وادي العشق ، ومن يصل هناك يغرق في الحرقة ، فلا تجعل يا إلهي أي فرد في هذا الوادي بلا حرقة ،
ولا تجعل عيش من لا يتردى في الحرقة سعيدا مسرورا ، فالعاشق من يكون في نار وحرقة ، كما يكون متقد القلب ملتهبا ثائرا .
العاشق من لا يفكر لحظة في العاقبة ، إنما يكون غارقا في النار كبرق الدنيا ، وفي لحظة لا يعرف الكفر ولا الدين ،
كما لا يعرف ذرة من شك أو يقين ، الخير والشر متساويان في طريقه ، فإذا جاء العشق نفسه ، فلا وجود لهذا أو ذاك .
يا من تكترث ، إن هذا الكلام ليس لك ، فأنت مرتد ، وهذا الذوق لم يتوفر لروحك ، فكل من يتطهر ، يطرح المادة جانبا ، ثم يقامر بروحه في وصال الحبيب ، لقد وعد الآخرون بالغد ،
أما هو فيأخذ حسابه في التو والحال ، وطالما لم يحرق نفسه دفعة واحدة ، فكيف يستطيع التخلص من الآلام والهموم ؟
وطالما لم يحرق الجواهر في وجوده ، فكيف يمكن أن يضيء قلبه فرحا وسرورا ، إنه يختلج دائما في حرقة وانصهار ، حتى يعود أدراجه مرة أخرى ،
كالسمكة إذا ما انتزعت من الماء إلى اليابسة ، تملكها الاضطراب ، لعلها تلقى في البحر ثانية .
العشق نار هناك ، أما العقل فدخان ، فما أن يقبل العشق حتى يفر العقل مسرعا ، والعقل ليس أستاذا في مجال العشق ، وليس العشق وليد العقل ،
وحتى لو منحت حق الاطلاع على عالم الغيب ، فلن تدرك من أين ينبت هناك أصل العشق ، وكل ورقة في عالم العشق ،
ستطرح رأسها على كتف أختها ثملة بالعشق ، وإن منحت فرصة الاطلاع على
الغيب مرة أخرى ، أصبحت ذرات الدنيا قرينة لك .
إن تنظر إلى الأمور بعين العقل ، فسترى العشق لا أول له ولا آخر ، وهو ضرورة لك حصيف ؛ كما أن العشق ضرورة لكل حر ،
ولكنك لست حصيفا ولا عاشقا وإنما أنت ميت ، فكيف تكون للعشق لائقا ؟ ولابد من رجل حي القلب لهذا الطريق ، حتى يقدم مائة روح نثارا في كل لحظة .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 1
الأبيات من 3335 - 3344
هام أحد السادة على وجهه بعيدا عن أسرته ، وساءت حالته من عشق صبي يبيع الفقاع ، ومن فرط عشقه ، ذاعت قالة السوء عنه ،
وكانت له ممتلكات وضياع ، فباعها واشترى بثمنها الفقاع ، وعلى الرغم من تخليه عن كل ممتلكاته وترديه في الفقر ،
إلا أن عشقه كان يزداد ويتضاعف ، وعلى الرغم من توفيرهم الخبز له على الدوام ، إلا أنه كان في جوع دائم ، حيث كان شبعه من الروح دواما ،
وذلك لأنه كان يشتري فقاعا بكل ما يصله من خبز وفير ، وكان يمضي وقتا طويلا أسير الجوع ، وذلك حتى يتجرع مائة كأس من الفقاع .
وسأله سائل : أيها الحزين المضطرب ، ما هو العشق ؟ لتوضح لي سره .
فقال : هو أن تبيع مائة عالم من المتاع ، مقابل كأس واحدة من الفقاع ، وإذا لم يرق هذا العمل للآدمي ؛ فكيف يعرف العشق والألم ؟
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 3345 - 3367
لم يكن أهل ليلى يسمحون للمجنون ، بالحضور إلى قبيلتهم ولو للحظة ، وتصادف أن كان أحد الرعاة يجلس في تلك الصحراء ، فأخذ المجنون الثمل منه فرو خروف ،
ثم انحنى وألقى الفرو على رأسه ، فبدا شبيها بالخروف ، وقال للحارس استحلفك باللّه ، أن تتركني أسير وسط القطيع ، ثم سق القطيع وأنا وسطه صوب ليلى ،
حتى أجد - ذات لحظة - ريح ليلى ، وإنني أتخفى عن الغير تحت هذا الفرو ، لكي أنعم بالحبيب ساعة .
إن يصبك ألم مثل هذا ولو للحظة ، تكن رجلا ونعم الرجل ، وللأسف لم تصبك آلام الرجال ، إذ لابد من الألم للرجل ، أما أنت فلا علم لك به .
وأخيرا تخفى المجنون تحت الفراء ، وسار إلى محلة المحبوبة مع القطيع ، سار غاية في السرور بعد أن تملكه الاضطراب أول الأمر ، سار وقد فقد عقله واتزانه نشوة في نهاية الأمر ،
وما أن هاج عشقه ، حتى تصبب عرقه ، فأخذه الراعي وحمله إلى الصحراء ، وألقى الماء على وجه ذلك الثمل النشوان ، حتى ينطفئ أوار تلك النار بفعل الماء .
بعد ذلك ، جالس المجنون الثمل ذات يوم ، جمعا من الأهل بالصحراء ، فقال أحد أقربائه : لقد ظللت عاريا فترة طويلة ، يا عالي الهمة . . . أي رداء تفضله ، آتيك به في التو إن تطلبه .
قال ( المجنون ) : ليس كل رداء يليق بالحبيب ، ولا رداء عندي أفضل من الفرو ، إنني أطلب ردائي من ذلك الخروف ، كما أحرق البخور من أجل عين السوء ،
وعلى الرغم من أن المجنون جدير بأن يرتدي الأطلس والحرير ، إلا أنه يطلب أي رداء تفضله ليلى .
لقد رأيت وجه الحبيب وأنا في هذا الفرو ، فكيف اتخذ رداء غير هذا الفرو ؟ لقد أدرك القلب سر الحبيب عن طريق الفرو ، فليكن لي رداء إن أفقد العقل .
العشق ضرورة حتى يحررك من عقلك ، ثم يبدل صفاتك ويمحوها ، وأقل شيء في محو الصفات ، هو هبة الروح وترك الترهات ، فاسلك الطريق إن كنت ذا همة ، إذ لا مجال فيه للعب ، بل كله مخاطرة .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 3368 - 3405
أصبح ذلك المعدم عاشقا لاياز ، وانتشر هذا القول في كل مجلس ، فإذا مضى اياز ممتطيا جواده ، أسرع وراءه ذلك المسكين العارف لقدره ،
وإن أقبل ذلك المسكي الرائحة إلى الميدان ، ما نظر المجنون إلا صوبه فقط ، فأخبر محمود ، بأن هذا المسكين أصبح عاشقا لاياز ،
وفي اليوم التالي عندما حضر الغلام ، أسرع صوبه ذلك الواله وهو متيم في العشق ، فكان يديم النظر إلى كرة اياز ، وكان في متابعته ككرة ضربها الصولجان .
وفي الخفاء أمعن السلطان النظر إليه ، فرأى وجهه كذرات تبن ، وروحه كحبة شعير ، وكان ظهره مقوسا كعصا الصولجان ، كما كان كالكرة مضطربا ،
وكان يسرع الخطى نحو كل مكان في الميدان كالكرة ، فناداه محمود قائلا : أيها المسكين ؛ أترغب في أن تكون نديما للسلطان ؟
قال المعدم : سواء أكنت مسكينا أم لا ، فلست أقل منك في مضمار العشق ، العشق والإفلاس قرينان ، وهما ثروة من لا ثروة له ، فالعشق يستمد ملحه من الإفلاس ، والعشق يليق بالمفلس بلا شك .
أنت سلطان الدنيا ولك قلب مشرق فرح ، ولكن يلزم العشق مشبوب القلب مثلي ، إن أسباب الوصل وفيرة لديك ، وكفى ، فلتصبر لحظة على آلام الهجر ، وما أكثر ما تفعله من أجل الوصل ، فيجب عليك أن تتحمل الهجر إذا كنت عاشقا .
قال له السلطان : أيها الجاهل بفعل السكر ، لماذا تديم النظر إلى الكرة ؟
قال : إن الكرة حائرة مثلي ، وأنا مثلها مضطرب ، إنها تعرف قدري كما أعرف قدرها ، فكل منا كرة في صولجانه . وكل منا قد وقع أسير الحيرة والاضطراب ، وقد وقفنا على روحينا ، حيث عدمنا الأرجل والرأسين .
إنها تعرفني ، وأنا أعرفها ، ونقول دواما : مرحى بالمزيد من الغم . ولكن كرة الطريق أسعد حظا مني ، فالحصان أحيانا يقبّلها بنعله ، ومع أنني عدمت الرأس والقدمين كالكرة ،
إلا أنني أفوق الكرة في تحمل المحن ، فإذا كانت الكرة تتحمل الجروح من الصولجان ، فإن هذا المسكين انفطر قلبه من آلام روحه ، وإن تجرح الكرة كثيرا ، فإن اياز يسرع صوبها في النهاية ، ومع أنني أجرح أكثر منها ، فهو لا يسعى في إثري على الرغم من أنني قريب منه .
وكثيرا ما نعمت الكرة بالحضور معه ، أما أنا المسكين فمبعد عنه على الدوام ، فإن تنعم الكرة بالحضور فإنها تشعر بالسرور من خمر الوصال ، وأنا لا أستطيع عقد الأمل في وصاله ، بينما يتم الوصال للكرة ، لذا فهي تفضلني .
قال له السلطان : أيها المفلس ، لقد ادعيت الإفلاس أمامي ، وإن لم تكن تتحدث كذبا ، أيها العاجز ، لكان لك من إفلاسك خير شاهد .
قال : ما دامت الروح باقية ، فلست مفلسا ، وإن كنت مدعيا ، فلست رجلا جديرا بهذا المجلس، ولكن إذا نثرت روحي في العشق ، فإن نثر الروح علامة المفلس.
أما أنت يا محمود ، ما معنى العشق لديك ، عليك بنثر روحك ، وإلا فلا تدع العشق .
قال هذا وفاضت روحه من الدنيا ، وأسلم روحه للأحبة ، وما أن أسلم ذلك المعدم روحه على تراب الطريق ، حتى اسودت دنيا محمود من الغم .
إذا كان قد خاطر بروحه على مقربة منك ، فتقدم أنت لترى هل توفق . وإذا قيل لك تقدم ساعة ، فتقدم طالما تسمع أصواتا نابعة من الطريق ،
وهكذا تظل لا أول لك ولا آخر على الدوام ، حيث تقامر به كله على الدوام ، فإن تندرج فيه وتتم لك المعرفة ، فسرعان ما يضطرب العقل والروح ويصبحان في ارتفاع وانخفاض .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 3406 - 3427
رحل أحد الأعراب إلى بلاد العجم ، فتملكه العجب من تقاليد العجم ، وتجول هذا الجاهل لمشاهدة الخلق ، فوقع بصره على بيت القلندرية ، فرأى جماعة السكارى لا أول لهم ولا آخر ،
وقد تخلوا عن كلا العالمين بلا كلمة واحدة ، كما أهمل كل منهم ماله وتخلى عن كل ما يخصه ، وكم كان كل منهم يفوق الآخر في التكاسل والتراخي ،
وقد أمسك كل منهم بكأس خمره ، وتجرع الجميع ما بها من خمر ، فحل بهم السكر .
وعندما رأى هؤلاء القوم ، مال إليهم ، وانحاز عقله وروحه إلى شارع سيلهم .
عندما وجده القلندرية وسطهم ، وقد سلبت الخمر عقله وروحه ،
قالوا جميعا له : تقدم يا مجهول الهويّة ! فدخل ! وهذا ما حدث دون نقص أو زيادة .
فثمل الأحمق من كأس واحدة ، وفقد وعيه وخارت عزيمته ، وكان معه الكثير من المال والمتاع والفضة والذهب ؛ فسلبه إياها رجل في لحظة ، ثم جاءه قلندري آخر ، وزاده سكرا ، ثم ألقى به خارج دار القلندرية .
فسار الأعرابي حتى بلاد العرب ، سار عاري الجسد مفلسا صادي الروح جاف الشفة ، فقال له أهله :
أي اضطراب هذا أصابك ؟
وأين ذهبك وفضتك ؟
لعلك غفلت عنها ! لقد ولى ذهبك وفضتك وحل مكانها الاضطراب ، فهل كان ذهابك إلى بلاد العجم شؤما عليك ؟
وهل قطع لص الطريق عليك ؟
وإلا ، فأين مالك ؟
اشرح ما حدث حتى نعرف حقيقة حالك .
قال : لقد سرت متبخترا في الطريق ، وفجأة ملت إلى دار القلندرية ، ولا أعلم شيئا بعد ذلك ، إلا أن ولي الذهب والفضة ، وأصبحت محطما . . .
فقال ( أحد أهله ) : صف لي جماعة القلندرية ، قال : هذا هو الوصف ، ثم قال : هيا ادخل . . .
وقد ظل الأعرابي في فنائه ، وأخذ يردد قولة : هيا ادخل . . .
تقدم ! وإلا فالو رأسك وامض ، وانثر روحك !
وإلا فاحرص على روحك وامض ، وإن تتقبل بروحك أسرار العشق ؛ فانثر الروح في مضمار العشق ، وليكن لك نثر الروح ، ثم تعر بعد ذلك ، وليبق لك قولة « هيا ادخل » من جميع الأقوال . . .
"" القلندرية : المراد من القلندرية التجريد من الكونين والتفريد من الدارين ، والفرق بين القلندري والملامتى والصوفي هو أن القلندري يعتبر الكمال في التفريد والتجريد ، ويجتهد في تخريب العادات ، والملامتي يجتهد في كتم العبادات .
أما الصوفي فقلبه أصلا غير مشغول بالخلق .
( فرهنك مصطلحات عرفا ، نقلا عن تعليقات الدكتور جواد مشكور .
انظر منطق الطير نسخة طهران 1341 ش ص : 334 )"" .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 3428 - 3442
عشق شخص يتسم بالهمة والكمال ، فتاة غاية في الجمال ، وقضاء وقدرا دهم المرض قلب المعشوقة ، فأصبحت نحيلة كعود الزعفران ، مصفرة الوجه ، وأصبح النهار المشرق مظلما على قلبها ، وجاءها الموت من بعيد ، واقترب منها . . .
خبّر العاشق بذلك ، فهرول مسرعا وبيده سكين ، وقال : أريد قتل الحبيبة ، حتى لا تموت المعشوقة بفعل الموت نفسه . . .
فقال له الخلق : إنك في غاية الاضطراب ، وأي حكمة تراها في هذا القتل ؟
لا تسفك دمها ، وكف يدك عن هذا القتل ، لأنها ستموت ميتة طبيعية هذه الساعة ، فإن لم تمت ، فليكن القتل ، ولا يقطع رأس الميت إلا جاهل !
قال : إن أقدم على قتل المعشوقة بيدي ، فسأقتل قصاصا لها ، وعندما تقوم الساعة ، فأمام الجميع يحرقونني كالشمع ، فإما أن أقتل اليوم بسبب تعلقي بها ، وإما أن أحرق غدا بسببها ، فكل رغبتي هنا أو هناك أن يكون اسمى المحروق أو المقتول بسببها .
يتقدم العشاق إلى الطريق مضحين بأرواحهم ، يتقدمون وقد قصروا أيديهم عن العالم ، وتحملوا وسط ذلك آلام الروح ،
كما خلصوا القلب من الدنيا كلية ، وما أن خلصوا أرواحهم من الكل ، حتى أصبحوا في خلوة مع الحبيب . . .
المقالة التاسعة والثلاثون حكاية 6
الأبيات من 3443 - 3455
عندما كان خليل اللّه في النزع الأخير ، لم يسلم الروح لعزرائيل بسهولة ويسر ، فقد قال له : عد مرة أخرى ،
وقل للّه : لا تقبض في النهاية روح خليلك .
فقال الحق تعالى : إن تكن الخليل حقا ، فاترك الروح تسلك طريقها إلى خليلك ، لا يليق بك أن تقبض روحك بحد السيف ، ومن ذا يندم على تسليم روحه لخليله ؟
وقال له أحد الحاضرين : يا شمع الدنيا ، لم لا تسلم روحك لعزرائيل ؟
إن العشاق يضحون بأرواحهم في الطريق ، فلم تحافظ أنت على روحك في النهاية ؟
فقال : كيف أقول بترك الروح الآن ، وقد تدخل عزرائيل بيننا ، فقد جاءني جبريل ساعة إلقائي في النار ،
وقال : أيها الخليل ، قل لي حاجتك ، فلم أعره إلتفاتة في ذلك الوقت ، لأن طريقي أغلقت تجاهه ، ولم تفتح إلا في اتجاه اللّه ،
فإذا كنت قد أشحت برأسي عن جبريل ، فكيف أسلم الروح لعزرائيل ؟
لذا لا أستطيع نثر الروح ، حتى أسمع من اللّه الأمر بتسليم الروح .
فإذا جاءني الأمر بتسليم الروح ، فإن الدنيا لا تساوي بالنسبة لروحي نصف دانق ، وكيف أسلم روحي لأي شخص في كلا العالمين ؟
إنني لن أسلمها إلا بأمره ، وهذه هي القصة ، وكفى . . !
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin