لاستقامة على منهج الله مطلب عسير يحتاج إلى مجاهدة وصبر طويل والاستقامة من أعظم ما يمكن أن يتصف به إنسان في هذه الحياة وهي أعظم إنجاز قد يحققه المرء في حياته ولا غرابة في ذلك فإن الاستقامة في الدنيا على منهج الله منوط بها الفلاح والنجاح في الآخرة.
وقد تعددت تعريفات العلماء للاستقامة ورغم اختلاف الألفاظ فكلها تصب في معنى واحد.
قال ابن رجب الحنبلي الاستقامة (هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة)>
وسُئل ِصديقُ الأمة وأعظمُها استقامة – أبو بكر الصديق عن الاستقامة؟ فقال: ((أن لا تشرك بالله شيئًا)) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب)) .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((استقاموا: أخلصوا العمل لله )) .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((استقاموا أدوا الفرائض )) .
وقال الحسن البصري رحمه الله : (( استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته))
ومن خلال هذه التعريفات والأقول يمكن القول بأن الاستقامة معنى جامع وشامل يندرج تحته استقامة الاعتقاد واستقامة الأقوال واستقامة الأعمال.
أولا: الاستقامة في الاعتقاد: وهو أن يكون الانسان صاحب اعتقاد صحيح وعقيدة سليمة وتصور واضح عن الالوهية ، فلا يشرك بالله أحدا من خلقه مهما كانت مكانته عند الله ولا يتخذ من دون الله أربابا يتوجه لهم بالعبادة، فكل هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ومن أتى شيئا من هذه الأشياء فقد أشرك بالله و الشرك هو أعظم ذنب عُصِيَ الله تعالى به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ النساء: 116
ومما يحزن القلب أن تجد في بلاد المسلمين كثيرا من الجهلة والمغرر بهم من بعض مشايخ وعلماء السوء أو ممن ورثوا هذه العادات والاعتقادات الجاهلية وتربوا عليها حتى حسبوها دينا.
فتجد من يطوفون بالأضرحة ويلتمسون البركات من أموات مقبورين لا حيلة لهم.
وتجد منهم من ينذرون ويذبحون لغير الله .
ومنهم من يجعلون بينهم وبين الله واسطة فيدعونهم ويسألونهم الشفاعة ويتوكَّلون عليهم. قال تعالى :
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ يونس: 18.
وقال تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ الزمر: 3.
أعجب ممن يقول الله أكبر ويرددها دائما بلسانه وإذا فتشت في قلبه وجدت ألف ند لله أكبرُ عنده من الله. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
و من أبشع الانحرافات وأبعدها عن الاستقامة أن يقول الانسان على الله بغير علم وينسب إليه سبحانه أشياء غايةً في القباحة لا تليق به جل شأنه ولا يستوعبها صاحب العقل السليم كمن ينسب لله الولد أو كالذين يدّعون أن الله حل في بعض مخلوقاته وتجسد فيهم مثل من يقول إن الله حل في علي رضي الله عنه ثم حل في أولاده من بعده واحدا بعد واحد حتى حل في الحاكم العبيدي أبي على المنصور ابن العزيز ويعتقدون بأن الحاكم الصورة الناسوتية للإله ويعتقدون أنه أي الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ثانيا : الاستقامة في القول : بأن يقول الانسان الحق الذي يرضى الله عز وجل مهما كانت العواقب ولا يخشى في الله لومة لائم .
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.”
وأن يلزم ذكر الله ليل نهار .
قال تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً”.
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه مثل الحي و الميت”.
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من أنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم؟ ” قالو بلى . قال : (ذكر الله تعالى).
وأن يكون حسن الخلق في التعامل مع الناس، ينتقي أطايب الكلام.
قال الله عز وجل ( وقولوا للناس حُسنا )
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))
إن استقامة اللسان ركن مهم من أركان الاستقامة
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أصْبَح ابن آدَم، فإن الأعضاء كلَّها تَكْفُرُ اللِّسان، تقول: اتَّقِ الله فِينَا، فإنَّما نحن بِك؛ فإن اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإن اعْوَجَجْت اعْوَجَجْنَا)
فاللسان أشد الجوارح خطراً على الإنسان ، فإن استقام استقامت سائر جوارحه، وصلحت بقية أعماله، وإذا مال اللسان مَاَلت سائر جوارحه وفسدت بقية أعماله”
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)
فاللسان إما أن يكون مصدر سعادة لصاحبه، وإما نقمة عليه، فإن سَخَّره في طاعة الله كان سعادة له في الدنيا والآخرة، وإن أطلقه فيما لا يرضي الله -تعالى- كان حَسْرة عليه في الدنيا والآخرة.
ثالثا: الاستقامة في العمل: والاستقامة في العمل تعني عبادة الله بما شرع من عبادات وأداء الفروض وتحقيق الأركان والتقرب إلى الله بالنوافل والطاعات والبعد عن المنهيات التي نهى الله عنها .
الاستقامة في العمل لا تعني في الإسلام مجرد القيام بالعمل بل تعني أيضا اتقان العمل وتجويده وتقديمه في أحسن صورة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ . فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ – ثَلاثاً – فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ , فَعَلِّمْنِي , فَقَالَ : إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ , ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ , ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً , ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً , ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً . وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا
هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل كيف يصلي وكيف يحسِّن صلاته ويجوِّدها.وفي الحديث رسالة إلى من يصلون مثل صلاة هذا الرجل فيسرعون في صلاتهم كأنهم يريدون التخلص من عبء يثقل كواهلهم. مساكين هؤلاء لم يطمئنوا في صلاتهم ولم يستشعروا حلاوة المناجاة والوقوف بين يدي الله. أما والله لو فعلوا لما أرداو الخروج من الصلاة أبدا ولأطالوا الوقوف بين يدي الله عز وجل .
ولقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإتقان العمل مهما كان هذا العمل فقال: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ). والاستدلال هنا في الحديث أنَّ على العبدِ المسلم إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ الحيوانات، فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى.
إن المسلم شعاره في كل عمل يقوم به سواء كان هذا العمل عملا دنيويا من أمور المعاش أو عملا من أعمال العبادة المحضة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)
ولأهمية الاستقامة في حياة المسلم جاء الأمر بالاستقامة في القرآن صريحا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.
يقول الله عز وجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) سورة هود.
وقد وعد الله أهل الاستقامة بالأجر العظيم والثواب الجزيل نظير صبرهم ولزومهم منهج الاستقامة وعدم الانحراف عنه مهما كانت المغريات ومهما كانت العوائق والعراقيل.
يقول لله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32))
آمنوا بالله الواحد الأحد ثم استقاموا ..
استقاموا في عقيدتهم فلم يشركوا بالله أحدا ولم يلتفتوا إلى إله غيره من تلك الآلهة الزائفة.
واستقاموا بأقوالهم وألسنتهم..
واستقاموا في أعمالهم فأدوا الفرائض وعملوا بالأركان ولم ينقصوا منها شيئا
واستقاموا بتركهم ما نهى الله عنه من الفواحش والقبائح.
واستقاموا بقيامهم بواجبهم في الدعوة إلى هذا الدين وتبصير الناس بمبادي هذا الدين ومحاسنه والأخذ بأيدي من ضلوا الطريق وإعادتهم إلى صراط الله المستقيم.
هؤلاء لا يخافون ولا يحزنون وتتنزل عليهم الملائكة عند الموت لتبشرهم بالجنة والثواب العظيم وأنا ما هم قادمون عليه من أمر الآخرة خير لهم وأبقى من الدنيا الفانية التي تركوها وأن الله قد أعد لهم جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر جزاء استقامتهم على منهج الله في الدنيا.
نسأل الله عز وجل أن نكون من أهل الاستقامة وأن نكون ممن تبشرهم الملائكة عند الممات (أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
جهلان إسماعيل
وقد تعددت تعريفات العلماء للاستقامة ورغم اختلاف الألفاظ فكلها تصب في معنى واحد.
قال ابن رجب الحنبلي الاستقامة (هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة)>
وسُئل ِصديقُ الأمة وأعظمُها استقامة – أبو بكر الصديق عن الاستقامة؟ فقال: ((أن لا تشرك بالله شيئًا)) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب)) .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((استقاموا: أخلصوا العمل لله )) .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((استقاموا أدوا الفرائض )) .
وقال الحسن البصري رحمه الله : (( استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته))
ومن خلال هذه التعريفات والأقول يمكن القول بأن الاستقامة معنى جامع وشامل يندرج تحته استقامة الاعتقاد واستقامة الأقوال واستقامة الأعمال.
أولا: الاستقامة في الاعتقاد: وهو أن يكون الانسان صاحب اعتقاد صحيح وعقيدة سليمة وتصور واضح عن الالوهية ، فلا يشرك بالله أحدا من خلقه مهما كانت مكانته عند الله ولا يتخذ من دون الله أربابا يتوجه لهم بالعبادة، فكل هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ومن أتى شيئا من هذه الأشياء فقد أشرك بالله و الشرك هو أعظم ذنب عُصِيَ الله تعالى به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ النساء: 116
ومما يحزن القلب أن تجد في بلاد المسلمين كثيرا من الجهلة والمغرر بهم من بعض مشايخ وعلماء السوء أو ممن ورثوا هذه العادات والاعتقادات الجاهلية وتربوا عليها حتى حسبوها دينا.
فتجد من يطوفون بالأضرحة ويلتمسون البركات من أموات مقبورين لا حيلة لهم.
وتجد منهم من ينذرون ويذبحون لغير الله .
ومنهم من يجعلون بينهم وبين الله واسطة فيدعونهم ويسألونهم الشفاعة ويتوكَّلون عليهم. قال تعالى :
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ يونس: 18.
وقال تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ الزمر: 3.
أعجب ممن يقول الله أكبر ويرددها دائما بلسانه وإذا فتشت في قلبه وجدت ألف ند لله أكبرُ عنده من الله. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
و من أبشع الانحرافات وأبعدها عن الاستقامة أن يقول الانسان على الله بغير علم وينسب إليه سبحانه أشياء غايةً في القباحة لا تليق به جل شأنه ولا يستوعبها صاحب العقل السليم كمن ينسب لله الولد أو كالذين يدّعون أن الله حل في بعض مخلوقاته وتجسد فيهم مثل من يقول إن الله حل في علي رضي الله عنه ثم حل في أولاده من بعده واحدا بعد واحد حتى حل في الحاكم العبيدي أبي على المنصور ابن العزيز ويعتقدون بأن الحاكم الصورة الناسوتية للإله ويعتقدون أنه أي الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ثانيا : الاستقامة في القول : بأن يقول الانسان الحق الذي يرضى الله عز وجل مهما كانت العواقب ولا يخشى في الله لومة لائم .
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.”
وأن يلزم ذكر الله ليل نهار .
قال تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً”.
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه مثل الحي و الميت”.
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من أنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم؟ ” قالو بلى . قال : (ذكر الله تعالى).
وأن يكون حسن الخلق في التعامل مع الناس، ينتقي أطايب الكلام.
قال الله عز وجل ( وقولوا للناس حُسنا )
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))
إن استقامة اللسان ركن مهم من أركان الاستقامة
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أصْبَح ابن آدَم، فإن الأعضاء كلَّها تَكْفُرُ اللِّسان، تقول: اتَّقِ الله فِينَا، فإنَّما نحن بِك؛ فإن اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإن اعْوَجَجْت اعْوَجَجْنَا)
فاللسان أشد الجوارح خطراً على الإنسان ، فإن استقام استقامت سائر جوارحه، وصلحت بقية أعماله، وإذا مال اللسان مَاَلت سائر جوارحه وفسدت بقية أعماله”
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)
فاللسان إما أن يكون مصدر سعادة لصاحبه، وإما نقمة عليه، فإن سَخَّره في طاعة الله كان سعادة له في الدنيا والآخرة، وإن أطلقه فيما لا يرضي الله -تعالى- كان حَسْرة عليه في الدنيا والآخرة.
ثالثا: الاستقامة في العمل: والاستقامة في العمل تعني عبادة الله بما شرع من عبادات وأداء الفروض وتحقيق الأركان والتقرب إلى الله بالنوافل والطاعات والبعد عن المنهيات التي نهى الله عنها .
الاستقامة في العمل لا تعني في الإسلام مجرد القيام بالعمل بل تعني أيضا اتقان العمل وتجويده وتقديمه في أحسن صورة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ . فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ – ثَلاثاً – فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ , فَعَلِّمْنِي , فَقَالَ : إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ , ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ , ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً , ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً , ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً . وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا
هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل كيف يصلي وكيف يحسِّن صلاته ويجوِّدها.وفي الحديث رسالة إلى من يصلون مثل صلاة هذا الرجل فيسرعون في صلاتهم كأنهم يريدون التخلص من عبء يثقل كواهلهم. مساكين هؤلاء لم يطمئنوا في صلاتهم ولم يستشعروا حلاوة المناجاة والوقوف بين يدي الله. أما والله لو فعلوا لما أرداو الخروج من الصلاة أبدا ولأطالوا الوقوف بين يدي الله عز وجل .
ولقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإتقان العمل مهما كان هذا العمل فقال: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ). والاستدلال هنا في الحديث أنَّ على العبدِ المسلم إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ الحيوانات، فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى.
إن المسلم شعاره في كل عمل يقوم به سواء كان هذا العمل عملا دنيويا من أمور المعاش أو عملا من أعمال العبادة المحضة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)
ولأهمية الاستقامة في حياة المسلم جاء الأمر بالاستقامة في القرآن صريحا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.
يقول الله عز وجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) سورة هود.
وقد وعد الله أهل الاستقامة بالأجر العظيم والثواب الجزيل نظير صبرهم ولزومهم منهج الاستقامة وعدم الانحراف عنه مهما كانت المغريات ومهما كانت العوائق والعراقيل.
يقول لله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32))
آمنوا بالله الواحد الأحد ثم استقاموا ..
استقاموا في عقيدتهم فلم يشركوا بالله أحدا ولم يلتفتوا إلى إله غيره من تلك الآلهة الزائفة.
واستقاموا بأقوالهم وألسنتهم..
واستقاموا في أعمالهم فأدوا الفرائض وعملوا بالأركان ولم ينقصوا منها شيئا
واستقاموا بتركهم ما نهى الله عنه من الفواحش والقبائح.
واستقاموا بقيامهم بواجبهم في الدعوة إلى هذا الدين وتبصير الناس بمبادي هذا الدين ومحاسنه والأخذ بأيدي من ضلوا الطريق وإعادتهم إلى صراط الله المستقيم.
هؤلاء لا يخافون ولا يحزنون وتتنزل عليهم الملائكة عند الموت لتبشرهم بالجنة والثواب العظيم وأنا ما هم قادمون عليه من أمر الآخرة خير لهم وأبقى من الدنيا الفانية التي تركوها وأن الله قد أعد لهم جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر جزاء استقامتهم على منهج الله في الدنيا.
نسأل الله عز وجل أن نكون من أهل الاستقامة وأن نكون ممن تبشرهم الملائكة عند الممات (أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
جهلان إسماعيل
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin