وقال الشيخ محمد الأمين بار امباكي في مدح والده الشيخ الخديم:
ذاك الخديم الذي ما مثله أحد = من زاره عنه حط الله أوزارا
وقال سُلطان العارفين ومغرفة العارفين المعروف بـ(( سرين محمد جَو بَخَ)) في محبة العبد الخديم:
محبة العَبدِ الخَديم وِردِي = وهو لدَى ذي العرشِ خيرُ وردِ
[ دواوين الشعراء السّنغاليين في مزايا الشيخ الخديم ].
وهَكذا كانَ الشيخ إبراهيم فاط امباكي حَرفا بحرف الذي فنى فِي حبّ شيخه – رضي الله عنهما -، ويالهُ من توفيق كبير الذي أطلقَ عليه الشيخ الخَديم باسم (المريد الصَّادق ) !!
وقال شيخه في حقِّه أيضا : “…. أيُّها المذبوحُ بحبِّنا الذي لا يُذبح به إلا سَعيدٌ لا يشقى أبدا…”
وقال الشيخ عبد الرحمان لوح : ” لما طلبَ الشيخ الخديم من أكابر أتباعه – إثر ما رضي عنهم رضًى لا سُخط بعده – أن يبين كل واحد بمُراده، فقال للشيخ إبراهيم فال مُريده الأكبر ما ذا تريد يا إبراهيم ؟ أجاب إبراهيم فال بقوله: إنِّي أريد أن يزداد حُبِّي لك كل يوم وسَاعة. ثم أضافَ الكاتب قائلا: وذلك حاصلٌ عند من كان يعرف هذا الشيخ معرفة تامة فحبه للشيخ الخديم – رضي الله عنه – كان حبًّا جُنونيا. لما قال بعض الناس كلام الشيخ إبراهيم فال للشيخ مصمب جوب وقالوا له إنه أكثر منكم حرصا على حُبِّ الشيخ، رد الشيخ مصمب جوبْ بقوله: كلا، إنَّ لفي قلبه فراغا ومتَّسعا لذلك. فنحن قلوبنا مليئة به ولم يبقَ منه فراغ أو متسع). [ انظر: كشف الغطاء عَن الشخصية البتراء، للباحث الشيخ عبد الرحمان لوح بن الشيخ مصطفى لوح، بتصرف قليل، ص : ( 53- 57)].
ولله درّ الشيخ إبراهيم جوب المشعريّ الذي يقُول مادحا قطب الأفاضل:
مَحبّتُه غُنمٌ وإخدامُه عُلًى = مُوالاتُه خيرٌ معاداتُه ضَيرٌ
[ ينظر: ديوان الشيخ إبراهيم جوب المَشعري – رضي الله عنه – ، حققه ورتبه وعلّق عليه: الشيخ عبد القادر بن شيخ ميمونة الكبرى امباكي، وأبو مدين شعيب تياو، طوبى السنغال 1438ه 2017م، مطبعة المعارف الجديدة، ص: 161]
قال الشيخ إبراهيم جُوب المشعري في وسيلته وشيخه:
ما لي لِبغدادَ شوقٌ لاَ ولا فاسِ = لكنْ برُؤيا “جُلفْ” قَد بعتُ أنفاسِي
حيثُ الخديمُ ثَوى حيثُ المُريدُ حَوى = سرًّا يطهرهُ مِن كلّ أدناسِ
ذاكَ الخديمُ خَديمٌ لا يُماثلُه = مَن جلَّ أو قلَّ من جنٍّ ومن نَاسِ
[ المصدر نفسه، ص:211]
ويجدر التنبيه أن المقصُود بالشيخ هنا شَيخ التربية والتَّرقية، وهوالقائد الرُّوحِي والمرجِع الأعلى عند الصُّوفيةِ، كما قال
القاشاني: ” الشيخ هو طبيب الأرواح، وهو الإنسانُ البالغ في معرفة علوم الشَّريعة، والطَّريقة والحقيقة إلى الحد الذي يتمكن معه من مُعالجة الأمراض الحاصلة فِي نفوس الطالبين للوصول إلى الله تعالى، فالشيخ عند السَّالكين هو الذي سلك طريق الحق، وعرف المخاوف والمَهالك، فيرشد المُريد ويشير عليه بما ينفعه ويضره “. [ ينظر: ” السير والسلوك إلى مَلك الملوك “، ص: (122)].
وقد قال عبد القادر عيسى: ” … يُمكن لطالب العلم أن يكون له أساتذة عدَّة، ويُمكن للمُريد أن يكون له أساتذة في العلم؛ لأن ارتباطه بهم ارتباط عِلمي، بينما صلة المُريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية ! ” . [ حقائق عن التصوف، ص: (99)].
2- امتثال أوامر الشيخ حيث ورد
يعني: أن يكون المُريد السَّالك مُمتثل أمر شيخه إما أن يكون شيخا معلّما أم شَيخا مُربيا أم شيخًا مرقيا؛ لأنَّ الشيخ المُرشد والناصح الأمين، والعابد المطيع لا ينحرفُ عن الصّراط المستقيم، ولا يخالفُ ربَّ العباد والبلاد والنَّبي المشفع العابدَ، بل يقوده بالعلم النَّافع والعمل الصَّالح ونبذ العادة السَّيئة، فإذا كان الشيخ يتّسم بهذه السمات النبيلة والأوصاف الكاملة فطاعته واجبة لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء: 59]
وقد فرضها الله عَلى المؤمنين قاطبة طاعتهم، ويتضمن أولو الأمر فِي الآية على الحكام والرؤساء والملُوك، وفي هذا السِّياق يقول الشيخ الخديم – رضي الله عنه – في منظومته « فيض الغني المغني»:
وَاجْعَلْ مِنَ الْوَاجِبِ عِنْدَ اللهِ = طَاعَةَ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ بِلَاهِ
كَالْأُمَرَاءِ الْـمُؤْمِنِينَ الْعُلَمَا = مَنْ يَأْمُرُونَ بِبُـرُورٍ عُلِمَا
فَكُلُّ مَنْ أَطَاعَ عَيْنًا جَاهِلَا = فَلَا يَزَالُ خَائِفًا وَذَاهِلَا
وقال أيضا وهو يُرشد المُريد على أن يُبايعَ شيخا يقتفي بالرسُول الهادي الأمين – صلى الله عليه وسلَّم – : ” وكل شيخ يأمر أو ينهي بغير إذن من الله تبارك وتعالي ومن رسُوله عليه الصلاة والسلام ويأمر من جهة نفسه أو ينهي من جهتهما فضال مضل، وإلى هذا أشرت بقولي:
ووجبتْ طاعَة من يقفو الرسُول = صلى عليه من به يحبُو بسول
من رؤساء دين ذي الكمَال = من لا يرى منهم سِوى الجَمال
[ المجموعة الكُبرى، ص: (173)]
وقال:
فَحَيْثُمَا أَمَرَكَ الْمُرَبِّي = فَامْتَثِلِ الْأَمْرَ تَصِلْ لِلرَّبِّ
وَحَيْثُمَا نَهَاكَ عَنْ شَيْءٍ فَلَا = تَمِلْ لَهُ وَعَنْ رِضًى لَا تَغْفُلَا
[ المجموعة الصُّغرى، ص: (15)]
ويقول أيضا : (( مِن آداب المُريد سُرعة الإجابة بعد سَمعه دعوة الشيخ وحُسن امتثال الأوامر بعد خُروج الإذن من الشَّيخ مع حُسن ظنه به بلا حُرون ولا نفاق، (( أولئك يُسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )) (( سَابقوا إلى مغفرة من ربِّكم )). [ المصدر نفسه، ص: (2) ]
ولكن الشيخ إذا أمر من جهة نفسه وخالف القُرآن الكريم والسنة النَّبوية فلا سمع ولا طاعة؛ لأنَّه شيطان مَريد وفخوخ يجذب الورى إلى بحر الرَّدى والهلاك وإن كان يدعي الصَّلاح والكمال والولاية، كما ورد في الحديث النَّبوي : ( السَّمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره إلا أن يؤمرَ بمعصية فلا سَمْعَ ولاطاعةَ ) [ رواهُ البخاري ] .
وقال أيضا في حديث آخر: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [ رواه أحمد (1098)]
وقال أيضا ناظما هذا الحديث في منظومته ” الجوهر النَّفيس “:
حديثُ لا طَاعةَ للمخلوقِ = فِي مَعصيةِ الخالقِ فَالميثاقَ قِ
وقال الشيخ أيضا: ” ومن توجهت إليه الناس، وتوجه هو معهم إلى نفسه أو إلى أنفسهم دفعهم ربّ الناس، إلى النار التي وقودها الناس والحِجارة “. [ المصدر نفسه ]
ويقول حفيده المُجاهد سرين شيخ أحمد امباكّي غايندي فاطمة في كتابه ” كلمة الله هي العُليا ” : ” وطاعة أولي الأمر لا تجب إلا في حُدود ما أمر به اللهُ ورسوله فَمن أمر بما يوافق الكتاب والسنة فطاعته واجبة، ومن أمر بما يخالفهما فلا سَمع ولاطاعةَ “.
ولذلك أمرنا الشيخُ بأن نبايعَ المُربيَّ النَّاصحَ والواصلَ الموصل والمعتصم بسنة الإكليل والمطيع القائد إلى الجليل، فقال:
فَاسْلُكْ عَلَى يَدَيْ مُرَبٍّ نَاصِحِ = يَقُودُ لِلْإِلَهِ بِالنَّوَاصِحِ
فَمَنْ تَعَلَّقَ بِوَاصِلٍ وَصَلْ = وَمَنْ تَعَلَّقَ بِعَكْسِهِ انْفَصَلْ
إِذِ الْمُرَبِّي لَا يُرِيدُ فِي الْمُرِيدْ = إِلَّا الْوُصُولَ نَاجِيًا مِنَ الْمَرِيدْ
وَمَنْ عَلَى الْإِلَهِ دَلَّكَ فَإِنْ = خَالَفْتَهُ فَلِلْمَرِيدِ تَطْمَئِنْ
فَمَنْ عَلَى غَيْرِ الْإِلَهِ دَلَّكَا = فَفِرَّ مِنْهُ إِنَّهُ أَضَلَّكَا [6]
وقال أيضا:
فالشيخُ لا يُخالفُ المُشفّعا = فمن نَحا أمر المُربّي انتَفعا [7]
ثمَّ قال :
ومَن أرادَ القُربَ من ربِّ الورى = فليطلبن شيخًا ويتل السورا
إن امتثالَ أمر شَيخ عارف = يفضي المُريد لذوي المعارف
ثم تلاوة الكتاب ينفعُ = تاليه وللجنان يرفع
إن المعارفَ كُنوز تبْقى = مع ذويه والإله أبقى
دومُوا عَلى امتِثال أمر الربِّ = بأمر شَيخ واصِل مُربِّ [8]
ويقول في هذا الصَّدد في منظومتهِ الفائقةِ ” مغالق النيران ومفاتِحُ الجنان ” :
مَن طلبَ الوصُولَ للجَليلِ = فلْيعْتَصمْ بِسُنة الرسُولِ
بِأن يُلازِم مُّطيعًا لا يَميلْ = فِي ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ عنِ السَّبِيلْ
يَقُودُهُ بالْعِلْمِ والْعبادَهْ = كَمَا يُرَبِّيهِ بِتَرْكِ العادَهْ
وقال في منظومته ” تزود الصِّغار”:
وَلا زمُوا مَنْ لا يَزالُ عَابدا = لربِّه إلى هُداهُ قائِدَا
وقال في منظومتهِ “مسالك الجنان”:
ومَن بفقهٍ وتصوف وجَمعْ = فهو الذي حُق له أن يتبعْ
ثُمَّ عرج الشيخ عقب ذلكَ إلى ذكر وصف المُريد، فقال:
وصفُ المُريد تَركه الإراده = لوَجه من يفعل مَا أراده
من لم يُرد شَيئا سوى مَولاهُ = يصل له وخيرَه أولاهُ
ويتضح مما سبق أنه لا يجبُ امتثال أوامر كل من هبَّ ودبَّ بل هناك معايير عند اختيار الشيخ المربي، كما بيَّنها الشيخ الخديم – رضي الله عنه – وهو الذي يمتثل أوامره بالكلية دون اعتراض من خلال كتاباته.
إذا دقَّقت النَّظر – أيُّها النَّقيبُ الفَحيص – ترى وتدركُ أن الشيخ الخديم لم يأمُر بالمبايعة وامتثال أوامر الشيخ هملاً دون التطرق إلى بيان الصفات التي ينبغي أن يتوفر على الشيخ المبايع حتى يكون أهلا للبيعةِ ( واصل – مرشد – معتصم بالسُّنةِ – قائِد – ناصح – عارف – مطيع – عابد ) فهذا حقًّا هو الواصلُ بنفسه والموصل لغيره، وأما غيره فهو قاطع الطّريق …
ومن الأمثلة عَلى امتثال المُريدين لأمرهِ ما يروى فِي الحكاياتِ: ” أنَّ الشيخ عبد الرَّحمان لُوح رغم تَوافد الناس عَلى الشيخ الخديم في هذه الأيام التسعة التى مكث في دار أخيه مام شيخ هنت رغم هذا كله، لم يتحرك من بيته رغم قصر المسافة التي لا تبعد ميلا بدأ بعض الناس يلُومه ويقولون : إنك لم ترد ولم تتشوق عودة الشيخ الخديم !؟
أجاب لهم بقوله كلا ! ليس الأمر كذلك أو كما تعتقدُون لأنه قال لي: ” أبق هُنا حتى أرجع إلى هنا ” فكيف أذهب إليه دون إذن ؟! وبقي في حاله ماكثا في داره العليم الخبير حتى مر الشيخ الخديم به في مَسيره إلى دار المنان “. [ نقلا عن كتاب ” كشف الغطاء عن الشخصية البتراء” في سيرة سرين اندام عبد الرحمان للباحث الحفيد سميه الشيخ عبد الرحمان مصطفى اللوحي، ص: ( 65 – 66) ]
ولا غَرو لأنَّهم قالُوا: ” لا ضرَر مع الإذن ” وكذلك فإنَّ شَيخهُ قال [ المجموعة، ص: (75)]:
لا تَفعلُوا شَيئا بغَير إذنِ = فالإذنُ شَرط في قَبولِ الشَّأنِ
ولا يَصلُ المُريدُ إلى هَذه الدرجة العالية السَّامية إلاَّ إذا كان مُمتثلا للأوامر ومجتنبًا للنَّواهي، وينقسم إلى قسمين: امتثال الأوامر وطلبُ الإذن، ثم ذكر المُحاضر الشيخ محمد الفاضل بُوسُو: ” بأنَّ طلبَ الإذن شَرط من شُروط المريدية كما كان يفعَلُ أجدادنا من قبلُ لا يزوجون بناتهم إلا بإذن الشيخ ولا يأكلُون من مزارعهم إلا بعد طلب الإذن. وهَذا يخالفُ تماما لما نَراه اليوم من المُريدينَ “.
ويقول الإمام أبُو المواهب الشَّعرانيّ في كتابه ” الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ” : ” اعلم أن المُريد الصَّادق لا يطالبُ أستاذه بشيء ولا بالجوابِ عَن شيء سألهُ فيه “. [ ينظر: كتاب ” الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصُّوفية ” ( الباب الثاني في بيان نبذة من آداب المُريد مع شيخه)، ص: (132) النَّاشر/ دار جوامع الكلم].
وقال أيضًا : ” اعلم أنه من شأن المُريد الصَّادق أنه لا يخالفُ شَيخه إذا أمره شَيخه أن يترك مُباحا من مُباحات الشَّريعة ولا يحتج عليه بأدلة الإباحة؛ لأن الشيخ إنما مُراده الترقّي للمُريد والمُباح لا ترقى فيه من حَيث هو مُباح “. [ المصدر نفسه، (187)]
وبالاختصار، يمكن أن نستنتج مما سبقَ أنَّ امتثال الأوامر مَطية المُريد للوصُول إلى درجة المُريد الصَّادق التي ليست بالهين اليسير كما يعتقدُ البعضُ .
3- تَركُ الاعتراض
و يجبُ عَلى المُريد الصَّادق أيضا ترك الاعتراض عَلى شيخه مطلقا ولو في ليل أونَهار أو غَيبتِه أو حُضُوره، مع ترك كلّ ما يعوقه للوُصول إلى رضاء الله تعالى حتى يكُون كالمَيت عَلى يَدي غاسِلهِ [9]، كما قال العلامة ابن حجر الهيثمي – رحمه الله – : ” ومَنْ فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبَحث عنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته، وأنه لا يَنْتُج قط، ومن ثَمَّ قالوا: [ مَن قال لشيخه لِم ؟ لَمْ يفلح أبداً ] [ المقصود بهذا الأدب هو مريد التربية والكمال والوصُول إلى الله تعالى، أما التلميذ الذي يأخذ علمه عن العلماء فينبغي له مناقشتهم وسؤالهم حتى تتحقق له الفائدة العلمية] أي لشيخه في السلوك والتربية “. [ ينظر: ” الفتاوى الحديثية”، ص: (55). للمحدث ابن حجر الهيثمي المكي (المتوفى سنة 974هـ)].
وقال أيضا: ” ومَن فتح باب التأويل للمشايخ، وغض عن أحوالهم، ووكل أمورهم إلى الله تعالى، واعتنى بحال نفسه وجاهدها بحسَب طاقته، فإنه يُرجى له الوصُول إلى مقاصده، والظفر بمراده في أسرع زمن”. [المصدر نفسه، ص: (55)].
وقد قال أبو علي الدقاق – رحمه الله تعالى – : ” من دخل في صُحبة شيخ ثم اعترض عليه بعد ذلك، فقد نقض عقد الصُّحبة، ووجب عليه تجديد العهد، عَلى أن الأشياخ قد قالوا: إن عُقوق الأستاذ قد يترتب عليه استحكام المقت، فلا يكاد يصح من ذلك العاق توبة ! وكان أبو جعفر الخلدي يقول: ” من لم يحفظ الأدب مع المشايخ سلَّط الله عليه الكلاب التي تؤذيه “. [ الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، الشعراني، ص: (114- 155)].
ويجدرُ بِالمُريدِ السَّالك الذي يُريد الوُصُول أن يعتقد في شَيخه الكمال كما قال الشَّعرانيّ في كتابه ” الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية” نقلا عن الشيخ عبد القادر الجيلانيّ – رضي الله عنه – : ” اعلَم أن مَن لم يعتقد فِي شَيخه الكمال لا يفلح عَلى يَديه أبدا “. [ الأنوار القدسية: (1/174)].
ولا يجُوز عليه مُجالسةَ أهل الاعتراض على حد تعبير الشَّعرانيّ وسمعتُ سيدي عليا المرصفي يقول: ” اعلم أنه ليسَ للمُريد أن يجالس من يعتَرض على شيخِه أبدا ؛ لأنه ربما أورث عنده شكا فى حال شَيخه بكلامه الجافِي وميزانه الجائر “. [ ينظر: كتاب ” الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصُّوفية ” ( الباب الثاني في بيان نبذة من آداب المُريد مع شيخه)، ص: (172)، النَّاشر/ دار جوامع الكلم].
ولا يشكُّ أحد أنَّ اعتراض المشايخ أو إنكارهُم مُصيبة عظيمة، كما يقول بعضُ الصُّوفية في التَّحذير من الإنكار عَلى أولياء الله: ” وإن كلام الصوفية في تحذير من لا يفهم كلامهم ولا يعرف اصطلاحاتهم من قراءة كتبهم ليس من قبيل كتم العلم، ولكن خوفا من أن يفهم الناس من كتبهم غير ما يقصدون، وخشية أن يؤولوا كلامهم على غير حقيقته، فيقعوا في الإنكار والاعتراض، شأن من يجهل علما من العلوم. لأن المطلوب من المؤمن أن يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلام وما يتفق مع مستواهم في العلم والفهم والاستعداد ” . [ ينظر: ” لطائف المنن والأخلاق، تأليف: عبد الوهاب الشعراني، ج2، ص: (149)].
وفِي هذا المضمار يقول صاحبُ كتاب ” النفحات المسكية ” وفِي” لطائف المِنن” ص: ( 153) لابن عطاء الله الإسنكدري وصِيَّة وإرشاد : ” إياك – أيها الأخ- من أن تصغيَ إلى الواقعين في هذه الطائفة والمستهزئين بها لئلا تسقط من عيْن الله، وتستوجبَ المقتَ عند الله، فإن هؤلاء القوم جلَسوا مع الله على حقيقة الصدق، وإخلاص الوفاء، ومراقبة الأنفاس مع الله، قد سلَّموا قيادَهم إليه، وألقوا نفوسهم بين يديْه، ترَكوا الانتصار لأنفسهم حياءً من ربوبيته لهم واكتفوا بقيُّوميتِه، فقام لهم بأوفى ما يقومون به لأنفسهم، وكان هو المحاربَ عنهم لمن حارَبَهم، والغالبَ لمن غالَبَهم. ولقد ابتلى اللهُ سبحانه هذه الطائفةَ بالخَلق خصوصا أهل العلم الظاهر؛ فقلَّ أن تجدَ منهم من شرحَ الله صدرهُ للتحقيق بوليّ معين، بل يقول لك: نعَم، نعلم أن الأولياءَ موجودون ولكن أين هم؟ فلا تذكر له أحدا إلا وأخذ يدفعُ خُصوصية الله فيه، فاحذر ممن هذا وصفهُ وفرَّ منه فرارك من الأسَد” انتهى منه باختِصار، ولله درّ القائل [ عبد الله بن علوي] :
وسلِّم لأهلِ الله في كلّ مُشكلٍ = لديكَ لدَيهم واضحٌ بالأدلَّةِ
ويقول أيضا: وقال سيدي عبد الوهاب الشَّعراني – رضي الله عنه – فِي” المِنَن “: قد أجمعَ أهل الكشف على أنه ما أنكر أحد شيئا أخبره به أهل الكشف إلا حُرِم ذلك الأمرَ الذي أنكره ولو بلغ الغاية في السُّلوك، فلا يعطى ذالك الأمرَ عقوبةً له على إنكاره وتكذيبه أولياءَ الله تعالى الذين هم آياته في الأرض، وبهمْ يرزق الناس وبهمْ يُمطَرون، وبهمْ يدفع الله البلايا عن عباده. انتهى كلامه. [ ينظر: ” النفحات المسكية في السيرة البكية “، للعلامة الشنقيطي محمد عبد الله العلَوِيّ – رضي الله عنه-، ص: 87- 91، دراسة وتحقيق: الباحث أبو مدين شعيب تياو والأخ محمد بامبا دَرامي]
وما ألطف قول الإمام الجيلاني – رضي الله عنه – في قصيدته النادرات العينيّة المشهورة:
وإن سَاعد المقدُور أو سَاقك القضا = إلى شَيخٍ حقٍّ في الحَقيقةِ بَارعُ
فقُم في رضَاه واتبع لِمُراده = ودَع كلّ ما من قبل كنت تسارعُ
وكُن عندَه كالميْت عند مُعسِّل = يُقلِّبه ما شاء وهْو مطاوعُ
ولا تعتَرض فيما جهلتَ مِن أمره = عليه فإن الاعتراضَ تنازعُ
ففِي قصَّة الخضرِ الكَريم كِفاية = بقتل غلامٍ والكليمُ يُدافع
فلما أضاء الصُّبح عَن ليل سرِّه = وسَلّ حُساماً للغياهب قاطعُ
أقام له العُذر الكليمُ وإنَّه = كذلك علم القَوم فيه بَدائعُ
[ ينظر : شرح ” تائية السلوك إلى ملك الملوك ” الشيخ عبد المجيد الشرنوبي الأزهري، ص: (94) وما بعدها، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، و”فتوح الغيب” للإمام الجيلاني من قصيدة تُسمَّى ” النوادر العينية في البوادر الغيبية” وهي تبلغ 534 بيتا ص: (201)، وأيضا ” كشف اللثام عن تصوّف الُمظلَّل بالغمام – صلى الله عليه وسلّم – ” تأليف: دكتور محمد سيد سلطان جامعة الأزهر الشريف، الناشر: دار جوامع الكلم، الطبعة الأولى: 1432- 2011م، ص: (222)،
وكتاب ” نهج قَضاء الحَاج فيما من الأدبِ إليه المُريد يحتاجْ، لشَيخنا الخَديم أبي المَحامد – رضي الله عنه – مع اختلاف يَسير فِي بعض ألفاظها]
4- سلبُ الاختيار مع الشَّيخ
إنَّ مما لا ريبَ فيه أنَّ هذه الصِّفة من أهمِّ الأهداف التي قامت عليها الحركة الإصلاحية والمبادئ، كما قال الباحث اللوحيُّ: ” أما الأهداف فيتضح مما سبق أنها تتلخص في إحداث تغيير جذري في وضع المجتمع الفاسد يتناول النواحي الدينية والاجتماعية والاقتصادية وفقا لتعاليم الإسلام.
وأما المبادئ فقائمة على أساس من الكتاب والسنة وهي اثنا عشر مبدءًا :
أولها: نية الخير وقول الخير وفعل الخير.
وذكر منها: إسقاط التدبير وهو سلب الاختيار. [ ينظر: ” حقائق عن حياة خادم الرسول، وحَركته الإصلاحية ” محاضرة للشيخ مُصطفى عبد الرحمان لوح، نيويورك، 28 – 07 – 1989 م]
ومن الأمثلة على سَلب الاختيار أنّّ الشيخ الخديم دعا أخاه الشيخ إبراهيم فاط – رضي الله عنهما – ذات يوم من دار المُعطي إلى جربل قال الشيخ إبراهيم لما وصلت إليه وجدته وحيدا في ركن من أركان البيت، انتظرت حتى أذن لي بالاقتراب، وكان مستقبلا وسلمتُ عليه ورد السلام.
وقال لي يا إبراهيمُ، وجدتني أفكر في أمر عبد الرحمان لُوح لأنه هُو الوحيد الذي ليس لي و له يوم؛ وكل واحد من المُريدين كان لي وله يوم لو لم أقض له حاجته في ذالك اليوم لأدبر عني وذهب لحاله إلا عبد الرحمان؛ وهو الوحيد الذي لم يطلب مني حاجة ولم أعرف منه مراد ا!
لما سمع الشَّيخُ عبد الرحمان لوح هذا الكلام قال: لا يليقُ علي أن يعرف مطلبي ومرادي لأن هَذا ينافي وشروط المُريد الصادق المنظومة فِي الأبيات، ولأن الشيخ الخديم – رضي الله عنه – قال لي: إنك مُريد صادق، وللمُريد الصادق صفات أربعة، قلت: راجع تلك الأبيات المنظومة لبيان صفات المُريد الصادق تجد فيها:
ومعه سَلبُ الاخْتيَارِ = لحُسن ظنِّه بلا إنكارِ
[ ينظر: ” كشف الغطاء عن الشخصية البتراء “، للباحث سرين عبد الرحمان لوح بن الشيخ مُصطفى لوح عبد الرحمان، الذي قدم عليه وراجعه الشيخ مصطفى لوح عبد الرَّحمان، ص: (71- 72)]
ومَن يتأمل كلامهُم يجد أنَّ من آداب المُريدين على شيخه حُسن الظن به وعدم الانشغال بعيوبه ووَكْلُ أموره إلى الله تعالى، مصداقا لقول الشَّاعر:
ولا تر العَيب إلا فيكَ معتقدًا = عيبًا بدا بيِّنًا لكنَّه استتَرا
ويقول الشَّعرانيُّ – قدَّس الله سرّه -: ” …. إِذا ما رأى كلامًا مشتبهًا يحتمل ويحتمل، أحسن الظن بهم، والتمس سبلاً لتأويل كلامهم بعد أن تبين له أن التأويل جائز في كلام الله تعالى وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وكلام الفقهاء والمُحدثين والأصوليين والنحويين وغيرهم. ولهذا قال الإِمام النووي – رحمه الله تعالى -” يَحرُم على كلِّ عاقل أن يسيء الظن بأحدٍ من أولياء الله عزَّ وجل، ويجبُ عليه أن يؤول أقوالهُم وأفعالهم مادام لم يلحق بدَرجتهم، ولا يعجز عن ذلك إِلا قليل التوفيق “. [ ينظر: كتاب “اليواقيت والجواهر” ج1، ص: (11)].
ويقول إبراهيم الدسوقي – أحد الأقطاب الأربعة المدّركين -: ” … وكذلك ينبغي له (أي : للمُريد) أن يحذر من تأويل كلام شيخه عن ظاهره إذا أمره بأمر، بل يبادر إلى فعل ذلك من غير تأويل ” . [ الأنوار القدسية: (2/97)].
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin