المرتبة السابعة من رسالة مراتب الكمال، الدعوة في سبيل الله تعالى ومراتبها
المرتبة السابعة من رسالة مراتب الكمال، الدعوة في سبيل الله تعالى ومراتبها، :-
أما الدعوة في سبيل الله تعالى: فهي: مشتقة من الدعاء وهو الطلب، وفي الشرع: قول يطلب من الإنسان إثبات حق على الغير.
ومراتب الدعوة ثلاثة: 1ـ التبليغ، 2 ـ والتأليف 3 ـ والتربية.
1ـ أما التبليغ: فهو الإيصال، وقيل: هو عرض وإيصال التعاليم والإرشادات السماوية الإسلامية، والمعارف الإلهية للناس، وتبشير الناس، برحمة الله، ونعيم الجنان، وتحذيرهم من مخالفة أوامر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من التوحيد والأحكام والأخلاق؛ كما قال ـ جلَّ ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وقال ـ جلّت عظمته: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم}، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، رواه أحمد وأبو داود، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه البخاري.
وقال ـ جلَّ شأنه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وهي النصيحة، والنصيحة: هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد. كما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» رَوَاهُ الخَمْسَةُ. قوله عليه الصلاة والسلام:«لِلَّهِ»[أي: بالإيمان به، والقيام بواجب شكره ـ عزَّ وجلَّ، وحمل الناس على ذلك] «وَلِكِتَابِهِ» [أي: بتعلمه والعمل به وإرشاد الناس إلى ذلك] «وَلِرَسُولِهِ» [باتباعه ونصره في كل شيء ] «ولائمة الْمُسْلِمِينَ» [أي: ولاتهم باحترامهم وإطاعة أمرهم فيما يرضي الله ورسوله؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ] «وَعَامَّتِهِمْ» [أي: بإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، فمن كان بهذه الصفات كان خليفة الله في أرضه]، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» رواه الترمذي.
"أيُّ سادة": سنة الله في عباده وأحبابه، أن يكون لكل داعية وصالح أعداءٌ وحسادٌ، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}، وورد في الحديث: «إن كنت عابداً صادقاً في خر جبل، لا يعلم بك إلا الله، لهيأ الله لك من المخادعين من يردك عن طريق الحق والصواب » . وعند أهل العلم والعرفان: أيُّ داعيةٍ أو عارفٍ بالله ليس له أعداء فهو نقص بحاله، وإذا زاد عليه الحساد والأعداء فهي من كرامته.
2ـ والتأليف، هو: جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا، قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وقال ـ جلَّ جلاله: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحق، قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال ـ عليه الصّلاة والسلام: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنُ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلِمَهُ وَنَشَرَهُ» رواه ابن ماجه وابن خزيمة.
قال تاج الدين السُبكي في كتابه "جمع الجوامع": ((فإن العالم وإن امتد باعه، واشتد في ميادين الجدال رفاعه، واشتد ساعده، حتى خرق به كل سَد، سُدَّ بابه، واحكم امتناعه، فنفعه قاصر على مدة حياته، ما لم يصنف كتاباً يخلد بعده، أو يُورث علماً ينقله عنه تلميذ، إذا وجد الناس فقده، أو يهتدي به فئة مات عنها، وقد ألبسها به الرشاد برده، ولعمري إنَّ التصنيف لأرفعها مكاناً، لأنه أطولها أزماناً، وأدومها إذا مات أحياناً، ولذلك لا يخلو وقت يمر بنا خالياً من التصنيف، ولا يخلو إلا وقد تقلد عقد جواهره التأليف، ولا يخلو علينا الدهر ساعة فراغ إلا وُنكل في القلم بالترتيب والترصيف)).
وقال الزركشي في "قواعده": ((من فروض الكفاية: تصنيف الكتب لمن منحه الله فهماً واطلاعاً، ولن تزال هذه الأمة، مع قصر أعمارها في ازدياد وتَرقٍ في المواهب. والعلم لا يحل كتمه، فلو ترك التصنيف لضيع العلم على الناس)). ولله در من قال:-
يموتُ قومٌ فيُحي العلم ذكرهمُ والجهلُ يلحق أمواتاً بأموات
وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والقلمُ مطلقٌ بالشاهد والغائب، وهو للغائب الكائن، مثله للقائم الراهن. يحمله أهل علم وحال تربوا في القال والحال فكانوا للأمة جنوداً وقادة رواسخ.
وقال مولانا حضرة الشيخ عبد الله الهرشمي ـ قدَّس الله روحه: أمَّا جهاد الدحض فذلك أن الإسلام كان ولا يزال معرَّضاً للطَّعن والتلبيس فيه والافتراء والعدوان عليه. هكذا يبغي عليه بدون الحقِّ أعداؤه. وعدوان الأقلام الكاذبة والعقول الدجالة أعتى وأشد فتكاً من الرماح والسيوف والقنابل والصواريخ. فكان ولا يزال حتماً على علماء الأمّة أصحاب الغيرة والحمية والهمة أن يذبوا عن الحياض ويصونوا جوهر الإسلام فيجاهدوا في سبيل الله بما آتاهم الله من قوى العلم وسلاح الأقلام.
3 ـ تربية الرجال: قال ـ جلَّ ثناؤه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «أدَّبني ربي فأحسنَ تأديبي» فهذا الحديث مدلوله صحيح، وهو يلزم بالتحقق بآداب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم، فإن من زل عنها هوى، ومن فارقها ضل وغوى، وبها تعرج همم المقربين، وتزهر أسرار العارفين، ولا وجه يلتحق به العارف بربه إلا طريق الأدب المحمدي؛ وبهذا تتربى الرجال لنهضة الأمة، بالعلم: ملاحظة واستقراء، والعقل: بنتائجه واستنتاجه، والروح: بإلهامها وإشراقها من الله، ليكون الداعية الربّاني؛ إسلامي الاتباع، محمدي الأخلاق، ربّاني الأحوال بالله ـ عزَّ وجلَّ، فيكون مثلاً ـ كالنووي وابن القيم وأمثالهما علماً، والغزالي وأمثاله حكمةً وفكرا، والسجاد والكيلاني وأمثالهما روحاً وسلوكا؛ ليسير القاصد إلى الله ـ عزَّ وجلَّ، ديناً، وقلباً، وخدمةً لهذه الأمة المرحومة ـ أمة خاتم النبيين والمرسلين ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن والاه إلى يوم الدين، قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا؛ وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» رواه مسلم، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام: «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» رواه الترمذي وابن ماجه.
اللَّهمَّ؛ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر، اللَّهمَّ؛ إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح، اللَّهمَّ؛ إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، اللَّهمَّ؛ هب لي مغفرةً تصلح بها شأني في الدارين، وارحمني رحمةً أسعد بها في الدارين، وتب عليَّ توبة نصوحاً لا أنكثها أبداً، والزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ منها أبداً، اللَّهمَّ؛ انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، واغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، ونوَّر قلبي، وأعذني من الشر كلّه، واجمع لي الخير يا أرحم الراحمين.
اللَّهمَّ؛ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللَّهمَّ؛ إني أعوذ بك من شر ما يلج بالليل، ومن شر ما يلج بالنهار، ومن شر ما تهب به الرياح، ومن شر بوائق الدهر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللَّهمَّ؛ اهدني بالهدى، واغفر لي في الآخرة والأولى.
لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني
المرتبة السابعة من رسالة مراتب الكمال، الدعوة في سبيل الله تعالى ومراتبها، :-
أما الدعوة في سبيل الله تعالى: فهي: مشتقة من الدعاء وهو الطلب، وفي الشرع: قول يطلب من الإنسان إثبات حق على الغير.
ومراتب الدعوة ثلاثة: 1ـ التبليغ، 2 ـ والتأليف 3 ـ والتربية.
1ـ أما التبليغ: فهو الإيصال، وقيل: هو عرض وإيصال التعاليم والإرشادات السماوية الإسلامية، والمعارف الإلهية للناس، وتبشير الناس، برحمة الله، ونعيم الجنان، وتحذيرهم من مخالفة أوامر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من التوحيد والأحكام والأخلاق؛ كما قال ـ جلَّ ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وقال ـ جلّت عظمته: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم}، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، رواه أحمد وأبو داود، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه البخاري.
وقال ـ جلَّ شأنه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وهي النصيحة، والنصيحة: هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد. كما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» رَوَاهُ الخَمْسَةُ. قوله عليه الصلاة والسلام:«لِلَّهِ»[أي: بالإيمان به، والقيام بواجب شكره ـ عزَّ وجلَّ، وحمل الناس على ذلك] «وَلِكِتَابِهِ» [أي: بتعلمه والعمل به وإرشاد الناس إلى ذلك] «وَلِرَسُولِهِ» [باتباعه ونصره في كل شيء ] «ولائمة الْمُسْلِمِينَ» [أي: ولاتهم باحترامهم وإطاعة أمرهم فيما يرضي الله ورسوله؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ] «وَعَامَّتِهِمْ» [أي: بإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، فمن كان بهذه الصفات كان خليفة الله في أرضه]، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» رواه الترمذي.
"أيُّ سادة": سنة الله في عباده وأحبابه، أن يكون لكل داعية وصالح أعداءٌ وحسادٌ، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}، وورد في الحديث: «إن كنت عابداً صادقاً في خر جبل، لا يعلم بك إلا الله، لهيأ الله لك من المخادعين من يردك عن طريق الحق والصواب » . وعند أهل العلم والعرفان: أيُّ داعيةٍ أو عارفٍ بالله ليس له أعداء فهو نقص بحاله، وإذا زاد عليه الحساد والأعداء فهي من كرامته.
2ـ والتأليف، هو: جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا، قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وقال ـ جلَّ جلاله: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحق، قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال ـ عليه الصّلاة والسلام: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنُ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلِمَهُ وَنَشَرَهُ» رواه ابن ماجه وابن خزيمة.
قال تاج الدين السُبكي في كتابه "جمع الجوامع": ((فإن العالم وإن امتد باعه، واشتد في ميادين الجدال رفاعه، واشتد ساعده، حتى خرق به كل سَد، سُدَّ بابه، واحكم امتناعه، فنفعه قاصر على مدة حياته، ما لم يصنف كتاباً يخلد بعده، أو يُورث علماً ينقله عنه تلميذ، إذا وجد الناس فقده، أو يهتدي به فئة مات عنها، وقد ألبسها به الرشاد برده، ولعمري إنَّ التصنيف لأرفعها مكاناً، لأنه أطولها أزماناً، وأدومها إذا مات أحياناً، ولذلك لا يخلو وقت يمر بنا خالياً من التصنيف، ولا يخلو إلا وقد تقلد عقد جواهره التأليف، ولا يخلو علينا الدهر ساعة فراغ إلا وُنكل في القلم بالترتيب والترصيف)).
وقال الزركشي في "قواعده": ((من فروض الكفاية: تصنيف الكتب لمن منحه الله فهماً واطلاعاً، ولن تزال هذه الأمة، مع قصر أعمارها في ازدياد وتَرقٍ في المواهب. والعلم لا يحل كتمه، فلو ترك التصنيف لضيع العلم على الناس)). ولله در من قال:-
يموتُ قومٌ فيُحي العلم ذكرهمُ والجهلُ يلحق أمواتاً بأموات
وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والقلمُ مطلقٌ بالشاهد والغائب، وهو للغائب الكائن، مثله للقائم الراهن. يحمله أهل علم وحال تربوا في القال والحال فكانوا للأمة جنوداً وقادة رواسخ.
وقال مولانا حضرة الشيخ عبد الله الهرشمي ـ قدَّس الله روحه: أمَّا جهاد الدحض فذلك أن الإسلام كان ولا يزال معرَّضاً للطَّعن والتلبيس فيه والافتراء والعدوان عليه. هكذا يبغي عليه بدون الحقِّ أعداؤه. وعدوان الأقلام الكاذبة والعقول الدجالة أعتى وأشد فتكاً من الرماح والسيوف والقنابل والصواريخ. فكان ولا يزال حتماً على علماء الأمّة أصحاب الغيرة والحمية والهمة أن يذبوا عن الحياض ويصونوا جوهر الإسلام فيجاهدوا في سبيل الله بما آتاهم الله من قوى العلم وسلاح الأقلام.
3 ـ تربية الرجال: قال ـ جلَّ ثناؤه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «أدَّبني ربي فأحسنَ تأديبي» فهذا الحديث مدلوله صحيح، وهو يلزم بالتحقق بآداب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم، فإن من زل عنها هوى، ومن فارقها ضل وغوى، وبها تعرج همم المقربين، وتزهر أسرار العارفين، ولا وجه يلتحق به العارف بربه إلا طريق الأدب المحمدي؛ وبهذا تتربى الرجال لنهضة الأمة، بالعلم: ملاحظة واستقراء، والعقل: بنتائجه واستنتاجه، والروح: بإلهامها وإشراقها من الله، ليكون الداعية الربّاني؛ إسلامي الاتباع، محمدي الأخلاق، ربّاني الأحوال بالله ـ عزَّ وجلَّ، فيكون مثلاً ـ كالنووي وابن القيم وأمثالهما علماً، والغزالي وأمثاله حكمةً وفكرا، والسجاد والكيلاني وأمثالهما روحاً وسلوكا؛ ليسير القاصد إلى الله ـ عزَّ وجلَّ، ديناً، وقلباً، وخدمةً لهذه الأمة المرحومة ـ أمة خاتم النبيين والمرسلين ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن والاه إلى يوم الدين، قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا؛ وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» رواه مسلم، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام: «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» رواه الترمذي وابن ماجه.
اللَّهمَّ؛ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر، اللَّهمَّ؛ إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح، اللَّهمَّ؛ إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، اللَّهمَّ؛ هب لي مغفرةً تصلح بها شأني في الدارين، وارحمني رحمةً أسعد بها في الدارين، وتب عليَّ توبة نصوحاً لا أنكثها أبداً، والزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ منها أبداً، اللَّهمَّ؛ انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، واغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، ونوَّر قلبي، وأعذني من الشر كلّه، واجمع لي الخير يا أرحم الراحمين.
اللَّهمَّ؛ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللَّهمَّ؛ إني أعوذ بك من شر ما يلج بالليل، ومن شر ما يلج بالنهار، ومن شر ما تهب به الرياح، ومن شر بوائق الدهر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللَّهمَّ؛ اهدني بالهدى، واغفر لي في الآخرة والأولى.
لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin