ثالثا ـ الحق
في اليوم الثالث.. وصلني ظرف محترم من بعض أهل الإسكندرية يريد أن يقابلني فيه.. كان الظرف رائعا.. وكان مختصرا جدا يدل على مدى الجد الذي يتحلى به صاحبه.. وكان ـ فوق ذلك ـ يدل على كون صاحبه مسيحيا ملتزما، فقد كان أسلوب كتابته ينم عن علاقة وثيقة للكاتب بالكتاب المقدس.
لست أدري كيف رضيت بمقابلته.. مع أني لم أكن أنوي مقابلة أحد في ذلك اليوم، بسبب ما امتلأت به في اليوم السابقين من الإحراج الذي أوقعني فيه الكتاب المقدس.
دخل علي المكتب.. وكان في غاية التهذيب والأدب، فألقى التحية، وقال بعدها مباشرة من غير مقدمات: أعرفك بنفسي.. أنا يعقوب سمعان.. وقد جئتك لغرض يرتبط بالكتاب المقدس، فإن أذنت لي أن أطرحه فعلت.
قلت: لا بأس.. أنا لم أنزل إلى بلادكم إلا لأجل الكتاب المقدس.. فاطرح ما شئت.. فلن تجد مني إلا الآذان الصاغية.
نظر إلي نظرة كلها جد، وقال: لقد درست الكتاب المقدس دراسة فاحصة من حيث محتوياته.. ومن حيث ما يمكن أن يؤثر تربية أو يفيد علما.
قلت: بورك لك هذا الاهتمام.
قال: لم أجئك لأجل هذا.. وإنما جئتك لأجل غرض آخر.
قلت: تحدث بلا حرج.
1 ـ اللغو
أخرج الكتاب المقدس من محفظته، وأخرج معه كراسة صغيرة، وقال: أنا رجل جاد بطبعي.. لا أحب الكلام الكثير الذي لا تكون له أي فائدة.. وقد رأيت الكتاب المقدس ممتلئا كلاما كثيرا لا أرى أن هناك من يحتاج إليه في جميع هذه الدنيا[1].. بل رأيت أنه نوع من الثقل يحول بين هذا الخلق وفوائد الكتاب المقدس التي جاء من أجلها.. ورأيت فوق ذلك رجال ديننا منشغلين بفك الألغاز التي لا تفك عن الحقائق التي تصرخ كغريق لا يجد له منجدا.
قلت: فما فعلت؟.. وما هذا الكراس الذي وضعته بجانبي مع الكتاب المقدس؟
قال: هذا الكراس هو مشروعي لاختصار الكتاب المقدس.. فبدل أن تكلفوا أنفسكم بطباعة هذا الكتاب الضخم، اكتفوا بطباعة هذه الكراسة، أو مثلها.. بحيث يستفيد منها كل مسيحي.. بل يمكن أن يحفظها بسهولة.
قلت: أتقصد أن الكتاب المقدس جميعه في هذه الكراسة؟
قال: أجل.. لقد حذفت من الكتاب المقدس كل ما لا يستفيد منه قارئه.. أنا لي خبرة طويلة في هذا المجال.. بل لي كتب كثيرة كلها مختصرات للكتب المطولة.
قلت: طرحك جميل.. ولكن يحتاج إلى بعض المناقشة.. اذكر لي ـ أولا ـ سر لجوئك إلى هذا السبيل للتعامل مع الكتاب المقدس.
قال: بصراحة.. أنا لي علاقة بالقرآن.. كتاب المسلمين.. بطبيعة البلد الذي أسكن فيه.. بل أنا أحفظ القرآن.. وقد بهرت بجماله واختصاره.. تصور أنه يلخص كل عقائد المسلمين في الله في سورة واحدة.. يسمونها ثلث القرآن.. سأقرأها عليك: ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ( (الإخلاص: 4)
هذه السورة القصيرة ذوات الآيات القصيرة والكلمات القليلة تحوي كل حقائق التوحيد الذي يعتقده المسلمون.. ليست هناك أي كلمة زائدة، أو في غير محلها.
مثل ذلك آية أخرى تصف الله، فتقول:) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ((البقرة:163)
ومثل ذلك آية أخرى تقول:) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ((الحجر:49)، تليها آية أخرى خلفها تكمل معناها تقول:) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ( (الحجر:50)
والقرآن يعلم المسلمين كيف يحاورون أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فيقتصر على جملة تحتاج سفرا لتحليلها، واستنباط الفوائد منها.. إنها هذه الجملة الرائعة:) وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ((العنكبوت:46)
بل إن القرآن جميعا تلخص أغراضه ومعانيه في سورة واحدة يكررها المسلمون في صلواتهم.. لا شك أنك تسمع بها.. هي سورة الفاتحة.. وهم يسمونها كذلك (أم الكتاب).. سأقرأها عليك لترى مدى جمالها.. وترى كثرة المعاني التي تحويها:) بسم الله الرحمن الرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7((الفاتحة)
لقد اكتشفت أن الجمال والفائدة والمتعة في الاختصار.. ألا ترى الشجر المشذب الأغصان كيف يكسى بحلل الجمال.. وكيف بعد ذلك يعطينا لذيذ الثمار؟
لم أر الاختصار فقط في صنعة البشر.. بل رأيتها قبل ذلك في صنعة الخالق.. فالخالق صنع كل شيء بمقدار محدد لا يتجاوزه.. لقد ذكر القرآن هذا.. اسمح لي أن أذكر القرآن.. لأني أحفظه.. ولأني للأسف لم أجد في كتابنا المقدس ما يصلح أن يستشهد به.. لقد ذكر القرآن هذا، فقال:) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ((القمر:49).. ولخص القانون الذي وزعت به الأشياء في الكون، فقال:) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ((الحجر:21)
حتى اللغة التي نتكلمها.. حروفها قليلة محدودة.. ولكنها باجتماعها تجمع الأغراض الكثيرة.. ومثلها المواد الأساسية التي يتشكل منها الكون.. هي قليلة من حيث عناصرها.. ولكنها كثيرة جدا من حيث محتوياتها.
لكل ذلك رأيت أنه ليس بالضرورة أن يكون كلامنا كثيرا.. يكفينا الكلام القليل الذي يستطيع العقل أن يركب منه معاني كثيرة نستفيد منها في حياتنا جميعا.
ألست ترى المعادلات الرياضية كيف تصاغ برموز قليلة مختصرة مملوءة بالدقة؟.. إن ذلك هو ما حول الرياضيات أما للعلوم.
قلت: أتريد أن نحول صياغة الكتاب المقدس إلى معادلات رياضية؟
قال: لا أقصد هذا.. ولكني أقصد أن يحول إلى ما يشبه هذه المعادلات من حيث تلخيص الحقائق، والبعد عن الشوائب الكثيرة التي قد تحول بيننا وبين رؤية الحقائق.
قلت: فلنبدأ بالأمر العملي.. ماذا فعلت؟
قال: أولا.. رأيت في الكتاب المقدس كلاما كثيرا.. لا يمكن أن يفيد أي فائدة.. هو مجرد ثقل ينوء به ظهر الكتاب، وفي نفس الوقت يحول بين القراء وجمال هذا الكتاب ومعانيه السامية.
قلت: اضرب لي مثالا على ذلك.
قال: سأضرب لك أمثلة.. لترى أي معنى يمكن أن يحمله مثل هذا الكلام:
فتح الكتاب المقدس، ثم قال: اسمع لما يقول بولس في رسالته الثانية إلي صديقه تيموثاوس:( بادرْ أَنْ تَأْتِيَ إِلَيَّ سَرِيعاً، لأَنَّ دِيمَاسَ، إِذْ أَحَبَّ الْحَيَاةَ الْحَاضِرَةَ، تَرَكَنِي وَذَهَبَ إِلَى مَدِينَةِ تَسَالُونِيكِي. أَمَّا كِرِيسْكِيسُ، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى مُقَاطَعَةِ غَلاَطِيَّةَ، وَتِيطُسُ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إلا لُوقَا وَحْدَه ُخذ ِمَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ، فَهُوَ يَنْفَعُنِي فِي الْخِدْمَةِ. أَمَّا تِيخِيكُسُ، فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى مَدِينَةِ أَفَسُسَ. وَعِنْدَمَا تَجِيءُ، أَحْضِرْ مَعَكَ رِدَائِي الَّذِي تَرَكْتُهُ عِنْدَ كَارْبُسَ فِي تَرُوَاسَ، وَكَذلِكَ كُتُبِي، وَبِخَاصَّةٍ الرُّقُوقَ الْمَخْطُوطَةَ)( تيموثاوس: 4: 9)
أرجو أن توضح لي.. ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها قارئ هذا النص.. إن هذا الكلام مجرد رسالة شخصية محضة تتعلق بطلب بولس من صديقه الحضور سريعاً، وتتعلق بردائه الشخصي..فلذلك ما ضرورة وجود مثل هذا الكلام في الكتاب المقدس!؟
قلب بعض الصفحات، ثم قال: اسمع ما يقول بولس لصديقه تيطس:( حالَمَا أُرْسِلُ إِلَيْكَ أَرْتِمَاسَ أَوْ تِيخِيكُسَ، اجْتَهِدْ أَنْ تَأْتِيَنِي إِلَى مَدِينَةِ نِيكُوبُولِيسَ، لأَنِّي قَرَّرْتُ أَنْ أشـتي هُنَاكَ )( تيطس: 3: 12)
ما علاقة هذا بالمعرفة أو التربية التي جاء الكتاب المقدس لأجلها؟.. هل ترى ـ حضرة الحبر ـ أن في قول بولس لصديقه (تيطس) أنه قرر أن يشتي في المكان الفلاني أي فائدة؟
قلب بعض الصفحات، ثم قال: اسمع ما يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية ( 16: 21 ):( يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسُ مُعَاوِنِي، وَلُوكِيُوسُ وَيَاسُونُ وسُوسِيبَاتْرُسُ أَقْرِبَائِي. وَأَنَا، تَرْتِيُوسَ الَّذِي أَخُطُّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ.يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُوسُ، الْمُضِيفُ لِي وَلِلْكَنِيسَةِ كُلِّهَا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرَاسْتُسُ، أَمِينُ صُنْدُوقِ الْمَدِينَةِ، وَالأَخُ كُوَارْتُسُ )
ما علاقة هذه التحيات وهذه الأسماء الكثيرة بالمعاني التي جاء الكتاب المقدس من أجلها؟
صمت، فراح يقلب صفحات الكتاب المقدس، ثم قال: اسمع ما جاء في رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس:( سَلِّمْ عَلَى بِرِسْكَا وَأَكِيلاَ، وَعَائِلَةِ أُونِيسِيفُورُسَ. أَرَاسْتُسُ مَازَالَ فِي مَدِينَةِ كُورِنْثُوسَ. أَمَّا تُرُوفِيمُوسُ، فَقَدْ تَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً. اجْتَهِدْ أَنْ تَجِيءَ إِلَيَّ قَبْلَ حُلُولِ الشِّتَاءِ.يُسَلِّمُ عَلَيْكَ إِيُوبُولُسُ، وَبُودِيسُ، وَلِينُوسُ، وَكَلُودِيَا، وَالإِخْوَةُ جَمِيعاً ) (تيموثاوس: 4: 19)
إن هذا الكلام لا يحوي ـ فقط ـ لغوا كثيرا لا نحتاج إليه، بل هو فوق ذلك يحوي أسماء كثيرة تجعل من الكتاب المقدس كتاب خاصة الخاصة.. أذكر أن بعضنا قرأ الكتاب المقدس.. بل قرأ هذا النص بالذات في مجمع من المجامع، فراح يحرف الأسماء واحدا واحدا مما ملأ الحضور ضحكا عليه، وربما على الكتاب المقدس..
لقد قرأت القرآن كما ذكرت لك.. فلم أجد فيه إلا أسماء محصورة معدودة مما تحوج تعاليمه تسميتها.. فهو يكتفي بذكر المعنى والعبرة.. ولا يذكر الاسم إلا إذا اقتضى المقام ذلك.
اسمع ما يقول القرآن عن مؤمن آل فرعون الذي دافع عن موسى:) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ((غافر:28)
أرأيت كيف اكتفى القرآن بموضع الحاجة سماه رجلا.. بما تعنيه الرجولة من شهامة ونبل وكرم خلق.. وسماه مؤمنا.. وذكر أنه يكتم إيمانه.. ثم ذكر نص مرافعته.. ولم يذكر مع كل هذا اسمه ولا لقبه ولا نسبه ولا بلده ولا وظيفته.. مما نرى الكتاب المقدس حريصا على ذكره.. بل مبالغا في تفاصيل ذكره.
اسمع موضعا آخر يقول فيه القرآن:) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ((يّـس:20).. لم يسم المدينة.. بل اكتفى بكون الرجل من أقصاها ليبين مدى الجهد الذي بذله لينصر إخوانه المرسلين.
وفي آية أخرى ذكر لهذا.. ولكن الغرض فيها هو حماية مؤمن من التعرض للقتل:) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ((القصص:20)
لهذا رأيت استبدال كثير من أسماء الكتاب المقدس التي يصعب علينا ـ معشر العامة ـ النطق بها بلغتها الأصلية.. بمثل ما ورد في القرآن..
قلت: فهل تيسر لك أن تفعل هذا؟.. أرى أنه من الصعوبة أن تفعل هذا.
قال: أجل.. لذلك اضطررت إلى استعمال المقص.. وحذف الكثير.. واضطررت ـ كذلك ـ إلى استعمال بعض التعبيرات الخاصة.
سأذكر لك بعض الأمثلة عن القص..
لقد قصصت أكثر ما ورد في أخبار الأيام.. سأسوق لك هذا المثال من الإصحاح الأول من هذا السفر كاملا.. اسمع.
قلب بعض الصفحات، ثم راح يقرأ:( 1 آدم شيث انوش 2 قينان مهللئيل يارد 3 اخنوخ متوشالح لامك 4 نوح سام حام يافث 5 بنو يافث جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس. 6 وبنو جومر أشكناز وريفاث وتوجرمة. 7 وبنو ياوان اليشة وترشيشة وكتيم ودودانيم. 8 بنو حام كوش ومصرايم وفوط وكنعان. 9 وبنو كوش سبا وحويلة وسبتا ورعما وسبتكا. وبنو رعما شبا وددان. 10 وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارا في الارض. 11 ومصرايم ولد لوديم وعناميم ولهابيم ونفتوحيم 12 وفتروسيم وكسلوحيم الذين خرج منهم فلشتيم وكفتوريم. 13 وكنعان ولد صيدون بكره وحثّا 14 واليبوسي والاموري والجرجاشي 15 والحوّي والعرقيّ والسيني 16 والاروادي والصماريّ والحماثيّ 17 بنو سام عيلام واشور وارفكشاد ولود وارام وعوص وحول وجاثر وماشك. 18 وارفكشاد ولد شالح وشالح ولد عابر. 19 ولعابر ولد ابنان اسم الواحد فالج لان في ايامه قسمت الارض. واسم اخيه يقطان. 20 ويقطان ولد الموداد وشالف وحضرموت ويارح 21 وهدورام وأوزال ودقلة 22 وعيبال وأبيمايل وشبا 23 وأوفير وحويلة ويوباب. كل هؤلاء بنو يقطان 24 سام ارفكشاد شالح 25 عابر فالج رعو 26 سروج ناحور تارح 27 ابرام وهو ابراهيم. 28 ابنا ابراهيم اسحق واسماعيل. 29 هذه مواليدهم. بكر اسماعيل نبايوت وقيدار وأدبئيل ومبسام 30 ومشماع ودومة ومسّا وحدد وتيما 31 ويطور ونافيش وقدمة. هؤلاء هم بنو اسماعيل 32 واما بنو قطورة سرية ابراهيم فانها ولدت زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا. وابنا يقشان شبا وددان. 33 وبنو مديان عيفة وعفر وحنوك وابيداع وألدعة. فكل هؤلاء بنو قطورة. 34 وولد ابراهيم اسحق وابنا اسحق عيسو واسرائيل 35 بنو عيسو اليفاز ورعوئيل ويعوش ويعلام وقورح. 36 بنو اليفاز تيمان واومار وصفي وجعثام وقناز وتمناع وعماليق. 37 بنو رعوئيل نحث وزارح وشمّة ومزّة. 38 وبنو سعير لوطان وشوبال وصبعون وعنى ودبشون وإيصر وديشان. 39 وابنا لوطان حوري وهومام. واخت لوطان تمناع 40 بنو شوبال عليان ومناحة وعيبال وشفي واونام. وابنا صبعون أيّة وعنى. 41 ابن عنى ديشون وبنو ديشون حمران وأشبان ويثران وكران. 42 بنو إيصر بلهان وزعوان ويعقان. وابنا ديشان عوص واران 4هؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في ارض ادوم قبلما ملك ملك لبني اسرائيل. بالع بن بعور. واسم مدينته دنهابة. 44 ومات بالع فملك مكانه يوباب بن زارح من بصرة. 45 ومات يوباب فملك مكانه حوشام من ارض التيماني. 46 ومات حوشام فملك مكانه هدد بن بدد الذي كسّر مديان فيبلاد موآب واسم مدينته عويت 47 ومات هدد فملك مكانه سملة من مسريقة. 48 ومات سملة فملك مكانه شاول من رحوبوت النهر. 49 ومات شاول فملك مكانه بعل حانان بن عكبور. 50 ومات بعل حانان فملك مكانه هدد واسم مدينته فاعي واسم امرأته مهيطبئيل بنت مطرد بنت ماء الذهب. 51 ومات هدد فكانت امراء ادوم امير تمناع امير علوة امير يتيت 52 امير اهوليبامة امير ايلة امير فينون 53 امير قناز امير تيمان امير مبصار 54 امير مجديئيل امير عيرام. هؤلاء امراء ادوم)
وهكذا يمضي أكثر السفر بهذا الأسلوب الذي قد يستفيد منه المؤرخ.. ولكن لن يستفيد منه أبدا أي طالب للحق أو الحقيقة.. إن هذه التفاصيل الكثيرة تشغل عن المبادئ السامية والحكم المقدسة.
إن القرآن كتاب محمد لم يذكر أي شيء.. لا عن نسب محمد.. ولا عن أبناء محمد.. ولا عن قبيلة محمد.. بل إنه بالكاد يسمي اسمه..
وبمثل ذلك تعامل مع سائر الأنبياء.. هو لم يذكر إلا نسب المسيح.. نسبه إلى أمه للضرورة التي رآها تستدعي ذلك.. أما سائر الأنبياء فإنه يذكر أسماءهم غير مخلوطة بآبائهم ولا أمهاتهم ولا قبائلهم.
أما كتبنا المقدسة.. فتمتلئ بمثل هذه الأنساب التي لا أرى حاجة إليها.. حتى المسيح، وأناجيله لم تسلم من هذا..
فبينما يبدأ القرآن بحمد الله وتمجيده وذكر أسمائه الحسنى والدعاء.. ويبدأ في السورة التالية مباشرة بذكر أصناف الناس ومواقفهم من الإيمان.. ليبدأ التفصيل المرتبط بكل ذلك نجد أناجيلنا تبدأ بسرد مفصل لنسب المسيح.
فتح الكتاب المقدس.. وقال: اسمع ما ورد في أول سورة من إنجيل متى.
راح يقرأ:( كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم. 2 ابراهيم ولد اسحق. واسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا واخوته. 3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد ارام. 4 وارام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون. 5 وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى. 6 ويسى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا.. )
وهكذا يستمر ذكر النسب الطويل، ومعه الأسماء الكثيرة.
قلت: ولكن القرآن ذكر كثيرا من الأسماء في موضع واحد ألم تقرأ ما ورد في سورة الأنعام ـ مثلا ـ:) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((الأنعام:83 ـ 87)
قال: فرق كبير بين النصين.. إن القرآن لا يذكر هنا إلا أسماء محترمة لأنبياء كرام سبق له أن ذكر فضائلهم.. يذكرهم في موكب واحد ليملأ القلوب بمحبتهم.
قلت: ومثل ذلك يفعل الكتاب المقدس.. إن كل اسم يمثل قصة من قصص الكتاب المقدس.
قال: وبماذا يذكر الاسم.. بماذا يذكر قول متى في إنجيله عند ذكر نسب المسيح:( وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا )(متى:1/6).. ما فائدة ذكر زوجة أوريا هنا مع أنه لم يذكر زوجات السابقين.. أنت تعلم ذلك.. إن زوجة أوريا تمثل جريمة من أخطر الجرائم.. فهل ذكرها في النسب تكريم للمسيح أم إهانة له؟
أترى لو أنك ذكرت نسب رجل.. فرحت تنتقي من نسبه ما تهينه به.. ألا يعتبر ذلك إهانة منك؟
سكت، فقال: أكثر ما ورد من أسماء في ذلك النسب تمتلئ بالزناة والمنحرفين والمجرمين، فكيف توازن بينها وبين ما ورد في القرآن؟
حتى لو فرضنا صلاحهم، أفلم يكن كافيا أن يذكروا على سبيل الإجمال لا التفصيل.. انظر ماذا قال القرآن بعد أن عدد تلك الأسماء المحدودة:) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((الأنعام: 87)
كان هذا كافيا.. ولا حاجة لكل تلك التفاصيل المملة.
سكت قليلا، ثم قال: لا بأس.. مع ذلك فأولئك بشر محترمون.. وقد نحتاج إلى معرفة أسمائهم.. ولكن ما الحاجة إلى ما ورد في سفر صموئيل.. اسمع..:( فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيئة، وخمس كيلات من الفريك ومائتي عنقود من الزبيب، ومائتي قرص من التين، ووضعتها على الحمير ) (صموئيل الأول: 25/18 )
لقد رأيت أنه لا فائدة من كل هذا الكلام الطويل.. فما فائدة هذه الأعداد والأرقام التي لا حاجة لها.. إنها مجرد تطويل يشغل صاحبها عن تأمل المعاني السامية التي يحويها الكتاب المقدس.
لقد قارنت بين الأعداد في القرآن والكتاب المقدس.. فوجدت الفرق شاسعا.. فالقرآن لا يذكر الأعداد إلا للضرورة القصوى.. فلذلك لا تجد مثل هذه التفاصيل.. بل القرآن ينبه إلى عدم أهمية الأعداد وتفاصيلها.. وأنه لا ينبغي الاشتغال بها عن الغايات السامية.
لقد ورد في القرآن عند ذكر أهل الكهف:) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً( (الكهف: 22)
وقال عندما ذكر مدة لبثهم:) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26((الكهف)
سكت قليلا، ثم قال: ليس الأمر قاصرا على هذا.. ليس قاصرا على جرائد الأسماء التي لا حاجة لها.. ولا على جرائد الأعداد.. لقد طال الأمر أشياء لا تكاد تحتمل وهي الثقل بعينه.
اسمع هذا الوصف الطويل الثقيل.. واصبر علي، فليس هو كلامي.. بل كلام الكتاب المقدس.. ولا شك أننا نتعبد بتلاوته.
فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( 1 وكان في سنة الاربع مئة والثمانين لخروج بني اسرائيل من ارض مصر في السنة الرابعة لملك سليمان على اسرائيل في شهر زيو وهو الشهر الثاني انه بنى البيت للرب. 2 والبيت الذي بناه الملك سليمان للرب طوله ستون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وسمكه ثلاثون ذراعا. 3 والرواق قدام هيكل البيت طوله عشرون ذراعا حسب عرض البيت وعرضه عشر اذرع قدام البيت. 4 وعمل للبيت كوى مسقوفة مشبّكة. 5 وبنى مع حائط البيت طباقا حواليه مع حيطان البيت حول الهيكل والمحراب وعمل غرفات في مستديرها. 6 فالطبقة السفلى عرضها خمس اذرع والوسطى عرضها ست اذرع والثالثة عرضها سبع اذرع لانه جعل للبيت حواليه من خارج اخصاما لئلا تتمكن الجوائز في حيطان البيت. 7 والبيت في بنائه بني بحجارة صحيحة مقتلعة ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا اداة من حديد. 8 وكان باب الغرفة الوسطى في جانب البيت الايمن وكانوا يصعدون بدرج معطّف الى الوسطى ومن الوسطى الى الثالثة. 9 فبنى البيت واكمله وسقف البيت بألواح وجوائز من الارز. 10 وبنى الغرفات على البيت كله سمكها خمس اذرع وتمكنت في البيت بخشب ارز )(ملوك 6: 1-10)
التفت إلي، وقال: كل هذا الكلام لم أر حاجة إليه، فلهذا لم أذكره في هذا المختصر.. إن هذا الكلام قد ينفع المهندسين.. لكنه لن ينفع أبدا طالبي الله، والباحثين عنه..
أتعلم.. لقد طرق القرآن نفس المسألة عند ذكره لبناء الكعبة.. ولكنه ذكره بطريقة مختلفة تماما.. اسمع لما جاء في القرآن:) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)((البقرة)
أرأيت كيف انشغل القرآن بذكر دعاء إبراهيم وإسماعيل عن وصف الحجارة وطول البيت وعرضه؟
أما الكتاب المقدس وفي هذا الإصحاح بالذات.. فلم أنتق منه إلا هذا النص:( 11 وكان كلام الرب الى سليمان قائلا 12 هذا البيت الذي انت بانيه ان سلكت في فرائضي وعملت احكامي وحفظت كل وصاياي للسلوك بها فاني اقيم معك كلامي الذي تكلمت به الى داود ابيك. 13 واسكن في وسط بني اسرائيل ولا اترك شعبي اسرائيل 14 فبنى سليمان البيت واكمله. )(ملوك 6: 11-14)
ولكن الكتاب المقدس لم يلبث أن عاد لعادته، فراح يفصل من جديد فيما لا يستفاد منه أي فائدة.. اسمع ما قال بعد هذا:( 15 وبنى حيطان البيت من داخل بأضلاع ارز من ارض البيت الى حيطان السقف وغشّاه من داخل بخشب وفرش ارض البيت باخشاب سرو. 16 وبنى عشرين ذراعا من مؤخّر البيت باضلاع ارز من الارض الى الحيطان. وبنى داخله لاجل المحراب اي قدس الاقداس. 17 واربعون ذراعا كانت البيت اي الهيكل الذي امامه. 18 وارز البيت من داخل كان منقورا على شكل قثّاء وبراعم زهور. الجميع ارز. لم يكن يرى حجر. 19 وهيّأ محرابا في وسط البيت من داخل ليضع هناك تابوت عهد الرب. 20 ولاجل المحراب عشرون ذراعا طولا وعشرون ذراعا عرضا وعشرون ذراعا سمكا. وغشّاه بذهب خالص. وغشّى المذبح بأرز. 21 وغشّى سليمان البيت من داخل بذهب خالص. وسدّ بسلاسل ذهب قدام المحراب. وغشّاه بذهب. 22 وجميع البيت غشّاه بذهب الى تمام كل البيت وكل المذبح الذي للمحراب غشّاه بذهب. 23 وعمل في المحراب كروبين من خشب الزيتون علو الواحد عشر اذرع. 24 وخمس اذرع جناح الكروب الواحد وخمس اذرع جناح الكروب الآخر. عشر اذرع من طرف جناحيه الى طرف جناحه. 25 وعشر اذرع الكروب الآخر. قياس واحد وشكل واحد للكروبين. 26 علو الكروب الواحد عشر اذرع وكذا الكروب الآخر. 27 وجعل الكروبين في وسط البيت الداخلي وبسطوا اجنحة الكروبين فمسّ جناح الواحد الحائط وجناح الكروب الآخر مسّ الحائط الآخر وكانت اجنحتهما في وسط البيت يمسّ احدهما الآخر. 28 وغشّى الكروبين بذهب. 29 وجميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشا بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج. 30 وغشّى ارض البيت بذهب من داخل ومن خارج. 31 وعمل لباب المحراب مصراعين من خشب الزيتون. الساكف والقائمتان مخمّسة. 32 والمصراعان من خشب الزيتون. ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور وغشّاهما بذهب ورصّع الكروبيم والنخيل بذهب. 33 وكذلك عمل لمدخل الهيكل قوائم من خشب الزيتون مربعة 34 ومصراعين من خشب السرو. المصراع الواحد دفّتان تنطويان والمصراع الآخر دفّتان تنطويان. 35 ونحت كروبيم ونخيلا وبراعم زهور وغشّاها بذهب مطرّق على المنقوش. 36 وبنى الدار الداخلية ثلاثة صفوف منحوتة وصفا من جوائز الارز. 37 في السنة الرابعة أسس بيت الرب في شهر زيو. 38 وفي السنة الحادية عشرة في شهر بول وهو الشهر الثامن اكمل البيت في جميع أموره واحكامه. فبناه في سبع سنين )
هذا إصحاح كامل قد قرأته عليك.. وهو بمثابة سورة من سور القرآن.. فانظر ما الذي يمكن أن تجنيه من فوائد.
ثم.. ألا ترى التركيز على الذهب.. أليس في هذا نفحة من نفحات اليهود؟.. فهم قوم يحبون الذهب ويعشقونه.. بل باعوا الله من أجله.. لقد ذكرهم القرآن بهذا، فقال:) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ((لأعراف:148)
وذكر مقولتهم التي ردوا بها على موسى عندما أنكر عليهم، فقال:) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)((طه)
قارن هذا بما ورد في الكتاب المقدس.. وفي الإصحاح الثاني الذي أكمل ما بدأه الإصحاح الأول بنفس الوتيرة..
اسمع:( 47 وترك سليمان وزن جميع الآنية لانها كثيرة جدا جدا. لم يتحقق وزن النحاس. 48 وعمل سليمان جميع آنية بيت الرب المذبح من ذهب والمائدة التي عليها خبز الوجوه من ذهب. 49 والمنائر خمسا عن اليمين وخمسا عن اليسار امام المحراب من ذهب خالص والازهار والسرج والملاقط من ذهب. 50 والطسوس والمقاصّ والمناضح والصحون والمجامر من ذهب خالص. والوصل لمصاريع البيت الداخلي اي لقدس الاقداس ولابواب البيت اي الهيكل من ذهب. 51 واكمل جميع العمل الذي عمله الملك سليمان لبيت الرب. وادخل سليمان اقداس داود ابيه. الفضة والذهب والآنية وجعلها في خزائن بيت الرب )
هل تسمع أصوات الذهب.. وهي ترن من جنبات الكتاب المقدس.. إنها نصوص تمجد الذهب أكثر مما تمجد الرب..
قلت: ولكن القرآن الذي ترجع إليه كل حين تحدث عن الذهب..
قال: لقد رغب القرآن في ذهب الجنة لا في ذهب الدنيا.. هو يعلم أن البشر بطبعهم يحبون هذا النوع من الحجارة، فراح يستغل هذا الجانب النفسي في تنمية السلوك الصالح بترغيبهم في ذهب الآخرة.. اسمع ما ورد في القرآن من هذا، ثم قارنه بالكتاب المقدس:) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً((الكهف:31).. وفيه:) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ((الحج:23).. وفيه:) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((الزخرف:71)
القرآن يذكر كل هذا وغيره في معرض الترغيب في الآخرة التي هي حصاد زرع الدنيا.. وهو بذكره هذا يزهد في ذلك الذهب الخالص الذي أغرمت بذكره كتبنا المقدسة.
قلت: سلمت لك بكثير من هذا.. ولكن القرآن نفسه يحتوي لغوا كثيرا.
قال: أين تجد هذا اللغو.. اذكر لي آية.. بل كلمة واحد.
قلت: بل سأذكر لك كلمات.. لقد جاء فى فواتح تسع وعشرين سورة من القرآن حروفا عاطلة، لا معاني لها[2].. وأنت تعلم أن ما خوى من المعنى المفيد كان لغوا.
قال: تقصد الحروف القرآنية المقطعة؟
قلت: أجل.. هم يسمونها كذلك، ونحن نسميها الحروف العاطلة.. لأنه إن كانت هذه الحروف لا يعلمها إلا الله، كما يقول المسلمون، فما فائدتها لنا، إن الله لا يوحى إلا بالكلام الواضح أليسوا يقولون ذلك؟
قال: لست أدري هل تصدقني إن قلت لك بأن دهشة عظيمة تأخذني، عندما أقرأ هذه الحروف، وأقرأ بعدها آيات القرآن المحكمة الصادقة الجادة.
قلت: فأنت معي في هذا إذن؟
قال: إن الدهشة التي تصيبني ليست كالدهشة التي تصيبنا من ذلك اللغو.. أنا أشعر أن هذه الكلمات التي بدئت بهذه السور تحوي معان رمزية عميقة.. لست أدري هل هي تهديد، أم معارف.. هل هي وعد أم وعيد.. لكني أدخل إلى السورة من بوابتها، فأشعر بتلك الهيبة.
قلت: الشعور وحده لا يكفي لأن يخرج اللغو من كونه لغوا.
قال: اللغو هو ما ليس له فائدة أبدا.. أما ما كان فيه فائدة، فليس لغوا.
أرأيت لو أن قوما من الناس خشوا أن يخترقوا، فاتفقوا فيما بينهم على حروف لا صلة تربطها.. ليكون ذلك واصلة عقدهم.. فهل تعتبر هذه الكلمة لغوا؟
قلت: هي لغو من حيث معناها.
قال: ولكنها أهم من كل كلام من حيث فائدتها.
قلت: أتتصور أن هذه الحروف لها هذا الدور؟
قال: قد يكون لها بعض هذا الدور.. أنا أتصور أن هذه الحروف العجيبة لها دلالة عميقة لا يفهمها إلا من أوتي حظا من علم الكتاب.. القرآن لا يعتبر الناس جميعا محلا لتنزل المعاني القرآنية العميقة.. فلذلك يقسم الناس إلى العامة.. والعلماء.. والراسخين في العلم..
اسمع ما يقول في هذا ومثله:) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7)
واسمع ما يقول عن قومنا من الراسخين في العلم:) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:162)
أتدري ما معنى الرسوخ؟
قلت: أجل.. هو التمكن.
قال: فكذلك هذه المعاني الحقيقة، والتي تبدو عاطلة في أسماع العامة والعلماء، هي أسرار عظيمة وحكم جليلة عند الراسخين في العلم.. المتمكنين منه، وهي بذلك الشيفرة التي يتواصلون بها.. أو تتواصل بها المعاني فيما بينهم[3].
قلت: ولكنها تظل محصورة بينهم.. والقرآن للجميع.
قال: نعم القرآن للجميع.. ولكن معانيه العميقة لخاصة الخاصة.. نعم الكل يفهمونها.. ولكن الراسخين هم الذين يعيشونها.
سأضرب لك مثالا.. هل تستطيع أن تشرح النظرية النسبية لعامي.. إن معادلاتها تشبه هذه الحروف.. يفهمها الخاصة.. ولكن العامة يضحكون منها أو يستغربون أو تأخذهم الدهشة.
قلت: فهل ترى من الراسخين من عرف محتواها؟
قال: كل عبر عنها بأسلوبه.. وكل شرب منها بحسب رسوخه.
قلت: فما ذكروا عن مشاربهم؟
قال: منهم من رأى أن هذه الفواتح تشير إلى إعجاز القرآن، وأنه مؤلف من الحروف التى عرفها العرب، وصاغوا منها مفرداتهم، وصاغوا من مفرداتهم تراكيبهم. وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئاً، ومع ذلك كان القرآن معجزاً؛ لا لأنه نزل بلغة تغاير لغتهم، ولكن لأنه نزل بعلم الله، كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى النموذج المصنوع واحدة وفى هذا قطع للحُجة عنهم.
ويؤيد هذا ما ورد في القرآن من قوله:) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)((هود)، فهذه تخبرهم بأن القرآن إنما كان معجزاً لأمر واحد هو أنه كلام الله، نازل وفق علم الله وصنعه، الذى لا يرقى إليه مخلوق.. أما اللغة فهي نفس اللغة التي يتحدثون بها، والتي أشارت إليها كلمة (مثل)
ومنهم من رأى أن هذه الحروف أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة.. فـ (ألم)، وهى تنطق هكذا ( ألف لام ميم ) تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة أصوات، يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه، وتجذبه لعقبى الكلام قبل أن يسمع السامع قوله بعد هذه الأصوات التسعة:) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ( (البقرة:2)
وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى، ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه الحروف فى فواتح السور عبارة (قرع عصى).. أي الضرب بالعصى على الأرض لتنبيه المراد تنبيهه.. وهى وسيلة كانت تستعمل فى إيقاظ النائم، وتنبيه الغافل، وهى كناية لطيفة، وتطبيقها على هذه الحروف غير مستنكر.
وفي القرآن إشارة إلى ذلك في قوله:) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( (لأعراف:204)
ومنهم من رأى أن فى هذه الحروف سرًّا دقيقاً من أسرار الإعجاز القرآنى المفحم، لقد قال هذا الزمخشري اللغوي البارع والمتعبد الزاهد لاشك أنك تعرفه.. سأسمعك قوله في هذا، لقد قال:( واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء يقصد الحروف وجدتها نصف حروف المعجم، أربعة عشر سواء، وهى: الألف واللام والميم والصاد، والراء والكاف والهاء، والياء والعين والطاء والسين والحاء، والقاف والنون، فى تسع وعشرين سورة، على حذو حروف المعجم.
ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف، بيان ذلك أن فيها:من المهموسة نصفها: الصاد، والكاف، والهاء والسين والخاء.. ومن المجهورة نصفها: الألف واللام والميم، والراء والعين والطاء، والقاف والياء والنون.. ومن الشديدة نصفها: الألف والكاف، والطاء والقاف.. ومن الرخوة نصفها:اللام والميم، والراء والصاد، والهاء والعين، والسين والحاء والياء والنون.. ومن المطبقة نصفها: الصاد والطاء.. ومن المنفتحة نصفها: الألف واللام، والميم والراء، والكاف، والهاء والعين والسين والحاء، والقاف والياء والنون.. ومن المستعلية نصفها: القاف والصاد، والطاء.. ومن المنخفضة نصفها: الألف واللام والميم، والراء والكاف والهاء، والياء، والعين والسين، والحاء والنون.. ومن حروف القلقلة نصفها: القاف والطاء [4].
أفهمت هذا.. إنه إعجاز واضح لمن يتذوق أسرار الأصوات.. إنه يريد أن يقول: إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان إعجازيان:
الأول: من حيث عدد الأبجدية العربية، وهى ثمانية وعشرون حرفاً، فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف حروف الأبجدية، يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفاً، والذى لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا.
والثانى: من حيث صفات الحروف وهى:الهمس فى مقابلة الجهارة، والشدة فى مقابلة الرخاوة، والانطباق فى مقابلة الانفتاح، والاستعلاء فى مقابلة الانخفاض، والقلقلة فى مقابلة غيرها.
فهذه الحروف تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع المذكورة..
وبعد هذا.. منهم من فهمها شيفرة تدل على معارف إلهية عميقة عبر عنها بما استطاع لسانه أن يعبر:
ففهم منها علي ـ صاحب النبي ومن وصفه محمد بأنه باب مدينة العلم ـ بأنها أسماء جليلة لله، فكان يقول:( يا كهيعص، يا حم عاسق )
وفهممها آخرون أنها أبعاض لأسماء الله، فكان بعضهم يقول:( ألر، حام، ن ) مجموعها هو اسم الرحمن.
وروي عن ابن عباس في ( آلم ) أن الألف إشارة إلى أنه تعالى أحد، أول، آخر، أزلي، أبدي، واللام إشارة إلى أنه لطيف، والميم إشارة إلى أنه ملك مجيد منان.. وقال في ) كهيعص ( إنه ثناء من الله تعالى على نفسه، والكاف يدل على كونه كافياً، والهاء يدل على كونه هادياً، والعين يدل على العالم، والصاد يدل على الصادق.
وروي أنه حمل الكاف على الكبير والكريم، والياء على أنه يجير، والعين على العزيز والعدل.
وبعضهم فهم منها ما يدل على صفات الأفعال، فالألف آلاؤه، واللام لطفه، والميم مجده.
وهكذا.. كل يعبر عن ذوقه وفهمه.
قلت: فما تقول أنت؟
قال: لا يزال عقلي مندهشا.. ولو أني أعلم أن هذه الحروف تخبئ أسرارا عميقة لن يطول الزمان حتى نعرفها.. بل أرانا نقترب منها اقترابا.
في اليوم الثالث.. وصلني ظرف محترم من بعض أهل الإسكندرية يريد أن يقابلني فيه.. كان الظرف رائعا.. وكان مختصرا جدا يدل على مدى الجد الذي يتحلى به صاحبه.. وكان ـ فوق ذلك ـ يدل على كون صاحبه مسيحيا ملتزما، فقد كان أسلوب كتابته ينم عن علاقة وثيقة للكاتب بالكتاب المقدس.
لست أدري كيف رضيت بمقابلته.. مع أني لم أكن أنوي مقابلة أحد في ذلك اليوم، بسبب ما امتلأت به في اليوم السابقين من الإحراج الذي أوقعني فيه الكتاب المقدس.
دخل علي المكتب.. وكان في غاية التهذيب والأدب، فألقى التحية، وقال بعدها مباشرة من غير مقدمات: أعرفك بنفسي.. أنا يعقوب سمعان.. وقد جئتك لغرض يرتبط بالكتاب المقدس، فإن أذنت لي أن أطرحه فعلت.
قلت: لا بأس.. أنا لم أنزل إلى بلادكم إلا لأجل الكتاب المقدس.. فاطرح ما شئت.. فلن تجد مني إلا الآذان الصاغية.
نظر إلي نظرة كلها جد، وقال: لقد درست الكتاب المقدس دراسة فاحصة من حيث محتوياته.. ومن حيث ما يمكن أن يؤثر تربية أو يفيد علما.
قلت: بورك لك هذا الاهتمام.
قال: لم أجئك لأجل هذا.. وإنما جئتك لأجل غرض آخر.
قلت: تحدث بلا حرج.
1 ـ اللغو
أخرج الكتاب المقدس من محفظته، وأخرج معه كراسة صغيرة، وقال: أنا رجل جاد بطبعي.. لا أحب الكلام الكثير الذي لا تكون له أي فائدة.. وقد رأيت الكتاب المقدس ممتلئا كلاما كثيرا لا أرى أن هناك من يحتاج إليه في جميع هذه الدنيا[1].. بل رأيت أنه نوع من الثقل يحول بين هذا الخلق وفوائد الكتاب المقدس التي جاء من أجلها.. ورأيت فوق ذلك رجال ديننا منشغلين بفك الألغاز التي لا تفك عن الحقائق التي تصرخ كغريق لا يجد له منجدا.
قلت: فما فعلت؟.. وما هذا الكراس الذي وضعته بجانبي مع الكتاب المقدس؟
قال: هذا الكراس هو مشروعي لاختصار الكتاب المقدس.. فبدل أن تكلفوا أنفسكم بطباعة هذا الكتاب الضخم، اكتفوا بطباعة هذه الكراسة، أو مثلها.. بحيث يستفيد منها كل مسيحي.. بل يمكن أن يحفظها بسهولة.
قلت: أتقصد أن الكتاب المقدس جميعه في هذه الكراسة؟
قال: أجل.. لقد حذفت من الكتاب المقدس كل ما لا يستفيد منه قارئه.. أنا لي خبرة طويلة في هذا المجال.. بل لي كتب كثيرة كلها مختصرات للكتب المطولة.
قلت: طرحك جميل.. ولكن يحتاج إلى بعض المناقشة.. اذكر لي ـ أولا ـ سر لجوئك إلى هذا السبيل للتعامل مع الكتاب المقدس.
قال: بصراحة.. أنا لي علاقة بالقرآن.. كتاب المسلمين.. بطبيعة البلد الذي أسكن فيه.. بل أنا أحفظ القرآن.. وقد بهرت بجماله واختصاره.. تصور أنه يلخص كل عقائد المسلمين في الله في سورة واحدة.. يسمونها ثلث القرآن.. سأقرأها عليك: ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ( (الإخلاص: 4)
هذه السورة القصيرة ذوات الآيات القصيرة والكلمات القليلة تحوي كل حقائق التوحيد الذي يعتقده المسلمون.. ليست هناك أي كلمة زائدة، أو في غير محلها.
مثل ذلك آية أخرى تصف الله، فتقول:) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ((البقرة:163)
ومثل ذلك آية أخرى تقول:) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ((الحجر:49)، تليها آية أخرى خلفها تكمل معناها تقول:) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ( (الحجر:50)
والقرآن يعلم المسلمين كيف يحاورون أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فيقتصر على جملة تحتاج سفرا لتحليلها، واستنباط الفوائد منها.. إنها هذه الجملة الرائعة:) وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ((العنكبوت:46)
بل إن القرآن جميعا تلخص أغراضه ومعانيه في سورة واحدة يكررها المسلمون في صلواتهم.. لا شك أنك تسمع بها.. هي سورة الفاتحة.. وهم يسمونها كذلك (أم الكتاب).. سأقرأها عليك لترى مدى جمالها.. وترى كثرة المعاني التي تحويها:) بسم الله الرحمن الرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7((الفاتحة)
لقد اكتشفت أن الجمال والفائدة والمتعة في الاختصار.. ألا ترى الشجر المشذب الأغصان كيف يكسى بحلل الجمال.. وكيف بعد ذلك يعطينا لذيذ الثمار؟
لم أر الاختصار فقط في صنعة البشر.. بل رأيتها قبل ذلك في صنعة الخالق.. فالخالق صنع كل شيء بمقدار محدد لا يتجاوزه.. لقد ذكر القرآن هذا.. اسمح لي أن أذكر القرآن.. لأني أحفظه.. ولأني للأسف لم أجد في كتابنا المقدس ما يصلح أن يستشهد به.. لقد ذكر القرآن هذا، فقال:) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ((القمر:49).. ولخص القانون الذي وزعت به الأشياء في الكون، فقال:) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ((الحجر:21)
حتى اللغة التي نتكلمها.. حروفها قليلة محدودة.. ولكنها باجتماعها تجمع الأغراض الكثيرة.. ومثلها المواد الأساسية التي يتشكل منها الكون.. هي قليلة من حيث عناصرها.. ولكنها كثيرة جدا من حيث محتوياتها.
لكل ذلك رأيت أنه ليس بالضرورة أن يكون كلامنا كثيرا.. يكفينا الكلام القليل الذي يستطيع العقل أن يركب منه معاني كثيرة نستفيد منها في حياتنا جميعا.
ألست ترى المعادلات الرياضية كيف تصاغ برموز قليلة مختصرة مملوءة بالدقة؟.. إن ذلك هو ما حول الرياضيات أما للعلوم.
قلت: أتريد أن نحول صياغة الكتاب المقدس إلى معادلات رياضية؟
قال: لا أقصد هذا.. ولكني أقصد أن يحول إلى ما يشبه هذه المعادلات من حيث تلخيص الحقائق، والبعد عن الشوائب الكثيرة التي قد تحول بيننا وبين رؤية الحقائق.
قلت: فلنبدأ بالأمر العملي.. ماذا فعلت؟
قال: أولا.. رأيت في الكتاب المقدس كلاما كثيرا.. لا يمكن أن يفيد أي فائدة.. هو مجرد ثقل ينوء به ظهر الكتاب، وفي نفس الوقت يحول بين القراء وجمال هذا الكتاب ومعانيه السامية.
قلت: اضرب لي مثالا على ذلك.
قال: سأضرب لك أمثلة.. لترى أي معنى يمكن أن يحمله مثل هذا الكلام:
فتح الكتاب المقدس، ثم قال: اسمع لما يقول بولس في رسالته الثانية إلي صديقه تيموثاوس:( بادرْ أَنْ تَأْتِيَ إِلَيَّ سَرِيعاً، لأَنَّ دِيمَاسَ، إِذْ أَحَبَّ الْحَيَاةَ الْحَاضِرَةَ، تَرَكَنِي وَذَهَبَ إِلَى مَدِينَةِ تَسَالُونِيكِي. أَمَّا كِرِيسْكِيسُ، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى مُقَاطَعَةِ غَلاَطِيَّةَ، وَتِيطُسُ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إلا لُوقَا وَحْدَه ُخذ ِمَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ، فَهُوَ يَنْفَعُنِي فِي الْخِدْمَةِ. أَمَّا تِيخِيكُسُ، فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى مَدِينَةِ أَفَسُسَ. وَعِنْدَمَا تَجِيءُ، أَحْضِرْ مَعَكَ رِدَائِي الَّذِي تَرَكْتُهُ عِنْدَ كَارْبُسَ فِي تَرُوَاسَ، وَكَذلِكَ كُتُبِي، وَبِخَاصَّةٍ الرُّقُوقَ الْمَخْطُوطَةَ)( تيموثاوس: 4: 9)
أرجو أن توضح لي.. ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها قارئ هذا النص.. إن هذا الكلام مجرد رسالة شخصية محضة تتعلق بطلب بولس من صديقه الحضور سريعاً، وتتعلق بردائه الشخصي..فلذلك ما ضرورة وجود مثل هذا الكلام في الكتاب المقدس!؟
قلب بعض الصفحات، ثم قال: اسمع ما يقول بولس لصديقه تيطس:( حالَمَا أُرْسِلُ إِلَيْكَ أَرْتِمَاسَ أَوْ تِيخِيكُسَ، اجْتَهِدْ أَنْ تَأْتِيَنِي إِلَى مَدِينَةِ نِيكُوبُولِيسَ، لأَنِّي قَرَّرْتُ أَنْ أشـتي هُنَاكَ )( تيطس: 3: 12)
ما علاقة هذا بالمعرفة أو التربية التي جاء الكتاب المقدس لأجلها؟.. هل ترى ـ حضرة الحبر ـ أن في قول بولس لصديقه (تيطس) أنه قرر أن يشتي في المكان الفلاني أي فائدة؟
قلب بعض الصفحات، ثم قال: اسمع ما يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية ( 16: 21 ):( يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسُ مُعَاوِنِي، وَلُوكِيُوسُ وَيَاسُونُ وسُوسِيبَاتْرُسُ أَقْرِبَائِي. وَأَنَا، تَرْتِيُوسَ الَّذِي أَخُطُّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ.يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُوسُ، الْمُضِيفُ لِي وَلِلْكَنِيسَةِ كُلِّهَا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرَاسْتُسُ، أَمِينُ صُنْدُوقِ الْمَدِينَةِ، وَالأَخُ كُوَارْتُسُ )
ما علاقة هذه التحيات وهذه الأسماء الكثيرة بالمعاني التي جاء الكتاب المقدس من أجلها؟
صمت، فراح يقلب صفحات الكتاب المقدس، ثم قال: اسمع ما جاء في رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس:( سَلِّمْ عَلَى بِرِسْكَا وَأَكِيلاَ، وَعَائِلَةِ أُونِيسِيفُورُسَ. أَرَاسْتُسُ مَازَالَ فِي مَدِينَةِ كُورِنْثُوسَ. أَمَّا تُرُوفِيمُوسُ، فَقَدْ تَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً. اجْتَهِدْ أَنْ تَجِيءَ إِلَيَّ قَبْلَ حُلُولِ الشِّتَاءِ.يُسَلِّمُ عَلَيْكَ إِيُوبُولُسُ، وَبُودِيسُ، وَلِينُوسُ، وَكَلُودِيَا، وَالإِخْوَةُ جَمِيعاً ) (تيموثاوس: 4: 19)
إن هذا الكلام لا يحوي ـ فقط ـ لغوا كثيرا لا نحتاج إليه، بل هو فوق ذلك يحوي أسماء كثيرة تجعل من الكتاب المقدس كتاب خاصة الخاصة.. أذكر أن بعضنا قرأ الكتاب المقدس.. بل قرأ هذا النص بالذات في مجمع من المجامع، فراح يحرف الأسماء واحدا واحدا مما ملأ الحضور ضحكا عليه، وربما على الكتاب المقدس..
لقد قرأت القرآن كما ذكرت لك.. فلم أجد فيه إلا أسماء محصورة معدودة مما تحوج تعاليمه تسميتها.. فهو يكتفي بذكر المعنى والعبرة.. ولا يذكر الاسم إلا إذا اقتضى المقام ذلك.
اسمع ما يقول القرآن عن مؤمن آل فرعون الذي دافع عن موسى:) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ((غافر:28)
أرأيت كيف اكتفى القرآن بموضع الحاجة سماه رجلا.. بما تعنيه الرجولة من شهامة ونبل وكرم خلق.. وسماه مؤمنا.. وذكر أنه يكتم إيمانه.. ثم ذكر نص مرافعته.. ولم يذكر مع كل هذا اسمه ولا لقبه ولا نسبه ولا بلده ولا وظيفته.. مما نرى الكتاب المقدس حريصا على ذكره.. بل مبالغا في تفاصيل ذكره.
اسمع موضعا آخر يقول فيه القرآن:) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ((يّـس:20).. لم يسم المدينة.. بل اكتفى بكون الرجل من أقصاها ليبين مدى الجهد الذي بذله لينصر إخوانه المرسلين.
وفي آية أخرى ذكر لهذا.. ولكن الغرض فيها هو حماية مؤمن من التعرض للقتل:) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ((القصص:20)
لهذا رأيت استبدال كثير من أسماء الكتاب المقدس التي يصعب علينا ـ معشر العامة ـ النطق بها بلغتها الأصلية.. بمثل ما ورد في القرآن..
قلت: فهل تيسر لك أن تفعل هذا؟.. أرى أنه من الصعوبة أن تفعل هذا.
قال: أجل.. لذلك اضطررت إلى استعمال المقص.. وحذف الكثير.. واضطررت ـ كذلك ـ إلى استعمال بعض التعبيرات الخاصة.
سأذكر لك بعض الأمثلة عن القص..
لقد قصصت أكثر ما ورد في أخبار الأيام.. سأسوق لك هذا المثال من الإصحاح الأول من هذا السفر كاملا.. اسمع.
قلب بعض الصفحات، ثم راح يقرأ:( 1 آدم شيث انوش 2 قينان مهللئيل يارد 3 اخنوخ متوشالح لامك 4 نوح سام حام يافث 5 بنو يافث جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس. 6 وبنو جومر أشكناز وريفاث وتوجرمة. 7 وبنو ياوان اليشة وترشيشة وكتيم ودودانيم. 8 بنو حام كوش ومصرايم وفوط وكنعان. 9 وبنو كوش سبا وحويلة وسبتا ورعما وسبتكا. وبنو رعما شبا وددان. 10 وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارا في الارض. 11 ومصرايم ولد لوديم وعناميم ولهابيم ونفتوحيم 12 وفتروسيم وكسلوحيم الذين خرج منهم فلشتيم وكفتوريم. 13 وكنعان ولد صيدون بكره وحثّا 14 واليبوسي والاموري والجرجاشي 15 والحوّي والعرقيّ والسيني 16 والاروادي والصماريّ والحماثيّ 17 بنو سام عيلام واشور وارفكشاد ولود وارام وعوص وحول وجاثر وماشك. 18 وارفكشاد ولد شالح وشالح ولد عابر. 19 ولعابر ولد ابنان اسم الواحد فالج لان في ايامه قسمت الارض. واسم اخيه يقطان. 20 ويقطان ولد الموداد وشالف وحضرموت ويارح 21 وهدورام وأوزال ودقلة 22 وعيبال وأبيمايل وشبا 23 وأوفير وحويلة ويوباب. كل هؤلاء بنو يقطان 24 سام ارفكشاد شالح 25 عابر فالج رعو 26 سروج ناحور تارح 27 ابرام وهو ابراهيم. 28 ابنا ابراهيم اسحق واسماعيل. 29 هذه مواليدهم. بكر اسماعيل نبايوت وقيدار وأدبئيل ومبسام 30 ومشماع ودومة ومسّا وحدد وتيما 31 ويطور ونافيش وقدمة. هؤلاء هم بنو اسماعيل 32 واما بنو قطورة سرية ابراهيم فانها ولدت زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا. وابنا يقشان شبا وددان. 33 وبنو مديان عيفة وعفر وحنوك وابيداع وألدعة. فكل هؤلاء بنو قطورة. 34 وولد ابراهيم اسحق وابنا اسحق عيسو واسرائيل 35 بنو عيسو اليفاز ورعوئيل ويعوش ويعلام وقورح. 36 بنو اليفاز تيمان واومار وصفي وجعثام وقناز وتمناع وعماليق. 37 بنو رعوئيل نحث وزارح وشمّة ومزّة. 38 وبنو سعير لوطان وشوبال وصبعون وعنى ودبشون وإيصر وديشان. 39 وابنا لوطان حوري وهومام. واخت لوطان تمناع 40 بنو شوبال عليان ومناحة وعيبال وشفي واونام. وابنا صبعون أيّة وعنى. 41 ابن عنى ديشون وبنو ديشون حمران وأشبان ويثران وكران. 42 بنو إيصر بلهان وزعوان ويعقان. وابنا ديشان عوص واران 4هؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في ارض ادوم قبلما ملك ملك لبني اسرائيل. بالع بن بعور. واسم مدينته دنهابة. 44 ومات بالع فملك مكانه يوباب بن زارح من بصرة. 45 ومات يوباب فملك مكانه حوشام من ارض التيماني. 46 ومات حوشام فملك مكانه هدد بن بدد الذي كسّر مديان فيبلاد موآب واسم مدينته عويت 47 ومات هدد فملك مكانه سملة من مسريقة. 48 ومات سملة فملك مكانه شاول من رحوبوت النهر. 49 ومات شاول فملك مكانه بعل حانان بن عكبور. 50 ومات بعل حانان فملك مكانه هدد واسم مدينته فاعي واسم امرأته مهيطبئيل بنت مطرد بنت ماء الذهب. 51 ومات هدد فكانت امراء ادوم امير تمناع امير علوة امير يتيت 52 امير اهوليبامة امير ايلة امير فينون 53 امير قناز امير تيمان امير مبصار 54 امير مجديئيل امير عيرام. هؤلاء امراء ادوم)
وهكذا يمضي أكثر السفر بهذا الأسلوب الذي قد يستفيد منه المؤرخ.. ولكن لن يستفيد منه أبدا أي طالب للحق أو الحقيقة.. إن هذه التفاصيل الكثيرة تشغل عن المبادئ السامية والحكم المقدسة.
إن القرآن كتاب محمد لم يذكر أي شيء.. لا عن نسب محمد.. ولا عن أبناء محمد.. ولا عن قبيلة محمد.. بل إنه بالكاد يسمي اسمه..
وبمثل ذلك تعامل مع سائر الأنبياء.. هو لم يذكر إلا نسب المسيح.. نسبه إلى أمه للضرورة التي رآها تستدعي ذلك.. أما سائر الأنبياء فإنه يذكر أسماءهم غير مخلوطة بآبائهم ولا أمهاتهم ولا قبائلهم.
أما كتبنا المقدسة.. فتمتلئ بمثل هذه الأنساب التي لا أرى حاجة إليها.. حتى المسيح، وأناجيله لم تسلم من هذا..
فبينما يبدأ القرآن بحمد الله وتمجيده وذكر أسمائه الحسنى والدعاء.. ويبدأ في السورة التالية مباشرة بذكر أصناف الناس ومواقفهم من الإيمان.. ليبدأ التفصيل المرتبط بكل ذلك نجد أناجيلنا تبدأ بسرد مفصل لنسب المسيح.
فتح الكتاب المقدس.. وقال: اسمع ما ورد في أول سورة من إنجيل متى.
راح يقرأ:( كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم. 2 ابراهيم ولد اسحق. واسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا واخوته. 3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد ارام. 4 وارام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون. 5 وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى. 6 ويسى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا.. )
وهكذا يستمر ذكر النسب الطويل، ومعه الأسماء الكثيرة.
قلت: ولكن القرآن ذكر كثيرا من الأسماء في موضع واحد ألم تقرأ ما ورد في سورة الأنعام ـ مثلا ـ:) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((الأنعام:83 ـ 87)
قال: فرق كبير بين النصين.. إن القرآن لا يذكر هنا إلا أسماء محترمة لأنبياء كرام سبق له أن ذكر فضائلهم.. يذكرهم في موكب واحد ليملأ القلوب بمحبتهم.
قلت: ومثل ذلك يفعل الكتاب المقدس.. إن كل اسم يمثل قصة من قصص الكتاب المقدس.
قال: وبماذا يذكر الاسم.. بماذا يذكر قول متى في إنجيله عند ذكر نسب المسيح:( وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا )(متى:1/6).. ما فائدة ذكر زوجة أوريا هنا مع أنه لم يذكر زوجات السابقين.. أنت تعلم ذلك.. إن زوجة أوريا تمثل جريمة من أخطر الجرائم.. فهل ذكرها في النسب تكريم للمسيح أم إهانة له؟
أترى لو أنك ذكرت نسب رجل.. فرحت تنتقي من نسبه ما تهينه به.. ألا يعتبر ذلك إهانة منك؟
سكت، فقال: أكثر ما ورد من أسماء في ذلك النسب تمتلئ بالزناة والمنحرفين والمجرمين، فكيف توازن بينها وبين ما ورد في القرآن؟
حتى لو فرضنا صلاحهم، أفلم يكن كافيا أن يذكروا على سبيل الإجمال لا التفصيل.. انظر ماذا قال القرآن بعد أن عدد تلك الأسماء المحدودة:) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((الأنعام: 87)
كان هذا كافيا.. ولا حاجة لكل تلك التفاصيل المملة.
سكت قليلا، ثم قال: لا بأس.. مع ذلك فأولئك بشر محترمون.. وقد نحتاج إلى معرفة أسمائهم.. ولكن ما الحاجة إلى ما ورد في سفر صموئيل.. اسمع..:( فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيئة، وخمس كيلات من الفريك ومائتي عنقود من الزبيب، ومائتي قرص من التين، ووضعتها على الحمير ) (صموئيل الأول: 25/18 )
لقد رأيت أنه لا فائدة من كل هذا الكلام الطويل.. فما فائدة هذه الأعداد والأرقام التي لا حاجة لها.. إنها مجرد تطويل يشغل صاحبها عن تأمل المعاني السامية التي يحويها الكتاب المقدس.
لقد قارنت بين الأعداد في القرآن والكتاب المقدس.. فوجدت الفرق شاسعا.. فالقرآن لا يذكر الأعداد إلا للضرورة القصوى.. فلذلك لا تجد مثل هذه التفاصيل.. بل القرآن ينبه إلى عدم أهمية الأعداد وتفاصيلها.. وأنه لا ينبغي الاشتغال بها عن الغايات السامية.
لقد ورد في القرآن عند ذكر أهل الكهف:) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً( (الكهف: 22)
وقال عندما ذكر مدة لبثهم:) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26((الكهف)
سكت قليلا، ثم قال: ليس الأمر قاصرا على هذا.. ليس قاصرا على جرائد الأسماء التي لا حاجة لها.. ولا على جرائد الأعداد.. لقد طال الأمر أشياء لا تكاد تحتمل وهي الثقل بعينه.
اسمع هذا الوصف الطويل الثقيل.. واصبر علي، فليس هو كلامي.. بل كلام الكتاب المقدس.. ولا شك أننا نتعبد بتلاوته.
فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( 1 وكان في سنة الاربع مئة والثمانين لخروج بني اسرائيل من ارض مصر في السنة الرابعة لملك سليمان على اسرائيل في شهر زيو وهو الشهر الثاني انه بنى البيت للرب. 2 والبيت الذي بناه الملك سليمان للرب طوله ستون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وسمكه ثلاثون ذراعا. 3 والرواق قدام هيكل البيت طوله عشرون ذراعا حسب عرض البيت وعرضه عشر اذرع قدام البيت. 4 وعمل للبيت كوى مسقوفة مشبّكة. 5 وبنى مع حائط البيت طباقا حواليه مع حيطان البيت حول الهيكل والمحراب وعمل غرفات في مستديرها. 6 فالطبقة السفلى عرضها خمس اذرع والوسطى عرضها ست اذرع والثالثة عرضها سبع اذرع لانه جعل للبيت حواليه من خارج اخصاما لئلا تتمكن الجوائز في حيطان البيت. 7 والبيت في بنائه بني بحجارة صحيحة مقتلعة ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا اداة من حديد. 8 وكان باب الغرفة الوسطى في جانب البيت الايمن وكانوا يصعدون بدرج معطّف الى الوسطى ومن الوسطى الى الثالثة. 9 فبنى البيت واكمله وسقف البيت بألواح وجوائز من الارز. 10 وبنى الغرفات على البيت كله سمكها خمس اذرع وتمكنت في البيت بخشب ارز )(ملوك 6: 1-10)
التفت إلي، وقال: كل هذا الكلام لم أر حاجة إليه، فلهذا لم أذكره في هذا المختصر.. إن هذا الكلام قد ينفع المهندسين.. لكنه لن ينفع أبدا طالبي الله، والباحثين عنه..
أتعلم.. لقد طرق القرآن نفس المسألة عند ذكره لبناء الكعبة.. ولكنه ذكره بطريقة مختلفة تماما.. اسمع لما جاء في القرآن:) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)((البقرة)
أرأيت كيف انشغل القرآن بذكر دعاء إبراهيم وإسماعيل عن وصف الحجارة وطول البيت وعرضه؟
أما الكتاب المقدس وفي هذا الإصحاح بالذات.. فلم أنتق منه إلا هذا النص:( 11 وكان كلام الرب الى سليمان قائلا 12 هذا البيت الذي انت بانيه ان سلكت في فرائضي وعملت احكامي وحفظت كل وصاياي للسلوك بها فاني اقيم معك كلامي الذي تكلمت به الى داود ابيك. 13 واسكن في وسط بني اسرائيل ولا اترك شعبي اسرائيل 14 فبنى سليمان البيت واكمله. )(ملوك 6: 11-14)
ولكن الكتاب المقدس لم يلبث أن عاد لعادته، فراح يفصل من جديد فيما لا يستفاد منه أي فائدة.. اسمع ما قال بعد هذا:( 15 وبنى حيطان البيت من داخل بأضلاع ارز من ارض البيت الى حيطان السقف وغشّاه من داخل بخشب وفرش ارض البيت باخشاب سرو. 16 وبنى عشرين ذراعا من مؤخّر البيت باضلاع ارز من الارض الى الحيطان. وبنى داخله لاجل المحراب اي قدس الاقداس. 17 واربعون ذراعا كانت البيت اي الهيكل الذي امامه. 18 وارز البيت من داخل كان منقورا على شكل قثّاء وبراعم زهور. الجميع ارز. لم يكن يرى حجر. 19 وهيّأ محرابا في وسط البيت من داخل ليضع هناك تابوت عهد الرب. 20 ولاجل المحراب عشرون ذراعا طولا وعشرون ذراعا عرضا وعشرون ذراعا سمكا. وغشّاه بذهب خالص. وغشّى المذبح بأرز. 21 وغشّى سليمان البيت من داخل بذهب خالص. وسدّ بسلاسل ذهب قدام المحراب. وغشّاه بذهب. 22 وجميع البيت غشّاه بذهب الى تمام كل البيت وكل المذبح الذي للمحراب غشّاه بذهب. 23 وعمل في المحراب كروبين من خشب الزيتون علو الواحد عشر اذرع. 24 وخمس اذرع جناح الكروب الواحد وخمس اذرع جناح الكروب الآخر. عشر اذرع من طرف جناحيه الى طرف جناحه. 25 وعشر اذرع الكروب الآخر. قياس واحد وشكل واحد للكروبين. 26 علو الكروب الواحد عشر اذرع وكذا الكروب الآخر. 27 وجعل الكروبين في وسط البيت الداخلي وبسطوا اجنحة الكروبين فمسّ جناح الواحد الحائط وجناح الكروب الآخر مسّ الحائط الآخر وكانت اجنحتهما في وسط البيت يمسّ احدهما الآخر. 28 وغشّى الكروبين بذهب. 29 وجميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشا بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج. 30 وغشّى ارض البيت بذهب من داخل ومن خارج. 31 وعمل لباب المحراب مصراعين من خشب الزيتون. الساكف والقائمتان مخمّسة. 32 والمصراعان من خشب الزيتون. ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور وغشّاهما بذهب ورصّع الكروبيم والنخيل بذهب. 33 وكذلك عمل لمدخل الهيكل قوائم من خشب الزيتون مربعة 34 ومصراعين من خشب السرو. المصراع الواحد دفّتان تنطويان والمصراع الآخر دفّتان تنطويان. 35 ونحت كروبيم ونخيلا وبراعم زهور وغشّاها بذهب مطرّق على المنقوش. 36 وبنى الدار الداخلية ثلاثة صفوف منحوتة وصفا من جوائز الارز. 37 في السنة الرابعة أسس بيت الرب في شهر زيو. 38 وفي السنة الحادية عشرة في شهر بول وهو الشهر الثامن اكمل البيت في جميع أموره واحكامه. فبناه في سبع سنين )
هذا إصحاح كامل قد قرأته عليك.. وهو بمثابة سورة من سور القرآن.. فانظر ما الذي يمكن أن تجنيه من فوائد.
ثم.. ألا ترى التركيز على الذهب.. أليس في هذا نفحة من نفحات اليهود؟.. فهم قوم يحبون الذهب ويعشقونه.. بل باعوا الله من أجله.. لقد ذكرهم القرآن بهذا، فقال:) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ((لأعراف:148)
وذكر مقولتهم التي ردوا بها على موسى عندما أنكر عليهم، فقال:) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)((طه)
قارن هذا بما ورد في الكتاب المقدس.. وفي الإصحاح الثاني الذي أكمل ما بدأه الإصحاح الأول بنفس الوتيرة..
اسمع:( 47 وترك سليمان وزن جميع الآنية لانها كثيرة جدا جدا. لم يتحقق وزن النحاس. 48 وعمل سليمان جميع آنية بيت الرب المذبح من ذهب والمائدة التي عليها خبز الوجوه من ذهب. 49 والمنائر خمسا عن اليمين وخمسا عن اليسار امام المحراب من ذهب خالص والازهار والسرج والملاقط من ذهب. 50 والطسوس والمقاصّ والمناضح والصحون والمجامر من ذهب خالص. والوصل لمصاريع البيت الداخلي اي لقدس الاقداس ولابواب البيت اي الهيكل من ذهب. 51 واكمل جميع العمل الذي عمله الملك سليمان لبيت الرب. وادخل سليمان اقداس داود ابيه. الفضة والذهب والآنية وجعلها في خزائن بيت الرب )
هل تسمع أصوات الذهب.. وهي ترن من جنبات الكتاب المقدس.. إنها نصوص تمجد الذهب أكثر مما تمجد الرب..
قلت: ولكن القرآن الذي ترجع إليه كل حين تحدث عن الذهب..
قال: لقد رغب القرآن في ذهب الجنة لا في ذهب الدنيا.. هو يعلم أن البشر بطبعهم يحبون هذا النوع من الحجارة، فراح يستغل هذا الجانب النفسي في تنمية السلوك الصالح بترغيبهم في ذهب الآخرة.. اسمع ما ورد في القرآن من هذا، ثم قارنه بالكتاب المقدس:) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً((الكهف:31).. وفيه:) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ((الحج:23).. وفيه:) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((الزخرف:71)
القرآن يذكر كل هذا وغيره في معرض الترغيب في الآخرة التي هي حصاد زرع الدنيا.. وهو بذكره هذا يزهد في ذلك الذهب الخالص الذي أغرمت بذكره كتبنا المقدسة.
قلت: سلمت لك بكثير من هذا.. ولكن القرآن نفسه يحتوي لغوا كثيرا.
قال: أين تجد هذا اللغو.. اذكر لي آية.. بل كلمة واحد.
قلت: بل سأذكر لك كلمات.. لقد جاء فى فواتح تسع وعشرين سورة من القرآن حروفا عاطلة، لا معاني لها[2].. وأنت تعلم أن ما خوى من المعنى المفيد كان لغوا.
قال: تقصد الحروف القرآنية المقطعة؟
قلت: أجل.. هم يسمونها كذلك، ونحن نسميها الحروف العاطلة.. لأنه إن كانت هذه الحروف لا يعلمها إلا الله، كما يقول المسلمون، فما فائدتها لنا، إن الله لا يوحى إلا بالكلام الواضح أليسوا يقولون ذلك؟
قال: لست أدري هل تصدقني إن قلت لك بأن دهشة عظيمة تأخذني، عندما أقرأ هذه الحروف، وأقرأ بعدها آيات القرآن المحكمة الصادقة الجادة.
قلت: فأنت معي في هذا إذن؟
قال: إن الدهشة التي تصيبني ليست كالدهشة التي تصيبنا من ذلك اللغو.. أنا أشعر أن هذه الكلمات التي بدئت بهذه السور تحوي معان رمزية عميقة.. لست أدري هل هي تهديد، أم معارف.. هل هي وعد أم وعيد.. لكني أدخل إلى السورة من بوابتها، فأشعر بتلك الهيبة.
قلت: الشعور وحده لا يكفي لأن يخرج اللغو من كونه لغوا.
قال: اللغو هو ما ليس له فائدة أبدا.. أما ما كان فيه فائدة، فليس لغوا.
أرأيت لو أن قوما من الناس خشوا أن يخترقوا، فاتفقوا فيما بينهم على حروف لا صلة تربطها.. ليكون ذلك واصلة عقدهم.. فهل تعتبر هذه الكلمة لغوا؟
قلت: هي لغو من حيث معناها.
قال: ولكنها أهم من كل كلام من حيث فائدتها.
قلت: أتتصور أن هذه الحروف لها هذا الدور؟
قال: قد يكون لها بعض هذا الدور.. أنا أتصور أن هذه الحروف العجيبة لها دلالة عميقة لا يفهمها إلا من أوتي حظا من علم الكتاب.. القرآن لا يعتبر الناس جميعا محلا لتنزل المعاني القرآنية العميقة.. فلذلك يقسم الناس إلى العامة.. والعلماء.. والراسخين في العلم..
اسمع ما يقول في هذا ومثله:) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7)
واسمع ما يقول عن قومنا من الراسخين في العلم:) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:162)
أتدري ما معنى الرسوخ؟
قلت: أجل.. هو التمكن.
قال: فكذلك هذه المعاني الحقيقة، والتي تبدو عاطلة في أسماع العامة والعلماء، هي أسرار عظيمة وحكم جليلة عند الراسخين في العلم.. المتمكنين منه، وهي بذلك الشيفرة التي يتواصلون بها.. أو تتواصل بها المعاني فيما بينهم[3].
قلت: ولكنها تظل محصورة بينهم.. والقرآن للجميع.
قال: نعم القرآن للجميع.. ولكن معانيه العميقة لخاصة الخاصة.. نعم الكل يفهمونها.. ولكن الراسخين هم الذين يعيشونها.
سأضرب لك مثالا.. هل تستطيع أن تشرح النظرية النسبية لعامي.. إن معادلاتها تشبه هذه الحروف.. يفهمها الخاصة.. ولكن العامة يضحكون منها أو يستغربون أو تأخذهم الدهشة.
قلت: فهل ترى من الراسخين من عرف محتواها؟
قال: كل عبر عنها بأسلوبه.. وكل شرب منها بحسب رسوخه.
قلت: فما ذكروا عن مشاربهم؟
قال: منهم من رأى أن هذه الفواتح تشير إلى إعجاز القرآن، وأنه مؤلف من الحروف التى عرفها العرب، وصاغوا منها مفرداتهم، وصاغوا من مفرداتهم تراكيبهم. وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئاً، ومع ذلك كان القرآن معجزاً؛ لا لأنه نزل بلغة تغاير لغتهم، ولكن لأنه نزل بعلم الله، كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى النموذج المصنوع واحدة وفى هذا قطع للحُجة عنهم.
ويؤيد هذا ما ورد في القرآن من قوله:) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)((هود)، فهذه تخبرهم بأن القرآن إنما كان معجزاً لأمر واحد هو أنه كلام الله، نازل وفق علم الله وصنعه، الذى لا يرقى إليه مخلوق.. أما اللغة فهي نفس اللغة التي يتحدثون بها، والتي أشارت إليها كلمة (مثل)
ومنهم من رأى أن هذه الحروف أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة.. فـ (ألم)، وهى تنطق هكذا ( ألف لام ميم ) تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة أصوات، يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه، وتجذبه لعقبى الكلام قبل أن يسمع السامع قوله بعد هذه الأصوات التسعة:) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ( (البقرة:2)
وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى، ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه الحروف فى فواتح السور عبارة (قرع عصى).. أي الضرب بالعصى على الأرض لتنبيه المراد تنبيهه.. وهى وسيلة كانت تستعمل فى إيقاظ النائم، وتنبيه الغافل، وهى كناية لطيفة، وتطبيقها على هذه الحروف غير مستنكر.
وفي القرآن إشارة إلى ذلك في قوله:) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( (لأعراف:204)
ومنهم من رأى أن فى هذه الحروف سرًّا دقيقاً من أسرار الإعجاز القرآنى المفحم، لقد قال هذا الزمخشري اللغوي البارع والمتعبد الزاهد لاشك أنك تعرفه.. سأسمعك قوله في هذا، لقد قال:( واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء يقصد الحروف وجدتها نصف حروف المعجم، أربعة عشر سواء، وهى: الألف واللام والميم والصاد، والراء والكاف والهاء، والياء والعين والطاء والسين والحاء، والقاف والنون، فى تسع وعشرين سورة، على حذو حروف المعجم.
ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف، بيان ذلك أن فيها:من المهموسة نصفها: الصاد، والكاف، والهاء والسين والخاء.. ومن المجهورة نصفها: الألف واللام والميم، والراء والعين والطاء، والقاف والياء والنون.. ومن الشديدة نصفها: الألف والكاف، والطاء والقاف.. ومن الرخوة نصفها:اللام والميم، والراء والصاد، والهاء والعين، والسين والحاء والياء والنون.. ومن المطبقة نصفها: الصاد والطاء.. ومن المنفتحة نصفها: الألف واللام، والميم والراء، والكاف، والهاء والعين والسين والحاء، والقاف والياء والنون.. ومن المستعلية نصفها: القاف والصاد، والطاء.. ومن المنخفضة نصفها: الألف واللام والميم، والراء والكاف والهاء، والياء، والعين والسين، والحاء والنون.. ومن حروف القلقلة نصفها: القاف والطاء [4].
أفهمت هذا.. إنه إعجاز واضح لمن يتذوق أسرار الأصوات.. إنه يريد أن يقول: إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان إعجازيان:
الأول: من حيث عدد الأبجدية العربية، وهى ثمانية وعشرون حرفاً، فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف حروف الأبجدية، يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفاً، والذى لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا.
والثانى: من حيث صفات الحروف وهى:الهمس فى مقابلة الجهارة، والشدة فى مقابلة الرخاوة، والانطباق فى مقابلة الانفتاح، والاستعلاء فى مقابلة الانخفاض، والقلقلة فى مقابلة غيرها.
فهذه الحروف تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع المذكورة..
وبعد هذا.. منهم من فهمها شيفرة تدل على معارف إلهية عميقة عبر عنها بما استطاع لسانه أن يعبر:
ففهم منها علي ـ صاحب النبي ومن وصفه محمد بأنه باب مدينة العلم ـ بأنها أسماء جليلة لله، فكان يقول:( يا كهيعص، يا حم عاسق )
وفهممها آخرون أنها أبعاض لأسماء الله، فكان بعضهم يقول:( ألر، حام، ن ) مجموعها هو اسم الرحمن.
وروي عن ابن عباس في ( آلم ) أن الألف إشارة إلى أنه تعالى أحد، أول، آخر، أزلي، أبدي، واللام إشارة إلى أنه لطيف، والميم إشارة إلى أنه ملك مجيد منان.. وقال في ) كهيعص ( إنه ثناء من الله تعالى على نفسه، والكاف يدل على كونه كافياً، والهاء يدل على كونه هادياً، والعين يدل على العالم، والصاد يدل على الصادق.
وروي أنه حمل الكاف على الكبير والكريم، والياء على أنه يجير، والعين على العزيز والعدل.
وبعضهم فهم منها ما يدل على صفات الأفعال، فالألف آلاؤه، واللام لطفه، والميم مجده.
وهكذا.. كل يعبر عن ذوقه وفهمه.
قلت: فما تقول أنت؟
قال: لا يزال عقلي مندهشا.. ولو أني أعلم أن هذه الحروف تخبئ أسرارا عميقة لن يطول الزمان حتى نعرفها.. بل أرانا نقترب منها اقترابا.
عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:28 عدل 1 مرات
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin