أولا ـ الحفظ
في اليوم الأول.. خرجت من البيت أبحث عن مكتبة سمعت عنها كثيرا إبان طلبي العلم.. هي مكتبة خاصة مملوءة بالمخطوطات القيمة، ورثها رجل من أهل الإسكندرية عن أجداده، وقد سمعت أنه رجل لطيف يسمح لكل من قصد مكتبته بالاستفادة منها كما يشاء.. وقد سمعت في نفس الوقت أنه رجل غريب الأطوار.. فلذلك حذرني منه بعضهم قبل رحلتي.
لم أصدق كل ما سمعت.. فذهبت أبحث عن المكتبة حتى وجدتها.
كانت مكتبة رائعة الجمال.. يدل تصنيف الكتب فيها على اهتمام صاحبها بها، وعلى ما له من ثقافة.
كان اسمه المعلق على لافتتها بالبنط العريض يدل على كونه مسيحيا، بل من عائلة عريقة في المسيحية.. وقد كانت المخطوطات التي تمتلئ بها المكتبة دليلا على كون هذه العائلة قد توارثت العلم كابرا عن كابر.
رحب بي صاحب المكتبة شخصيا، وأخبرني باستعداده لدلالتي على أي كتاب أريده، بل دلالتي على الكتب التي أحتاجها، وأنه يكفي أن أخبره عن الموضوع الذي أريد ليدلني على المراجع التي كتبت عنه.
قلت: لا شك أنك قد اطلعت على الكثير من هذه الكتب.
قال: أجل.. إن حياتي كلها مرتبطة بهذه المكتبة.. أنا عاشق لها.. لقد ترك والدي ثروة ضخمة تقاسمها إخوتي.. ورضيت من قسمتي بهذه المكتبة.. قلت لهم: خذوا كل ما تريدون.. دعوا لي فقط هذه الكتب أتنسم عبيرها.
قلت: ومن أين تقتات؟.. أراك تفتح أبوابها للراغبين بالمجان.
قال: من عرف كيف يتغذى بالكلمات الطاهرة لم يحتج إلى أي غذاء.. فللكلمات خلقنا لا للأقوات.
قلت: ذكرتني بقول يوحنا:( في البدء كان الكلمة.. )(يوحنا:1/1)
قال: أنت تهتم بالكتاب المقدس إذن.. لقد خصصت جناحا كبيرا في المكتبة للكتب المقدسة جمعت فيه مخطوطاتها وتفاسيرها.
قلت: فدلني عليه.
سار معي إلى ركن جميل.. هو أجمل أركان القاعة.. وقال: هذا هو ركن الكتب المقدسة.. وقد سميته ( الكلمات المقدسة ).. ولا يدخل أحد إلا بإذني، وبعد أن ألمس فيه صدق الطلب.
قلت: فقد لمست في صدق الطلب إذن.
قال: أصدقك بأني قد ارتحت كثيرا لمرآك.. لست أدري.. لعل لي علاقة بك من قديم لا أعرفها..
قلت: أنا لا أعرفك.. ولا أذكر أني رأيتك من قبل.. بالإضافة إلى أني غريب عن هذه البلاد.
قال: لا أقصد علاقتنا هنا.. بل أقصد علاقتنا هناك في العالم الذي لم تكن معنا فيه أجسادنا.
قلت: لا أذكرشيئا عن ذلك العالم.
قال: ولا أنا.. ولكن أحيانا أتخيل أني أذكر أشياء.. ثم أنسى.. لست أدري.. دعنا من هذا.. هذا هو ركن الكتب المقدسة.
سرت في الركن.. فوجدت كتبا مقدسة من كل الأديان.. ولكني فوجئت بالقرآن الكريم.. وهو يحتل أفضل المواقع وأعلاها.. وبجانبة مصحف على محمل كسائر مصاحف المسلمين.
قلت: أليس هذا هو كتاب المسلمين المقدس؟
قال: بلى.. هو كتابهم المقدس.
قلت: أرى أن لك اهتماما خاصا به.. فأنت تضع مصحفه في محمل خاص بخلاف سائر الكتب.
قال: أصدقك القول.. فمع أني مسيحي.. بل من عائلة عريقة في تدينها بالمسيحية.. بل من عائلة كان الكثير من أفرادها رجال دين.. إلا أنه لم يحظ كتاب من الكتب بالأهمية عندي كما حظي كتاب المسلمين المقدس.. إني أقرؤه ولا أمل من قراءته.
قلت: لم؟
قال: لست أدري.. كأني أجده يخاطبني.. يعرفني بالعالم الذي جئت منه.. والذي نسيته، ولم تبق لي منه إلا ذكريات نسيتها..
قلت: وكتابنا المقدس بعهديه.. أتراك هجرته؟
قال: لا.. ولكني كلما مددت يدي لأقرأ ما فيه كلما وجدتني أعود لأحمل كتاب المسلمين لقراءته من جديد.
قلت: لعلك مغرم بالأدب.. فأنت تحب جمال أسلوبه.
قال: ليس هذا فقط.. لقد تعاملت مع نفسي كما أتعامل مع الأجنبي.. ورحت أحلل أسرار انجذابي للقرآن وثقتي فيه.. والتي تربو على ثقتي في كتابنا المقدس.
قلت: فما وجدت من هذه الدراسة التحليلية؟
قال: أشياء كثيرة جدا لا يمكنني أن أفصل لك ذكرها هنا.. ولكني من خلال اهتمامي بالأسانيد عرفت أن القرآن هو الكتاب الوحيد المحفوظ حفظا صحيحا من بين جميع الكتب المقدسة.
وقد كان ذلك مثار عجب عندي..
لقد ظللت أقول لنفسي: لو كان هذا الكتاب كاذبا على الله، فهل يأذن الله بحفظه بهذه الصورة العجيبة.. لكأن الكون كله خرسانة مسلحة حمي بها هذا الكتاب.. فلم يجرؤ جميع اللصوص على الاقتراب منه.
قلت: كيف عرفت ذلك؟.. إن البحث في هذا ليس بالسهولة التي تتصورها.
قال: أجل.. ولكن الله يسر لي هذه المكتبة الضخمة التي ترجع الكثير من نسخها إلى القرون المتطاولة.. وقد بحثت فيها، فوصلت إلى الحقيقة التي ذكرتها لك.
قلت: فهل ستفصل لي خلاصة ما وصلت إليه؟
قال: إن لم يشغلك ذلك عما جئت من أجله.
قلت: لا.. لعلي لم أحضر إلا لأجل هذا.
قال: ألم أقل لك: كأني أعرفك.. لقد مررت في يوم من الأيام بنفس الحالة التي تمر بها.. لكني لا أجرؤ على قول شيء.. لأني لا أكاد أذكر شيئا.
***
اتخذنا مجلسا صالحا في ركن الكلمات المقدسة، وراح يحدثني عن نتائج ما قام به من بحث حول تميز القرآن الكريم.
قال: أول ما شدني إلى القرآن أنه الكتاب المقدس الوحيد الذي حفظ من أي تغيير وتبديل.. بل هو الكتاب الوحيد الذي لا يزال يقرأ باللغة التي نزل بها.. بل بنفس مخارج الحروف التي كان ينطق بها محمد.. بل إن المسلمين لا يكتفون بحفظه مكتوبا كما نحفظ كتبنا، بل يضمون إليه حفظه في صدورهم.. حتى الأعاجم منهم يحفظونه.
قلت: وما الذي شدك إلى هذا؟
قال: شدني إلى هذا مقارنتي له بما تعامل به قومي وقومك مع كتبنا المقدسة.. لقد أهانوا قداستها بما أوقعوا فيها من تحريفات.
قلت: أنت مسيحي، وتقول بوقوع التحريف في كتبنا؟
قال: أنا مسيحي نعم.. ولكني مع ذلك إنسان عاقل.. يستعمل عقله.. ولا يمكنني أن ألغي عقلي.. ولا أرى أن مسيحيتي تتنافى مع استعمالي لعقلي.. لقد قمت بدراسة لكتبنا المقدسة من ناحية مدى الوثوق فيما دون فيها، وقد خرجت بنتائج مذهلة.
قلت: فما الذي خرجت به؟
قال: لقد عرفت أن الحفظ بمعناه الحقيقي الكامل لم يتحقق في كتبنا، ولا في كتب اليهود التي نستمد منها، ولا في أي كتاب من الكتب التي تملأ أرجاء هذه القاعة، ما عدا كتاب المسلمين.. لقد أضيفت كتب كثيرة، وكلام كثير للكتب المقدسة جعلنا لا نستطيع التمييز بين المقدس منها وغير المقدس.
وقد ذكر كتاب المسلمين المقدس هذا، بل ذكر علله النفسية والاجتماعية، فقال:) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ((البقرة:79)
بل وصف طريقة تلاعبهم بالكتاب وصفا دقيقا، فقال:) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (آل عمران:78)
لقد مارس كثير من رجال الدين الذين امتلأوا بحب الدنيا هذه التجارة الرخيصة، تجارة التلاعب بالكتب المقدسة.
قلت: وكتاب المسملين؟
قال: لقد توفرت ظروف كثيرة لكتاب المسلمين جعلت كتابهم محفوظا حفظا تاما لا يزاد فيه حرف واحد، ولا ينقص منه حرف واحد.
أذكر أني قرأت عن أحد صحابة محمد.. هو عالم من علمائهم الكبار.. يقول متوجها للذين استهواهم ما في كتبنا من قصص:( يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه، أحدث أخبار الله تقرؤونه محضًا لم يشب؟ وقد حَدَّثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلا؛ أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم )[1]
لعل العناية الإلهية التي وعدت بحفظه جعلته بمنأى عن كل ما لحق بكتبنا من تحريفات..
أخذ مصحفا، وفتحه على مواضع محددة، وقال: اسمع.. إن إله المسلمين يعد بحفظ كتابه وعدا جازما، وهو ما تخلو منه كتبنا.. اسمع إليه، وهو يقول:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ((الحجر:9)
بل هو يخبر بأن هذا الكتاب الذي أحمله لن يزاحمه أي باطل قدسيته، اسمع إليه:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ((فصلت:41 ـ 42)
بل هو يخبر أن مهمة جمعه تعود إليه، فيقول:) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ((القيامة: 17)
إن هذه الآيات وحدها تحمل إعجازا عظيما.. إنها تتحدى كل تلك الجيوش التي جيشت لتحريف هذا الكتاب أو تبديله أو محوه.
قلت: إن استنتاجك هذا يستدعي أدلة كثيرة..
قال: سأذكرها لك.. ولكن قبل أن نتحدث عن ذلك.. أو لنفهم ذلك.. فلنرجع إلى كتابنا المقدس الذي دنسته أيادي المحرفين.
لقد ذكرت لك أن كتاب المسلمين يحوي الوعد بحفظه، وأنه لن يصيبه سوء..
قلت: أجل.. لقد قرأت لي منه ما يدل على ذلك.
قال: وهذا ما تخلو منه كتبنا المقدسة.. فهي لا تحوي أي دلالة على أنها ستحفظ من التغيير والتبديل.. بل قد نص كتاب المسلمين على أن مهمة حفظ هذه الكتب كانت موكولة إلى رجال الدين الذين استهواهم الطمع، فراحوا يبدلون ويغيرون.
اسمع ما يقول كتاب المسلمين..
فتح المصحف، وراح يقرأ:) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ((المائدة:44)
ثم أغلق المصحف، وقال: لطالما شدت هذه الآية انبتاهي.. إن قرآن المسلمين يحمل احتراما كبيرا للكتب المقدسة.. إنه يصف التوراة بأن فيها هدى ونور.. ولكن هذا الاحترام لا يحول بينه، وبين أن يذكر ما حصل فيها من تحريف..
وهو يحلل أسباب ذلك في أمرين: أشار إلى الأول منهما في قوله:) فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (
وأشار إلى الثاني في قوله:) وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً (
إنهما سببان خطيران.. أو مرضان قاتلان: الرغبة والرهبة.. الرغبة في المتاع القليل.. والرهبة من العناء القصير..
قلت: دعنا من كتاب المسلمين.. ولنرجع إلى كتابنا.
قال: مما ينقضي دونه العجب أن كتابنا المقدس نفسه يحوي هذه الحقيقة.. فهو لا يحمل أي وعد بحفظ ما فيه.. بل هو يخبر أن حفظ ما فيه كان موكولا لناس معينين ذوي أنساب معينة.. وهذا ما أتاح لهم أن يتلاعبوا به كما يشاءون.
انتظر.. سوف آتيك بشهادات كثيرة تثبت ما أقول.
ذهب إلى رف من الرفوف.. وحمل نسخة من الكتاب المقدس.. وقال: اسمع ما يقول سفر التثنية (31: 25-29 ):( أَمَرَ مُوسَى اللاوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ: (خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَليْكُمْ. لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ اليَوْمَ قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ فَكَمْ بِالحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي! اِجْمَعُوا إِليَّ كُل شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ وَأُشْهِدَ عَليْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ)
ثم أغلق الكتاب، وقال:كيف ترى موسى، وهو يردد هذا الكلام؟
قلت: كأني أراه حزينا متأسفا على حال قومه.. وهو في نفس الوقت خائف من تلاعبهم بالرسالة التي جاء بها، وبالألواح التي أنزلت عليهم.
قال: أجل.. لقد غاب عنهم أربعين يوما فقط، ومع ذلك لم يصبروا على التغيير والتبديل.. بل راحوا يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامري.. ومع أن هارون كان معهم إلا أنه لم يكن ليفعل شيئا أمام ما جبلوا عليه من تمرد..
التوراة تذكر هذا.. والقرآن يذكره [2].. ولكن اسمع لقرآن المسلمين، فهو يصور هذا التغيير تصويرا جميلا..
فتح المصحف، وأخذ يقرأ بتدبر وخشوع:) وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى((طه: 83) الله يخاطب موسى في جبل الطور عند المناجاة.
ويذكر الله ما أجاب به موسى، فيقول:) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ((طه:84).. فيجيبه الله:) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ( (طه: 85).. وحينذاك يرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا على سرعة تغيرهم.. اسمع:) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ((طه: 86)
لكن كبرياءهم وصلافتهم جعلتهم لا يبالون بغضب موسى، ولا بما يقولون، بل يردون عليه قائلين:) مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ((طه: 87 ـ 88)
هؤلاء هم بنو إسرائيل.. فهل تتصور أنهم سيحفظون ما أئتمنوا عليه من كتاب؟
قلت: إن ألم موسى يبدو جليا في وصيته.. وكأنه يحاول أن يجد حيلة يحفظ بها كتابه من التغيير.. إنه يأمر بحفظه في تابوت العهد.. ثم يأمر بقراءته على بني إسرائيل، لعل فيهم من يحفظه، ويورث حفظه.. ولكنه في نفس الوقت يعلم أنه سيأتي اليوم الذي يغيرون فيه كتابهم.. بل يرى أن ذلك اليوم قريب جدا.. لقد قال لهم:( لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ )
فتح الكتاب المقدس، ثم قال: بل إن موسى يردد هذه الوصية كثيرا.. فهو يعلم ما سيلحق كتابه.. اسمع ما يقول:( لا تَزِيدُوا عَلى الكَلامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ التِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا )(التثنية: 4/ 2 )
صمت قليلا، ثم قال: ليس موسى وحده من قال هذا.. كل الأنبياء تحدثوا عن هذا..
اسمع ما يقول النبي إرميا:( فقال الرب لي.بالكذب يتنبأ الأنبياء باسمي.لم أرسلهم ولا أمرتهم ولا كلمتهم.برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبأون لكم) (إرميا: 14:14)
وهو يقول:( الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحب.وماذا تعملون في آخرتها )(إرميا:5: 31)
قلت: ولكن يا سيد.. ليست هناك أمة خلت من المتنبئين الكذبة حتى ما ذكرت عن المسلمين قد ظهر فيهم كثير من المتنبئين بعد محمد.
قال: نعم.. لقد ظهر فيهم مسيلمة، والأسود، وطلحة، وغيرهم كثير.
قلت: فلم تشنع علينا؟
قال: هل رأيت في كتاب المسلمين سفرا أو سورة أو حتى آية لمسيلمة أو للأسود، أو لطلحة؟
قلت: لا.. حتى أن المسلمين يطلقون على مسيلمة لقب الكذاب.
قال: وهذه ميزتهم.. فكتابهم لم يخترق من الأنبياء الكذبة.. نعم ظهر أدعياء حاولوا أن يخترقوا كلام نبيهم، ولكنه لم يجرؤ أحد على أن يخترق كتاب ربهم.
لكن بني إسرائيل اخترقوا الجميع.. اسمع إلى أرميا:( أما وحي الرب فلا تذكروه بعد لان كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرّفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا ) (إرميا: 23: 36)
وهو يقول:( هكذا قال رب الجنود لا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يتنبأون لكم.فانهم يجعلونكم باطلا.يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب )( إرميا: 23 /16)
وهو يقول:( لم أرسل الأنبياء بل هم جروا.لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا ) (إرميا: 23 /21)
فمن هم هؤلاء الأنبياء؟.. ولو كانوا جميعا قد تنجسوا.. جميعا.. فكيف تصدقونهم!؟
وهو يقول:( لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعا بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب )(إرميا: 23 /11)
وهو يصرح بكل ألم قائلا:( كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا.. حقا إنه إلى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب ) (إرميا: 8: 8)
ألا ترى هذا النص صريحا في وقوع التحريف.. إن إرميا هنا هو المتحدث لا رحمة الله الهندي، ولا ديدات.. إنه يخبرنا بالحقيقة المرة التي لا نجرؤ على التصريح بها..
قلت: لا.. يا صاحبي.. هو لا يقصد هذا.. هو يقصد ذلك التحريف المعنوي الذي لحق الكتاب المقدس.
قال: لا.. إنه يتحدث عن أقلام الكتبة.. هو يتحدث عن الكتبة، ولا يتحدث عن المؤولين.. هو يتحدث عن الكتبة المختصين بالنقل والنسخ.. فهم الذين غيروها وبدلوها وحرفوها وحولوها إلى الكذب.
بل هو يصرح بالسبب الذي ذكره القرآن.. وهو الرغبة.. اسمع إليه، وهو يقول:( لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب )(إرميا:6: 13)
ليس إرميا وحده الذي صرح به.. اسمع ما جاء في المزامير:( اليوم كله يحرفون كلامي.عليّ كل افكارهم بالشر ) (مزمور:56/ 5)
واسمع ما جاء في (حزقيال:7 / 26):( ستاتي مصيبة على مصيبة.ويكون خبر على خبر.. فيطلبون رؤيا من النبي.. والشريعة تباد عن الكاهن والمشورة عن الشيوخ)
واسمع ما يقول إشعيا:( ويل للذين يقضون أقضية الباطل وللكتبة الذين يسجلون جورا ليصدوا الضعفاء عن الحكم ويسلبوا حق بائسي شعبي لتكون الارامل غنيمتهم وينهبوا الايتام ) (إشعياء:10 /1-2)
إن إشعيا يتحدث عن المطامع التي جرت القضاة والكتبة إلى التحريف.. إنه يتحدث عن بيع كتاب الله بثمن بخس كما قال كتاب المسلمين.
بل هو يصرح بذلك قطعا لكل تأويل، فيقول:( ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير اعمالهم في الظلمة ويقولون من يبصرنا ومن يعرفنا. يا لتحريفكم. هل يحسب الجابل كالطين حتى يقول المصنوع عن صانعه لم يصنعني. أو تقول الجبلة عن جابلها لم يفهم )( إشعياء: 29 /15-16)
وهو يقول:( ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى انهم يجرون رأيا وليس مني ويسكبون سكيبا وليس بروحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة ) (إشعياء: 30 /1 )
في اليوم الأول.. خرجت من البيت أبحث عن مكتبة سمعت عنها كثيرا إبان طلبي العلم.. هي مكتبة خاصة مملوءة بالمخطوطات القيمة، ورثها رجل من أهل الإسكندرية عن أجداده، وقد سمعت أنه رجل لطيف يسمح لكل من قصد مكتبته بالاستفادة منها كما يشاء.. وقد سمعت في نفس الوقت أنه رجل غريب الأطوار.. فلذلك حذرني منه بعضهم قبل رحلتي.
لم أصدق كل ما سمعت.. فذهبت أبحث عن المكتبة حتى وجدتها.
كانت مكتبة رائعة الجمال.. يدل تصنيف الكتب فيها على اهتمام صاحبها بها، وعلى ما له من ثقافة.
كان اسمه المعلق على لافتتها بالبنط العريض يدل على كونه مسيحيا، بل من عائلة عريقة في المسيحية.. وقد كانت المخطوطات التي تمتلئ بها المكتبة دليلا على كون هذه العائلة قد توارثت العلم كابرا عن كابر.
رحب بي صاحب المكتبة شخصيا، وأخبرني باستعداده لدلالتي على أي كتاب أريده، بل دلالتي على الكتب التي أحتاجها، وأنه يكفي أن أخبره عن الموضوع الذي أريد ليدلني على المراجع التي كتبت عنه.
قلت: لا شك أنك قد اطلعت على الكثير من هذه الكتب.
قال: أجل.. إن حياتي كلها مرتبطة بهذه المكتبة.. أنا عاشق لها.. لقد ترك والدي ثروة ضخمة تقاسمها إخوتي.. ورضيت من قسمتي بهذه المكتبة.. قلت لهم: خذوا كل ما تريدون.. دعوا لي فقط هذه الكتب أتنسم عبيرها.
قلت: ومن أين تقتات؟.. أراك تفتح أبوابها للراغبين بالمجان.
قال: من عرف كيف يتغذى بالكلمات الطاهرة لم يحتج إلى أي غذاء.. فللكلمات خلقنا لا للأقوات.
قلت: ذكرتني بقول يوحنا:( في البدء كان الكلمة.. )(يوحنا:1/1)
قال: أنت تهتم بالكتاب المقدس إذن.. لقد خصصت جناحا كبيرا في المكتبة للكتب المقدسة جمعت فيه مخطوطاتها وتفاسيرها.
قلت: فدلني عليه.
سار معي إلى ركن جميل.. هو أجمل أركان القاعة.. وقال: هذا هو ركن الكتب المقدسة.. وقد سميته ( الكلمات المقدسة ).. ولا يدخل أحد إلا بإذني، وبعد أن ألمس فيه صدق الطلب.
قلت: فقد لمست في صدق الطلب إذن.
قال: أصدقك بأني قد ارتحت كثيرا لمرآك.. لست أدري.. لعل لي علاقة بك من قديم لا أعرفها..
قلت: أنا لا أعرفك.. ولا أذكر أني رأيتك من قبل.. بالإضافة إلى أني غريب عن هذه البلاد.
قال: لا أقصد علاقتنا هنا.. بل أقصد علاقتنا هناك في العالم الذي لم تكن معنا فيه أجسادنا.
قلت: لا أذكرشيئا عن ذلك العالم.
قال: ولا أنا.. ولكن أحيانا أتخيل أني أذكر أشياء.. ثم أنسى.. لست أدري.. دعنا من هذا.. هذا هو ركن الكتب المقدسة.
سرت في الركن.. فوجدت كتبا مقدسة من كل الأديان.. ولكني فوجئت بالقرآن الكريم.. وهو يحتل أفضل المواقع وأعلاها.. وبجانبة مصحف على محمل كسائر مصاحف المسلمين.
قلت: أليس هذا هو كتاب المسلمين المقدس؟
قال: بلى.. هو كتابهم المقدس.
قلت: أرى أن لك اهتماما خاصا به.. فأنت تضع مصحفه في محمل خاص بخلاف سائر الكتب.
قال: أصدقك القول.. فمع أني مسيحي.. بل من عائلة عريقة في تدينها بالمسيحية.. بل من عائلة كان الكثير من أفرادها رجال دين.. إلا أنه لم يحظ كتاب من الكتب بالأهمية عندي كما حظي كتاب المسلمين المقدس.. إني أقرؤه ولا أمل من قراءته.
قلت: لم؟
قال: لست أدري.. كأني أجده يخاطبني.. يعرفني بالعالم الذي جئت منه.. والذي نسيته، ولم تبق لي منه إلا ذكريات نسيتها..
قلت: وكتابنا المقدس بعهديه.. أتراك هجرته؟
قال: لا.. ولكني كلما مددت يدي لأقرأ ما فيه كلما وجدتني أعود لأحمل كتاب المسلمين لقراءته من جديد.
قلت: لعلك مغرم بالأدب.. فأنت تحب جمال أسلوبه.
قال: ليس هذا فقط.. لقد تعاملت مع نفسي كما أتعامل مع الأجنبي.. ورحت أحلل أسرار انجذابي للقرآن وثقتي فيه.. والتي تربو على ثقتي في كتابنا المقدس.
قلت: فما وجدت من هذه الدراسة التحليلية؟
قال: أشياء كثيرة جدا لا يمكنني أن أفصل لك ذكرها هنا.. ولكني من خلال اهتمامي بالأسانيد عرفت أن القرآن هو الكتاب الوحيد المحفوظ حفظا صحيحا من بين جميع الكتب المقدسة.
وقد كان ذلك مثار عجب عندي..
لقد ظللت أقول لنفسي: لو كان هذا الكتاب كاذبا على الله، فهل يأذن الله بحفظه بهذه الصورة العجيبة.. لكأن الكون كله خرسانة مسلحة حمي بها هذا الكتاب.. فلم يجرؤ جميع اللصوص على الاقتراب منه.
قلت: كيف عرفت ذلك؟.. إن البحث في هذا ليس بالسهولة التي تتصورها.
قال: أجل.. ولكن الله يسر لي هذه المكتبة الضخمة التي ترجع الكثير من نسخها إلى القرون المتطاولة.. وقد بحثت فيها، فوصلت إلى الحقيقة التي ذكرتها لك.
قلت: فهل ستفصل لي خلاصة ما وصلت إليه؟
قال: إن لم يشغلك ذلك عما جئت من أجله.
قلت: لا.. لعلي لم أحضر إلا لأجل هذا.
قال: ألم أقل لك: كأني أعرفك.. لقد مررت في يوم من الأيام بنفس الحالة التي تمر بها.. لكني لا أجرؤ على قول شيء.. لأني لا أكاد أذكر شيئا.
***
اتخذنا مجلسا صالحا في ركن الكلمات المقدسة، وراح يحدثني عن نتائج ما قام به من بحث حول تميز القرآن الكريم.
قال: أول ما شدني إلى القرآن أنه الكتاب المقدس الوحيد الذي حفظ من أي تغيير وتبديل.. بل هو الكتاب الوحيد الذي لا يزال يقرأ باللغة التي نزل بها.. بل بنفس مخارج الحروف التي كان ينطق بها محمد.. بل إن المسلمين لا يكتفون بحفظه مكتوبا كما نحفظ كتبنا، بل يضمون إليه حفظه في صدورهم.. حتى الأعاجم منهم يحفظونه.
قلت: وما الذي شدك إلى هذا؟
قال: شدني إلى هذا مقارنتي له بما تعامل به قومي وقومك مع كتبنا المقدسة.. لقد أهانوا قداستها بما أوقعوا فيها من تحريفات.
قلت: أنت مسيحي، وتقول بوقوع التحريف في كتبنا؟
قال: أنا مسيحي نعم.. ولكني مع ذلك إنسان عاقل.. يستعمل عقله.. ولا يمكنني أن ألغي عقلي.. ولا أرى أن مسيحيتي تتنافى مع استعمالي لعقلي.. لقد قمت بدراسة لكتبنا المقدسة من ناحية مدى الوثوق فيما دون فيها، وقد خرجت بنتائج مذهلة.
قلت: فما الذي خرجت به؟
قال: لقد عرفت أن الحفظ بمعناه الحقيقي الكامل لم يتحقق في كتبنا، ولا في كتب اليهود التي نستمد منها، ولا في أي كتاب من الكتب التي تملأ أرجاء هذه القاعة، ما عدا كتاب المسلمين.. لقد أضيفت كتب كثيرة، وكلام كثير للكتب المقدسة جعلنا لا نستطيع التمييز بين المقدس منها وغير المقدس.
وقد ذكر كتاب المسلمين المقدس هذا، بل ذكر علله النفسية والاجتماعية، فقال:) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ((البقرة:79)
بل وصف طريقة تلاعبهم بالكتاب وصفا دقيقا، فقال:) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (آل عمران:78)
لقد مارس كثير من رجال الدين الذين امتلأوا بحب الدنيا هذه التجارة الرخيصة، تجارة التلاعب بالكتب المقدسة.
قلت: وكتاب المسملين؟
قال: لقد توفرت ظروف كثيرة لكتاب المسلمين جعلت كتابهم محفوظا حفظا تاما لا يزاد فيه حرف واحد، ولا ينقص منه حرف واحد.
أذكر أني قرأت عن أحد صحابة محمد.. هو عالم من علمائهم الكبار.. يقول متوجها للذين استهواهم ما في كتبنا من قصص:( يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه، أحدث أخبار الله تقرؤونه محضًا لم يشب؟ وقد حَدَّثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلا؛ أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم )[1]
لعل العناية الإلهية التي وعدت بحفظه جعلته بمنأى عن كل ما لحق بكتبنا من تحريفات..
أخذ مصحفا، وفتحه على مواضع محددة، وقال: اسمع.. إن إله المسلمين يعد بحفظ كتابه وعدا جازما، وهو ما تخلو منه كتبنا.. اسمع إليه، وهو يقول:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ((الحجر:9)
بل هو يخبر بأن هذا الكتاب الذي أحمله لن يزاحمه أي باطل قدسيته، اسمع إليه:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ((فصلت:41 ـ 42)
بل هو يخبر أن مهمة جمعه تعود إليه، فيقول:) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ((القيامة: 17)
إن هذه الآيات وحدها تحمل إعجازا عظيما.. إنها تتحدى كل تلك الجيوش التي جيشت لتحريف هذا الكتاب أو تبديله أو محوه.
قلت: إن استنتاجك هذا يستدعي أدلة كثيرة..
قال: سأذكرها لك.. ولكن قبل أن نتحدث عن ذلك.. أو لنفهم ذلك.. فلنرجع إلى كتابنا المقدس الذي دنسته أيادي المحرفين.
لقد ذكرت لك أن كتاب المسلمين يحوي الوعد بحفظه، وأنه لن يصيبه سوء..
قلت: أجل.. لقد قرأت لي منه ما يدل على ذلك.
قال: وهذا ما تخلو منه كتبنا المقدسة.. فهي لا تحوي أي دلالة على أنها ستحفظ من التغيير والتبديل.. بل قد نص كتاب المسلمين على أن مهمة حفظ هذه الكتب كانت موكولة إلى رجال الدين الذين استهواهم الطمع، فراحوا يبدلون ويغيرون.
اسمع ما يقول كتاب المسلمين..
فتح المصحف، وراح يقرأ:) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ((المائدة:44)
ثم أغلق المصحف، وقال: لطالما شدت هذه الآية انبتاهي.. إن قرآن المسلمين يحمل احتراما كبيرا للكتب المقدسة.. إنه يصف التوراة بأن فيها هدى ونور.. ولكن هذا الاحترام لا يحول بينه، وبين أن يذكر ما حصل فيها من تحريف..
وهو يحلل أسباب ذلك في أمرين: أشار إلى الأول منهما في قوله:) فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (
وأشار إلى الثاني في قوله:) وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً (
إنهما سببان خطيران.. أو مرضان قاتلان: الرغبة والرهبة.. الرغبة في المتاع القليل.. والرهبة من العناء القصير..
قلت: دعنا من كتاب المسلمين.. ولنرجع إلى كتابنا.
قال: مما ينقضي دونه العجب أن كتابنا المقدس نفسه يحوي هذه الحقيقة.. فهو لا يحمل أي وعد بحفظ ما فيه.. بل هو يخبر أن حفظ ما فيه كان موكولا لناس معينين ذوي أنساب معينة.. وهذا ما أتاح لهم أن يتلاعبوا به كما يشاءون.
انتظر.. سوف آتيك بشهادات كثيرة تثبت ما أقول.
ذهب إلى رف من الرفوف.. وحمل نسخة من الكتاب المقدس.. وقال: اسمع ما يقول سفر التثنية (31: 25-29 ):( أَمَرَ مُوسَى اللاوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ: (خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَليْكُمْ. لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ اليَوْمَ قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ فَكَمْ بِالحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي! اِجْمَعُوا إِليَّ كُل شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ وَأُشْهِدَ عَليْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ)
ثم أغلق الكتاب، وقال:كيف ترى موسى، وهو يردد هذا الكلام؟
قلت: كأني أراه حزينا متأسفا على حال قومه.. وهو في نفس الوقت خائف من تلاعبهم بالرسالة التي جاء بها، وبالألواح التي أنزلت عليهم.
قال: أجل.. لقد غاب عنهم أربعين يوما فقط، ومع ذلك لم يصبروا على التغيير والتبديل.. بل راحوا يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامري.. ومع أن هارون كان معهم إلا أنه لم يكن ليفعل شيئا أمام ما جبلوا عليه من تمرد..
التوراة تذكر هذا.. والقرآن يذكره [2].. ولكن اسمع لقرآن المسلمين، فهو يصور هذا التغيير تصويرا جميلا..
فتح المصحف، وأخذ يقرأ بتدبر وخشوع:) وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى((طه: 83) الله يخاطب موسى في جبل الطور عند المناجاة.
ويذكر الله ما أجاب به موسى، فيقول:) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ((طه:84).. فيجيبه الله:) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ( (طه: 85).. وحينذاك يرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا على سرعة تغيرهم.. اسمع:) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ((طه: 86)
لكن كبرياءهم وصلافتهم جعلتهم لا يبالون بغضب موسى، ولا بما يقولون، بل يردون عليه قائلين:) مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ((طه: 87 ـ 88)
هؤلاء هم بنو إسرائيل.. فهل تتصور أنهم سيحفظون ما أئتمنوا عليه من كتاب؟
قلت: إن ألم موسى يبدو جليا في وصيته.. وكأنه يحاول أن يجد حيلة يحفظ بها كتابه من التغيير.. إنه يأمر بحفظه في تابوت العهد.. ثم يأمر بقراءته على بني إسرائيل، لعل فيهم من يحفظه، ويورث حفظه.. ولكنه في نفس الوقت يعلم أنه سيأتي اليوم الذي يغيرون فيه كتابهم.. بل يرى أن ذلك اليوم قريب جدا.. لقد قال لهم:( لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ )
فتح الكتاب المقدس، ثم قال: بل إن موسى يردد هذه الوصية كثيرا.. فهو يعلم ما سيلحق كتابه.. اسمع ما يقول:( لا تَزِيدُوا عَلى الكَلامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ التِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا )(التثنية: 4/ 2 )
صمت قليلا، ثم قال: ليس موسى وحده من قال هذا.. كل الأنبياء تحدثوا عن هذا..
اسمع ما يقول النبي إرميا:( فقال الرب لي.بالكذب يتنبأ الأنبياء باسمي.لم أرسلهم ولا أمرتهم ولا كلمتهم.برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبأون لكم) (إرميا: 14:14)
وهو يقول:( الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحب.وماذا تعملون في آخرتها )(إرميا:5: 31)
قلت: ولكن يا سيد.. ليست هناك أمة خلت من المتنبئين الكذبة حتى ما ذكرت عن المسلمين قد ظهر فيهم كثير من المتنبئين بعد محمد.
قال: نعم.. لقد ظهر فيهم مسيلمة، والأسود، وطلحة، وغيرهم كثير.
قلت: فلم تشنع علينا؟
قال: هل رأيت في كتاب المسلمين سفرا أو سورة أو حتى آية لمسيلمة أو للأسود، أو لطلحة؟
قلت: لا.. حتى أن المسلمين يطلقون على مسيلمة لقب الكذاب.
قال: وهذه ميزتهم.. فكتابهم لم يخترق من الأنبياء الكذبة.. نعم ظهر أدعياء حاولوا أن يخترقوا كلام نبيهم، ولكنه لم يجرؤ أحد على أن يخترق كتاب ربهم.
لكن بني إسرائيل اخترقوا الجميع.. اسمع إلى أرميا:( أما وحي الرب فلا تذكروه بعد لان كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرّفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا ) (إرميا: 23: 36)
وهو يقول:( هكذا قال رب الجنود لا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يتنبأون لكم.فانهم يجعلونكم باطلا.يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب )( إرميا: 23 /16)
وهو يقول:( لم أرسل الأنبياء بل هم جروا.لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا ) (إرميا: 23 /21)
فمن هم هؤلاء الأنبياء؟.. ولو كانوا جميعا قد تنجسوا.. جميعا.. فكيف تصدقونهم!؟
وهو يقول:( لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعا بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب )(إرميا: 23 /11)
وهو يصرح بكل ألم قائلا:( كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا.. حقا إنه إلى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب ) (إرميا: 8: 8)
ألا ترى هذا النص صريحا في وقوع التحريف.. إن إرميا هنا هو المتحدث لا رحمة الله الهندي، ولا ديدات.. إنه يخبرنا بالحقيقة المرة التي لا نجرؤ على التصريح بها..
قلت: لا.. يا صاحبي.. هو لا يقصد هذا.. هو يقصد ذلك التحريف المعنوي الذي لحق الكتاب المقدس.
قال: لا.. إنه يتحدث عن أقلام الكتبة.. هو يتحدث عن الكتبة، ولا يتحدث عن المؤولين.. هو يتحدث عن الكتبة المختصين بالنقل والنسخ.. فهم الذين غيروها وبدلوها وحرفوها وحولوها إلى الكذب.
بل هو يصرح بالسبب الذي ذكره القرآن.. وهو الرغبة.. اسمع إليه، وهو يقول:( لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب )(إرميا:6: 13)
ليس إرميا وحده الذي صرح به.. اسمع ما جاء في المزامير:( اليوم كله يحرفون كلامي.عليّ كل افكارهم بالشر ) (مزمور:56/ 5)
واسمع ما جاء في (حزقيال:7 / 26):( ستاتي مصيبة على مصيبة.ويكون خبر على خبر.. فيطلبون رؤيا من النبي.. والشريعة تباد عن الكاهن والمشورة عن الشيوخ)
واسمع ما يقول إشعيا:( ويل للذين يقضون أقضية الباطل وللكتبة الذين يسجلون جورا ليصدوا الضعفاء عن الحكم ويسلبوا حق بائسي شعبي لتكون الارامل غنيمتهم وينهبوا الايتام ) (إشعياء:10 /1-2)
إن إشعيا يتحدث عن المطامع التي جرت القضاة والكتبة إلى التحريف.. إنه يتحدث عن بيع كتاب الله بثمن بخس كما قال كتاب المسلمين.
بل هو يصرح بذلك قطعا لكل تأويل، فيقول:( ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير اعمالهم في الظلمة ويقولون من يبصرنا ومن يعرفنا. يا لتحريفكم. هل يحسب الجابل كالطين حتى يقول المصنوع عن صانعه لم يصنعني. أو تقول الجبلة عن جابلها لم يفهم )( إشعياء: 29 /15-16)
وهو يقول:( ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى انهم يجرون رأيا وليس مني ويسكبون سكيبا وليس بروحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة ) (إشعياء: 30 /1 )
عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:32 عدل 1 مرات
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin