رابعا ـ الحقيقة
في اليوم الرابع.. كلفني أخي بالسير إلى موثق لنوثق عنده بعض العقود التي أجرتها مطبعة الكنيسة مع بعض المتعاملين.
سرت إليه، وقد حملت معي جميع الوثائق التي رأيت أنه من المحتمل أن يطلبها مني، فأنا أعلم مدى الحزم الذي يتحلى به هؤلاء.
كان من الطبيعي أن يختار أخي موثقا مسيحيا، بل موثقا له علاقة طيبة بالكنيسة، ولكني مع ذلك سرت، وفي نفسي بعض الألم، لأني لا أحب الاشتغال بشؤون الإدارة، وما يرتبط بها، بالإضافة إلى أني استلذذت جلساتي الحوارية في الأيام السابقة، فرغبت نفسي عن غيرها.
دخلت إلى الموثق، فوجدت مكتبه العريض مملوءا بنسخ مختلفة للكتاب المقدس، وهو يحمل في يده آلة حاسبة، وأمامه أوراق مبعثرة، منها ما هو على مكتبه، ومنها ما هو على الأرض.
تعجبت من هذا السلوك الغريب الذي لم أعهده في أمثال هؤلاء، فوددت أن أسأله عن سر هذه النسخ من الكتاب المقدس، وسر مقارناته بينها، وسر الأوراق المبعثرة، لكني لم أره يعيرني أي اهتمام، بل رأيته منصرفا كلية إلى مقارناته، وكأنه لم يشعر بدخولي عليه.
1 ـ الحساب
فجأة، أعطاني الآلة الحاسبة، وقال: احسب أنت.. لقد مللت من تكرار الحساب.. ولست أدري هل الآلة هي المخطئة.. أم هذه النسخ هي المخطئة؟
أمسكت بالآلة، فراح يقرأ دون أن ينتظر مني أي إجابة:( لِجَرْشُونَ عَشِيرَةُ اللِّبْنِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الشَّمْعِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ الجَرْشُونِيِّينَ. المَعْدُودُونَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً المَعْدُودُونَ مِنْهُمْ سَبْعَةُ آلافٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ ) (العدد 3/21-22)..
التفت إلي، وقال: عدد الجرشون من ابن شهر فصاعداً 7500 فرداً.. اكتب 7500.
كتبتها، ثم راح يقرأ:( وَلِقَهَاتَ عَشِيرَةُ العَمْرَامِيِّينَ وَعَشِيرَةُ اليِصْهَارِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الحَبْرُونِيِّينَ وَعَشِيرَةُ العُزِّيئِيلِيِّينَ. هَذِهِ عَشَائِرُ القَهَاتِيِّينَ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً ثَمَانِيَةُ آلافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ حَارِسِينَ حِرَاسَةَ القُدْس ) (العدد: 3/27-28)
التفت إلي، وقال: عدد بنى قهات أليعازر 8600.. أضف إلى العدد السابق 8600.
أضفتها، ثم راح يقرأ:( وَلِمَرَارِي عَشِيرَةُ المَحْلِيِّينَ وَعَشِيرَةُ المُوشِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ مَرَارِي. وَالمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً سِتَّةُ آلافٍ وَمِئَتَانِ) (العدد: 3/33-34)
التفت إلي، وقال: عدد مرارى 6200.. أضف إلى ما سبق 6200.
أضفتها، فقال: احسب الآن المجموع.. كم تجده؟
حسبت، فقلت: 7500 + 8600 + 6200 تساوي 300 22.
قال: ولكن الكتاب المقدس يقول غير هذا.. اسمع.. راح يقرأ:( جَمِيعُ المَعْدُودِينَ مِنَ اللاوِيِّينَ الذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ بِعَشَائِرِهِمْ كُلُّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلفاً )(العدد: 3/39)
أين الثلاثمائة من بني لاوي.. أين ذهب الثلاثمائة من بني لاوي..!؟
راح يكرر ذلك، ويضع يده على رأسه، وكأنه مسؤول عن ضياعهم، ثم قال: هل الرب الذي خلق كل هذا الكون المؤسس على حساب دقيق لا يعرف كيف يحل مسألة جمع بهذه البساطة.. إن هذا النص يكاد يجنني.
لم أجد ما أقول له.. لكنه تماسك قليلا، ثم شرب قليلا من العصير كان بجانبه، وقال: لا بأس.. قد نقبل هذا الخطأ.. لكنه ليس الخطأ الوحيد.
أعطاني ورقة، وقال: اكتب كل ما أمليه عليك، ولا تكتب غيره.. إياك أن تكتب غيره.. نحن الآن نتعامل مع الكتاب المقدس، لا مع عقود البشر.
أمسكت بالورقة، وأنا محتار في تصرفات هذا الرجل.. ولكني لم أظهر أي ضيق، فقد كان سلوكه العلمي يتناسب مع ما جبلت عليه من اهتمام بالتحقيق والتوثيق، وبغض للتقليد والإذعان.
راح يقرأ:( وَمَا لَبِثَ الآراميون أَنِ انْدَحَرُوا أَمَامَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ، فَقَتَلَتْ قُوَّاتُ دَاوُدَ رِجَالَ سَبْعِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ. وَأُصِيبَ شُوبَكُ رَئِيسُ الْجَيْشِ وَمَاتَ هُنَاكَ) (صموئيل الثاني: 10 /18)
التفت إلي، وقال: اكتب..
قلت: ما أكتب؟
قال: ما سمعته من فقرة صموئيل الثاني.. لقد ذكر أن جيش داوود قتل من الآراميين سبع مئة مركبة وأربعين ألف فارس كما قتل شوبك رئيس الجيش.
كتبت العدد الذي طلبه مني، ثم قال: هل كتبته؟
قلت: أجل..
قال: اسمع ما ورد في (الأيام الأول 19 عدد18) حول نفس الموضوع:( وقتل داود سبعة آلاف من قادة المركبات, وأربعين ألفا من المشاة, كما قََتل شُوبَك رئيس الجيش )
التفت إلي، وقال: اكتب..
قلت: ما أكتب؟
قال: ما سمعته من فقرة الأيام الأول (19عدد 18 ).. فقد ذكر أن جيش داوود قتل في نفس المعركة مع الآراميين سبعة آلاف من قادة المركبات وأربعين ألف من المشاة وأيضاً قتل شوبك رئيس الجيش.
كتبت العدد الذي طلبه مني، ثم قال: هل كتبته؟
قلت: أجل..
قال: هل هما متفقان في كل ما ذكراه؟
لم أجد إلا أن أقول: لا.. لكنهما متفقان في موت شوبك رئيس الجيش.
قال: أعلم ذلك.. وهذا ما يؤكد أن الحادثة واحدة.. أريد سائر الأعداد.
قلت: الفرق بين الفقرتين كبير في عدد المقتولين من المحاربين على المركبات ففي الأولى رجال سبعمائة، وفي الثانية سبعة آلاف.. واختلف النصان في كون الأربعين ألفاً المقتولين من المشاة، أم من الفرسان.
أمسك برأسه وقال: لطالما احترت هل الحقيقة هي 700 مركبة أم 7000 ?، وهل هم 40.000 فارس أم هم من المشاة?
ابتسمت، وقلت: وما الذي يحيرك في هذا.. وما اهتمامك له؟
لم أدر أنه سيغضب ذلك الغضب الذي أبداه لي، لقد احمر وجهه، وراح يصيح: كيف تقول هذا.. أنا مجرد موثق بسيط.. أوثق أحيانا المتر والمترين والدرهم والدرهمين.. ومع ذلك لا أضيع قيراطا واحدا.. بل ولا حبة واحدة.. فكيف بالكتاب المقدس.. كلام الله الأزلي الوحيد.. كيف يقع في مثل هذه الأخطاء!؟
صمت، فتمالك نفسه قليلا، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة، واكتب ما سأمليه عليك.. لا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من (صموئيل الثاني: 8 /4).:( وَأَسَرَ مِنْ جَيْشِهِ أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خُيُولِ الْمَرْكَبَاتِ بِاسْتِثْنَاءِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ )
التفت إلي، وقال: اكتب الذين أسرهم داوود ( 1700 ) فارس و ( 20.000 ) راجل، أي من المشاة.. هذا حسب عبارة صموئيل الثاني: 8 /4.. اكتب هذا أيضا.
كتبت ما طلب مني، ثم راح يقرأ من (الأيام الأول: 18 /4):( وَاسْتَوْلَى دَاوُدُ عَلَى أَلْفِ مَرْكَبَةٍ مِنْ مَرْكَبَاتِهِ، وَأَسَرَ سَبْعَةَ آلافِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ )
التفت إلي، وقال: اكتب الذين أسرهم داوود ـ حسب نص الأيام الأول 18 عدد4 ـ هم ( 7000 ) فارس.
كتبت ما أمرني.. فقال: هل هنا فرق بين النصين؟
قلت: أجل.. وهو واضح.. زيادة على أن نص صموائيل الثاني لم يذكر الألف مركبة التي استولى عليها داود كما في الأيام الأول.. واستثني نص صموائيل الثاني مئة مركبة من المركبات، بينما الأيام الأول لم يستثن شيئا من المركبات.
نظر إلي، وكأنه يتهمني بالتحريف، وقال: لماذا كل هذا؟.. ألم تكن النسخ بينهم؟.. فلم لم يصححوها كما صححوا غيرها.. ماذا عساي أقول لمن يضحك علي من موثقي المسلمين؟
قلت: وما علاقة المسلمين بهذا؟.. ألهم إرث من غنائم داود؟
قال: لقد شرحت كتابهم كما شرحت الكتاب المقدس.. وحاولت أن أعثر على خطأ واحد، فلم أجد.. بل وضعت جائزة قيمة لمن يكتشف لي خطأ واحدا.. فلم يأخذ جائزتي أحد.. وهي لا تزال مرصدة.. وأنا أعلم أني سأموت وأتركها.. فلن يجد أحد أي تخلف لذلك الكلام العظيم..
لقد قال ربهم في وصف كتابه، وهو يتحدى الكل:) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ((فصلت:42)
سكت قليلا، ثم قال بقوة: ارم تلك الورقة.. سأحرقها بعد أن تخرج..
قلت: لم؟
قال: لأنها ستحرق الكتاب المقدس لو وقعت في يد عاقل من قومي وقومك.
أعطاني ورقة، وقال: خذ هذه الورقة الجديدة.. وسنجري مقارنة أخرى.. ولا تكتب إلا ما أطلبه منك.. لا تفعل مثلما فعل الكتبة الكذبة.
أمسكت الورقة، وراح يقرأ من (صموئيل الثاني:23 /8).:( وَهَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالِ دَاوُدَ الأَبْطَالِ: يُوشَيْبُ بَشَّبَثُ التَّحْكَمُونِيُّ، وَكَانَ قَائِدَ الثَّلاَثَةِ، هَاجَمَ بِرُمْحِهِ ثَمَانِي مِئَةٍ وَقَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً)
التفت إلي، وقال: اكتب: اسم أحد رجال داود الأبطال هو (يوشيب بشبث التحكموني).. واكتب بأن هذا الرجل قد هاجم برمحه 800 رجل، فقتلهم دفعة واحدة فضلاً عن أنه كان قائد الأبطال الثلاثة.. هذا كله بحسب صموائيل الثاني.
كتبت ما أمرني به، ثم راح يقرأ من (الأيام الأول: 11 /11):( وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَبْطَالُ دَاوُدَ: يَشُبْعَامُ بْنُ حَكْمُونِي، رَئِيسُ الأَبْطَالِ الثَّلاَثَةِ، هَاجَمَ بِرُمْحِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَقَتَلَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً )
التفت إلي، وقال: اكتب: نفس الرجل إسمه يشبعام بن حكموني، وقد هاجم برمحه 300 رجل فقتلهم دفعة واحدة فضلاً عن أنه كان قائد الأبطال الثلاثة.. هذا ما نفهمه من فقرة أخبار الأيام الأول.
كتبت ما أمرني به، فقال: هل هناك فرق بين النصين؟
قلت: أجل.. فهناك اختلاف في اسم الرجل.. واختلاف في عدد الذين قتلهم.. ففي صموائيل ذكر ( 800 ) وفي الأخبار ذكر ( 300 ) فهناك فرق بين العددين مقداره ( 500 ) رجل.
قال: أجل.. وهو فرق كبير.. ولكن ما الصحيح؟.. هل هو يُوشَيْب أَمْ هو يَشُبْعام ? .. وهل هم ثمانمائة أم ثلاثمائة ?
أمسك رأسه بيده، وقال: وفوق ذلك كله هل يعقل أن رجلا واحدا هاجم برمحه هذا العدد من الناس، فقتلهم دفعة واحدة!؟
ضحك، وقال: هل وقف كل هؤلاء في صف واحد منضبط تماماً ينتظرون أن يقذف هذا البطل الهمام برمحه بقوة عظيمة ليخترق هذا الصف من أوله إلى آخره، فيقتل الجميع دفعة واحدة.. ثم أي رمح يطيق أن يفعل هذا!؟
سكت قليلا، ثم قال: لماذا أكلف نفسي بتوثيق مثل هذا الكتاب.. إن توثيق عقود اللصوص والمجرمين أسهل من توثيق مثل هذه النصوص.. إن المجرمين أكبر عقولا من أن يقعوا في مثل هذه الحماقات.
نظر إلي بعبوس، وكأني شريك في الجريمة، وقال: ارم تلك الورقة بسرعة.. إنها ستحرق علينا المكتب لو بقيت.
رميت الورقة على الأرض المملوءة بالأوراق الممزقة.. أعطاني ورقة أخرى، وقال: اكتب ما أمليه عليك.. ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من (ملوك الأول: 5 /11):( وأعطى سليمان حيرام عشرين ألف كرّ حنطة طعاما لبيته وعشرين كر زيت رض. هكذا كان سليمان يعطي حيرام سنة فسنة )
التفت إلي، وقال: اكتب ما أعطى سليمان لحيرام ملك صور مقابل الاخشاب.
كتبت ما ذكره، فراح يقرأ من (أخبار الثانى:2 /10):( وهانذا أعطي للقطّاعين القاطعين الخشب عشرين ألف كرّ من الحنطة طعاما لعبيدك، وعشرين الف كرّ شعير، وعشرين ألف بث خمر، وعشرين ألف بث زيت )
التفت إلي، وقال: اكتب ما أعطى سليمان لحيرام ملك صور مقابل الاخشاب.
كتبت.. فقال، وقد بدا عليه التعب: أهناك فرق بينهما؟
قلت: أجل.. فروق كبيرة.
قال بصوت ضعيف: ارم الورقة إذن.. وخذ ورقة أخرى.. واكتب ما أمليه عليك.
را ح يقرأ من (أخبار الثانى: 36 / 9):( كان يهوياكين ابن ثماني سنين حين ملك وملك ثلاثة اشهر وعشرة أيام في أورشليم.وعمل الشر في عيني الرب )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر يهوياكين حينما أصبح ملكا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (ملوك الثانى: 24/8):( كان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك وملك ثلاثة اشهر في أورشليم. واسم أمه نحوشتا بنت الناثان من أورشليم )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر يهوياكين حينما أصبح ملكا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال بصوت ضعيف: هل تجد من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. ففي (أخبار الأيام الثاني 36 عدد 9 )أن عمر يهوياكين حينما تولى الحكم هو ثماني سنوات, وأن مدة ملكه هو ثلاثة أشهر وعشرة أيام ( 100 يوم ) وأنه كفر في خلال مدة حكمه هذه أو عصى الرب وأن حكمه كان في أورشليم.
وما نفهمه من فقرة (الملوك الثاني 24 عدد 8 ) أن عمر يهوياكين حينما تولى الحكم أو الملك هو ثماني عشرة سنة, وأن مدة ملكه هو ثلاثة أشهر فقط ( 90 يوم ) وأن إسم أمه نحوشتا بنت ناثان وأنها من أورشليم.
قال: هناك فرق واضح إذن بينهما؟
قلت: أجل.. ولكن مع ذلك، فاسمح لي أن أتدخل في ترجيح أحد السفرين.
نظر إلي باهتمام، وأمسك ورقة، وقال: إذن سأظفر بالحقيقة التي عشت عمري تائها في البحث عنها.. أي السفرين محق فيما ذهب؟
قلت: الثانية أكثر معقولية، لقد ورد في (الملوك الثاني 24 عدد 15 ):( وسبى يهوياكين الى بابل وام الملك ونساء الملك وخصيانه واقوياء الارض سباهم من اورشليم الى بابل ).. فهذا النص يدل على أن لهذا الملك نساء.. ومن الممتنع عقلا أن يكون هناك رجل عمره ثماني سنوات، وعنده نساء زوجات وسراري[1].
ضحك، وقال: عن أي عقل تتحدث؟.. عقلك، أم العقل الذي صاغ الكتاب المقدس؟.. ألا تعلم أن في الكتاب المقدس طفلة بمجرد أن فطمت حبلت وولدت؟
ألا تعرف لورحامة بنت هوشع التي أنجبها من زوجة زانية حينما أمره الرب أن يتزوج زانية؟
قلت: بلى أعرفها.. لقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس.
قال: فهذه البنت.. لورحامة.. بمجرد أن فُطِمَت حبلت وولدت ابناً.. ولا أدري كيف تحبل بعد أن تفطم.. ومن هو زوجها؟.. لقد جاء في (هوشع: 1 /8):( ثم فطمت لورحامة وحبلت فولدت ابنا )
رمى الورقة من يده، وقال: إذا تكلمت في المرة القادمة فتكلم كلاما معقولا.. أعطاني ورقة أخرى بيضاء، وقال: ارم تلك التي في يدك، وخذ هذه الورقة.. ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من ( تكوين 6 عدد3):( فَقَالَ الرَّبُّ:( لَنْ يَمْكُثَ رُوحِي مُجَاهِداً فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. هُوَ بَشَرِيٌّ زَائِغٌ، لِذَلِكَ لَنْ تَطُولَ أَيَّامُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَطْ )
التفت إلي، وقال: اكتب: لا ينبغي أن يتجاوز عمر بشر أكثر من 120 سنة.. هذا هو قرار الرب حسب ( تكوين 6 عدد3).
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ (تكوين 9 عدد29):( من ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً ) وقال: هذا عمر نوح.. اكتبه.
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/ 32):( وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ )، وقال: هذا عمر تارح.. اكتبه إنه 205 سنة؟
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/21):( وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ مَا وَلَدَ سَرُوجَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )، وقال: عاش رعو أكثر من 207 سنة؟
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/23):( وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )، وقال: عاش سروج أكثر من 200 سنة.
كتبت ما طلبه مني، فقال: لدي نصوص كثيرة.. فلنكتف بالمقارنة بين هذه النصوص وما ورد في النص الأول.. النص الذي ورد في ( تكوين 6 عدد3).. والذي قرر فيه الرب أن الروح لن تبقى في الإنسان أكثر من مائة وعشرين سنة.. هذا قول الرب.. فهل عاش أي إنسان أكثر من مائة وعشرين سنة؟
قلت: كل من ذكرتهم عاشوا أكثر من هذا العدد.
قال: وغيرهم كثير عندي العشرات من الفقرات في الكتاب المقدس تناقض ذلك النص.. ولكن قومي مع ذلك يصرون على أنه ليس محرفا.. فما هو الصحيح؟
أمسك يده برأسه، وقال: هل يمكن أن تكون 120 أكبر من 950..!؟ أو هل يمكن أن تكون 120 أكبر من 205..!؟ وهل يمكن أن تكون 120 أكبر من 200..!؟ أجبي.. فإن عقلي يكاد يطير من رأسي.
لم أجد ما أجيبه به، تمالك نفسه، ثم قال: ارم تلك الورقة، وخذ ورقة جديدة، ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
أمسكت ورقة جديدة، ورحت أخضع لإملائه.. راح يقرأ من (ملوك الثانى: 8/ 26):( كان اخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين ملك وملك سنة واحدة في أورشليم. واسم أمه عثليا بنت عمري ملك إسرائيل )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر اخزيا حين ملك أورشليم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الثانى: 22/ 2):( كان اخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك، وملك سنة واحدة في أورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر اخزيا حين ملك أورشليم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل ترى من فرق بين النصين؟
قلت: أجل.. فبين النصين إختلاف بمقدار عشرين سنة.
ثم أضفت: ولكن مع ذلك لا شك أن النص الأول هو الصحيح.. لأن أباه يهورام على حسب ما في سفر (أخبار الأيام الثاني 21 /20 و 22 /1-2 )..
اسمع:( كان ابن اثنتين وثلاثين سنة حين ملك وملك ثماني سنين في اورشليم وذهب غير مأسوف عليه ودفنوه في مدينة داود ولكن ليس في قبور الملوك ) (أخبار الثانى 21 /20)
واسمع:( وملك سكان أورشليم اخزيا ابنه الأصغر عوضا عنه لان جميع الأولين قتلهم الغزاة الذين جاءوا مع العرب إلى المحلّة.فملك اخزيا بن يهو رام ملك يهوذا ) (أخبار الأيام الثانى: 22/ 1)
واسمع:( كان اخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك وملك سنة واحدة في أورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري ) (أخبار الأيام الثانى: 22/ 2)
فهذه النصوص تدل على أن يهورام مات وهو ابن أربعين سنة , وتولى أخزيا الملك بعد موت أبيه مباشرة، فلو لم يكن النص الثاني خطأ للزم أن يكون أخزيا أكبر من أبيه بسنتين، وهو أمر ممتنع عند العقلاء من الناس.. وقد أقر آدم كلارك وهورن وهنري وإسكات في تفاسيرهم بأن هذا الإختلاف وقع من غلط الكاتب.
قال: ولكن قومي وقومك يصرون على أن الكتاب خال من أي تحريف.. فكيف يكون هذا!؟
سكت قليلا، ثم قال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة، ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من (سفر الملوك الأول: 4 /26):( وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته واثنا عشر ألف فارس )
اكتب ما كان لسليمان من مذود الخيل.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الثاني: 9 /25):( وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في أورشليم )
واكتبت ما ورد في (سفر أخبار الأيام الثاني: 1 /14):( وجمع سليمان مركبات وفرسانا فكان له الف واربع مئة مركبة واثنا عشر الف فارس فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في اورشليم )
كتبت ما أملى علي، فقال: هل ترى من فرق بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فبين النصين الأول والثاني اختلاف بزيادة ( 36.000 ) مذود في النص الأول.. وقد قال المفسر آدم كلارك: الأحسن أن نعترف بوقوع التحريف في العدد.
قال: ولكن أيهما الصحيح.. أنا موثق أبحث عن تصحيح العقود.
صمت، فقال: لقد ذكر دكتور فيليب حتى فى كتابه عن تاريخ سورية أن إسطبلات سليمان قد اكتُشِفَت حديثاً حيث كان يضع مركباته مرابط بصفوف مزدوجة.. وذكر أنه يمكن أن تتسع لأربعمائة وخمسين حصاناً.. فالحفريات أثبتت كذب الكتابين جميعا.
قال ذلك، ثم نظر إلي عابسا، وقال: ارم تلك الورقة.. واكتب ما أمليه عليك فقط لا تزد حرفا واحدا.
راح يقرأ من (ملوك الأول: 7 / 26):( غلظه شبر وشفته كعمل شفة كاس بزهر سوسن.يسع ألفي بث )
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الثانى: 4/ 5):( وغلظه شبر وشفته كعمل شفة كاس بزهر سوسن.يأخذ ويسع ثلاثة الآف بثّ )
نظر إلي، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. هو في ألف.. ولكن جامعي تفسير هنري واسكات ذكروا أن المقصود هو الفرق بين الإتساع وما يمكن أن يحتويه.
قال: كلمة بث هي كلمة إنجليزية ( BATH) ومعناها حوض غسيل أو موضع الإستحمام , وهي مع وضوحها لم يتم ترجمتها في النسخ العربية؟
ومن المستحيل أن تكون ترجمتها بهذه الصيغة لو تم ترجمة معنى كلمة ( بث ) وستكون ترجمتها إن أعدنا ترجمة العبارة مع كلمة ( بث ) هكذا: وغلظه شبر وشفته كعمل شفة كأس بزهر سوسن , يأخذ ويسع ثلاثة آلاف حوض غسيل.
والاستحالة هنا لكونه لا يمكن القول بأنه يأخذ ويتسع لأن اللفظة منتهية عند يسع فاتساعه ثلاثة آلاف حوض غسيل وكفى , فما الفائدة من اللفظة المضافة (يأخذ )
أتدري.. حينما اتضح التناقض بين النصين في الملوك الأول وفي أخبار الأيام الثاني وهما كلمة بكلمة متشابهتان إلا أن الفرق هو بين العدد فقط.. هناك ألفان وهنا ثلاثة آلاف.. اضطر منقحوا ومترجموا اللغة العربية أن يضيفوا كلمة ( ويأخذ ) في فقرة الأخبار حتى يبرروا التناقض بين النصين، فيكون المراد في الملوك يتسع فقط، ولكن في الأخبار يأخذ ويتسع.. هؤلاء هم عباقرة المزورين.. ولكني خبير توثيق.. ولن تنطلي الحيلة علي..
التفت إلي بغضب، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديد.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموئيل الثاني:24 /9):( فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك، فكان إسرائيل ثمان مئة ألف رجل ذي بأس مستل السيف، ورجال يهوذا خمس مئة ألف رجل)
التفت إلي، وقال: اكتب عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الأول:21 /5):( فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى داود فكان كل إسرائيل ألف ألف ومئة ألف رجل مستلي السيف ويهوذا أربع مئة وسبعين ألف رجل مستلي السيف )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هما متفقان؟
قلت: لا.. عدد المقاتلين حسب سفر صموئيل الثاني في إسرائيل ( 800.000), وفي يهوذا ( 500.000 ) , وعلى حسب أخبار الأيام الأول عددهم في إسرائيل(1.100.000 ) , وفي يهوذا ( 470.000 )
قال ـ وفي عينيه بعض الوجوم ـ: أليست هذه أرقاما متشابهة؟
قلت: لا.. بين النصين إختلاف كبير في عدد المقاتلين من إسرائيل بمقدار ثلاث مئة الف ( 300.000 ) , وفي عدد المقاتلين من يهوذا بمقدار ثلاثين ألف ( 30.000)
قال: فمن تراه يكون صحيحا منهما؟
قلت: لقد اعترف آدم كلارك في تفسيره بأن تعيين النص الصحيح منهما عسير, لأن كتب التواريخ وقع فيها تحريفات كثيرة, وأن الاجتهاد في التطبيق عبث, والأحسن التسليم بالتحريف , لأن هذا الأمر لا قدرة على إنكاره , ولأن الناقلين لم يكونوا ذوي إلهام.
قال: ولكنهم لا يزالون يصرون على أن الكتاب المقدس خال من التحريف..
سكت قليلا، ثم قال: ألا تعلم خطورة كلام آدم كلارك؟.. إنه يهدم الكتاب المقدس.. فمن جوز تحريف نص جوز تحريف غيره؟
نظر إلي بعبوس، وقال: ارم تلك الورقة.. ولا تعد لذكر آدم كلارك.. انسه كما تنسى ما ذكرنا من أخطاء.. خذ ورقة بيضاء جديدة.
أخذتها، فراح يقرأ من (تكوين: 46 / 26-27):( جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه ما عدا نساء بني يعقوب جميع النفوس ست وستون نفسا. وابنا يوسف اللذان ولدا له في مصر نفسان.جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون ) وهكذا ورد في سفر (الخروج: 1 / 5)، وهو ما يؤكد أنهم سبعون.
التفت إلي، وقال: اكتب عدد بني يعقوب إخوة يوسف وأهله حينما دخلوا إلى مصر حسب هذه الأسفار.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أعمال: 7 /14):( فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفسا )
التفت إلي، وقال: هل هناك خلاف بينهما؟
قلت: أجل.. في خمسة أنفس.
قال: لا بأس.. خمسة أنفس فقط.. لا بأس.. هذا عدد قليل.. ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
أخذت ورقة جديدة، فراح يقرأ من (أخبار الأول:18/12-13):( وابشاي ابن صروية ضرب من ادوم في وادي الملح ثمانية عشر الفا. (13) وجعل في ادوم محافظين فصار جميع الادوميين عبيدا لداود وكان الرب يخلص داود حيثما توجّه )
التفت إلي، وقال: اكتب من الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (صموائيل الثانى: 8 /13-14):( ونصب داود تذكارا عند رجوعه من ضربه ثمانية عشر ألفا من ارام في وادي الملح. وجعل في ادوم محافظين.وضع محافظين في ادوم كلها وكان جميع الادوميين عبيدا لداود وكان الرب يخلص داود حيثما توجه )
التفت إلي، وقال: اكتب من الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. هناك خلاف في الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح هل هو داوود، أم أبشاي بن صروية؟
قال: ومن الذي يدريني أنا.. إذا كان الكتاب المقدس المؤيد بالوحي لا يدري.. فكيف أدري أنا!؟
ثم التفت إلي عابسا، وقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموائيل الثاني24 /21):( وقال ارونة لماذا جاء سيدي الملك الى عبده. فقال داود لاشتري منك البيدر لكي ابني مذبحا للرب فتكفّ الضربة عن الشعب )
وفي (صموائيل الثاني:24 /24):( فقال الملك لارونة لا بل اشتري منك بثمن ولا اصعد للرب الهي محرقات مجانية. فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلا من الفضة)
التفت إلي، وقال: اكتب بكم اشترى داوود البيدر من أرونة.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الأول:21 / 22):( فقال داود لأرنان اعطني مكان البيدر فابني فيه مذبحا للرب.بفضة كاملة اعطني اياه فتكفّ الضربة عن الشعب )
وفي (أخبار الأيام الأول: 21 / 25):( ودفع داود لأرنان عن المكان ذهبا وزنه ست مئة شاقل )
التفت إلي، وقال: هل كتبت كل ما طلبته منك؟
قلت: أجل..
قال: هل هناك من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. ففي سفر صموائيل الثاني نرى أن داوود اشترى من ارونه البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة وهكذا تم الإتفاق بينهم وتم البيع والشراء على هذا السعر لكن في أخبار الأيام الأول نجد أنه يذكر أنه اشترى الحقل بالذهب، وكان وزن الذهب ستمئة شاقل.
قال: فأي النصين نصدق؟
قلت: لا أدري..
قال: أنت لا تدري.. والكتاب المقدس لا يدري.. فمن يدري؟
ثم قال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من ( سفر التكوين: 6 / 19-20):( ومن كل حيّ من كل ذي جسد اثنين من كلّ تدخل الى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كاجناسها ومن البهائم كاجناسها ومن كل دبابات الارض كاجناسها. اثنين من كلّ تدخل اليك لاستبقائها )
وفي (سفر التكوين: 7 / 8-9):( ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدبّ على الارض دخل اثنان اثنان الى نوح الى الفلك ذكرا وانثى.كما امر الله نوحا )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الطير والبهائم التي أمر نوح بأخذها في السفينة حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر التكوين: 7 / 2-3 ):( من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى.ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وانثى. ومن طيور السماء ايضا سبعة سبعة ذكرا وانثى.لاستبقاء نسل على وجه كل الارض )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الطير والبهائم التي أمر نوح بأخذها في السفينة حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فالأول والثاني يدلان على أن الله أمر نوحاً أن يأخذ معه في السفينة من جميع البهائم والطيور وحشرات الأرض اثنين اثنين ذكراً وأنثى , وأن نوحاً قد نفذ هذا الأمر.
بينما يدل النص الثالث على أن الله أمر نوحاً أن يأخذ معه في السفينة من جميع البهائم الطاهرة فقط ومن جميع الطيور سبعة أزواج, أما البهائم التي ليست بطاهرة فيأخذ منها اثنين اثنين فقط.
فليس في النصين الأول والثاني ذِكر للسبعة, واتفقا بذِكر الاثنين اثنين في الجميع, وفي النص الثالث قيد الاثنين بالبهائم غير الطاهرة, ونص على السبعة في الطيور وباقي البهائم , وهو مناقض للنصين الأول والثاني.
نظر إلي عابسا، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من قصة الأعميين التي وردت في (إنجيل متى: 20 /29-34).. والتي ورد فيها:( 29 وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير 30 فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه )
ووردت قصة المجنونين في (إنجيل متى: 8 / 28-34 ) والتي ورد فيها:( 28 ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين اسبتقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً)
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الذين شفاهم المسيح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ القصة عينها حسبما وردت في (إنجيل مرقس: 10 / 46-52)، والتي ورد فيها:( 46. وجاءوا الى اريحا. وفيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. (47) فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. (52) فقال له يسوع اذهب.ايمانك قد شفاك.فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الذين شفاهم المسيح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ قصة المجنون حسبما ذكرها (لوقا: 8 / 26-39)والتي ورد فيها:( 26 وساروا الى كورة الجدريين التي هي مقابل الجليل. (27) ولما خرج الى الارض استقبله رجل من المدينة كان فيه شياطين منذ زمان طويل وكان لا يلبس ثوبا ولا يقيم في بيت بل في القبور. (33) فخرجت الشياطين من الانسان ودخلت في الخنازير.فاندفع القطيع من على الجرف الى البحيرة واختنق )
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك اختلاف بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فهناك اختلاف بين إنجيل متى ولوقا في عدد الذين شفاهم المسيح أهما مجنونان وأعميان على حسب إنجيل متى، أم مجنون واحد وأعمى واحد على حسب إنجيل لوقا.
قال بغضب: ارم الورقة، وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر اخبار الأيام الأول: 7 / 6):( لبنيامين بالع وباكر ويديعئيل ثلاثة )
التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر اخبار الأيام الأول: 8 / 1-2 ):( وبنيامين ولد بالع بكره وأشبيل الثاني وأخرخ الثالث ونوحة الرابع ورافا الخامس )
التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر التكوين: 46 / 21):( وبنو بنيامين بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفيم وحفيم وأرد )
التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: انظر جيدا.. هل هناك فرق بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فأبناء بنيامين حسب النص الأول: ثلاثة , وعلى حسب النص الثاني: خمسة.. فاختلف النصان في أسمائهم وعددهم, واتفقا في اسم بالع فقط, وهؤلاء الأبناء على حسب النص الثالث: عشرة , فاختلف مع النصين السابقين في الأسماء والعدد أيضاً , واتفق مع النص الأول في إسم إثنين منهم , وإتفق مع النص الثاني في إسم إثنين منهم , ولم تتفق النصوص الثلاثة إلا في إسم بالع فقط.
قال بغضب: ارم الورقة، وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموائيل الثاني: 24 / 13):( فأتى جاد الى داود واخبره وقال له أتاتي عليك سبع سني جوع في ارضك ام تهرب ثلاثة اشهر امام اعدائك وهم يتبعونك ام يكون ثلاثة ايام وبأ في ارضك. فالآن اعرف وانظر ماذا ارد جوابا على مرسلي )
التفت إلي، وقال: اكتب هذه الأعداد.
كتبتها، فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الأول: 21 / 12):( اما ثلاث سنين جوع او ثلاثة اشهر هلاك امام مضايقيك وسيف اعدائك يدركك او ثلاثة ايام يكون فيها سيف الرب ووبأ في الارض وملاك الرب يعثو في كل تخوم اسرائيل. فانظر الآن ماذا ارد جوابا لمرسلي )
التفت إلي، وقال: اكتب هذه الأعداد بحسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك فرق بينهما؟
قلت: أجل.. فسفر صموئيل الثاني ينص على أن جاد خير داوود أن يختار بين سبع سنين جوع أو يهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائه, بينما يفهم من سفر أخبار الأيام الأول أن جاد خير داود بين ثلاث سنين وليس سبعة أو ثلاثة أشهر هلاك.
نظر إلي بعبوس، وقال: أخبرني.. هل هم سبعة سنين جوع أم ثلاثة سنين؟
صمت، فقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
في اليوم الرابع.. كلفني أخي بالسير إلى موثق لنوثق عنده بعض العقود التي أجرتها مطبعة الكنيسة مع بعض المتعاملين.
سرت إليه، وقد حملت معي جميع الوثائق التي رأيت أنه من المحتمل أن يطلبها مني، فأنا أعلم مدى الحزم الذي يتحلى به هؤلاء.
كان من الطبيعي أن يختار أخي موثقا مسيحيا، بل موثقا له علاقة طيبة بالكنيسة، ولكني مع ذلك سرت، وفي نفسي بعض الألم، لأني لا أحب الاشتغال بشؤون الإدارة، وما يرتبط بها، بالإضافة إلى أني استلذذت جلساتي الحوارية في الأيام السابقة، فرغبت نفسي عن غيرها.
دخلت إلى الموثق، فوجدت مكتبه العريض مملوءا بنسخ مختلفة للكتاب المقدس، وهو يحمل في يده آلة حاسبة، وأمامه أوراق مبعثرة، منها ما هو على مكتبه، ومنها ما هو على الأرض.
تعجبت من هذا السلوك الغريب الذي لم أعهده في أمثال هؤلاء، فوددت أن أسأله عن سر هذه النسخ من الكتاب المقدس، وسر مقارناته بينها، وسر الأوراق المبعثرة، لكني لم أره يعيرني أي اهتمام، بل رأيته منصرفا كلية إلى مقارناته، وكأنه لم يشعر بدخولي عليه.
1 ـ الحساب
فجأة، أعطاني الآلة الحاسبة، وقال: احسب أنت.. لقد مللت من تكرار الحساب.. ولست أدري هل الآلة هي المخطئة.. أم هذه النسخ هي المخطئة؟
أمسكت بالآلة، فراح يقرأ دون أن ينتظر مني أي إجابة:( لِجَرْشُونَ عَشِيرَةُ اللِّبْنِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الشَّمْعِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ الجَرْشُونِيِّينَ. المَعْدُودُونَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً المَعْدُودُونَ مِنْهُمْ سَبْعَةُ آلافٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ ) (العدد 3/21-22)..
التفت إلي، وقال: عدد الجرشون من ابن شهر فصاعداً 7500 فرداً.. اكتب 7500.
كتبتها، ثم راح يقرأ:( وَلِقَهَاتَ عَشِيرَةُ العَمْرَامِيِّينَ وَعَشِيرَةُ اليِصْهَارِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الحَبْرُونِيِّينَ وَعَشِيرَةُ العُزِّيئِيلِيِّينَ. هَذِهِ عَشَائِرُ القَهَاتِيِّينَ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً ثَمَانِيَةُ آلافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ حَارِسِينَ حِرَاسَةَ القُدْس ) (العدد: 3/27-28)
التفت إلي، وقال: عدد بنى قهات أليعازر 8600.. أضف إلى العدد السابق 8600.
أضفتها، ثم راح يقرأ:( وَلِمَرَارِي عَشِيرَةُ المَحْلِيِّينَ وَعَشِيرَةُ المُوشِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ مَرَارِي. وَالمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً سِتَّةُ آلافٍ وَمِئَتَانِ) (العدد: 3/33-34)
التفت إلي، وقال: عدد مرارى 6200.. أضف إلى ما سبق 6200.
أضفتها، فقال: احسب الآن المجموع.. كم تجده؟
حسبت، فقلت: 7500 + 8600 + 6200 تساوي 300 22.
قال: ولكن الكتاب المقدس يقول غير هذا.. اسمع.. راح يقرأ:( جَمِيعُ المَعْدُودِينَ مِنَ اللاوِيِّينَ الذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ بِعَشَائِرِهِمْ كُلُّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلفاً )(العدد: 3/39)
أين الثلاثمائة من بني لاوي.. أين ذهب الثلاثمائة من بني لاوي..!؟
راح يكرر ذلك، ويضع يده على رأسه، وكأنه مسؤول عن ضياعهم، ثم قال: هل الرب الذي خلق كل هذا الكون المؤسس على حساب دقيق لا يعرف كيف يحل مسألة جمع بهذه البساطة.. إن هذا النص يكاد يجنني.
لم أجد ما أقول له.. لكنه تماسك قليلا، ثم شرب قليلا من العصير كان بجانبه، وقال: لا بأس.. قد نقبل هذا الخطأ.. لكنه ليس الخطأ الوحيد.
أعطاني ورقة، وقال: اكتب كل ما أمليه عليك، ولا تكتب غيره.. إياك أن تكتب غيره.. نحن الآن نتعامل مع الكتاب المقدس، لا مع عقود البشر.
أمسكت بالورقة، وأنا محتار في تصرفات هذا الرجل.. ولكني لم أظهر أي ضيق، فقد كان سلوكه العلمي يتناسب مع ما جبلت عليه من اهتمام بالتحقيق والتوثيق، وبغض للتقليد والإذعان.
راح يقرأ:( وَمَا لَبِثَ الآراميون أَنِ انْدَحَرُوا أَمَامَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ، فَقَتَلَتْ قُوَّاتُ دَاوُدَ رِجَالَ سَبْعِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ. وَأُصِيبَ شُوبَكُ رَئِيسُ الْجَيْشِ وَمَاتَ هُنَاكَ) (صموئيل الثاني: 10 /18)
التفت إلي، وقال: اكتب..
قلت: ما أكتب؟
قال: ما سمعته من فقرة صموئيل الثاني.. لقد ذكر أن جيش داوود قتل من الآراميين سبع مئة مركبة وأربعين ألف فارس كما قتل شوبك رئيس الجيش.
كتبت العدد الذي طلبه مني، ثم قال: هل كتبته؟
قلت: أجل..
قال: اسمع ما ورد في (الأيام الأول 19 عدد18) حول نفس الموضوع:( وقتل داود سبعة آلاف من قادة المركبات, وأربعين ألفا من المشاة, كما قََتل شُوبَك رئيس الجيش )
التفت إلي، وقال: اكتب..
قلت: ما أكتب؟
قال: ما سمعته من فقرة الأيام الأول (19عدد 18 ).. فقد ذكر أن جيش داوود قتل في نفس المعركة مع الآراميين سبعة آلاف من قادة المركبات وأربعين ألف من المشاة وأيضاً قتل شوبك رئيس الجيش.
كتبت العدد الذي طلبه مني، ثم قال: هل كتبته؟
قلت: أجل..
قال: هل هما متفقان في كل ما ذكراه؟
لم أجد إلا أن أقول: لا.. لكنهما متفقان في موت شوبك رئيس الجيش.
قال: أعلم ذلك.. وهذا ما يؤكد أن الحادثة واحدة.. أريد سائر الأعداد.
قلت: الفرق بين الفقرتين كبير في عدد المقتولين من المحاربين على المركبات ففي الأولى رجال سبعمائة، وفي الثانية سبعة آلاف.. واختلف النصان في كون الأربعين ألفاً المقتولين من المشاة، أم من الفرسان.
أمسك برأسه وقال: لطالما احترت هل الحقيقة هي 700 مركبة أم 7000 ?، وهل هم 40.000 فارس أم هم من المشاة?
ابتسمت، وقلت: وما الذي يحيرك في هذا.. وما اهتمامك له؟
لم أدر أنه سيغضب ذلك الغضب الذي أبداه لي، لقد احمر وجهه، وراح يصيح: كيف تقول هذا.. أنا مجرد موثق بسيط.. أوثق أحيانا المتر والمترين والدرهم والدرهمين.. ومع ذلك لا أضيع قيراطا واحدا.. بل ولا حبة واحدة.. فكيف بالكتاب المقدس.. كلام الله الأزلي الوحيد.. كيف يقع في مثل هذه الأخطاء!؟
صمت، فتمالك نفسه قليلا، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة، واكتب ما سأمليه عليك.. لا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من (صموئيل الثاني: 8 /4).:( وَأَسَرَ مِنْ جَيْشِهِ أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خُيُولِ الْمَرْكَبَاتِ بِاسْتِثْنَاءِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ )
التفت إلي، وقال: اكتب الذين أسرهم داوود ( 1700 ) فارس و ( 20.000 ) راجل، أي من المشاة.. هذا حسب عبارة صموئيل الثاني: 8 /4.. اكتب هذا أيضا.
كتبت ما طلب مني، ثم راح يقرأ من (الأيام الأول: 18 /4):( وَاسْتَوْلَى دَاوُدُ عَلَى أَلْفِ مَرْكَبَةٍ مِنْ مَرْكَبَاتِهِ، وَأَسَرَ سَبْعَةَ آلافِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ )
التفت إلي، وقال: اكتب الذين أسرهم داوود ـ حسب نص الأيام الأول 18 عدد4 ـ هم ( 7000 ) فارس.
كتبت ما أمرني.. فقال: هل هنا فرق بين النصين؟
قلت: أجل.. وهو واضح.. زيادة على أن نص صموائيل الثاني لم يذكر الألف مركبة التي استولى عليها داود كما في الأيام الأول.. واستثني نص صموائيل الثاني مئة مركبة من المركبات، بينما الأيام الأول لم يستثن شيئا من المركبات.
نظر إلي، وكأنه يتهمني بالتحريف، وقال: لماذا كل هذا؟.. ألم تكن النسخ بينهم؟.. فلم لم يصححوها كما صححوا غيرها.. ماذا عساي أقول لمن يضحك علي من موثقي المسلمين؟
قلت: وما علاقة المسلمين بهذا؟.. ألهم إرث من غنائم داود؟
قال: لقد شرحت كتابهم كما شرحت الكتاب المقدس.. وحاولت أن أعثر على خطأ واحد، فلم أجد.. بل وضعت جائزة قيمة لمن يكتشف لي خطأ واحدا.. فلم يأخذ جائزتي أحد.. وهي لا تزال مرصدة.. وأنا أعلم أني سأموت وأتركها.. فلن يجد أحد أي تخلف لذلك الكلام العظيم..
لقد قال ربهم في وصف كتابه، وهو يتحدى الكل:) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ((فصلت:42)
سكت قليلا، ثم قال بقوة: ارم تلك الورقة.. سأحرقها بعد أن تخرج..
قلت: لم؟
قال: لأنها ستحرق الكتاب المقدس لو وقعت في يد عاقل من قومي وقومك.
أعطاني ورقة، وقال: خذ هذه الورقة الجديدة.. وسنجري مقارنة أخرى.. ولا تكتب إلا ما أطلبه منك.. لا تفعل مثلما فعل الكتبة الكذبة.
أمسكت الورقة، وراح يقرأ من (صموئيل الثاني:23 /8).:( وَهَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالِ دَاوُدَ الأَبْطَالِ: يُوشَيْبُ بَشَّبَثُ التَّحْكَمُونِيُّ، وَكَانَ قَائِدَ الثَّلاَثَةِ، هَاجَمَ بِرُمْحِهِ ثَمَانِي مِئَةٍ وَقَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً)
التفت إلي، وقال: اكتب: اسم أحد رجال داود الأبطال هو (يوشيب بشبث التحكموني).. واكتب بأن هذا الرجل قد هاجم برمحه 800 رجل، فقتلهم دفعة واحدة فضلاً عن أنه كان قائد الأبطال الثلاثة.. هذا كله بحسب صموائيل الثاني.
كتبت ما أمرني به، ثم راح يقرأ من (الأيام الأول: 11 /11):( وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَبْطَالُ دَاوُدَ: يَشُبْعَامُ بْنُ حَكْمُونِي، رَئِيسُ الأَبْطَالِ الثَّلاَثَةِ، هَاجَمَ بِرُمْحِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَقَتَلَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً )
التفت إلي، وقال: اكتب: نفس الرجل إسمه يشبعام بن حكموني، وقد هاجم برمحه 300 رجل فقتلهم دفعة واحدة فضلاً عن أنه كان قائد الأبطال الثلاثة.. هذا ما نفهمه من فقرة أخبار الأيام الأول.
كتبت ما أمرني به، فقال: هل هناك فرق بين النصين؟
قلت: أجل.. فهناك اختلاف في اسم الرجل.. واختلاف في عدد الذين قتلهم.. ففي صموائيل ذكر ( 800 ) وفي الأخبار ذكر ( 300 ) فهناك فرق بين العددين مقداره ( 500 ) رجل.
قال: أجل.. وهو فرق كبير.. ولكن ما الصحيح؟.. هل هو يُوشَيْب أَمْ هو يَشُبْعام ? .. وهل هم ثمانمائة أم ثلاثمائة ?
أمسك رأسه بيده، وقال: وفوق ذلك كله هل يعقل أن رجلا واحدا هاجم برمحه هذا العدد من الناس، فقتلهم دفعة واحدة!؟
ضحك، وقال: هل وقف كل هؤلاء في صف واحد منضبط تماماً ينتظرون أن يقذف هذا البطل الهمام برمحه بقوة عظيمة ليخترق هذا الصف من أوله إلى آخره، فيقتل الجميع دفعة واحدة.. ثم أي رمح يطيق أن يفعل هذا!؟
سكت قليلا، ثم قال: لماذا أكلف نفسي بتوثيق مثل هذا الكتاب.. إن توثيق عقود اللصوص والمجرمين أسهل من توثيق مثل هذه النصوص.. إن المجرمين أكبر عقولا من أن يقعوا في مثل هذه الحماقات.
نظر إلي بعبوس، وكأني شريك في الجريمة، وقال: ارم تلك الورقة بسرعة.. إنها ستحرق علينا المكتب لو بقيت.
رميت الورقة على الأرض المملوءة بالأوراق الممزقة.. أعطاني ورقة أخرى، وقال: اكتب ما أمليه عليك.. ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من (ملوك الأول: 5 /11):( وأعطى سليمان حيرام عشرين ألف كرّ حنطة طعاما لبيته وعشرين كر زيت رض. هكذا كان سليمان يعطي حيرام سنة فسنة )
التفت إلي، وقال: اكتب ما أعطى سليمان لحيرام ملك صور مقابل الاخشاب.
كتبت ما ذكره، فراح يقرأ من (أخبار الثانى:2 /10):( وهانذا أعطي للقطّاعين القاطعين الخشب عشرين ألف كرّ من الحنطة طعاما لعبيدك، وعشرين الف كرّ شعير، وعشرين ألف بث خمر، وعشرين ألف بث زيت )
التفت إلي، وقال: اكتب ما أعطى سليمان لحيرام ملك صور مقابل الاخشاب.
كتبت.. فقال، وقد بدا عليه التعب: أهناك فرق بينهما؟
قلت: أجل.. فروق كبيرة.
قال بصوت ضعيف: ارم الورقة إذن.. وخذ ورقة أخرى.. واكتب ما أمليه عليك.
را ح يقرأ من (أخبار الثانى: 36 / 9):( كان يهوياكين ابن ثماني سنين حين ملك وملك ثلاثة اشهر وعشرة أيام في أورشليم.وعمل الشر في عيني الرب )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر يهوياكين حينما أصبح ملكا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (ملوك الثانى: 24/8):( كان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك وملك ثلاثة اشهر في أورشليم. واسم أمه نحوشتا بنت الناثان من أورشليم )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر يهوياكين حينما أصبح ملكا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال بصوت ضعيف: هل تجد من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. ففي (أخبار الأيام الثاني 36 عدد 9 )أن عمر يهوياكين حينما تولى الحكم هو ثماني سنوات, وأن مدة ملكه هو ثلاثة أشهر وعشرة أيام ( 100 يوم ) وأنه كفر في خلال مدة حكمه هذه أو عصى الرب وأن حكمه كان في أورشليم.
وما نفهمه من فقرة (الملوك الثاني 24 عدد 8 ) أن عمر يهوياكين حينما تولى الحكم أو الملك هو ثماني عشرة سنة, وأن مدة ملكه هو ثلاثة أشهر فقط ( 90 يوم ) وأن إسم أمه نحوشتا بنت ناثان وأنها من أورشليم.
قال: هناك فرق واضح إذن بينهما؟
قلت: أجل.. ولكن مع ذلك، فاسمح لي أن أتدخل في ترجيح أحد السفرين.
نظر إلي باهتمام، وأمسك ورقة، وقال: إذن سأظفر بالحقيقة التي عشت عمري تائها في البحث عنها.. أي السفرين محق فيما ذهب؟
قلت: الثانية أكثر معقولية، لقد ورد في (الملوك الثاني 24 عدد 15 ):( وسبى يهوياكين الى بابل وام الملك ونساء الملك وخصيانه واقوياء الارض سباهم من اورشليم الى بابل ).. فهذا النص يدل على أن لهذا الملك نساء.. ومن الممتنع عقلا أن يكون هناك رجل عمره ثماني سنوات، وعنده نساء زوجات وسراري[1].
ضحك، وقال: عن أي عقل تتحدث؟.. عقلك، أم العقل الذي صاغ الكتاب المقدس؟.. ألا تعلم أن في الكتاب المقدس طفلة بمجرد أن فطمت حبلت وولدت؟
ألا تعرف لورحامة بنت هوشع التي أنجبها من زوجة زانية حينما أمره الرب أن يتزوج زانية؟
قلت: بلى أعرفها.. لقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس.
قال: فهذه البنت.. لورحامة.. بمجرد أن فُطِمَت حبلت وولدت ابناً.. ولا أدري كيف تحبل بعد أن تفطم.. ومن هو زوجها؟.. لقد جاء في (هوشع: 1 /8):( ثم فطمت لورحامة وحبلت فولدت ابنا )
رمى الورقة من يده، وقال: إذا تكلمت في المرة القادمة فتكلم كلاما معقولا.. أعطاني ورقة أخرى بيضاء، وقال: ارم تلك التي في يدك، وخذ هذه الورقة.. ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من ( تكوين 6 عدد3):( فَقَالَ الرَّبُّ:( لَنْ يَمْكُثَ رُوحِي مُجَاهِداً فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. هُوَ بَشَرِيٌّ زَائِغٌ، لِذَلِكَ لَنْ تَطُولَ أَيَّامُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَطْ )
التفت إلي، وقال: اكتب: لا ينبغي أن يتجاوز عمر بشر أكثر من 120 سنة.. هذا هو قرار الرب حسب ( تكوين 6 عدد3).
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ (تكوين 9 عدد29):( من ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً ) وقال: هذا عمر نوح.. اكتبه.
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/ 32):( وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ )، وقال: هذا عمر تارح.. اكتبه إنه 205 سنة؟
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/21):( وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ مَا وَلَدَ سَرُوجَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )، وقال: عاش رعو أكثر من 207 سنة؟
كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/23):( وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )، وقال: عاش سروج أكثر من 200 سنة.
كتبت ما طلبه مني، فقال: لدي نصوص كثيرة.. فلنكتف بالمقارنة بين هذه النصوص وما ورد في النص الأول.. النص الذي ورد في ( تكوين 6 عدد3).. والذي قرر فيه الرب أن الروح لن تبقى في الإنسان أكثر من مائة وعشرين سنة.. هذا قول الرب.. فهل عاش أي إنسان أكثر من مائة وعشرين سنة؟
قلت: كل من ذكرتهم عاشوا أكثر من هذا العدد.
قال: وغيرهم كثير عندي العشرات من الفقرات في الكتاب المقدس تناقض ذلك النص.. ولكن قومي مع ذلك يصرون على أنه ليس محرفا.. فما هو الصحيح؟
أمسك يده برأسه، وقال: هل يمكن أن تكون 120 أكبر من 950..!؟ أو هل يمكن أن تكون 120 أكبر من 205..!؟ وهل يمكن أن تكون 120 أكبر من 200..!؟ أجبي.. فإن عقلي يكاد يطير من رأسي.
لم أجد ما أجيبه به، تمالك نفسه، ثم قال: ارم تلك الورقة، وخذ ورقة جديدة، ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
أمسكت ورقة جديدة، ورحت أخضع لإملائه.. راح يقرأ من (ملوك الثانى: 8/ 26):( كان اخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين ملك وملك سنة واحدة في أورشليم. واسم أمه عثليا بنت عمري ملك إسرائيل )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر اخزيا حين ملك أورشليم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الثانى: 22/ 2):( كان اخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك، وملك سنة واحدة في أورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري )
التفت إلي، وقال: اكتب عمر اخزيا حين ملك أورشليم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل ترى من فرق بين النصين؟
قلت: أجل.. فبين النصين إختلاف بمقدار عشرين سنة.
ثم أضفت: ولكن مع ذلك لا شك أن النص الأول هو الصحيح.. لأن أباه يهورام على حسب ما في سفر (أخبار الأيام الثاني 21 /20 و 22 /1-2 )..
اسمع:( كان ابن اثنتين وثلاثين سنة حين ملك وملك ثماني سنين في اورشليم وذهب غير مأسوف عليه ودفنوه في مدينة داود ولكن ليس في قبور الملوك ) (أخبار الثانى 21 /20)
واسمع:( وملك سكان أورشليم اخزيا ابنه الأصغر عوضا عنه لان جميع الأولين قتلهم الغزاة الذين جاءوا مع العرب إلى المحلّة.فملك اخزيا بن يهو رام ملك يهوذا ) (أخبار الأيام الثانى: 22/ 1)
واسمع:( كان اخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك وملك سنة واحدة في أورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري ) (أخبار الأيام الثانى: 22/ 2)
فهذه النصوص تدل على أن يهورام مات وهو ابن أربعين سنة , وتولى أخزيا الملك بعد موت أبيه مباشرة، فلو لم يكن النص الثاني خطأ للزم أن يكون أخزيا أكبر من أبيه بسنتين، وهو أمر ممتنع عند العقلاء من الناس.. وقد أقر آدم كلارك وهورن وهنري وإسكات في تفاسيرهم بأن هذا الإختلاف وقع من غلط الكاتب.
قال: ولكن قومي وقومك يصرون على أن الكتاب خال من أي تحريف.. فكيف يكون هذا!؟
سكت قليلا، ثم قال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة، ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.
راح يقرأ من (سفر الملوك الأول: 4 /26):( وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته واثنا عشر ألف فارس )
اكتب ما كان لسليمان من مذود الخيل.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الثاني: 9 /25):( وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في أورشليم )
واكتبت ما ورد في (سفر أخبار الأيام الثاني: 1 /14):( وجمع سليمان مركبات وفرسانا فكان له الف واربع مئة مركبة واثنا عشر الف فارس فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في اورشليم )
كتبت ما أملى علي، فقال: هل ترى من فرق بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فبين النصين الأول والثاني اختلاف بزيادة ( 36.000 ) مذود في النص الأول.. وقد قال المفسر آدم كلارك: الأحسن أن نعترف بوقوع التحريف في العدد.
قال: ولكن أيهما الصحيح.. أنا موثق أبحث عن تصحيح العقود.
صمت، فقال: لقد ذكر دكتور فيليب حتى فى كتابه عن تاريخ سورية أن إسطبلات سليمان قد اكتُشِفَت حديثاً حيث كان يضع مركباته مرابط بصفوف مزدوجة.. وذكر أنه يمكن أن تتسع لأربعمائة وخمسين حصاناً.. فالحفريات أثبتت كذب الكتابين جميعا.
قال ذلك، ثم نظر إلي عابسا، وقال: ارم تلك الورقة.. واكتب ما أمليه عليك فقط لا تزد حرفا واحدا.
راح يقرأ من (ملوك الأول: 7 / 26):( غلظه شبر وشفته كعمل شفة كاس بزهر سوسن.يسع ألفي بث )
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الثانى: 4/ 5):( وغلظه شبر وشفته كعمل شفة كاس بزهر سوسن.يأخذ ويسع ثلاثة الآف بثّ )
نظر إلي، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. هو في ألف.. ولكن جامعي تفسير هنري واسكات ذكروا أن المقصود هو الفرق بين الإتساع وما يمكن أن يحتويه.
قال: كلمة بث هي كلمة إنجليزية ( BATH) ومعناها حوض غسيل أو موضع الإستحمام , وهي مع وضوحها لم يتم ترجمتها في النسخ العربية؟
ومن المستحيل أن تكون ترجمتها بهذه الصيغة لو تم ترجمة معنى كلمة ( بث ) وستكون ترجمتها إن أعدنا ترجمة العبارة مع كلمة ( بث ) هكذا: وغلظه شبر وشفته كعمل شفة كأس بزهر سوسن , يأخذ ويسع ثلاثة آلاف حوض غسيل.
والاستحالة هنا لكونه لا يمكن القول بأنه يأخذ ويتسع لأن اللفظة منتهية عند يسع فاتساعه ثلاثة آلاف حوض غسيل وكفى , فما الفائدة من اللفظة المضافة (يأخذ )
أتدري.. حينما اتضح التناقض بين النصين في الملوك الأول وفي أخبار الأيام الثاني وهما كلمة بكلمة متشابهتان إلا أن الفرق هو بين العدد فقط.. هناك ألفان وهنا ثلاثة آلاف.. اضطر منقحوا ومترجموا اللغة العربية أن يضيفوا كلمة ( ويأخذ ) في فقرة الأخبار حتى يبرروا التناقض بين النصين، فيكون المراد في الملوك يتسع فقط، ولكن في الأخبار يأخذ ويتسع.. هؤلاء هم عباقرة المزورين.. ولكني خبير توثيق.. ولن تنطلي الحيلة علي..
التفت إلي بغضب، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديد.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموئيل الثاني:24 /9):( فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك، فكان إسرائيل ثمان مئة ألف رجل ذي بأس مستل السيف، ورجال يهوذا خمس مئة ألف رجل)
التفت إلي، وقال: اكتب عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الأول:21 /5):( فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى داود فكان كل إسرائيل ألف ألف ومئة ألف رجل مستلي السيف ويهوذا أربع مئة وسبعين ألف رجل مستلي السيف )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هما متفقان؟
قلت: لا.. عدد المقاتلين حسب سفر صموئيل الثاني في إسرائيل ( 800.000), وفي يهوذا ( 500.000 ) , وعلى حسب أخبار الأيام الأول عددهم في إسرائيل(1.100.000 ) , وفي يهوذا ( 470.000 )
قال ـ وفي عينيه بعض الوجوم ـ: أليست هذه أرقاما متشابهة؟
قلت: لا.. بين النصين إختلاف كبير في عدد المقاتلين من إسرائيل بمقدار ثلاث مئة الف ( 300.000 ) , وفي عدد المقاتلين من يهوذا بمقدار ثلاثين ألف ( 30.000)
قال: فمن تراه يكون صحيحا منهما؟
قلت: لقد اعترف آدم كلارك في تفسيره بأن تعيين النص الصحيح منهما عسير, لأن كتب التواريخ وقع فيها تحريفات كثيرة, وأن الاجتهاد في التطبيق عبث, والأحسن التسليم بالتحريف , لأن هذا الأمر لا قدرة على إنكاره , ولأن الناقلين لم يكونوا ذوي إلهام.
قال: ولكنهم لا يزالون يصرون على أن الكتاب المقدس خال من التحريف..
سكت قليلا، ثم قال: ألا تعلم خطورة كلام آدم كلارك؟.. إنه يهدم الكتاب المقدس.. فمن جوز تحريف نص جوز تحريف غيره؟
نظر إلي بعبوس، وقال: ارم تلك الورقة.. ولا تعد لذكر آدم كلارك.. انسه كما تنسى ما ذكرنا من أخطاء.. خذ ورقة بيضاء جديدة.
أخذتها، فراح يقرأ من (تكوين: 46 / 26-27):( جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه ما عدا نساء بني يعقوب جميع النفوس ست وستون نفسا. وابنا يوسف اللذان ولدا له في مصر نفسان.جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون ) وهكذا ورد في سفر (الخروج: 1 / 5)، وهو ما يؤكد أنهم سبعون.
التفت إلي، وقال: اكتب عدد بني يعقوب إخوة يوسف وأهله حينما دخلوا إلى مصر حسب هذه الأسفار.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أعمال: 7 /14):( فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفسا )
التفت إلي، وقال: هل هناك خلاف بينهما؟
قلت: أجل.. في خمسة أنفس.
قال: لا بأس.. خمسة أنفس فقط.. لا بأس.. هذا عدد قليل.. ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
أخذت ورقة جديدة، فراح يقرأ من (أخبار الأول:18/12-13):( وابشاي ابن صروية ضرب من ادوم في وادي الملح ثمانية عشر الفا. (13) وجعل في ادوم محافظين فصار جميع الادوميين عبيدا لداود وكان الرب يخلص داود حيثما توجّه )
التفت إلي، وقال: اكتب من الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (صموائيل الثانى: 8 /13-14):( ونصب داود تذكارا عند رجوعه من ضربه ثمانية عشر ألفا من ارام في وادي الملح. وجعل في ادوم محافظين.وضع محافظين في ادوم كلها وكان جميع الادوميين عبيدا لداود وكان الرب يخلص داود حيثما توجه )
التفت إلي، وقال: اكتب من الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. هناك خلاف في الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح هل هو داوود، أم أبشاي بن صروية؟
قال: ومن الذي يدريني أنا.. إذا كان الكتاب المقدس المؤيد بالوحي لا يدري.. فكيف أدري أنا!؟
ثم التفت إلي عابسا، وقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموائيل الثاني24 /21):( وقال ارونة لماذا جاء سيدي الملك الى عبده. فقال داود لاشتري منك البيدر لكي ابني مذبحا للرب فتكفّ الضربة عن الشعب )
وفي (صموائيل الثاني:24 /24):( فقال الملك لارونة لا بل اشتري منك بثمن ولا اصعد للرب الهي محرقات مجانية. فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلا من الفضة)
التفت إلي، وقال: اكتب بكم اشترى داوود البيدر من أرونة.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الأول:21 / 22):( فقال داود لأرنان اعطني مكان البيدر فابني فيه مذبحا للرب.بفضة كاملة اعطني اياه فتكفّ الضربة عن الشعب )
وفي (أخبار الأيام الأول: 21 / 25):( ودفع داود لأرنان عن المكان ذهبا وزنه ست مئة شاقل )
التفت إلي، وقال: هل كتبت كل ما طلبته منك؟
قلت: أجل..
قال: هل هناك من فرق بينهما؟
قلت: أجل.. ففي سفر صموائيل الثاني نرى أن داوود اشترى من ارونه البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة وهكذا تم الإتفاق بينهم وتم البيع والشراء على هذا السعر لكن في أخبار الأيام الأول نجد أنه يذكر أنه اشترى الحقل بالذهب، وكان وزن الذهب ستمئة شاقل.
قال: فأي النصين نصدق؟
قلت: لا أدري..
قال: أنت لا تدري.. والكتاب المقدس لا يدري.. فمن يدري؟
ثم قال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من ( سفر التكوين: 6 / 19-20):( ومن كل حيّ من كل ذي جسد اثنين من كلّ تدخل الى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كاجناسها ومن البهائم كاجناسها ومن كل دبابات الارض كاجناسها. اثنين من كلّ تدخل اليك لاستبقائها )
وفي (سفر التكوين: 7 / 8-9):( ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدبّ على الارض دخل اثنان اثنان الى نوح الى الفلك ذكرا وانثى.كما امر الله نوحا )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الطير والبهائم التي أمر نوح بأخذها في السفينة حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر التكوين: 7 / 2-3 ):( من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى.ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وانثى. ومن طيور السماء ايضا سبعة سبعة ذكرا وانثى.لاستبقاء نسل على وجه كل الارض )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الطير والبهائم التي أمر نوح بأخذها في السفينة حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فالأول والثاني يدلان على أن الله أمر نوحاً أن يأخذ معه في السفينة من جميع البهائم والطيور وحشرات الأرض اثنين اثنين ذكراً وأنثى , وأن نوحاً قد نفذ هذا الأمر.
بينما يدل النص الثالث على أن الله أمر نوحاً أن يأخذ معه في السفينة من جميع البهائم الطاهرة فقط ومن جميع الطيور سبعة أزواج, أما البهائم التي ليست بطاهرة فيأخذ منها اثنين اثنين فقط.
فليس في النصين الأول والثاني ذِكر للسبعة, واتفقا بذِكر الاثنين اثنين في الجميع, وفي النص الثالث قيد الاثنين بالبهائم غير الطاهرة, ونص على السبعة في الطيور وباقي البهائم , وهو مناقض للنصين الأول والثاني.
نظر إلي عابسا، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من قصة الأعميين التي وردت في (إنجيل متى: 20 /29-34).. والتي ورد فيها:( 29 وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير 30 فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه )
ووردت قصة المجنونين في (إنجيل متى: 8 / 28-34 ) والتي ورد فيها:( 28 ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين اسبتقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً)
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الذين شفاهم المسيح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ القصة عينها حسبما وردت في (إنجيل مرقس: 10 / 46-52)، والتي ورد فيها:( 46. وجاءوا الى اريحا. وفيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. (47) فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. (52) فقال له يسوع اذهب.ايمانك قد شفاك.فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق )
التفت إلي، وقال: اكتب عدد الذين شفاهم المسيح حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ قصة المجنون حسبما ذكرها (لوقا: 8 / 26-39)والتي ورد فيها:( 26 وساروا الى كورة الجدريين التي هي مقابل الجليل. (27) ولما خرج الى الارض استقبله رجل من المدينة كان فيه شياطين منذ زمان طويل وكان لا يلبس ثوبا ولا يقيم في بيت بل في القبور. (33) فخرجت الشياطين من الانسان ودخلت في الخنازير.فاندفع القطيع من على الجرف الى البحيرة واختنق )
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك اختلاف بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فهناك اختلاف بين إنجيل متى ولوقا في عدد الذين شفاهم المسيح أهما مجنونان وأعميان على حسب إنجيل متى، أم مجنون واحد وأعمى واحد على حسب إنجيل لوقا.
قال بغضب: ارم الورقة، وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر اخبار الأيام الأول: 7 / 6):( لبنيامين بالع وباكر ويديعئيل ثلاثة )
التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر اخبار الأيام الأول: 8 / 1-2 ):( وبنيامين ولد بالع بكره وأشبيل الثاني وأخرخ الثالث ونوحة الرابع ورافا الخامس )
التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر التكوين: 46 / 21):( وبنو بنيامين بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفيم وحفيم وأرد )
التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: انظر جيدا.. هل هناك فرق بين هذه النصوص؟
قلت: أجل.. فأبناء بنيامين حسب النص الأول: ثلاثة , وعلى حسب النص الثاني: خمسة.. فاختلف النصان في أسمائهم وعددهم, واتفقا في اسم بالع فقط, وهؤلاء الأبناء على حسب النص الثالث: عشرة , فاختلف مع النصين السابقين في الأسماء والعدد أيضاً , واتفق مع النص الأول في إسم إثنين منهم , وإتفق مع النص الثاني في إسم إثنين منهم , ولم تتفق النصوص الثلاثة إلا في إسم بالع فقط.
قال بغضب: ارم الورقة، وخذ ورقة جديدة.
فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموائيل الثاني: 24 / 13):( فأتى جاد الى داود واخبره وقال له أتاتي عليك سبع سني جوع في ارضك ام تهرب ثلاثة اشهر امام اعدائك وهم يتبعونك ام يكون ثلاثة ايام وبأ في ارضك. فالآن اعرف وانظر ماذا ارد جوابا على مرسلي )
التفت إلي، وقال: اكتب هذه الأعداد.
كتبتها، فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الأول: 21 / 12):( اما ثلاث سنين جوع او ثلاثة اشهر هلاك امام مضايقيك وسيف اعدائك يدركك او ثلاثة ايام يكون فيها سيف الرب ووبأ في الارض وملاك الرب يعثو في كل تخوم اسرائيل. فانظر الآن ماذا ارد جوابا لمرسلي )
التفت إلي، وقال: اكتب هذه الأعداد بحسب هذا السفر.
كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك فرق بينهما؟
قلت: أجل.. فسفر صموئيل الثاني ينص على أن جاد خير داوود أن يختار بين سبع سنين جوع أو يهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائه, بينما يفهم من سفر أخبار الأيام الأول أن جاد خير داود بين ثلاث سنين وليس سبعة أو ثلاثة أشهر هلاك.
نظر إلي بعبوس، وقال: أخبرني.. هل هم سبعة سنين جوع أم ثلاثة سنين؟
صمت، فقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.
عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:26 عدل 1 مرات
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin