..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Empty كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 22:36

    إحسان الإحسان - 17 -
    جناية المصطلحات

    يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:

    [بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾. اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر.]
    [إن كانت عقبَات الصمم عن سماع النداء الموجه للفطرة، وعقبات الكبرياء المانعة من الأخذ عن الأكابر، وعقبات البعد عن عهد النبوة والصحابة، وعقبات الدنيا والشهوات المانعة من التوبة واليقظة، وعقبات الانغماس والانطماس عن طلب المعالي حواجزَ شاهقة وسدودا غَالقة عن الاقتحام فإن من أهم العقبات وجود آراء مسبقة عن شيء يسمى التصوف، يتحدث جهابذة علمائه عن "سبيل الدين الغامض"، وعن المعرفة واللحظ، وعن ميلاد القلوب، وعن ضرورة الشيخ، ويستعملون مصطلحات محدثة. وعندي وعند المسلمين أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.]:

    يشير الكاتب هنا، إلى حال كثير من المسلمين إزاء التصوف عموما، وإزاء مصطلحاته التي يبدو أنها مستحدثة في الدين. وهذا يكون لأهل مرتبة الإسلام، الذين لا يعقلون من الدين إلا إياها، مع ظنهم أن لا مرتبة وراءها. وهذا الغلط قد وقع فيه علماء الدين قبل العوام؛ واستمر الغلط في الأمة قرونا متتالية، صار يُنظر معه إلى الدين نظرة غير مطابقة لما هو عليه في أصله. ومن يزعم أنه يعلم من الدين أصلا، حتى يتكلم عنه! وإنما هي مقاربات يأنس إليها الناس، ويتقوى ترجيحهم لها بحسب المذهب الذي هم عليه في بلدانهم، وبحسب آراء العلماء الذين يتبعونهم.

    وبما أن التصوف استكشاف للدين بالسير عبر المراتب والمقامات، فإنه سيبقى خارج إحاطة أصحاب علم اللسان، وسيُنظر إليه من طرف من لا سلوك لهم (وهم الأغلبية) على أنه شيء مخالف للدين المعلوم. ولو أن الناس (وفي مقدمهم العلماء) كانوا يعلمون منطق الدين، لعلموا أن التصوف هو التدين حقيقة، لا ما هم عليه. ذلك لأن غير السالك سيبقى دائما في أدنى مراتب التدين، مع ما يكتنف ذلك من ضعف إيماني وشبهات تعرض للمرء بين الحين والآخر، قد لا يجد من علمه أو من علم من يقتدي بهم، مخرجا له منها طول عمره.

    وإن من يشير الكاتب إليهم بتبديعهم للتصوف، لا يكلمنا عن النار المطلعة منهم على أفئدتهم، والتي قد تصل بهم أحيانا إلى الشك في الدين من أصله. ومن كان يريد تجنب النار الأخروية، فإن عليه أولا أن يخرج من ناره الدنيوية؛ فهي أقرب إليه وأشد إحراقا في راهن وقته. أما من كان غليظ القلب، لا خبر له عن المواجيد الباطنية من الوهابية وأضرابهم، ممن لا شعور لهم ولا تمييز، فإنهم سيرون حتما في التصوف ابتداعا، يخالف حالهم بالكلية. وهؤلاء، إن تُجووِز عنهم من قِبل العالِمين ترفعا، فإنهم لا يمكن أن يُلتفت إلى أقوالهم البتة عند وزنها بميزان العلم. ومن يفعل ذلك من الناس، فإنما يبرهن على أنه منهم، إن لم يكن أسوأ حالا وأحط مرتبة.

    ولقد سمعنا من بعض المعاصرين، ما يدل عندنا على قرب حاله من الكافرين، وهذه أحط منزلة للمسلمين، والناس يحسبونه مجددا ومن كبار علماء الزمان. ولولا أننا لا نريد هتك ستره -مع دلالتنا على عدم إصابته في بعض أقواله- لفضحناه على رؤوس الملأ، وبيّنا أنه ما زال شاكا في الدين!... فأمثال هذا، كان ينبغي أن يتستروا وأن لا يتقدموا الصفوف.

    [فما هي هذه الشجرة التي تزْعمون أنكم شممتم أزهارها وقطفتم ثمارها؟ من غرسها، وبم سقاها، ومن تعهدها حتى وَرِفَتْ ظلالها، وامتدت، وفاء إليها أكابر العلماء يجثون على الركب أمام الشيخ العارف يسلسون له القياد. وقام طائفة من أهل العلم يصرخون ويستصرخون، وينقدون ويؤلفون في "تلبيس إبليس"؟ دين الله واضح، وها هو الكتاب وها هي السنة.]:

    يعرض الكاتب هنا مرتكزات منتقدي التصوف، ويأتي بكتاب ابن الجوزي الذي هو من فقهاء الحنابلة في القرن السادس، نموذجا ماثلا. ولقد كان انتقاد ابن الجوزي للتصوف، من باب "من جهل شيئا عاداه"، أو من باب انتقاد الجهلة من متصوفة زمانه أحيانا، كما فعل غيره من أزمنة أخرى. ولا بد أن نذكر هنا لطيفة، نجيب فيها عن سؤال: لمَ كان الانتقاد في أزمنة الانحراف أقرب إلى الصوفية من غيرهم؟ مع عدم خلو صنف من أهل الدين عما ذُكر؟... فنقول: كان ذلك، لأن التصوف هو مجال التحقق بمراتب الدين، ومجال التحقق أولى بالاعتبار من مجال الدعوى؛ وغيرة الله تكون على دينه -يدفع عنه سبحانه ما يطمس معالمه- أقوى من الغيرة على ما يدعيه الناس منه (الدين). وذلك لأن ضرر الآفة الأولى أعم، وضرر الثانية خاص، وإن توسع إلى حد شمول فرق بكاملها وفئات. لذلك لا ينبغي أن يؤخذ انتقاد الصوفية الشائع، على أنه لعلة استحقاقهم لذلك من حيث هم صوفية؛ وإنما لأن مجالهم أقل قبولا للانحراف من غيره. وهذا يشبه الجسم الأبيض، الذي يكون أشد تأثرا بالأوساخ من غيره مما هو على ألوان تقارب في أصلها السواد. ولنأخذ مثلا على ما ذكرنا: فإذا جلس شخصان، الواحد منهما يلبس لباسا أبيض والآخر يلبس لباسا أسود، على موضع به فحم، فنهض صاحب اللباس الأبيض جليّ الاتساخ، ونهض الآخر سليما بحسب ما يعطي النظر؛ فهل يدل هذا على أن الأول أشد اتساخا من الثاني، أم يدل -فقط- على أنه أكثر الرجلين عرضة لأن يُرى عليه ما يخالف صفاء لونه!...

    وإن إشارة الكاتب إلى منتقدي التصوف، بأنهم يزعمون التزام الكتاب والسنة وحدهما، هو صحيح، وهو مما يشيع بين المنتقدين في كل زمن؛ غير أن ادعاء العلم بالكتاب والسنة من كل وجه لدى المنتقدين، لا يقول به إلا أهل الاغترار من الفقهاء، الذين لا يعلمون إلا بعض ما يتعلق بظاهر العلم، وبعض ما يناسب مرتبة العوام؛ وينكرون أن يُعلّم الله عباده من لدنه، مع أن تعليم الله وارد في الكتاب والسنة ذاتهما. فيظهر هنا، أن الميزان مختل، لا ينبغي أن تُعتبر نتائجه. فعن أي كتاب وعن أي سنة يتكلمون بعد؟... يقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، ويقول: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]. وهذه المرتبة ليست مقصورة على الخضر عليه السلام، وفي العباد من هم على شاكلته دائما. ولم يكن الخضر من الأنبياء حتى يُقال إن تعليم الله مخصوص بالأنبياء وحدهم عليهم السلام؛ وإن كان يُشار إلى مرتبته ومرتبة أمثاله بنبوة التعريف، في مقابل نبوة التشريع. وعلى كل حال، فإن الكلام يطول في هذه المسألة، ونحن إنما أردنا التنبيه إلى أصلها فحسب.

    [ضع بإزاء سؤالاتك سُؤالاً أخيرا: ما حقيقة إسلامك أنت؟ وما حقيقة إيمانك؟ وضع بإزاء وجود الكتاب والسنة وجودك أنت، واشتغل بسؤالها إن طُفْتَ وأعياك التَّطواف بالكتب والخلافات. ثم تعال معي، واصبر معي. فقد جنيت لك الأطايب من شجرة طيبة إن كنت من الصادقين، وإن علمت أن أحداً من العقلاء لا يجازف بآخرته فيهرف بما لا يعرف.]:

    يستثير الكاتب انتباه القارئ إلى حقيقة الأمر، والذي هو اعتبار النفس عند النظر في الكتاب والسنة؛ بحيث يستوثق الناظر في ذلك مما يصل إليه ويقارنه بما وصل إليه الصحابة والتابعون، مما هو مذكور ببراهينه في الوحي، ليعلم أحقيقة هو على السنة أم لا. ويعد الكاتب بتسهيل هذا النظر على من يرغب في الاستزادة من العلم النافع، بما سيجمعه له من مقتطفات تجنبه عناء البحث العميق والطويل؛ خصوصا وأنه يُعلن أنه لن يغامر بآخرته، وهو يعظ غيره؛ ليطمئن السامع ويُحسن الظن به فيما سيقول. ولكن السؤال سيبقى دائما: إلى أي حد يكون علم الكاتب وعلم من يأتي بنقولهم بالكتاب والسنة؟... لأن ادعاء علم الكتاب والسنة، لا يصح على التمام إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وحتى الورثة، لا بد أن ينقص علمهم عن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأما غير هؤلاء، فهم على علم قليل بالكتاب والسنة حتما. وعلى هذا، فإن إشهار العلم بالكتاب والسنة، هكذا من غير تفصيل، لا يكون إلا من قبيل الإرهاب الديني، الذي يبغي به صغار علماء الدين استتباع العوام، من أجل المتاجرة بهم في مختلف "البورصات" الممكنة.

    [ذكر البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، وَدعوا ما يكرهون. أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟" ومن هذا الباب قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم".]:

    هذا الكلام لا خلاف عليه، لكن ينبغي اعتبار أمرين فيه الآن: الأول، أن المقصود مما ذُكر، هو عدم جواز مخاطبة العوام بعلوم الخواص، من حيث الحكم الأصلي؛ والثاني، هو أن علوم الخواص قد نشرت بين الناس، بانتشار الكتب في القرون الأخيرة، وعندما ازدهرت حركة الطباعة والنشر في العالم، بما لم يعرفه الأولون. وهذا يعني أننا في وضعية استثنائية، ينبغي علينا فيها التصدي لما قيل، بما يحد من فتنته، أو بما يوضح مشكله بالقدر المستطاع، ما دام العباد لن يستطيعوا منع أنفسهم من الفضول من جهة، ولن يستطيعوا إدراك كل ما يصلهم على وجهه (فقد شرط المقام)، من جهة أخرى.

    [وقد كانت ولا تزال أحاديث الصوفية عن مواجيدهم وما يتخذونه من مصطلحات فتنة لكثير من المسلمين. ومن الناس من يكره تلك الأحاديث لمجرد أنها تشير إلى ما لا تدركه عقولهم. وعند القوم رضي الله عنهم مما يضمره الجنان ما لا تتسع له العبارة رغم وفرة المصطلحات. قال الغزالي: "ومن أول الطريقة تبتدئ المشاهدات والمكاشفات حتى إنهم (أي الصوفية) في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى بهم الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجـات يضيق عنها نطاق النطق، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطإ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه".]:

    هذا الكلام صحيح، لكن الشأن ليس هو جعل التصوف قريبا إلى الحد الذي يقبله كل الناس؛ وهو كما أسلفنا من العلوم الخاصة، التي لا تُبث لكل الناس. وإن كل من يريد أن يجعل التصوف مُدرَكا للجميع، أو يشترط على الصوفية أن يُفهموا غيرهم ما هم عليه، فإنه يكون من الجاهلين. ولو عُمل بهذه القاعدة الفاسدة في جميع العلوم، لفسدت على أهلها، وربما انقطعت. فمن يشترط في الرياضيات -وهي علم معياري- أن يلتزم العلماء المبرزون، بما يعقله منها من ليس لهم إلا بعض إلمام بأوّليّاتها!... وأما كلام الغزالي، فهو كلام خبير، يتكلم عما عرف بنفسه، رضي الله عنه. وكل ما قاله مسلم به في الطريق، لا يختلف فيه اثنان؛ مع الإشارة إلى أن ذلك مما هو من أحوال صادقي المريدين فحسب. ولعل القارئ قد لاحظ أننا عندما نتكلم عن بعض مواجيدنا، فإننا نقصر الكلام عما مر بنا في طور إرادتنا وحده؛ وأما ما نحن الآن نعلمه بحمد الله، فلا يطيق سماعه أحد من الصوفية فضلا عن غيرهم. ويكفي أن نشير هنا إلى علم واحد مما يعزب عن الخواص، وهو علم استخراج اللؤلؤ والمرجان من بحر الظلمات. وهو علم غريب، لم نسمع أحدا تكلم فيه، وإن كنا نعلم أن له أهلا من كل زمان. وعدم الكلام فيه راجع إلى غربته في الغربة ذاتها، وانطماس معالمه لدى العقول النيّرة قبل المظلمة.

    [رويدا، رويدا! ملائكة تشاهد! أرواح! ثم لا يكفي هذا! أين بساطة الإيمان من هذه الدعوى التي لا يستسيغها مُدرك بحس ولا متخيل بحدس؟!]:

    كما ذكرنا آنفا، فالصوفية ليسوا مطالبين بالتنزل لغيرهم؛ وإنما الغير -إن وجدوا من أنفسهم مقدرة- هم من عليهم الترقي إلى مصافّهم. وهذه الطريقة في تناول المسائل من طرف الكاتب، والتي توهم بما يمكن أن نسميه "ديمقراطية علمية" ومساواة متوهمة، ليست إلا من التلبيسات التي يراد من ورائها التشكيك في أصالة علم التصوف فحسب. ولعل الكاتب يتودد بهذا، إلى ضعاف الإيمان والعقل، ليُشعرهم أنه معتن بهم، وأنه سيجد لهم مخرجا يطالعون به المستويات العليا من العلوم. ولقد أثمرت هذه الطريقة في التوجيه لدى أصحابه، حسن ظن بأنفسهم، وجرأة على الكلام في مجاهيل العلوم، لاطمئنانهم إلى كونهم لا بد وأن يبلغوا منها شيئا، بما أنهم قد درّبوا على هذا الصنف من "الاقتحام" العلمي، الذي لن يُنبئ إلا عن سوء حال المعلّم والمتعلّم...

    وأما مشاهدة الملائكة وأرواح الأنبياء والأولياء، فإنه من الأمور الشائعة لدى جملة من تلاميذنا. لو أخبروا بما يشاهدون، لما صدقهم الخواص كما سبق أن أشرنا. كل هذا، ليدلنا الله المعلّم الحق، أن الطريق واحد، لا يختلف فيه لاحق عن سابق.

    [السلف الصالح لم يستعملوا الألفاظ الـمـُغْرِبة وإن كان ورد عن عمران بن حصين الصحابي رضي الله عنه أنهُ كانت تصافحه الملائكة حتى اكتوى فاحتجبت عنه.]:

    التحدث بالمواجيد ليس إغرابا، وإنما المخلَّفون من أهل العلم والعبادة، هم من لا يريدون أن يُقرّوا بفضل لأحد عليهم، بعد إيقانهم أنهم ليسوا من أهل الفضل. وما هذا إلا نتيجة الحسد، الذي ينهى الله عباده عنه. يقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]. وإن كانت الآية قد وردت في أهل الكتاب، فإن صفتهم قد تعدت إلى الفقهاء، ليُصبحوا "أهل الكتاب" من الأمة الإسلامية. أهل كتاب: لكونهم يزعمون أنهم أعلم الناس به، مع عدم تحققهم بذلك؛ وأهل كتاب: لأنهم يجمدون على ما لُقِّنوا من جهة التقليد، مع رفضهم لما يُخالفه إن هو صدر ممن يأخذون علمهم عن ربهم في الوقت. فالصورة مطابقة للصورة، وإن كان هؤلاء مسلمين وأولئك كافرين... وهنا ينبغي أن نشير إلى لطيفة ينبغي أن يتنبه إليها كل مؤمن، وهي أن كل حال من أحوال أهل الكفر وأهل الإيمان، مما جاء به القرآن، له نظير في كل زمن من أمتنا خاصة. لذلك، فإنه لا بد من قوم مسلمين، يكونون على صفة أهل الكتاب. ولقد ذكرنا بعض ما ورد في هذه الفئة ضمن كتابنا "التجديد الصوفي". والسبب فيما نقول، هو أن حكاية حال بني إسرائيل، أو أي قوم ممن سبقونا، في القرآن الكريم، لها وجهان: الأول، هو ما يتعلق بأصحابها المذكورين بالاسم؛ والثاني، هو ما يعنينا منها في أنفسنا، بصفتنا من أهل القرآن؛ وإلا كانت حكاية الله لِما كان عليه العباد من أهل الأمم السابقة، سردا تاريخيا؛ بل عبثا محضا. تعالى الله عن ذلك كله!...

    [إن اصطلاحات القوم ككل الاصطلاحات المحدثة في الإسلام أشياء محددة بالمكان، موسومة بالزمان، أملاها الاضطرار.]:

    هذا الكلام فيه نظر، لأن من الاصطلاحات مما صار شائعا بين الناس، وله مدلوله الذي لا يتبدل. ولولا هذا الاستمرار في الاستعمال والمواصلة، لما تقدم علم من العلوم التراكمية. فهل يريد منا الكاتب، إلغاء كل ما صار يدخل في هذا الصنف، من العلوم؟... ثم إن المصطلحات ما هي إلا علامات على معان مخصوصة، والعبرة بالمعاني لا بالمصطلح. وإن كان المعنى مما هو علم، فلا أثر للمصطلح فيه إلا الدلالة. ونعني من هذا أن العلم لم يكن ناقصا قبل ظهور المصطلحات، ولا هو زاد بظهورها؛ وإنما الأمر بين إجمال وتفصيل كما ذكرنا مرة. والاضطرار الذي يشير إليه الكاتب، هو بسبب التفصيل المقتضي لمصطلحات مواكبة فحسب؛ وإلا فإننا سندخل في فوضى معرفية، تشبه ما يؤسسه الدجاليون في آخر الزمان، ليقطعوا الناس عن الحق وطريقه قطعا تاما.

    [قال الأستاذ القشيري: "السلف الصالح لم يسْتعملوا هذه الألفاظ. لم يكن في معارفهم خلل. والخلَف الذين استعملوا هذه الألفاظ لم يكن ذلك منهم لطريق الحق مُبايَنةً، ولا في الدين بدعة. كما أن المتأخرين من الفقهاء عن زمان الصحابة والتابعين اسْتعملوا ألفاظ الفقهاء من لفظ "العلة" و"المعلول" و"القياس" وغيره. ثم لم يكن استعمالهم لذلك بدعة ولا خُلُوُّ السلف عن ذلك كان لهم نقصا. وكذلك شأن النحويين والتصريفيين ونَقَلَةُ الأخبار، في ألفاظ تَخْتص كل طائفة منهم بها"]:

    كلام القشيري متجاوز اليوم، لأن القرون قد جعلت منطق تطور العلوم مُدرَكا للخاص والعام. ولقد سبق لنا أن تكلمنا عن الإجمال والتفصيل في العلم، وهو ما يعني أن التفصيل هو الإجمال عينه لكن باعتبار آخر فحسب. وتفصيل المجمل، لا نهاية له أبدا، ما دام العلم ذاته لا نهاية له. وقياس التصوف على الفقه بأنواعه، أو على علوم اللغة، لا يليق بمكانته؛ وهو ما كان ينبغي أن يكون المقيس عليه، لو بقي الناس على التديّن الصحيح... ونعني من هذا أن قياس ما هو من تحقيق التدين على العلوم الجامدة كالفقه، هو من أثر النزول إلى التقليد بدل السلوك. وهذا أمر نتفهمه، ولا نقرّه.

    [قال هذا الأستاذ القشيري، وهو من أئمة الفقهاء والمتكلمين والصوفية، جمع الله فيه خيرا كثيرا، في رسالة له يدافع فيها عن العقيدة الأشعرية، وعن مصطلحات المتكلمين.]:

    القشيري رضي الله عنه، كان من المتقنين؛ لكنه لم يُجاوز مرتبة عوام الطريق. وكون المرء فقيها متكلما صوفيا، لا يدل إلا على ما ذكرنا؛ لأن الكبار وإن كانت لهم الإمامة في كل هذه العلوم، فإنهم لا يُعرفون إلا بالتصوف. فليُتأمّل هذا!... وطبقة القشيري من علماء الدين، قد نفعت كثيرا عموم الأمة، بسبب قرب مداركها من العامة الذين يقلدونهم. ونعني مرة أخرى من كلامنا، أن خواص الخواص يكون العلم في حقهم واحدا لا يتعدد، بسبب كونهم قائمين على مفترقه. فلهم رأي في الفقه وفي الكلام وفي التصوف، قد يخالف المشهور. بل إن لهم في كل وقت علما، حتى إذا سئل الواحد منهم عن مسألة في وقتين أجاب بجوابين، لا بجواب واحد. وهذا ليس إلا لهم رضي الله عنهم. وفي هذا المعنى قال قائلهم (ولعله البسطامي رضي الله عنه): "ليس العلم ما إذا ما نسيته صرت جاهلا، وإنما هو ما تأخذه عن الله متى شئت.".

    [ومن العلماء الأكابر من يشفق على قارئ أخبار الصوفية أن يسيء فهمهم فيقرب ويُسدد. قال ابن القيم بعد أن تناول مبحثا دقيقا من مباحث شيخ الإسلام الهروي: "وكَسَوْتُهُ أحسن عبارة لئلا يُتَعدى عليهم بسوء التعبير الموجب للتنفير".]:

    لم يُكلَّف ابن القيم الكلامَ في التصوف وهو يجهله؛ وإن أفضل ما كان سينال التصوف منه (ومن شيخه)، أن يُهمله لا أن يكسو بعضه بكسوته. ولولا الاغترار الزائد، ما سمح هؤلاء لأنفسهم بالكلام فيما لا يعلمون، لا لشيء إلا لأنهم من علماء الدين بحسب أدنى مراتبه!... وجعل الكاتب للتصوف في موضع التهمة، لم يكن لائقا، إن هو كان على علم به. والحقيقة هي أنه لم يكن يتجاوز كثيرا ما هم عليه العامة من أهل التصديق!...

    [ومنهم من يشرح ويُقارن. قال الإمام السيوطي: "واعلم أن دقائق علم التصوف لو عُرضت معانيها على الفقهاء بالعبارة التي ألفوها في علومهم لاستحسنوها كل الاستحسان، وكانوا أول قائل بها. وإنما ينفرهم منها إيرادها بعبارة مستغربة لم يألفوها".]:

    كلام السيوطي رحمه الله، يعيدنا إلى ما كنا قد ذكرناه عن جدلية اللفظ والمعنى؛ ويجعلنا نستبين سبب إنكار الفقهاء لما يجهلون، وهو أنهم لا يصلون إلى المعنى إلا من الألفاظ؛ بخلاف أهل الله الذين أعطاهم الله أن يعلموا المعنى من غير لفظ. وهذا من أشد ما يمتنع إدراكه عن العقول!... ولقد حدث معنا نحن كثيرا -ونحن من لم نشتغل بالعلوم الكسبية- أن كنا نُدرك المعاني فنعبر عنها للمتخصصين، فكانوا يُعلموننا بالألفاظ الموضوعة لها في علومهم. فكنا نستفيد منهم المصطلح، بعد إدراكنا للمعنى لا قبله. ولقد نلنا من هذا الوجه بعض علوم المتكلمين وعلوم الأصوليين والفلاسفة؛ فلله الحمد والمنة. ثم إن هناك من العلوم ما لا يُدرك للفقهاء، وإن بُسطت لهم عبارتها، لكونها من مرتبة أعلى. وغياب هذا المعنى عن السيوطي، يدل على أن الجهل بالمراتب متأصل لدى علماء الدين من قديم. وهنا نكتة؛ وهي أن بعض العلماء العاملين كانوا يذوقون الترقي ولو جزئيا، لكنهم لم يكونوا يميّزون المرتبة التي هم فيها، بسبب ظنهم أنهم في مرتبة واحدة، تتغير فيها الأحوال على العبد، ولا تتغير هي. وفي الغالب يكون عدم التمييز هذا لمن لم يكمل سلوكه، وبقي بين المرتبة المشتركة والتي فوقها. وأما الواصل، فإنه في الغالب يميز المراتب، بسبب بعده عنها بالوصول، ونظره إليها نظرة إجمالية شاملة، كما ينظر المشرف من علٍ إلى ما أسفل منه. وهذا الذي نقوله هنا، لم نعثر على من أبرزه على ما يليق به من الماضين، كأبي عبد الله الساحلي الأندلسي، في كتابه "بغية السالك في أشرف المسالك".
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Empty رد: كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 22:38


    [وبعد فما هو التصوف، وكلمة "تصوف" هي رأس قائمة المصطلحات؟ وما علاقة التصوف، وهو لفظ محدث، بالإحسان وهو لفظ قرآني نبوي، وبالتزكية والتطهر؟]:

    جعْل التصوف مرادفا للإحسان، هو أمر شائع لدى المتصوفة، وهو إطلاق غير دقيق؛ لأن التصوف يعني التحقق بالدين في جميع مراتبه، لا في مرتبة مخصوصة. وقد غلب هذا المعنى، لأن أهل القرون الأولى -وهم مِن أول مَن حصل لهم ذوق المراتب- كانوا يأتون الشيوخ من أجل التحقق بالإحسان، بعد أن يكونوا قد أكملوا الإسلام والإيمان وحدهم. وقد غاب هذا المعنى عن الكاتب، لذلك أراد أن يتكلم عن الإحسان، وهو في الحقيقة يقصد الإيمان. والتزكية (والتطهير) هي مُصاحِبة للسالك حيث كان، ولا تطلق على معنى واحد، كما قد يُفهم من اللغة وحدها.

    [اعلم يا أخي أولا أنني أزهد الناس في المصطلح إن سلمت لنا مطويات القلوب ومكنونات اللبوب. واعلم ثانيا أن هؤلاء الذين تسموا في التاريخ صوفية أشكال وألوان وأصناف، منهم الصادقون ومنهم دون ذلك. واعلم أخيرا أنني لا أبغي بغير الصحابة المجاهدين المهاجرين إلى الله ورسوله الناصرين بديلا.]:

    أما زهد الكاتب في مصطلح التصوف، فإننا نوافقه عليه؛ لأن المقصود لدينا المسمى لا الاسم. ومسمى التصوف، ينطبق على الدين كله بجميع مراتبه كما ذكرنا في الفقرة الماضية. ولهذا فمن وجدناه معتنيا بالدين، مُدركا لمعنى الترقي فيه، وعالما بالمراتب وخصوصيتها، فإننا نقبل منه كلامه ولا نُلزمه استعمال مصطلحات بعينها. لكن من يروم تجاوز الأسماء، وهو لا علم له بما ذكرنا، فلن يكون إلا جاهلا من جملة الجاهلين. وأما ذكر الكاتب أن الصوفية أنواع، فإننا نوافقه عليه، بشرط اختزال الأنواع في نوعين حصرا، وهما: الصوفية والمتصوفة. والفرق بينهما هو أن الصوفية أُصلاء في تدينهم، والمتصوفة متشبهة وأصحاب رسوم. ولعل الكاتب كان يعني ضمن الأنواع، الطبقات. وهذا أدعى لأن يُلتفت إليه ويُعرف؛ حتى يميز صوفية الذروة من صوفية البداية والوسط. والذروة هي للوارثين من غير شك، بينما البداية كانت في العصور الأولى من مرتبة الإيمان، وكان الوسط للإحسان. وأما في زماننا فبداية التصوف من الإسلام، ووسطه الإيمان، وأعلاه الإحسان. وتبقى مرتبة الوراثة خارج التصنيف. هذا هو جماع الحق في المسألة.

    وأما ذكر الكاتب أنه لا يبغي بغير الصحابة بديلا، ففيه نظر؛ لأنه أولا يأخذ الصحابة وكأنهم طبقة واحدة؛ وثانيا، حتى علمه بأحوال الصحابة، لا يمكن أن يكون تاما، إلا إن كان من جهة الكشف الأكبر؛ وهو لم يدلّ عليه. ومن تأمل حال الصحابة المرضيين، فإنه سيجدهم على مراتب الدين المعلومة كلها، وسيجد الوراثة من نصيب كبارهم فحسب. وبما أن الكاتب لم يعرب عما ذكرنا من تفاوت بين الصحابة، فإن ذلك يدل منه على أنه من العوام، ويتصور الصحابة طبقة واحدة. وأما ذكر الجهاد هنا فهو من التدليس المعتاد لديه، والذي يأخذ اللفظ على غير معناه الأصلي، والذي يوافق معنى "الخروج" الذي كانت الخوارج يرون أنفسهم به مجاهدين!...

    [أما الصوفية فقال عنهم واحد من فرسان العلماء وجهابذتهم ابن تيمية رحمه الله:]:

    انقلب الكاتب على أم رأسه، لأن ابن تيمية غير مؤهل لإبداء رأيه في الصوفية، وهم أعلى منه مرتبة وأعدل منه طريقا من غير أدنى شك!... وأما رأي متأخري الحنابلة من المتسلفة، فلا يُعتبر هنا، ولا يُعد قولا في العلم.

    ["طائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا إنهم مبتدعون خارجون عن السنة (...). وطائفة غَلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء. وكِلا طرفي هذه الأمور ذميم.]:

    الكلام المنقول لابن تيمية؛ وتقسيمه فيه عقلي محض، يحكم فيه من خلال استقرائه للألفاظ بحسب وسعه، وعلى ما تعطيه مرتبة الفقيه من مرتبة الإسلام، والذي يجهل أن فوقه مراتب أعلى، يظنها هو مجاورة. وأما من ذم الصوفية بإطلاق، فلا شك أنه لا يعبر بذلك إلا عن جهله وبلادته؛ لأن فضلهم قد أدركه الكافرون أنفسهم، ومازوهم عن سواهم من علماء الدين، من ذوي الجفاف الإيماني والجمود العقلي. وأما من ادعى أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام، فلا شك أنه مصيب؛ لأنهم يكونون إما من الورثة، وهؤلاء لهم نبوة التعريف من دون تشريع؛ وإما من أهل الإحسان الذي هو أعلى مرتبة في الدين. وأما عدم اعتبارنا الوراثة مرتبة دينية، فلأنها تحقق بالحق لا بالدين فحسب. فهي مرتبة مواجهة لا مرتبة توجه؛ وإن كان الوارث لا يخلو من توجه إلى الحق ومن تدين؛ لكن ضبط التقسيم يتطلب منا حصر النظر فيما يقع به التمايز، لا فيما هو مشترك. وعلى هذا، فلا قيمة لكلام ابن تيمية في العلم البتة؛ وإن جهد التيميون في نسبته إلى كل فضل!...

    [والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله. ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده. وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين.]:

    هذا الكلام لابن تيمية، جهل محض. وذلك لأن الصوفية ليسوا أهل طاعة، كما يفهم ابن تيمية من الطاعة؛ لأنهم أهل إرادة لوجه الله قبل كل شيء. وهذا المعنى لا يعلم منه ابن تيمية شيئا... فهو لا يعلم من الطاعة إلا ظاهرها، مما يوافق مرتبته (مرتبة الإسلام). وليس السابق لدى ابن تيمية هو المحسن، كما يقتضي علم المراتب؛ وإنما هو من يأتي بالنوافل ظاهرا وبالمستحبات. وهذا الصنف عندنا، لا يُجاوز مرتبة الإسلام، وإن أمضى في الطاعة ليله ونهاره على التمام؛ بل لو أمضى فيها عمره كله!... وليس المقتصد عند ابن تيمية إلا من لا يُكثر من الطاعات البدنية. هذا فقط!... وهو بهذا التقسيم، يجعل مرتبة الإسلام مساوية لدين الإسلام، ويُلغي مرتبة الإيمان ومرتبة الإحسان، من الناحيتين العلمية والعملية. وأما الوراثة التي هي من توابع النبوة، فلا شك هو لا يعلم منها إلا ما يعطيه اللفظ، وما يقع على التعميم الذي يكون لجميع العلماء حظ منه. وهذا الذي نذكره هنا، هو ملخص كل أمر ابن تيمية، ومختصر كل بدعته وضلالته، لمن أراد أن يعلم مكانته. ومن ميّز ما قدمنا، فإنه سيخرج من أسر ابن تيمية وأمثاله، إن كان من المخدوعين بعباراته الموهمة باستقامته وإخلاصه. ولقد وقع الكاتب في حبال ابن تيمية، حتى لم يعد يستطيع منها فكاكا، بحسب ما نرى. فرغم تحليقه في سماء المراتب قليلا، إلا أنه لا يلبث أن يهوي على ابن تيمية من قوة جذبه له. ولقد كنت عندما يُذكر اسم ابن تيمية أمام سيدي ابن الطاهر، أسمعه يُزري به ويحذر منه؛ حتى قال لي مرة، لو كنت أحسن التعبير (وهو الأمي رضي الله عنه) لتكفلت بالرد عليه وحدي!... يقول هذا، لأنه كان على التوحيد الخاص، الذي لم يشم له التيميون رائحة...

    [وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيُخطئ، وفيهم من يذنبُ فيتوب أو لا يتوب. ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه.]:

    هذا الكلام من ابن تيمية يشبه كلام الأكمه في وصف الألوان؛ وهو يؤكد كل ما ذكرناه عنه في الفقرة السابقة. وأما الولاية التي تتحقق للصوفية من مرتبة الوراثة، فإنها لا تخلو من معنى للعصمة كما يعلمها خواص الشيعة (نفرّ من كلام عوامهم لأنهم يغلطون حتى عند إرادتهم التعظيم). بل إن هذه العصمة، هي قطب الولاية كلها، الذي تدور عليه. ومن غيرها فلا معنى للولاية، إلا ما هو من المعنى العام الذي يشمل كل المؤمنين. ولا يمنعنا من بسط الكلام في عصمة الأولياء (وهي ما يسمونه حفظا فرارا من الفتنة)، إلا طغيان التكذيب على الناس في الأزمنة المتأخرة، بسبب الاكتفاء بأدنى مرتبة الإسلام وحده. ونحن حريصون على عدم التسبب في مزيد جهالةٍ لدى الناس، أو في إكثارٍ لهم من إثم. فأين هذا الذي نشير إليه، من "علم" ابن تيمية الذي لا يُجاوز فيه المعصية والتوبة بالمعنى العام!... هيهات هيهات!...

    [(...) فهذا أصل التصوف. ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع، وصارت الصوفية ثلاثة أصناف: صوفية الحقائق، وصوفية الأرزاق، وصوفية الرسم".]:

    قد ذكرنا سابقا أن التفريق بين تصوف الصوفية وتصوف المتصوفة هو أول ما ينبغي الاعتناء به. وأما من يسميهم ابن تيمية صوفية الحقائق، فأدنى مرتبة لهم، هي أعلى الإحسان. وهؤلاء، بسبب بعد غورهم، وخروجهم عن إحاطة ابن تيمية وأشباهه، فإنه يُنكر عليهم إنكارا شديدا، يبلغ به حد تكفيرهم. وهو بتكفيرهم، لا يغامر إلا بنفسه، وقد توعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن التكفير يبوء به أحد الرجلين، فإن لم يكن المكفَّر فهو المـُكفِّر. يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ! فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا!»[1].

    [يعني شيخ الإسلام بصوفية الحقائق صوفية السلوك والأذواق والكشف والفتح والكرامات على درجات.]:

    يغلط الكاتب في تفسير المعنى الذي يقصده ابن تيمية من صوفية الحقائق، عندما يجاريه في جهله. ذلك لأن السلوك والأذواق والكشف تتعلق بالتصوف من بدايته إلى نهايته؛ ويبقى المتحققون خارج التصنيف كما ذكرنا من قبل. وسبب الغلط من ابن تيمية والكاتب معا، هو عدم إدراك معنى التحقق على حقيقته، وعدم إلمامٍ بمعنى الولاية الخاصة، التي يقول الله تعالى فيها: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]. ولقد فهم العامة من العلماء هذه الآيات، على ما تعطيه الأولى والثانية وحدهما؛ وكأن الثالثة غير موجودة. بينما علامة الولاية الخاصة، هي البشرى الحاصلة للولي، بمجرد دخوله في الولاية، لا عند الموت كما يقول أهل التفسير.

    وأما الكشف فقد يحصل للمريد من مرتبة الإسلام، بشروط مخصوصة، وإن كان لا يتعلق بالعلوم هنا إلا نادرا. وأما الفتح فهو الكشف نفسه، لكن أهل الطريق يعبرون به، عن مطلقه الذي هو العلم اللدني، الذي تكلم عنه البسطامي في فقرة سابقة. وأما الكرامات، فهي المؤيدات الحسية؛ وهي قد تكون لكل من شاء الله أن يُظهر عليه فضله. واعتبار المراتب لا بد منه فيها، إن كان الناظر يبغي الدقة والتحقيق.

    [ويعني بصوفية الأرزاق أقواما حبسوا أنفسهم في الخانقات والزوايا تجري عليهم الجرايات والأرْفاقات والصدقات. ويعني بصوفية الرسم المتشَبّهون والمتبركون والمنتسبون باللباس والآداب والزي. صنف رابع لم يذكرهم الشيخ هم صنف التصوف الفلسفي يحملون الاسم زورا وبهتانا.]:

    أما صوفية الأرزاق، فلعل أصلهم عناية الزوايا بما يسمى اليوم "الأعمال الاجتماعية" قديما؛ حيث كان يأوي إليها من لا عائل لهم ولا معلوم (رزق). وهذا أمر لم يكن ليعيبها، ولا كان أحد أولى بالصوفية من سد ذلك المسدّ، وهم من عرف لهم الإيثار وسعة الاحتمال؛ ولكن لعل الأمر صار ينحرف شيئا فشيئا، إلى أن عادت معه بعض الزوايا مأوى للبطالين والكسالى.

    وأما من يقصدهم بصوفية الرسم، فهم أهل التبرك كما أخبر الكاتب؛ غير أن ضرر هؤلاء سيعم عند انتشار الجهل بالتصوف الحق، ليعود المتشبهون في مجتمعاتهم المرجع في مجالهم، وهم أبعد الناس عنه. يُضاف إلى ذلك ارتكاز الدول في مختلف الأزمنة على هؤلاء المتصوفة الذين سيقبلون بسهولة بيع خدماتهم لمن يدفع، من دون اعتبار لدين أو لمسلمين. ولقد بلغ أمر هؤلاء في زماننا، أن صاروا أعوانا لأمريكا وللنظام الدجالي. وأخوف ما نخاف، أن تسقط في براثنهم زوايا كانت إلى عهد قريب على الصراط المستقيم.

    وأما الصنف الرابع الذي أضافه الكاتب، والذي سماه "التصوف الفلسفي"، فإننا قد تكلمنا عنه سابقا، وأوضحنا أن استعمال المصطلحات الفلسفية، لا يعني أن أولئك الصوفية تفلسفوا؛ وإنما هم استعاروا المصطلحات ليدلوا على علوم علوية، لا يرقى إلى إدراكها إلا قليل من الناس. وبما أن الكاتب يجهل تلك العلوم، فإنه كان ينبغي أن يسكت، لا أن يحكم وهو دون من يتكلم عنهم بمسافات!... ولقد استمعت إلى أحد المراجع الشيعية يتكلم في المعارف من جهة النظر، فعجبت كيف أنه يُدرك الفرق بين الطريقين، ومع ذلك هو يواصل العمل على ما هو عليه؛ لكنه على كل حال أفضل بكثير من علماء أهل السنة في إدراك الأمر.

    [وصنف خامس لم يذكرهم الشيخ ولعلهم كانوا لا يوجدون في زمانه ومكانه واهتمامه. وهم صوفية الرباط، المجاهدون في ثغور المسلمين.]:

    الكاتب يخلط هنا بين صنفين من الناس: صنف نذروا أنفسهم للجهاد، فكانوا يقيمون على حدود الدولة الإسلامية (بحسب المرحلة التاريخية)، يحمونها من العدوان الخارجي؛ وهم المرابطون من الجنود. وصنف هم صوفية حقا، كانوا يجيبون داعي الجهاد في وقته، كما يفعل سائر المسلمين. لكن امتياز الصوفية عن غيرهم في السلم، جعلهم يمتازون أيضا في الحرب، بسبب خصوصية علومهم ومعاملاتهم؛ حتى ظنهم من لا علم له متفرغين للجهاد. ولقد انتقل مصطلح الرباط، لدى الصوفية من معناه العسكري، إلى معناه المرادف للزاوية أو الخانقاه. وهذا مما تنبغي معرفته حتى لا ينحرف بالمرء اللفظ إلى ما يخالف الواقع.

    [بالجملة ما حكم العلماء على الصوفية الصادقين؟ قرأنا في الفصل الأول من هذا الكتاب شهادات تمشي على رجلين، هي شهادات فطاحل العلماء الساعين بخضوع للجلوس بين يدي العارف الرباني. ونقرأ هنا شهادة مكتوبة. قال ابن القيم رحمه الله: "فَنبأ القوم عجيب، وأمرهم خفي إلا على من له مشاركة مع القوم، فإنه يطلع من حالهم على ما يريه إياه القَدْر المشترك". لا شك أن الشيخ يعني نفسه هنا، يشارك القوم (الصوفية) في مشاربهم القلبية ويَنْفَرِدُ عنهم بالمشاركة الواسعة في علوم الظاهر. والقدْرُ المشترك بينه وبينهم عَلّمَه أن: "جملة أمرهم أنهم قوم قد امتلأت قلوبهم من معرفة الله، وغُمِرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته. فسرت المحبة في أجزائهم، فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب. قد أنساهم حبه ذكر غيره. وأوحشهم أنسهم به ممن سواه. قد فَنُوا بحبه عن حب من سواه، وبذكره عن ذكر من سواه، وبخوفه ورجائه والرغبة إليه والرهبة منه والتوكل عليه والإنابة إليه والسكون إليه والتّذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره".]:

    لا ندري لمَ يسمح الناس لأنفسهم بالحكم على الصوفية والعمل على تبرئتهم وكأنهم على شبهة!... ولعل تواضع الصوفية وهضم نفوسهم، قد جرّأ عليهم السفيه والحليم!...

    أما صاحبنا، فلا يلبث أن يعود إلى تنكيسه، ويأتي بابن القيم شاهدا، ويزعم له -كما زعم هو لنفسه- مشاركة لهم فيما هم عليه، مع كونه أبعد الناس عن طريقهم. وأما الألفاظ الرنانة، والتعابير الجوفاء، التي تشبه ما يكتبه أصحاب الإنشاءات عند دفعهم إلى اختبار ملكة الكتابة لديهم بتوظيف رصيدهم اللغوي، الذي قد يكون بعيدا عن واقعهم وداخلا في عالم التجريد أحيانا، فلا ينفع هنا ونحن بصدد التناول العلمي للمسائل. وكيف يتكلم ابن القيم عن معرفة الله، وهو من لا قدم له فيها؟!... وكيف يغتر الكاتب بكلامه عن المعرفة، إلا أن يكون لا خبر له عنها هو أيضا!... وسنوقف القارئ على ما يدل على حكمنا في الرجلين، كلما وقعنا على ما ينفع في ذلك من كلامهما إن شاء الله...

    [أهذا غلُو في القوم يُبْديه تلميذ ابن تيمية الذي يعده المستَخِفّون عدوا لكل ما يمت للتصوف بصلة؟ كلا والله بل هي شهادة رجل واثق ذائق صادق.]:

    أما عداوة ابن القيم للتصوف فثابتة، وهي من جنس "من جهل شيئا عاداه". وأما شهادة الكاتب لابن القيم، فليست دليلا إلا على جهله بحقيقة الصوفية من جهة، وبحقيقة ابن القيم وشيخه من جهة أخرى. وهذا التلبيس الذي يقع الكاتب تحت تأثيره، سيجر عليه آفات لا قِبل له بها في الدنيا والآخرة.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري Empty رد: كتاب: إحسان الإحسان - 17 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 22:40


    [والتصوف الخُلُق. قال الكتاني أحد مشايخ الصوفية: "التصوف هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في التصوف".]:

    هذه الكلمة مشهورة، جرت على ألسن العلماء والعامة؛ ولكن متداوليها لم يفصحوا عن أي أخلاق هو الكلام؟... لأن للأخلاق مراتب، كما لغيرها. ومن كان يظن أن الأخلاق بالمعنى المدرَك للعامة، هي التصوف، فقد جهل وأبعد. وأعلى ما يكون من الأخلاق، والذي هو أعلى التصوف، هو أن يكون المتخلِّق على أخلاق الله!... وأخلاق الله منها ومنها؛ بحسب ما تدل عليه الأسماء الحسنى. فالمتكبر غير القريب، والرحيم غير المنتقم والرحمن. وعلى هذا، فإن الصوفي المتحقق، لا يكون معدودا من أهل الأخلاق، عند العوام من أمثال كاتبنا في الغالب. ولقد كانت له فسحة في الصمت، إلى أن يمن الله بحسن الفهم!... ولقد ذكرنا في جزء سابق كيف أن بعض المريدين كانوا يرون سيدي ابن الطاهر سيء الخلق، مع أنه لم يكن يقصد ببعض معاملاته إلا إبعاد العوام عنه، وإعانة لهم على مرتبتهم؛ حتى لقد سمعته أحيانا يخاطب بعضهم بقوله رحمه الله: "أنا لا أصلح لك!". كل هذا وهو يتأدب مع من يصرفه، لكي لا يذهب وهو يعتقد أنه يعني بصرفه أنه لا يصلح له. وهذا الصنف من الأخلاق، لا يتجاوز ما يكون عليه أهل الإيمان وبداية الإحسان. وهناك أخلاق أخرى تدق عن إدراك الناس، كلما علت واقتربت من النبوة. والنبوة نفسها التي يظن الناس أنهم يعلمون أخلاقها، بعيدة الغور جدا من حيث الأخلاق. ولو علم الناس حقيقة أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مرتبته، لما أطاقوا سماعها ولَفضّلوا لو أنهم بقوا على جهلهم بها. ولقد كنا نزمع على كتابة كتاب في أسرار السيرة الشريفة، فلم نفرغ له إلى الآن؛ ونرجو أن لا نخرج من هذه الدنيا حتى نكمل التفسير، وننجز هذا الكتاب بإذن الله.

    [وسئل ذو النون المصري، وهو من أكابر القوم، عن الصوفي فقال: "هو الذي لا يُتعبه طلب، ولا يزعجه سلب".]:

    أما ذو النون، فهو من أهل الله حقا، وكلامه نور لا لبس فيه. ومراده -رضي الله عنه- من كلمته هذه، هو أن الصوفي مع الله لا مع نفسه؛ لأن الطالب يكون مع مطلوبه، والسليب مع مسلوبه، وهو قد ارتفع نظره إلى من لا يغيب عند غياب الأسباب، ولا يتوقف ظهوره على حضور الأسباب. فالأسباب به قائمة، والأحوال له متوجهة وعليه دالة؛ وشتان بين من نظره إلى ما لا قيام له بنفسه، ومن نظره إلى قيوم السماوات والأرض في قدسه.

    [وقال أيضا: "هم قوم آثروا الله على كل شيء فآثرهم الله على كل شيء".]:

    الشطر الأول من عبارة ذي النون، متصوّر للعامة، ولكن ما مدلول الشطر الثاني؟!... يقول الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]. ومن آثره الله على كل شيء، فليت شعري هل يعلم أحد من المخلوقين مكانته؟!... أم هل تناله العقول بهجومها؟... أم يعثر عليه الطالب إذا طلبه!... إن المكانة التي يدل عليها ذو النون رضي الله عنه، هي مكانة غربة الغربة، والبطون في الظهور، والكنّ وراء الستور، والضنّ على الفريقين من أهل البر وأهل الشرور، ومن لا وصف لهم إلا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وُجُوهُهُمْ نُورٌ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ."؛ ثُمَّ قَرَأَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}»[2].

    [لا حاجة لنا هنا في البحث عن أصل المصطلح هل هو من الصوف أو من الصفاء. ولننظر في المواضيع التي تملأ كتب القوم. في رسالة القشيري: "باب في تفسير ألفاظ تدور بين هذه الطائفة". منها الحالُ والمقام، والقبض والبسط، والهيبة والأنس، والتواجد والوجد والوجود، والجمع والفرق، والفناء والبقاء، والغيبة والحضور، والصحو والسكر، والذوق والشرب، والمحو والإثبات. والقائمة طويلة. وتحت كل لفظ علوم يُبْهمها الصِّيانُ ولا يفصح عنها البيان إلا إشارات ومصطلحات يعرفها من ذاق.]:

    كل مصطلحات التصوف أعجمية، يُعربها الذوق وحده!... ولما تفضل علينا الله بالحلول في مقاماتهم وأحوالهم، وجدنا ألفاظهم حقيقية لا مجاز فيها ولا مبالغة؛ حتى لقد وجدنا السكر سكرا حقيقيا. كنا نجد معه الثقل في الأعضاء، وكنا نجد نقصا في التمييز ومجاراة العقلاء؛ بل إن السمع والبصر تغشاهما غشاوة من نور، تجعل إدراك المشهودات على معتادها من أعسر الأمور. ولولا مخافة الإطالة، لشرحنا كل مصطلح من المصطلحات المذكورة؛ وعسى أن نعثر عليها في تفاصيل ما سيأتي من الكتاب، فإننا نرغب في تناولها منفصلة.

    [لا بأس من هذه الأذواق الشريفة الـمُنيفة تُصاغ في قوالب لفظية ليتداولها أهل الذوق وليتفاهموا فيما بينهم. وقد كانت حياتهم حياة التفرغ والانكفاف عن الخلق. يتسع وقتهم لتعْميق المشاعر الرقيقة. يا حسرة على من ظن أن حديث القوْم ولغتهم زخرف القول غرورا، تزويق وتنميق. ذاك على الباب ما قرع، ومن أهل الذكر ما سمع. أولئك هم الغافلون.]:

    كأن الكاتب عندما يصف الصوفية بأن حياتهم كانت حياة تفرغ وانكفاف عن الخلق، يريد أن يشير إلى مذهبه المعكوس الذي يسميه زورا جهادا!... وكيف يشتغل الصوفية بالخلق (خصوصا في طور تربيتهم)، وهم من يمموا شطر الحق!... ومتى يصل إلى الحق، من توجه إلى الخلق!... وأما المشاعر الرقيقة، فليست هي التصوف، وإنما هي ما يتصوره الجاهل عنه!... التصوف علوم قبل أي شيء آخر، دقيقة جدا، لا يكاد يتسع لها إلا أفراد من كل زمان. ويتوارى الكاتب خيفة أن يُمسَك عليه ما يشي بشبهة تنقيص، ليجعل من يفهم أنهم على نقص، من الغافلين. وهذا الأسلوب في المراوغة لا مسوغ له، لولا أن الكاتب يبغي أن يظهر بصفة المشارك لكل ذي فضل في فضله، من غير أن يأتي بما يشهد له من علمه أو من حاله!...

    [لا بأس، وبخٍ بَخٍ! لكني لا أجد في هذه القائمة المبجلة كلمات القرآن والنبوة عن الجهاد، والقتال، والنفقة في سبيل الله، وحصار المشركين، والغلظة عليهم والشدة، والتحزب لله، وحمل هم الأمة، والنصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم.]:

    إن حال الكاتب مع هذا الكلام، كمن قدمت له مأدبة ملكية، عليها من الصنوف ما لا يعلم حتى اسمه؛ وهو يسأل عن خبز الشعير!... أي جهاد هذا، الذي يُذكر عند من ذهب في الله!... وأي نفقة هذه، والقوم قد بذلوا الأنفس مسترخصين!... وأي شرك يتكلم عنه، وهم قد طالعوا الحق في الآفاق وفي الأنفس!... وأي تحزب لله وقد مُحيت الاثنينية في شهودهم!... يا هذا، إن لم تكن منهم، فلا أقل من أن تعرف لهم تقدمهم!... أيُدعى خواص الخواص إلى ما يكون عليه عوام العوام!... وعند قولنا هذا، فلا يذهب ذهن أحد إلى أن الصوفية لا يجاهدون ولا ينفقون ولا... فيلحق بصاحبنا في انتكاسه؛ لأنهم لو لم يأتوا بذلك على وجهه المشروع، ما كانوا ليرتقوا إلى ذرى الدين وهم على خلاف ما يأمر به ربهم!... الفرق بينهم وبين الكاتب، هو أنهم لا يأتون فعلا إلا على الوجه المشروع، وهو يروم التنظير لعمل سياسي يقتدي فيه بما أنتجه الفكر الغربي والشرقي، اللذان لا يستهديان بنور!... أي خذلان هذا!...

    [وجَدَّتْ في عصرنا مستجدات: أمة مقهورة مقسومة مغلوبة،]:

    انقسمت الأمة وغُلبت، عندما انحرفت عن الصراط وتنكبت؛ واتخذت المفكرين أئمة ولأئمة الهدى استدبرت؛ وأقبلت على مختلف الفلسفات تستخبرها عن الكون والمكوِّن، وزهدت في الوحي الذي تفضل به الله عليها، فكانت كما قال الله عن مثيلة لها سابقة: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 61]. نحن لا نكفر من الأمة إلا من شهد على نفسه بالكفر، ولكن اتباع سنن الكافرين من قِبل المسلمين قد أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ!»[3]. ودلالة الكاتب الأمة على مواجهة الحكام بدل دلالتها على العمل من أجل الخروج من جحر الضب، هو تحريف للواقع، وغش لا يخدم إلا الأهواء.

    [فلسطين القدس المحتلة،]:

    كنا ذات ليلة عند شيخنا رضي الله عنه، في ذكر وسماع كالمعتاد، ولما حان وقت ختم الجلسة أشار الشيخ إلى أحد المريدين بالدعاء. فدعا المريد ما شاء الله، وعندما وصل إلى فلسطين، سأل الشيخ أن يدعو لها بالتحرير، فأجاب الشيخ على الفور، وهو يشير إلى صدره الشريف: "إذا تحررت هذه القدس، تحررت تلك". وهذه هي الحقيقة التي لا يريد كثير من الإسلاميين رؤيتها.

    [تخلف المسلمين،]:

    السؤال هو: عمّ هم المسلمون متخلفون؟... فإننا نحن نرى أنهم متخلفون عن دينهم، أكثر مما هم متخلفون في المجالات الدنيوية. وإن كان الكاتب يقصد التخلف التقني والصناعي (وهو الأرجح)، فإننا نراه يدعو إلى مزيد دخول في جحر الضب؛ وهو ما يجعله مخالفا لدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة. ذلك لأن قوة الأمة بإيمانها، لا بمنافستها للكافرين في قوةٍ ما أمر الله إلا بتحصيل المستطاع (مناط الحكمة الساتر للقدرة) منها فحسب. فقال سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]. وإعداد المستطاع لا يكون وحده، وإنما يكون بعد الإعداد الإيماني المستلزم للمدد النبوي؛ الذي لا حظ للأعداء منه، والذي هو سبب النصر حقيقة.

    [حكام الجبر عليهم]:

    حكم الجبر تأديب من الله للأمة، قبل أن يكون سببا في إضعافها؛ إلا أن يكون الكاتب ممن يرون الفعل للحكام من دون الله، فننصحه (ننصح من يقول بقوله) عندئذ بالتوبة وبالعمل على تحصيل النور. كيف يريد الناس أن تُعامل أمة قتلت خيرة أبنائها (الحسن والحسين عليهما السلام)، وحرّفت دين نبيّها (عندما سخر الفقهاء الدين للسلاطين)، وتوجهت بالكلية إلى الدنيا تريدها (وكأنها لم تسمع كلام ربها)؟!... أمة كهذه، ألا تكون جديرة بأن يُسلّط عليها سفهاؤها؟!...

    [قوى عظمى تتحكم في الأرض]:

    هذا كلام الغافلين، لأن الحكم في الأرض وفي السماء لله وحده. أليس هو القائل سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]؛ وهو القائل أيضا: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]. فالقوى التي ينسبها الكاتب إلى العظمة، ليست إلا مظهرا للفعل الإلهي المؤدب لهذه الأمة. ومتى كان الفعل يُعتبر من دون فاعله!... وأما اعتبار النسبة الخلقية، فيأتي بعد اعتبار النسبة الحقية دائما عند أهل التوحيد؛ وإذا هي رئيت على ضوئها، خرج الحكم مستقيما يوافق الحق. ومن كان لا يفقه ما نقول، فليمسك عن الكلام في الشؤون العامة، لأنه من العوام؛ وليترك التنظير لأهله، والدلالة لأهلها؛ فإنه قد أصاب المسلمين من هذا الخلط، الضرر العظيم!...

    [تخلف، صناعة، فضاء، علوم، اختراعات، تكنولوجيا، طـوق إعلامي يغزو سكان الأرض، مجاعة، تضخم سكاني، استعمار، ثورة، تلوث البيئة، أسلحة نووية، أسفار نحو الكواكب، إنتاج، استهلاك، ديموقراطية، اشتراكية.]:

    إن شهود الكثرة، هو ما جعل الأمم السابقة تشرك؛ فلقد كانوا يظنون أن للحرب إلها وأن للسلم إلها غيره؛ ويظنون أن للأرزاق إلها، وللموت إلها آخر،... فهل ستصير أمتنا من أهل الشرك وهي على الإسلام؟: تنسب الأفعال إلى المظاهر وتغفل عن الله الفاعل وحده!... أين التوحيد المزعوم؟ وما معنى التوحيد إن لم يكن هو رد الكثرة إلى الواحد سبحانه. ألم يكن اعتراض المشركين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله الله: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]. فهل سنعتمد منطق المشركين، وقد دلنا الله على التوحيد!... وما طريق التوحيد يا أهل التوحيد؟!...

    [أين تقع مصطلحات القوم من اهتمامات العصر، ومن المستقَر القرآني النبوي، ومن النموذج الصحابي الجهادي؟ هذا هو سؤالنا في هذا الكتاب.]:

    بل أين الكاتب من الوحي؟ ومن النموذج الصحابي؟ وهو من ينتهج نهجا مدخولا، يخلط فيه النظريات الفكرية البشرية بما هو من الإسلام الرباني؛ أو على الأصح، هو يبغي بناء نموذج فكري على أسس من الدين!... وأما مصطلحات القوم، فهي باقية لدلالتها على مدلولاتها من الدين؛ والدين لا يتغير بتغير العصر، حتى نتساءل عن موقع المصطلحات الصوفية فيه. والأمر عندنا أشد مما هو عند الفقهاء مع مصطلحاتهم، للسبب الذي ذكرناه آنفا، من كون التصوف هو التحقق بالدين ذاته (التدين التام). فما دام الدين هو هو، فإن المصطلحات هي هي في مجالاتها. وطلب تحديث المصطلحات في قبال اهتمامات العصر، لا يدل هنا، إلا على تحكيم العصر في الدين؛ وهذا يجعل الدين متجاوزا ولو جزئيا، كما يرى ذلك العلمانيون. وأما التجديد الديني الأصيل، فهو غير ما كنا بصدده؛ لأن التجديد يكون توفيقا لأحكام الدين مع العصر فحسب؛ يقوم عليه أئمة للدين لا فقهاء من مرتبة الإسلام كابن تيمية ومن على دربه.

    [قديما قال الشاعر الصوفي يأسف على ما آل إليه التصوف في زمانه، ونحن همنا أن ندرج التربية الإحسانية في سياق جِهادي لكيلا تكون مَخْرَقَة:

    أهل التصوف قد مضـــوا *** صــــار التصــوف مخرقــــه
    صار التصــوف صَيْحـــــــة *** وتَواجُـــدا ومـُـطَـبَّـقَــــه
    مضت العلـوم فلا علــــــوم *** ولا قـلــوبٌ مشــــــرقـــــــه
    كذبتــــك نفسـك ليـس ذا *** سَنَن الطـــريــق الـمُخْـلَـقــه
    حتى تكون بعيــن مـَــــن *** عــنـــه العيــون الـمُحــدِقَــــــه
    تجري عليك صـــروفـــــه *** وهــمـــــوم سِــــرّك مُطـــرقـــه]:



    إن لكل زمان رجاله؛ وإن غلب الضعف على كثير من المسلمين، فإن الأرض لا تخلو من رجال قائمين بالله لله؛ والسؤال هو: هل كان الكاتب من أنصار هؤلاء الرجال؟ أم إنه ساهم في التنفير عنهم والتشكيك فيهم، بهذه الأقوال التي لا سند لها إلا سوء الحال العام!... ونعني من هذا أن الضعف العام لم يسلم منه الفقهاء أنفسهم، وهم من صاروا خدما لكل مخدوم سوى الدين!...




    [وقلت جعلني الله وإياك من الإخوان أهل القرآن:


    كذَبَتْكَ نفسك بالأمــا *** ني والأمـــــاني مَخْـــــــرَقــهْ
    لا لن تفــــــــوز بقـــربـه *** وترى الفتوح المشْــــــرقَـــهْ
    إلا بـعـــــــزم صـــابــــــر *** وبـهــــمـــــة مُـتَـــــعَـشِّــقَــهْ]:


    قريبا -إن شاء الله- سنعرف من كان عرضة لكذب النفس؛ فإن الدعاوى سهلة مستسهلة، لولا شهادة البراهين، التي تصدقها أو تكذبها.

    وعلى عادة الكاتب، فإنه لم يُبن عن رأي علمي في مسألة المصطلحات؛ وإنما اكتفى بالإيحاء بأنه سيستغني عما لا أساس له من القرآن والسنة، من دون أن يأتي بمصطلحاته البديلة، لننظر في مدى أصالتها من الوحي. وإن ثبتت أصالة بعض المصطلحات، فهل ستثبت أصالة التنظير الناشئ عنها، أم إن الأمر تدليس من الصنف الأكبر!... وعلى كل حال، فالشأن فيما يتعلق بحاضر الأمة، ليس هو ما يتعلق بمصطلحات صيغت في مجال مخصوص، وإنما هو فهم الدين كما هو في أصله، وفي الغاية منه؛ فإنا نراه قد عاد فولكلورا تقوم عليه وزارات الأوقاف، ولا يختلف كثيرا عما وصل إليه اليهود والنصارى في مسارهم!... ولعلنا سنعود إلى تفاصيل هذه المسألة، إن وجدنا الداعي إلى ذلك من كلام الكاتب أو كلام من ينقل عنهم. ولعلنا أيضا قد وُفّقنا إلى وضع الأصبع على مكمن انحراف ابن تيمية، في انتظار تناول غيره من السابقين أو من المتأخرين...


    [1] . أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    [2] . أخرجه ابن حبان في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    [3] . متفق عليه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.


      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 21:28