..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 12:49

    أولا ـ الحفظ

    في اليوم الأول.. خرجت من البيت أبحث عن مكتبة سمعت عنها كثيرا إبان طلبي العلم.. هي مكتبة خاصة مملوءة بالمخطوطات القيمة، ورثها رجل من أهل الإسكندرية عن أجداده، وقد سمعت أنه رجل لطيف يسمح لكل من قصد مكتبته بالاستفادة منها كما يشاء.. وقد سمعت في نفس الوقت أنه رجل غريب الأطوار.. فلذلك حذرني منه بعضهم قبل رحلتي.

    لم أصدق كل ما سمعت.. فذهبت أبحث عن المكتبة حتى وجدتها.

    كانت مكتبة رائعة الجمال.. يدل تصنيف الكتب فيها على اهتمام صاحبها بها، وعلى ما له من ثقافة.

    كان اسمه المعلق على لافتتها بالبنط العريض يدل على كونه مسيحيا، بل من عائلة عريقة في المسيحية.. وقد كانت المخطوطات التي تمتلئ بها المكتبة دليلا على كون هذه العائلة قد توارثت العلم كابرا عن كابر.

    رحب بي صاحب المكتبة شخصيا، وأخبرني باستعداده لدلالتي على أي كتاب أريده، بل دلالتي على الكتب التي أحتاجها، وأنه يكفي أن أخبره عن الموضوع الذي أريد ليدلني على المراجع التي كتبت عنه.

    قلت: لا شك أنك قد اطلعت على الكثير من هذه الكتب.

    قال: أجل.. إن حياتي كلها مرتبطة بهذه المكتبة.. أنا عاشق لها.. لقد ترك والدي ثروة ضخمة تقاسمها إخوتي.. ورضيت من قسمتي بهذه المكتبة.. قلت لهم: خذوا كل ما تريدون.. دعوا لي فقط هذه الكتب أتنسم عبيرها.

    قلت: ومن أين تقتات؟.. أراك تفتح أبوابها للراغبين بالمجان.

    قال: من عرف كيف يتغذى بالكلمات الطاهرة لم يحتج إلى أي غذاء.. فللكلمات خلقنا لا للأقوات.

    قلت: ذكرتني بقول يوحنا:( في البدء كان الكلمة.. )(يوحنا:1/1)

    قال: أنت تهتم بالكتاب المقدس إذن.. لقد خصصت جناحا كبيرا في المكتبة للكتب المقدسة جمعت فيه مخطوطاتها وتفاسيرها.

    قلت: فدلني عليه.

    سار معي إلى ركن جميل.. هو أجمل أركان القاعة.. وقال: هذا هو ركن الكتب المقدسة.. وقد سميته ( الكلمات المقدسة ).. ولا يدخل أحد إلا بإذني، وبعد أن ألمس فيه صدق الطلب.

    قلت: فقد لمست في صدق الطلب إذن.

    قال: أصدقك بأني قد ارتحت كثيرا لمرآك.. لست أدري.. لعل لي علاقة بك من قديم لا أعرفها..

    قلت: أنا لا أعرفك.. ولا أذكر أني رأيتك من قبل.. بالإضافة إلى أني غريب عن هذه البلاد.

    قال: لا أقصد علاقتنا هنا.. بل أقصد علاقتنا هناك في العالم الذي لم تكن معنا فيه أجسادنا.

    قلت: لا أذكرشيئا عن ذلك العالم.

    قال: ولا أنا.. ولكن أحيانا أتخيل أني أذكر أشياء.. ثم أنسى.. لست أدري.. دعنا من هذا.. هذا هو ركن الكتب المقدسة.

    سرت في الركن.. فوجدت كتبا مقدسة من كل الأديان.. ولكني فوجئت بالقرآن الكريم.. وهو يحتل أفضل المواقع وأعلاها.. وبجانبة مصحف على محمل كسائر مصاحف المسلمين.

    قلت: أليس هذا هو كتاب المسلمين المقدس؟

    قال: بلى.. هو كتابهم المقدس.

    قلت: أرى أن لك اهتماما خاصا به.. فأنت تضع مصحفه في محمل خاص بخلاف سائر الكتب.

    قال: أصدقك القول.. فمع أني مسيحي.. بل من عائلة عريقة في تدينها بالمسيحية.. بل من عائلة كان الكثير من أفرادها رجال دين.. إلا أنه لم يحظ كتاب من الكتب بالأهمية عندي كما حظي كتاب المسلمين المقدس.. إني أقرؤه ولا أمل من قراءته.

    قلت: لم؟

    قال: لست أدري.. كأني أجده يخاطبني.. يعرفني بالعالم الذي جئت منه.. والذي نسيته، ولم تبق لي منه إلا ذكريات نسيتها..

    قلت: وكتابنا المقدس بعهديه.. أتراك هجرته؟

    قال: لا.. ولكني كلما مددت يدي لأقرأ ما فيه كلما وجدتني أعود لأحمل كتاب المسلمين لقراءته من جديد.

    قلت: لعلك مغرم بالأدب.. فأنت تحب جمال أسلوبه.

    قال: ليس هذا فقط.. لقد تعاملت مع نفسي كما أتعامل مع الأجنبي.. ورحت أحلل أسرار انجذابي للقرآن وثقتي فيه.. والتي تربو على ثقتي في كتابنا المقدس.

    قلت: فما وجدت من هذه الدراسة التحليلية؟

    قال: أشياء كثيرة جدا لا يمكنني أن أفصل لك ذكرها هنا.. ولكني من خلال اهتمامي بالأسانيد عرفت أن القرآن هو الكتاب الوحيد المحفوظ حفظا صحيحا من بين جميع الكتب المقدسة.

    وقد كان ذلك مثار عجب عندي..

    لقد ظللت أقول لنفسي: لو كان هذا الكتاب كاذبا على الله، فهل يأذن الله بحفظه بهذه الصورة العجيبة.. لكأن الكون كله خرسانة مسلحة حمي بها هذا الكتاب.. فلم يجرؤ جميع اللصوص على الاقتراب منه.

    قلت: كيف عرفت ذلك؟.. إن البحث في هذا ليس بالسهولة التي تتصورها.

    قال: أجل.. ولكن الله يسر لي هذه المكتبة الضخمة التي ترجع الكثير من نسخها إلى القرون المتطاولة.. وقد بحثت فيها، فوصلت إلى الحقيقة التي ذكرتها لك.

    قلت: فهل ستفصل لي خلاصة ما وصلت إليه؟

    قال: إن لم يشغلك ذلك عما جئت من أجله.

    قلت: لا.. لعلي لم أحضر إلا لأجل هذا.

    قال: ألم أقل لك: كأني أعرفك.. لقد مررت في يوم من الأيام بنفس الحالة التي تمر بها.. لكني لا أجرؤ على قول شيء.. لأني لا أكاد أذكر شيئا.

    ***

    اتخذنا مجلسا صالحا في ركن الكلمات المقدسة، وراح يحدثني عن نتائج ما قام به من بحث حول تميز القرآن الكريم.

    قال: أول ما شدني إلى القرآن أنه الكتاب المقدس الوحيد الذي حفظ من أي تغيير وتبديل.. بل هو الكتاب الوحيد الذي لا يزال يقرأ باللغة التي نزل بها.. بل بنفس مخارج الحروف التي كان ينطق بها محمد.. بل إن المسلمين لا يكتفون بحفظه مكتوبا كما نحفظ كتبنا، بل يضمون إليه حفظه في صدورهم.. حتى الأعاجم منهم يحفظونه.

    قلت: وما الذي شدك إلى هذا؟

    قال: شدني إلى هذا مقارنتي له بما تعامل به قومي وقومك مع كتبنا المقدسة.. لقد أهانوا قداستها بما أوقعوا فيها من تحريفات.

    قلت: أنت مسيحي، وتقول بوقوع التحريف في كتبنا؟

    قال: أنا مسيحي نعم.. ولكني مع ذلك إنسان عاقل.. يستعمل عقله.. ولا يمكنني أن ألغي عقلي.. ولا أرى أن مسيحيتي تتنافى مع استعمالي لعقلي.. لقد قمت بدراسة لكتبنا المقدسة من ناحية مدى الوثوق فيما دون فيها، وقد خرجت بنتائج مذهلة.

    قلت: فما الذي خرجت به؟

    قال: لقد عرفت أن الحفظ بمعناه الحقيقي الكامل لم يتحقق في كتبنا، ولا في كتب اليهود التي نستمد منها، ولا في أي كتاب من الكتب التي تملأ أرجاء هذه القاعة، ما عدا كتاب المسلمين.. لقد أضيفت كتب كثيرة، وكلام كثير للكتب المقدسة جعلنا لا نستطيع التمييز بين المقدس منها وغير المقدس.

    وقد ذكر كتاب المسلمين المقدس هذا، بل ذكر علله النفسية والاجتماعية، فقال:) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ((البقرة:79)

    بل وصف طريقة تلاعبهم بالكتاب وصفا دقيقا، فقال:) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (آل عمران:78)

    لقد مارس كثير من رجال الدين الذين امتلأوا بحب الدنيا هذه التجارة الرخيصة، تجارة التلاعب بالكتب المقدسة.

    قلت: وكتاب المسملين؟

    قال: لقد توفرت ظروف كثيرة لكتاب المسلمين جعلت كتابهم محفوظا حفظا تاما لا يزاد فيه حرف واحد، ولا ينقص منه حرف واحد.

    أذكر أني قرأت عن أحد صحابة محمد.. هو عالم من علمائهم الكبار.. يقول متوجها للذين استهواهم ما في كتبنا من قصص:( يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه، أحدث أخبار الله تقرؤونه محضًا لم يشب؟ وقد حَدَّثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلا؛ أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم )[1]

    لعل العناية الإلهية التي وعدت بحفظه جعلته بمنأى عن كل ما لحق بكتبنا من تحريفات..

    أخذ مصحفا، وفتحه على مواضع محددة، وقال: اسمع.. إن إله المسلمين يعد بحفظ كتابه وعدا جازما، وهو ما تخلو منه كتبنا.. اسمع إليه، وهو يقول:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ((الحجر:9)

    بل هو يخبر بأن هذا الكتاب الذي أحمله لن يزاحمه أي باطل قدسيته، اسمع إليه:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ((فصلت:41 ـ 42)

    بل هو يخبر أن مهمة جمعه تعود إليه، فيقول:) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ((القيامة: 17)

    إن هذه الآيات وحدها تحمل إعجازا عظيما.. إنها تتحدى كل تلك الجيوش التي جيشت لتحريف هذا الكتاب أو تبديله أو محوه.

    قلت: إن استنتاجك هذا يستدعي أدلة كثيرة..

    قال: سأذكرها لك.. ولكن قبل أن نتحدث عن ذلك.. أو لنفهم ذلك.. فلنرجع إلى كتابنا المقدس الذي دنسته أيادي المحرفين.

    لقد ذكرت لك أن كتاب المسلمين يحوي الوعد بحفظه، وأنه لن يصيبه سوء..

    قلت: أجل.. لقد قرأت لي منه ما يدل على ذلك.

    قال: وهذا ما تخلو منه كتبنا المقدسة.. فهي لا تحوي أي دلالة على أنها ستحفظ من التغيير والتبديل.. بل قد نص كتاب المسلمين على أن مهمة حفظ هذه الكتب كانت موكولة إلى رجال الدين الذين استهواهم الطمع، فراحوا يبدلون ويغيرون.

    اسمع ما يقول كتاب المسلمين..

    فتح المصحف، وراح يقرأ:) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ((المائدة:44)

    ثم أغلق المصحف، وقال: لطالما شدت هذه الآية انبتاهي.. إن قرآن المسلمين يحمل احتراما كبيرا للكتب المقدسة.. إنه يصف التوراة بأن فيها هدى ونور.. ولكن هذا الاحترام لا يحول بينه، وبين أن يذكر ما حصل فيها من تحريف..

    وهو يحلل أسباب ذلك في أمرين: أشار إلى الأول منهما في قوله:) فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (

    وأشار إلى الثاني في قوله:) وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً (

    إنهما سببان خطيران.. أو مرضان قاتلان: الرغبة والرهبة.. الرغبة في المتاع القليل.. والرهبة من العناء القصير..

    قلت: دعنا من كتاب المسلمين.. ولنرجع إلى كتابنا.

    قال: مما ينقضي دونه العجب أن كتابنا المقدس نفسه يحوي هذه الحقيقة.. فهو لا يحمل أي وعد بحفظ ما فيه.. بل هو يخبر أن حفظ ما فيه كان موكولا لناس معينين  ذوي أنساب معينة.. وهذا ما أتاح لهم أن يتلاعبوا به كما يشاءون.

    انتظر.. سوف آتيك بشهادات كثيرة تثبت ما أقول.

    ذهب إلى رف من الرفوف.. وحمل نسخة من الكتاب المقدس.. وقال: اسمع ما يقول سفر التثنية (31: 25-29 ):( أَمَرَ مُوسَى اللاوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ: (خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَليْكُمْ. لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ اليَوْمَ قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ فَكَمْ بِالحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي! اِجْمَعُوا إِليَّ كُل شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ وَأُشْهِدَ عَليْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ)

    ثم أغلق الكتاب، وقال:كيف ترى موسى، وهو يردد هذا الكلام؟

    قلت: كأني أراه حزينا متأسفا على حال قومه.. وهو في نفس الوقت خائف من تلاعبهم بالرسالة التي جاء بها، وبالألواح التي أنزلت عليهم.

    قال: أجل.. لقد غاب عنهم أربعين يوما فقط، ومع ذلك لم يصبروا على التغيير والتبديل.. بل راحوا يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامري.. ومع أن هارون كان معهم إلا أنه لم يكن ليفعل شيئا أمام ما جبلوا عليه من تمرد..

    التوراة تذكر هذا.. والقرآن يذكره [2].. ولكن اسمع لقرآن المسلمين، فهو يصور هذا التغيير تصويرا جميلا..

    فتح المصحف، وأخذ يقرأ بتدبر وخشوع:) وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى((طه: 83) الله يخاطب موسى في جبل الطور عند المناجاة.

    ويذكر الله ما أجاب به موسى، فيقول:) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ((طه:84).. فيجيبه الله:) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ( (طه: 85).. وحينذاك يرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا على سرعة تغيرهم.. اسمع:) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ((طه: 86)

    لكن كبرياءهم وصلافتهم جعلتهم لا يبالون بغضب موسى، ولا بما يقولون، بل يردون عليه قائلين:) مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ((طه: 87 ـ 88)

    هؤلاء هم بنو إسرائيل.. فهل تتصور أنهم سيحفظون ما أئتمنوا عليه من كتاب؟

    قلت: إن ألم موسى يبدو جليا في وصيته.. وكأنه يحاول أن يجد حيلة يحفظ بها كتابه من التغيير.. إنه يأمر بحفظه في تابوت العهد.. ثم يأمر بقراءته على بني إسرائيل، لعل فيهم من يحفظه، ويورث حفظه.. ولكنه في نفس الوقت يعلم أنه سيأتي اليوم الذي يغيرون فيه كتابهم.. بل يرى أن ذلك اليوم قريب جدا.. لقد قال لهم:( لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ )

    فتح الكتاب المقدس، ثم قال: بل إن موسى يردد هذه الوصية كثيرا.. فهو يعلم ما سيلحق كتابه.. اسمع ما يقول:( لا تَزِيدُوا عَلى الكَلامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ التِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا )(التثنية: 4/ 2 )

    صمت قليلا، ثم قال: ليس موسى وحده من قال هذا.. كل الأنبياء تحدثوا عن هذا..

    اسمع ما يقول النبي إرميا:( فقال الرب لي.بالكذب يتنبأ الأنبياء باسمي.لم أرسلهم ولا أمرتهم ولا كلمتهم.برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبأون لكم) (إرميا: 14:14)

    وهو يقول:( الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحب.وماذا تعملون في آخرتها )(إرميا:5: 31)

    قلت: ولكن يا سيد.. ليست هناك أمة خلت من المتنبئين الكذبة حتى ما ذكرت عن المسلمين قد ظهر فيهم كثير من المتنبئين بعد محمد.

    قال: نعم.. لقد ظهر فيهم مسيلمة، والأسود، وطلحة، وغيرهم كثير.

    قلت: فلم تشنع علينا؟

    قال: هل رأيت في كتاب المسلمين سفرا أو سورة أو حتى آية لمسيلمة أو للأسود، أو لطلحة؟

    قلت: لا.. حتى أن المسلمين يطلقون على مسيلمة لقب الكذاب.

    قال: وهذه ميزتهم.. فكتابهم لم يخترق من الأنبياء الكذبة.. نعم ظهر أدعياء حاولوا أن يخترقوا كلام نبيهم، ولكنه لم يجرؤ أحد على أن يخترق كتاب ربهم.

    لكن بني إسرائيل اخترقوا الجميع.. اسمع إلى أرميا:( أما وحي الرب فلا تذكروه بعد لان كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرّفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا ) (إرميا: 23: 36)

    وهو يقول:( هكذا قال رب الجنود لا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يتنبأون لكم.فانهم يجعلونكم باطلا.يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب )( إرميا: 23 /16)

    وهو يقول:( لم أرسل الأنبياء بل هم جروا.لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا ) (إرميا: 23 /21)

    فمن هم هؤلاء الأنبياء؟.. ولو كانوا جميعا قد تنجسوا.. جميعا.. فكيف تصدقونهم!؟

    وهو يقول:( لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعا بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب )(إرميا: 23 /11)

    وهو يصرح بكل ألم قائلا:( كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا.. حقا إنه إلى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب ) (إرميا: 8: 8)

    ألا ترى هذا النص صريحا في وقوع التحريف.. إن إرميا هنا هو المتحدث لا رحمة الله الهندي، ولا ديدات.. إنه يخبرنا بالحقيقة المرة التي لا نجرؤ على التصريح بها..

    قلت: لا.. يا صاحبي.. هو لا يقصد هذا.. هو يقصد ذلك التحريف المعنوي الذي لحق الكتاب المقدس.

    قال: لا.. إنه يتحدث عن أقلام الكتبة.. هو يتحدث عن الكتبة، ولا يتحدث عن المؤولين.. هو يتحدث عن الكتبة المختصين بالنقل والنسخ.. فهم الذين غيروها وبدلوها وحرفوها وحولوها إلى الكذب.

    بل هو يصرح بالسبب الذي ذكره القرآن.. وهو الرغبة.. اسمع إليه، وهو يقول:( لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب )(إرميا:6: 13)

    ليس إرميا وحده الذي صرح به.. اسمع ما جاء في المزامير:( اليوم كله يحرفون كلامي.عليّ كل افكارهم بالشر ) (مزمور:56/ 5)

    واسمع ما جاء في (حزقيال:7 / 26):( ستاتي مصيبة على مصيبة.ويكون خبر على خبر.. فيطلبون رؤيا من النبي.. والشريعة تباد عن الكاهن والمشورة عن الشيوخ)

    واسمع ما يقول إشعيا:( ويل للذين يقضون أقضية الباطل وللكتبة الذين يسجلون جورا ليصدوا الضعفاء عن الحكم ويسلبوا حق بائسي شعبي لتكون الارامل غنيمتهم وينهبوا الايتام ) (إشعياء:10 /1-2)

    إن إشعيا يتحدث عن المطامع التي جرت القضاة والكتبة إلى التحريف.. إنه يتحدث عن بيع كتاب الله بثمن بخس كما قال كتاب المسلمين.

    بل هو يصرح بذلك قطعا لكل تأويل، فيقول:( ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير اعمالهم في الظلمة ويقولون من يبصرنا ومن يعرفنا. يا لتحريفكم. هل يحسب الجابل كالطين حتى يقول المصنوع عن صانعه لم يصنعني. أو تقول الجبلة عن جابلها لم يفهم )( إشعياء: 29 /15-16)

    وهو يقول:( ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى انهم يجرون رأيا وليس مني ويسكبون سكيبا وليس بروحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة ) (إشعياء: 30 /1 )


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:32 عدل 1 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 13:02

    1 ـ حفظ الكتاب المقدس

    قلت: سمعت هذه النصوص.. ولكني مع ذلك لا أستطيع أن أكتفي بها للدلالة على وقوع التحريف، أنا إنسان عاقل، ويغلب علي الحس.. ولا يكفيني الكلام المجمل الذي قد يساء فهمه.

    قال: لن تجد عندي إلا ما يرضيك.. فأنا مثلك تماما.. ألم أقل لك بأن معرفة بيننا كانت؟.. ولكني نسيت أين ومتى..

    لقد دفعتني هذه النصوص للبحث.. لقد جعلت الكتاب المقدس مادة للبحث من هذه الناحية.

    قلت: فماذا وجدت؟

    قال: ثلاثة أنواع من التحريف، لا يصيب واحد منها كتابا إلا رفع الثقة عنه.

    قلت: فما هي؟

    قال: الزيادة، والنقصان، والتبديل.

    قلت: وهل حفظ كتاب المسلمين من هذه التحريفات؟

    قال: أجل.. وسنبحث معا في هذا الركن من المكتبة لترى بعينيك صدق ما رأيته.



    الزيادة

    قلت: فلنبدأ بأول التحريفات.. وهو الزيادة.

    قال: لا يصح نسبة القدسية إلى كتاب إلا إذا ثبت بالدليل القاطع أن هذا الكتاب منسوب للنبي الذي جاء به.. فالكتب المقدسة تستمد قدسيتها من نسبتها إلى الله.. فلذلك يؤثر فيها كل تدخل بشري قد يغير ما أراد الله أن يقوله لنا.

    قلت: ألم يتحقق هذا في كتبنا؟

    قال: لا.. لقد ذكرت لك أن كتاب المسلمين أشار إلى هذا النوع من التحريف، فقال:) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ((البقرة: 79)

    وهو ما أشار إليه إرميا قبل ذلك بقوله:( وَأُقَاوِمُ الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ يُسَخِّرُونَ أَلْسِنَتَهُمْ قَائِلِينَ: الرَّبُّ يَقُولُ هَذَا. هَا أَنَا أُقَاوِمُ الْمُتَنَبِّئِينَ بِأَحْلاَمٍ كَاذِبَةٍ وَيَقُصُّونَهَا مُضِلِّينَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَاسْتِخْفَافِهِمْ )(إِرْمِيَا: 23 /31 ـ 32)

    قلت: إن رفوف المكتبة تمتلئ بنسخ الكتاب المقدس.. فلنحاول التأكد من هذا.. أنا لا تكفي لإقناعي الأحكام العامة.

    قال: أنا مثلك تماما.. لقد أخبرتك أني أعرفك.. لكن أين..

    قلت: الكتاب المقدس قسمان: العهد القديم، والعهد الجديد، فهل دخل التحريف بالزيادة كلا القسمين.

    العهد القديم

    قال: أجل.. ولنبدأ بالعهد القديم.. ولنبدأ القصة من أولها..

    قلت: أجل.. فلن يفهم آخر القصة إلا بمعرفة أولها.

    1 ـ التوراة:

    قال: فلنبدأ بالسند من أوله.. لقد نزلت التوراة على موسى.. وكان ينبغي أن يحفظها جميع بني إسرائيل لتنقل إلينا بعد ذلك بالتواتر كما حفظ جميع المسلمين قرآنهم، ونقلوه إلينا بالتواتر.

    قلت: ألم يحصل ذلك؟

    قال: لا.. لم يسلم موسى التوراة إلى بني إسرائيل.

    قلت: لم؟

    قال: لقد كان يخاف من اختلافهم من بعده في تأويلها.. لقد ذكرنا ما جاء في سفر التثنية أن موسى قال لبني إسرائيل:( خذوا كتاب التوراة هذا، وضعوه بجانب التابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهداً عليكم لأني أنا عارف بتمردكم ورقابكم الصلبة، هو ذا أنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحري بعد موتي)( سفر التثنية:24:31)

    قلت: فمن تكفل بحفظ التوراة من بني إسرائيل؟

    قال: لقد سلمها موسى إلى كهنة بني لاوي، فهم حاملو تابوت  عهد الرب[3]، كما في (سفر التثنية:9/31)

    قلت: فهل حافظ بنو لاوي على الثقة التي وضعها موسى فيهم؟

    قال: يؤكد المؤرخون أن التوراة ظلت صحيحة في أيدي اليهود لم يغيروا منها حرفاً واحداً إلى زمن الأسر البابلي عندما حاربهم نبوخذنصر ملك بابل عام 588 ق.م تقريباً فقام بدك أسوار القدس وأحرق المدينة والهيكل بعد أن أخذ منه التابوت، وتتبع الهارونيين، وسائر الكهنة فقتلهم، ثم سبى اليهود جميعاً إلى بابل مقيدين بالسلاسل، ولم يترك فيها إلا شرذمة قليلة.

    وفي هذه الحادثة انعدمت التوراة وسائر أسفار العهد القديم التي كانت مصنفة.

    رأى استغرابي، فقال: لا تستغرب.. فنحن واليهود نقر بذلك.. لقد قتل جميع الهارونيين الذين كانوا يحفظون التوراة، ولم تكن التوراة محفوظة على ألسنة بني إسرائيل، فضاعت واندثرت كما اندثرت أمتهم، وتشتت بين نهري دجلة والفرات وما حولها، فذابوا بين تلك الشعوب وعبدوا آلهتهم، واستمر هذا النفي إلى عام 583ق.م، ثم عاد كثير منهم إلى فلسطين، فأعادوا بناء المدينة والهيكل.

    قلت: لا يهمنا الهيكل ولا المدينة.. ماذا حصل للتوراة؟ هل استعادوها؟

    قال: في عام 458ق.م عاد عزرا إلى القدس، ومعه جماعه من الكتبة اللاويين، وكان أول ما اهتموا به هو كتابة التوراة.

    قلت: كيف.. وقد ضاعت؟

    قال: لقد قام عزرا بجمع أسفار التوراة مرةً أخرى، فجمع من محفوظاته، ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم، ولذلك بالغوا في تعظيمه غاية المبالغة، وزعموا أن النور على الأرض إلى الآن يظهر على قبره.

    قلت: والتوراة التي كتبها موسى.. أي النسخة الأصلية من التوراة؟

    قال: لم يعد لها أي أثر.

    قلت: فأين ذهبت؟

    قال: هذا ما لا يجد له أحد جوابا[4].

    قلت: أليس من الممكن أن يكون عزرا والكتبة قد أعادوا التوراة كما هي بنسختها الأصلية؟

    قال: لقد وضعت هذا الاحتمال.. ولكني ببحث بسيط يعتمد على الحس وحده عرفت استحالة ذلك.. لقد تضخمت التوراة كثيرا مقارنة بالتوراة التي أنزلت علي موسى.

    أخذ نسخة من التوراة كانت بجانبه، وقال: انظر.. هذه هي التوراة بأسفارها الخمسة.. فهي تملأ 379 صفحة بالحروف الصغيرة.

    قلت: وما في ذلك؟

    قال: لو ذهبنا نبحث عن عدد صفحات النسخة الأصلية من التوراة لم نجد هذا العدد.

    قلت: لقد ذكرت أنها ضاعت، فكيف عرفت عدد صفحاتها؟

    قال: ذلك يسير.. فقد ورد في صفتها ما يبين حجمها.. يذكر سفر الخروج ( 24: 12 )، أن موسى تلقي التوراة مكتوبة على لوحين من حجر، وهذا نص ما ورد:( وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: اصْعَدْ إِلَى الْجَبَلِ وَامْكُثْ هُنَاكَ لأُعْطِيَكَ الْوَصَايَا وَالشَّرَائِعَ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَى لَوْحَيِ الْحَجَرِ لِتُلَقِّنَهَا لَهُمْ )

    ويذكر سفر الخروج أيضاً في ( 32: 15 ):( ثُمَّ نَزَلَ مُوسَى وَانْحَدَرَ مِنَ الجَبَلِ حَامِلاً فِي يَدِهِ لَوْحَيِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ نُقِشَتْ كِتَابَةٌ عَلَى وَجْهَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَانَ اللهُ قَدْ صَنَعَ اللَّوْحَيْنِ وَنَقَشَ الْكِتَابَةَ عَلَيْهِمَا)

    وقد نص كتاب المسلمين على هذا، فقد ورد فيه:) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ((لأعراف:145)

    وورد فيه:) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ((لأعراف:150)

    قلت: لا مانع عقلاً من أن يكون اللوحان اللذان كتبت عليهما التوراة من العظم والاتساع، بحيث يملأ المسطر عليها 379 صفحة من الورق كما نراها الآن.

    قال: ولكن التوراة نفسها تدفع هذا الاحتمال حين تحدد حجم اللوحين بالتابوت الذي أمر الله موسى أن يصنعه ويحفظ فيه التوراة، فقد جاء في سفر الخروج ( 25: 10، 16 ):( تابوتاً من خشب طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف، وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك )

    قلت: ألا يمكن أن يكون ما كتب على اللوحين، بلغت حروفه حداً من الصغر، بحيث إذا نقلت كلماته على الورق، ملأت صفحات عديدة.. فنحن نرى الآن القرآن كتاب المسلمين يكتب في صفحة واحدة لا تزيد كثيراً عن ذراع في ذراع.

    قال: يمكن ذلك.. ولكن التوراة نفسها تدفع هذا الاحتمال حين تحدد لنا الزمن الذي يستغرقه كتابتها وقراءتها، بحيث لا يبقى لدينا أدنى شك في تقدير حجمها، وأنها لا تزيد عن كلمات لا تملأ أكثر من بضع ورقات.. يقول كاتب سفر التثنية(31: 9):( وَكَتَبَ مُوسَى كَلِمَاتِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاَوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَإِلَى سَائِرِ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَمَرَهُمْ مُوسَى قَائِلاً:( فِي خِتَامِ السَّبْعِ السَّنَوَاتِ، فِي مِيعَادِ سَنَةِ الإِبْرَاءِ مِنَ الدُّيُونِ، فِي عِيدِ الْمَظَالِّ عِنْدَمَا يَجْتَمِعُ جَمِيعُ الإِسْرَائِيلِيِّينَ لِلْعِبَادَةِ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ، تَتْلُونَ نُصُوصَ هَذِهِ التَّوْرَاةِ فِي مَسَامِعِهِمْ )

    ويحدد لنا سفر يشوع ( 8:32 ) الزمن بدقة أكثر، حين يذكر أن يشوع نقش نسخة من التوراة على الحجر وتلاها على الشعب في جلسة واحدة:( وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى. وبعد ذلك قرأ جميع كلام التوراة، البركة واللعنة، حسب كل ما كتب في سفر التوراة لم تكن كلمة من كل ما أمر به موسى لم يقرأها يشوع قدام كل جماعة إسرائيل )

    قلت: ولكن.. أليس من الجائز أن يكون موسى قد تلقى مع اللوحين نصوصا أخرى، وأن المجموع هو ما يطلق عليه التوراة؟

    قال: وضعت هذا الاحتمال.. لكني وجدت نصوصا تنفيه، فقد ورد في سفر الملوك الأول ( 8: 9 ) أن سليمان حين نقل التابوت إلى المعبد الذي بناه، لم يكن فيه سوى اللوحين، وهذا نصه:( وَلَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ سِوَى لَوْحَيِ الْحَجَرِ اللَّذَيْنِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِي حُورِيبَ حِينَ عَاهَدَ الرَّبُّ أَبْنَاءَ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ )

    قلت: فقد استدللت بالحجم إذن على الزيادات التي حصلت في التوراة؟

    قال: لا.. ليس بالحجم الحسي وحده.. بل بحجم المضمون أيضا.. فالتوراة تعين لنا على لسان موسى قبل موته مضمونها، وأنها عبارة عن الوصايا العشر، وأنها فقط ما كتب في اللوحين:( ودعا موسى جميع إسرائيل، وقال لهم: اسمع يا إسرائيل الفرائض والأحكام التي أتكلم بها في مسامعكم اليوم وتعلموها واحترزوا لتعملوها، فقال: أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً.. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً.. لا تقتل، ولا تزن، ولا تسرق، ولا تشهد على قريبك زور، ولا تشته امرأة قريبك، ولا تشته بيت قريبك ولا حقله ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا كل ما لقريبك، هذه الكلمات كلم بها الرب كل جماعتكم في الجبل من وسط النار والسحاب والضباب وصوت عظيم ولم يزد، وكتبها على لوحين من حجر وأعطاني إياها )(تثنية:5: 1، 22)

    رأى صمتي، فقال: أعلم أنك لم تقتنع بعد.. يحق لك ذلك.. أنت مثلي.. من الصعب إقناعك بشيء.. ومع ذلك فسأذكر لك ما لا يمكنك دفعه.

    أجبني.. أرأيت لو أن مؤلفا من القرن العاشر ألف كتابا يتحدث فيه عن أحداث القرن الحادي عشر.. هل تجزم بتصديق نسبة الكتاب إلى صاحبه.

    قلت: لا.. ولا أظن عاقلا يمكن أن يصدق نسبة هذا الكتاب إلى صاحبه.

    قال: فقد حصل هذا في التوراة.. إنها ـ بكل أسف ـ تذكر أحداثاً حصلت بعد وفاة موسى في سيناء.. اسمع..

    فتح التوراة، وأخذ يقرأ:( وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة، حتى جاءوا إلى أرض عامرة، أكلوا المن حتى جاءوا إلى أرض كنعان )(خروج: 16/35 )

    أتدري متى جاءوا إلى أرض كنعان؟

    قلت: أجل.. بعد وفاة موسى حين دخلوا الأرض المقدسة، وقد أشار إلى ذلك سفر يشوع، فقد جاء فيه:( فحل بنو إسرائيل في الجلجال.. في عربات أريحا، وأكلوا من غلة الأرض.. وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض )( يشوع 5/10 - 12)

    قال: فكيف يتحدث موسى عن أمر حدث بعد وفاته؟

    قلت: أليس من الممكن أن يكون إخباراً بالغيب؟

    قال: لا.. لقد جاء بصيغة الخبر الماضي، وهي بصيغ التأريخ لا بصيغ النبوءات.. وأنت تعرف صيغ النبوءات في الكتاب المقدس.

    صمت، فقال: ليس ذلك فقط.. اسمع ما جاء في سفر العدد، فإن كاتبه يشعرك أنه قد كتبه بعد جلاء بني إسرائيل من برية سيناء ودخولهم فلسطين فهو يقول:( ولما كان بنو إسرائيل في البرية، وجدوا رجلاً يحتطب في السبت )( العدد 15/32) فالكاتب ليس في البرية حتماً.. مع أن موسى كان قد مات في البرية قبل دخول الأرض المقدسة.

    ليس هذا فقط.. اسمع ما ورد في التثنية:( وسكنوا مكانهم كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب )( التثنية: 2/12)

    ألا يدل هذا على أن الكاتب قد أدرك دخول بني إسرائيل الأرض المقدسة، وهو ما حصل بعد وفاة موسى؟

    واسمع ما جاء في سفر التكوين ـ الذي من المفترض أن يكون كاتبه موسى ـ:( اجتاز أبرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلّوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض (فلسطين) )( التكوين 12/5 - 6 )

    ألا ترى أن الكاتب قد أدرك خروج الكنعانيين من الأرض بعد دخول بني إسرائيل، وذلك ـ حتما ـ ليس موسى؟

    واسمع ما يقول نفس السفر:( وكان الكنعانيون والفرزّيون حينئذ ساكنين في الأرض )(التكوين 13/7 ).. واسمع:( وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبلما ملكَ ملِكٌ لبني إسرائيل )(التكوين 36/31 )

    فالكاتب لا يتحدث عن دخول بين إسرائيل الأرض المقدسة، فحسب .. بل يتحدث عن عهد الملكية الذي كان بعد موسى بأربعة قرون.

    التفت إلي، فرآني صامتا، فقال: هل سمعت كاتبا يخبر عن وفاته والمحل الذي دفن فيه.

    قلت: يمكن أن يكون ذلك في حالة واحدة.. وهي أن يكون قد كتب كتابه بعد وفاته..

    قال: فاسمع هذا الخبر الذي ورد في أسفار موسى، والتي يفترض أن يكون كاتبها هو موسى:( فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء في أرض مؤاب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل في عربات مؤاب ثلاثين يوماً، فكمُلت أيام بكاء مناحة موسى)(التثنية 34/5 - 8 )

    ألا ترى أن النص يتحدث عن الماضي البعيد؟.. إنه ليس نبوءة.. فهو لا يخبر عن المستقبل.. وليست هناك أي دلالة على ذلك.

    كان ينظر إلي، ويتفرس في مدى تأثير أدلته على وجهي، قال: أجبني.. لو جاءك رجل بمخطوطة تتحدث عن التلفزيون.. وقال لك: إنها من القرن العاشر.. هل تراك تصدقه.. أم تجعل وصف التلفزيون فيها دليلا على أنها مخطوطة مزورة.

    قلت: بل أعتبرها مزورة.. إلا إذا أثبت لي بالسند الصحيح، أو بالدليل العلمي القوي أنها من القرن العاشر.. وحينذاك أعتبرها نبوءة لا خبرا.

    قال: فإذا لم يأتك بأي من االأمرين.. بل كان في المخطوطة ما يدل على أنها كتبت في قرنك، لا في القرن العاشر.

    قلت: حينذاك لا يبقى إلا أن أواجهه بالجقيقة، وهي أن المخطوطة مزورة.

    قال: هذا نفسه ما حدث للتوراة.. فقد ذكرت أسماء كثيرة لمسميات لم يعرفها بنو إسرائيل إلا بعد موسى، ولم تسم بهذه الأسماء إلا بعد قرون من وفاة موسى.. وسأضرب لك أمثلة على ذلك.

    جاء في سفر التكوين:(ثم رحل إسرائيل ونصب خيمته وراء مجدل عدر) (التكوين:35/21) وهذا اسم لمنارة في هيكل سليمان بنيت بعد موسى بأربعمائة سنة.

    وجاء في نفس السفر:( وتبعهم إلى دان )(التكوين 14/14) مع أنها سميت بهذا الاسم في عهد القضاة، أي بعد موسى بما يربو على مائة سنة، كما ورد في سفر القضاة:( وجاءوا إلى لايش.. ودعوا اسم المدينة دان، باسم دان أبيهم )(القضاة: 18/27 - 29)

    ومثل ذلك ما جاء في سفر التكوين، فقد ذكر فيه:( لأني قد سرقت من أرض العبرانيين )(التكوين:40/15)، مع أن فلسطين لم تسم بهذا الاسم في عهد موسى، إذ لم يدخل العبرانيون بعد.

    ومثله:( وجاء يعقوب إلى إسحاق أبيه إلى ممرا قرية أربع التي هي حبرون) (التكوين 35/27 )، ولم تسم حبرون، وهي الخليل بهذا الاسم إلا في عهد يشوع، كما ورد في سفر يشوع:( فباركه يشوع، وأعطى حبرون لكالب.. واسم حبرون قبلاً قرية أربع، الرجل الأعظم في العناقيين )( يشوع: 14/13 - 15)

    التفت إلي، فرآني صامتا، فقال: قد تتهمني في بحثي.. وقد تظن أن هناك أجوبة على ما طرحته من إشكالات.. لا.. لدي شهادات كثيرة على ما أقول.

    قام إلى المكتبة، وأخذ مخطوطا، وقال:  لعل من أولها ما كتبه ابن عزرا، وهو الحبر اليهودي الغرناطي ( تـ 1167م ) فقد ألغز ملاحظته فقال في شرحه لسفر التثنية:( فيما وراء نهر الأردن.. لو كنت تعرف سر الإثني عشر.. كتب موسى شريعته أيضاً.. وكان الكنعاني على الأرض.. سيوحي به على جبل الله.. ها هوذا سريره، سرير من حديد، حينئذ تعرف الحقيقة )

    قلت: ولكن ابن عزرا لم يصرح بشيء..

    قال: هو لم يجرؤ على التصريح.. ولكن إلغازه لا يشير إلا إلى ذلك.. ولهذا فسر اليهودي الناقد اسبينوزا قول ابن عزرا بأنه أراد بأن موسى لم يكتب التوراة لأن موسى لم يعبر النهر، ثم سفر موسى قد نقش على اثني عشر حجراً بخط واضح، فحجمه ليس بحجم التوراة، ثم لا يصح أن تقول التوراة بأن موسى كتب التوراة، ثم كيف يذكر أن الكنعانيين كانوا حينئذ على الأرض؟، فهذا لا يكون إلا بعد طردهم منها، وأما جبل الله فسمي بهذا الاسم بعد قرون من موسى، وسرير عوج الحديدي جاء ذكره في التثنية (3/11-12) بما يدل على أنه كتب بعده بزمن طويل.

    قلت: لقد حل اسبينوزا اللغز حلا جيدا.

    قال: لقد حللت اللغز قبل أن أرى حل اسبينوزا.. هو واضح لكل من تأمل ما قاله ابن عزرا.. لأني نفسي كنت أستغرب مثل تلك النصوص.

    سكت قليلا، ثم قال: ليس ابن عزرا وحده.. هناك جموع من المشككين..

    أخذ كتابا آخر، وفتحه، وقال: في القرن التاسع عشر صرح القس نورتن بعدم صحة نسبة الأسفار لموسى فقال::( التوراة جعلية يقيناً، ليست من تصنيف موسى )

    أخذ كتابا آخر، وقال: في مدخل هذه الطبعة للكتاب المقدس باللغة الانجليزية والتي صدرت عام 1971م سجل محررو الطبعة تشككاً في إلصاق الأسفار بموسى فقالوا: (مؤلفه موسى على الأغلب )

    أخذ كتابا آخر، وقال: هذه طبعة للكتاب المقدس طبعتها المطبعة الكاثوليكية التي صدرت عام 1960م.. اسمع ما جاء في مدخلها:( ما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته كتب كل التوراة منذ قصة الخليقة، أو أنه أشرف على وضع النص الذي كتبه عديدون بعده، بل يجب القول بأن هناك ازدياداً تدريجياً سببته مناسبات العصور التالية الاجتماعية والدينية )

    ومثل ذلك جاء في المدخل الفرنسي للكتاب المقدس .. انظر..

    أراني الموضع الذي ورد فيه التصريح.

    أخذ كتابا آخر، وقال: هذه دائرة معارف القرن التاسع عشر.. اسمع ماذا تقول:( العلم العصري، ولاسيما النقد الألماني قد أثبت بعد أبحاث مستفيضة في الآثار القديمة، والتاريخ وعلم اللغات أن التوراة لم يكتبها موسى عليه السلام، وإنما هي من عمل أحبار لم يذكروا أسماءهم عليها، وألفوها على التعاقب معتمدين في تأليفها على روايات سماعية سمعوها قبل أسر بابل )

    أخذ كتابا آخر، وقال: اسمع ما يقول نولدكه في كتابه:( اللغات السامية ):( جمعت التوراة بعد موسى بتسعمائة سنة، واستغرق تأليفها وجمعها زمناً متطاولاً تعرضت حياله للزيادة والنقص، وإنه من العسير أن نجد كلمة متكاملة في التوراة مما جاء به موسى).

    أخذ كتابا آخر، وقال: أنت تعرف جارودي.. لا بأس.. أعرف أنك تقف منه موقفا سلبيا.. كنت مثلك.. لكن العلم يقتضي الحياد.. اسمع ما يقول في كتابه ( إسرائيل والصهيونية السياسية ):( ليس هناك عالم من علماء التوراة وتفسيرها لا يقر بأن أقدم نصوص التوراة قد ألف وكتب على الأكثر في عهد سليمان، وهذه النصوص ليست إلا تجميعاً لروايات شفهية، وإذا التزمنا بمعايير الموضوعية التاريخية كان علينا الإقرار بأن هذه الروايات التي تتحدث عن ملاحم مرت عليها قرون ليست أكثر تاريخية - بالمعنى الدقيق للكلمة - من الإلياذة أو الرامايانا )

    التفت إلي، فرآني مستغرقا في دهشتي، فقال: فهل ترى بعد ذلك أن هذه الأسفار الخمسة من كلام موسى أو كلام الله؟

    2 ـ أسفار الأنبياء:

    قلت: ولكن الكتاب المقدس، أو العهد القديم منه ليس توراة موسى فحسب.

    قال: لقد بحثت فيها جميعا، فوجدت في كل واحد منها من الدلائل ما يشير إلى أن تلك الأسفار بين احتمالين:

    إما أن الأنبياء لم يكتبوها إطلاقا.

    وإما أنهم كتبوها، ولكن تحريفات كثيرة دخلت عليها.

    قلت: كيف عرفت ذلك؟

    قال: سنبحث هذا مع بعضنا هنا.. خذ نسخة من العهد القديم، وافتحها.. ولنبدأ بسفر يشوع.. إن قراءة متأنية لهذا السفر تكشف عن تأخر تاريخ كتابته عن يشوع بسنين طويلة فقد جاء فيه خبر موت يشوع.. افتح (يشوع: 29:24ـ30) واقرأ علي.

    فتحت في الموضع الذي حددت، وقرأت:( مات يشوع بن نون عبد الرب ابن مائة وعشر سنين، فدفنوه في تخم ملكه )

    قال: هل رأيت كتابا يذكر مؤلفه فيه تاريخ وفاته، بل المحل الذي دفن فيه؟

    صمت، فقال: ليس ذلك فقط.. بل إن السفر يذكر أحداثاً بعد موته، كتعظيم بني إسرائيل له بعد موته.. انظر (يشوع 31:24)

    ليس ذلك فقط، بل السفر برمته يتحدث عن يشوع بضمير الغائب (انظر 35:8، 27:6 )

    دعنا من سفر يشوع.. وافتح سفر القضاة.. إن هذا السفر يتحدث عن الفترة التي تلت يشوع، والتي سبقت الملكية، وهي فترة مبكرة من تاريخ بني إسرائيل.

    ولكن السفر يحوى ما يدل على أنه كتب في عهد الملوك، فقد جاء فيه:( في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل )( قضاة 25:21)وفيه:( وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل )( قضاة 6:17 )

    بل إن الأب لوفيفر يقول:( إن سفر القضاة أعيدت كتابته وعدلت مرات كثيرة قبل أن يصل إلى صيغته النهائية، وأن أحداثه التاريخية تعوزها الدقة )، وقومي وقومك يعترفون بأنه لا يعلم كاتب السفر.. ويظنون أنه صموئيل.

    افتح سفرا صموئيل الأول والثاني.. هذان السفران ينسبان للنبي صموئيل، لكن الجزء الأول أو السفر الأول يذكر وفاة صموئيل ودفنه.. افتح( صموئيل (1) 1:25 )

    فتحت، وقرأت:( فمات صموئيل فاجتمع إسرائيل، وندبوه، ودفنوه )

    قال: من الذي أكمل السفر وكتب الثاني؟

    صمت، فقال: يقول منقحو الكتاب المقدس الذي راجعه القسيس فانت السكرتير العام لجمعية الكتاب المقدس بنيويورك بأن مؤلف السفرين مجهول، ويحتمل أن يكون عزرا هو الذي كتبه وراجعه.

    افتح سفر أيوب.. لقد جاء في وسط السفر ما يدل على أن ثمة كاتباً آخر غير أيوب قد تدخل في السفر، ففي نهاية الأصحاح 31 تجد:( تمت أقوال أيوب )( أيوب 40: 31 ).. لكن لم ينته السفر حينذاك بل استمر بعده أحد عشر إصحاحاً تحدثت عن أيوب.. وفي نهاية السفر:( وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة ورأى بنيه، وبني بنيه إلى أربعة أجيال، ثم مات أيوب شيخاً وشبعان الأيام )(أيوب: 16: 42ـ17)

    افتح سفر المزامير.. عدد المزامير مائة وخمسون مزموراً تنسب إلى مؤلفين مختلفين، إذ ينسب لداود ثلاثة وسبعون مزموراً، ولموسى مزمور واحد، ولأساف أحد عشر مزموراً، ولبني قورح أحد عشر مزموراً، ومزموران لسليمان، وآخر لايثان، وتسمى الباقي بالمزامير اليتيمة التي لايعرف من قائلها.. فكيف وصفت بالوحي؟.. وهل كان بنو قورح أيضاً أنبياء؟

    والمتأمل في المزامير يدرك بوضوح كبير أن المزامير تعود للقرن السادس قبل الميلاد وتحديداً إلى أيام السبي البابلي، وذلك يظهر من أمثلة متعددة سنراها جميعا.. افتح ( 79: 1 - 2 )، واقرأ علي.

    فتحت، وقرأت:( اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك، ونجسوا هيكل قدسك، وجعلوا أورشليم أكواماً، دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء )

    قال: اقرأ ( 147: 2 )

    قرأت:( الرب يبني أورشليم، يجمع منفى إسرائيل يشفي المنكسري القلوب، ويجبر كسرهم )

    قال: اقرأ ( 137: 1 )

    قرأت:( على أنهار بابل جلسنا.. بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون.. لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون )

    قال: أترى أن هذه المزامير كتبت في عهد داود؟

    قلت: أرى أنها تأخرت عن داود مالا يقل عن أربعة قرون.

    قال: فكيف تصح نسبتها إليه إذن؟

    افتح سفر إشعيا.. ينسب هذا السفر للنبي إشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، فقد عاصر الملك عزيا ثم يوثام ثم أحاز ثم حزقيا، ولكن السفر يتحدث عن الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد مما يؤكد أن ثمة كاتبا أو كاتبين قد كتبوا ذلك بعد إشعيا، ومن أمثلة ذلك حديثه عن بابل الدولة العظيمة وتنبؤه بإنهيارها.

    وأيضاً حديثه عن كورش الفارسي الذي ردّ اليهود من السبي.. انظر (28:44 - 1:45).. كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الاصحاحات 56 - 66.

    وقد قال العالم الألماني أستاهلن:( لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا )

    افتح سفر إرمياء.. هذا السفر لا تصح نسبته للنبي إرمياء إذ هو من عمل عدة مؤلفين بدليل تناقضه في ذكر الحادثة الواحدة، ومن ذلك تناقضه في طريقة القبض على إرمياء وسجنه.. انظر: (إرمياء 37: 11 - 15 و 38: 13 )

    كما أن السفر يحمل اعترافاً بزيادة لغير إرمياء ففيه:( فأخذ إرمياء درجاً آخر، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب، فكتب فيه عن فم إرميا، كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله )( 33: 36 )، وفي موضع آخر:( إلى هنا كلام إرمياء)( 64: 51 ).. ومع ذلك يستمر السفر، فمن أكمله؟

    افتح سفر دانيال.. لا يمكن أن يكون هذا السفر قد كتب في ذلك الزمن البعيد الذي روي أنه عاش دانيال فيه أي عندما سقطت بابل في يد الملك الفارسي كورش عام 538 ق. م بل لا بد أن يكون هذا السفر قد كتب بعد ذلك بثلاثة قرون أو أربعة.

    قلت: كيف عرفت ذلك؟

    قال: أولاً: يتضمن هذا السفر كلمات مقدونية مع أن اليهود في الأسر البابلي لم يكونوا قد خالطوا اليونان، ولا حكت أسماعهم للغة اليونانية.. ثانياً: هذا السفر فيه وصف للكلدانيين لا يتسنى الإتيان به لكاتب سابق على عصر الاسكندر.. ثالثاً: اقتبس طرفاً من أقوال أرميا وحزقيال وزكريا مع أن هؤلاء الأنبياء متفرقون في الزمن، فأرميا بداية الأسر وحزقيال في وسطه وزكريا في أواخر الدولة الفارسية.

    قلت: فهذه الأسفار جميعا تفتقر إلى الأسانيد التي تثبت نسبتها لمؤلفيها؟

    قال: أجل.. وليس هذا قولي فقط.. بل هو قول كل محقق مدقق.. وسأذكر لك بعض الشهادات المؤيدة لهذا.

    قام وأخرج كتابا من رف من رفوف ذلك الجناح، وقال: سأقرأ لك هنا بعض ما جاء في الدراسة القيمة المسماة:( مدخل إلى الكتاب المقدس)، والتي نقلتها الرهبانية اليسوعية من الترجمة المسكونية الفرنسية للكتاب المقدس[5].

    فتح الكتاب، وأخذ يقرأ:( ما هو الكتاب المقدس؟ تكفي نظرة نلقيها على الفهرس لنرى: أنه مكتبة، بل مجموعة كتب مختلفة جداً.. ذلك أنها تمتد على أكثر من عشرة قرون، وتنسب إلى عشرات المؤلفين المختلفين، بعضها وضع بالعبرية مع بعض المقاطع بالآرامية، وبعضها الآخر باليونانية، وهي تنتمي إلى أشد الفنون الأدبية اختلافاً كالرواية التاريخية ومجموعة القوانين والصلاة والقصيدة الشعرية والرسالة والقصة )

    قلب مجموعة صفحات، ثم أخذ يقرأ:( أسفار الكتاب المقدس هي عمل مؤلفين ومحررين ظل عدد كبير منهم مجهولاً لكنهم _ على كل حال _ لم يكونوا منفردين، لأن الشعب كان يساندهم، ذلك الشعب الذي كانوا يقاسمونه الحياة والهموم والآمال حتى في الأيام التي كانوا يقاومونه فيها. معظم عملهم مستوحى من تقاليد الجماعة. وقبل أن تتخذ كتبهم صيغتها النهائية انتشرت زمناً طويلاً بين الشعب. وهي تحمل آثار ردود فعل القراء في شكل تنقيحات وتعليقات، وحتى في شكل إعادة صياغة بعض النصوص إلى حد هام أو قليل الأهمية. لا بل أحدث الأسفار ما هي أحياناً إلا تفسير وتحديث لكتب قديمة )

    أغلق الكتاب، ثم قال: هذا الكلام لم يقله مسلم.. ولم يقله شيوعي يكره الأديان.. هذا الكلام قاله رجال دين.. ورجال دين يعتقدون أن هذا هو كتابهم المقدس.. ومع ذلك، فهو يتضمن اعترافاً صريحاً لا لبس فيه أن هذه الأسفار المجمعة باسم (العهد القديم) والمعروفة باسم ( الكتاب المقدس ) ليست من عند الله مباشرة ولا أوحى الله بها لأحد من أنبيائه، بل هي عمل مؤلفين ومحررين استلهموا أعمالهم من تقاليد الشعب وآلامه وأحلامه.. وكانت تلك الصياغات ديناميكية، أي أنها قابلة دوماً للتغيير، وليست ثابتة.. بل كان القراء ينقحونها ويعلقون عليها.. بل ويقوم بعضهم بإعادة صياغتها مرة أخرى بحيث يغير النصوص السابقة.

    ثم فتح الكتاب على موضع معلم عليه، وقال: وتقول هذه الدراسة أيضاً:( لم يكن هناك حدود للكتابات المعترف بها لدى حاخامات اليهود باعتبارها وحياً من الله، لأن الإضافات كانت مستمرة والقائمة مفتوحة )

    ويقول الآباء اليسوعيون في مقدمة الكتاب المقدس:( كثير من علامات التقدم تظهر في روايات هذا الكتاب وشرائعه مما حمل المفسرين من كاثوليك وغيرهم على التنقيب عن أصل الأسفار الخمسة الأدبي فما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته قد كتب كل البانتاتيك منذ قصة الخلق إلى قصة موته، كما أنه لا يكفي أن يقال أن موسى أشرف على وضع النص الذي دونه كتبة عديدون في غضون أربعين سنة بل يجب القول مع لجنة الكتاب المقدس البابوية ( 1948 ) أنه يوجد ازدياد تدريجي في الشرائع الموسوية سببته مناسبات العصور التالية الاجتماعية والدينية تقدم يظهر أيضاً في الروايات التاريخية )[6]

    قلت: هذا اعتراف خطير..

    قال: هذا غيض من فيض.. الاعترافات كثيرة جدا..

    سار إلى رف آخر، وأخذ كتابا، وقال: سأقرأ لك ما تقوله دائرة المعارف الأمريكية ( ENCYLOPAEDIA AMERICANA ) طبعة 1959 _ الجزء الثالث، تقول:( لم يصلنا أي نسخة بخط المؤلف الأصلي لكتب العهد القديم، أما النصوص التي بين أيدينا، فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة والنساخ، ولدينا شواهد وفيرة تبين أن الكتبة قد غيروا بقصد أو دون قصد منهم في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها ونقلها.

    وقد حدث التغيير دون قصد حين أخطأوا في قراءة بعض الكلمات.. كذلك حين كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين، وأحياناً ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها.

    وأما تغيرهم في النص الأصلي عن قصد، فقد مارسوه مع فقرات كاملة حين كانوا يتصورون أنها كتبت خطأ في الصورة التي بين أيديهم، كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات، أو يضيفون على النص الأصلي فقرات توضيحية.

    ولا يوجد سبب يدعو للافتراض بأن أسفار العهد القديم لم تتعرض للأنواع العادية من الفساد في عملية النسخ، على الأقل في الفترة التي سبقت اعتبارها أسفاراً مقدسة )

    ليس هذا فقط.. هناك شهادات أخرى..

    حمل كتابا آخر، وقال: هذه الترجمة الفرنسية المسكونية تحت عنوان ( فساد النص ) تقول:( لا شك أن هناك عدداً من النصوص المشوهة التي تفصل النص المسوري الأول عن النص الأصلي، فعلى سبيل المثال: تقفز عين الناسخ من كلمة إلى كلمة تشبهها وترد بعد بضعة أسطر مهملة كل ما يفصل بينهما.. والجدير بالذكر أن بعض النساخ الأتقياء أقدموا بإدخال تصحيحات لاهوتية على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطر )[7]

    العهد الجديد:

    قلت: إن كل ما ذكرته مرتبط بالعهد القديم، فهل أصاب العهد الجديد ما أصاب العهد القديم؟

    قال: أجل.. وعدم السند الصحيح في العهد الجديد أخطر منه في العهد القديم.

    قلت: كيف ذلك؟.. أليس العهد الجديد متأخرا عن العهد القديم؟

    قال: نعم.. ولكن الظروف التي مرت بها المسيحية في بدايتها جعلت من الإنجيل الواحد الذي جاء به المسيح أناجيل عديدة، بل أضافت كتبا كثيرة للعهد الجديد.

    قلت: فكيف نعرف مدى صحة أسانيد العهد الجديد؟

    قال: إن ذلك يستدعي معرفة الكتبة الذين كتبوه.. لقد كان جهلنا بكتبة العهد القديم هو الذي جعلنا نشك في كثير مما ورد فيه..

    قلت: ولكن كتبة العهد الجديد معروفون؟

    1 ـ الأناجيل:

    قال: دعنا نسير رويدا.. ولنبدأ بالأناجيل المعروفة لنعرف علاقتها بالكتبة، ثم علاقة الكتبة بالمسيح..

    إنجيل متى:

    نهض من مكانه، ثم أخذ كتابا صغيرا.. وقال: فلنبدأ بأول إنجيل يطالعك،  وأنت تقرأ الكتاب المقدس، إنه إنجيل متى.. وهو يتكون من ثمانية وعشرين إصحاحاً تحكي ـ كسائر الأناجيل ـ حياة المسيح ومواعظه من ميلاده حتى رحيله.

    قلت: هذا الإنجيل من أهم الأناجيل، وأقربها لعهد المسيح.. فقد كتبه متى، وهو أحد التلاميذ الإثنى عشر الذين اصطفاهم المسيح، وقد كتبه ما بين 37 - 64 م، لليهود المتنصرين.. وهو لقربه من المسيح ألف بالعبرانية[8].

    قال: فهل النسخ التي تعتمد اليوم من هذا الإنجيل نسخ عبرانية؟

    قلت: لا.. لا توجد أي نسخة عبرانية من هذا الإنجيل اليوم.. كل المخطوطات الموجودة مخطوطات يونانية.

    قلت: إذن لا يحق لك أن تفرح بقرب هذا الإنجيل من عهد المسيح.

    قلت: لم؟

    قال: لأن الأصل الذي كتبه يوحنا مفقود.. ولم يبق إلا الترجمة.. ونحن لا نعرف المترجم.. فنحن تحت رحمته.. فكيف ننسب كتابا مقدسا لمترجم لا نعرفه.. وليس لدينا الأصل الذي نعرف به مدى صحة الترجمة.

    قلت: أليس من المحتمل أن يكون متى هو الذي ترجمه.. فقد قيل بذلك؟

    قال: وقيل غير ذلك.. فقد ذكر القديس جيروم ( 420م )( أن الذي ترجم متى من العبرانية إلى اليونانية غير معروف ).. بل لعل مترجمه أكثر من واحد، كما قال بابياس.

    وقد قال نورتن الملقب بـ (حامي الإنجيل ) عن عمل هذا المترجم المجهول:( إن مترجم متى كان حاطب ليل، ما كان يميز بين الرطب واليابس، فما في المتن من الصحيح، والغلط ترجمه )

    ليست هذه شهادات مسلمين.. إنها شهادات قديسين.. اسمع شهادة أسقف هرابوليسن وهو الأسقف بابياس 155م حيث قال:( قد كتب متى الأقوال بالعبرانية، ثم ترجمها كل واحد إلى اليونانية حسب استطاعته )

    قلت: أراك بدأت تشكيكي في هذا الإنجيل انطلاقا من ترجمته؟

    قال: أجل.. من أهم ما يمكن أن يؤثر في الكتاب المقدس ترجمته.. خاصة إن كان المترجم غير أمين.. ولهذا كان احتفاظ الكتاب المقدس للمسلمين بلغته الأصلية من أكبر دواعي إعجابي وثقتي.

    قلت: فلنحسن الظن بالمترجم.. لماذا نسيء الظن؟

    قال: لقد خطر هذا على بالي.. ولذلك رحت أبحث عن متى، وعن صلته بالإنجيل المنسوب إليه؟

    قلت: ولماذا تبحث عن متى؟..

    قال: لقد ذكرت لك أني لا أتيقن إلا بعد أن أشك.. ألست مثلي في هذا.. بلى.. أنت مثلي.. لقد ذكرت لي ذلك.

    قلت: إن متى معروف.. فهو أحد التلاميذ الاثنى عشر، وكان يعمل عشاراً في كفر ناحوم، وقد تبع المسيح بعد ذلك.

    والمصادر التاريخية تذكر أنه رحل إلى الحبشة، وقتل فيها عام 70 م، وقد ذكر في العهد الجديد مرتين في إنجيله، أما المرة الأولى فعندما ناداه المسيح، وهو في مكان عمله في الجباية ( انظر متى 10/3، ولوقا 6/15 ) والثانية في سياق تعداده لأسماء التلاميذ الاثني عشر (انظر متى 10/3)

    قال: ولكن مرقس ولوقا ذكرا أن العشار هو لاوي بن حلفي ( انظر مرقس 2/15، ولوقا 5/27 ) ولم يذكرا متى .. فمن نصدق؟

    قلت: يمكن أن نصدق الجميع بأن نعتبر متى العشار هو لاوي بن حلفي.

    قال: وما أدلة ذلك؟

    قلت: لا يعقل أن إنجيلاً خطيراً كهذا.. والذي هو أول الأناجيل.. ينسب إلى شخص مجهول.. بالإضافة إلى هذا فقد ذكر بابياس في القرن الثاني الميلادي أن متى قد جمع أقوال المسيح.

    ومما زادني وثوقا في هذا أن متى كان جابيا.. والجابي عادة يحتفظ بالسجلات بأمانة ودقة.. فلذلك احتفظ هذا الإنجيلي بأقوال المسيح بكل دقة.

    قال: لا بأس.. إشاراتك جميلة.. ولكن عند دراستنا الموضوعية لإنجيل متى نجد أنه لا يمكن أن يكون مؤلفه هو متى حواري المسيح.

    قلت: كيف ذلك؟

    قال: أجبني أولا.. هل يمكن لتلميذ تربى على يدي المسيح، وشاهد أحواله أن ينقل سيرة حياة المسيح عمن لم يعرف المسيح، ولم يره، ولم يتأدب على يديه؟

    قلت: لا.. المعاصر أولى من غيره.

    قال: لقد لاحظت من خلال دراستي الموضوعية لهذا الإنجيل أن كاتبه ليس متى الحواري.

    قلت: ما تقول؟

    قال: اصبر علي.. لقد رأيت كاتب هذا الإنجيل الذي هو في الأصل متى يعتمد في إنجيله على إنجيل مرقس، فقد نقل من مرقس ستمائة فقرة من فقرات مرقس الستمائة والاثني عشر.

    وليست هذه ملاحظتي فقط.. بل يقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى:( إن القديس متى كان يقتبس من إنجيل القديس مرقس، وكان ينقحه محاولاً الوصول إلى تصور أحسن وأفضل لله )

    ويضيف القس فهيم عزيز أن اعتماد متى على مرقس حقيقة معروفة لدى جميع الدارسين، فإذا كان متى هو كاتب الإنجيل، فكيف ينقل عن مرقس الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة المسيح؟ كيف لأحد التلاميذ الإثني عشر أن ينقل عنه؟

    بالإضافة إلى هذا.. فإن هناك في إنجيل متى ما يؤكد هذه الشكوك..

    لقد ذكر متى العشار مرتين، ولم يشر أي إشارة إلى أنه الكاتب، فقد ذكره بين التلاميذ الإثنى عشر، ولم يجعله أولاً ولا آخراً، ثم لما تحدث عن اتباعه للمسيح قال:( وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى فقال له: اتبعني فقام وتبعه ) ( متى: 9/9)

    ألا ترى أنه استخدم أسلوب الغائب.. فلو كان هو الكاتب لقال:( قال لي).. ( تبعته ).. ( رآني )

    وليس هذا رأيي وحدي.. سأقرأ لك من الشهادات ما يثبت ما أقوله.

    أخذ كتابا قديما، وقال: هذا جون فنتون، وهو مفسر متى وعميد كلية اللاهوت بلينشفيلد.. هو يذكر في كتابه هذا أنه لا يوجد دليل على أن متى هو اسم التنصير للاوي، ويرى أنه من المحتمل:( أنه كانت هناك بعض الصلات بين متى التلميذ والكنيسة التي كتب من أجلها هذا الإنجيل، ولهذا فإن مؤلف هذا الإنجيل نسب عمله إلى مؤسس تلك الكنيسة أو معلمها الذي كان اسمه متى، ويحتمل أن المبشر كاتب الإنجيل قد اغتنم الفرصة التي أعطاه إياها مرقس عند الكلام على دعوة أحد التلاميذ، فربطها بذلك التلميذ الخاص أحد الإثني عشر ( متى ) الذي وقره باعتباره رسول الكنيسة التي يتبعها )

    أخذ كتابا آخر، وقال: هذا  فاستس، وهو من القرن الرابع يقول عن هذا الإنجيل:( إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه ).. ومثل ذلك القديس وليمس، والأب ديدون في كتابه (حياة المسيح)

    أخذ كتابا آخر، وقال: هذا ج ب فيلبس يقول:( نسب التراث القديم هذه البشارة إلى الحواري متى، ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي )

    أخذ كتابا آخر، وقال: وهذا د برونر يقول:( إن هذا الإنجيل كله كاذب )

    أخذ كتابا آخر، وقال: هذا البرفسور هارنج يقول:( إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري، بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما )

    أخذ كتابا آخر، وقال:اسمع ما جاء في مقدمة إنجيل متى للكاثوليك:( أما المؤلف، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وتقاليد الكنيسة تنسبه إلى الرسول متى، ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم )

    أخذ كتابا آخر، وقال: هذا جون فنتون، وهو مفسر لإنجيل متى.. اسمع ما يقول في تفسيره عن كاتب متى:( إن ربط شخصيته كمؤلف بهذا التلميذ إنما هي بالتأكيد محض خيال )

    قلت: فمن مؤلف إنجيل متى إذن إذا لم يكن هو متى؟

    قال: هذا سؤال وجيه.. سألته لنفسي.. وقد حاولت أن أدرس المؤلف دراسة نفسية، وقد وجدت أنه ـ كما يظهر في إنجيله ـ مسيحي يهودي يربط بين التوراة وحياة المسيح.

    وقد وجدت كولمان يصل إلى نفس النتيجة، فهو يصفه بقوله:( يقطع الحبال التي تربطه باليهودية مع حرصه على الاستمرار في خط العهد القديم، فهو كاتب يهودي يحترم الناموس، ويعتبر بذلك من البعيدين عن مدرسة بولس الذي لا يحترم الناموس، فهو يقول:( فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس، هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات )( متى 5/19 ).

    وانطلاقا من هذا يرجح كولمان أنه عاش في فلسطين، ويرجح فنتون أنه كتب في حوالي الفترة من 85 - 105م، مع أن متى مات سنة70.. وهو يقارب ما ذهب إليه البرفسور هارنج حين قال:( إن انجيل متى ألف بين 80 - 100م )

    قلت: ولكن ما تقول فيما ذكر بابياس من أن متى كتب وجمع أقوال المسيح؟

    قال: ولكن هل ما تراه في هذا الإنجيل هو أقوال المسيح.. إنه قصة كاملة عن المسيح وليس جمعاً لأقواله.

    زيادة على ذلك.. فإن كثيرا من الأناجيل ضاعت.. وقد يكون إنجيل متى الحقيقي من بينها..

    زيادة على ذلك.. فإن من الأناجيل التي رفضتها الكنيسة إنجيلاً يسمى إنجيل متى.. أليس من المحتمل أن يكون بابياس قد عناه بقوله هذا؟

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 13:15

    إنجيل مرقس:

    أعاد إنجيل متى إلى محله من الرفوف، وقال: فلننتقل إلى إنجيل آخر..

    أخذ كتابا آخر أصغر حجما، وقال: هذا إنجيل مرقس.. وهو ثاني الأناجيل التي تطالعنا في العهد الجديد.

    أراني إياه، ثم قال: انظر إليه إنه أقصر الأناجيل، ولهذا يعتبره النقاد أصح إنجيل يتحدث عن حياة المسيح.. بل هم يكادون يجمعون على أنه أول الأناجيل تأليفاً.. وقد عرفنا أنهم يذكرون أن متى نقل إنجيله عنه.

    فتح أول صفحة، وقال: هذا الإنجيل هو الوحيد بين الأناجيل المسمى بإنجيل المسيح.. فأول فقرة فيه:( بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله )( مرقس 1/1 )

    وهو يتكون من من ستة عشر إصحاحاً، تحكي قصة المسيح من لدن تعميده على يد يوحنا المعمداني إلى قيامة المسيح بعد قتله على الصليب.

    قلت: فيمكن الاعتماد على الإنجيل إذن.. واعتباره كتابا مقدسا.

    قال: ألا تعرف من هو مرقس؟

    قلت: أعلم أنه ليس من الحواريين.. ولا علم لي بتفاصيل حياته بعد ذلك.

    قال: هنا ترى الفرق عظيما بين أسانيد المسلمين وأسانيدنا.. إن المسلمين يتشددون كثيرا في الرواة.. حتى الرواة الذين ينقلون أحاديث نبيهم.. بل أحاديث صحابة نبيهم.. بل حتى الناقلين للأخبار والتواريخ.. فكيف بكتابهم المقدس؟

    إن كل راو من رواة هذه النصوص المقدسة وغير المقدسة يحمل تراجم مفصلة عن حياته، ثم حكما عليه بعد ذلك بالقبول أو الرفض.. وهذا ما نفتقده نحن في أهم مصادر ديننا.

    قلت: فمن هو مرقس؟

    قال: يتفق المحققون في ترجمته على ما رددته مصادرنا، والتي يجمعها ما جاء في قاموس الكتاب المقدس عنه، فهو الملقب بمرقس، واسمه يوحنا، وقد رافق برنابا وبولس في رحلتهما، ثم فارقهما، ثم عاد لمرافقة بولس.

    وهم يتفقون على أنه كان مترجماً لبطرس الذي له علاقة بهذا الإنجيل.

    ويذكر المؤرخ يوسيبوس أنه - أي مرقس - أول من نادى برسالة الإنجيل في الإسكندرية، وأنه قتل فيها.

    ومصادرنا لا تتفق على المحل الذي كتب فيه إنجيله.. فبعضها تذكر أنه كتبه في روما.. وبعضها ترى أنه كتبه في الإسكندرية.. وهي ترى أن كتابته تمت ـ على اختلاف في هذه المصادر ـ بين عام 39 ـ 75م.. ورجح أكثرها أن كتابته تمت بين 44 - 75م.. وهم يعتمدون في ذلك على شهادة المؤرخ ايرينايوس الذي قال:( إن مرقس كتب إنجيل بعد موت بطرس وبولس ).. ويرى اسبينوزا أن هذا الإنجيل كتب مرتين إحداهما قبل عام 180م والثانية بعده.

    وأقدم ذكر لهذا الإنجيل ورد على لسان المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال:( إن مرقس ألف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس )

    وقد كتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية، ويذكر البعض أنه كتب باللغة الرومانية أو اللاتينية.

    قلت: لقد ذكرت ترجمته.. فهل هناك ما يستدعي الشك في هذا الإنجيل؟

    قال: إذا طبقنا المقاييس العلمية الدقيقة في النقل.. فإن شكوكا كثيرة تعترض الباحث المنصف.

    قلت: مثل ماذا؟

    قال: أولا.. مرقس ليس من تلاميذ المسيح، بل هو من تلاميذ بولس وبطرس.. وبولس الذي تتلمذ عليه مرقس لم يكن من تلاميذ المسيح.. بل كان أعدى أعداء المسيحيين، وللباحث المنصف معه مواقف لا مجال لذكرها هنا[9].. ولم يكن له من الشهرة ما يمكننا من الحكم عليه وعلى روايته.. لقد قال المفسر نينهام مفسر لوقا:( لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة، وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى )

    بل قال مؤرخ آخر.. هو المؤرخ بابياس ( 140م ):( اعتاد الشيخ يوحنا أن يقول: إذ أصبح مرقس ترجماناً لبطرس دون بكل تدقيق كل ما تذكره، ولم يكن مع هذا بنفس الترتيب المضبوط ما رواه من أقوال وأفعال يسوع المسيح، وذلك لأنه لم يسمع من السيد المسيح فضلاً عن أنه لم يرافقه، ولكن بالتبعية كما قلت، التحق ببطرس الذي أخذ يصوغ تعاليم يسوع المسيح لتوائم حاجة المستمعين، وليس بعمل رواية وثيقة الصلة بيسوع وعن يسوع لأحاديثه )

    ويقول مفسر مرقس دنيس نينهام:( من غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في ( أعمال الرسل: 12/12، 25 ).. أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى ( 5/13 ).. أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس..

    بالإضافة إلى هذا كله.. فليس هناك أي مؤكدات على شخصية بطرس.. فقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم.. وعندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية، فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة.

    قلت: أرى شكوكا كثيرة تراودك حول هذا الإنجيل.

    قال: أجل.. الإنجيل في الأصل هو ما أنزل على المسيح.. فالكتاب المقدس ـ في أصله ـ هو كلام الله الذي أنزل على عباده.. لكني بمطالعة هذا الإنجيل أراه مجرد سيرة للمسيح تحمل بعض أقواله، وهي بالتالي تحمل أثرا لشخصية الكاتب، وما يتصوره عن المسيح ودين المسيح.

    قلت: لا.. أنت تحمل تصورا خاطئا للإنجيل.. أنت تقارن الإنجيل بالقرآن، وتدعو الإنجيل لأن يكون مثل القرآن.. نعم، القرآن ـ كما يدعي محمد ـ هو كلام الله.. وكل ما فيه كلام الله.. ولكن الإنجيل لا يعني ذلك.. إن كلمة إنجيل ـ وهي كلمة ليست عربية ـ تعني البشارة، أي أن الإنجيل هو البشارة بيسوع المسيح، وهذه البشارة تتضمنها هذه الأناجيل التي بين أيدينا.

    قال: لقد بحثت في هذه المسألة.. وطالعت الكتاب المقدس بدقة لأعرف حقيقة الإنجيل.. فوجدت ما ذكرته لك.. اسمع من إنجيل مرقس نفسه ما الذي ورد فيه.

    قلب بعض الصفحات، وقرأ:( ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله.فتوبوا وآمنوا بالانجيل ) (مرقس:1 /15)

    المسيح يدعوهم هنا إلى الإيمان بالإنجيل.. أي إنجيل يقصد.. هل يقصد حياته، أم أقواله؟

    قلب صفحات أخرى، وقرأ:( الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها )( مرقس:14 /9) هو هنا يشير إلى شيء معروف يسميه الإنجيل.

    ثم قرأ:( وقال لهم اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها)( مرقس:.16 /15)

    قلت: لا أرى أن هذه النصوص تتعارض مع ما ذكرت لك.. فالمسيح يأمرهم بالتبشير بظهوره وأقواله.

    قال: ولكن كيف يقول توبوا وآمنوا بالانجيل، والإنجيل لم يكتمل بعد؟.. ألا ترى أن أهم أبواب الإنجيل عندنا هي صلب المسيح وقيامته؟

    سكت، فقال: ومع ذلك.. سأقرأ لك من مرقس نفسه ما ينفي ما ذكرت.. اسمع.. قال مرقس:( فأجاب يسوع وقال: الحق أقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امرأة او اولادا او حقولا لاجلي ولاجل الإنجيل )(مرقس: 10/ 29)

    ألا ترى المسيح يفرق بين نفسه وبين الإنجيل.. ألا يدلك هذا على أنه كان هناك إنجيل بالفعل في زمن المسيح؟

    بل إني أرى أن اتفاق الجميع على وضع كتب يتفقون على تسميتها الإنجيل دليل على أنه كان هناك بالفعل كتاب للمسيح اسمه الإنجيل.. ولكنه ضاع دون أن نعلم أين ضاع ولا كيف ضاع.. صدقني.. إن حياة المسيح تمتلئ بأسرار كثيرة يصعب فكها.

    قلت: فأنت تعتمد على هذه الأدلة لتنفي صفة الإنجيل عن كل الأناجيل.

    قال: أنا لا أنفي عنها الصدق في كثير مما حدثت به من سيرة المسيح.. ولكني أراها كتب سيرة وتاريخ.. ولا أراها كتبا تحمل تلك القداسة التي يحمل الكتاب الذي لا يتكلم فيه إلا الله.

    ذلك أن قداسة الكتاب المقدس تكتسب من وحي الله..

    اسمع.. سنرجع إلى كتاب المسلمين المقدس.. وهو كتاب لم أسمع منه إلا الصدق.. إنه يخبر أن هناك كتابا أنزل على المسييح اسمه الإنجيل.. وقد وصفه وصفا دقيقا.

    أخذ مصحفا، وأخذ يقرأ:) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ((المائدة: 46) ا

    واسمع..:) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ((الحديد:27)

    إن القرآن الكريم يخبر عن تنزيل الإنجيل على المسيح.. ويخبر أن فيه هدى ونورا.

    قلت: القرآن يخبر أن أن الله آتى المسيح الإنجيل.. ولم يذكر الإنزال.

    قال: لقد عبر في مواضع أخرى عن ذلك بالإنزال.. اسمع ما يقول القرآن:) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ((آل عمران:3).. لقد ذكر هنا الإنزال.. وقرنه بالتوراة ليدل على أن الأصل في الكتاب المقدس هو كلام الله المنزل.

    وفي آية أخرى ورد:) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ((آل عمران:65)

    وفي آية أخرى:) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ((المائدة:47)

    وفي آية أخرى:) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ((المائدة:66)

    وفي آية أخرى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ((المائدة:68)

    بل إن القرآن يذكر بعض ما كان في ذلك الإنجيل، فيقول:) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً((الفتح:29)

    قلت: فأنت بهذا تنفي صفة القداسة عن كل العهد الجديد.. لأن كل كتاب أو رسالة فيه هي كلام بشر.

    قال: أنا لا أنفي عنها القداسة مطلقا.. ولكني أرى أن الكتبة ذكروا أشياء هي حقيقة من الإنجيل الحقيقي.. وأشياء أخرى كثيرة لا علاقة لها بالإنجيل.. وسنعرف ذلك في محله من مناقشتنا هذه.

    قلت: فلنعد إلى مرقس.. أرانا قد أطلنا الحديث عنه.

    قال: نعم.. لأنه أقرب الأناجيل المعروفة إلى الصحة، ومع ذلك تعتريه كل هذه الشبهات.

    قلت: ألديك شكوك أخرى فيه؟

    قال: أجل.. الإسناد بين المسيح ومرقس منقطع.. فلهذا لو طبقنا مقايسس المسلمين في دراسة الأسانيد على هذا الإنجيل لرأينا أنه من الأسانيد المنكرة التي لا يمكن التعويل عليها.

    لا أنكر أن أحداثا كثيرة ذكرها مرقس أو ذكرها الإنجيليون من بعده لا شك في صحتها، ومثل ذلك أقوالا كثيرة للمسيح.. ولكن أي شيء منها غير صحيح.. هذا هو محل الشك.

    بالإضافة إلى هذا.. فإن هناك مسألة شغلت الباحثين بخصوص هذا الإنجيل، وهي خاتمته، فإن خاتمة هذا الإنجيل (16/9 - 20 )[10] غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمة كمخطوطة الفاتيكان، والمخطوطة السينائية.

    ولهذا قال وليم باركلي:( إن النهاية المشهورة ـ علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة ـ فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل )

    وقد اعتبرتها النسخة القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها، ونقل رحمة الله الهندي أن القديس ( جيروم ) في القرن الخامس ذكر بأن الآباء الأوائل كانوا يشكون في هذه الخاتمة.

    ويقول عنها الأب كسينجر:( لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي ( النشر للعامة ) لكتاب مرقس في الجماعة التي ضمنته )

    ألا يدلك هذا القول على التلاعب الذي كان يمارس على الكتاب المقدس.. إنه يذكر أنه بعد أن جرت بين الأيدي الكتابات المتشابهة لمتى ولوقا ويوحنا، تم تأليف خاتمة محترمة لمرقس بالعناصر من هنا وهناك لدى المبشرين الآخرين..

    لقد علق موريس بوكاي على هذا بقوله:( ياله من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة )

    إنجيل لوقا:

    أرجع إنجيل مرقس، وأخذ إنجيلا آخر أكبر حجما، وقال: هذا هو إنجيل لوقا.. إنه ثالث الأناجيل وأطولها، فهو يتكون من أربعة وعشرين إصحاحاً، يتحدث الإصحاحان الأولان عن النبي يحيى وولادة المسيح، ثم تكمل بقية الإصحاحات سيرة المسيح إلى القيامة بعد الصلب و كاتبه هو لوقا.. أتعرف من هو لوقا؟

    قلت: أجل.. هو كاتب الإنجيل المسمى باسمه.

    قال: أتعرف علاقته بالمسيح؟

    قلت: لا أكتمك بأنه لم يكن لي اهتمام كبير في التدقيق في هذه الأمور.. فلهذا تعامل معي كعامي فيها.

    قال: لا علاقة للوقا بالمسيح.. بل إنه كتب إنجيله حوالي عام 60 ميلادي، والأصل الذي كتب عنه إنجيله غير موجود.. لكن أدلة كثيرة تدل على أنه اعتمد في مصادره على مرقس، فنقل عنه ثلاثمائة وخمسين من فقراته التي بلغت ستمائة وإحدى وستين فقرة، كما نقل عن متى أو عن مصدر أخر مشترك بينه وبين متى.

    وبذلك تكون الثقة في إنجيله بقدر الثقة في المصادر التي اعتمد عليها.

    أما عن شخصيته.. فإن الغموض يكتنفها هي الأخرى.. فبعضهم يذكر أنه كان رومانياً، وبعضهم يذكر أنه كان أنطاكياً، وبعضهم يذكر غير ذلك.

    واختلفوا في مهنته، فبعضهم يذكر أنه كان طبيباً، وبعضهم يذكر أنه كان مصوراً.

    واختلفوا في اللغة التي كتب بها إنجيله..

    واختلفوا في السنة التي ألف فيها إنجيله بين 53 - 80 م.

    تقدم إلي، وسلمني نسخة من إنجيل لوقا، وقال: خذ، واقرأ أول هذا الإنجيل.

    فتحت، وقرأت من (إنجيل لوقا 1:4):( إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً ـ إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق ـ أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به )

    قال: هل ترى أن مثل هذا الكلام أنزل على المسيح؟

    وهل ترى لوقا ملهما في قوله هذا الكلام؟.. وهل تراه كتب إنجيله بوحي من الله؟.. إنه لم يدع أى الهام إلهى أو الهام من روح القدس كما نسب له فيما بعد، بل لم يكن يعرف أنهم سيعلون شأن ما كتب كما فعل القوم لاحقا.

    هو لم يذكر إلا أنه قرر أن يكتب ما يعرفه بعد أن تتبع كل شيء، أي أنه قام بالبحث والتدقيق والتمحيص، مما يعني أنه قد كتبه بكلماته البشرية وأفكاره الخاصة، وهو يعلم بالتأكيد بأنه لم يوح إليه من الله لكتابة هذا الإنجيل لأنه لم يتحدث عن وحي سماوي، فقد قال:( إذ قد تتبعت كل شيء من الأول ) فأين نرى وحي الله في ذلك؟

    ثم إنه إذا كان لا يعرف شيئا عن الإلهام، فكيف ينسب له الإلهام الذي لم يعرفه هو، بل نفاه حيث ذكر تتبعه للأحداث كما رويت له.

    سكت قليلا، ثم قال: أتعرف العزيز ثاوفيلس؟

    قلت: لا.. ولكن اسمه يحفظه الجميع..

    قال: أجل.. لقد شرفه لوقا شرفا لم يحظ به قائد غيره.

    قلت: أكان قائدا؟.. كنت أظنه رجل دين.

    قال: لا.. لقد كان قائدا، ولا يعرف بالضبط في أي وقت عاش.. بعضهم يذكر أنه عاش في القرن الثاني، وبعضهم يذكر أنه عاش في القرن الرابع للميلاد.

    قلت: ولكن لوقا عاش قبل ذلك.. فكيف يكتب كتابه له؟.. هل من الممكن أن يكون لوقا قد عاش 200 سنة؟

    قال: هذا ما يؤيد شك من شك في نسبة هذا الإنجيل إلى لوقا.

    ثم أجبني.. هل ترى في هذا الإهداء الذي خص به هذا القائد رائحة كتاب إلهي؟

    ألا ترى أن رسائل لوقا الشخصية إلى ثاوفيلس أصبحت أناجيل مقدسة؟

    أليس من الممكن أن يكون لوقا قرر بأن يكتب إنجيله لأنه أراد أن يرضي الرئيس أو القائد في ذلك العصر، وهو ثاوفيلس؟

    أليست هذه الفقرة التي قرأتها ترينا بأن لوقا ما كان ليكتب هذا الإنجيل لو لم يكن من أجل ذلك القائد.. وأنه خطاب شخصي.. وأنه قام بتأليفه.. وبدافع شخصي.. وأنه نقل عن مراجع بتدقيق؟

    لست أول من اشمأز من ورود مثل هذا في كتاب مقدس.. لقد لاحظ هذا عدد من محققينا، فقد أنكر إلهامية هذا الإنجيل عدد من النصارى منهم مستر كدل في كتابه (رسالة الإلهام)، ومثله واتسن، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء، وقال القديس أغسطينوس:( إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة )

    ولعل هذا ما دعا إلى التشكيك في هذه المقدمة.. بل في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل.. بل إن هذا الشك ـ كما ذكر جيروم ـ يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة، ومثلهم فرقة مارسيوني.. فلذلك لا نرى في نسختها هذين الإصحاحين.

    ومما يؤكد هذا أن لوقا يقول في أعمال الرسل:( الكلام الأول أنشأته ياثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع )( أعمال 1/1 ) أي معجزاته بدليل تكملة النص:( ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه )( أعمال 1/2 ) والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح، لا عن أعماله.

    ليس هذا فقط، بل نقل وارد كاثلك عن جيروم أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل.

    إنجيل يوحنا:

    أرجع إنجيل لوقا، وأخذ إنجيلا آخر، وقال: هذا هو إنجيل يوحنا.. إنه رابع الأناجيل.. ومع ذلك، فهو أكثر الأناجيل أهمية بين قومي وقومك.. بل هو المصدر الرسمي لعقيدتنا.. ذلك لأن الغرض من كتابته هو إثبات لاهوت المسيح.

    قلت: لا يمكنك أن تشكك في صحة هذا الإنجيل.. فالسند فيه ليس منقطعا كما زعمت في سائر الأناجيل.. فكاتبه هو يوحنا بن زبدى الصياد، وهو صياد سمك جليلي تبع وأخوه يعقوب المسيح، كما أن والدته سالومة كانت من القريبات إلى المسيح، بل يرجح بعضهم بأنها أخت مريم والدة المسيح.

    قال: قد كنت أقول هذا.. وأمتلئ فرحا وأنا أعتقده لولا أن ظلالا كثيرة من الشك كانت تحوم حول عيني لتمنعني من التمتع بذلك الفرح.

    قلت: فهلا طردتها بنور اليقين.

    قال: وأين نور اليقين؟

    قلت: اسمع إلي جيدا.. وسأذكر لك من الأدلة ما يطرد عنك ما تتوهمه من أوهام.

    قال: لو فعلت ذلك.. فإني سأبقى مدينا لك طول حياتي.

    قلت: هناك أربعة أدلة على أن هذا الإنجيل من كتابة يوحنا تلميذ المسيح.

    قال: فما أولها؟

    قلت: لقد كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين، والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود…بل يظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية.

    قال: فهل ترى كونه يهوديا فلسطينينا كافيا للدلالة على كونه من تلاميذ المسيح؟

    وهل ترى معرفته بجغرافية فلسطين، وبعادات اليهود كافية لاعتباره فلسطينيا أو يهوديا.. إنك ألماني ومع ذلك تعرف العربية، وتعرف عادات العرب.. بل تعرف من الشوارع العربية ما لا يعرفه العرب أنفسهم؟

    قلت: صدقت في هذا..

    قال: فكيف يعتبر هذا دليلا على كونه من تلاميذ المسيح؟

    إن هذا الكلام لو استدل به محقق في أي قضية بسيطة أو معقدة لرمي خارج وظيفته.

    قلت: لدي دليل ثان.

    قال: ما هو؟

    قلت: مما يدل على كون الكاتب واحداً من تلاميذ المسيح استخدامه أسلوب المتكلم الجمع، وفي ذكره كثيرا من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح، ومشاعر تلاميذه.

    قال: إن أي كاتب أعطي قدرة على التعبير يمكنه أن يفعل هذا.. ولو طبقنا هذه المقاييس على الدراسة الموضوعية لأي نص لتسربت نصوص كثيرة يتقنها الوضاعون والكاذبون.

    وهل ترى أي قاض في الدنيا يقبل مثل هذا الدليل في قضايا البيع والشراء.. لا في إثبات كتاب يؤخذ منه تصور كلي عن الكون والإنسان والحياة؟

    هات الدليل الثالث.

    قلت: اعذرني.. هذا ما لدي من أدلة..

    قال: لقد ذكرت أن لديك أربعة أدلة.

    قلت: أجل.. كان لدي أربعة.. ولكني أرى أن ما بقي منها أوهن من أن يستدل به.. لقد كان معلمنا يذكر لنا من الأدلة أن كاتب الإنجيل هو التلميذ الذي كان المسيح يحبه.. وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه.

    قال: هل علمت مدى ضعف الأدلة التي يستدل بها قومي وقومك.. لكأني بهم يتلاعبون بعقولنا.. أو لكأني بهم بحسبون أنا لا عقول لنا نفكر بها.

    قلت: ولكن لا يحق لك الإنكار لأجل الإنكار.. أليس الأصل حسن الظن؟

    قال: صدقت.. وهذا ما انطلقت منه في دراستي الموضوعية لهذا الإنجيل.. ولكن أدلة كثيرة جعلتني أسيء الظن بهذا الإنجيل، وبكاتب هذا الإنجيل.

    قلت: فاذكر لي ما توصلت إليه.

    قال: اذكر لي متى كتب يوحنا هذا الإنجيل.

    قلت: كتب بعد حوالي ستين عاما من رحيل المسيح على حسب ما يذكر المؤرخون[11].

    قال: فمثل هذا كيف يحفظ ما قاله المسيح؟

    قلت: يمكن أن يحصل هذا.

    قال: لا بأس.. أتعلم المصادر التي اعتمد عليها يوحنا في إنجيله؟

    قلت: لا شك أنها مصاحبته للمسيح.

    قال: لا.. إن أغلب مافي إنجيل يوحنا من رسائل بولس؟ وستعرف من هو بولس.. بل قد جاء في دائرة المعارف الفرنسية التي لم يكتبها المسلمون أن إنجيل يوحنا ومرقص من وضع بولس..

    قلت: أهذا ما يشككك في إنجيل يوحنا؟

    قال: ليس هذا فقط.. بل يشككني أمر خطير يتفق عليه جميع العقلاء.

    قلت: ما هو؟

    قال: قبل أن أجيبك عنه أريد ان تذكر لي أول جملة بدأت بها سائر الأناجيل.

    قلت: أول جمله في إنجيل متىّ تقول:( كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم ) (متى:1/1)

    وأول جملة في إنجيل مرقس:( بدأ إنجيل المسيح ابن الله)(مرقس:1/1)

    وأول جملة في إنجيل لوقا:( إذا كانوا كثيرين قد أخذوا بتأليف قصته)(لوقا:1/1)

    قال: وبينها جميعا أول جملة في إنجيل يوحنا:( في البدء كان الكلمة.. ) (يوحنا:1/1)

    قلت: وما الغرابة في ذلك؟

    قال: إن يوحنا يوضح مقصده من هذا الإنجيل، فهو يريد أن يثبت فيه ما ذكره في هذه المقدمة.. ولهذا لا يوجد مثل هذا الكلام إلا في إنجيل يوحنا ورسائل بولس، بينما تخلو الأناجيل الثلاثة من دليل واضح ينهض في إثبات ألوهية المسيح.

    ولعل خلو هذه الأناجيل عن الدليل هو الذي دفع يوحنا، أو كاتب إنجيل يوحنا لكتابة إنجيل عن لاهوت المسيح، فكتب ما لم يكتبه الآخرون، وجاءت كتابته مشبعة بالغموض والفلسفة الغريبة عن بيئة المسيح البسيطة التي صحبه بها العوام من أتباعه[12].

    قلت: فأنت تستدل باختلاف مقدمة إنجيل يوحنا عن سائر مقدمات الأناجيل على اختلافه عنها.

    قال: ليست المقدمة وحدها.. لقد كانت المقدمة هي الإعلان عن المقصد الذي قصده يوحنا من إنجيله.. والذي أعلن عنه بعد ذلك بكل صراحة بقوله:( وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله )(يوحنا:20 / 3)

    بعد هذا نرى أن أشياء كثيرة يخالف بها هذا الإنجيل سائر الأناجيل:

    فلا توجد في هذا الإنجيل حادثة التجلي: أي تغير هيئة المسيح على الجبل، لأن المجد الثابت و المتواصل للمسيح الأرضي لا يترك مجالاً لمثل هذا الأمر.

    وفيه إشارات لكون المسيح كلي العلم، ولكون قدرة المسيح غير البارزة، و لكن الموجودة الكامنة، قدرة لا حد لها.. بل إن فيه تصويرا للمسيح على أنه لا يعتريه التعب ولا الجوع ولا العطش، وفيه عرضٌ للمسيح باعتباره شخصا ذا سيطرة وتسيير كاملين ومستديمين لكل ما يفعله وما يحصل له حتى موته.

    وهو ينفرد بالتصريح باتحاد الأب والابن حيث يقول:( أنا والأب واحد) (يوحنا:10/30)، ويقول:( كل من رآني فقد رأى الأب ) (يوحنا:14/9)

    قلت: وسائر الأناجيل؟

    قال: في الأناجيل الثلاثة المتشابهة.. أي أناجيل متى ومرقس ولوقا يرى المسيح محدوداً ضمن حدود حياته الأرضية ومنصبه الرسالي.. فهي تعبِّر عما قاله المسيح وما فعله في حين أن إنجيل يوحنا هو تفسير لما يمثله المسيح، فهو يعبِّر عن فهم المعنى الألوهي للمسيح، ذلك الفهم والتصور الذي تطور و نما في الدوائر المسيحية في نهاية القرن الميلادي الأول.

    قلت: فكيف تفسر هذا الاختلاف؟

    قال: لقد كان يوحنا ـ كما كان بولس ـ مهتما بانتشار الدين بغض النظر عن الاهتمام بصفائه.. لهذا جاء إنجيل يوحنا ليعبر عن رغبات المتدينين الجدد الممتلئين بالوثنية.

    ولهذا كان الترحيب و التهليل لفكرة المسيح إلهاً استجابة طبيعية لجماعة تؤمن بإله يُعتقد فيه أن من شأنه أنه يكشف عن نفسه للإنسان ويعرِّف نفسه للإنسان.. ومن هنا نجد إنجيل يوحنا يحدثنا عن الابن الوحيد الذي أظهر اللهَ وعرَّفَه فيقول:( الله لم يره أحد، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّـر ) (يوحنا:1 / 18).. ويخبرنا أيضاً أن الابن ( خرج من عند الآب و أتى إلى العالم )(يوحنا:16/ 28)

    قلت: أهذا استنتاج استنتجته.. أم حقائق توصلت إليها؟

    قال: بل حقائق توصلت إليها.. إن الراوي الذي يدخل دوافعه الشخصية في روايته يجعل روايته محل شك.

    قلت: فما يثبت ذلك الشك؟

    قال: بمقارنة ما ذكره بما ذكره غيره.

    قلت: لم أفهم سر المقارنة.

    قال: أرأيت لو أن شاهدا وقف في المحكمة، وقال أمام القاضي: غرضي من شهادتي أن أثبت لك أن المتهم مجرم.. ثم راح يذكر من عنده أمورا كثيرة تثبت دعواه.. أيكتفي القاضي بهذه الشهادة؟

    قلت: لو اكتفى بها لتوصل الناس إلى اتهام بعضهم بعضا من دون أي عناء.. فما أسهل أن يلفقوا ما شاءوا من القصص ليرموها في وجوه هؤلاء القضاة الأغبياء.

    قال: لقد كنا نحن جميعا أغبياء.. يأتينا رجل مثل يوحنا.. لا نعرفه.. ولا نعرف حقيقة علاقته بالمسيح.. ليقول لنا غرضي أن أثبت لكم أن المسيح هو الكلمة، وأن الكلمة هو الله.. فنندفع إلى تصديقه مكذبين كل ما نعرفه من أمور متيقنة.

    قلت: أليس لك دوافع من رد هذا الإنجيل.. فتتهم أنت أيضا؟

    قال: لقد حسبت حسابا لهذا الاحتمال، فلذلك رحت أبحث عمن يؤيد هذا من الشهود العدول.

    قلت: فمن وجدت؟

    قال: كثيرون.. انتظر قليلا، سأحضر قاموس الكتاب المقدس.. ففيه كلام يؤيد ما أقول.

    بحث عن الكتاب، ثم قال: يقول محررو الكتاب:( كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين.. ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح )

    أتدري بم ذكرني هذا النص؟

    قلت: بم؟

    قال: بكذاب ظهر في المسلمين كان يضع الأحاديث، ويلفقها راويا لها عن نبي المسلمين.. طبعا علماء المسلمين كشفوه.. فقد كانوا يتعاملون كما تتعامل أجهزة المخابرات مع كل من يروي حديثا.. كان اسم هذا الكذاب نوح بن أبي مريم.

    قلت: وما وجه الشبه بينهما؟

    قال: لقد قيل لهذا الكذاب:( من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟)، فقال:( رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد ابن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة )

    لقد تصور أنه يكذب لصالح نبيهم ودينهم وكتابهم، ومع ذلك سموه الكذاب.. لأن الدين الحق لا ينبغي أن ينصر بأهوائنا.

    قلت: أرأيت لو أن هذا الرجل كان بيننا.

    قال: لو كان بيننا لجعلوه قديسا.. ولا يبعد أن يجعلوا ما اقترفه من كذب رسائل من الرسائل تضم إلى رسائل العهد الجديد.

    أصدقك يا صاحبي أن البون بيننا وبينهم عظيم جدا في هذا الباب.. هم متحرون أخطر من كل متحر.. لا يبحثون إلا عن الحقيقة.. ومن مصادرها الصحيحة.

    قلت: عد بنا إلى يوحنا.

    قال: لقد ذكرت لك أني لم أكتف بما توصلت إليه، بل رحت أبحث في قوائم الشهود الواعين.. فوجدت الكثير يؤيدني.

    لقد وجدت أن ثمة إنكار قديماً لصحة نسبته ليوحنا، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق المسيحية القديمة، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني، كما قال صاحب كتاب ( رب المجد ):( وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود، وحجر عثرة في سبيلهم، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة يوحنا)

    قلت: ولكنه يسميهم هراطقة.

    قال: هذه عادتنا في التعامل مع من يخالفنا.. فلا تنظر إلى بذاءة لسانه، وانظر إلى نتيجة ما قاله.. إنه يصرح بأن هذا الإنكار امتد من الأجيال الأولى.

    وقد قالت دائرة المعارف البريطانية تؤكد هذا.. انتظر..

    أخذ جزءا من دائرة المعارف البريطانية، وراح يقرأ:( هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا، وذلك في نحو 165م، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد) ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئاً )

    قلت: إن دائرة المعارف البريطانية تكذب هذه النسبة.

    قال: لا يهمنا صدقها أو كذبها.. ولكن ما يهمنا هو أن هناك شكا في النسبة.

    قلت: ولكن هؤلاء نسبوه لملحد.

    قال: وذلك ما قد يقوي الشك.. لقد حاول الملاحدة أن يضعوا الأحاديث الكثيرة في الإسلام ليحطموا بها بنيان الإسلام، ويحرفوا بها عقائده، لكن صيارفة الحديث تصدوا لهم.

    قلت: فأين صيارفتنا؟

    قال: للأسف لم يكن لنا صيارفة..

    قلت: عد بنا إلى يوحنا..

    قال: لقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصوراً متلاحقة، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته ليوحنا.. منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية من قولها:( ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تسلم بصحة هذه النسبة )

    ويقول القس الهندي بركة الله:( الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدى الرسول، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية )

    وتقول دائرة المعارف البريطانية:( أما إنجيل يوحنا، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما، وهما القديسان متى ويوحنا.. وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى )

    ثم إن بعض المؤرخين ومنهم تشارلز الفريد، وروبرت إيزلز وغيرهما قالوا بأن يوحنا مات مشنوقاً سنة 44م على يد غريباس الأول، وعليه فليس هو مؤلف هذا الإنجيل، إذ أن هذا الإنجيل قد كتب في نهاية القرن الأول أو أوائل الثاني.

    2 ـ الرسائل:

    سكت قليلا، ثم قال: هذا هو الجزء الأول من العهد الجديد.. وهو الأصل الذي كان ينبغي على الكنيسة أن تكتفي به.. لأنه ـ على الأقل ـ يرتبط بالمسيح.. وفيه كثير من نفحات الصدق.. ولكن الذي لم يستطع عقلي أن يتقبله هو تلك الكتب الزائدة التي أقحمت في الكتاب المقدس إقحاما، مع أنه لا علاقة لمؤلفيها بالمسيح.

    وهي لم تكتف بأن تكون كتبا زائدة.. بل راحت تحرف الكتب الأصلية، وتنسخ أحكامها.. فإن شئت أن نبحث في حقيقتها فعلنا.

    قلت: المنهج العلمي يقتضي ذلك.. فلنفعل ما تتطلبه الحقيقة.

    نظر إلي بسرور، وقال: لقد بدأت تفهمني.. نحن الآن نقترب أكثر فأكثر من بعضنا.

    سار إلى رف من الرفوف، وقال: هذه هي ملحقات الكتاب المقدس.. لا شك أنك تعرفها.

    قلت: وهل في ذلك شك.. أنسيت أني رجل دين؟

    قال: عفوا.. لم أقصد ذلك.. بل قصدت أن تعدها لي لننطلق في البحث عن حقيقتها.

    قلت: لا تثريب عليك.. نعم.. لقد ألحق بالأناجيل الأربعة عدد من الرسائل، وهي سفر أعمال الرسل، ورسائل بولس الأربع عشر، ورسالة يعقوب، ورسالتا بطرس، ورسائل يوحنا الثلاث، ورسالة يهوذا، ورؤيا يوحنا اللاهوتي.. وهي خاتمة هذه الملحقات.

    أعمال الرسل:

    قال: فلنبدأ بأولها.

    قلت: أعمال الرسل هو أولها.. وهو سفر يتكون من ثمان وعشرين إصحاحاً، تتحدث عن الأعمال التي قام بها الحواريون والرسل الذي نزل عليهم روح القدس يوم الخمسين ( 2/1 - 4 )، من دعوة ومعجزات، كما يتحدث عن شاول ودعوته ورحلاته وقصة تنصره وبعض معجزاته.

    قال: أتعلم من هو مؤلف هذا السفر؟

    قلت: أجل.. هو لوقا، مؤلف الإنجيل الثالث، وما في افتتاحيته يدل على ذلك، فقد جاء فيها:( الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله.. ) ( أعمال 1/1 ).

    قال: فقد عرفنا أن لوقا لم يكن حواريا.. ولم يكن له علاقة بالمسيح.. فكيف يكون كتابه مقدسا؟

    قلت: لقد انعقدت المجامع على هذا.

    قال: نعم.. لقد انعقدت تلك المجامع المشؤومة على هذا.. لقد انتقت ما رأته صالحا لإرضاء الأباطرة والوثنيين وردمت ما سوى ذلك.

    صمت قليلا، ثم قال: ومع ذلك.. فإن هناك شكا في نسبة هذا السفر للوقا.

    قلت: ما تقول؟.. وهل طال الشك هذه الملحقات أيضا؟

    قال: لقد اختلف إنجيل لوقا مع سفر الأعمال في مسألة الصعود إلى السماء.. حيث يفهم من إنجيل لوقا أن صعود المسيح للسماء كان في يوم القيامة، كما في ( لوقا 24/13 - 51 )، بينما نراه في أعمال الرسل يتحدث عن ظهور المسيح بعد القيامة، فقد ذكر ظهوره بعد أربعين يوماً، كما في( أعمال الرسل: 1/3 ).. وهذا الاختلاف يملؤنا بالشك في صحة نسبة هذا السفر إلى لوقا.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 13:36

    رسائل بولس:

    قلت: ورسائل بولس.. أتشك فيها أيضا؟

    قال: هي الأجزاء الوحيدة من الكتاب المقدس التي قد لا يشك فيها أحد.

    قلت: فقد ظفرنا بمصدر موثوق إذن.

    قال: نعم لك أن تثق بها.. ولكن ليس لك أن تثق به.

    قلت: ما تقصد.. فمن هي؟.. ومن هو؟

    قال: هي رسائله.. وهو شخصه.

    قلت: فما الذي يرفع الثقة عن شخصه؟

    قال: لقد تتبعت سيرته[13]، ثم قرأت رسائله قراءة متأنية، فاتضح لي بعد جهد مضن صدق مقالة المسلمين فيه.

    قلت: وما يقولون؟

    قال: سأقرأ عليك ما يقول بعضهم فيه.

    ذهب إلى كتاب في المكتبة، لم أتبينه، وقلب صفحاته إلى أن وجد النص الذي يريد، ثم راح يقرأ:(.. إن كان بولس عند أهل التثليث في رتبة الحواريين، لكنه غير مقبول عندنا، ولا نعده من المؤمنين الصادقين، بل من المنافقين الكذابين، ومعلمي الزور، والرسل الخداعين، الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح )

    انتفضت غاضبا.. وقلت: أغلق هذا الكتاب أو احرقه.. هذا كتاب هرطقات.

    قال: اصبر.. ألم نتفق على البحث العلمي العقلي المجرد؟.. دعنا نسمع لهؤلاء، فقد يكون لديهم من الحقيقة ما ليس لدينا.

    واصل القراءة، وواصلت الاستماع.. قال: لقد ذكر هذا الكاتب سر موقفه من بولس، فقال:( هو خرق الدين المسيحي، وأباح كل محرم لمعتقديه، وكان في ابتداء الأمر مؤذياً للطبقة الأولى من المسيحيين، جهراً، لكنه لما رأى أن هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعاً معتداً به، دخل على سبيل النفاق في هذه الملة وادعى رسالة المسيح، وأظهر الزهد الظاهري. ففعل في هذا الحجاب ما فعل، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري، ولأجل فراغ ذمتهم عن جميع التكاليف الشرعية. كما قبل أناس كثيرون من المسيحيين في القرن الثاني منتش الذي كان زاهداً مرتاضاً وادعى أنه هو البارقليط الموعود به، فقبلوه لأجل زهده ورياضته )

    أغلق الكتاب، ثم أخذ كتابا آخر، وقال: وهذا كاتب آخر.. من المسلمين هو أيضا.. اسمع إليه، وهو يتحدث عن بولس، مجيباً لبعض القسيسين في بحث مسألة الصوم:( بولس هو الذي أفسد عليكم أديانكم وأعمى بصائركم وأذهانكم، ذلك هو الذي غير دين المسيح الصحيح، الذي لم تسمعوا له بخبر ولا وقفتم منه على أثر، هو الذي صرفكم عن القبلة وحلل لكم كل محرم كان في الملة، ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها بينكم )

    أغلق الكتاب، وأخذ كتابا آخر، وقال: هذا كتاب كتبه أحد المسلمين، وهذه مخطوطة أصلية عنه.. اسمه (تخجيل من حرف الإنجيل).. اسمع إليه، وهو يتحدث في الباب التاسع الذي عنونه ( في بيان فضائح النصارى في حق بولس):( وقد سلبهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها، وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة )

    قلت: أنت تنقل من المسلمين.. وهم أعداء ما جهلوا..

    قال: ألسنا نبحث عن الحقيقة؟

    قلت: بلى.. ولكن من فم الأصدقاء.. لا من أفواه الأعداء.

    قال: ولكن هؤلاء الذين نتصورهم أعداء صادقون، وهم ينهجون المنهج الصحيح للحقيقة.. إنهم يطبقون ما ورد في كتابهم المقدس الذي ينهاهم عن الجور حتى مع الأعداء.. إنه يقول لهم بقوة وحزم:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ((المائدة:8)

    ويقول لهم بلطف ومودة ناصحا ومربيا:) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً((الاسراء:36)

    فهو لذلك قد زودهم بالمنهج الصحيح للبحث عن الحقيقة.

    قلت: دعنا منهم.. ولنعد إلى بولس.. ورسائل بولس.

    قال: نعم هذه الرسائل قد تكون نسبتها صحيحة إلى بولس.. فهي تمتلئ بعبارات تدل على أنه كاتبها.. وهي لذلك تصطبغ بالصبغة الشخصية له، فهي ليست لاهوتية الطابع، بل رسائل شخصية لها ديباجة وخاتمة..

    ومع ذلك كله، فليس ثمة إجماع على صحة نسبة هذه الرسائل إلى بولس، بل إن بعض المحققين يميل إلى أن أربع رسائل منسوبة إليه كتبت بيد بعض تلاميذه بعد وفاته بعشرين سنة كما ذكرت دائرة المعارف البريطانية.

    بل إن أرجن يشكك ـ في شرحه لإنجيل يوحنا ـ بجميع رسائل بولس المرسلة إلى الكنائس فيقول:( إن بولس ما كتب شيئاً إلى جميع الكنائس، والذي كتبه هو سطران أو أربعة سطور )

    أما الرسالة إلى العبرانيين خصوصاً، فكان النزاع حولها أشد، فحين تنسبها الكنيسة الشرقية إلى بولس، فإن لوثر يقول بأنها من وضع أبلوس، بينما يقول تارتوليان المؤرخ في القرن الميلادي الثاني:( إنها من وضع برنابا ).. ويقول راجوس ـ وهو من علماء البروتستانت المعتبرين ـ:( إن فريقاً من علماء البروتستانت يعتقدون كذب الرسالة العبرانية.. )

    الرسائل الأخرى:

    قلت: عرفت موقفك من بولس.. فلنرجع إلى الرسائل الأخرى وأصحابها.

    قال: أنت تعرف أنها سبع رسائل: ثلاث منها ليوحنا، وثنتان لبطرس، وواحدة لكل من يهوذا، ويعقوب، ثم رؤيا يوحنا اللاهوتي.

    فلنؤخر الكلام عن الرؤيا.. ولنبدأ بالرسائل.

    قلت: هذه الرسائل تكتسب قدسيتها من كون مؤلفيها من التلاميذ الإثنى عشر:

    فبطرس هو صياد سمك في كفر ناحوم، ويعرف بسمعان، بل إن محرري قاموس الكتاب المقدس يرجحون كونه من تلاميذ يوحنا المعمدان قبل صحبته المسيح، وذلك مما يزيدنا به ثقة.

    ولذلك يتقدم على سائر تلاميذ المسيح، وقد دعا في أنطاكية وغيرها، ثم قتل في روما في منتصف القرن الميلادي الأول.

    وأما يعقوب، فهو ابن زبدى الصياد ـ أخو يوحنا الإنجيلي ـ وهو من المقربين للمسيح، وقد تولى رئاسة مجمع أورشليم سنة 34م، وقد كانت وفاته قتلاً على يد أغريباس الأول عام 44م[14].

    أما يهوذا، فقد اختلفت فيه المصادر، فبعضها يذكر أنه يهوذا أخو يعقوب الصغير أي انه ابن زبدى، وبعضها يذكر أنه الحواري الذي يدعى لباوس الملقب تداوس.. ولا يهم هذا الاختلاف ما دام لا يخرجه عن الحواريين.

    قال: عندما أنظر إلى الطريقة التي تعامل بها المسلمون مع التراث العظيم الذي وصلهم من النصوص أشعر بالأسى والحزن.

    قلت: لم؟

    قال: إن المسلمين فرقوا بين كلام ربهم المقدس، وكلام نبيهم، وكلام أصحابه من بعده.. فوضعوا كل شيء في محله الصحيح.

    بل إنهم في تعاملهم مع كلام أصحابه لم يثبتوا إلا ما يتعلق بآرائهم وأقوالهم جاعلين لأنفسهم كل الحرية في مناقشتهم والرد عليهم.

    قلت: ونحن؟

    قال: نحن وضعنا الكل في سلة واحدة.. ثم اعتبرنا الكل مقدسا.. بل إنا اكتفينا بأقوال من نعتبرهم تلاميذا أو تلاميذ التلاميذ ونسينا كلام المسيح والأنبياء.. بل نسخنا كلام المسيح والأنبياء.. فكيف نسمي هذا (كلمات مقدسة)

    قلت: ولكن أليس الإلهام وحيا؟

    قال: وهل أخبر المسيح أن الرسائل الشخصية لتلاميذه، أو تلاميذ تلاميذه ستتحول وحيا إلهيا.. إن الإلهام هو أخطر خرافة أوقعتنا في المتاهة التي لم نخرج منها.

    قلت: أليس الإلهام مصدرا من مصادر الحقيقة؟

    قال: لو فتحنا هذا الباب لم نخرج.. ما أسهل أن يدعي أي مشعوذ أنه ملهم.. بل ما أسرع أن يدعي جميع من يملك نفسا مريضة أنه يوحى إليه..

    أتعلم.. لقد تعرض المسلمون لهذا النوع من الناس.. بل نص قرآن المسلمين على وجود هذا النوع من الناس، فقال:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ((الأنعام:112)

    لقد ظهر في المسلمين رجل بعد نبيهم يزعم أنه يوحى إليه.. لو ظهر بيننا لوضعنا رسائله مع رسائل بولس.. ولكن المسلمين وقفوا في وجهه، وعرفوه حقيقة ما يدعيه.

    يحكي بعض المسلمين زيارته لهذا الملهم الذي يسمى المختار الثقفي، فقال: قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل، قال: فقال لي: اخرج إلى الناس فحدث الناس. قال: فخرجت، فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي؟ فقلت: الوحي وحيان، قال الله ':) بما أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ((يوسف: 3)، وقال ':) شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا( (الأنعام:112)، قال: فهموا بي أن يأخذوني، فقلت: ما لكم ذاك، إني مفتيكم وضيفكم. فتركوني[15].

    لقد عرف هذا الرجل أن هذا المدعي ملهم حقيقة.. ولكنه ملهم من الشياطين لا من ملائكة رب العالمين.

    قلت: فكيف نفرق بينهما؟

    قال: وحي الشياطين ليس له إلا هدف واحد هو نسخ كلام رب العالمين وتحريفه.. فهل ترى فرقا بين كلام المسيح وكلام التلاميذ؟

    قلت: إن شئت الحقيقة، أنا أرى فروقا كثيرة بينهما.

    قال: فكيف تزعمون أن الكل مقدس!؟.. المقدس معصوم محفوظ.

    ثم صمت قليلا: ومع كل هذا.. فنسبة هذه الرسائل إلى كاتبيها كانت محل جدل طويل في القرون الأولى، لقد وقع في أكثرها نفس الخلاف الذي وقع في رسالة بولس إلى العبرانيين.

    بالإضافة إلى أن الاعتراف برسالة بطرس الثانية ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة ورسالتي يعقوب ويهوذا ورؤيا يوحنا اللاهوتي تأخر إلى أواسط القرن الرابع الميلادي.

    ومما نقله المحققون في تكذيب نسبة الرسائل الكاثوليكية أو بعضها على الأقل تكذيب هورن لها، واحتج بعدم وجودها في الترجمة السريانية.

    ونقل راجوس تكذيب علماء البروتستانت صحة نسبتها للحواريين، ويقول جيمس ميك:( إن الدلائل تثبت أن كاتب هذه الرسالة (رسالة يعقوب) ليس يعقوب )

    وقال المؤرخ يوسي بيس في تاريخه:( أظُن أن هذه الرسالة جعلية، لكن كثيراً من القدماء ذكروها، وكذا ظُن في حق رسالة يهوذا، لكنها تستعمل في كثير من الكنائس )

    وعن رسالة يهوذا يقول المحقق كروتيس في كتابه (تاريخ البيبل):( هذه الرسالة رسالة يهوذا الأسقف الذي كان خامس عشر من أساقفة أورشليم في عهد سلطنة أيد دين )، فجعل هذا المحقق رسالة يهوذا من عمل أسقف عاش في القرن الثاني الميلادي.

    كما لا تسلم الكنيسة السريانية حتى الآن بصحة الرسالة الثانية لبطرس، والثانية والثالثة ليوحنا، ويقول اسكالجر:( من كتب الرسالة الثانية لبطرس فقد ضيع وقته )

    رؤيا يوحنا اللاهوتي:

    قلت: فما تقول في رؤيا يوحنا اللاهوتي؟

    ابتسم، وقال: وما تقول أنت؟

    قلت: هي رؤيا عظيمة، ولكني لا أكاد أفهمها.

    ابتسم، وقال: حدثني بعقلك.. لا بما لقنته.

    قلت: لست أدري ما أقول.

    قال: أعرف القيود التي تحول بينك وبين أن تقول ما تريد.. ولكن لا بأس سأقول أنا.. أنا المتحرر من سلطان الكنيسة.. المتحرر من كل القيود.. عدا قيود العقل والمنطق.

    سرني قوله هذا.. على الأقل سأسمع بأذني ما لم أجرؤ على قوله بلساني.

    قال: أنت تعلم أن هذا السفر يحوي رؤيا منامية غريبة، ليس لها من غاية غير تقرير ألوهية المسيح، وإثبات سلطانه في السماء، وخضوع الملائكة له.. بالإضافة إلى بعض التنبؤات المستقبلية التي صيغت بشكل رمزي غامض.

    أول ما يشدك إلى هذه الرؤيا هو الأسلوب الذي يوصف الله به، إنه يصف الله، فيقول:( من أجل ذلك هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم، لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ، لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيّة، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم )(الرؤيا 7/15 ـ 18).. ألا ترى أنه يصف ربه على أنه خروف.. أي وصف هذا؟.. وأي أدب هذا؟

    ولا يكتفي بذلك.. بل يصور الصراع بين التنين وملائكته مع الخروف الجالس على العرش وملائكته، فيقول:( هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون )(الرؤيا 17/14)

    .. سأكتفي بهذا..

    قلت: هذه معاني رمزية قد لا يفهمها أنا ولا أنت.. ولكن ذلك لا يضرها.

    قال: إذا كنت أنا وأنت.. ونحن ندرس الكتاب المقدس، ونتفرغ له لم نفهم هذا الكلام، فكيف يكون كلاما مقدسا يوحي به الله إلى عباده ليقرؤوه ويتعرفوا عليه من خلاله!؟

    قارن ذلك الوصف لله مع ما ورد في كتاب المسلمين المقدس الذين نضحك عليه، ونسخر منه:

    لقد ورد فيه قوله:) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ((البقرة:255)

    وورد فيه:) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ((الشورى:11)

    إن إله المسلمين إله قدوس منزه عن كل نقص، بل منزه عن كل كمال لا يليق به.. وهو الذي يتناسب مع صانع هذا الكون.. فالكون يدل على أن صانعه منزه كامل.. فكيف ننزل بهذا الإله الكامل إلى هذا الوصف الذي وصفه به يوحنا في رؤيا منامية.

    صمت، فقال: ألا تستغرب أن تسطر رؤيا منامية في سبعة وعشرين صفحة؟

    قلت: لا حرج في ذلك.. فهي ليست رؤيا كسائر الرؤى.

    قال: صدقت.. هي ليست رؤيا كسائر الرؤى.. فلنترك هذا.. ولنترك اعتبارها من الإلهام الذي توحيه الشياطين.. ولنترك كونها من رجل لا علاقة له بالمسيح.. فلنترك كل ذلك..

    ومع ذلك نجد تشكيكات أخرى.. لا من المسلمين.. بل من آباء الكنيسة الأوائل.. فهذا كيس برسبتر الروم ( 212م )يقول:( إن سفر المشاهدات ( الرؤيا ) من تصنيف سرنتهن الملحد )، ومثل هذا قاله ديونسيش الذي هو من قدماء الآباء.

    اسمع ما ورد في مدخل هذا السفر:( لا يأتينا سفر يوحنا بشيء من الإيضاح عن كاتبه لقد أطلق على نفسه اسم يوحنا، ولقب نبي، ولم يذكر قط أنه أحد الإثنى عشر.. هناك تقليد كنسي وهو أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحنا.. بيد أنه ليس في التقليد القديم إجماع على ذلك، وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا عرضة للشك، وآراء المفسرين في عصرنا متشعبة، ففيهم من يؤكد أن الاختلاف في الإنشاء والبيئة والتفكير اللاهوتي تجعل نسبة الرؤيا والإنجيل الرابع إلى كاتب واحد أمراً عسيراً.

    يخالفهم آخرون يرون أن الرؤيا والإنجيل يرتبطان بتعليم الرسول على يد كتبة ينتمون إلى بيئات أفسس)

    النقصان

    قلت: قد علمت أدلتك على وجود الزيادة، فما أدلة نقصان الكتاب المقدس؟

    أشار إلى ركن فارغ في الكتاب المقدس، وقال: هل ترى هذا الركن؟

    قلت: أجل.. ولكنه فارغ.. هلا اشتريت الكتب التي تملؤه ليتناسق مع غيره؟

    قال: لقد ظللت طول عمري أبحث عن الكتب التي تملؤه، فلم أجدها.

    قلت: لو أنك حسبت أطوال الكتب وأحجامها، وذهبت إلى أي مطبعة لطبعت لك الحجم الذي تريد، وبالألوان التي تريد.. فيتناسق هذا الركن مع سائر الأركان.

    ابتسم، وقال: إنك تذكرني بما يفعل قومي وقومك حين يتلاعبون بالكتب المقدسة.. ولكني لا أستطيع أن أفعل هذا.. لقد تركت هذا الركن، وفي نفسي حلم عظيم أرجو أن ييسر الله لي تحقيقه.

    قلت: وما هو؟

    قال: أن يرزقني تلك الأسفار المقدسة التي خبأها قومنا في سراديب النسيان، فأنقصوها من الكتاب المقدس.

    قلت: وهل حصل النقص في الكتاب المقدس؟

    قال: أجل.. وهو كثير.. وقد أشار إليه قرآن المسلمين، فقال:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ((البقرة:174)

    قلت: يمكن لكتاب المسلمين أن يقول أي شيء.. ولكني أريد أن أبحث عن مدى صدق ذلك في الواقع.. فهل هناك شك في نقص بعض الكتب المقدسة؟

    قال: أجل.. ولننتهج النهج الذي استعملناه سابقا..هناك نقص في الصحف، وهناك نقص في الكلمات.

    الصحف الناقصة:

    قلت: فلنبدأ بالصحف التي تتصور نقصانها.

    1 ـ العهد القديم:

    قال: أجل.. ولنبدأ بأسفار العهد القديم.

    قلت: هل هناك صحف ناقصة من العهد القديم؟.. إني أراه ضخما لا يحتاج إلى أي زيادة.

    قال: يمكنك أن تقسم كتب العهد القديم التي أصيبت بهذا الداء إلى قسمين: قسم فقد مطلقا، ولم نعد نعرفه إلا من خلال النصوص التي تذكره أو أتشير إليه.. وقسم لم يفقد، ولكن طوائف كثيرة من أهل ديننا ينكرونه، من غير حجة تدل على إنكاره إلا كونهم لا يرتضونه.

    قلت: هذا كلام مجمل.. فهات تفاصيله.

    قال: فلنبدأ بالقسم الأول.. ذلك القسم الذي تركت له هذا الركن.. وأنا آسف حزين على الثروة المقدسة التي أضاعها قومنا.

    قلت: ألا يمكن أن تكون هذه الكتب المفقود ضمن ما أحرقه المسلمون من مكتبة الإسكندرية؟

    قال: أراك تتعلق بالخرافات.

    قلت: أي خرافات؟

    قال: خرافة حرق مكتبة الاسكندرية [16].

    قلت: ما كنت أظن أن من هو في مثل عقلك وحكمتك وتثبتك يقول هذا.

    قال: إن شئت أن ألغي عقلي وحكمتي وتثبتي قلت ما تذكر.

    قلت: كيف.. لقد دلت الأدلة القطعية على قيام عمرو بن العاص بإحراق مكتبة الأسكندرية.. ألم تقرأ ما كتبه عبد اللطيف البغدادى ( 1231 م ) فى كتابه (الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر)، والمقريزى.. وابن القفطى ( 1248 م ) فى كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء).. والكاتب المسيحي أبو الفرج الملطى ( 1277 م ) فى كتابه (مختصر الدول)

    قال: أتعلم السنة التي فتح فيها عمرو بن العاص مصر؟

    قلت: نعم.. لقد فتحها سنة 642 م.

    قال: أتعرف أول من ذكر هذه الحادثة؟

    قلت:أجل.. لقد كتبها عبد اللطيف البغدادى، وقد رأيت المقريزي يكاد ينقل عليه حرفيا ما ذكره.

    قال: أتدري المدة التي بين عبد اللطيف وفتح مصر؟

    قلت: ذلك سهل.. هي تصل تقريبا ستمائة سنة.

    قال: أتعلم أن هذه الحادثة التي سجلت بعد هذه القرون الطويلة، لم يسبق الإشارة إليها في المراجع التي ألفت قبل ذلك بكثير، مع كونهم تكلمت بإسهاب عن فتح مصر.. ارجع إلى كتب سعيد بن البطريق ( 905 م ) والطبرى واليعقوبى والبلاذرى وابن عبد الحكم والكندى وغيرهم؟

    ألست ترى في هذا تهمة كبرى لما ذكره عبد اللطيف ومن معه؟

    قلت: لم أفهم.

    قال: سأوضح لك المسألة ببساطة.. أجبني.. هل حرق مكتبة مثل هذه المكتبة بكنوزها التي تفتخر بها مصر شيء لا أهمية له، أم أن له من الأهمية ما يستدعي تسجيله، بل نقله تواترا؟

    قلت: بل هو حادث وعظيم وخطير.

    قال: فلم لم ينقل كل تلك الفترة مع هذه الأهمية التي تزعمها له؟.. مع أنهم ـ في نفس الوقت ـ ذكروا ما دونه بكثير.. أتدري ما مثل ذلك؟

    قلت: ما مثله؟

    قال: أن يأتي مؤرخ بعد ستمائة سنة من الحرب العالمية الثانية، ليذكر أحداثا لم يذكرها كل من سبقه من المؤرخين لهذه الحرب.. فهل يقبل من ذلك؟

    قلت: لا شك أنهم لا يقبلون.. من العاقل الذي يقبل مثل هذا؟.. بل إنهم لا يقبلون أي إضافة الآن على ما ذكره المؤرخون إلا ببينات قوية واضحة، فكيف بمن يأتي بعد هذه القرون الطويلة؟

    قال: فكيف نرمي المسلمين بهذه التهمة الخطيرة بهذه البينات التي هي في قوتها أوهى من بيت العنكبوت؟

    صمت، فقال: ومع ذلك.. سأذكر لك ما هو أخطر من هذه الكذبة.

    قلت: ما هي؟

    قال: لم تكن هناك أي مكتبة في الإسكندية فى القرنين السابقين للفتح الإسلامي.. بل لم يذكر المؤرخون شيئاً عن وجود مكتبة عامة فى الأسكندرية.. أتعرف حنا النقيوس؟

    قلت: أجل..

    قال: هو مسيحي.. وقد كتب عن الفتح الإسلامي.. ومع ذلك لم يشر إلى هذه المكتبة، ولا إلى إحراقها.

    بالإضافة إلى هذا أكَّدَ جوستاف لوبون المؤرخ المعروف فى كتابه (حضارة العرب) المطبوع عام 1884 بباريس:( أن المكتبة لم تكن موجودة عند الفتح العربى، إذ كانت قد أُحرِقَت عام 48 ق.م عند مجىء يوليوس قيصر إلى الأسكندرية )[17]

    وهو نفس ما أكده بطلر فى كتابه (فتح العرب لمصر)[18] ..

    واستند هؤلاء إلى أن يوليوس قيصر كان محاصرا سنة 48 ق.م فى حى البروكيون، يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة أخيلاس، وفي ذلك الحين.. وذلك المحل، أحرق السفن التى فى الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس.. وقيل: إن النيران امتدت إلى المكتبة، وأحرقت المكتبة وأفنتها.. أو أنها قد فنيت تماماً فى القرن الرابع الميلادى.

    أما المكتبة الوليدة التى قامت فى السيرابيوم، فإنها كانت فى حجرات متصلة ببناء معبد السيرابيوم، وقد أحرق هذا المعبد فى عهد تيودوسيوس عام 391 م على يد المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم تيوفيلوس.

    بالإضافة إلى هذين أكَّدَ جيبون فى كتابه (اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية) أن المكتبة قد أُحرِقَت عام 387 - 395 م فى عهد تيودوسيوس[19].

    ومما يدل على صدق هذه الأقوال أن أحد الرحالة الرومان، واسمه أورازيوس، قد زار مصر فى أوائل القرن الخامس الميلادى، وكتب عنها سنة 416 م وذكر أنه لم يجد سوى رفوف خالية من الكتب فى هذه المكتبة.

    التفت إلي، وقال: أرانا قد ابتعدنا عما كنا فيه.

    قلت: أجل.. ولكني ـ مع ذلك ـ أشكرك، فقد نبهتني إلى أمر خطير كنت أعتقده.. لقد لقنه أساتذتي لي، كما يلقنون الصبية هجاء الحروف.

    قال: أعمل عقلك.. وستصل إلى الحقيقة.. فالله برحمته وحكمته لا يدع أي فرصة للكاذب، ليتم كذبته.. فليس هناك في الدنيا كذبة إلا ولها ما يقابلها من الصدق الذي يبين تهافتها.

    قلت: فلنعد إلى الأسفار الناقصة من العهد القديم.

    قال: سننتهج المنهج العلمي في التعرف عليها.

    قلت: وما هو؟

    قال: إذا رأيت كتابا تثق فيه يرجع إلى بعض المراجع، أو يثني عليه، أو يقدح فيه.. أيبقى عندك شك في وجود ذلك المرجع؟

    قلت: لا.. إلا إذا كذبت بالمصدر الذي ذكر ذلك.

    قال: فإن كان الكتاب المقدس هو الذي ذكر ذلك.

    قلت: حينها.. أعتبر من الهرطقة أن أكذبه.

    قال: فاحذر من الهرطقة.. واعلم أن هناك أسفارا كثيرة ضاعت.. سأذكر لك منها ما يشير إليه الكتاب المقدس فقط:

    منها سفر حروب الرب، وقد جاء ذكر اسم هذا السفر في سفر العدد (21/ 14)

    ومنها سفر ياشر، وقد جاء ذكر اسم هذا السفر في سفر يشوع( 10 / 13)

    ومنها سفر أمور سليمان، وقد جاء ذكره في سفر الملوك الأول ( 11: 41 )

    ومنها سفر مرثية أرميا، وجاء ذكر هذه المرثية في سفر أخبار الأيام الثاني ( 35: 25 )

    ومنها سفر أخبار ناثان النبي.. وسفر أخيا النبي الشيلوني.. وسفر رؤى يعدو الرائي.. وقد جاء ذكر هذه الاسفار جميعا في سفر أخبار الايام الثاني ( 9: 29 )

    ومنها سفر أخبار جاد الرائي، وقد جاء ذكره في سفر أخبار الأيام الأول ( 29:31 )

    ومنها كتاب العهد لموسى، وقد جاء ذكره في سفر الخروج ( 24: 7 )

    وغيرها..

    وقد قال آدم كلارك يعبر عن نفسي ونفس الكثير من العلماء:( حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات.. وهو سفر مفقود ذكر في ملوك (1) 4/32 - 13 ).. فقداناً أبدياً )

    قلت: علمت أمثلة القسم الأول.. فما أمثلة القسم الثاني؟

    قال: هي أسفار كثيرة أيضا حذفنها طائفة كبيرة من قومنا.. وهي تتشير إلى طبيعة الانتقاء التي لا نزال نجني شوكها.

    قلت: أي طائفة.. وما الكتب التي حذفتها؟

    قال: كلنا تلك الطائفة.. كلنا حذفنا من الكتاب المقدس بأهوائنا ما لم نرغب فيه.. كما أنا كنا أثبتنا فيه ما أملاه علينا الهوى.

    قلت: حدثني عن الطائفة المحددة والكتب المحددة.

    قال: أحدثك عنها كمثال لتلاعبنا بالكتاب المقدس، لا كحقائق نهائية محصورة.

    قلت: أعلم ذلك.

    قال: فتلك الطائفة إذن هي طائفة البروتستانت التي انتقت من الكتاب المقدس ما تراه، وحذفت منه ما لم تره[20].

    ثم قام إلى ركن من المكتبة، واخذ نسخة من الكتاب المقدس، وقال: انظر هذه الطبعة من الكتاب المقدس، هي طبعة دار الكتاب المقدس.. انظر إلى فهرستها.. فلن تجد بعضاً من الأسفار المقدسة التي حذفها البروتستانت مخالفين بذلك كل المسيحيين من الأرثوذكس والكاثوليك.. فهم في كافة أنحاء العالم يؤمنون بقانونيتها.

    قلت: أنت تقصد الأسفار القانونية الثانية.. أو ما يسميه البروتستانت (الأبوكريفا) التي تعني ( المخفية)

    قال: أجل.. وهم يعتبرونها بهذه التسمية أسفاراً مدسوسة، لأنها لا ترقى إلى مستوى الوحي الإلهي كما أنها تضم موضوعات غير ذات أهمية وخرافات لا يقبلونها.

    قلت: أعرف هذه الأسفار.. وقومي من الكاثوليك يدافعون عنها أي دفاع:

    أولها سفر طوبيا، ويضم 14 أصحاحا، ومكانه بعد سفر نحميا.. وهذا السفر يتحدث عن طوبيا الذى سمى هذا السفر باسمه[21]، وهو رجل من سبط نفتالي سباه (شلمنآسر ) ملك أشور، وسكن أثناء السبي في مدينة نينوى مع حنة امرأته وابنه الذى كان له نفس الاسم (طوبيا)، ومن المرجح أن يكون طوبيا الابن هو الذي كتب هذا السفر قبل مولد السيد المسيح بزمان.

    وهو سفر يتضمن وصفاً لسيرة عائلة إسرائيلية تقية عاشت في زمن الأسر الأشورى نحو سنة 722ق.م وتقلبت عليها الأحوال، وقد نال جميع أفراد هذه العائلة كرامه وثناء بسبب محافظتهم الدقيقة على شريعة الرب ولإحسانهم إلى الذين يحبونها.

    ولست أدري ما الذي حال بين البروتسنت وهذا السفر.. مع أنه جاء فى القانون 27 لمجمع قرطاجنة اعتراف صريح بقانونية هذا السفر وسفر يهوديت.. كما سماه القديس كبريانوس فى مقال له بأنه ( كتاب طوبيا الموحى به من الله )

    زيادة على هذا.. فقد استشهد بالسفر الكثير من المشاهير الآباء الأولين في كتابتهم [22].. بل قد وردت اقتباسات من هذا السفر في العهد الجديد نقلها عنه في الإنجيل والرسائل كل من متى ولوقا وبولس الرسول[23].

    ومنها سفر يهوديت[24]، وهو يتكون السفر من ستة عشر أصحاحاً.. ويحكي حكاية بطلة يهودية أنقذت بمعونة الرب وبذكائها وحكمتها شعبها من بطش أعدائه[25].

    قال: كاتب هذا السفر مجهول، وهو قد كتب أولاً باللغة العبرية، والأصل العبري مفقود.. ولم يبق منه إلا نصه باللغة اليونانية، ولذلك نجده ضمن باقي أسفار العهد القديم في الترجمة السبعينية للتوراة.

    قلت: أجل.. ولكن هناك أدلة كثيرة تدل على أنه من الكتاب المقدس.. فقد أقر مجمع نيقية الأول قانونية هذا السفر، واعتبره واحداً من الأسفار الموحى بها، كما أن مجمع قرطاجنة في قانونه السابع والعشرين اعترف بأن هذا السفر من الأسفار القانونية.. ويضاف إلى هذا كله أن المجمعين اللذين عقد أحدهما في القسطنطينية وأكمل في ياش عام 1642، والذي عقد ثانيهما في أورشليم عام 1672، قد أقر سفر يهوديت ضمن الكتب المقدسة الموحى بها قائلين عنها أنها كتب مقدسة إلهية.. كما صدر قرار بنفس هذا المعنى أيضاً من المجمع التريدنتينى اعترافاً بمجموعة الأسفار القانونية الثانية باعتبار أنها جميعاً واردة في النسخة السبعينية التي ترجمت فيها التوراة للغة اليونانية سنة 280 قبل الميلاد، وقد عقد هذا المجمع في ترينت عام 1456 م.

    بالإضافة إلى هذا كله استشهد الكثير من القديسين من آباء الجيل الأول والثاني والثالث والرابع وغيرهم بسفر يهوديت في كتابتهم.. ومنهم إكليمندس الرومانى في رسالته الأولى إلى كورنثوس.. والقديس إكليمندس الإسكندري في كتابة المربى.. والقديس أوريجانوس في كتابه الصلاة.. والقديس البابا أثناسيوس الرسولي في خطبته الثانية ضد أريوس، والقديس إيرونيموس والقديس أمبروسيوس وغيرهما فى كتاباتهم.

    وفوق هذا.. فإن هناك اقتباسات من هذا السفر أوردها كل من لوقا وبولس في نصوص العهد الجديد.. ومنها ( فأما الذين يقبلوا البلايا بخشية الرب أبدوا جزعهم وعادوا تذمرهم على الرب، فاستأصلهم المستأصل وهلكوا بالحيات) ( يهوديت: 8: 24، 25 )، فقد ورد ما يقابله في رسالة بولس الرسول الأولى إلى كورنثوس بقوله:( ولا تجرب المسيح كما جرب أيضاً أناس منهم فأهلكتهم الحيات ) (1كو 10:9)

    واقتبس نص آخر من هذا السفر ورد فيه:( وقال لها عزيا رئيس شعب إسرائيل: مباركة أنت يا بنية من الرب الإله العلى فوق جميع نساء الأرض )( يهوديت 13: 23) وهذا يقابله ما أورده لوقا على لسان أليصابات لما زرتها العذراء القديسة مريم بقوله:( وصرخت بصوت عظيم، وقالت مباركة أنت في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك )( لوقا: 1: 42)

    وزيادة على هذا، فإن بعض الكنائس البروتستانتية، كالكنيسة الألمانية تقر هذا السفر، وتعتبره ضمن الأسفار القانونية.. بل قد كتب بعض مشاهير الكتاب والمؤلفين البروتستانت تقريظات عن هذا السفر.

    التفت إليه، فرأيته ينصت، وكأنه يبتسم، واصلت دفاعي عن تلك الأسفار، قلت: ومنها سفر إستير[26].. وهو السفر السابع عشر من أسفار التوراة بحسب طبعة دار الكتاب المقدس، غير أنة يوضع بعد سفر يهوديت بحسب عقيدة الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.

    وقد دلت البراهين التاريخية على صدق وقانونية سفر إستير كله بما فيه من إضافات يعتبرها الأرثوذكس والكاثوليك قانونية وصحيحة:

    ومن تلك الأدلة أن سفر إستير كتب باللغة العبرية، وهو موجود في توراة اليهود، ويقع في قسم من التوراة يسمى ( كتوبيم ) أي الكتب.

    ومنها أن هذا السفر وتتمته، واردان في الترجمة السبعينية اليونانية للتوراة التي تمت في مصر عام 280 ق.م.

    ومنها أن هذا السفر وتتمته واردة في الترجمة الكاثوليكية اللاتينية المعتمدة المسماة (الفولجاتا )، وأيضا في الترجمات الأخرى القديمة كالقبطية والحبشية وغيرها، والترجمة العربية للكتاب المقدس الخاصة باليسوعيين.

    ومنها علاقة هذا السفر، وما ورد فيه من عيد الفوريم بما كتبة يوسيفوس المؤرخ اليهودى عن عيد الفوريم الذي كان يمارس في عصره.

    ومنها أن اليهود كانوا يعتبرون سفر إستير من الأسفار المهمة التي تحكى تاريخهم القومي، ولذلك وضعوه في الأدراج الأربعة المعروفة في العبرية باسم (مجلوث) التي كانوا يقرؤونها في المناسبات القومية، كل سفر في حينه ومناسبته.. وآخر هذه المناسبات هو عيد الفوريم الذي كانوا يقرؤون فيه هذا السفر بالذات تذكاراً لخلاصهم من المجزرة التي أعدها هامان لإفنائهم كشعب[27].

    ومنها ما اكتشف مؤخراً من نقوش أثرية فارسية سجلت اسم ( مردخاي ) كأحد رجال البلاد الملكي الفارسي أثناء حكم أحشويرش الملك.. وهذا يؤكد صدق السفر وصحته.

    ومما يزيد يقيناً في صدق السفر وإضافاته أن الكثير من القديسين آباء الأجيال الأولى للمسيحية استشهدوا بهذه الإضافات في كتابتهم وكتبهم وعظاتهم.. ومنهم القديس إكليمندس الروماني من آباء الجيل الأول في رسالته الأولى لكورنثوس، وأرويجانوس من آباء الجيلين الثاني والثالث في رسالته إلى يوليوس الأفريقي في كتابة الصلاة، ومنهم باسيليوس وإيرينيموس ويوحنا فم الذهب وأبيفانيوس في كتابتهم وهم من آباء الجيل الرابع.

    قال: ويمكنك أن تضيف لمعلوماتك عن هذا السفر أن كاتبه مجهول.. ولو أن البعض يرجح أنه عزرا أو مردخاي.. ومثل ذلك زمن كتابته فهو غير معروف على جهة التحقيق.. ولو أن البعض يعتقد أنه كتب أثناء حكم أرتزركسيس لونجمانوس في الفترة 465 _ 425 ق.م على أن معظم النقاد يميلون إلى القول أنة كتب في العصر الأغريقى الذي بدأ بفتوحات الإسكندر الأكبر عام 332 ق. م، ويقولون أن كتابته تمت في حوالي عام 300 ق.م.

    ويرى البروتستانت أن تتمة السفر كتبت في وقت متأخر بعد عزرا، وأنه لا يوجد تناسق بين السفر في العبرية وهذه الزيادات، غير أن البعض الآخر من البروتستانت ـ وإن كانوا ينكرون هذه الإضافات لكنهم يقولون عنها أن المراد بها إضافات إلى قصة إستير ومردخاي والغرض منها تكمله القصة ـ وقد أدمجت بمهارة في أمكنتها في الترجمة السبعينية، ويرجح أن كاتبي هذه الإضافات هم من يهود مصر، ويقولون: إن أقل هذه الإضافات قيمة هي الأوامر المنسوب إصدارها إلى ملك الفرس، إلا أنها فيها صلوات تشف عن روح تقوى حقيقة.

    وأضف إلى هذا كله أن اسم ( الله ) لم يذكر مرة واحدة في هذا السفر.. ولذلك ظل موضع نقاش كثير إلى أن استقر البروتستانت على قبول العشرة إصحاحات الأولى منه.. ولسنا ندري ماذا يخبئ الزمن لهذا السفر.. هل يمن عليه بالقبول.. أم سيرمى كما رمي غيره!؟

    قلت: ومن هذه الأسفار سفر الحكمة، وهو سفر يلي نشيد الإنشاد لسليمان الحكيم.. وهو مكون من 19 إصحاحا كلها تفيض بأحاديث حكيمة عميقة المعاني الروحانية.. وقد ورد هذا السفر ضمن أسفار التوراة في النسخة السبعينية المترجمة إلى اليونانية.

    وبرغم اعتراض البروتستانت على قانونية هذا السفر وباقي أسفار المجموعة الثانية التي جمعت بعد عزرا الكاهن، ولكنهم كتبوا يمتدحونه بسبب بلاغته وسمو معاني، فقد قال الدكتور سمعان كهلون:( والبعض الآخر كسفر الحكمة وحكمة يشوع بن سيراخ، فهو على جانب عظيم من البلاغة وعمق المعاني الروحية )، وقال عنه أيضا:( هذا السفر هو أجمل هذه الأسفار، وقد كتب بأسلوب يدل على تضلع تام من اللغة اليونانية. ويرجح أن كاتبة يهودي مصري عاش بين عامي 15 و 50 قبل الميلاد وكان متضلعاً من الفلسفة اليونانية، وقصد مقاومة أغلاظ الوثنية ولاسيما عبادة الأصنام بإظهاره سمو الحكمة المنبعثة عن خوف الله وحفظ شريعته ومعرفة طريقة للخلاص )[28]

    ويدل على صحة نسبته إلى سليمان أمور كثيرة:

    منها أن أسلوبه يتخذ نفس الأسلوب الذي كتب به سليمان كتاباته من حيث البلاغة وعمق المعنى والاتجاه الحكمي الشعري.

    ومنها أن ترتيب السفر يتفق وكتابات سليمان، فمكانة بعد سفر نشيد الإنشاد لسليمان مباشرة.

    ومنها ما ورد في السفر على لسان كاتبه، وهو مما لا ينطبق إلا على سليمان:( إنك قد اخترتني لشعبك ملكاً ولبنيك وبناتك قاضياً. وأمرتني أن أبنى هيكلاً في جبل قدسك ومذبحاً في مدينة سكناك على مثال المسكن المقدس الذي هيأته منذ البدء. إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذا صنعت العالم وهى عارفة ما المرضي في عينك والمستقيم في وصاياك. فأرسلها من السماوات المقدسة وابعثها من عرش مجدك حتى إذا حضرت تجد معي )

    التفت إليه، فرأيته يركز فيما أقول تركيزا شديدا، وكأنه يعد لي شيئا، فهو يتحين فرصة ذكره، لم أهتم بذلك، بل رحت أدافع عن الأسفار التي حاول البروتسنت إنقاصها من الكتاب المقدس، قلت: ليس ذلك فقط.. فهناك سفر يشوع بن سيراخ, الذي يضم 51 أصحاحاً، ويقع بعد سفر الحكمة.. وسفر نبوة باروخ , ويضم سته إصحاحات، ومكانه بعد سفر مراثى أرميا.. وتتمة سفر دانيال, وهو مكمل لسفر دانيال ويشمل بقية أصحاح 3 , كما يضم أصحاحين أخرين هما 13 , 14.. وسفر المكابيين الأول , ويضم 16 أصحاحاً.ومكانه بعد سفر ملاخى.. وسفر المكابيين الثانى , ويضم 15 أصحاحاً. ومكانه بعد سفر المكابين الأول.

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 13:56

    بعد أن انتهيت من حديثي، قال: لقد ذكرت وجهة نظرك، ووجهة نظر الطائفة التي تنتمي إليها.. أتدري لم حذفت الطائفة المخالفة (البروتستانت) هذه الأسفار[29]؟

    انتفضت غاضبا، وقلت: البروتسنت طائفة مارقة.. ولذلك قامت حروب بين البروتستانت والكنيسة البابوية برئاسة البابا بولس العاشر قتل فيها عشرات الآلاف وأحرقت ودمرت فيها بعض المدن ومئات من الكنائس والأديرة.

    إنك لا تعرف مارتن لوثر قائد الثورة البروتستانتية.. لقد كان معروفا بالشطط والكبرياء.. ألم تسمع ما قال.. لقد قال:( إنني أقول بدون افتخار أنة منذ ألف سنة لم ينظف الكتاب أحسن تنظيف ولم يفسر أحسن تفسير ولم يدرك أحسن إدراك أكثر مما نظفتة وفسرتة وأدركته ).. أتظن أنه بعد هذا الكلام سيبقي الكتاب المقدس على حاله.. بل إن لوثر وأتباعه حذفوا في زمانهم أسفاراً أخرى من العهد الجديد مثل سفر الأعمال ورسالة يعقوب.. بل قيل إنهم حذفوا سفر الرؤيا، غير أنهم أعادوا هذه الأسفار لمكانها في الكتاب المقدس لما قام الناس في وجوههم.

    قال: أتعلم أن ما فعله البروتستنت هو نفس ما فعله قومي وقومك قبلهم في المجامع المختلفة مع الموحدين، وأسفار الموحدين؟

    قلت: كيف ذلك؟

    قال:  سأقص عليك الحكاية من أولها.. لتعرف بعض العبث الذي أصاب كتابنا المقدس.

    قلت: لقد أنصت لي.. فها أنا أنصت لك.

    قال: أنت تعلم أن الكتاب المقدس بشقه الأول نتاج عمل العشرات من المؤلفين الذين اجتهدوا في تسجيل تاريخ بني إسرائيل.. أتدري متى اكتسبت تلك النصوص قداستها؟

    قلت: منذ كتابتها اكتسبت قداستها.

    قال: لا.. لقد تأخر ذلك.. فالأسفار الخمسة أقرت في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وتحديداً في عام 398 حين اعترفت الامبرطورية الفارسية بناموس اليهود حسبما جاء في دائرة المعارف الأمريكية.. كما قال اسبينوزا:( يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابيين (أي القرن الثاني قبل الميلاد)، أما الكتب المقننة الآن فقد اختارها فريسيو الهيكل الثاني بعد أن أعاد بناءه عزرا الكاتب)

    وهذا الاختيار من الفريسيين في ذلك العهد لم يكن بموافقة طوائف اليهودية المختلفة كما قال اسبينوزا:( فقد اختارها الفريسيون في ذلك العهد من بين كثير غيرها، وذلك بقرار منهم وحدهم )

    وقد كان مما أقره فريسيو العهد الثاني ـ برأي اسبينوزا ـ الأسفار الخمسة بالإضافة إلى ما يسمى بأسفار الأنبياء، وهي ( يشوع - القضاة - صموئيل - الملوك)

    ولم تعتبر هذه المجموعة معادلة لسلطة الأسفار الخمسة، ومع ذلك ألحقت بها، وقد كان ينظر إليها على أنها شروح وامتداد للأسفار الخمسة.

    هذه هي المرحلة الأولى والتي تشكل بداية الاعتراف بالكتاب المقدس..

    وبعدها بمدة طويلة.. وبالضبط في عام 90 م عقد الفريسيون مجمعاً في جامينيا، وقرروا اعتبار بعض الأسفار أسفاراً قانونية وهي: المزامير والأمثال ونشيد الإنشاد وراعوث، ودانيال، وأيوب، وعزرا، ونحميا، والأيام وغيرها .. واعتبروا هذه القائمة نهائية ورفضوا ما عداها من الأسفار، وقد بلغ عدد هذه الأسفار ستاً وثلاثين سفراً.

    وهذه الأسفار هي التي تبناها قومنا بعد ذلك.. كما قال القس إلياس مقار:( وقد استلمت الكنيسة المسيحية من اليهود أسفار العهد القديم التي قررها اليهود في مجمع جامينيا عام 90م )

    وقد كان الخلاف الذين نقلنا عنهم هذه الأسفار شديدا.. فقد كان الفريسيون مثلا يعتبرون سفر دانيال قانونياً، فيما لم يعتبره الصدوقيون، وكذلك كان لجماعة قمران أسفار كثيرة لم ترد في القائمة القانونية منها أخنوخ واليوبيلات وغيرها، والأسفار التي لم تدخل في القائمة كانت خمساً وثلاثين سفراً كما عددها تشارلس في مقدمة كتابه (أبو كريفا )

    وفي مرحلة تالية.. اجتمع قومي وقومك في مجمع (نيقية) سنة 325م، وأقر المجتمعون النصارى سفر يهوديت فقط، وأبقوا ثمانية أسفار مشكوكاً فيها.

    وفي مرحلة تالية.. اجتمع قومي وقومك في مجمع (لوديسيا) سنة 364م، وأقر المجتمعون سفراً آخر هو سفر استير.

    وفي مرحلة تالية.. اجتمع قومي وقومك في مجمع (قرطاجة)، سنة 397م بحضور اكستاين، فأضاف المجمع للقائمة ستة أسفار هي ( زوم، وطوبيا وباروخ وايكليزنا سيتكس (يشوع بن سيراخ ) والمكابيين الأول والثاني.

    وفي مرحلة تالية.. اجتمع قومي وقومك في مجمع (ترلو) واعتبر المجتمعون سفر باروخ جزءً من إرميا.

    وفي مرحلة تالية.. اجتمع البروتسنت في مجامعهم، وحذفوا ما شاءوا أن يحذفوا.

    وفي مرحلة تالية.. سنجتمع نحن لنضيف إلى كتبنا المقدسة ما نضيف..

    أليس كل ذلك صحيحا؟

    سكت، فقال: كيف نصف الكتاب بالقداسة.. وهو لا يتقدس إلا في مجامعنا التي لا نعرف من يحضر فيها.. ولا من يقف وراءها؟

    إن الكتاب المقدس ـ يا صاحبي ـ أعظم شأنا من أن يوضع بين يدي ثلة من الناس يلعبون بقداسته كما تلعبون بالكرة.

    2 ـ العهد الجديد:

    قلت: فلنتحدث عما تتصوره من نقص حصل للعهد الجديد.

    قال: اقرأ لي مقدمة لوقا لإنجيله.

    رحت أقرأ:( إذ كان كثيرون قد اخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن اكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علّمت به )(لوقا:1: 1 )

    قال: ألم تر في سطور هذا الخطاب الموجه من لوقا إلى صاحب السمو ثاوفيلس ما يدلك على النقص الذي أصاب العهد الجديد؟

    قلت: لا ألاحظ شيئا.. إن لوقا لم يسم أي كتاب ذكر حذفه من الكتاب المقدس.

    قال: إن لوقا لا يحذف.. ألم تعلم بأن هذا دور المجامع!؟.. دور الكتبة هو الكتابة فقط.. أما المجامع فهي وحدها صاحبة الحق في أن تعطيهم شهادة القداسة التي لا تعادلها أي شهادة.. ولو شهادة الدكتوراه.

    قلت: ما الذي أشار إليه لوقا من الأسفار المحذوفة؟

    قال: لقد ذكر لوقا أن كثيرا من الكتبة كتبوا مثل ما كتبه لوقا في بيان حال المسيح.

    قلت: ذلك صحيح؟

    قال: من الواضح جداً أنه كانت هناك كثرة في كتابة الأناجيل في ذلك الزمن.. فأين هي؟

    قلت: لا حاجة لك للاستدلال بقول لوقا.. فهذا أمر مشتهر تقر به الكنيسة.. نعم هناك أسفار كثيرة محذوفة من الكتاب المقدس في شقه الجديد.

    ومن أشهرها إنجيل توما _ إنجيل بطرس _ إنجيل باسيليوس _ إنجيل فيلب _ إنجيل ماتياس _ إنجيل برثولماوس _ إنجيل أندراوس _ إنجيل الانكراتيين _ إنجيل ثداوس _ إنجيل غمالائيل _ إنجيل أبللس _ رؤيا إستفانوس..  وغيرها من الأناجيل.

    قال: فكيف اقتصرتم على الأناجيل الأربع؟.. ألكم أنتم ـ أيضا ـ غرام بالأربع حال بينكم وبين سائر الأعداد؟

    قلت: هذا يعود إلى مجامعنا التي قررت ذلك.. فقد حرمت المجامع الأولى قراءة الكتب التي تخالف الكتب الأربعة والرسائل التي اعتمدتها الكنيسة، فصار أتباعها يحرقون تلك الكتب ويتلفونها.

    قال: فأنتم تعطون القداسة للمجامع، لا للكتبة.. فلولا رحمة المجامع بلوقا ويوحنا وغيرهما ما وصفتموهم بالإلهام.. ولا رتلتم أناجيلهم في المجامع.

    صمت، فقال: سأقرأ لك نصا من باحث صادق.. نعم لقد اتبع دين محمد.. ولكنه مع ذلك.. كان عالما باحثا.. لا يهتم بغير البحث عن الحقيقة.

    أخرج كتابا من ذلك الركن الذي كنا نقف بجانبه، وقال: اسمع ما يقول القس السابق عبد الأحد داود.. إنه يقول:( إن هذه السبعة والعشرين سفراً أو الرسالة الموضوعة من قبل ثمانية كتاب لم تدخل في عداد الكتب المقدسة باعتبار مجموعة هيئتها بصورة رسمية إلا في القرن الرابع بإقرار مجمع نيقية سنة 325 م، لذلك لم تكن أي من هذه الرسائل مصدقة لدى الكنيسة.. وهناك ـ أي في مجمع نيقية ـ تم انتخاب الأناجيل الأربعة من بين أكثر من أربعين أو خمسين إنجيلاً، وتم انتخاب الرسائل الإحدى والعشرين من رسائل العهد الجديد من بين رسائل لا تعد ولا تحصى، وصودق عليها، وكانت الهيئة التي اختارت العهد الجديد هي تلك الهيئة التي قالت بألوهية المسيح، وكان اختيار كتب العهد الجديد على أساس رفض الكتب المسيحية المشتملة على تعاليم غير موافقة لعقيدة نيقية وإحراقها كلها )[30]

    والغريب أن الكنيسة هي التي حددت الكتب الصحيحة التي يجب أن تُداوَل وألغت الباقي واعتبرتها كتبا غير قانونية، ومنها كتب ورسائل للمسيح نفسه، وكتاب لمريم العذراء، وأناجيل أخرى كثيرة للحواريين تلاميذه.

    ألا ترى أن هذه المجامع مارست دورا بوليسيا على الكتاب المقدس؟

    إنها تريد أن تفرض على الله ما يقول.. وتريد أن تفرض على الكتبة ما يلهم لهم.

    أتدري سر هذا الحرص من مجمع نيقية؟

    إنه ليس الإخلاص للكتاب المقدس.. بل هو الإخلاص للامبراطور.

    انتفضت قائلا: كأني بك تريد أن تقول بأن الامبراطور هو الذي حدد الكتب المقدسة، ونفى غيرها.

    قال: أنا لا أقول ذلك.. بل التاريخ.. وحقائق التاريخ.. هي التي تقول ذلك.

    لقد قال المؤرخ ( ديورانت ) في كتابه قصة الحضارة:( وصدر مرسوم إمبراطوري يأمر بإحراق كتب آريوس جميعها، ويجعل إخفاء أي كتاب منها جريمة يعاقب عليها بالإعدام )

    ويقول الكاتب المسيحي حبيب سعيد:( وبذلك فض المؤتمر النزاع القائم، وقرر إبعاد آريوس وأتباعه وحرق الكتاب الذي أودعه آراءه الملحدة )

    وقال آدم كلارك في المجلد السادس من تفسيره:( إن الأناجيل الكاذبة كانت رائجة في القرون الأولى للمسيحية، وأن فايبر بسينوس جمع أكثرَ من سبعين إنجيلاً من تلك الأناجيل وجعلها في ثلاث مجلدات )[31]

    كما ذكر فاستوس ـ الذي كان من أعظم علماء فرقة ماني في القرن الرابع الميلادي ـ ( إن تغيير الديانة النصرانية كان أمراً محقاً، وإن هذا العهد الجديد المتداول حالياً بين النصارى ما صنعه السيد المسيح ولا الحواريين تلامذته، بل صنعه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين أصحاب المسيح ليعتبر الناس )

    ويقول العالم الألماني (دى يونس):( إن روايات الصلب والفداء من مخترعات بولس ومَنْ شابهه من المنافقين خصوصاً، وقد اعترف علماء النصرانية قديماً وحديثاً بأن الكنيسة العامة كانت منذ عهد الحواريين إلى مضى 325 سنة بغير كتاب معتمد، وكل فرقة كان لها كتابها الخاص بها )

    ثم التفت إلي، وقال: ألا تزال تنكر تأثير الامبراطور على المجمع.

    صمت، فقال: كل الحقائق التاريخية تدل على أنه كان للامبراطور قسطنطين دور كبير في مجمع نيقية،لأنه كان يعلق أهمية كبرى في تكوين كنيسة واحدة في إمبراطورية واحدة.

    لــذلك فقــد كان ينتقي الأساقفة المنوط بـهم الإشتراك في المجمع، وبما أنه طوال سنوات كثيرة كان هناك مقاومة ـ على أساس الكتاب المقدس ـ للفكرة القائلة أن يسوع هو الله أو ابن الله, وفي محاولة لحل الجدال دعا قسطنطين الإمبراطور الروماني جميع الأساقفة إلى نيقية.

    ولم يكن قسطنطين مسيحيا, ولم يتم تعميده  إلا في أواخر حياته, بل لم يتعمد حتى صار على فراش الموت, وعنه يقول هنري تشادويك في كتاب (الكنيسة الباكرة):( كان قسطنطين كأبيه يعبد الشمس التي لا تقهر واهتداؤه لا يجب أن يفسر أنه اختبار داخلي للنعمة، لقد كان قضية عسكرية, وفهمه للعقيدة المسيحية لم يكن قط واضحا, ولكنه كان على يقين من أن الانتصار في المعركة يكمن في هبة إله المسيحين )

    وتقول دائرة المعارف البريطانية:( قسطنطين نفسه أشرف, موجها المناقشات بفاعلية واقترح شخصيا الصيغة النهائية التي أظهرت علاقة المسيح بالله في الدستور الذي أصدره المجمع.. وإذ كانوا يرتاعون من الامبراطور فإن الأساقفة ـ باستثناء اثنين فقط ـ وقعوا الدستور، وكثير منهم وقعوه ضد رغبتهم )

    ومن الثابت تاريخيا أن قسطنطين قد أدار المؤتمر بصورة واقعية، فقد كان يشــعر، بل ويتصرف كرئيس للمجمع، فكان يأمر الأساقفة بما يجب عمله، وما يجب تركه، وقد أعلن في مناســبة أخرى مؤكداً:( إني أرغب في قانون كنسي ) وقد قبلت الكنيسة كل هذا صاغرة، لـذلك أصبح القيصر أسقفها العام (الدولي) المعترف به.

    ولم يكن غير قسطنطين الذي أدخل ما تعارف عليه بصيغة (هومسيوس) الشهيرة في قرارات مجمع نيقية وفرضها على الأساقفة المعارضين بإستعمال سطوته.. زيادة على ذلك، فإنه لم يكن له تأثير فعّال وغير مباشر فقط على تكوين العقيدة، بل كان أيضاً يصوت معهم.

    يقول شيفارتز:( أخطر ما قام به قسطنطين هو إخضاع كنيسة الدولة لتعليمات نيقية )

    وكما كانت الكنيسة إحدى مؤسسات الدولة أصبحت أيضاً قرارات المجامع، وعلى الأخص البنود التي تخص العقيدة، والتي رفعها قسطنطين إلى مرتبة القوانين التي تصدرها الدولة، وبالتالي أصبح لها نفس الصورة الإلزامية للمفهوم القانوني العام، فأصبحت بعد ذلك ملزمة لكل الرعية.

    ومثل ذلك تحولت قرارات المجامع الأربعة المسكونية الأخرى بهذه الطريقة إلى قوانين عامة[32].

    قلت: أنت تتهم مجامعنا المقدسة.

    قال: ما أكثر ما تستغلون القداسة.. وما أكثر ما تستغلنا القداسة.. أجبني.. وكن صادقا في إجابتي.

    قلت: أفي شك أنت من ذلك؟

    قال: أنا لا أشك في صدقك.. ولكني أخاف من تهربك.

    قلت: لا بأس.. سأكون مع الحق.. ولو على نفسي.. أو على قومي.

    قال: أكبر دليل لكم.. بل الدليل الوحيد لكم على قدسية أي سفر من الأسفار هو ما أقرته المجامع الكنسية.. أليس ذلك صحيحا؟

    قلت: بلى.. هو صحيح.. وهو مفخرة لنا.

    قال: فأنتم تعتبرون بذلك هذه المجامع معصومة في آرائها.. بحيث لا تختار إلا المقدس حقيقة.

    قلت: ذلك صحيح.. فهي معصومة في قراراتها.. ولولا ذلك لأمكننا مناقشتها فيما تختاره.. لقد  جاء في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني قولهم:( إن ما تتضمنه وتعرضه الكتب المقدسة من حقائق موحاة مكتوبٌ كله بوحي من الروح القدس، وتؤمن أمنا الكنيسة المقدسة بموجب الإيمان الرسولي أن كتب العهدين القديم والجديد كلها وبجميع أجزائها مقدسة وقانونية، فالله هو مؤلفها مكتوبةٌ بوحيٍ من الروح القدس)[33]

    قال: فقد قرر المجمع المسكونى الخامس للكنيسة أن المرأة خالية من الروح الناجية التي تنجيها من جهنم..

    وقرر مجمع آخر أن المرأة حيوان نجس، يجب الابتعاد عنه، وأنه لا روح لها ولا خلود، ولا تُلقَّن مباديء الدين لأنها لا تُقبَل عبادتها، ولا تدخل الجنة، ولا الملكوت، ولكن يجب عليها الخدمة والعبادة، وأن يكمم فمها كالبعير أو كالكلب العقور، لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنها أحبولة الشيطان.

    وبناء على ذلك.. أو بناء على هذه الأفكار.. وفى عام 1500.. تشكل مجلس اجتماعي في بريطانيا لتعذيب النساء، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن، وقد أحرق الآلاف منهن وهنَّ أحياء، وكانوا يصبون الزيت المغلي على أجسامهن فقط لمجرد التسلية.. وحتى لا يختلف عليك الأمر فقد كان القضاة هم رجال الكنيسة.

    فلماذا لا تقرون بما قالت هذه المجامع؟

    قلت: لقد أخطأت هذه المجامع في هذه القرارات..

    قال: فالمجامع يمكن أن تخطئ.

    صمت، فقال: أراك تتهرب.

    لم أجد بدا من قولي: نعم.. يمكن أن تخطئ..

    قال: والبابا أيضا يمكن أن يخطئ.. فقبل سنوات خرج علينا بابا الفاتيكان باعتذارات رسمية عما قامت به الكنيسة في سالف عهدها من اضطهاد لمخالفيها في العقيدة أو الرأي.. إذن البابا والكنيسة والمجامع يمكن أن تخطيء؟

    قلت: أجل.. ذلك صحيح.

    قال: فكيف تجعلون مجامعكم مقدسة؟.. وكيف تهبون لهذه المجامع سلطة تعيين الكتاب المقدس؟.. ولماذا لا تطلبون من الكنيسة أن تريكم تلك الأسفار الكثيرة التي لم يرض عنها أعضاء المجامع لتدرس على ضوء البحث العلمي الموضوعي الدقيق.. اطلبوها منهم.. واعلموا أنهم لن يسلموكم شيئا منها.. لقد حاولت ذلك مرارا.. أتدري لم؟

    قلت: لم؟

    قال: لأن سلطتهم ترتبط بهذه الأسفار.. لا بتلك الأسفار.. ولا يمكن لأي مجرم في الدنيا أن يقدم دليل إدانته.

    الكلمات الناقصة:

    صمت قليلا، ثم قال: هذا هو النوع الأول من أنواع النقصان الذي حصل للكتاب المقدس.. وهناك نوع آخر لا يقل خطرا.

    قلت: ما هو؟

    قال: إن قومي وقومك لم يكتفوا برفض الكتب التي لا تتناسب مع أذواقهم، بل سمحوا لأنفسهم بتعديل الكتب التي رضوا عنها لتتناسب مع أذواقهم.

    قلت: ما تقول؟

    قال: لا تخف.. لست أدعي ولا أكذب.. لقد ترك القوم أدلة على ما فعلوه من خيانة للكتاب المقدس.

    قلت: أدلة خيانة!؟

    قال: أجل.. ألا تعلم أنه لا يمكن أن تكون هناك جريمة كاملة!؟

    قلت: عم تتحدث؟

    قال: من أكبر الأدلة علي التحريف ما ترى في الكتاب المقدس من النصوص المنقوصة، والتي وضعوا مكانها نجوما أو نقطا، أو تُركت فارغة[34].

    هكذا فعل قومنا مع الكتاب المقدس.. لقد وضعوا مكان النصوص الناقصة نجوما أو نقاطا أو خطوطا مستقيمة أو تركوها فارغة.

    أدركت ما يذكره، فقلت: أجل.. هناك أكثر من أربعين موضعا في أغلب النسخ في الكتاب المقدس وضعت خطوط مكانها.. وسبب ذلك أنها لم تكن واضحة في المخطوطة الأصلية، لذلك كان من باب الأمانة ما وضعه النساخ مكانها من نجوم أو خطوط.

    قال: أهكذا بكل بساطة تتحدثون عن الكتاب المقدس.. هل الكتبة كتاب محققون.. أم أنهم حفظة لكتاب مقدس؟

    قلت: هم كتبة، وهم حفاظ.

    قال: فقد انفردوا بالكتاب المقدس إذن..

    قلت: ما تقصد؟

    قال: في العادة عندما يصعب على محقق أي مخطوطة قراءة ما فيها يلجأ إلى نسخة أخرى.. وهكذا حتى يعرف وجه الصواب.. أليس كذلك؟

    قلت: بلى ..

    قال: فكيف لم يفعل هؤلاء الكتبة ذلك.. هل كانت النسخ محدودة لهذه الدرجة.. أنتم تزعمون أن للكتاب المقدس نسخا لا حصر لها.

    صمت، فقال: لا بأس.. لقد حل قومي وقومك المشكلة.. وسوف تأتي أجيال لن تتساءل عن هذا؟

    قلت: ما تقصد؟

    قال: بعد أن أشار الناس إلى هذه الفراغات، واحتاروا فيما كان موجود مكانها، وبدأت تثير الشكوك في نفوس العقلاء جاء من علمائنا من يبيح إكمال الفراغات الناقصة في هذا الكتاب على طريقة (أكمل الفراغات).. كما كنا نتعلم في المدارس، فاختاروا كلمات على مزاجهم، وأكملوا بها النصوص الناقصة.

    التفت إلي، وقال: ألا تعلم بأن كتاب المسلمين المقدس أشار إلى هذا.. لقد ورد فيه:) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( (المائدة: 13)؟

    لقد أخبرت هذه الآية عن هذا التلاعب الذي لا يزال مستمرا.. إن الخيانة لا تزال مستمرة.. ولسنا ندري متى تنتهي.

    التبديل

    قلت: علمت أدلتك على وجود النقصان، فما مرادك من التبديل؟.. وما أدلتك عليه؟

    قال: من تجرأ على أن يزيد في كلام الله ما يمليه عليه هواه.. ثم تجرأ على أن ينقص منه ما لا يتناسب مع مصالحه، لن يتخاذل عن أي تبديل قد يتصادم مع هذه المصالح التي اتخذها إلها من دون الله.

    قلت: أنت تعلل التبديل.. ولا تستدل له.

    قال: أحيانا يكون التعليل أعظم استدلال.. أنت ترى المسيح كيف نهض في وجوه رجال الدين اليهودي في عصره.. أليس ذلك صحيحا؟

    قلت: أجل.. بل إنه لم ينهض في وجه أحد كما نهض في وجههم، ولذلك لم يقاومه أحد كما قاوموه.

    قال: فهؤلاء الذين بدلوا أحكام الله، وقاوموا رسل الله، ألا يسهل عليهم أن يبدلوا كلام الله؟

    قلت: فرق بين الجواز العقلي، أو الجواز العادي، وبين الوقوع الفعلي.

    قال: صدقت.. ولكن.. أنت تعلم بأن الأحكام العملية، أو العقائد النظرية، مرتبطة بالكتاب المقدس.. فلذلك قد تقف تلك النصوص حجر عثرة في طريقهم.. فهل ترى فيمن قتل الأنبياء من الورع ما يحول بينه وبين تبديل كلام الله.

    قلت: لا أزال مصرا على طلب الدليل الحسي.. فكل ما تذكره الآن مجرد استنتاجات.

    قال: سأذكر لك الأدلة.. ولكن قبل ذلك.. سأرجع بك إلى الكتاب الذي لا أثق في كتاب في العالم مثل ثقتي فيه..

    قلت: تقصد قرآن المسلمين.

    قال: أجل.. إنه يعطيك الحقائق من منبعها.. اسمع إليه، وهو يقول.

    فتح المصحف على مواضع محددة وراح يقرأ بخشوع، وكأنه قديم الجذور في الإسلام:) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً((النساء:46)

    واسمع ما يقول في سورة أخرى:) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ((المائدة:13)

    واسمع ما يقول في موضع آخر من هذه السورة:) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ((المائدة:41)

    وسأضرب لك مثالا ذكره علماء المسلمين، وهم يبينون سبب نزول هذه الآية، لقد ذكرو أنها نزلت في يهوديين زنيا، وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، من الأمر برجم من أحْصن منهم[35]، فحرفوا، واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة، والتحميم والإركاب على حمار مقلوبين.. فلما وقعت تلك الكائنة بعد هجرة محمد، قالوا فيما بينهم:( تعالوا حتى نتحاكم إليه، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه، واجعلوه حجة بينكم وبين الله، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك.

    لقد وردت أسانيد المسلمين الصحيحة بذلك، وسأذكر لك نص الحادثة كما ورد في تلك الأسانيد..

    فتح كتابا وراح يقرأ:( حدث مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله r، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله r:( ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟)،  فقالوا: نفضحهم ويُجْلَدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم!

    قلب بعض الصفحات، وقال: ليس هذا الحديث هو موضع الشاهد.. هناك حديث آخر يصور سر التبديل.

    اسمع.. هنا موضع الشاهد.. هنا السر.. اسمع: زنى رجل من اليهود بامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هذا النبي، فإنه بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفُتْيا دون الرجم قبلناها، واحتججنا بها عند الله، قلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي rن وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مِدْارسهم، فقام على الباب فقال:( أنْشُدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحْصنَ؟)  قالوا: يُحَمَّم، ويُجبَّه ويجلد، والتجبية: أن يحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما )..وسكت شاب منهم، فلما رآه رسول الله r سكت، ألَظَّ به رسول الله r النَّشْدة، فقال: اللهم إذ نشدتنا، فإنا نجد في التوراة الرجم. فقال النبي r:( فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ ) قال:( زنى ذُو قرابة من ملك من ملوكنا، فأخَّر عنه الرجم، ثم زنى رجل في إثره من الناس، فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم )[36]

    أرأيت.. هذا الحديث يذكر السر الأكبر للتبديل.

    قلت: فهمت هذا ووعيته.. ولكني ألتمس الدليل.. أنت تعلم أن عقلي عقل قاض لا تقنعه إلا الأدلة القوية.

    قال: نعم العقل عقل القاضي الحكيم.. ليت كل مسيحي يكون له مثل هذا العقل.. إذن لتوحدت البشرية كلها وجهة واحدة.

    لقد بحثت في هذا كثيرا.. وسأذكر لك أربعة أمور تدلك على التبديلات الخطيرة التي أصابت كتابنا المقدس.

    قلت: فما هي؟

    قال: النسخ، والترجمات، والطبعات، والمعاني.

    النسخ:

    قلت: فحدثني عن التبديل الأول؟

    قال: أول تبديل حصل بالكتاب المقدس هو تباين نسخه واختلافها..

    قلت: ما تقصد بذلك؟

    قال: لقد رأيت أن للمسلمين جميعا مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم كتابا واحدا.. ولكن الكتاب المقدس له ثلاث نسخ.. كل نسخة تختلف عن الأخرى.

    قلت: تقصد النسخ المختلفة للتوراة.

    قال: أجل.. فهناك النسخة العبرية، وهي المقبولة والمعتبرة لدى اليهود وجمهور علماء البروتستانت، وهي مأخوذة من النسخة الماسورية وما ترجم عنها.

    وهناك النسخة اليونانية، وهي المعتبرة عند النصارى الكاثوليك، والأرثوذكس وهي التي تسمى السبعينية وما ترجم عنها.

    وهناك النسخة السامرية، وهي المعتبرة لدى السامريين من اليهود.

    قلت: لا حرج في هذا الاختلاف.. أليس قرآن المسلمين يقرأ بقراءات مختلفة؟

    قال: فرق كبير بين قراءات قرآن المسلمين وهذه النسخ.. إن الخلاف بين القراءات في قرآن المسلمين لا يعدو الوجوه اللغوية التي تقتضيها اللغة العربية.. وليس لها أي تأثير في معاني القرآن.. بالإضافة إلى أنها نقلت تواترا عن نبيهم[37].

    قلت: ونسخ الكتاب المقدس؟

    قال: لو أجرينا مقارنة بين النسخ الثلاث، وجدنا الأدلة الكثيرة على ما أصاب الكتاب المقدس من تبديل.

    قلت: أخيرا وصلت إلى ما أريد.

    قال: منها الاختلاف في عدد الأسفار.. فبين النسخ الثلاث اختلاف كبير في عدد الأسفار.. فالنسخة العبرية عدد أسفارها تسعة وثلاثين سفراً، وما عدا ذلك لا يعتبرونه مقدساً.

    أما النسخة اليونانية، فهي تزيد سبعة أسفار عن النسخة العبرية، وهذه الأسفار يعتبرها الكاثوليك والأرثوذكس قانونية ومقدسة كما عرفنا ذلك سابقا.

    أما النسخة السامرية، فلا تضم إلا أسفار موسى الخمسة فقط، وقد يضمون إليها سفر يوشع فقط، وما عداه فلا يعترفون به ولا يعدونه مقدساً.

    قلت: أعلم كل هذا.. ولكن ما دلالة هذا على التبديل؟

    قال: وهل هناك أعظم من هذه الدلالة؟

    قلت: لم أفهم ما تقصد.

    قال: أنت زعمت بأن لك عقل قاض حكيم.

    قلت: أجل.. ولست أدري هل أنت تمدحني بهذا، أم تذمني.

    قال: بل أمدحك.. وأصلي لله أن يملك كل مسيحي عقلا مثل عقلك، ومنطقا مثل منطقك.. الإيمان الصحيح هو الذي يقوم على المنطق الصحيح.

    أخبرني لو أن ثلاثة نفر وقفوا بين يديك، وفي يد كل واحد منهم نسخة من كتاب، وكل نسخة من النسخ تختلف عن الأخرى.. وكل منهم يزعم أنه صاحب الكتاب الحقيقي.. قكيف تحكم بينهم؟

    قلت: فيم؟

    قال: كل منهم يريد أن يثبت أنه صاحب النسخة الأصلية..

    قلت: ذلك سهل.. نتصل بالمؤلف، ليبين لنا النسخة الحقيقية لكتابه.

    قال: فإن مات، أو غاب، أو لم يمكن الاتصال به؟

    قلت: نبحث في تركته عن المخطوطة الأصلية للكتاب لنقارن النسخ المختلفة عليها.

    قال: فإن لم يترك المؤلف أي تركة.

    قلت: ننظر.. لعل النسخ متقاربة.. وأن التفاوت بينها لا يعدو التفاوت بين كلمات وحروف.. وحينها أنصحهم أن يضعوا في الهوامش ما يضعه المحققون.. فيختارون من كل نسخة ما يتناسب مع المعنى المراد.. وبذلك يرضى الجميع.

    قال: فإن كان الاختلاف شديدا.. بحيث يشمل فصولا كاملة، ومباحث تامة..

    قلت: حينها أؤكد جازما أن هناك إضافات في بعض النسخ، أو نقصا في بعضها.

    قال: فكيف تعرف الحقيقة من الزور، والحق من الباطل؟
    قلت: لا يمكن ذلك.. سيبقى الشك لا محالة.. لقد أخبرتني عن غياب المؤلف.. وعن غياب النسخة الأصلية.

    قال: فكذلك الكتاب المقدس الذي تتناقلون نسخه.. لابد أن يكون بعضكم مصيبا، وبعضكم مخطئا.. ولا يمكن للمصيب أن يتيقن دلائل إصابته، ولا يمكن للمخطئ أن يجزم بخطئه.

    قلت: هناك معايير أخرى يمكن التعرف بها على وجه الحق في المسائل.

    قال: ما دامت لك هذه القدرة، فسأعرض عليك بعض النصوص، لتجيبني عن وجه الحق فيها.

    أدركت مدى التحدي الذي يريد أن يوقعني فيه، لكني لم أملك إلا أن أجيب بالإيجاب.. لقد تذكرت صاحبك وهو يحذرني من الفرار من الحقائق.. قلت: سل ما بدا لك.

    قال: لقد ورد في التوراة تاريخ مواليد بني آدم إلي نوح، ونصت على عمر كل واحد منهم، وكذلك عمره حين ولد له أول مولود، وبعقد مقارنة بين ما ورد في النسخ الثلاث في أعمار من ذكروا حين ولد لهم أول مولود تتبين اختلافات واضحة .. نقلتها في هذا الجدول.. انظر إليه.. وحاول أن تدلني على الحقيقة التي أخبرتي أن لك قدرة على إثباتها.

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 13:59

    نظرت إليه.. وبقيت محتارا بما أجيبه به، لكني لم أملك إلا أن قلت ما كان يعلمني أساتذتي، ويلقنونه لي: إن التوراة اليونانية هي المصيبة في ذلك.

    قال: وما دليلك على ذلك؟

    لم أجد ما أجيبه به.

    قال: فلم لم تقل إنها التوارة العبرية.. أليست النسخ اليونانية مأخوذة من العبرية؟

    قلت: بلى.. ولكن اليهود.. أنت تعرفهم.. وتعرف تلاعبهم بالتوراة.

    قال: فكيف تثقون بهم.. وتأخذون كتبهم؟

    صمت، فقال: لا بأس.. حاول أن تبحث عن حل للغز آخر.. لقد اختلفت النسخ في المدة من الطوفان إلى ولادة إبراهيم، ففي العبرية 292 سنة، وفي اليونانية 1072 سنة، وفي السامرية 942 سنة.. فأي ذلك هو الصحيح؟

    لم أجد ما أجيب به، فقال: حاول أن تبحث عن حل للغز آخر.. لقد اختلفت النسخ في المدة من خلق آدم إلى ميلاد المسيح، ففي العبرية 4004 سنة، وفي اليونانية 5872 سنة، وفي السامرية 4700 سنة.

    لم أجد ما أجيب به، فقال: إليك لغزا آخر.. ما اسم الجبل الذي أوصى موسى ببناء الهيكل عليه.. لديك ثلاث اختيارات:

    في العبرية: جبل عيبال، وهو جبل للعن وهو أجرد يابس.

    وفي السامرية: جبل جرزيم، وهو جبل مناسب للبركة لكثرة مياهه.

    وفي اليونانية: جبل عيبال هو جبل البركة، وبنى عليه مذبح للرب (تثنية 26: 11)

    لم أجد ما أجيب به، فقال: أرأيت لو أنك ـ وأنت رجل دين ـ دخلت مسابقة وسئلت هذا السؤال، وكانت الجائزة مليون دولار.. بم كنت تجيب؟

    صمت، فقال: أما أنا.. فلدي طريقة سهلة.. سأسأل السائل عن دينه ومذهبه[38] فأجيبه بحسب ما يؤمن به.. ألم يكن قومنا يبيعون كلام الله بأبخس الأثمان؟

    سأعطيك لغزا آخر: كم الوصايا؟

    أجبت بسرعة: عشر وصايا.. فنحن نذكر كثيرا الوصايا العشر.

    قال: ذلك بحسب التوراة العبرية واليونانية.. أما بحسب السامرية، فالوصايا أحد عشر.

    لغز آخر: ما هو العدد الحقيقي لبنى إسرائيل عند دخولهم مصر: هل هم خمسة وسبعون بحسب التوراة السامرية، أم هم سبعون بحسب اليونانية؟

    صمت، فقال:: نكتفي بهذا.. هذه مجرد أمثلة.. ولست أدري أي توراة منها هي الفائزة.. ولننتقل إلى تحريف آخر لا يقل خطرا.. بل هو أخطر التحريفات.

    الترجمات:

    قلت: تقصد الترجمات؟

    قال: أجل..

    قلت: وما وجه الخطورة فيها.. أليست الكلمات المقدسة كلام الله.. وكلام الله ينبغي أن يسمعه العالم، جميع العالم، بلغاته المختلفة؟

    قال: أجل.. ولكن يسمعون كلام الله المقدسة لا كلمات المترجمين المختلطة بأهوائهم.

    قلت: هذا كلام عام.. لا يقبله أي قاض في الدنيا.

    قال: فاسمح لي سيادة القاضي أن أذكر لك من الأدلة ما يدين هؤلاء المجرمين الذين راحوا يتلاعبون بكلام الله المقدس.

    إنهم ـ سيادة القاضي ـ يغيرون معنى الكلمات، ويقلبونها قلباً حتى لا تؤدي معناها.

    إنهم يضعون ترجمات لكلمات غير موجودة، ويتركون كلمات بلا ترجمة.

    ثم هم يترجمون كلمات بغير معناها.

    قلت: هذا مثل ذاك.. البينة هي الحكم الذي يحكم بين الخصوم.

    قال: لدي بينات كثيرة.. اسمع ما يقول (مزمور: 84 /6):( عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا أيضا ببركات يغطون مورة ) هذا هو النص الذي ترجموه إلى العربية.

    أما أصله الذي ترجم منه.. أي الإنجليزية.. فهو هذا:

    Psalms:84:6: Who passing through the valley of Baca make it a well; the rain also filleth the pools.

    قلت: فما الفرق بين الأصل والترجمة؟

    قال: الفرق واضح جدا ـ سيادة القاضي ـ.. إنه فرق يغير الحقيقة تغييرا تاما.

    قلت: ما تقصد؟

    قال: لقد جاء لفظ Baca في النسخة الإنجليزية ـ وهو اسم علم، وليس له أي معنى في اللغة الإنجليزية ـ

    قلت: سمعت ذلك.

    قال: لكن المترجمين عندما ترجموه إلى العربية تعمدوا أن يحولوا كلمة Baca في الإنجليزية إلي العربية، فترجموها وادي البكاء، حتى تكون بعيده تماما عن معناها الأصلي وادي بكة (בְּעֵמֶק הַבָּכָא)، والتي تقرأ (بعيمق هبكا)، فترجمها المترجمون إلى العربية إلى وادي البكاء، وترجمتها نسخة الرهبانية اليسوعية إلى (وادي البَلَسان)

    قلت: سمعت هذا.. ولكن ما الفرق بين الاسمين.. فسواء سميناها وادي بكة، أو سميناها وادي البكاء.. لا تضر التسمية.

    قال: أرأيت لو وضعنا على جميع مسرحيات (شكسبير) المترجمة إلى العربية اسم (الشيخ زبير)[39] حتى توهم جميع العرب أن هذه الروايات من كتابة الشيخ زبير، لا من كتابة شكسبير.. هل يقبل ذلك ورثة شكسبير؟

    قلت: لا.. لا يقبله ورثة شيكسبير.. ولا غيرهم..

    قال: فهكذا فعل قومك مع وادي بكة.. لقد رأوا قرآن المسلمين يسمي مكة التي ولد فيها محمد بكة[40]، وهو اسم قديم لها، فخشوا أن يتسرب إلى الناس اسم محمد عبر اسم بكة، فراحوا يحرفون، ثم يسمون التحريف ترجمة.

    لم أدر بما أجيبه به.. فقال: ومثل ذلك ما ورد في (التثنية: 33 /2)، فقد جاء فيها:( جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم )

    هذا هو النص العربي.. أما النص الإنجليزي، فهو:

    And he said, The Lord came from Sinai, and rose up from Seir unto them; he shined forth from mount Paran, and he came with ten thousands of saints: from his right hand went a fiery law for them. (KJV)

    أجبني ـ حضرة القاضي ـ أين ذهبت ترجمة هذه الجملة:

    and he came with ten thousands of saints[41] ..

    إننا لا نجدها في النص العربي.

    أتدري ما سبب ذلك.. إن هذا النص قد يشير إلى محمد.. فلذلك تعمدوا عدم ترجمته.. إنها نبوءة صريحة عن فتح مكة التي دخلها محمد، ومعه عشرة آلاف مقاتل[42].

    الطبعات:

    صمت، فقال:: نكتفي بهذا.. هذه مجرد أمثلة.. ولننتقل إلى تحريف آخر لا يقل خطرا.. وهو في نفس الوقت تحريف متطور.

    قلت: تريد اختلاف الطبعات؟

    قال: أجل.. فأنتم تقومون بتحديث كتابكم المقدسة كل حين ليتناسب مع التطورات المختلفة.. أليس كذلك؟

    صمت، فقال: نعم ـ حضرة القاضي ـ أنت لا تكتفي بالتهمة العارية عن الدليل.. ولذلك سأذكر لك الأدلة الكثيرة التي تطمئنك إلى الحكم الذي يرضي عدالتك.

    لقد ورد في (خروج 32عدد 28):( قتل بنى لاوى من عبدة العجل 3000 رجل)، بينما نرى هذ النص في طبعة 1844:( قتلوا 23000 رجل ) , فلماذ تم تغييرها فى طبعة 1844 وما بعدها؟

    هل أخطأ الرب فى الرقم الأول، أم فى الرقم الثانى؟

    قلت: هذا خطا مطبعي.. الأخطاء المطبعية ممكنة.

    قال: لا بأس.. يمكن أن يكون ذلك خطأ مطبعيا.. ولكن ما تقول فيما ورد في (صموئيل الأول 6عدد 19 ):( وَضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ الرَّبِّ. وَضَرَبَ مِنَ الشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً )

    لقد أصبح هذا العدد الضخم في طبعات الكتاب المقدس الإنجليزية والفرنسية والألمانية (70) رجلاً فقط.

    فمن الذى أعطى لنفسه هذا الحق لتغيير كلمة الرب؟.. أتدري لم فعلوا ذلك؟

    صمت، فقال: لقد خافوا أن يتشوه الرب في أذهان القارئين، فراحوا يكذبون عليه لينفوا عنه التهمة.

    قلت: هذه أشياء لا علاقة لها بالرحمة وغيرها.. بل هي أخطاء فردية أكثرها مطبعي.

    قال: لا بأس.. سأذكر لك بعض النصوص لاثبات التبديل.. ولدي هنا نسختان: نسخة حديثة هي من كتاب الحياة للعهد الجديد، لدي منها الطبعة السادسة عشر.

    ولدي في نفس الوقت نسخة الملك جيمس الانجليزية المعروفة، ولدي معها ما يدعمها من الطبعة الامريكية القياسية.

    هيا.. لنحاول المقارنة بين هذه الطبعات:

    ولنبدأ برسالة يوحنا الاولى الاصحاح الخامس العدد 7.. اسمع ما تقول النسخة العربية الحديثة:( فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد )

    هذا النص يختفى تماما من النسخة الامريكية القياسية .. انظر.

    نظرت، فرأيت النص موضوعا بين قوسين.. لقد وضعت الجملة (فى السماء الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد) بين قوسين.

    قلت: أنت ترى أن هذه الجملة قد وضعت بين قوسين.. وهم قد نبهوا في أول الكتاب إلى أن ما يوضع بين القوسين غير موجود بالأصل.

    قال: وهل ترى القارئ متفرغا لقراءة تنبيهاتهم.. بل اصبر.. يوشك أن ينتزعوا القوسين ليصبح الدخيل أصلا.

    اسمع نصا آخر.. جاء في ( متى:1/ 18 ـ20):( أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس فيوسف رجلها إذ كان بارا ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سرّا ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس )

    هذا هو نص النسخة العربية الحديثة.. أما النسخة القديمة الأصلية، فقد ورد هكذا:

    Now the birth of Jesus Christ was on this wise: When as his mother Mary was espoused to Joseph, before they came together, she was found with child of the Holy Ghost Then Joseph her husband, being a just man, and not willing to make her a publick example, was minded to put her away privily But while he thought on these things, behold, the angel of the LORD appeared unto him in a dream, saying, Joseph, thou son of David, fear not to take unto thee Mary thy wife: for that which is conceived in her is of the Holy Ghost.

    فى هذا النص تم استبدال كلمة رجلها بكلمة خطيبها، والنص الانجليزى المرفق الكلمة زوجها.. وكذلك كلمة (امراتك) استبدلت بعروسك وهى فى الانجليزية كما هو واضح زوجتك.

    وممن ذلك ما ورد في (يوحنا: 17 /3):( وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته )

    هذا هو نص النسخة العربية الحديثة، أما النسخة الأصلية، فقد ورد فيها النص هكذا:

    And this is life eternal, that they might know thee the only true God, and Jesus Christ, whom thou hast sent.

    أتدري.. لم غيروا هذا النص؟

    قلت: لا..

    قال: لقد رأوا المسلمين يستخدمون هذا العدد ليستدلوا به على أن الله واحد، وأن المسيح مجرد رسول.. لذلك تم تغييره بهذه الحيلة التي لم تغير المعنى كثيرا، ولكنها أبعدته عن المعنى المراد.

    أتكفيك هذه النصوص، أم أزيدك؟

    صمت، فقال: أظن أنها تكفي.. فالذي تجرأ على أن يغير نصا واحدا لن يحول أي شيء بينه وبين تغيير غيره.

    المعاني:

    قلت: بقي تبديل المعاني.. فماذا تريد به؟

    قال: لقد أشار إلى هذا التحريف الخطير قرآن المسلمين، فقد ورد فيه:) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ((المائدة:64)

    قلت: فما تشير هذه الآية؟

    قال: تشير إلى عادة في اليهود نص عليها ما ورد في الآية الأخرى:) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ((البقرة:58)

    قلت: فما معنى هذا؟

    قال: لقد فسر محمد هذا، فقال:( قيل لبني إسرائيل:) وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ ((البقرة: من الآية58)، فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدّلوا وقالوا: حطة: حبة في شعرة )[43]

    قلت: ما معنى ذلك؟

    قال: لقد أمروا بالتواضع عند دخولهم إلى بيت المقدس، فراحوا يتلاعبون ويستكبرون على بلاد الله وشعوب الله.. كما تراهم يفعلون الآن.

    قلت: وما علاقة ذلك بالتبديل؟

    قال: هذا أخطر تبديل.. أن تبدل صفات الله، ويبدل شرع الله.

    فهم قد بدلوا الصفات، فجعلوا الله الكريم شحيحا صاحب يد مقبوضة.

    وحولوا أوامر الله إلى طقوس لا أرواح لها، وإلى حركات لا مقاصد من خلفها.

    قلت: هذا على حسب كتاب المسلمين.

    قال: لا.. بل هذا على حسب كتابنا المقدس.. ألا ترى تلك الأوصاف التي ألصقناها بالله، والتي تقشعر من هولها القلوب.

    أدركت ما يرمي إليه، فسكت، فقال: لا تخف.. لن أذكر لك ما ورد في الكتاب المقدس من نصوص في هذا.. ولعلك ستجد من يحدثك عنها..

    ولكني سأذكر لك مثالا واحدا فقط ليكون لك مجرد دليل.. لقد جاء في سفر ميخا ( 1: 8 ) هذا الحديث عن الله:( لِهَذَا أَنُوحُ وَأُوَلْوِلُ وَأَمْشِي حَافِياً عُرْيَاناً، وَأُعْوِلُ كَبَنَاتِ آوَى، وَأَنْتَحِبُ كَالنَّعَامِ )

    أما في الشريعة، فاسمع هذه العنصرية التي تفوح من الكتاب المقدس:( لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِباً وَلكِنْ لأَخِيكَ لا تُقْرِضْ بِرِباً لِيُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِليْهِ يَدُكَ فِي الأَرْضِ التِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِليْهَا لِتَمْتَلِكَهَا)( تثنية 23: 20)



    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:00

    2 ـ حفظ القرآن الكريم

    قلت: لقد عرفنا الشكوك التي يمكن توجيهها لكثير من أسفار الكتاب المقدس.. فلنتحدث عن قرآن المسلمين.. هل ترى أنه ظل محفوظا مثل ما نطق به محمد.. لم يزيدوا حرفا واحدا.. ولم ينقصوا حرفا واحدا.. ولم يبدلوا شيئا، ولم يغيروا.

    قال: لقد بحثت في هذا بحثا مضنيا.. بل لدي ركن من المكتبة خاص بذلك.. جمعت فيه النسخ والأسانيد.. وقد خرجت بنتيجة قد لا تعجبك.

    قلت: ما هي؟

    قال: إن كتاب المسلمين هو الكتاب الوحيد الذي حفظ.. فلم يزد فيه حرف واحد، ولم ينقص منه حرف واحد، ولم تزده الأيام إلا ثبوتا ورسوخا.

    أشار إلى مصحف، وقال: كل ما هو بين دفتي هذا المصحف مما أخبر محمد أنه نزل عليه.

    قلت: إن هذا كلام مجمل يحتاج إلى توثيق وأدلة.. ألا تعلم أن لي عقل قاض؟

    قال: وأنا جاهز لذلك ـ حضرة القاضي ـ

    قلت: ما هي أصناف الأدلة التي يمكن أن تستدل بها لكتاب وجد منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.. هل سنبدأ الحكاية من أولها كما فعلنا مع الكتاب المقدس؟

    قال: أجل.. لا مناص لمن يريد أن يبحث في التوثيق أن يبدأ السند من أوله.

    عهد محمد r

    قلت: فما أول السند؟

    قال: هو محمد.. أليس محمدا هو الذي أخبر بأن هذا القرآن هو كلام الله الذي أوحى به إليه؟

    قلت: بلى.. لا شك في ذلك.. وهذا مما يعلمه العالم أجمع.

    قال: وهذا يحوجنا أن نتأكد من أن محمدا قد ألقى إلى أصحابه كل ما أوحي إليه، وأنه لم يمت حتى ترك كتابه في أيد أمينة.

    قلت: ذلك صحيح.. وهو نفس ما فعله موسى.. فقد ترك التوراة عند بني هارون.

    قال: ولكن هناك فرق كبير بين الأمرين.

    قلت: فيم؟

    قال: لقد ترك موسى الألواح عند سبط واحد من أسباط بني إسرائيل.. لكن محمدا ترك القرآن عند الجماهير من الناس من العرب والعجم.

    والفرق الثاني، أن أصحاب موسى لم يحفظوا عن ظهر قلب كتابهم، بينما أصحاب محمد حفظوه.

    قلت: أتقصد أن كتاب المسلمين محفوظ في الصدور، ومحفوظ في السطور؟

    قال: أجل.. وقد حفظ بهذا الأسلوب في كل فترات التاريخ بدءا من عهد محمد.. ولذلك ذكرت لك أنه ليس هناك كتاب مقدس في الدنيا أوثق من كتاب محمد.

    قلت: هذا الكلام مجمل.. وهو يحتاج إلى أدلة كثيرة جدا.

    قال: الأدلة أكثر مما تتصور.. فلندخل البيوت من أبوابها.. ولنبدأ بعهد محمد.

    حفظ الصدور:

    قلت: ولنبدأ بما ذكرت من حفظ الصدور.

    قال: أول شيء قد لا تحتاج له الآن.. أو قد لا تؤمن به الآن.. هو أن تعلم بأن محمدا حفظ كل ما أوحي إليه.

    قلت: هذا يلزمني بأن أؤمن بأنه أوحي إليه فعلا، وأنا لا أؤمن بذلك.. وأنت تشاركني في ذلك.

    قال: لست أدري.. هل أشاركك في ذلك، أم لا أشاركك؟.. أنا أشعر بأن كل ما يقوله صحيح.. فمحال على تلك الشمس العظيمة أن تكذب.

    قلت: فما الذي يحول بينك وبينها؟

    قال: نفسي.. وأخي التوأم.. وأشياء كثيرة لا يمكنني أن أذكرها لك الآن.. ولكنه مهما كثرت هذه الحجب التي تحول بيني وبين محمد.. فليس من بينها العقل.. العقل وحده يقف في معارضة كل هذه الحجب.

    قال ذلك بنبرة حزينة تخفي آلاما لست أدري سرها.

    قلت: لا عليك.. حدثني عما يراه عقلك.. ودعنا من نفسك.

    قال، وكأنه لم يسمع ما قلت له: أتدري.. إني أقرأ آية من القرآن، فأجدها تنطبق علي تماما.. لست أدري.. هل أنا هو المقصود منها، أم المقصود منها غيري.. لقد ورد في كتاب المسلمين:) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً( (النمل: من الآية14)

    إن هذه الآية تصور نفسي.. فهي مستيقنة بالحقيقة التي تنتشر أشعتها، كما تنتشر أشعة الشمس.. ولكني في نفس الوقت لا أستطيع أن أنطق بالحقيقة التي يمتلئ بها قلبي وعقلي ووجداني..

    قلت: دعنا من هذا.. ولنعد إلى ما كنا فيه.

    قال: لقد علمت ـ من خلال القرآن ـ أن محمدا بلغ كل ما أنزل إليه من ربه.. لم ينس حرفا واحدا[44]..

    قلت: ولكن القرآن الكريم أخبر بأن محمدا ينسى.. ألم تقرأ ما ورد فيه:) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ( (الأعلى:6 ـ 7) [45]، فهذه الآية، والتي تليها، تدل ـ بطريق الاستثناء ـ على أن محمدًا قد أُنسي آيات لم يجد من يذكره إياها.. اقرأ الآيتين جيدا.. ألا تراها تدل على جواز النسيان على محمد؟

    بالإضافة إلى هذا.. لقد روى البخاري ـ وهو من هو من حيث الوثوق بأحاديثه عند المسلمين ـ عَنْ عَائِشَةَ زوج محمد أنها قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ r قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمسْجِدِ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَة كَذَا وَكَذَا. وفي رواية: أُنْسِيتُها[46].

    قال: إن ما ذكرته من الآية لا يدل على جواز نسيان محمد القرآن.. بل معنى الآية:( سنعلمك القرآن، فلا تنساه )، فهي تدل على عكس ما أوردته من الاستدلال.

    قلت: والاستثناء!؟.. إنه محل الدليل[47].

    قال: لقد ورد الاستثناء في الآية معلقا على مشيئة الله، وقد ورد في النصوص ما يبين أن رب محمد شاء أن يجمع قرآنه وبحفظه.. لقد ورد في القرآن ما يثبت هذا، لقد جاء فيه:) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ((القيامة:17)، وورد فيه:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ((الحجر:9)

    ألا ترى أن هناك تناقضا لو قلنا بأن محمد نسي بعض ما أوحي إليه من ربه وهذه الآيات؟

    ألا ترى أن هناك تناقضا بين دعوى النسيان، وبين ما ورد من النصوص التي تخبر بأن محمدا قد كمل دينه وتمت نعمة ربه على أمته، ألم تقرأ تلك الآية التي لا نجد مثلها في كتبنا:) الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ((المائدة: من الآية3)؟

    قلت: وما تقول في الاستثناء؟.. أراك تتهرب منه.

    قال: إن من خصائص القرآن الكبرى ربانيته، فهو يدل على الله في كل آية، بل في كل لفظة، ويعرف بالله في كل محل حتى لا تنتشر الغفلة في النفوس.

    قلت: وما علاقة ذلك بهذا المحل؟

    قال: لو ذكر القرآن أن محمدا لن ينسى، ثم لم يستثن بذكر الله، فقد يتصور من يتصور من أن محمدا لن ينسى، لأن له من الذاكرة ما يجعله كذلك.. ولكن الاستثناء ربط ذاكرة محمد بمشيئة الله وقوة الله.. وهو بذلك يجعل له من المدد ما يظل يفتقر إليه لو لم يذكر الاستثناء.

    ربما لن تفهم ما أقصد الآن.. سأوضح لك أكثر.. لو قال الاستاذ لتلميذه النجيب الحافظ:( لن تنجح إلا أن أشاء أنا ).. فما نسبة احتمال نجاح هذا التلميذ النجيب، بعد ما قال له أستاذه هذا؟

    قلت: تبقى ثابتة.. سينجح هذا التلميذ لا محالة ما دام بالصفة التي ذكرت.

    قال: ولكن المعلم ذكر أنه لن ينجح إلا بمشيئته.

    قلت: ربما يقصد المعلم هنا أن يبين فضله على تلميذه.. وأنا نجابة تلميذه وحدها لا تكفي لنجاحه، بل يحتاج معها إلى رضى أستاذه عنه.

    قال: فطبق هذا المثال على ما ذكرت من النص.. ففيه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي.

    قلت: وما تقول في الحديث الصحيح الصريح الذي رويته لك؟

    قال: إن الحديث نفسه يحوي دلائل الحفظ.. بل يشير إلى الجهد العظيم الذي قام به محمد لحفظ كتابه.

    قلت: كيف ذلك؟

    قال: أرأيت لو أنك دخلت قسما عند معلم، فنسي المعلم كلمة في قصيدة، فذكره تلاميذه.. أتحترم هذا المعلم أم تهينه لنسيانه؟

    قلت: بل أحترمه.. لأنه أوجد من التلاميذ من يذكره إذا نسي.

    قال: وهكذا محمد.. إن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها محمد من أحد أصحابه كانت قد انمحت من ذهنه جملةً، بل هي تفيد أنَّها كانت غائبة عنه، ثم ذكرها، وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه، وليست غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه، فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره[48].

    قلت: فما دلالة هذا على الحفظ؟

    قال: ألست تستعمل الوسائل المختلفة لحفظ ما تخاف على نفسك من نسيانه؟

    قلت: بلى.. فأنا لا أثق في ذاكرتي مهما قويت، ولهذا أسجل عادة ما أحفظ، ثم أخبر أهلي بأن يذكروني إذا نسيت.. بل وأحيانا أذكر أصدقائي الذين أثق فيهم.

    قال: وهكذا فعل محمد.. لقد كان حريصا على كلام ربه حرصا لا يمكن تصوره.. وقد ذكر القرآن هذا، فهو يصف هذا الحرص بقوله:) وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ((طه: 114 )، ويقول:) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ((القيامة:16)

    وقد قال ابن كثير ـ وهو أحد مفسري القرآن ـ في هذه الآية:( هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله r في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه )[49]

    قلت: عرفت حرص محمد على حفظ كتابه، فهو كتابه الذي رفع ذكره، وأعلى شأنه.. ولكن من الذي يضمن لنا صدق حفظ أصحابه لهذا الكتاب.. وليس لهم من المصالح ما لمحمد.

    قال: لقد جعل القرآن ومحمد في أذهان المؤمنين وهممهم ما يدعوهم إلى حفظ الكتاب الذي جاء به..

    لقد ورد في القرآن أن هذا الكتاب منزل عليهم ولهم.. هو رسالة من الله ليسمعوها ويعوها ويحفظوها.. وقد كان ذلك وحده كافيا ليملأ وعيهم بمفرداته وتراكيبه.. إن القرآن يقول للناس الذين أرسل إليهم محمد:) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ((الانبياء:10).. فهو كتاب ذكرهم وشرفهم.. وهل يمكن لعاقل أن ينسى الكتاب الذي يشرفه هذا التشريف!؟

    ولهذا كان أتباع محمد يمتلئون سرورا بالقرآن الذي ينزل.. لقد كانوا يشعرون بأن الله يكلمهم.. لقد ورد هذا في القرآن، فهو يصف هذه الحالة النفسية وصفا دقيقا، فيقول:) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ((التوبة:124)، ويقول:) قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (( فصلت:44)، ويقول:) وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا((الإسراء: 82)، ويقول:) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ((لأنفال:2)

    إن هذه الآيات تصف المؤمنين، وهم يتسابقون لحفظ كتاب ربهم، وهم مستبشرون بما أنزل عليهم، يبشر بعضهم بعضا به.. فهل ترى مثل هؤلاء سينسون ما أنزل إليهم؟

    وقد حفظت لنا أسانيد المسلمين الموثوقة قصة تشير إلى مدى الاهتمام بالوحي النازل من الناس البسطاء الذين كانوا في البيئة التي توفرت لمحمد، ولم تتوفر لغيره من الأنبياء.. فقد روى أنس، وهو من أصحاب محمد، أن أبا بكر قال لعمر بعد وفاة محمد:( انطلق بنا إلى أم أيمن ـ وهي امرأة عجوز صحبت محمدا ـ نزورها كما كان رسول الله r يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله خيرٌ لرسول الله r؟ فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خيرٌ لرسول الله r، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها[50].

    إنها امرأة عجوز.. ولكنها كانت ترى بعينيها الحياة السعيدة التي تعيشها في ظل الوحي النازل.. لقد كان الوحي هو الروح التي أحيت العرب وغيرهم من الأجناس.. أو كان هو المطر الذي نزل على صحرائهم الميتة.. وهل يمكن للبدوي أن ينسى الغيث الذي يأتيه بعد اليأس، أو الحياة التي تأتيه بعد الموت!؟

    نظر إلي، فرآني ساكتا، فقال: لقد كان من أهم مزايا حفظ القرآن أن محمدا كان في بيئة لم يكن فيها رجال دين.. كان كل من حوله عبيدا أو تجارا أو عمالا بسطاء.. لقد كانت قلوبهم كالصفحات البيضاء التي تحفظ ما سجل عليها نقيا صافيا، فلا تتصرف فيه، ولا تعبث به.

    ولم يكتف محمد بهذه الأحوال النفسية الجميلة التي كان يعيشها أصحابه، وهم يسمعون القرآن، بل كان يزيد في ترغيبهم في فضل حفظه ووعيه وتدبره.. ليضمن أعظم حفظ له.

    لقد كان يقول لهم:( مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ )[51]

    وكان يقول لهم:( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ، وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ )[52]

    ويبشرهم بأن حافظ القرآن لا تحرقه النار، فقد قال:( لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ[53] ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ )[54]

    ويبشرهم بأن حافظ القرآن سيكون شخصية مرموقة في الآخرة، بحيث يشفع في أهله.. لقد قال:( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ )[55]

    بل يكرم والداه، وتعلو منزلتهما، لقد قال:( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيامَةِ، ضَوْءهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا - لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟)[56] .. أتدري ما أثر هذا القول؟

    قلت: ما أثره؟

    قال: لقد وهب أكثر المسلمين أبناءهم للكتاتيب ليحفظوا القرآن.. ويضمنوا بذلك من الشفعاء ما يقيهم حر جهنم.

    ليس ذلك فقط.. بل كان يبشرهم بأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فقد قال:( إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ:( هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ )[57]

    قلت: ولكني مع ذلك قرأت حديثا لبعض أصحاب محمد يخبر فيه أنه لم يحفظ القرآن في عهد النبي إلا أربعة.. فكيف توفق بين ما ذكرت، وهذا الحديث[58].

    قال: أجل.. هذه شبهة يتعلق بها الكثير ليطعنوا في تواتر القرآن.

    قلت: ولم لا تسميها دليلا على عدم تواتره؟

    قال: لأنها ليست دليلا.. لقد بحثت في هذا بحثا مفصلا.. هذا الحديث رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن، وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، وهو الذي تعلق به من تعلق في إيراد هذه الشبهة.

    قلت: ألا تزال تصر على تسميتها شبهة؟

    قال: سأسميها كما تشتهي.. ولكن اسمع لي.. نص الحديث هو عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الذي هو أحد أصحاب محمد، لقد قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ r وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.

    وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ )[59]

    قلت: هذا الحديث صريح لا يمكن لأحد أن يفر منه.

    قال: أرأيت لو روي حديث آخر في قوة هذا الحديث من صحابي آخر، يذكر أن حفظة القرآن في عهد محمد كانوا أربعمائة، أكنت تقبله، أم ترفضه؟

    قلت: دعنا من (أرأيت).. نحن الآن أمام حديث صريح.

    قال: وهل قال هذا الحديث محمد؟

    قلت: لقد قاله بعض أصحابه.

    قلت: فماذا ذكر؟

    قال: لقد أحصى حفظة القرآن في عهد محمد، فذكر أنهم أربع.

    قلت: أرأيت إن جاء صحابي آخر، فأخبر بحفظه للقرآن، أو أخبر بحفظ غير الأربعة للقرآن.. أكنت تصدقه؟.. أم أنك لا تصدق غير أنس؟

    لم أدر ما أجيبه به.. فقد كنت أدري ما يرمي إليه، فقال: لا شك أنك ستصدقه، لأنه لا ميزة لأنس تجعله الناطق الرسمي باسم الصحابة.. فكل صحابة محمد يمكنهم أن يعبروا عن آرائهم أو عن إحصائهم.

    قلت: أجل.. فهل روي في ذلك شيء يناقض ما قال أنس؟

    قال: روي الكثير.. لقد ثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن[60]، وروي أنه قتل في وقعة اليمامة مثلهم.. هؤلاء فقط من قتلوا.. فكيف بمن لم يقتل.

    قلت: وما تقول في حصر أنس للأربعة؟

    قال: يمكنك أن تقول الكثير.. من ذلك أن تقول أن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.. أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ أي هم أربعة بالإضافة إلى غيرهم.

    ويمكنك أن تستدل لذلك باستحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة، وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله..

    ويمكنك أن تستدل لذلك باختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة، ففي رواية ذكر أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد[61]، وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ[62].. وهذا دليل على عدم إرادته الحصر الحقيقي، لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه.

    ويمكنك أن تعتبر الحصر حقيقيا.. ولكن لا على أن المراد ما توهمته من الحفظ.. بل على مراد آخر كان الصحابة يعتنون به، كما اعتنى به من بعدهم.

    قلت: وماهو؟

    قال: الكثير من العلوم المرتبطة بالقرآن.. مثل وجوه القراءات، فيكون المعنى حينئذ:( لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك )

    أو أن يكون المراد بجمعه تلَقِّيهِ من فم رسول الله r بغير واسطة، بخلاف غيرهم، الذين يحتمل أن يكونوا قد تلقوا بعضه بالواسطة.

    ومن ذلك أن يكون مراده الذين تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.

    ومن ذلك أن يكون مراده الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة، وحفظوه عن ظهر قلب.

    ومع كل ما ذكرته لك من أدلة إلا أن حديث أنس لو اعتبرناه بالمعنى الذي ذكرت من الحصر، فإنه لا يدل على انتفاء التواتر.

    قلت: كيف ذلك؟

    قال: لأن كل جزء منه حفظ من خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعُهم جميعَه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، ولا أظنك تخالفني في ذلك[63].

    قلت: ما الذي تقصد؟

    قال: أرأيت لو أن جميع وكالات الأنباء أوردت خبرا، بعضهم فصل فيه، وبعضهم قصر، ولكن كل جزء من أجزاء الخبر اتفق على ذكره الكثير.. أكنت تنكر الخبر.. لكون بعضهم لم يذكر الخبر كاملا؟

    قلت: لا.. لا يمكنني ذلك.. وإلا أغلقت أي وكالة أنباء لتعطي المبرر لسائر الوكالات لتكذيب الخبر.

    قال: فهكذا الأمر.. لو فرضنا الأمر على ما قصدت.

    قلت: هناك شيء آخر قد يكون محل شبهة.

    قال: ما هو؟

    قلت: لقد رأيت دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط دون غيرهم.. أليس ذلك قادحا في التواتر [64]؟

    قال: ألستم تجعلون ناسا معينين في مؤتمراتكم توكلونهم بالنطق باسم المؤتمر؟

    قلت: أجل.. ولا بد من ذلك.

    قال: فلم لم تجعلوا كل واحد من المؤتمرين يتحدث باسم المؤتمر.

    قلت: ذلك سيكلفهم عنتا.. وسيحتاج الصحفيون حينها لاستجواب الجميع.

    قال: فهكذا الأمر في هذه المسألة.. لقد حفظ الكثير من الصحابة القرآن.. ولكن أسانيد التابعين توقفت على هؤلاء الثماني، لا لعدم وجود غيرهم.. بل لكون هؤلاء قد تفرغوا للقرآن وتعليمه وتصحيح القراءات، كما تفرغ الناطقون في المؤتمرات.

    قلت: فلم اكتفوا بالثماني؟

    قال: أرأيت لو صارت الأسانيد ألفا.. من يحفظها.. ومن يهتم لها.. ألا تعلم أن التواتر لا يحتاج إلى تكلف البحث عن الأسانيد؟

    قلت: ماذا تقصد؟

    قال: عندما يأتيك الخبر من كم كبير من الناس، فإنك لا تهتم بدرجاتهم، ولا التفاصيل المرتبطة بهم، فالناس في العادة لا يجتمعون على الكذب، بل لا يقدرون على الاجتماع على الكذب.

    قلت: كيف لا يقدرون؟

    قال: هل يمكن أن تتصور ناسا مختلفين، من بلاد مختلفة، لا علاقات تربطهم، ولا مصالح تجذبهم.. ثم يتفقون بعد ذلك على رواية قصيدة ألقاها شاعر في حفلة من الحفلات.. فيأتون بها بحروفها وكلماتها.. أيظل عندك بعد ذلك شك في القصيدة، وفي الشاعر الذي قالها؟

    قلت: لا..

    قال: فقد نقل القرآن جيوش من الناس عن جيوش من الناس.. كلهم يحفظه حرفا حرفا، وكلمة كلمة.. فكيف نتهمهم بالتضييع، مع أنه الكتاب الذي أخرجهم من البداوة إلى الحضارة، ومن الخمول إلى الشهرة، ومن الذل إلى العزة، ومن الظلمات إلى النور.

    لقد كان القرآن هو الدرة اليتيمة التي أخرجتهم من الهاوية التي كانوا يحبسون فيها.. أفترى من تكون له مثل هذه الدرة يفرط في حفظها، أو يتهاون في نقلها؟

    حفظ السطور:

    قلت: عرفت كيف حفظ القرآن في الصدور.. وأنا أعلم الذاكرة القوية التي يتمتع بها البدو.. لكأن ذاكرتهم مسجلة تسجل كل شيء، ولا يغيب عنها أي شيء.. فحدثني كيف حفظ القرآن في السطور مع كونه كان في هذه البيئة التي تعتمد على الذاكرة أكثر من اعتمادها على التوثيق؟

    قال: صدقت في هذا.. فقد كانت بيئة محمد تعتمد على توثيق الصدور أكثر من اعتمادها على توثيق السطور.. وهي ناحية مهمة ساهمت في حفظ القرآن.

    قلت: كيف ذلك؟

    قال: توثيق السطور قد يصبح هدفا للكتبة الكذبة.. فقد تتاح لهم من الفرص ما يملأون كتبهم بالكذب.

    قلت: وحفظ الصدور؟

    قال: حاول أن تخطئ أي عامي يحفظ القرآن في حرف واحد منه.. لقد رأيت عالما يحاول مثل هذا مع صبي صغير، فلم يفلح.. حرف واحد لم يستطع أن يضيفه.

    لقد ذكرني ذلك بحديث قاله محمد يَحكيه عن ربه:( إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْماءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ )[65]، فأخبر أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة قد يصيبها الماء، فيذهب ما فيها من العلم.

    وعامل آخر جعل من هذا النوع من الحفظ أهم من حفظ السطور هو الحفاظ على القرآن غضا طريا باللغة التي كان ينطق بها محمد.. وهو ما لم يتحقق في أي كتاب مقدس.. أليس كذلك؟

    صمت، فقال: بلى.. فأكثر كتبنا منقولة عن العبرية إلى اليونانية، ثم نحن لا نقرؤها باليونانية، بل نقرؤها بلغاتنا المحلية.

    قلت: ولكن ـ مع ذلك ـ فإن لحفظ السطور أهميته، فكيف تسنى لمحمد أن يحفظ كتابه بهذا الأسلوب في تلك البيئة البدوية الأمية؟

    قال: نعم هي بيئة بدوية أمية.. ولكن مع ذلك كان فيها كتبة يكتبون، وكان للعربية حروف جميلة تكتب بها.. وكان لهم مقاييس في الكتابة يخضعون لها.

    لقد ذكر القرآن الكتابة، ونوه بها، ودعا لاستعمالها في التوثيق، فهو يقول:) نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ((القلم:1) ففي هذه الآية قسم بالقلم الذي يكتب به، وبالسطور التي تكتب، والقسم لا يكون إلا بمحترم.

    وهو يدعو إلى التوثيق بالكتابة في أطول آية قرآنية جاء فيها:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ((البقرة: من الآية282) إني أقرأ هذه الآية، فأجد فيها من الأعماق ما لا أستطيع التعبير عنه.. إنها لا تتحدث عن الدين فقط.. بل هي قانون حضاري رفيع.. انظر جيدا كم فيها من تنويه بالكتابة وبالكتبة.

    قلت: حدثني عن كتابة القرآن لا عن كتابة الدين.

    قال: أترى الذي أمر بكتابة ديون قد لا تضر ولا تنفع يغفل عن الأمر بكتابة القرآن.. لقد كان القرآن أهم عندهم من أنفسهم وأموالهم، فكيف تتصور غفلتهم عن كتابته؟

    قلت: فكيف تم ذلك.. في تلك البيئة البسيطة؟

    قال: لقد كتب القرآن في ثلاث مراحل:

    المرحلة الأولى كانت في عهد محمد.. لقد كتب كله في عهده، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور، بل كان مفرقا في العسب [66] واللخاف [67] والرقاع [68] والأقتاب [69]، والأكتاف[70]، والأضلاع[71]، والألواح [72]، والأدم [73]، والكرانيف[74].

    وقد وصف بعض صحابة محمد من الكتبة ـ وهو زيد بن ثابت ـ طريقة ذلك، فقال: كنت أكتب الوحى عند رسول الله r وهو يملى على فإذا فرغت قال: اقرأه فأقرؤه، فان كان فيه سقط أقامه[75].
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:03

    وروى البراء قال: لما نزلت:) لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ((النساء: من الآية95)، قال النبي r:( ادع لى زيدا، وليجئ باللوح والدواة والكتف أو الكتف والدواة )، ثم قال:( اكتب:) لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.. ( ) [76]

    وقد بلغ من عناية محمد بتدوين القرآن أنَّه كان إذا أنزل عليه شيءٌ يدعو أحد كُتَّابه، ويأمره بكتابة ما نزل عليه، ولو كان كلمة واحدة، أو سورة طويلة بمجرد نزولها عليه.

    وقد روي مما يدل على ذلك عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قال: كَانَ النَّبِيُّ r مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا[77].

    وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ r فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ r عَلَى فَخِذِي، فَمَا وَجَدْتُ ثِقْلَ شَيْءٍ أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ r ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: اكْتُبْ فَكَتَبْتُ فِي كَتِفٍ ) لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ((النساء: من الآية95) إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لَمَّا سَمِعَ فَضِيلَةَ الْمجَاهِدِينَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ، فَلَمَّا قَضَى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ r السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، وَوَجَدْتُ مِنْ ثِقَلِهَا فِي الْمرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَجَدْتُ فِي الْمرَّةِ الأُولَى ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ r فَقَالَ اقْرَأْ يَا زَيْدُ فَقَرَأْتُ:) لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ (، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r:) غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (، الآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ زَيْدٌ: فَأَنْزَلَهَا اللهُ وَحْدَهَا، فَأَلْحَقْتُهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِفٍ [78].

    قلت: ألهذا لم يجمع القرآن في مصحف في عهد محمد؟

    قال: أجل.. لقد كان القرآن يتنزل عليه، فكان يضع لكل آية تتنزل محلا خاصا من الكتاب.

    وقد روي أن محمدا كان يأمر كتبة الوحي بكتابتها، وإدراجها في الموضع الذي أرشده إليه الوحي.. فعن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r جَالِسًا إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ صَوَّبَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُلْزِقَهُ بِالأَرْضِ، قَالَ: ثُمَّ شَخَصَ بِبَصَرِهِ، فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ u، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الآيَةَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ:) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ((النحل:90))[79]

    وعَنِ عُثْمَانَ بن عفَّان قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ r مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ، وَهُوَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَاتُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَةُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا [80].

    قلت: فالقرآن بترتيبه الحالي من السور والآيات توقيفي؟

    قال: أجل.. وقد دلت لذلك الأسانيد الصحيحة الكثيرة:

    منها ما روت عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ r فَتَلاهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ )[81]

    ومنها ما روى أبو ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r:( أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي )[82]

    ومنها ما رواه جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قال: قال رَسُولَ اللهِ r:( إِنَّ اللهَ خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِآيَتَيْنِ أُعْطِيتُهُمَا مِنْ كَنْزِهِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَعَلَّمُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ نِسَاءكُمْ فَإِنَّهُمَا صَلاةٌ وَقُرْآنٌ وَدُعَاءٌ )[83]

    ومنها ما رواه أبو الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ:( مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ )[84]

    وأهم من ذلك كله ما ثبت من قراءة محمد لسور عديدة كالبقرة وآل عمران والنساء في حديث حذيفة[85]، والأعراف في المغرب[86]، وسورة المؤمنون في الصبح [87].. وغيرها من النصوص الكثيرة.

    قلت: هذه هي المرحلة الأولى في الكتابة، فما المرحلة الثانية؟ وما المرحلة الثالثة؟

    قال: سنعرف هاتين المرحلتين في العهد التالي.. عهد الصحابة.

    2 ـ عهد الصحابة

    قلت: فكيف تم حفظ أصحاب محمد للكتاب الذي تركه لهم نبيهم؟

    قال: لقد استمروا يحفظونه كما أمرهم.. فزاد عدد الحفاظ زيادة كبيرة جدا.

    قلت: كيف عرفت ذلك؟

    قال: لقد تولى كل صحابي حفظ القرآن تحفيظ غيره، وهكذا انتشر الحفظ في الأمصار المختلفة، وخرج القرآن في هذه المرحلة من المحل الذي نزل فيه إلى محال عالمية كثيرة.

    قلت: كيف يحفظونه، وهم لا يعرفون العربية؟

    قال: ألم تسمع بالجوائز العالمية التي تعطى لحفظة القرآن؟

    قلت: بلى.. سمعت.

    قال: لقد رأيت هذه المجامع، وأنا معجب بها، ومحتار في نفس الوقت لأنه يأتي حفظة للقرآن من جميع أصقاع العالم، يحفظونه حفظا متقنا مع أنهم لا يعرفون أي كلمة من العربية.

    قلت: أكانت في ذلك الوقت تسلم الجوائز لحفظة القرآن؟

    قال: لقد عرفنا كيف ملأ محمد قلوب الناس محبة للقرآن وتعظيما له، فلذلك راحوا يتنافسون في حفظه، كما لا يتنافسون في أي شيء آخر.

    قلت: هذا حفظ الصدور، فما حفظ السطور؟

    قال: لقد تم في مرحلتين.

    المرحلة الأولى:

    قلت: فما المرحلة الأولى؟

    قال: لقد كان أول اهتمام للصحابة بعد موت محمد هو جمع القرآن في مصحف واحد.

    قلت: فلم لم يجمع في عهد محمد؟

    قال: لقد عرفت ذلك.. لقد كان القرآن يتنزل عليه كل حين، فيضع كل آية في محلها المناسب لها.. وذلك يمنع من جمعه في محل واحد.

    قلت: أجل.. فماذا فعل أصحاب محمد بعد وفاته، وكيف جمعوه؟

    قال: لقد روى المؤرخون في ذلك أنه لما اشتد القتل في اليمامة، خشي الصحابة أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن الأخرى، فيذهب كثير من القرآن.

    سأروي لك كيف تم ذلك لترى من خلاله الورع العظيم الذي كان يتناول به المسلمون كل ما يرتبط بالقرآن..

    لقد روى البخاري أن زيد ابن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتانى فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة[88] بقراء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر:( كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله r؟) قال عمر:( هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذى رأى عمر )، قال زيد: قال أبو بكر:( إنك رجل شاب عاقل لانتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله r فتتبع القرآن فاجمعه )

    وقد وصف زيد ثقل المسؤولية من باب الورع، فقال:( فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرنى من جمع القرآن، قلت:( كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله r قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر براجعنى حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبى بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة[89] مع أبى خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره، فكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر[90])[91]

    قلت: فكيف تزعم أن القرآن كان محفوظا في صدور المسلمين مع أنهم لم يجدوا هذه الآية إلا عند ذلك الأنصاري؟

    قال: لا يقصد زيد في هذا المحل حفظها، وإلا كيف عرف أنها موجودة.. بل كان يقصد مخطوطتها التي كتبت في عهد محمد.

    قلت: أبلغ بهم التوثيق لهذه الدرجة؟

    قال: وأكثر مما تتصور.. لقد قام الجامعون بكل الوسائل التي يقوم بها جامعو الوثائق في عصرك.. لقد طافوا على الصحابة يسمعون منهم، ويتلقون ما لديهم من مخطوطات، ويقارنون بينها جميعا.

    قلت: فهل وجدوا اختلافا بين المخطوطات؟

    قال: يستحيل ذلك.. لقد كان اعتمادهم على حفظ الصدور لا على حفظ السطور.. ولم يكن حفظ السطور إلا مجرد توثيق، تحسبا لما قد يطرأ على الحفظة من الموت أو النسيان.

    قلت: فهل وقع خلاف بين المسلمين في هذا المصحف[92]، كما وقع الخلاف بين أهل ديننا؟

    قال: يستحيل ذلك.. لقد كانوا أرفع همة من أن يختلفوا.. لقد ساحوا في الأرض يبشرون بدين محمد، ويخلصون المستضعفين من نير المستكبرين.

    المرحلة الثانية:

    قلت: عرفت المرحلة الأولى.. فما المرحلة الثانية؟

    قال: لقد عرفت أن غرض الجمع في عهد محمد هو زيادة التوثق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه، وحفظ كلماته.. وأن غرضه في في عهد أبي بكر هو الخوف على ضياع شيء من القرآن بِهلاك حفَّاظه، وضياع ما عندهم مِمَّا كُتِب بين يدي محمد.

    قلت: عرفت هذا.. وأنا أسألك عن المرحلة الثانية التي حصلت في عهد أصحاب محمد.

    قال: سأقرأ لك نصين من عالمين جليلين من علماء المسلمين يوضحان لك غرض الجمع.

    نهض إلى ركن من الأركان، وأخذ كتابا، وقال: أما الأول، فهو الباقلاني، اسمع إليه، وهو يقول:( لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ r، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنْزِيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد)[93]

    وأما الثاني، فهو ابن حزم.. اسمع..:( خشي عثمان أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم )[94]

    قلت: فسبب جمع القرآن في عهد عثمان إذن هو خوف الفتنة التي وقع فيها المسلمون بسبب اختلافهم في القراءة.

    قال: أجل.. ذلك صحيح.

    قلت: فكيف تزعم أنهم أجمعوا على القرآن.. وها أنت تذكر اختلافهم؟

    قال: ليس هذا الاختلاف كما تتصوره.. لقد حصل نتيجة لتوزع ديار المسلمين أن كثيرا من الكتبة تصدوا لكتابة القرآن.. وكان منهم الحافظ المتقن.. ومنهم الحافظ المقصر..

    أما الحفظة المتقنون فكان اعتمادهم على ما حفظوه، وأما المقصرون، فاعتمدوا على ما كتبوه.. وقد حدث الخلاف بين الفريقين..

    ومما يروى في ذلك عن يزيد بن معاوية النخعي قال: إني لفي المسجد زمنَ الوليد بن عقبة في حلْقةٍ فيها حذيفة، إذ هَتَفَ هاتفٌ: مَن كانَ يقرأ على قراءة أبي موسى فليأتِ الزاويةَ التي عند أبواب كِنْدةَ، ومن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعودٍ فليأتِ هذه الزاويةَ التي عند دار عبد الله، واختلفا في آية من سورة البقرة، قرأ هذا:( وأتِمُّوا الحج والعمرة للبيت )، وقرأ هذا:) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ (، فغضب حذيفةُ واحمرَّت عيناه، ثم قام، فقال: إمَّا أن يَرْكبَ إلىَّ أميرُ المؤمنين، وإمَّا أن أرْكبَ، فهكذا كان مَن قبلَكم )[95]

    وعن أبي قلابة قال: لَمَّا كان في خلافة عثمان، جعل الْمعلِّم يُعلِّم قراءةَ الرَّجل، والمعلِّم يُعلِّم قراءةَ الرَّجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلِّمين، قال: حتى كَفَر بعضهم بقراءة بعضٍ، فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبًا، فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشدُّ فيه اختلافًا ولحنًا. اجتمعوا يا أصحاب محمدٍ، فاكتبوا للناس إمامًا[96].

    فقد كان هذا النوع من الخلاف هو الذي دعا عثمان إلى كتابة مصحف رسمي تنسخ عليه جميع المصاحف.. وقد روي من ذلك عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنَّ عثمان قال: قد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كُفْرًا[97]، قلنا: فماذا ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، فلا تكون فرقةٌ، ولا يكون اختلافٌ. قلنا: فنعم ما رأيت[98].

    بالإضافة إلى هذا.. فقد عرفت أن محمدا قرأ بعض الكلمات بوجوه مختلفة تجوزها اللغة العربية.. وكان هذا المصحف الرسمي هو الحافظ لهذه الوجوه، فلا يزاد عليها، ولا ينقص منها.

    وقد كان الاعتماد كما ذكرت لك.. لا على هذا المصحف.. بل على النقل المتواتر الذي يقوم به الحفظة المتقنون.

    قلت: أما إذا ذكرت هذا.. فلدي بعض الشبهات أوردها عليك كما يوردها قومي، فأرجو أن تريني ما مدى صدقها.

    قال: لا بأس.. لقد كان يدور في خلدي الكثير من الشبهات.. ولكني عندما عرضتها للبحث العلمي المستنير بنور العقل ذابت كما يذوب الثلج إذا أشرقت عليه الشمس بأشعتها.

    1 ـ شبهة حرق عثمان المصاحف المخالفة:

    قلت: أولها حرق عثمان للمصاحف بعد أن كتب المصحف الرسمي، أليس ذلك شبيها بما فعلته المجامع عندنا من تحريم بعض الكتب وحرقها؟

    قال: لا.. الأمر مختلف تماما.. تلك لم تكن مصاحف حقيقية.. بل كانت كتابات يختلط فيها القرآن بغير القرآن.. فخشي عثمان.. بل خشي الصحابة جميعا أن تأتي أجيال لا تحفظ القرآن، ثم ترجع إلى هذه المصاحف فترى اختلافها، فيحصل في الإسلام ما حصل في المسيحية.

    قلت: ما تقصد؟

    قال: أن توجد مصاحف بحسب النقول المختلفة كما حصل للأناجيل.

    لقد ذكر المؤرخون أن عثمان نسخ المصاحف، وأمضاها إلى الأمصار، كان لا بد من منع كل ما خالفها، فأمر من كان عنده شيء مِمَّا عداها من الصحف التي كانوا يكتبون فيها القرآن أن يحرقه، حتى لا يأخذ أحدٌ إلا بتلك المصاحف التي حصل عليها إجماع الصحابة.

    لقد روى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قصة جمع عُثْمَانَ المصاحف، فقال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ[99].

    قلت: ألم يختلف معه أحد في ذلك التصرف؟

    قال: لا.. لقد اتفق الصحابة على ذلك مع أن عثمان أراد منهم تحريق المصاحف التي كانوا يكتبونَها، فاستجابوا له وحرقوا مصاحفهم.

    وقد قال عليِّ بنِ أبي طالبٍ يذكر ما فعله عثمان، وينتصر له:( يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله، ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا، قال: واللهِ، لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثلَ الذي فعلَ )[100]

    وروى مصعب بن سعد قال:( أدركت الناس حين شقَّق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ )[101]

    قلت: فهل أحرق عثمان المصحف الذي جمعوه في عهد أبي بكر؟

    قال: لا.. لقد ردَّه عثمان إلى حفصة بعد كتابة المصاحف، كما في حديث أنس بن مالك أنه قال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ[102].. فمصحف حفصة هو الأصل.. ولم يخف عليه كما خاف على سائر المصاحف.

    2 ـ شبهة استنكار ابن مسعود تولي زيد الجمع:

    قلت: لدي شبهة أخرى تلقيتها أثناء دراستي.. هل تعلم ما ورد عن ابن مسعودٍ من استنكار تولي زيدٍ هذا الجمع[103]، وعدم توليه هو مع كونه أعلم أصحاب محمد بالقرآن؟

    قال: أجل.. أعلم ذلك.. وقد بحثت في هذه الشبهة، وقد عرفت ما تعلق به الطاعنون منها.. لقد تصوروا أن استنكار ابن مسعودٍ طعنٌ في جمع القرآن، وهو بالتالي دليلٌ على أن القرآن الذي بين أيدينا ليس موثوقًا، بل هو طعنٌ في تواتر القرآن، إذ لو كان ما كتبه عثمان متواترًا لَما وسع ابن مسعود استنكاره[104].

    قلت: ألا ترى صحة ما ذكروا؟

    قال: كاذب أنا إن اتبعتهم، ولم أتبع ما يهدني إليه عقلي من الحكمة.

    قلت: فما هداك عقلك إليه من الحكمة؟

    قال: أولا.. لم يكن استنكار ابن مسعودٍ طعنًا في جمع القرآن، ولا استنكارًا لفعل الصحابة، وإنَّما كان استنكارًا لاختيار من يقوم بِهذا الجمع، فقد كان يرى في نفسه الأولى بتولي هذا الجمع، مع كمال ثقته في زيدٍ وأهليتِه للنهوض بِما أسند إليه.

    قلت: فلم اختار عثمان زيدا، ولم يختر ابن مسعود مع أهليته؟

    قال: هذه المسائل تقديرية.. فقد كان تقدير عثمان، ومن قبله أبو بكر وعمر هو أن زيدًا أكفأ من غيره للقيام بِهذا العمل.. وقد كان ابن مسعودٍ يرى في نفسه هذه الكفاءة أيضا.. وذلك لا يتعارض.. ونحن في عصرنا نرى الكثير من العلماء قد يحصل بينهم بعض التنافس في هذا الباب.

    قلت: ولكن زيدا كان صغير السن.

    قال: ذلك أدعى لأن يكون أحفظ، وقد قدَّم محمد بعض صغار السِنِّ على من هم أكبر منهم لَمَّا رأى من كفايتهم وأهليتهم فيما قدَّمهم فيه، كما قدَّم أسامة بن زيد على جيش فيه كبار المهاجرين والأنصار، وهو ابن ست عشرة سنة، رغم طعن بعض الناس في إمارته، وأنفذ هذا الجيش أبو بكر، ولم يأبه لاستنكار بعض ذوي السن من الصحابة، محتجًّا في ذلك بتقديم محمد إياه.

    قلت: ولكن ابن مسعود أبى أن يترك قراءته؟

    قال: ولم يطلب منه أحد أن يتركها.. لقد كانت قراءة ابن مسعود صحيحة تلقاها من محمد.. كما أن قراءة غيره تلقاها منه.. لقد عرفت أن في بعض كلمات القرآن وجوها إعرابية ولغوية نقلت عن محمد تواترا كما نقل غيرها.

    بالإضافة إلى هذا كله.. أجبني هل يقدح رأي الآحاد في خبر التواتر؟

    قلت: لا..

    قال: فلو لو أننا سلَّمنا أن ابن مسعود استمرَّ على استنكاره، وأن استنكاره كان طعنًا في تواتر القرآن وصحة جمعه في زمن عثمان، فإن طعنه لا يقدح في التواتر، لأن التواتر حجة قاطعة بذاته.. لا يقدح فيها اعتراض الآحاد.. مع أن الاعتراض بهذه الصفة لم يحصل.

    3 ـ شبهة موقف ابن مسعود من بعض سور القرآن:

    قلت: فلدي شبهة أخطر وأعظم ترتبط بهذا الرجل.. بابن مسعود.

    قال: أعرفها.. لقد بحثت فيها طويلا..

    قلت: اسمع الشبهة أولا..

    قال: تقصد ما روي أنه أنكر أن المعوذتين من القرآن، وأنه كان يَمحوهما من المصحف، وأنه لم يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه[105].

    قلت: أجل.. لقد لقنا هذا تلقينا.. ولست أدري مدى صحته.

    قال: أما من حيث الثبوت، فقد ورد هذا من طرق صحيحة، فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا[106]، فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ r، فَقَالَ لِي: قِيلَ لِي فَقُلْتُ. قَالَ:( فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ r )[107]

    وَعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لاَ يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ u قَالَ لَهُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ r )[108]

    وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:( كَانَ عَبْدُ اللهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى )[109]

    وروى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال:( لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة )[110]

    وعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن[111].

    قلت: فأنت تتفق معي في هذا إذن؟

    قال: أتفق معك على ثبوت الحادثة، ولا أتفق معك على تفسيرها.

    قلت: كيف ذلك.. الحادثة الواحدة لا ينبغي في ميزان العقل إلا أن يكون لها تفسير واحد.. فكيف اختلف عقلانا في التفسير؟

    قال: لأني أتعلق بأصل عقلي.. وأنت ومن لقنك تتعلقون بقشة، أنتم أنفسكم تنكرونها في كل تصرفاتكم ومواقفكم.

    قلت: ما تقول؟

    قال: أرأيت لو أن آلافا من الناس من أولي العلم والورع أتوك بكتاب يزعم كل واحد منهم أنه تلقاه من المؤلف نفسه، ولديه من الإثباتات ما يبرهن على ذلك.. فرحت تقارن ببينها، فوجدتها متفقة في كل شيء في حروفها وألفاظها، بل في شكلها وترتيبها، ثم وجدت واحدا من بينها تنقصه ثلاثة فصول هي أقصر الفصول، وهي لا تختلف عن سائر الفصول من حيث سياقها ومنهجها والفكرة التي تطرحها.. أكنت تحكم بصحة الواحد، أم بصحة العدد الذي لا تستطيع إحصاءه؟

    قلت: بل أحكم بصحة العدد الذي لا أستطيع إحصاءه.

    قال: وما تقول فيمن لم يذكر تلك الفصول الثلاثة؟

    قلت: إذا أحسنت الظن به أعتبره غفل أو تكاسل أو نسي أو ما شئت له من الأعذار..

    قال: فإن كان له رأي بأن هذه الفصول لا يصح إدراجها في هذا الكتاب.

    قلت: أعتبر رأيه رأيا شخصيا لا علاقة له بالحقيقة التي اتفق الجميع على تقريرها.

    قال: فعقلك يدلك على هذا إذن؟

    قلت: ليس عقلي فقط.. بل عقل كل العقلاء.. ولا أحسب أنك يمكن أن تخالفني في هذا.

    قال: بل أوافقك.. بل أدعوك أنت ومن معك إلى استعمال عقلك في هذا.

    قلت: ما تقصد؟

    قال: طبق ما ذكرت على موقف ابن مسعود.. وستجد التطابق تاما لا يمكن أن ينكره عاقل.

    قلبت النظر قليلا، ثم قلت: أجل.. معك حق في هذا.

    قال: أما إن قلت هذا.. فسأذكر لك ما ينفي الشبهة عن ذلك الرجل الطيب من أصحاب محمد.. والذي ذكر رأيه في المسألة.

    أما السورة الأولى.. وهي فاتحة الكتاب، فإن عدم كتابتها في مصحف ابن مسعود مشكوكٌ فيه، وغير مسلم بصحته.. والخبر الذي تعلَّق به أصحاب هذه الشبهة ليس فيه إنكار قرآنية الفاتحة، وإنَّما فيه أن ابن مسعود لم يكن يكتبها، وليس في ذلك جحدٌ بأنَّها من القرآن، خاصة مع كونه من أشد الصحابة عناية بالقرآن، بل أمر محمد باتباعه في القراءة، فقال:( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ)[112]

    قلت: فبم تجيب عما ورد عنه من ذلك؟.. ألا يمكن أن يكون قد ارتد على عقبه بعد محمد؟

    قال: محال ذلك.. والتفسير البسيط لذلك.. والذي يتناسب مع البيئة التي كانوا فيها هو أن أصل الهدف من كتابة القرآن في المصاحف هو الخوف من الشك والنسيان، أو الزيادة والنقصان، فلمَّا رأى ذلك مأمونًا في الفاتحة ؛ لأنَّها تتلى في الصلاة، ولأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها ترك كتابتها، وهو يعلم أنَّها من القرآن، وذلك لانتفاء علة الكتابة في شأنِها.

    فكان سبب عدم كتابتها في مصحفه وضوح أنَّها من القرآن، وعدم الخوف عليها من الشك والنسيان، والزيادة والنقصان[113].

    ولهذا قال أبو بكر الأنباري تعليقًا على ما قال ابن مسعود في شأن الفاتحة:( لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة )، قال:( يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة)[114]

    ويدل لهذا أنه قد صحَّ عن ابن مسعود قراءة عاصم وغيره من القراء، وفيها الفاتحة، وهو نقلٌ متواتر يوجب العلم.

    قلت: والمعوذتان؟

    قال: أولا.. هناك أدلة نصية كثيرة تخبر أنهما من القرآن.. فقد ورد في الأحاديث الصحيحة عن محمد ما يثبت ذلك:

    ومنها ما روي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r:( أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَتَانِ، فَتَعَوَّذُوا بِهِنَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَعَوَّذْ بِمِثْلِهِنَّ، يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ )[115]

    وعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r:( أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ )[116]

    قلت: فأنت تعتبر ما روي عن ابن مسعود في ذلك رأيا شخصيا؟

    قال: إن شئت الصدق.. فأنا أرى أن ابن مسعود لم ينكر كون المعوذتين من القرآن.. أما ما روي عنه من ذلك، فلا يقصد به إلا ما قصد من الفاتحة، فإن كانت الفاتحة حمدا ودعاء، فالمعوذتين استعاذة يستحيل على أي مسلم أن ينساها.

    زيادة على أن المصحف الذي لم يثبتها فيه هو مصحفه الشخصي.. وهو لم يتحدث بحديثه إلا بعد أن سئل عنه.. ولو كان يرى أنهما ليس من القرآن لأقام الدنيا ولم يقعدها ردا على من أثبتها، فقد كانوا يقاتلون من أجل الحرف الواحد من حروف القرآن.. فكيف بسورتين من سوره؟

    وقد قال بما قلت أعمدة من عقلاء المسلمين، فهذا الباقلاني يقول:( وأما المعوذتان، فكل من ادَّعى أن عبد الله بن مسعودٍ أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل، وبعُد عن التحصيل )[117]

    وقال ابن حزم:( وكل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذبٌ موضوع، لا يصح، وإنَّما صحَّت عنه قراءة عاصمٍ عن زِرِّ ابن حبيش عن ابن مسعود، وفيها أم القرآن والمعوذتان )[118]

    وقال النووي:( أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئًا منه كفر، وما نُقِل عن ابن مسعودٍ في الفاتحة والمعوذتين باطلٌ، ليس بصحيح عنه )[119]

    بالإضافة إلى هذا كله.. فإن ابن مسعود كان مشهورًا بإتقان القراءة، منتصبًا للإقراء، وقد صحَّ عنه قراءة عاصم وغيره، وفيها المعوذتان، ولو كان أقرأ تلاميذه القرآن دون المعوذتين لنُقل، فلمَّا لم يروَ عنه، ولا نُقل مع جريان العادة، دلَّ على بطلانه وفساده[120].

    4 ـ شبهة سورتي الخلع والحفد عند أُبَيِّ بنِ كعبٍ:

    قلت: في هذا السياق.. لدي شبهة أخرى ترتبط بنصوص أنقصت من القرآن.. فقد لقنا أن أُبَيَّ بنَ كعبٍ كان يقرأ دعاء القنوت المعروف بسورتي أُبَيِّ بن كعبٍ على أنه من القرآن.

    قلت: أجل أعلم ذلك.. فقد روى الأعمش أنه قال: في قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ:( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحِق )[121]

    كما ورد أنه كان يكتبهما في مصحفه، فعن ابن سيرين قال: كتب أُبَيُّ بن كعبٍ في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعودٍ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين[122].

    وعن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: في مصحف ابن عباس قراءةُ أُبَيِّ بن كعبٍ وأبي موسى:( بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفِد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك. إن عذابك بالكفار ملحِق )[123]

    كما ورد أن بعض الصحابة كان يقنت بِهاتين السورتين، فعن عمر بن الخطاب أنه قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحِق[124].

    قلت: أراك تحفظ المرويات في هذا؟

    قال: أجل.. وذلك لطول معاناتي في البحث عن الحقيقة.

    قلت: فما وجدت من الحقيقة في هذا؟

    قال: أولا.. هذا الدعاء لا يختلف عن سائر الأدعية التي وردت بها النصوص الإسلامية المقدسة من القرآن والسنة.. فهو لا يأتي بأي جديد في هذا الباب.. فليس فيه ما لدينا من زيادات قد ترتبط بجوهر العقيدة، أو بجوهر الشريعة.

    هذا أولا..

    قلت: تقصد أنه حتى لو قلنا بقرآنية هذا لا يتغير شيء؟

    قال: أجل.. هذا لنا.. نحن المسيحيين الذين نبصر القذى في عيون المسلمين ولا نرى الجذع في عيوننا.

    قلت: وبالنسبة لهم؟

    قال: لقد ذكرت لك أن جيوش المسلمين قد تجيش لأجل حرف واحد من القرآن.. هم غيورون جدا عليه.. فلذلك لا يقبلون اعتبار أي نص من النصوص قرآنا إلا ما صح به التواتر.

    قلت: فموقف أبي إذن كيف تفسره على هذا الاعتبار؟

    قال: لقد بحثت في الروايات التي وردت عن أُبَيٍّ في أمر القنوت، ووجدت أنها غير مسلَّم بصحتها، زيادة على أنها معارَضة بِما عُرِف من فضل أُبَيٍّ، وعقله، وحسن هديه، وكثرة علمه، ومعرفته بنظم القرآن[125].

    وقد حملت ـ في حال صحة ما روي عن أُبَيٍّ ـ بأنه أثبته في مصحفه، لأنه دعاءٌ رأى أنه لا يستغني عنه، لا على أنه قرآن منَزل قامت به الحجة، وقد كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن[126].

    زيادة على هذا كله، فإنه لو سلمنا بأن أُبَيًّا كان يرى أن القنوت من القرآن، وأنه استمر على ذلك الرأي، فليس ذلك بمؤثر في صحة نقل القرآن، لأن القرآن نقل بطريق التواتر لا بطرق الآحاد.. وحينذاك سنجيبك بما أجبنا به من موقف ابن مسعود من المعوذتين، فليس من فرق بين هذا وذاك إلا أن هذا زيادة، وذلك نقصان.

    زيادة على هذا كله، فإن ما روي عنه من قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، تخالف هذا، فليس فيها سورتا الحفد والخلع.. زيادة على أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة، كما ذكر ذلك أبو الحسن الأشعري في قوله:( قد رأيت أنا مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَيٍّ )[127]

    5 ـ شبهة الأخطاء في كتابة المصاحف العثمانية:

    قلت: لدي شبهة أخرى.. لا تتعلق بالزيادة والنقصان، وإنما تتعلق بما روي من أخطاء الكتبة، ولعلك تحفظ النصوص الواردة في ذلك؟

    قال: أجل.. لطول ما عانيت في هذا.. لقد وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين تنص على أن القرآن قد وقع فيه لحنٌ عند جمعه في زمن عثمان، ومن ذلك ما روي عن عكرمة الطائي قال: لَمَّا كتبت المصاحف عُرِضَتْ على عثمانَ، فوجدَ فيها حروفًا من اللَّحْن، فقال: لا تُغَيِّرُوها؛ فإن العرب ستُغَيِّرُها ـ أو قال ستعربُها ـ بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيفٍ، والمملي من هذيلٍ لم توجد فيه هذه الحروف[128].

    وروي عن سعيد بن جبيرٍ، قال:( في القرآن أربعة أحـرفٍ لحنٌ:) وَالصَّابِئُونَ( (المائدة: من الآية69)[129]، ) وَالْمُقِيمِينَ ((النساء: من الآية162)[130]، )فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ((المنافقون: من الآية10)[131]، ) إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ((طـه: من الآية63)[132] )[133]

    قلت: فما رأيك في هذا؟.. ألا تدلك على شيء يصيب قداسة القرآن؟

    قال: كلا.. هي قشة جديدة لا تختلف عن سابقاتها..

    أولا.. بحثت في هذه الآثار من جهة السند، فوجدت أن ما نسب لعثمان لا يصح عنه، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع[134].

    وقد قال ابن الأنباري في الأحاديث المروية في ذلك عن عثمان:( لا تقوم بِها حجةٌ؛ لأنَّها منقطعةٌ غير متصلة، وما يشهد عقلٌ بأن عثمان -وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته، وقدوتُهم- يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبينُ فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً، فلا يصلحه، كلاَّ والله، ما يَتَوَهَّم عليه هذا ذو إنصافٍ وتمييزٍ، ولا يعتقد أنه أخَّر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه، والوقوف عند حكمه.زيادة على أنه لا يُظَنُّ بالصحابة ـ الذين هم من العرب ـ أنَّهم يلحنون في الكلام، فضلاً عن القرآن، فقد كانوا أهل فصاحة وبيان )

    زيادة على أنه لا يُظَنُّ أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهي مروية بالتواتر خلفًا عن سلفٍ، وهي ـ كما عرفنا ـ تعتمد حفظ الصدور أكثر من اعتمادها على حفظ السطور.

    ثم كيف يرى عثمان فيه لحنًا ويتركه تقيمه العرب بألسنتها؟ مع أنه ثبت عنه تصحيح ما وقع فيه الكتبة من أخطاء، فقد روى أبو عبيد عن هانئ البربري مولى عثمان، قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاةٍ إلى أُبَيِّ بن كعبٍ، فيها: (لَمْ يَتَسَنَّ)، وفيها (لاَتَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ)، وفيها (فَأَمْهٍلِ الْكَافِرِينَ)، قال: فدعا بالدواة، فمحا أحد اللامين، فكتب )لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ((الروم: من الآية30)، ومحا(فَأَمْهٍلِ) وكتب )فَمَهِّلِ ((الطارق: من الآية17)[135]، وكتب) لَمْ يَتَسَنَّهْ((البقرة: من الآية259) ألحق فيها الهاء [136].

    ويؤيد ذلك ما روي عن عبد الله بن الزبير أنه قال: فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة، فجئت بالصحف، فعرضناها عليها، حتى قوَّمناها، ثم أمر بسائرها فشققت.

    فهذا يدل على أنَّهم ضبطوها وأتقنوها، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم [137].

    وقد رد الراسخون من علماء الإسلام هذه الفرية، فهذا ابن الأنباري يقول:( فكيف يُدَّعى عليه أنه رأى فسادًا فأمضاه، وهو يوقَف على ما كُتِب، ويُرْفع الخلافُ إليه الواقع من الناسخين، ليحكم بالحق، ويُلزمهم إثبات الصواب وتخليده )[138]

    سكت قليلا، ثم قال: ومع ذلك، فقد رأيت أن لهذا القول وجها من الحق.

    رأى وجهي، وقد امتلأ سرورا، فقال: لا تعجل.. فليس في ذلك كبير خطر.

    قلت: ما تقصد؟.. ها أنت تقر بوجود الخطأ.

    قال: أنا لم أقر بذلك.. بل ذكرت أن لهذا القول وجها من الحق.

    قلت: فما هو؟

    قال: لقد كتبت بعض مواضع المدود في القرآن محذوفة المد، نحو (الصـبرين)، و(الكتـب) وما أشبه ذلك، ومثل ذلك أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا ( لاأذبحنه ) بألفٍ بعد (لا)، و( جزاؤا الظالمين)، بواو وألف، و(بأييدٍ) بيائين، فلو قرئ بظاهر الخط كان لحنًا[139].

    وقد رأيت أن في ذلك مصلحة معتبرة..

    قلت: أفي الخطأ مصلحة؟

    قال: هو ليس خطأ.. إنما هو اصطلاح.. ولكل لغة اصطلاحاتها في الكتابة.. والمصلحة في هذا الاختلاف الطفيف هو أن يحتاج القارئ إلى تلقي علم إملاء القرآن عن القارئين قبل أن يباشر قراءته لوحده، وفي ذلك مصالح كثيرة معتبرة.

    ومع ذلك فقد رأى كثير من محققي علماء المسلمين جواز وضع مصاحف خاصة بالإملاء القياسي الذي يكتب به العرب الآن [140].. معتبرين أن الاصطلاح الذي اصطلح عليه في المصاحف الأولى لم يكن توقيفيا، بل كان نوعا من الاجتهاد [141].

    اسمع ما يقول القاضي أبو بكر.. إنه يقول:( وأما الكتابة، فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئًا، إذ لم يأخذ على كتَّاب القرآن وخطَّاط المصاحف رسمًا بعينه دون غيره، أوجبه عليهم وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يُدْرَك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية.

    بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهُل، لأن رَسُول اللهِ r كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجهًا معينًا، ولا نَهى أحدًا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاحٌ، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك)[142]

    6 ـ شبهة الخطأ على الكُتَّاب في المصاحف العثمانية:

    قلت: لدي شبهة أخرى قريبة من هذه.

    قال: تقصد دعوى وقوع الكتبة في الخطأ أثناء كتابتهم.

    قلت: أجل..

    قال: لقد بحثت بحثا مستفيضا في النصوص التي ذكرت هذا، فرأيت أنها لا يمكن أن تقاوم أحاديث الآحاد الصحيحة، فكيف لها أن تقاوم التواتر.

    قلت: أتعرف تلك النصوص؟

    قال: وكيف لا أعرفها، وقد دققت في البحث عن حقيقتها، وقد وجدت أنها سبعة نصوص، سأوردها لك نصا نصا مع ما قيل فيها من ردود.

    أخذ كتابا، ثم قال: النص الأول.. هو ما وري عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عما ورد في القرآن من الكلمات التالية:) وَالصَّابِئُونَ( (المائدة: من الآية69)، ) وَالْمُقِيمِينَ ((النساء: من الآية162)، )فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ((المنافقون: من الآية10)، ) إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ((طـه: من الآية63) )، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكُتَّاب، أخطؤوا في الكتاب[143].

    قلت: فما الذي وجدت مما يرد على هذا؟

    قال: لقد وجدت أن الرواية الواردة عن عائشة في ذلك ضعيفة لا تثبت، قال أبو حيان في ) وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ (:( وذُكِر عن عائشة وأبان ابن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح عنهما ذلك؛ لأنَّهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهورٌ في لسان العرب )[144]

    وقال الزمخشري: ولا نلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربَّما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب[145]، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين، الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعد همةً في الغيرة على الإسلام، وذبِّ الْمطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثُلمةً يسدها من بعدهم، وخرقًا يَرْفُوهُ من يلحق بِهم[146].

    زيادة على هذا، فإنه مما يدل على ضعف الرواية عن عائشة في تخطئة الكاتب في رسم ) إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ( أن المصاحف العثمانية اتفقت على رسم (هذان) بغير ألف، ولا ياء، ليحتمل أوجه القراءة المختلفة فيها، وإذن فلا يُعقل أن يُقال أخطأ الكاتب، فإن الكاتب لم يكتب ألفًا ولا ياءً. ولو كان هناك خطأٌ تعتقده عائشة ما كانت لتنسبه إلى الكاتب، بل كانت تنسبه إلى من قرأ بالتشديد في (إنَّ) مع القراءة بالألف في (هذان)[147]

    زيادة على هذا، فإنه لم ينقل عن عائشة تخطئة من قرأ ) وَالصَّابِئُونَ( بالواو، ولم ينقل عنها أنَّها كانت تقرؤها بالياء، فلا يعقل أن تكون خطَّأت من كتبها بالواو، لأننا إذا سلَّمنا بصحة هذا الخبر، فإنه يحتمل أن سؤال عروة لعائشة لم يكن عن اللحن في الكتاب الذي هو الخطأ والزلل والوهم، وإنما سألها عن الحروف المختلفة الألفاظ، المحتملة للوجوه على اختلاف اللغات، وإنما سمَّى عروة ذلك لحنًا، وأطلقت عليه عائشة الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار، وطريق المجاز في العبارة، إذ كان ذلك مخالفًا لمذهبهما، وخارجًا عن اختيارهما، وكان خلافه هو الأولى عندهما[148].

    قلت: هذا هو الأثر الأول.. فما الأثر الثاني؟

    قال: هو ما روي عن أَبي عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أنَّه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: جِئْتُ أَسْأَلَكِ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ ? كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَقْرَؤُهَا. فَقَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالَ:) الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا ( أَوِ ) الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا (، فَقَالَتْ: أَيَّتُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لإِحْدَاهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا، أَوِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَتْ: أَيَّتُهُمَا؟ قُلْتُ ) الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا ( قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا، وَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. أَوْ قَالَتْ: أَشْهَدُ لَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَقْرَؤُهَا، وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ[149].

    قلت: فكيف ترد على تصريحها هذا بالتحريف؟

    قال: أولا.. هذا حديث لا يثبت، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه في رد ما ثبت في الصحاح، فكيف بما ثبت بالتواتر.

    والثاني.. أن الظاهر من كلام عائشة ليس فيه إنكار هذه القراءة المتواترة، وإنما غاية ما فيه أن ما قرأت هي به كان مسموعًا عن محمد.

    قلت: ولكنها قالت:( وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ )

    قال: لعل مرادها من ذلك أنه ألقي إلى الكاتب هجاءٌ غيرُ ما كان الأولى أن يُلْقَى إليه من الأحرف السبعة، أو أنه يحتمل أن يكون مأخوذًا من الحرف، الذي هو بمعنى القراءة واللغة، أو أنَّها أرادت أن هذه القراءة المتواترة التي رُسم بِها المصحف لغةٌ ووجهٌ من وجوه أداء القرآن.

    قلت: فما الأثر الثالث؟

    قال: هو ما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ:( لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأذنوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا )[150]، قال:( وإنَّما (تستأنسوا) وهم من الكُتَّاب )[151]

    قلت: فما ردك على هذه الرواية؟

    قال: لقد وجدت أن هذه الرواية غير ثابتة عن ابن عباس، حتى أن أبا حيان قال:( ومن روى عن ابن عباس أن قوله: (تستأنسوا) خطأ، أو وهم من الكاتب، وأنه قرأ: (حتى تستأذنوا)، فهو طاعنٌ في الإسلام، ملحدٌ في الدين، وابن عباسٍ بريءٌ من هذا القول، وتستأنسوا متمكنةٌ في المعنى، بيِّنَةٌ الوجه في كلام العرب )[152]

    ومما يدل لهذا أن ابن عباس قرأها (تستأنسوا)، وفسرها بالاستئذان، فقال:( الاستئناسُ: الاستئذانُ )[153]

    قلت: فما الأثر الرابع؟

    قال: هو ما روي عن ابن عباس أنه قرأ:( أَفَلَمْ يتبيَّن الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا )[154]، فقيل له: إنَّها في المصحف:) أَفَلَمْ يَيْأَس (، فقال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس [155]

    قلت: فما ردك على هذا؟

    قال: مثل ما قبلها.. فالرواية عن ابن عباس غير ثابتة بهذا النص[156].. زيادة على أن مراده من ذلك أنه يشير إلى عدم تدبر الكاتب الوجه الذي هو أولى من الآخر.

    قلت: فما الأثر الخامس؟

    قال: هو ما روي عن ابن عباس أنه كان يقول في:) وَقَضَى رَبُّكَ((الاسراء: من الآية23) أنها ( إنَّما هي (ووصى ربُّك)، التزقت الواو بالصاد )[157].

    قلت: فما ردك على هذا؟

    قال: هو ما استفاض عن ابن عباس أنه كان يقرأ:) وقضى ( وذلك دليل على أن ما نسب إليه في تلك الروايات لا يصح [158]، وقد قال أبو حيان:( والمتواتر هو ) وقضى(، وهو المستفيض عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في أسانيد القراء السبعة)[159]

    قلت: فما الأثر السادس؟

    قال: ما روي عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياءً)[160]، ويقول: خذوا هذا الواو واجعلوها هنا: (والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم)[161])[162]

    قلت: فما ردك على هذا؟

    قال:الرواية الواردة عن ابن عباس في تغيير موضع الواو ضعيفة، لا تصح[163].
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:05

    قلت: فما الأثر السابع؟

    قال: ما وروي عن ابن عباس في:) مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ((النور: من الآية35) أنه قال:( هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنَّما هي:( مثل نور المؤمن كمشكاة )[164]

    قلت: فما ردك على هذا؟

    قال: لم ينقل أحدٌ من رواة القراءة أن ابن عباس كان يقرأ: (مثل نور المؤمن)، وهذا يدل على عدم صحة هذا النقل عنه.

    وقد يراد من ذلك، في حال حملها على الصحة، ما يسمى بالقراءة التفسيرية، فقد خشي ابن عباس أن يفهم من الآية ظاهر ألفاظها، فراح يبين معناها المراد.

    قلت: فأنت ترى ضعف هذه النصوص جميعا؟

    قال: ليس ضعفها فقط.. بل ضعفها ومخالفتها للمتواتر عن هؤلاء المنقول عنهم من النصوص.. ولا يجوز عقلا أن نترك المتواتر لصحيح الآحاد، فكيف بتركه للضعيف منها.

    وللزمخشري في هذا كلام جميل يتفق مع العقل السليم، فهو يقول:( وهذا ونحوه مِمَّا لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، هذه -والله- فريةٌ ما فيها مريةٌ )[165]

    7 ـ شبهة تغيير الحجاج بن يوسف مصحف عثمان:

    قلت: لدي شبهة أخرى هي أخطر من هذه الشبه جميعا.

    قال: أتقصد ما يروى من أن الحجاج بن يوسف الثقفي غيَّر حروفًا من مصحف عثمان، وأسقط حروفًا كانت فيه، وأنه كتب ستة مصاحف وجه بِها إلى الأمصار، وجمع المصاحف المتقدمة، وأغلى لَها الخل حتى تقطعت، وأنه قصد بذلك التزلف إلى بني أمية بإثبات خلافتهم، وإبطال خلافة ولد عليٍّ والعباس[166].

    قلت: أجل.. ولعلك تحفظ النصوص الواردة في ذلك.

    قال: وكيف لا أحفظها.. ألم تر هذا الشيب الذي اشتعل في رأسي؟

    قلت: وما علاقة الشيب بهذا؟

    قال: لقد أمضيت عمري كله باحثا مدققا.. لا شغل لي في الحياة غير البحث عن الحقيقة من مصادرها الصحيحة.

    قلت: فحدثني عما روي مما تستند إليه هذه الشبهة.

    قال: لقد روي عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيَّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفًا كان في القرآن.. فقد كانت في البقرة: (لم يتسنَّ وانظر)، بغير هاء، فغيَّرها:) لَمْ يَتَسَنَّهْ ( بالهاء [167].

    وكانت في المائدة: (شريعة ومنهاجًا)، فغيَّرها:) شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً((المائدة: من الآية48)[168]

    وكانت في يونس:( يَنْشُرُكُمْ )، فغيَّرها:) يُسَيِّرُكُمْ ((يونس: من الآية22)[169]

    وكانت في يوسف: (أَنَا آتِيكُم بِتَأْوِيلِهِ)، فغيَّرها:) أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِه((يوسف: من الآية45)[170]

    وكانت في المؤمنين: (سيقولون لله، لله، لله)، ثلاثتهن، فجعل الأخريين: (الله، الله)[171]

    وكانت في الشعراء، في قصة نوح:(مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، وفي قصة لوط:(مِنَ الْمَرْجُومِينَ)، فغيَّر قصة نوح:) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ((الشعراء:116) وقصة لوط:) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ((الشعراء:167)

    وكانت في الزخرف: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعَايِشَهُم)، فغيَّرها:) مَعِيشَتَهُمْ((الزخرف: من الآية32)[172]

    وكانت في سورة محمد:(مِن مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ)، فغيَّرها:) مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ((محمد: من الآية15)[173]

    وكـانت في الحـديد: (فالذين منكم واتقـوا لهـم أجرٌ كبير)، فغيـَّرها:) وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ((الحديد: من الآية7)

    وكانت في التكوير: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِـينٍ) [174]، فغيـَّرها:) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ((التكوير:24)[175]

    قلت: لقد ذكرت ما قيل، فما تقول؟

    قال: لقد بحثت في هذا بطرق التوثيق المختلفة، فوجدت أن جميع هذه الروايات في غاية الضعف، ولا يمكن أن تنهض في رد الآحاد الصحيحة، فكيف بالمتواتر، فهذا الأثر المروي عن عوف بن أبي جميلة ضعيف جدًّا، ففيه عبّاد بن صهيب، وهو متروكٌ، ضعيف الحديث، ويكفي هذا لرد الحديث.

    زيادة على هذا، فمن المحال ـ عقلا وعادةً ـ سكوت كل ذلك الجم الغفير ـ الذي قدم أغلى التضحيات من أجل كتابه ـ بتغيير شخص لكتابِه الذين يدين به.

    بالإضافة إلى هذا كله.. فإن الحجاج لم يكن إلا عاملاً على بعض الأقطار الإسلامية، ومن المحال أن يقدر على جمع المصاحف التي انتشرت في بلاد المسلمين شرقها وغربِها.

    وأخيرا، فإن الحجاج ـ لو فرض أنه استطاع جمع كل المصاحف وإحراقها ـ فإنه من المحال أيضًا أن يتحكم في قلوب الآلاف المؤلفة من الحفاظ، فيمحو منها ما حفظته من القرآن[176].

    ثم إنه لو فرض أن الحجاج كان له من الشوكة والمنعة ما أسكت به جميع الأمة على ذلك التعدي على القرآن، فما الذي أسكت المسلمين بعد انقضاء عهده[177].

    ومع ذلك كله، فإن أكثر المواضع التي ادُّعي أن الحجاج غيَّرها هي في جميع المصاحف على تلك الصورة التي زعموا أن الحجاج غيرها إليها، وقرأها القراء بِهذا الوجه، وبعضها رسم على الصورتين في المصاحف وقرئ بقراءتين، كما نقله إلينا القراء وعلماء الرسم العثماني، كما أن جل هذه المواضع لم ينقل إلينا نقلاً متواترًا قراءة أحد من القراء بِما يوافق الوجه الذي يزعمون أنه كان ثم غُيِّر، فلو صحَّ هذا النقل لنُقِل إلينا من القراءات في هذه المواضع ما يوافق ما كانت مكتوبةً به أوَّلاً.

    ثم ما الداعي لأن يترك الحجاج جرائمه، ثم يذهب للقرآن لا ليثبت به خلافة من يواليهم، أو ليضع في القرآن قوانين الاستبداد التي جاء بها، وإنما ليغير حروفا لا تؤثر في معانيه، ولا تزيد منه، ولا تنقص.

    8 ـ شبهة تعدد القراءات:

    قلت: بقيت شبهة أخرى.. ربما يصعب عليك إيجاد مخرج لها.. لعلها من أقرب الشبه التي تجعل من كتاب محمد قريبا من كتبنا.

    قال: تقصد تعدد قراءات القرآن.

    قلت: أجل.. ألا يدل ذلك على وقوع الاختلاف فيه، وهو نوع خطير من التحريف؟

    قال: أولا ينبغي أن تفهم أنت، ويفهم كل من يلقي بهذه الشبهة ـ إن كان صادقا في البحث ـ بأن تعدد قراءات القرآن لا يعني أن هذه القراءات تشمل كل كلمات القرآن، بل هذا التعدد قد يخص كلمة واحدة من آية.. وقد تكون هذه الكلمة التي تعددت قراءتها كلمة واحدة ضمن آيات كثيرة.

    لأني رأيت من يتصور في تعدد القراءات ما يتصور في كتبنا المقدسة، فيعتبر كل قراءة رواية من الروايات التي وردت بها أناجيلنا.

    قلت: أذلك غير صحيح؟

    قال: أجل.. وزيادة على ذلك فإن هذه الكلمات التي يختلف النطق بها لا تختلف في معانيها ولا تتناقض، وإنما قد يدل بعضها على معنى زائد ليس في سائر الكلمات، وبذلك تكون هذه القراءات مددا معنويا للقرآن يضاف إلى سائر أمداده المعنوية.

    وسأضرب لك أمثلة تقرب لك هذا:

    فقد قرئ ـ مثلا ـ:) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ((التوبة: من الآية128) بضم الفاء وكسر السين، وهى جمع (نَفْس) بسكون الفاء، ومعناها بذلك:( لقد جاءكم رسول ليس غريبًا عليكم، تعرفونه كما تعرفون أنفسكم، لأنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة، وبيئة، ولغة )

    وقرئت نفس الكلمة بفتح الفاء وكسر السين (من أَنْفَسِكُمْ)، ومعناها:( لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم )، لأن (أنْفَس) هنا أفعل تفضيل من النفاسة.

    فقد دلت الكلمة بسبب تعدد القراءات على معنى جديد مكمل للمعنى السابق، لا مناقض له.

    ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في سورة الفاتحة:) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ((الفاتحة:4)، فقد عرفت بالإضافة إلى هذه القراءة هكذا:) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( (الفاتحة:4)، فالخلاف بين القراءتين لم يعدو كلمة (مالك)، وهي اسم فاعل من (مَلِكَ)، وقد قرئت (مَلِك)، وهي صفة لاسم فاعل.

    والفرق بينهما أن (مالك) تعني القاضى المتصرف فى شئون يوم الدين، وهو يوم القيامة، أما معنى (مَلِك)، فهي أعم من معنى ذلك، حيث أنها تعني من بيده الأمر والنهى ومقاليد كل شىء ما ظهر منها وما خفى.

    وليس في كلا المعنيين أي تناقض.. لأن كليهما لائق بالله، وهما مدح لله، وعلى كليهما تدل النصوص الكثيرة.

    ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في سورة الحجرات:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ((الحجرات: من الآية6)، فقد قرئت كلمة (فتبينوا) في قراءة أخرى (فتثبتوا)

    وللكلمتين علاقة شديدة ببعضهما، فالتبين هو التفحص والتعقب فى الخبر الذى يذيعه الفاسق بين الناس، وهذا التبَين هو الطريق الموصل للتثبت.. فالتثبت هو ثمرة التبين، ومن تبيَّن فقد تثبت، ومن تثبت فقد تبين.

    ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في سورة يونس:) يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ((يونس: من الآية5) فقد قرئت كلمة (يفصل) في قراءة أخرى (نفصل)، وفاعل الفصل فى القراءتين واحد هو الله، وقد اختلف التعبير عن الفاعل فى القراءتين، فهو فى القراءة الأولى ضمير مستتر عائد على الله، أى يفصل هو الآيات، فالفاعل هنا مفرد لعوده على مفرد، وفى القراءة الثانية عُبِّر عن الفاعل بضمير الجمع للمتكلم (نُفَصِّل)أى نفصل نحن.

    وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى، وهو وصف ملازم لكل القراءات.

    قلت: أي تكثير للمعنى ما دام كلاهما يعبر عن الله!؟

    قال: في القراءة الثانية انتقال من التعبير بضمير الغائب إلى ضمير المتكلم.. والانتقال من الغيبة إلى المتكلم يشعر بعظمة المنتقل إليه، وهو التفصيل، بالإضافة إلى ما يبعثه في النفس من إشعار بحضور الله وقربه.

    قلت: إن من قومنا من يعتبر تعبير الله عن نفسه بضمير جمع المتكلم في القرآن يدل على تعدده.

    ابتسم، وقال: لا ينبغي أن نشتغل بمثل هؤلاء.. هذه اللغة العربية منذ وجدت، والمفرد فيها قد يعبر عن نفسه بضمير الجمع، وقد يكون ذلك من باب التواضع، وقد يكون من باب التعظيم، وقد فهم المسلمون من هذا الضمير أن المقصد منه التعظيم، وهو تعبير مشهور بينهم.

    قلت: فلنعد إلى ما كنا فيه.. إن شبهة أخرى ترتبط بكلامك هذا، وترتبط خاصة بما أوردته من أمثلة.. وقد كانت مثار اهتمام أصحابنا المبشرين وحلفائنا المستشرقين.

    سأذكر لك واحدا منهم.. لاشك أنك تعرفه.. إنه المستشرق اليهودى المجرى المسمى (جولد زيهر)

    لقد قام هذا المستشرق بإخراج القراءات القرآنية من اعتبارها قرآنا جاء به محمد إلى كونها تخيلات توهمها علماء المسلمين، وساعدهم على تجسيد هذا التوهم طبيعة الخط العربى؛ لأنه كان ـ فى الفترة التى ظهرت فيها القراءات ـ غير منقوط ولا مشكول، وهذا ما ساعد على نطق الياء تاء فى مثل (تقولون) أو (تفعلون)، فمنهم من قرأ بالتاء (تقولون)، ومنهم من قرأ بالياء (يقولون)

    هذا من حيث النقط وجودًا وعدمًا، أما من حيث الشكل ـ أى ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثلاً ـ كما في قوله:) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً ((الفرقان: من الآية48)، فقد قرئت (بُشرا) بضم الباء، وقرئت (نَشْرا) بالنون المفتوحة بدلاً من الباء المضمومة، وقرئت (نُشُرا) بالنون المضمومة والشين المضمومة، بينما كانت الشين فى القراءات الأخرى ساكنة.. فقد ساعد عليها عدم شكل القرآن وعدم تنقيطه في مصحف عثمان، وبالتالي أتاح ذلك زيادة هذه القراءات.

    اسمع ما يقول جولد.. فهو كلام قوي حسن:( والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب فى ظهوره إلى خاصية الخط العربى، فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل (أى الحركات) فى الخط العربى يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب. فهذه التكميلات للرسم الكتابى ثم هذه الاختلافات فى الحركات والشكل، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة القراءات، فيما أهمل نقطه أو شكله من القرآن)[178]

    وانطلاقا من هذا، فإن هناك سببين لنشأة القراءات القرآنية، أما أولهما، فهوتجرد المصحف من النقط فى أول عهده، وأما الثاني، فهو تجرد كلماته من ضبط الحروف.

    أما الأول فيدل له ما ورد في قراءة قوله:) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ( (لأعراف:48)

    فقد قرئت كلمة (تستكبرون) في قراءة شاذة (تستكثرون) بإبدال الباء ثاء، أي أن الكلمة كانت فى الأصل (يستكبرون) غير منقوطة الحروف الأول والثالث والخامس فاختُلِف فى قراءتها: فمنهم من قرأ الخامس باء والأول تاء فنطق: تستكبرون، ومنهم من قرأ الخامس ثاء فنطق: تستكثرون.

    ويدل له كذلك قوله:) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ((التوبة: من الآية114) فكلمة (إياه) التي هي ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب الذكر، قرئت في قراءة شاذة لحماد الراوية (أباه) بإبدال الياء من (إياه) باء، لتصبح (أباه) أى وعدها إبراهيم أباه[179].

    ويدل للثاني، وهو تجرد كلمات المصحف عن الضبط بالحركات قوله:) وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ((الرعد: من الآية43)، فقد قرئت (مَنْ عنْدَهُ) و(مِنْ عِنْدِه) و(مَنْ عِنْدِهِ)

    قال: فهو يرجع القراءات القرآنية إذن إلى كونها أوهامًا كان سببها نقص الخط العربى الذى كتب به المصحف أولاً عن تحقيق الألفاظ من حيث حروفها ومن حيث كيفية النطق بها.

    قلت: أجل.. وقد اقتفى أثره كثير من المبشرين والمستشرقين.. وهو عندنا الآن من المعلوم بالضرورة، لا يكاد يدرس أحد في مدارس الاستشراق أو التبشير إلا لقن هذا تلقينا.

    قال: لقد كذب هذا المستشرق كذبة، ثم صدق نفسه، ثم وجد من أصحاب العقول ـ التي لا تبحث عن الحقيقة، وإنما تبحث عما يرضيها ـ من يصدقه.

    قلت: كيف تقول هذا؟.. أراك تتجنى على الرجل.. وهو الباحث الموضوعي.

    قال: لا يعنيني من يكون.. ولكني أعلم أن الأصل الذي دلت عليه كل الدلائل هو أن القرآن نقل بالصدور، قبل أن ينقل بالسطور.. وأن التوثيق لم يكن يهدف إلا لمجرد الاحتياط.. ولهذا اختلف الصحابة في كتابة المصحف حتى شرحت صدورهم لذلك، لأن اعتمادهم كان على الحفظ.

    فمحمد لقن أصحابه القرآن حتى حفظوه، وأصحابه لقنوه من بعدهم.. حتى عصرنا الحالي لا يزال التلقين هو الأصل الذي يعتمد عليه في نقل القرآن.

    لو كان المسلمون تلقوا القرآن من المصاحف لكان لرأي جولد وجه من الصحة، ولكن التلقي كان من السماع الموثق الذي يشترط فيه التواتر.

    لقد سمع المسلمون من محمد كل الوجوه في القراءات، وحفظوها كما سمعوها، ونقلوها لمن بعدهم بنفس حروفها وأشكالها.

    ولهذا اعتنى المسلمون بما يسمى (تمحيص القراءات)، حيث وضعوا ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة، ومن أهمها أن يصح سند القراءة الذى يؤكد سماع القراءة عن محمد[180].

    ومنها موافقة القراءة لرسم المصحف الذى أجمعت عليه الأمة فى خلافة عثمان مع ملاحظة أن الصحابة الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فى خلافة عثمان، نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق النبوية بلا تغيير أو تبديل.

    ومنها أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية ؛ لأن القرآن أنزل كتابه باللسان العربى المبين.

    فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا تكون القراءة مقبولة ولا يعتد بها، وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات غير الصحيحة، أو ما يسمى بالقراءات الشاذة، أو الباطلة.

    ولم يكتف علماء المسلمين بهذا، بل وضعوا مصنفات خاصة حصروا فيها القراءات الصحيحة، ووجهوها كلها من حيث اللغة، ومن حيث المعنى، وهي مادة ثرية للمفسرين يسلهمون منها معاني جديدة في القرآن[181].

    وفي إمكانكم أن تذهبوا إلى هذه المراجع لتنظروا وجوه التناقض التي يمكن أن تجدوها في القرآن.. ولن تجدوا.

    لقد بحثت في هذا كثيرا، فوجدت أن تعدد القراءات مكسب من مكاسب المسلمين لا مثلب من مثالبهم.

    لقد جربت أن أسمع القراءات المختلفة من أفواه المجودين، فوجدت في كل قراءة جمالا خاصا، يضم إلى جمال القرآن وقدسيته.

    سكت قليلا، ثم قال: نعم لئن قال جولد[182] ما قال من دون بحث ونظر.. فقد قال غيره من المستشرقين بعد بحث ونظر خلاف ما قال.

    لقد قال المستشرق لوبلوا:( إن القرآن هو اليوم الكتاب الربانى الوحيد، الذى ليس فيه أى تغيير يذكر )

    وقال المستشرق (د. موير):( إن المصحف الذى جمعه عثمان، قد تواتر انتقاله من يد ليد، حتى وصل إلينا بدون أى تحريف، ولقد حفظ بعناية شديدة، بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أى تغييرعلى الإطلاق فى النسخ التى لا حصر لها، المتداولة فى البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النص المُنزل، الموجود معنا والذى يرجع إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان الذى مات مقتولا )[183]



    العهود التالية

    قلت: عرفت حرص أصحاب محمد على حفظ كتابهم.. ولا يستغرب منهم ذلك، فقد عاشوا مع محمد، وسمعوا منه، بل حفظوا القرآن على يديه.. ولكن الشك يعتري سائر الأجيال التي لم تسمع، ولم تحفظ، ولم يكن لها من الهمم ما كان لأصحابه؟

    قال: لا.. بل سمعت، وحفظت، وكان لها من الهمم ما لا يقل عن همم أصحابه.. فلذلك لم تزد الأيام القرآن إلا رسوخا.. لقد انبرى كل صحابي حافظ يعلم أهله وجيرانه وأهل محلته، فصار الحفاظ بالآلاف.. بل صاروا على مدى العصور لا يعدون ولا يحصون..

    قلت: أعلم ذلك.. ولكني سأورد عليك شبهة خطيرة[184]لم يقلها المبشرون، ولا المستشرقون.. بل ولا المستغربون.

    قال: تقصد ما يقوله المتطرفون من المسلمين[185] أولئك الذين يشهرون سيوف التكفير على إخوانهم.

    قلت: لا يهمني من هم، ولكنهم يذكرون أن الشيعة ـ تلك الطائفة الكبيرة من طوائف المسلمين ـ تنص على تحريف القرآن، وهم ينقلون في ذلك عنها نصوصا خلاصتها أن علياً بعدما فرغ من جمع القرآن عرضه على الصحابة جميعاً، فرفضوا هذا الجمع، لأن فيه فضائح المهاجرين والأنصار، وأنهم بعد ذلك طلبوا من علي أن يأتيهم بالقرآن، فأبى خشية أن تمتد أيديهم إليه بالتحريف، وأخبرهم أن القرآن سوف يخرجه كاملاً من السرداب ليقرأه الشيعة كما أنزل[186].

    قال: لقد قرأت ذلك، وبحثت فيه، فوجدته لا يعدو ما ذكرناه سابقا.. هي مجرد نصوص ضعيفة تعلق بها البعض ليواجهوا التواتر الذي اتفق جميع المسلمون عليه.

    قلت: ولكن هذا التواتر تخرقه هذه الطائفة الكبيرة.

    قال: لقد عشت عمرا بين الشيعة في ديارهم، ولم أسمعهم يرددون أي قرآن غير هذا القرآن الذي تراه.. هم يحفظونه كما يحفظه إخوانهم، ويفسرونه كما يفسرونه، ويهتمون بترتيله وإقامة المجالس لذلك، سواء بسواء.. فكيف نترك ما علم لما جهل؟.. وكيف نترك التواتر لأجل آحاد ضعيفة لا يمكنها أن تقاوم آحادا صحيحة، فكيف تقاوم التواتر؟

    قلت: وتلك الرواية التي استفاضت.. ألا يمكن أن تعتبر موقفا؟

    قال: لقد روي مثلها عند إخوانهم من أهل السنة[187].. وكلا الفريقين يرون ضعف ما روي، ويتبرؤون منه.

    ومن الروايات الواردة في كتب أهل السنة ما وري عن عائشة أنها قالت: (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله r مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن )[188]

    ومنها ما روي عن عبد الله بن عمر: (لا يقولن أحدكم قد أخذت من القرآن كله، وما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير )[189]

    ومنها ما روي عن عائشة قالت: ( لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله r وتشاغلنا بموته دخل الداجن فأكلها)[190]

    ومنها ما روي أن عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: (لم تجد فيما أنزل علينا (أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة) فأنا لا نجدها؟ قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن )[191]

    ومنها ما روي عن حذيفة قال: (قرأت سورة الأحزاب على النبي r فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها)[192]

    ومنها ما روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ الآية هكذا:( كفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب)[193]

    قلت: لقد أضفت إلى الشبهة أدلة أخرى.. فالفريقان إذن متفقان على تحريف القرآن؟

    قال: لا.. بل الفريقان متفقان على سلامة القرآن من التحريف.. وإنما أوردت لك هذه النصوص عن أهل السنة، لترد بها على المتطرفين الذين يريدون أن يسنوا بالمسلمين سنة أقوامنا الذين اختلفوا في الكتاب المقدس[194].

    قلت: لقد علمت إجماع أهل السنة على سلامة القرآن من التحريف.. ولكني لم أعرف موقف الشيعة.

    قال: أول ما يدلك على تهافت هذا القول هو تبرؤ العلماء العدول من الفريقين منه، فقد ذكر علماء الشيعة المعتبرين الذين هم مراجع الشيعة الكبار إجماع علماء الشيعة على صيانة القرآن من التحريف بالزيادة، والنقصان، والتغيير، والتبديل، ولم يخالف هذا الإجماع إلا أفراد قلائل لا يعتدُ بقولهم.

    وهم يردون ما ورد من ذلك ردا شديدا.. فهي عندهم روايات ضعاف رويت في كتبهم، كما رويت مثلها في كتب السنة.

    ولهذا اشتدوا على من جمع مثل هذا، أو اهتم به كما هو الحال في موقفهم من كتاب: فصل الخطاب للنوري، وقد جمعت الكثير من آراء علماء الشيعة ابتداءً بالقرن الرابع الهجري، وانتهاءً بهذا القرن، والتي تدل على أن هذه فرية لا أساس لها من الصحة، وسأقرأ لك مما جمعته ما يدل على مدى الكذب الذي يقع فيه هؤلاء المتطرفون ليفرقوا به وحدة أمتهم.

    نهض، وأخذ أوراقا متفرقة في ركن من أركان المكتبة، ثم قال: اسمع ما يقول العدول من علماء الشيعة على مر العصور … ثم راح يقرأ: قال الصدوق (م 381 هـ): (قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص منه كلمة، ولا آية، ولا سورة، ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله؛ وذلك كان ثابتا منزلاً، وان لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى تأويل القرآن قرآناً )[195]

    فقد وضح الصدوق علة ما ورد من نصوص في حال صحتها، وهي بذلك لا تعدو ما ورد عن السنة من تفسير مثل هذا بأن المراد منه التفسير لا الحقيقة.

    وقال السيد المرتضى (م 436 هـ): (إن القرآن كان على عهد رسول الله r مجموعا مؤلفا على ما هو عليه في ذلك الزمان حتى عين النبي r على جماعة من الصحابة حفظهم له، وكان يعرض على النبي، ويتلى عليه، وان جماعة من الصحابة مثل: عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور، ولامبثوث، وأن من خالف من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم )[196]

    وقال الطوسي (461 هـ): (وأما الكلام في زيادته، ونقصانه، فمما لا يليق به، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، وأما النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذاهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى رضي الله عنه، وهو الظاهر من الروايات.. غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد، ولا يستوجب علماً، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها)[197]

    وقال الطبرسي (548 هـ): (الكلام في زيادة القرآن، ونقصانه فأما الزيادة فيه، فمجمع على بطلانها، وأما النقصان منه، فقد روى جماعة من أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى)[198]

    وقال ابن طاووس (644هـ): (كان القرآن مصونا من الزيادة، والنقصان كما يقتضيه العقل، والشرع.. وإن رأي الامامية هو عدم التحريف)[199]

    وقال العلامة الحلي (م 726 هـ): (الحق إنه لا تبديل، ولا تأخير، ولا تقديم فيه، وإنه لم يزد، ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك، وأمثال ذلك فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر)[200]

    وقال زين الدين العاملي (م 877 هـ): (علم بالضرورة تواتر القرى، بجملته، وتفاصيله، وكان التشديد في حفظه أتم، حتى تنازعوا في أسماء السور، والتفسيرات، وإنّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكير في معانيه، وأحكامه، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كل عاقل، وإن لم يحفظه، لمخالفة فصاحته وأسلوبه )[201]

    وقال نور الله التستري (م 1019 هـ): (مانسب إلى الشيعة الإمامية من القول بالتحريف ليس مما قاله جهور الإمامية، وإنما قاله شرذمة قليلة لا اعتداد بهم في جماعة الشيعة)[202]

    وقال الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين الحارثي العاملي (م 1030هـ): (والصحيح أن القرآن العظيم محفوظ من التحريف، زيادة كانت أو نقصانا بنص آية الحفظ من الذكر الحكيم، وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين في بعض المواضع، فهو غير معتبر عند العلماء)[203]

    وقال الفاضل التوني (1071 هـ): (والمشهور بين علمائنا الأعلام إنه محفوظ ومضبوط كما أُنزل لم يتبدل، ولم يتغير، حفظه الحكيم الخبير)[204]

    وقال الفيض الكاشاني (1091 هـ): يرد على روايات التحريف بأنها مخالفة للقرآن: (ويرد على هذا كله إشكال، وهو إنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذ على هذا يحتمل في كل آية منه أن يكون محرفا، ومغيرا، ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته، وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به. إن خبر التحريف مخالف لكتاب الله، مكذب له، فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله.. ولا يبعد أن يقال: إن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن، فيكون التبديل من حيث المعنى، أي حرفوه وغيروا في تفسيره، وتأويله)[205]

    وقال محمد بن الحسن الحرّ العاملي (1104 هـ): (إن من تتبع الأخبار، وتفحص التواريخ، والآثار علم علماً قطعياً بأن القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر، وأن آلاف الصحابة كانوا يحفظونه، ويتلونه، وأنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مجموعاً مؤلفاً)[206]

    وقال محسن الأعرجي (1227 هـ): (اتفق الكل ؛ لا تمانع بينهم على عدم الزيادة.. والمعروف بين أصحابنا، حتى حكي عليه الإجماع، عدم النقيصة أيضاً )[207]

    وقال جعفر كاشف الغطاء (1228 هـ): (لا ريب في أن القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان، كما دل عليه صريح الفرقان، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها)[208]

    وقال إبراهيم الكلباسي الاصبهاني (1262 هـ): (إن النقصان في الكتاب مما لا أصل له)[209]

    وقال محمد جواد البلاغي (1352: (ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين عامة المسلمين جيلاً بعد جيل، استمرت مادته، وصورته، وقراءته المتداولة على نحو واحد، فلم يؤثر شيئا على مادته، وصورته..)[210]

    وقال محمد حسين كاشف الغطاء (1366هـ): (وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه صلى الله عليه وآله للإعجاز والتحدي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام، وإنه لا نقص فيه ولا تحريف، ولا زيادة، والأخبار الواردة من طرقنا، أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة، وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملاً)[211]

    وقال محسن الأمين العاملي، (1371 هـ): (لا يقول أحد من الإمامية، لا قديماً ولا حديثا: إن القرآن مزيد فيه قليل، أو كثير، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة، ومن يعتد بقولهم متفقون على أنه لم ينقص منه، ومن ينسب إليهم خلاف ذلك، فهو كاذب مفتر، متجري على الله ورسوله)[212]

    وقال شرف الدين العاملي (1377 هـ): (ومن الأدلة على اعتقاد الإمامية بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم: صلاتهم لأنهم يوجبون قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الركعة الأولى، والثانية.. وصلاتهم بهذه الكيفية والأحكام دليل ظاهر على اعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها في زمن الرسول صلى الله عليه وآله على ما هي عليه الآن، وإلا لما تسنى لهم هذا القول )[213]

    وقال محمد رضا المظفر (1384 هـ): (.. لا يعتريه التبديل، والتغيير والتحريف وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي، ومن أدعى فيه غير ذلك فهو مخترق، أو مغالط أو مشتبه)[214]

    وقال محسن الحكيم (1370 هـ): (إن سلف المسلمين كافة، وعلماء الإسلام عامة منذ بدء الإسلام إلى يومنا هذا، يرون أن القرآن في ترتيب سوره، وآياته، هو كما بين أيدينا، ولم يعتقد أحد من السلف في التحريف)[215]

    وقال مرتضى المطهري (1399 هـ): (وبما أن المسلمين كانوا قد اعتقدوا بأنه كلام الله وليس كلام البشر، فقد كانوا يقدسونه، ولا يسمحون لأنفسهم أن يتلاعبوا بكلمة، أو حرف منه)[216]

    وقال العلامة الطباطبائي (1403 هـ) صاحب الميزان: (القرآن محفوظ بحفظ الله عن كل زيادة، ونقيصة وتغيير في اللفظ، أو في الترتيب يزيله عن الذكرية ويبطل كونه ذكرا لله سبحانه بوجه. فالذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله بعينه)[217]

    وقال السيد الخوئي (1409 هـ)، وهو يورد أجوبة على الأخبار التي يفهم منها القول بالتحريف: (إن الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة، يقف على بطلان تلك المزعومة (التحريف) وما ورد من أخبار إما ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل، أو غريب يقضي بالعجب، أما الصحيح منها فيرمى إلى مسألة التأويل والتفسير، وإن التحريف إنما حصل في ذلك، لا في لفظه، وعباراته)[218]، ويورد أدلة حفظ القرآن من التحريف اللغوي يقول: (إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة، وخيال، لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل)[219]

    وقال السيد الگلپايگاني (1414 هـ): (وبعد فالصحيح من مذهبنا إن كتاب الله الكريم الذي بأيدينا بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه من لدن عزيز حكيم، المجموع المرتب في زمانه، وعصره بأمره بلا تحريف وتغيير وزيادة ونقصان، والدليل على ذلك تواتره بين المسلمين كلا وبعضا ترتيبا وقراءة مع توفر الدواعي لهم في حفظه وإبقائه ونقله بلا زيادة ونقيصة)[220]

    قلت: ولكن ما تقول في كتاب (فصل الخطاب) الذي يذكر الأدلة الكثيرة على تحريف القرآن؟

    قال: لقد وقف علماء الشيعة موقفا متشددا من هذا الكتاب الذي يرجع إليه المتطرفون في إثبات دعاواهم، وألفوا الكتب الكثيرة في ذلك، ومنها كتاب (الرد على فصل الخطاب )، وهو كتاب ضخم، رد فيه على روايات فصل الخطاب واحده واحدة، ونظر فيها واحدا واحدا، وهذا المؤلف معاصر له.

    ومنها كتاب (آلاء الرحمن في تفسير القرآن) للشيخ البلاغي الذي هو معاصر للشيخ النوري، فقد رد عليه بشدة.

    وقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني تلميذ المحدث الميرزا النوري، في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)، تحت عنوان (فصل الخطاب)، على أن الميرزا النوري لم يكن معتقدا بمضامين هذه الروايات، ولم يكن معتقدا بكون القرآن ناقصا ومحرفا، مع علمه بأحوال أستاذه وبأقواله.

    زيادة على هذا، فإنا لو سلمنا أن الشيخ النوري يعتقد بنقصان القرآن، فهو قوله، لا قول الطائفة، وقول الواحد لا ينسب إلى الطائفة.

    زيادة على هذا كله لماذا يرجع هؤلاء إلى رأي واحد أو اثنين في إثبات التحريف، ويغفلون عن الجموع الكثيرة التي تنفيه، وتشتد في نفيه.

    قلت: إن قومنا لا يكتفون بالكلام النظري، بل هم ينشرون في كتبهم، وفي مواقعهم، وبكل ما لديهم من وسائل الإعلام سورتين من سور القرآن يتصورون أن الشيعة يقولون بقرآنيتهما.

    ابتسم، وقال: تقصد سورتا الولاية والنورين.

    قلت: أجل.. وإن سمحت لي سأقرأهما عليك لترى مبلغ صدقي.

    قال: وتحفظهما أيضا؟

    قلت: كيف لا أحفظهما، وهما سلاح من أسلحتنا الحادة التي نشهرها للاستدلال على تحريف القرآن.

    قال: فاقرأهما علي، لترى من خلال قراءتهما الفرق العظيم بينهما، وبين القرآن.

    أخذت أقرأ:( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين، أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم. نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذي يوفون ورسوله في آيات لهم جنات نعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم و ما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه. يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عادا وثمودا بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين. ليكون لكم آيته وإن أكثركم فاسقون. إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون. مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم. إن الله لذو مغفرة وأجرعظيم وإن عليا من المتقين. وإنا لنوفيه حقه يوم الدين. وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين. فإنه وذريته لصابرون وإن عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعدما آمنوا أطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله رسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمنا ومن يتولاه من بعدك يظهرون. فأعرض عنهم إنهم معرضون. إنا لهم محضرون. في يوم لا يغني عنهم شيئا ولا هم يرحمون. إن لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل. فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون. فاصبر فسوف يبصرون.ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين. وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون. ومن يتولى عن أمري فإني مرجعة فليتمتعوا بكفرهم قليلا فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لكم في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذ وكن من الشاكرين. إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه. قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون. إنا بشرناك بذريته الصالحين. وإنهم لأمرنا لا يخلفون فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأمواتا ويوم يبعثون. وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين. وعلي الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الفرقان آمنون والحمد لله رب العالمين)

    أما السورة الثانية، فهي:( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذيّن بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم. نبي وولي بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير. إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم. والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبون. إن لهم في جهنم مقاماً عظيماً إذا نودي لهم يوم القيامة: أين الظالمون المكذبون للمرسلين. ما خلفتهم المرسلين إلا عني وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك، وعليّ من الشاهدين تعالى الله عما يقولون ويفترون )

    ابتسم، وقال: هل تعتبر هذا النظم الغريب، وهذا الأسلوب الركيك قرآنا.. إن العجز يلوح في ألفاظه وتركيبه وفي كل كلماته..!؟

    قلت: نحن لا يهمنا ركاكة ألفاظه، بل يهمنا أنه قيل بقرآنيته.

    قال: ومن قال ذلك.. إن ذاكر هذه النصوص وغيرها لا يملك غير مجرد الدعوى العارية من الدليل.. وأنا أتحدى من أتى بهذا أن يذكر إسنادا واحدا لهذه النصوص.. ولو كان إسنادا ضعيفاً.

    قلت: صدقتك في هذا.. كما صدقتك في غيره.. ولكن أجبني: هل ترى أن المسلمين سيظلون على هذا الاهتمام بكتابهم؟.. ألا يمكن أن تجرفهم التيارات الحديثة، فيغفلون عن كتابهم.. ويأتي من يدس فيه بعد ذلك ما يشاء؟

    قال: لقد وجدت من خلال استقرائي لتأثير الأزمات في حفظ القرآن ناحية مهمة جديرة بالاهتمام.

    قلت: ما هي؟

    قال: لقد وجدت أنه كلما تضاءل اهتمام المسلمين بكتابهم من الناحية التنفيذية لتعاليمه، كلما اشتد حرصهم عليه من ناحية المحافظة على حروفه وكلماته.. وكأنهم يقولون في نفوسهم: نعم نحن قصرنا في كتابنا.. ولكن مع ذلك لن نحرم الأجيال التالية بركات هذا الكتاب.

    طبق هذه القاعدة على عصرنا.. فسترى العجب العجاب..

    إنك ترى القرآن الآن في كل مكان.. في كل منزل ومكتب وسيارة.. حتى غير المسلم يحافظ على القرآن ويحمله..

    قلت: لقد ذكرتني برجل من أهل بلدي من ألمانيا يفكر في أن يكتب القرآن في صفحة واحدة..بشكل جميل.

    قال: ولكنه لم يفكر في أن يفعل ذلك مع الكتب الأخرى.. إن هناك شيئا عجيبا في هذا الكتاب يجعل دولة كاليابان وإيطاليا تتفننان في طباعة المصحف بشكل جميل أنيق.

    إن القرآن يقرأ الآن في كثير من محطات العالم التلفزيونية والإذاعية، وهو يترجم لكل اللغات، وهو يوضع في أجمل البرامج وأحلى الحلل.. ولا يكاد يوجد في الدنيا من يجهله.

    أما سر ذلك.. فإني لا أجهله.. إنه لولا أن الله أراد ان يحفظ كلامه ما قيض له كل هذه الجيوش المجيشة لتحميه.

    لقد رأى الله تقصير عباده في حفظ كلامه.. فتولى حفظه بنفسه.

    ***

    ما وصلنا إلى هذا الموضع من حديثنا حتى دخل رجل المكتبة، كان يشبهه تماما، بحيث يستحيل التفريق بينهما.

    لما رآه صاحبي أعاد الكتاب الذي كان يحمله إلى مكانه، وقد بدا عليه بعض الوجل، قلت: ما الذي حصل؟.. من هذا الداخل الذي يشبهك تماما؟

    قال: هذا أخي التوأم.. هذا هو الحجاب الأكبر الذي يحول بيني وبين التمتع بأشعة شمس محمد.. ليتني أنتهي منه في يوم من الأيام.

    قلت: ما تقول يا رجل.. لقد كنت أحسبك عاقلا.. فكيف تريد أن تقتل أخاك؟

    قال: لا.. لم أقصد هذا.. أريد إنهاء جدله ولهوه ولغوه وحرصه وكبره.. والذي يحول بيني وبين الحقائق.

    قلت: فكيف تقتل هذه الأدواء فيه؟

    قال: ذلك يحتاج إلى أسلحة كثيرة وعلوم كثيرة وهمم عظيمة.. ولن أقعد دون ذلك.. وسيأتيك اليوم الذي تسمع فيه بانتصار حقي على باطلي.. وانتصار عقلي على نفسي.. وانتصار روحي على طيني.

    قال ذلك.. ثم انصرف إلى أخيه ليبتسم في وجهه، ويجلس معه.

    أما أنا فقد انصرفت بحيرة جديدة.. وببصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى أشعة محمد.

    في ذلك المساء عندما عدت إلى بيتي وجدت أخي التوأم يحمل ملازم من الكتاب المقدس قد تم طبعها ذلك اليوم، والسرور يبدو على وجهه، وقال: انظر.. لقد قمنا في هذه الطبعة بإنجاز ضخم، سيكون له تأثيره الكبير في نصرة الحقيقة.

    قلت: هل نقحت الكتاب المقدس؟

    قال: تستطيع أن تقول ذلك.. إنه إنجاز ضخم سيسر به قومنا كثيرا.. وسترتفع بسببه درجاتنا في سلم الطريق إلى كرسي البابا.

    قلت: ما فعلت بالكتاب المقدس؟

    قال: لم أفعل شيئا سوى أني حذفت قوسين كانا يجثمان عليه كما تجثم العلل على القلوب.

    قلت: أفي الكتاب المقدس أقواس؟.

    قال: هناك أقواس أضيفت لتمهد لحذفها.. وقد نلت شرف حذف قوسين منهما.

    قلت: ما الذي تقصد؟

    قال: انظر هذا النص من رسالة يوحنا الاولى الاصحاح الخامس العدد 7.. اسمع ما تقول النسخة العربية الحديثة:( فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد )

    نظرت، فرأيت النص موضوعا بين قوسين.. لقد وضعت الجملة (فى السماء الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد) بين قوسين.

    قال: أنت ترى أن هذه الجملة قد وضعت بين قوسين؟

    قلت: أجل.. رأيتها، وقد علمت أنهم نبهوا في أول الكتاب إلى أن ما يوضع بين القوسين غير موجود بالأصل.

    قال: فقد قمت أنا وأنت بهذا الإنجاز الضخم.. لقد نزعت القوسين ليصبح النص أصلا.

    قلت: ألا تعتبر ذلك تحريفا؟

    قال: لقد فعله القديسون من قبلي.. ولا يمكن أن أتقدس إن لم أفعله.

    تركته، وانصرفت إلى فراشي.. وقد كان ما سمعته منه أخطر بكثير من كل ما سمعته من صاحبي.

    وفي فراشي مددت يدي إلى محفظتي لأستخرج بعض ما أحتاجه منها، فامتدت يدي إلى الورقة التي سلمها لي صاحبك، فعدت أقرأ فيها..

    لقد أيقنت حينها أن هذا السور الأول من أسوار الكلمات المقدسة لم يتحقق به أي كتاب في الدنيا غير القرآن الكريم.



    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:34

    ([1]) رواه البخاري.
    ([2]) ولكن الفرق بينهما عظيم فالتوراة تجعل هارون هو الذي قام بدور السامري كما في سفر الخروج (32/1-7):« 1 ولما رأى الشعب ان موسى ابطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون. وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير امامنا. لان هذا موسى الرجل الذي اصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا اصابه. 2 فقال لهم هرون انزعوا اقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها. 3 فنزع كل الشعب اقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها الى هرون. 4 فاخذ ذلك من ايديهم وصوّره بالازميل وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا هذه آلهتك يا اسرائيل التي اصعدتك من ارض مصر. 5 فلما نظر هرون بنى مذبحا امامه. ونادى هرون وقال غدا عيد للرب. 6 فبكروا في الغد واصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة. وجلس الشعب للاكل والشرب ثم قاموا للّعب7 فقال الرب لموسى اذهب انزل. لانه قد فسد شعبك الذي اصعدته من ارض مصر »
    ([3]) التابوت من أقدس مقدسات بني إسرائيل، وهو صندوق من الخشب يزعمون أن الله أمرهم بصنعه على هيئة خاصة، وكانوا يستقبلونه في صلاتهم، ولما بنى سليمان u بيت المقدس جعله فيما يسمونه (قدس الأقداس) وهي حجرة صغيرة، يستقبلونها في الصلاة، وقد ذهبت جميع هذه المقدسات بعد تدمير الهيكل زمن غزو بختنصر.دراسات في الأديان د/سعود الخلف ص71.
    ([4])دراسات في الأديان د/سعود الخلف ص(73).
    ([5]) إصدار الرهبانية اليسوعية، بيروت، دار المشرق، 1985م، كتب الشريعة الخمسة.
    ([6])الكتاب المقدس للآباء اليسوعيين:1 / 4 .
    ([7])كتب الشريعة الخمسة: منشورات دار المشرق _ بيروت.
    ([8])يرى بعضهم أنه ألف بالسريانية أو اليونانية.
    ([9]) سنتحدث عنها بتفصيل في رسالة (الله جل جلاله) من هذه السلسلة.
    ([10]) وهذا هو نصها:« وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ نَظَرَتْهُ لَمْ يُصَدِّقُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. وَذَهَبَ هَذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هَذَيْنِ. أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ. وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ». ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ » (مرقس:16:9-20 )
    ([11])كتب إنجيل يوحنا في حوالي 90 - 95 م.
    ([12]) ينبه ديدات إلى أن هذا النص قد انتحله كاتب الإنجيل من فيلون الإسكندراني( ت40م)، وأنه بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح وبساطة أقواله وعامية تلاميذه، وخاصة يوحنا الذي يصفه سفر أعمال الرسل بأنه عامي عديم العلم، فيقول:« فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا »( أعمال 4/13)
    وفيلون الإسكندراني ( 20 ق . م ـ 40 م ) يهودي عاش في العصر الهلنستى بالإسكندرية، وهو فيلسوف ومفكر كان متأثراً بالفلسفة اليونانية، فقد كان يعتبر أن العقل أو اللوجوس هو الذي صدر عنه وجود كل المخلوقات . وكان يكني هذا ( اللوجوس ) بقوله ( الكلمة ) ومن المعروف أن يوحنا كتب إنجيله بعد وفاة ( فيلون ) واستعار منه ( مصطلح الكلمة )
    ([13])ولد بولس لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى ( تركيا القديمة ) تقريبا في العام الرابع للميلاد، ونشأ فيها من أصل عبراني خالص فيجمع أغلب المؤرخين النصارى أنه لم يكن هناك أصل أممي في أجداده أبدا، وتعلم حرفة صنع الخيام، و يقول مؤرخي النصارى أيضا أن أبوه قد وهبه لدراسة الناموس منذ صغره، و عندما شب أرسله إلى أورشليم ( القدس )، فأكمل تعليمه عند رجل يدعى غمالائيل أحد أشهر معلمي الناموس في أورشليم .
    وكان اسمه فيما مضى ( شاؤول )، ومعناه: ( طالب ) كما نفهم من سفر الأعمال، ثم أسمـى نفـسه بعـد تنـصره ( بولس )، ومعناه ( الصغير ) و ربما كان ذلك تواضعا .
    وتذكر أغلب المصادر أنه كان ذا غيرة على دينه أكثر من كل أقرانه اليهود كما قال عن نفسه في سفر أعمال الرسل .
    ولا تذكر المصادر النصرانية لقيا بولس المسيح u على الرغم من أن ذلك الأول كان من معاصريه u، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالنصرانية هو شهوده محاكمة وقتل إستفانوس أحد تلاميذ المسيح u ( و كان ذلك حوالي عام 37 م )
    وقد كان يهودياً معادياً للنصرانية، بل كان يشارك في تعذيب النصارى الأوائل؛ ويذكر سفر الأعمال أيضا تنصر بولس المفاجئ و انقلابه دون مقدمات تقدمت لهذا الإنتقال.
    وبعد ذلك مكث بولس بدمشق ثلاثة أيام غادرها بعدها الى العربية، وعندما عاد إلى دمشق ليكرز باسم المسيح حاول اليهود قتله على حسب القصة الواردة في سفر أعمال الرسل، فهرب إلى أورشليم ( القدس ) وحاول أن يرافق الحواريين في كرازتهم ( حوالي عام 40 م ) غير أنهم أوجسوا منه خيفه لماضيه، فما كانوا يصدقون أنه قد تنصر، فأخذه برنابا وقربه منهم حتى خرجوا جميعا يكرزون بديانتهم في انحاء البلدة . و يحكي السفر أيضا أنه كان يباحث اليونانيين و يجادلهم حتى أجمعوا أن يقتلوه، فهرب الى قيصرية بساحل فلسطين و منها الى طرسوس .

    و بعد ذلك وقع اختيار الروح القدس – بحسب رواية سفر الأعمال – على بولس و برنابا للكرازة بين الأمم، فذهبا الى قبرص ثم أنطاكية، ثم إلى سوريا، ثم عادا الى انطاكية فحدثت بينهما مشاجرة أدت الى افتراقهما بسبب اصرار برنابا على اصطحاب يوحنا ( مرقس ) معهما في حين يرى بولس غير ذلك.

    و بعدها خرج بولس في رحلة تبشيرية ( عام 55 م ) شملت فيلبي وبيرية وتسالونيكي وأثينا وكورنثوس من بلاد اليونان، وإفسوس من أسيا الصغرى بعدها عاد الى أورشليم. وكان خلال رحلته ينشئ الكنائس ويكتب الرسائل ويلقي الخطب والمواعظ، وقد سجن في فيلبي وخرج من السجن – كما يذكر سفر الأعمال - أثر حدوث زلزلة فهدمت الحوائط و فتحت الأبواب و فكت القيود.

    و بعد عودته إلى أورشليم ( عام 57 م ) قبض عليه و وقف أمام محاكمة بتهمة أنه قد أدخل بعض اليونانيين إلى الهيكل، و قد دافع عن نفسه دفاعا مستميتا ثم في النهاية ذكر لهم هويته الرومانية حتى ينجو بنفسه من عقوبة الجلد.

    و يقص سفر الأعمال بعد ذلك أنه عندما تآمر اليهود على قتله تم ترحيله الى فيلكس في قيصرية حيث قُبض عليه و سُجن هناك لفترة ( عام 58 م )، و لما حاروا في أمره أجمعوا على رفع دعواه الى القيصر في روما، وسافروا به مع بعض الأسرى بالبحر فهبت عليهم ريح عاتية أدت الى تحطم السفينة ونجا بعضهم وذهبوا به الى جزيرة مالطة، و بعد ثلاثة أشهر أقلعوا على ظهر سفينة سَكَندريّة الى روما حيث كان بولس يعظ و هو تحت الحراسة! و كان ذلك - على ما تجمع أغلب المصادر – في عام 64م، ثم مـات مقتولا في روما بسبب اضطهادات الإمبراطور نيرون عام 65 أو 66م .
    ([14]) هذا على الأرجح، وقد ذهب آخرون إلى أن اليهود قتلوه حين طرحوه من جناح الهيكل ورموه بالحجارة سنة 62م .
    ([15])ابن أبي حاتم، عن عِكْرِمة.
    ([16]) هذا استطراد ضروري للرد على شبهة حرق المسلمين لمكتبة الإسكندرية، وهي مما يشيعه المبشرون والمستشرقون.
    ([17])حضارة العرب: 208.
    ([18])فتح العرب لمصر: 303 – 307.
    ([19])اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية:9/ 275 .
    ([20]) المعلومات المنقولة هنا عن الخلاف بين الكاثوليك والبروتستنت في اعتبار هذ الأسفار مستفادة من مقال منقول من موقع كنيسة السيدة العذراء مريم بدرياس.
    ([21]) طوبيا كلمة عبرية تتكون من مقطعين (طوب ياه) ومعناها ( الله . طيب )، وقد وردت هذه الكلمة في الكتاب المقدس اسما لأكثر من شخص:
    منهم لاوى الذي أرسله يهو شافاط ملك يهوذا مع آخرين من اللاويين إلى الشعب في مدن يهوذا، لكي يعلموه سفر شريعة الرب ( 2 أخ 17: 8 )
    ومنهم عبد عموني الذي ساءه بناء وترميم أسوار مدينة أورشليم، فتآمر مع مجموعة من العرب والعمونيين ولأشدوديين المناوئين لمحاربة اليهود، ومنعهم من إعادة بناء المدينة من جديد ( نح 2: 10 و4: 3 ,7 ).. وقد روى عن طوبيا العمونى أنه كان رئيساً وحاكماً للعمونيين , وأنة تحالف مع اليهود المقادين لنحميا . وقد تمكن فى غيبة نحميا أن يقيم بعض الوقت فى بعض غرف الهيكل . غير أن نحميا لما عاد لأورشليم , طرده وطهر الموضع الذي كان فيه.
    ومنهم شخص من اليهود كان بنوه ضمن بنى السبى الذى سباه نبوخذ نصر الملك في بابل , فرجعوا إلى أورشليم أيام نحميا مع بابل . غير أنهم لم يستطيعوا إثبات نسبهم أو يبنوا بيوت آبائهم ونسلهم هل هم من إسرائيل أم لا وذلك بسبب فقدهم تواريخ أسر آبائهم ( عز 2:60 ونح 7:62 ) .
    ومنهم شخص يهودى من أهل السبي , أمر الرب زكريا النبي أن يأخذ منه ومن غيرة ذهباً وفضة ليعمل منها تيجاناً توضع على رأس يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم ( راجع زك 6: 10 _ 14 )
    ([22])منهم بوليكارنوس تلميذ يوحنا فى رسالتة لأهل فيلبى ) وإكليمندس الرومانى ( في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس ) وأوريجانوس ( في كتابة الصلاة فصل 11، 14، 32) وإكليمندس الإسكندر (في كتابه المربى 2 فصل 23 و6 فصل 13 ) وديوناسيوس الإسكندرى ( في رسالته العاشرة) والبابا أثناسيوس الرسولى ( في رده على الأريوسيين فصل 11 ) وكبريانوس وباسيليوس وإيرونيموس في كتاباتهم المختلفة .
    ([23])من ذلك ( أتصدق من مالك ولا تحول وجهك عن فقير، وحينئذ فوجه الرب لا يحول عنك .. فإنك تدخر لك ثواباً جميلاً إلى يوم الضرورة .. كل خبزك مع الجياع والمساكين واكس العراة من ثيابك ( طو 4: 7، 10، 17 ) ويقابل ذلك ما ورد في إنجيل لوقا ( بل إذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجدع العرج العمى . فيكون لك الطوبى إذا ليس لهم حتى يكافوك لأنك تكافيء في قيامة الأبرار ) لو 14: 13، 14 .
    ([24])كما أن الكلمة العبرية ( يهودي ) تعنى في العربية ( يهودى ) أي من جنس اليهود، فإن كلمة ( يهوديت ) كلمة عبرية أيضاً تعنى ( يهودية )
    ([25]) انظر الحديث عن هذا السفر، وما يحتوي عليه في الفصول التالية.
    ([26]) استير هي بطله هذا السفر المسمى باسمها في الكتاب المقدس. وإستير كلمه هندية بمعنى ( سيدة صغيرة ) كما أنها أيضاً كلمه فارسية بمعنى ( كوكب ) غير أن إستير كان لها اسم آخر عبراني هو ( هدسة ) ومعناه شجرة الآس ويعنى بها نبات الريحان العطر . وينطق بلغة أهل بلاد اليمن العرب ( هدس )
    وهذا السفر يحكي قصة إستير أو هدسة التي وصفها الكتاب بأنها فتاه يهودية يتيمه، والتي اتخذها مردخاي ( وهو ابن يائير بن شمعى بن قيس رجل يمينى ) لنفسه ابنة ..
    فلما سبى مردخاي من أورشليم مع السبي الذي سبى منيكنيا ملك يهوذا الذي سباه نبوخذ نصر ملك بابل، أخذ مردخاي ابنة عمة معه إلى مدينه ( شوش ) التي كانت عاصمة مملكة فارس . وكانت إستير جملية الصورة وحسنة المنظر، فلما طلب الملك أحشويرس أن يجمعوا له كل الفتيات العذارى الحسنات المنظر ليختار من بينهم واحده تملك مكان ( وشتى ) الملكة السابقة التي احتقرت الملك ولم تطع آمره . أخذت إستير إلى بيت الملك مع باقي الفتيات المختارات . وبالنظر لأنها حسنت في عيني الملك ونالت نعمة من بين يديه، فقد انتخبت ضمن السبع الفتيات المختارات اللواتي نقلن إلى أحسن مكان في بيت النساء.
    ولما بلغت نوبة إستير لتمثل أمام الملك في الشهر العاشر في السنة السابعة لملكه، أحبها الملك أكثر من جميع العذارى، فوضع تاج الملك على رأسها وملكها مكان وشتى ( راجع إستير: 2: 1 _18 ) .
    ([27])وقد سمى هذا العيد ( فوريم ) نسبة إلى ( فورا ) بمعنى قرعة حيث ألقى هامان قرعة ليتأكد من اليوم المناسب لتنفيذ مذبحته . وقد شاع الاحتفال بهذا العيد بطقس معين . فكان عليهم أن يصوموا في اليوم الثالث عشر من آذار. وفي المساء حيث يبدأ أول اليوم الرابع عشر يجتمعون في المجمع . وبعد العبادة المسائية يقرأون سفر إستير . ولما يصلون في قراءتهم لذكر اسم ( هامان ) كان كل جمهور المصلين يصرخون قائلين ( ليمحى اسم ذلك الشرير ) . وفي اليوم التالي كانوا يعودون ثانية إلى المجمع لإتمام فرائض عبادة العيد. ثم يصرفون النهار بالفرح والبهجة وتقديم الهدايا.انظر: قاموس الكتاب المقدس طبعة بيروت 1964 تحت كلمة فوريم ص699 .
    ([28]) مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين _ طبعة بيروت 1937 ص 303 و 305 .
    ([29]) تتلخص الأسباب التي من أجلها لم يعترف البروتستانت بهذه الأسفار بل حذفوها من الكتاب المقدس في الآتي:
    1. أن هذه الأسفار لم تدخل ضمن أسفار العهد القديم التي جمعها عزرا الكاهن لما جمع أسفار التوراة سنة 534 ق.م.
    2. أنها لم ترد ضمن قائمة الأسفار القانونية للتوراة التي أوردها ( يوسيفوس ) المؤرخ اليهودي في كتابه.
    3. أن لفظة ( أبو كريفا ) التي أطلقت على هذه الأسفار , وهى تعنى الأسفار المدسوسة والمشكوك فيها , كان أول من استعملها هو ( ماليتون ) أسقف مدينه سادوس في القرن الثاني الميلادي .. وهذا يدل على أن الشك في هذه الأسفار قديم.
    4. أن بعض الآباء اللاهوتيين القدامى والمشهود لهم ـ وخصوا منهم أورجانيوس وإيرونيموس ـ لم يضمنوا هذه الأسفار في قوائم الأسفار القانونية للعهد القديم .بل إن إيرونيموس الذي كتب مقدمات لأغلب أسفار التوراة وضع هذه الأسفار المحذوفة في مكان خاص بها باعتبارها مدسوسة ومشكوك في صحتها.
    5. أن اليهود لم يعترفوا بهذه الأسفار خاصة وأنها ـ في الغالب ـ كتبت في وقت متأخر بعد عزرا فضلاً عن أن هناك أمور تحمل على الظن أن هذه الأسفار كتبت أساساً باللغة اليونانية التي لم يكن يعرفها اليهود .
    6. أن هذه الأسفار لا ترتفع إلى المستوى الروحي لباقي أسفار التوراة، ولذا فلا يمكن القول أنة موحى بها.
    ([30])الإنجيل والصليب صفحة 14.
    ([31]) مما يدل على هذا أن علماء الآثار يكشتفون كل مرة مخطوطات جديدة من هذه الكتب تختلف عن النسخ المعروفة، ومن ذلك ما ذكرته صحيفة الواشنجتون تايمز THE WASHINGTON TIMES، قد ذكرت فى عددهـا الصادر فى 7 إبريل 2006 مقالا بعنوان Judas stars as 'anti-hero' in gospel By Julia Duin و جاء فى هذا المقال أن الجمعية الجغرافية الدولية National Geographic أزاحت النقاب عن أحد المخطوطات الأثرية أو الأناجيل التى عثر عليهـا فى المنيا فى مصر ويعود تاريخهـا إلى بداية القرن الثالث الميلادى و أطلق على هذا الانجيل إسم إنجيل يهوذا The Gospel of Judas,وقد اعتبر يهوذا من تلاميذ السيد المسيح، ويذكره التاريخ القبطى أنه هو الرجل الذى خان المسيح.
    و قد تم ترميم هذا الإنجيل بعد العثور عليه منذ أكثر من عشر سنوات وتمت ترجمته من اللغة القبطية إلى اللغة الانجليزية فى نهاية عام 2005 وأفرج عن هذه الترجمة فى 6 إبريل 2006 وأصبح هذا الإنجيل يباع فى الأسواق، وقد سجل الإنجيل قبل نهايته أي قبل انتهـاء بعثة المسيح مباشرة هذا النص كما تذكره الصحيفة المشار إليهـا فى مقالهـا المذكور:
    Near the end of the Judas gospel, Jesus tells Judas he will "exceed" the rest of the disciples "for you will sacrifice the man that clothes me."
    ومعنى هذا النص أن المسيح يخاطب يهوذا فى نهاية الإنجيل المنسوب إليه ويقول له أنه (أى يهوذا) سوف يختلف عن باقى الحواريين "exceed" the rest of the disciples وأنه سوف يكون الرجل ( the man ) الذي يضحى به كشبيه لى ( يلبسنى = clothes me)
    ونقف ونتأمل كلمة يلبسني الذي عجز المترجم أن يكتبهـا كما جاءت فى آيات القرآن "شبه لهم"
    وهذا يؤكد ما ورد في القرآن من أن المسيح لم يصلب، كما قال ':) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء:157)
    وإنما الشخص الذي صلب هو يهوذا ـ على حسب ما يقول كثير من العلماء ـ وإذا كان المسيحيون قد ادعوا أن إنجيل برنابا تم تأليفه بعد بعثة الرسول، فإن هذا المخطوط يؤكد قدمه من الكربون وأوراق البردي أنه مكتوب قبل القرن الثالث الميلادي، بحسب أقوال الصحيفة المشار إليهـا .. بمعنى قبل بعثة الرسول بثلاثة قرون.
    انظر: صحيفة وشنطن تايمز على الرابط التالي:
    http://www.washtimes.com/national/20060407-120642-3758r.htm
    ([32]) انظر المراجع التي تحدثت عن مجمع نيقيه: ككتاب تاريخ الأمة القبطية، وكتاب ابن البطريق ( نُظُم الجوهر ) الذي ألفه وحكى فيه تاريخ المجامع، وهو مسيحي طبعاً، وكتاب الروح القدس في محكمة التاريخ، للمؤلف روبرت كيل تسلر.
    ([33]) وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ص 408.
    ([34])من ذلك على سبيل المثال:
    حزقيال:23عدد43:« فقلت عن البالية في الزنى الآن يزنون زنى معها وهي****»
    مزمور137 عدد 5: أن نسيتك يا أورشليم تنسى يميني******
    الملوك(2) 5 عدد6: فأتى بالكتاب إلى ملك إسرائيل يقول فيه******!!!، فالآن عند وصول هذا الكتاب إليك هو ذا قد أرسلت إليك نعمان عبدي، فاشفه من برصه"
    زكريا6 عدد15: والبعيدون يأتون ويبنون في هيكل الرب فتعلمون ان رب الجنود ارسلني اليكم.ويكون اذا سمعتم سمعا صوت الرب الهكم****
    نشيد 7عدد9: حنكك كأجود الخمر-------- لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين .
    إرميا 23عدد9: في الانبياء------------- انسحق قلبي في وسطي.ارتخت كل عظامي.صرت كانسان سكران ومثل رجل غلبته الخمر من اجل الرب ومن اجل كلام قدسه.
    أمثال 24عدد 23: هذه أيضا للحكماء------ محاباة الوجوه في الحكم ليست صالحة.
    حبقوق 1 عدد 1:الوحي الذي رآه حبقوق النبي ــــــــــــ
    وهنا يبدوا أن الوحي الذي رآه حبقوق النبي كان وحيا عظيماً جداً وسريا، لذلك وضعوا مكانه خطا.
    أيوب31 عدد37: كنت اخبره بعدد خطواتي وادنو منه كشريف ـــــ
    أخبار4 عدد17: وبنو عزرة يثر ومرد وعافر ويالون******وحبلت بمريم وشماي ويشبح ابي اشتموع.
    ميخا6 عدد 5: يا شعبي اذكر بماذا تآمر بالاق ملك موآب وبماذا اجابه بلعام بن بعور ــــــــ من شطّيم الى الجلجال ـــــــ لكي تعرف اجادة الرب .
    1صموائيل12 عدد14: ان اتقيتم الرب وعبدتموه وسمعتم صوته ولم تعصوا قول الرب وكنتم انتم والملك ايضا الذي يملك عليكم وراء الرب الهكم*****
    2صموائيل5 عدد8: وقال داود في ذلك اليوم ان الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ الى القناة والعرج والعمي المبغضين من نفس داود*****لذلك يقولون لا يدخل البيت اعمى او اعرج.
    2ملوك10 عدد 1: وكان لاخآب سبعون ابنا في السامرة.فكتب ياهو رسائل وارسلها الى السامرة الى رؤساء يزرعيل الشيوخ والى مربّي اخآب قائلا: ******فالآن عند وصول هذه الرسالة اليكم اذ عندكم بنو سيدكم وعندكم مركبات وخيل ومدينة محصنة وسلاح .
    هذا في الرسالة الأولى تم إقتطاع الكلام الوارد فيها ووضعوا مكانه نجوم كما ترى أما الرسالة الثانية فلا يوجد نجوم، كما في ملوك(2)10 عدد 6: فكتب اليهم رسالة ثانية قائلا ان كنتم لي وسمعتم لقولي فخذوا رؤوس الرجال بني سيدكم وتعالوا اليّ في نحو هذا الوقت غدا الى يزرعيل.وبنو الملك سبعون رجلا كانوا مع عظماء المدينة الذين ربّوهم.
    1أخبار4 عدد 17: وبنو عزرة يثر ومرد وعافر ويالون******وحبلت بمريم وشماي ويشبح ابي اشتموع.
    عزرا1 عدد3: من منكم من كل شعبه****ليكن الهه معه ويصعد الى اورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب اله اسرائيل.هو الاله.الذي في اورشليم.
    حزقيال39 عدد15: فيعبر العابرون في الارض واذا راى احد عظم انسان يبني بجانبه صوّة حتى يقبره القابرون في وادي جمهور جوج ـــــــــــ
    حزقيال39 عدد16: وايضا اسم المدينة همونة ــــــــــــ فيطهّرون الارض
    حزقيال41 عدد16: العتبات والكوى المشبكة والاساطين حوالي الطبقات الثلاث مقابل العتبة من الواح خشب من كل جانب ومن الارض الى الكوى ــــــ والكوى مغطاة ـــــــ
    والكوة مغطاة غير موجودة في النسخة العبرية.
    ([35]) لا يزال في التوراة الحالية النصوص الدالة على هذا الحكم، ففي (تثنيه:22/22 ـ 25):« اذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة.فتنزع الشر من اسرائيل اذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من اجل انها لم تصرخ في المدينة والرجل من اجل انه اذل امرأة صاحبه فتنزع الشر من وسطك ولكن ان وجد الرجل الفتاة المخطوبة في الحقل وامسكها الرجل واضطجع معها يموت الرجل الذي اضطجع معها وحده »
    وفي اللاويين أمر بقتل الزانية والزاني، جاء في (اللاويين:20 /10-11):« وإذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبه فانه يقتل الزاني والزانية وإذا اضطجع رجل مع امرأة ابيه فقد كشف عورة ابيه.انهما يقتلان كلاهما.دمهما عليهما »
    وفي (لاويين: 20/13 ـ 14):« وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجسا.انهما يقتلان.دمهما عليهما وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة.بالنار يحرقونه وإياهما لكي لا يكون رذيلة بينكم »
    إلى غير ذلك من المواضع التي تأمر برجم الزاني والزانية أو قتلهما أو حرقهما .. ولكن هذا الحد نسخعند المسيحيين، وهم يستدلون لذلك بما في (يوحنا 8 عدد 4-7):« قالوا له يا معلّم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم.فماذا تقول انت. قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه.واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض. ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر »
    وهذا سوء فهم لما قاله المسيح، فالمسيح قد نص على أنه لم يأت لنسخ شريعة موسى، كما في (متى: 5 / 17 ـ 19):« لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات.واما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات »
    ([36])رواه أحمد، وأبو داود -وهذا لفظه-وابن جرير.
    ([37]) سنعرض الحديث عن هذه الشبهة عند ذكرنا لحفظ القرآن الكريم.
    ([38]) يقدم البروتستانت النسخة العبرية على ما سواها، ويعتبرون أنها الأصل المعول عليه مع أنه قد ثبت أن كتبة الأناجيل يقتبسون كلمات ونصوص من اليونانية لا توجد في العبرية.
    ([39]) أشير بهذا إلى نكتة منتشرة عندنا، وهي أن بعض محبي العربية ممن يزعم أن مصدر كل العلوم والآداب هم العرب، اعتبر شكسبير عربيا، وأن أصل اسمه ( شيخ زبير ) لكن التحريف طال اسمه كما طال اسم ابن سينا وغيره من علماء المسلمين.
    ([40]) كما قال ':) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96)
    ([41]) أي: وجاء مع عشرة آلاف فارس.
    ([42])هذا في الكتب المطبوعة .. أما في المواقع التي ينشئونها على الإنترنت، فحدث ولا حرج، ومن ذلك ما جاء في موقع البشارة http://www.albichara.org/، فقد ورد في ترجمة النسخة الكاثوليكية لإنجيل يوحنا الفقرة 4: 21-24 على هذا الموقع تقول:« قالَ لَها يسوع:« صَدِّقيني أَيَّتُها المَرأَة تَأتي ساعةٌ فيها تَعبُدونَ الآب لا في هذا الجَبَل ولا في أُورَشَليم أَنتُم تَعبُدونَ ما لا تَعلَمون ونَحنُ نَعبُدُ ما نَعلَم لِأَنَّ الخَلاصَ يَأتي مِنَ اليَهود ولكِن تَأتي ساعةٌ - وقد حَضَرتِ الآن - فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ فمِثْلَ أُولِئكَ العِبادِ يُريدُ الآب إِنَّ اللهَ رُوح فعَلَى العِبادِ أَن يَعبُدوهُ بِالرُّوحِ والحَقّ »
    وكان فى الترجمة العربية المشتركه:« قالَ لها يَسوعُ:« صدِّقيني يا اَمرَأةُ، يَحينُ وقتٌ يَعبُدُ النّـاسُ فيهِ الآبَ، لا في هذا الجبَلِ ولا في أُورُشليمَ وأنتُم السّامِريّـينَ تَعبُدونَ مَنْ تَجهَلونَهُ، ونَحنُ اليَهودَ نَعبُدُ مَنْ نَعرِفُ، لأنَّ الخلاصَ يَجيءُ مِنَ اليَهودِ ولكِنْ ستَجيءُ ساعَةٌ، بل جاءَتِ الآنَ، يَعبُدُ فيها العابِدونَ الصادِقونَ الآبَ بالرُّوحِ والحَقِّ »
    حيث نلاحظ أن كلمة السامريين واليهود ليست موجودة في النسخة الأصلية.
    ([43])صحيح البخاري برقم (4479).
    ([44]) سنذكر الأدلة الكثيرة على هذا في الفصول التالية.
    ([45])سنرد هنا على دعوى جواز نسيان النبي r القرآن الكريم.
    ([46]) رواه البخاري ومسلم.
    ([47]) ذكر العلماء في توجيه هذا قولين، هما:
    القول الأول: أن الاستثناء صوريٌّ لا حقيقيٌّ، فهو للتبرك، وليس هناك شيءٌ استُثني، قال الفراء:« لم يشأ أن ينسى شيئًا، وهو كقوله ':) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (هود:107)، ولا يشاء، وأنت قائل في الكلام: لأعطينَّك كل ما سألتَ إلا ما شئتُ، وإلا أن أشاءَ أن أمنعك، والنية ألا تمنعه، وعلى هذا مجاري الأيمان، يُستثنى فيها، ونية الحالف التمام.( انظر: معاني القرآن للفراء: 3/256)
    والحكمة عند القائلين بهذا هي أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبي r القرآن هو محض فضل الله وإحسانه، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه، وفي ذلك إشعارٌ للنبي r أنه دائمًا مغمور بنعمة الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن نبيهم مع ما خُصَّ به من العطايا والخصائص لم يخرج عن دائرة العبودية، فلا يُفْتَنُون به كما فُتِنَ النصارى بالْمسيح u (انظر: مناهل العرفان (1/267-268)
    القول الثاني: أن الاستثناء حقيقي، وأن الْمراد به منسوخ التلاوة فيكون الْمعنى أن الله تعالى وعد بأن لا ينسى نبيه r ما يقرؤه، إلا ما شاء - سبحانه - أن ينسيه إياه بأن نسخ تلاوته لحكمة، أو على أن الْمراد به الترك، أو ما يعرض للإنسان بحكم الجبلة البشرية، أو لأجل تعليم الناس وتبيين السنة لهم.
    القول الثالث: النسيان في هذا الْموضع يعني الترك، ومعنى الكلام بهذا هو ( سنقرئك يا محمد، فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به مِمَّا ننسخه ) ( انظر: تفسير الطبري (30/154)، وفتح القدير (5/422)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/702)
    وكل ما ذكروه يمكن قبوله غير ما يسمى بالنسخ، فلا يمكن قبوله، ولنا على هذا القول ردود تجدها في محالها مفصلة في هذه السلسلة.
    ([48]) مناهل العرفان (1/266).
    ([49]) ابن كثير: 8/278.
    ([50])رواه مسلم.
    ([51]) رواه البخاري.
    ([52]) رواه ابن ماجة.
    ([53])الإهاب، ككِتَابٍ: الجِلْد. القاموس الْمحيط ( أهب ) ص 77.
    ([54]) أحمد والدارمي، قال ابن الأثير:« وقيل الْمعنى: مَن علَّمهُ اللهُ القرآنَ لم تحرقْهُ نارُ الآخرةِ، فجُعِلَ جسمُ حافظ القرآن كالإهاب له » النهاية في غريب الحديث والأثر (1/83).
    ([55])رواه ابن ماجه، ورواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ وَحَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ.
    ([56])أبو داود في كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن (2/70)ح: 1453 وأحمد في مسنده: مسند الْمكيين (4/466) ح 15218.
    ([57])رواه ابن ماجه .
    ([58])هنا الرد على شبهة عدم حفظ الصحابة للقرآن، وبالتالي الطعن في تواتر القرآن.
    ([59]) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
    ([60]) رواه البخاري، ومسلم.
    ([61]) رواه البخاري ومسلم.
    ([62]) رواه البخاري.
    ([63]) شرح النووي على صحيح مسلم (16/20)، وفتح الباري (8/668)، والإتقان (1/200).
    ([64]) الرد على شبهة (دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط دون غيرهم )، وقد أجاب العلماء على هذه الشبهة بأن هؤلاء الثمانية هم الذين نقل إلينا قراءتهم، ولا ينفي ذلك إقراء غيرهم، ومعرفتهم بقراءة هؤلاء، وإقرارهم عليها، كما أن تواتر القرآن يختلف عن تواتر الحديث، فعند علماء الحديث من أقسام الْمتواتر: تواتر الطبقة، ومثلوا له بتواتر القرآن، فقد تلقاه جيل عن جيلٍ، فهو لا يحتاج إلى إسناد.( انظر: تعليقات اليماني على نزهة النظر ص 22)
    ([65]) رواه مسلم.
    ([66])العسب جمع عسيب، وهو جريد النخل، كانوا يكشطون الخوص، ويكتبون في الطرف العريض، وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف.النهاية في غريب الحديث (3/234)، ولسان العرب مادة (عسب) (4/2936).
    ([67])اللخاف جمع لَخْفة، وهي صفائح الحجارة البيض الرقاق، فيها عرض ودقة، وقيل هي الخزف يصنع من الطين الْمشوي.وقد فسرها بعض الرواه بالحجارة. انظر كتاب الْمصاحف لابن أبي داود ص 13،14، وبعضهم بالخزف. انظر فتح الباري (13/195) ح 7191.
    ([68])الرقاع جمع رُقْعة، وهي التي يكتب فيها، وتكون من جلد أو كاغد. لسان العرب مادة (رقع) (3/1705).
    ([69])الأقتاب جمع قَتَب بفتحتين، وهو الخشب الذي يوضع ظهر البعير ليركب عليه. فتح الباري (8/630).
    ([70])الأكتاف جمع كَتِف، وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدوابِّ، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم. النهاية في غريب الحديث (4/150).
    ([71])الأضلاع هي عظام الجنبين، جمع ضِلَعٍ، وهو محنيَّة الجنب. لسان العرب مادة (ضلع) (4/2598).
    ([72])الألواح جمع لَوْح، وهو كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب، والكتف إذا كتب عليها سميت لوحًا. لسان العرب مادة (لوح) (5/4095).
    ([73])الأديم هو الجلد ما كان، وقيل الأحمر منه، وقيل هو الْمدبوغ. لسان العرب مادة (أدم) (1/45).
    ([74])الكرانيف جمع كُرْنافة، وهي أصل السَّعَفة الغليظة. النهاية في غريب الحديث (4/168).
    ([75]) البخاري.
    ([76]) البخاري.
    ([77]) أحمد وأبو داود والترمذي.
    ([78]) البخاري ومسلم وأبو داود.
    ([79])رواه أحمد في مسنده: مسند الشاميين (5/254) ح 17459.
    ([80])رواه أحمد في مسنده (1/92)ح 401، (1/111) ح 501، وأبو داود (1/208-209)ح 786، والترمذي (5/272) ح 3086.
    ([81])رواه البخاري (8/51) ح 4541، ومسلم (11/5)ح 1580.
    ([82])رواه أحمد (6/188) ح 20837، 20838، و(6/229) ح 21054.
    ([83])رواه الدارمي في سننه (2/450)ح 3390.
    ([84])مسلم (6/92-93) ح 809.
    ([85])هو حديث حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ? ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً… الحديث رواه مسلم (6/61) ح 772، وأبو داود (1/230) ح871.
    ([86])النسائي (2/169-170) ح 989-990-991.
    ([87])ابن ماجه (1/269) ح 820.
    ([88]) تقع جهة نجد، وكانت مع مسيلمة الكذاب الذى ادعى النبوة، وقد قتل في هذه الوقعة وابتدأت غزوتها في اواخر عام الحادي عشر وانتهت في ربيع الاول عام الثاني عشر للهجرة وفيها قتل من القراء سبعون قارئا من الصحابة وقيل سبعمائة وقد قتل منهم مثل هذا العدد في بئر معونة قرب المدينة في عهد النبي r.
    ([89])وهي قوله ':) )لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)
    ([90]) مما ذكر في السبب الذي أودعت فيه الصحف عند حفصة ولم تودع عند الخليفة الجديد الذى ولى أمر المسلمين، وهو عثمان بن عفان أنها كانت تحفظ القرآن كله في صدرها، وكانت تقرأ وتكتب، وهى زوجة رسول الله r، وأنه لم يتعين خليفة حين وفاة عمر حتي تسلم إليه، لأن عمر لم يوص بالخلافة إلى أحد وانما جعلها شورى في بضعة اشخاص .. فلهذه الاعتبارات حفظ المصحف في بيت حفصة، رضى الله عنها.
    ([91]) البخاري.
    ([92])من المزايا التي ذكرها العلماء لجمع القرآن في عهد أبي بكر:
    1. أنه جمع القرآن على أدقِّ وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي.
    2. حصول إجماع الأمة على قبوله، ورضى جميع المسلمين به.
    3. بلوغ ما جُمِع في هذا الجمع حدّ التواتر، إذ حضره وشهد عليه ما يزيد على عدد التواتر من الصحابة.
    4. أنه اقتصر في جمع القرآن على ما ثبت قرآنيته من الأحرف السبعة، بثبوت عرضه في العرضة الأخيرة، فكان شاملاً لما بقي من الأحرف السبعة.
    5. أنه كان مرتب الآيات دون السور. انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن (1/253).
    ([93])البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).
    ([94])الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/212-213)
    ([95])رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ص 18.
    ([96])رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 28-29.
    ([97]) لعله يشير بذلك إلى قوله r:« نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، عَلَى أَيِّ حَرْفٍ قَرَأْتُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ، فَلاَ تَتَمَارَوْا فِيهِ فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ » رواه أحمد في مسنده: مسند الشاميين (5/232) ح17364.
    ([98])رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30. قال الحافظ ابن حجر: بإسناد صحيح. فتح الباري (8/634).
    ([99])رواه البخاري (8/626) ح 4987.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ الحفظ

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:34

    ([100])رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30. وقال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري (8/634)
    ([101])رواه الداني في المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19، ولفظه: ولم ينكر ذلك منهم أحدٌ.
    ([102])رواه البخاري (8/626) ح 4987، ومن الأسباب التي ذكرها العلماء لترك عثمان الصحف التي كان كتبها أبو بكر، لأنه كان قد وعد حفصة -رضي الله عنها- أن يردَّها إليها، كما في الحديث المذكور آنفًا، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ.
    وعند ابن أبي داود من طريق ابن شهاب عن سالم قال: فأرسل إليها عثمان، فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليَرُدَّنَّها إليها، فبعثت بِها إليه. رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب جمع أبي بكر الصديق القرآن ص 16، وعند الطحاوي: وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّ الصَّحِيفَةَ إلَيْهَا. تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ? مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193).
    ويحتمل أنه أبقاها أيضًا لاحتمال الرجوع إليها؛ لأنَّها كانت أصلاً لمصاحفه، وانعقد عليها إجماع الصحابة، وأما غيرها، فقد تكون مخالفةً لمصاحفه؛ فتكون سببًا للاختلاف.
    ([103])ونص ما ورد هو: عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قرأ قوله ':) وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(آل عمران: من الآية161)، ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ r بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ r أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ? فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ يَعِيبُهُ. رواه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (16/16) ح 2462، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 23.
    ([104])مناهل العرفان (1/283)
    ([105])انظر: مناهل العرفان (1/275).
    ([106])قال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع هذا اللفظ مبهمًا، وكأن بعض الرواة أبْهمه استعظامًا له، وأظن ذلك سفيان، فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبْهام. فتح الباري (8/615).
    ([107])رواه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة (قل أعوذ برب الناس) (8/614) ح 4977.
    ([108])رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20682.
    ([109])رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20683.
    ([110])رواه عبد بن حميد في مسنده، انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9)، وفتح القدير للشوكاني (1/62)، ورواه أبو بكر الأنباري، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81)
    ([111])رواه عبد بن حميد في مسنده، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، انظر فتح القدير (1/62).
    ([112])رواه ابن ماجه في سننه كتاب المقدمة، باب فضل عبد الله بن مسعود (1/49) ح 138، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة المصاحف حفظًا ص 152-153.
    ([113])انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 47-49، ومناهل العرفان (1/276).
    ([114])انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9).
    ([115])رواه أحمد في مسنده، مسند الشاميين (5/137) ح 16848.
    ([116])رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب فضل قراءة المعوذتين (6/96) ح 814.
    ([117])نكت الانتصار لنقل القرآن ص 90.
    ([118])المحلى (1/13).
    ([119])المحلى (1/13).
    ([120])انظر المحلى (1/13)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 90-91، والفصل في الملل والأهواء و النحل (2/212).
    ([121])رواه ابن أبي شيبة في المصنف، باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/106) ح 7030.
    ([122])رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن (1/184).
    ([123])رواه ابن الضريس، انظر الإتقان في علوم القرآن (1/185).
    ([124])أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، باب دعاء القنوت (2/211)، وابن أبي شيبة في المصنف باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/106) ح 7031، وفيه أيضًا عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن عليًّا ? قنت في الفجر بِهاتين السورتين، فذكرهما، ح 7029.
    ([125])انظر: نكت الانتصار لنقل القرآن ص 80.
    ([126])نكت الانتصار لنقل القرآن ص 80، مناهل العرفان (1/271)، وتأويل مشكل القرآن ص 47، والبرهان في علوم القرآن (1/251).
    ([127])نكت الانتصار لنقل القرآن ص 81.
    ([128])رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن الأنباري في كتاب الردِّ على من خالف عثمان وابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/269-270)، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف، عن يحيى ابن يعمر وقتادة وعكرمة. ص 41-42.
    ([129])نص الآية:) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة:69)
    ([130])نص الآية:)لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:162)
    ([131])نص الآية:)وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون:10)
    ([132])نص الآية:)قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) (طـه:63)
    ([133])ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 42، ورواه ابن الأنباري أيضًا، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/270).
    ([134]) فقد رواه قتادة عن عثمان مرسلاً، ورواه نصر بن عاصم عنه مسندًا، ولكن فيه عبد الله بن فطيمة، وهو مجهول، لا يُقبل خبره. انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، والإتقان في علوم القرآن (2/270).
    ([135]) نص الآية:) )فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق:17)
    ([136])رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271).
    ([137])انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).

    ([138])انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).

    ([139])وبِهذا الجواب جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر: نكت الانتصار لنق القرآن ص 128-129، والإتقان في علوم القرآن (2/270)، وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 51.
    ([140]) كابن خلدون، وابن تيمية، والقاضي أبي بكر .. بل ذهب عز الدين بن عبد السلام إلى تحريم الكتابة على الرسم العثماني الأول، ووجوب كتابة القرآن على الاصطلاحات المعروفة عند عامة الناس.
    قال الزركشي بعد ذكر قول الإمام أحمد في تحريم مخالفة مصحف عثمان: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم غضٌّ حيٌّ، وأما الآن، فقد يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة؛ لئلا يوقع في تغيير الجهال.( البرهان في علوم القرآن (1/379)، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9)
    وقال البنا الدمياطي: وهذا كما قال بعضهم: لا ينبغي إجراؤه على إطلاقه؛ لئلا يؤدي إلى درس العلم، ولا يترك شيء قد أحكمه السلف مراعاة لجهل الجاهلين، لا سيما، وهو أحد الأركان التي عليها مدار القراءات.
    ([141]) وقد استدل القائلون بهذا بما يلي:
    1. أن الرسوم والخطوط ما هي إلا علامات وأمارات، فكل رسمٍ يدل على الكلمة، ويفيد وجه قراءتِها، فهو رسم صحيح.
    2. أن كتابة المصحف على الرسم العثماني قد توقع الناس في الحيرة والخطأ، والمشقة والحرج، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة.
    3. أنه ليس في الكتاب العزيز، ولا السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في قياس شرعي ما يدل على وجوب كتابة المصحف برسم معين، وكيفية مخصوصة، ولَم يروَ عن الرَّسُول ? أنه أمر أحدًا من كتاب الوحي حين كتابة الآيات القرآنية أن يكتبها برسم خاصٍّ، ولا نَهى أحدًا أن يكتبها بِهيئة معينة.
    ([142])نكت الانتصار لنقل القرآن ص 129، وانظر: الإبريز ص 99-101، ومناهل العرفان (1/380-381).
    ([143])رواه الطبري في تفسيره (6/25)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 43.
    ([144])تفسير البحر المحيط (3/411).
    ([145]) أي كتاب سيبويه.
    ([146])الكشاف (1/590)، وانظر تفسير البحر المحيط (3/411-412).
    ([147])مناهل العرفان (1/393).
    ([148])انظر المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 121-122.
    ([149])رواه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار (7/138) ح 24120، (7/208) 24591، وفيه أبو خلف مولى بني جُمَحٍ، وهو مجهول. انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/366).
    ([150]) يقصد قوله ':) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور:27)
    ([151])رواه الطبري في تفسيره (18/109-110)
    ([152])تفسير البحر المحيط (6/410)
    ([153])رواه الطبري في تفسيره (18/110).
    ([154]) يقصد قوله ':) أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً )(الرعد: من الآية31)
    ([155])أخرجه ابن الأنباري، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/275)، ورواه الطبري أيضًا في التفسير (13/154) بنحوه.
    ([156])قال أبو حيان:« وأما قول من قال: إنَّما كتبه الكاتب وهو ناعسٌ، فسوَّى أسنان السين، فقول زنديقٍ ملحدٍ » انظر: تفسير البحر المحيط (5/383-384)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
    ([157])رواه سعيد بن منصور، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/275)، وروى نحوه الطبري في التفسير عن الضحاك بن مزاحم (15/63).
    ([158])مناهل العرفان (1/391).
    ([159])تفسير البحر المحيط (6/23).
    ([160])يقصد قوله ':) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (الانبياء:48)
    ([161])يقصد قوله ':) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)
    ([162])رواه سعيد بن منصور وغيره، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276)،
    ([163])انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
    ([164])أخرجه ابن أشتة وابن أبي حاتم، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
    ([165])تفسير البحر المحيط (5/383-384).
    ([166])مناهل العرفان (1/264).
    ([167])وقد قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف بحذف الهاء في الوصل، ولا خلاف في إثباتها وقفًا لثبوتها في الخط. انظر النشر في القراءات العشر (2/142)، وإتحاف فضلاء البشر ص 163.
    ([168])ولم يقرأ أحدٌ من القراء (شريعة) بالياء، ولو شاذًّا.
    ([169])وقد قرأها أبو جعفر وابن عامر ) يَنْشُرُكُمْ ( من النشر، قال ابن الجزري: وكذلك هي في مصاحف أهل الشام وغيرها، وقرأ بقية القراء ) يُسَيِّرُكُمْ ( من التسيير، قال ابن الجزري: وكذلك هي في مصاحفهم، وكذلك روى أبو عمرو الداني في المقنع، في باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام. والذي يظهر أنه لا فرق في الخط بين القراءتين، ففيها أربع أسنان، فتكون عند أبي جعفر وابن عامر واحدة للنون وثلاث للشين، وعند الباقين ثلاث للسين وواحدة للياء. انظر النشر في القراءات العشر (2/282)
    ([170]) في مصحف أبي بن كعب ( أنا آتيكم بتأويله)، وهي قراءة شاذة، وقد قرأ بها الحسن. انظر تفسير البحر المحيط (5/314)
    ([171]) يقصد من الآية 85، ومن الآية 87، ومن الآية 89. من سورة المؤمنون، وقد اتفق القراء على قراءة الموضع الأول (لله) بغير ألف؛ لأن قبله:) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:84)، فجاء الجواب على لفظ السؤال، وقرأ أبو عمرو ويعقوب البصريان في الموضعين الأخيرين (الله) بالألف، وهكذا رسما في المصاحف البصرية، نص على ذلك الحافظ أبو عمرو، وقرأ باقي القراء (لله) بغير ألف، وكذا رسما في مصاحف الشام والعراق. انظر النشر في القراءات العشر (2/329) .. وبذلك يعلم أنه لم يحصل تغيير في هذه الآيات.
    ([172])وقرأ ابن مسعود وابن عباس والأعمش (معايشهم)، وهي قراءة شاذة. انظر تفسير البحر المحيط (8/14)
    ([173]) ذكر فيها أبو حيان قراءة شاذة (ياسن) بالياء، ولم ينسبها لأحد. انظر تفسير البحر المحيط (8/79)
    ([174])وقد قرأ أبو عمرو وابن كثير بالظاء المشالة، وقرأ الباقون بالضاد، ولا فرق بينهما في الرسم، إذ لا مخالفة بين الضاد والظاء إلا تطويل رأس الظاء على الضاد، وهي في جميع المصاحف العثمانية بالضاد، وفي مصحف ابن مسعود بالظاء. انظر النشر في القراءات العشر (2/398-399)، وإتحاف فضلاء البشر ص 434.
    ([175])رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب ما كتب الحجاج بن يوسف في المصحف ص 59، وباب ما غيَّر الحجاج في مصحف عثمان ص 129.
    ([176])انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 399.
    ([177])مناهل العرفان (1/273-274).
    ([178])المذاهب الإسلامية، ترجمة د. محمد يوسف موسى(ص4).
    ([179])انظر: رسم المصحف للدكتور عبد الفتاح شلبى، مكتبة وهبة.
    ([180]) هذا هو الشرط الأصلي، وما عداه من الشروط مجرد تأكيدات .. فلم يوجد في القرآن المتواتر ما تخلفت فيه سائر الشروط.
    ([181])ومثل ذلك اهتمام العلماء بجمع القراءات الشاذة، فقد جمع ابن جنى القراءات الشاذة، حاصرًا لها، واجتهد أن يقومها تقويمًا أفرغ ما ملك من طاقاته فيه، وأخرجها فى جزءين كبيرين.
    ([182])ومثله آثر جيفرى المبشر الإنجليزى، وجان بيرك الذين أجهدوا أنفسهم فى أن يتخذوا من قراءات القرآن منفذًا للانقضاض عليه، والتشكيك فيه.
    ([183])حياة محمد: تأليف w.MUIR
    ([184]) سنرد هنا على شبهة القول بأن الشيعة يذهبون إلى القول بتحريف القرآن.
    ([185])مع ما لهذه القضية من خطورة إلاّ أننا لا نجد صدى لهذا الاتهام عند من اهتموا بذكر مقولات الفرق المختلفة، فلا نجد هذه التهمة عند الأشعري في (مقالاته)؛ ولا عبد القاهر البغدادي في (أصول الدين)، ولا (الفرق بين الفرق)، ولا عند ابن حزم في (الفصل في الملل والنحل)، ولا الشهرستاني في (الملل والنحل). وهؤلاء هم قمة من أرخوا للفرق الإسلامية وغيرها.
    ومثل ذلك علماء الكلام لا نجد كذلك صدى لهذه القضية في كتاباتهم الكلامية وهم يعرضون لأوجه إعجاز القرآن وحفظه ورعايته من الله تعالى. فيخلو من صدى هذه القضية كتاب (المواقف) لعضد الدين الايجي، و(الإرشاد) لإمام الحرمين الجويني، و(شرح المقاصد) لسعد الدين التفتازاني، و(التمهيد) للباقلاني، و(أصول الدين)للبزدوي.
    ونفس الموقف أيضاً عند المفسرين فمحمد بن جرير الطبري، وجمال الدين الجوزي، القرطبي، وأبو البركات عبدا لله بن أحمد النسفي، وابن كثير، وأبو حيان الأندلسي، وجلال الدين السيوطي، وأبو السعود، والشوكاني، وكل هؤلاء لم يذكر كلمة واحدة حول هذه القضية، لا من قريب ولا من بعيد اللهم إلاّ بعض تلميحات أوردها الفخر الرازي في تفسيره الكبير في هذا الموضوع لا تثبت الاتهام، بقدر ما توضح طريقة الفخر الرازي في رد احتجاج القاضي عبد الجبار على إنكار ما ذهب إليه بعض الإمامية من دخول التحريف في القرآن الكريم، وتبعه في ذلك الآلوسي في (روح المعاني).
    ([186])وقد ذكر الطبرسي في كتاب (الاحتجاج: 1/225-228) الرواية القائلة بهذا، وهي أنه لما توفي رسول الله r جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله r، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت – وكان قارياً للقرآن – فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونُسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذك. ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك.
    فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسّه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟. فقال عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي، يُظهره ويحمل الناس عليه، فتجري ألسنة به.
    وقد ذكر هذه الرواية: الفيض الكاشاني في المقدمة السادسة من تفسيره الصافي 1/43-44، المجلسي في بحار الأنوار 8/463 و92/42، محمد باقر الأبطحي في جامع الأخبار والآثار 1/44-45، الأصفهاني في مكيال المكارم 1/59-60، الحويزي في تفسيره نور الثقلين 5/226، والعاملي في مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار 38، البحراني في الدرر النجفية 298، حبيب الله الخوئي في منهاج البراعة 2/208، عدنان البحراني في مشارق الشموس الدرية 138 وغيرهم من علماء الشيعة.
    ([187])وقد أجاب علماء السنة على ما ورد من هذه النصوص بأنها من المنسوخ تلاوة، قال أبو بكر الرازي: «نسخ الرسم، والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم، ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته، وكتبه في المصحف»(معترك الأقران للسيوطي 1/128)
    وفي روح المعاني: «وإنساؤها إذهابها عن القلوب بأن لا تبقى في الحفظ، وقد وقع هذا »( روح المعاني 1/351).
    ([188]) الإتقان: 3/81.
    ([189])المصدر نفسه 3/81.
    ([190])مسند أحمد 6/269، الايضاح/218، تأويل مختلف الحديث/310.
    ([191])كنز العمال 2/567، الاتقان 2/52 الدر المنثور 1/106.
    ([192])الدر المنثور 5/180.
    ([193])المصدر نفسه 5/192.
    ([194]) انظر: رسالة (حصن الوحدة) وهي رسالة من مجموعة (حصون المستضعفين)من (رسائل السلام) وهي رسالة تبحث في أصول الوحدة الإسلامية، وكيفية تحقيقها، والرد على الشبهات التي تحول بين المسلمين وتحقيق وحدتهم.
    ([195])أوائل المقالات/54، المفيد، مكتبة الداوري، قم.
    ([196])تفسير القرآن الكريم/25، عبدالله شبر، مكتبة النجاح، طهران ط 2.
    ([197])مجمع البيان 1/15.
    ([198])مجمع البيان 1/15.
    ([199])سعد السعود 193، ابن طاووس، قم منشورات الرضي، 1407 هـ.
    ([200])أجوبة المسائل المهناوية/121، الحلي، قم مطبعة الخيام 1401 هـ.
    ([201])التحقيق في نفي التحريف/16، عن الصراط المستقيم 1/45.
    ([202])آلاء الرحمن 1/25 ـ 26.
    ([203])المصدر السابق .
    ([204])البرهان/113 هاشم البحراني، قم ـ إسماعيليان.
    ([205])تفسير الصافي 1/51 ـ 52، الفيض الكاشاني ـ مؤسسة الاعلمي.
    ([206])الفصول المهمة/166.
    ([207])صيانة القرآن من التحريف/55.
    ([208])التحقيق في نفي التحريف/20.
    ([209])التحقيق في نفي التحريف/21.
    ([210])آلاء الرحمن 1/29.
    ([211])اصل الشيعة وأصولها/133.
    ([212])أعيان الشيعة 1/51، محسن الأمين العاملي، دار التعارف.
    ([213])أجوبة مسائل جار الله 28، شرف الدين العاملي، مطبعة النعمان 1386هـ.
    ([214])عقائد الإمامية/85.
    ([215])دراسات قرآنية/168، محمد حسين الصغير، مكتب الاعلام الإسلامي ط 2.
    ([216])التعرف على القرآن الكريم/14.
    ([217])الميزان 12/106.
    ([218])تهذيب الأصول 2/165، السبحاني، طبعة اسلامي، 1363 هـ ش.
    ([219])البيان/259.
    ([220])صيانة القرآن من التحريف/64.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 14:27