..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Empty كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:01

    رابعا ـ الحقيقة

    في اليوم الرابع.. كلفني أخي بالسير إلى موثق لنوثق عنده بعض العقود التي أجرتها مطبعة الكنيسة مع بعض المتعاملين.

    سرت إليه، وقد حملت معي جميع الوثائق التي رأيت أنه من المحتمل أن يطلبها مني، فأنا أعلم مدى الحزم الذي يتحلى به هؤلاء.

    كان من الطبيعي أن يختار أخي موثقا مسيحيا، بل موثقا له علاقة طيبة بالكنيسة، ولكني مع ذلك سرت، وفي نفسي بعض الألم، لأني لا أحب الاشتغال بشؤون الإدارة، وما يرتبط بها، بالإضافة إلى أني استلذذت جلساتي الحوارية في الأيام السابقة، فرغبت نفسي عن غيرها.

    دخلت إلى الموثق، فوجدت مكتبه العريض مملوءا بنسخ مختلفة للكتاب المقدس، وهو يحمل في يده آلة حاسبة، وأمامه أوراق مبعثرة، منها ما هو على مكتبه، ومنها ما هو على الأرض.

    تعجبت من هذا السلوك الغريب الذي لم أعهده في أمثال هؤلاء، فوددت أن أسأله عن سر هذه النسخ من الكتاب المقدس، وسر مقارناته بينها، وسر الأوراق المبعثرة، لكني لم أره يعيرني أي اهتمام، بل رأيته منصرفا كلية إلى مقارناته، وكأنه لم يشعر بدخولي عليه.

    1 ـ الحساب

    فجأة، أعطاني الآلة الحاسبة، وقال: احسب أنت.. لقد مللت من تكرار الحساب.. ولست أدري هل الآلة هي المخطئة.. أم هذه النسخ هي المخطئة؟

    أمسكت بالآلة، فراح يقرأ دون أن ينتظر مني أي إجابة:( لِجَرْشُونَ عَشِيرَةُ اللِّبْنِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الشَّمْعِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ الجَرْشُونِيِّينَ. المَعْدُودُونَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً المَعْدُودُونَ مِنْهُمْ سَبْعَةُ آلافٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ ) (العدد 3/21-22)..

    التفت إلي، وقال: عدد الجرشون من ابن شهر فصاعداً 7500 فرداً.. اكتب 7500.

    كتبتها، ثم راح يقرأ:( وَلِقَهَاتَ عَشِيرَةُ العَمْرَامِيِّينَ وَعَشِيرَةُ اليِصْهَارِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الحَبْرُونِيِّينَ وَعَشِيرَةُ العُزِّيئِيلِيِّينَ. هَذِهِ عَشَائِرُ القَهَاتِيِّينَ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً ثَمَانِيَةُ آلافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ حَارِسِينَ حِرَاسَةَ القُدْس ) (العدد: 3/27-28)

    التفت إلي، وقال: عدد بنى قهات أليعازر 8600.. أضف إلى العدد السابق 8600.

    أضفتها، ثم راح يقرأ:( وَلِمَرَارِي عَشِيرَةُ المَحْلِيِّينَ وَعَشِيرَةُ المُوشِيِّينَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ مَرَارِي. وَالمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً سِتَّةُ آلافٍ وَمِئَتَانِ) (العدد: 3/33-34)

    التفت إلي، وقال: عدد مرارى 6200.. أضف إلى ما سبق 6200.

    أضفتها، فقال: احسب الآن المجموع.. كم تجده؟

    حسبت، فقلت: 7500 + 8600 + 6200 تساوي 300 22.

    قال: ولكن الكتاب المقدس يقول غير هذا.. اسمع.. راح يقرأ:( جَمِيعُ المَعْدُودِينَ مِنَ اللاوِيِّينَ الذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ بِعَشَائِرِهِمْ كُلُّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِداً اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلفاً )(العدد: 3/39)

    أين الثلاثمائة من بني لاوي.. أين ذهب الثلاثمائة من بني لاوي..!؟

    راح يكرر ذلك، ويضع يده على رأسه، وكأنه مسؤول عن ضياعهم، ثم قال: هل الرب الذي خلق كل هذا الكون المؤسس على حساب دقيق لا يعرف كيف يحل مسألة جمع بهذه البساطة.. إن هذا النص يكاد يجنني.

    لم أجد ما أقول له.. لكنه تماسك قليلا، ثم شرب قليلا من العصير كان بجانبه، وقال: لا بأس.. قد نقبل هذا الخطأ.. لكنه ليس الخطأ الوحيد.

    أعطاني ورقة، وقال: اكتب كل ما أمليه عليك، ولا تكتب غيره.. إياك أن تكتب غيره.. نحن الآن نتعامل مع الكتاب المقدس، لا مع عقود البشر.

    أمسكت بالورقة، وأنا محتار في تصرفات هذا الرجل.. ولكني لم أظهر أي ضيق، فقد كان سلوكه العلمي يتناسب مع ما جبلت عليه من اهتمام بالتحقيق والتوثيق، وبغض للتقليد والإذعان.

    راح يقرأ:( وَمَا لَبِثَ الآراميون أَنِ انْدَحَرُوا أَمَامَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ، فَقَتَلَتْ قُوَّاتُ دَاوُدَ رِجَالَ سَبْعِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ. وَأُصِيبَ شُوبَكُ رَئِيسُ الْجَيْشِ وَمَاتَ هُنَاكَ) (صموئيل الثاني: 10 /18)

    التفت إلي، وقال: اكتب..

    قلت: ما أكتب؟

    قال: ما سمعته من فقرة صموئيل الثاني.. لقد ذكر أن جيش داوود قتل من الآراميين سبع مئة مركبة وأربعين ألف فارس كما قتل شوبك رئيس الجيش.

    كتبت العدد الذي طلبه مني، ثم قال: هل كتبته؟

    قلت: أجل..

    قال: اسمع ما ورد في (الأيام الأول  19 عدد18) حول نفس الموضوع:( وقتل داود  سبعة  آلاف من قادة المركبات, وأربعين  ألفا من المشاة, كما قََتل شُوبَك  رئيس  الجيش )

    التفت إلي، وقال: اكتب..

    قلت: ما أكتب؟

    قال: ما سمعته من فقرة الأيام الأول (19عدد 18 ).. فقد ذكر أن جيش داوود قتل في نفس المعركة مع الآراميين سبعة آلاف من قادة المركبات وأربعين ألف من المشاة وأيضاً قتل شوبك رئيس الجيش.

    كتبت العدد الذي طلبه مني، ثم قال: هل كتبته؟

    قلت: أجل..

    قال: هل هما متفقان في كل ما ذكراه؟

    لم أجد إلا أن أقول: لا.. لكنهما متفقان في موت شوبك رئيس الجيش.

    قال: أعلم ذلك.. وهذا ما يؤكد أن الحادثة واحدة.. أريد سائر الأعداد.

    قلت: الفرق بين الفقرتين كبير في عدد المقتولين من المحاربين على المركبات ففي الأولى رجال سبعمائة، وفي الثانية سبعة آلاف.. واختلف النصان في كون الأربعين ألفاً المقتولين من المشاة، أم من الفرسان.

    أمسك برأسه وقال: لطالما احترت هل الحقيقة هي 700 مركبة أم 7000 ?، وهل هم  40.000  فارس أم هم من المشاة?

    ابتسمت، وقلت: وما الذي يحيرك في هذا.. وما اهتمامك له؟

    لم أدر أنه سيغضب ذلك الغضب الذي أبداه لي، لقد احمر وجهه، وراح يصيح: كيف تقول هذا.. أنا مجرد موثق بسيط.. أوثق أحيانا المتر والمترين والدرهم والدرهمين.. ومع ذلك لا أضيع قيراطا واحدا.. بل ولا حبة واحدة.. فكيف بالكتاب المقدس.. كلام الله الأزلي الوحيد.. كيف يقع في مثل هذه الأخطاء!؟

    صمت، فتمالك نفسه قليلا، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة، واكتب ما سأمليه عليك.. لا تكتب إلا ما أمليه عليك.

    راح يقرأ من (صموئيل الثاني: 8 /4).:( وَأَسَرَ مِنْ جَيْشِهِ أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خُيُولِ الْمَرْكَبَاتِ بِاسْتِثْنَاءِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ )

    التفت إلي، وقال: اكتب الذين أسرهم داوود ( 1700 ) فارس و ( 20.000 ) راجل، أي من المشاة.. هذا حسب عبارة صموئيل الثاني: 8 /4.. اكتب هذا أيضا.

    كتبت ما طلب مني، ثم راح يقرأ من (الأيام الأول: 18 /4):( وَاسْتَوْلَى دَاوُدُ عَلَى أَلْفِ مَرْكَبَةٍ مِنْ مَرْكَبَاتِهِ، وَأَسَرَ سَبْعَةَ آلافِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ )

    التفت إلي، وقال: اكتب الذين أسرهم داوود ـ حسب نص الأيام الأول 18 عدد4 ـ هم ( 7000 ) فارس.

    كتبت ما أمرني.. فقال: هل هنا فرق بين النصين؟

    قلت: أجل.. وهو واضح.. زيادة على أن نص صموائيل الثاني لم يذكر  الألف مركبة التي استولى عليها داود كما في الأيام الأول.. واستثني نص صموائيل الثاني مئة مركبة من المركبات، بينما الأيام الأول لم يستثن شيئا من المركبات.

    نظر إلي، وكأنه يتهمني بالتحريف، وقال: لماذا كل هذا؟.. ألم تكن النسخ بينهم؟.. فلم لم يصححوها كما صححوا غيرها.. ماذا عساي أقول لمن يضحك علي من موثقي المسلمين؟

    قلت: وما علاقة المسلمين بهذا؟.. ألهم إرث من غنائم داود؟

    قال: لقد شرحت كتابهم كما شرحت الكتاب المقدس.. وحاولت أن أعثر على خطأ واحد، فلم أجد.. بل وضعت جائزة قيمة لمن يكتشف لي خطأ واحدا.. فلم يأخذ جائزتي أحد.. وهي لا تزال مرصدة.. وأنا أعلم أني سأموت وأتركها.. فلن يجد أحد أي تخلف لذلك الكلام العظيم..

    لقد قال ربهم في وصف كتابه، وهو يتحدى الكل:) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ((فصلت:42)

    سكت قليلا، ثم قال بقوة: ارم تلك الورقة.. سأحرقها بعد أن تخرج..

    قلت: لم؟

    قال: لأنها ستحرق الكتاب المقدس لو وقعت في يد عاقل من قومي وقومك.

    أعطاني ورقة، وقال: خذ هذه الورقة الجديدة.. وسنجري مقارنة أخرى.. ولا تكتب إلا ما أطلبه منك.. لا تفعل مثلما فعل الكتبة الكذبة.

    أمسكت الورقة، وراح يقرأ من (صموئيل الثاني:23 /8).:( وَهَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالِ دَاوُدَ الأَبْطَالِ: يُوشَيْبُ بَشَّبَثُ التَّحْكَمُونِيُّ، وَكَانَ قَائِدَ الثَّلاَثَةِ، هَاجَمَ بِرُمْحِهِ ثَمَانِي مِئَةٍ وَقَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً)  

    التفت إلي، وقال: اكتب: اسم أحد رجال داود الأبطال هو (يوشيب بشبث التحكموني).. واكتب بأن هذا الرجل قد هاجم برمحه 800 رجل، فقتلهم دفعة واحدة فضلاً عن أنه كان قائد الأبطال الثلاثة.. هذا كله بحسب صموائيل الثاني.

    كتبت ما أمرني به، ثم راح يقرأ من (الأيام الأول: 11 /11):( وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَبْطَالُ دَاوُدَ: يَشُبْعَامُ بْنُ حَكْمُونِي، رَئِيسُ الأَبْطَالِ الثَّلاَثَةِ، هَاجَمَ بِرُمْحِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَقَتَلَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً )

    التفت إلي، وقال: اكتب: نفس الرجل إسمه يشبعام بن حكموني، وقد هاجم برمحه 300 رجل فقتلهم دفعة واحدة فضلاً عن أنه كان قائد الأبطال الثلاثة.. هذا ما نفهمه من فقرة أخبار الأيام الأول.

    كتبت ما أمرني به، فقال: هل هناك فرق بين النصين؟

    قلت: أجل.. فهناك اختلاف في اسم الرجل.. واختلاف في عدد الذين قتلهم.. ففي صموائيل ذكر ( 800 ) وفي الأخبار ذكر ( 300 ) فهناك فرق بين العددين مقداره ( 500 ) رجل.

    قال: أجل.. وهو فرق كبير.. ولكن ما الصحيح؟.. هل هو يُوشَيْب أَمْ هو يَشُبْعام ? .. وهل هم ثمانمائة أم ثلاثمائة ?

    أمسك رأسه بيده، وقال: وفوق ذلك كله هل يعقل أن رجلا واحدا هاجم برمحه هذا العدد من الناس، فقتلهم دفعة واحدة!؟

    ضحك، وقال: هل وقف كل هؤلاء في صف واحد منضبط تماماً ينتظرون أن يقذف هذا البطل الهمام برمحه بقوة عظيمة ليخترق هذا الصف من أوله إلى آخره، فيقتل الجميع دفعة واحدة.. ثم أي رمح يطيق أن يفعل هذا!؟

    سكت قليلا، ثم قال: لماذا أكلف نفسي بتوثيق مثل هذا الكتاب.. إن توثيق عقود اللصوص والمجرمين أسهل من توثيق مثل هذه النصوص.. إن المجرمين أكبر عقولا من أن يقعوا في مثل هذه الحماقات.

    نظر إلي بعبوس، وكأني شريك في الجريمة، وقال: ارم تلك الورقة بسرعة.. إنها ستحرق علينا المكتب لو بقيت.

    رميت الورقة على الأرض المملوءة بالأوراق الممزقة.. أعطاني ورقة أخرى، وقال: اكتب ما أمليه عليك.. ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.

    راح يقرأ من (ملوك الأول: 5 /11):( وأعطى سليمان حيرام عشرين ألف كرّ حنطة طعاما لبيته وعشرين كر زيت رض. هكذا كان سليمان يعطي حيرام سنة فسنة )

    التفت إلي، وقال: اكتب ما أعطى سليمان لحيرام ملك صور مقابل الاخشاب.

    كتبت ما ذكره، فراح يقرأ من (أخبار الثانى:2 /10):( وهانذا أعطي للقطّاعين القاطعين الخشب عشرين ألف كرّ من الحنطة طعاما لعبيدك، وعشرين الف كرّ شعير، وعشرين ألف بث خمر، وعشرين ألف بث زيت )

    التفت إلي، وقال: اكتب ما أعطى سليمان لحيرام ملك صور مقابل الاخشاب.

    كتبت.. فقال، وقد بدا عليه التعب: أهناك فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. فروق كبيرة.

    قال بصوت ضعيف: ارم الورقة إذن.. وخذ ورقة أخرى.. واكتب ما أمليه عليك.

    را ح يقرأ من (أخبار الثانى: 36 / 9):( كان يهوياكين ابن ثماني سنين حين ملك وملك ثلاثة اشهر وعشرة أيام في أورشليم.وعمل الشر في عيني الرب )

    التفت إلي، وقال: اكتب عمر يهوياكين حينما أصبح ملكا حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (ملوك الثانى: 24/8):( كان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك وملك ثلاثة اشهر في أورشليم. واسم أمه نحوشتا بنت الناثان من أورشليم )

    التفت إلي، وقال: اكتب عمر يهوياكين حينما أصبح ملكا حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال بصوت ضعيف: هل تجد من فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. ففي (أخبار الأيام الثاني 36 عدد 9 )أن عمر يهوياكين حينما تولى الحكم هو ثماني سنوات, وأن مدة ملكه هو ثلاثة أشهر وعشرة أيام ( 100 يوم ) وأنه كفر في خلال مدة حكمه هذه أو عصى الرب وأن حكمه كان في أورشليم.

    وما نفهمه من فقرة (الملوك الثاني 24 عدد 8 ) أن عمر يهوياكين حينما تولى الحكم أو الملك هو ثماني عشرة سنة, وأن مدة ملكه هو ثلاثة أشهر فقط ( 90 يوم ) وأن إسم أمه نحوشتا بنت ناثان وأنها من أورشليم.

    قال: هناك فرق واضح إذن بينهما؟

    قلت: أجل.. ولكن مع ذلك، فاسمح لي أن أتدخل في ترجيح أحد السفرين.

    نظر إلي باهتمام، وأمسك ورقة، وقال: إذن سأظفر بالحقيقة التي عشت عمري تائها في البحث عنها.. أي السفرين محق فيما ذهب؟

    قلت: الثانية أكثر معقولية، لقد ورد في (الملوك الثاني 24 عدد 15 ):( وسبى يهوياكين الى بابل وام الملك ونساء الملك وخصيانه واقوياء الارض سباهم من اورشليم الى بابل ).. فهذا النص يدل على أن لهذا الملك نساء.. ومن الممتنع عقلا أن يكون هناك رجل عمره ثماني سنوات، وعنده نساء زوجات وسراري[1].

    ضحك، وقال: عن أي عقل تتحدث؟.. عقلك، أم العقل الذي صاغ الكتاب المقدس؟.. ألا تعلم أن في الكتاب المقدس طفلة بمجرد أن فطمت حبلت وولدت؟

    ألا تعرف لورحامة بنت هوشع التي أنجبها من زوجة زانية حينما أمره الرب أن يتزوج زانية؟

    قلت: بلى أعرفها.. لقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس.

    قال: فهذه البنت.. لورحامة.. بمجرد أن فُطِمَت حبلت وولدت ابناً.. ولا أدري كيف تحبل بعد أن تفطم.. ومن هو زوجها؟.. لقد جاء في (هوشع: 1 /8):( ثم فطمت لورحامة وحبلت فولدت ابنا )

    رمى الورقة من يده، وقال: إذا تكلمت في المرة القادمة فتكلم كلاما معقولا.. أعطاني ورقة أخرى بيضاء، وقال: ارم تلك التي في يدك، وخذ هذه الورقة.. ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.

    راح يقرأ من ( تكوين  6 عدد3):( فَقَالَ الرَّبُّ:( لَنْ يَمْكُثَ رُوحِي مُجَاهِداً فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. هُوَ بَشَرِيٌّ زَائِغٌ، لِذَلِكَ لَنْ تَطُولَ أَيَّامُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَطْ )

    التفت إلي، وقال: اكتب: لا ينبغي أن يتجاوز عمر بشر أكثر من 120 سنة.. هذا هو قرار الرب حسب ( تكوين  6 عدد3).

    كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ (تكوين  9 عدد29):( من ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً  ) وقال: هذا عمر نوح.. اكتبه.

    كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/ 32):( وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ )، وقال: هذا عمر تارح.. اكتبه إنه 205 سنة؟

    كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/21):( وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ مَا وَلَدَ سَرُوجَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )، وقال:  عاش رعو أكثر من 207 سنة؟

    كتبت ما طلبه مني، فراح يقرأ من (تكوين:11/23):( وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )، وقال: عاش سروج أكثر من 200 سنة.

    كتبت ما طلبه مني، فقال: لدي نصوص كثيرة.. فلنكتف بالمقارنة بين هذه النصوص وما ورد في النص الأول.. النص الذي ورد في ( تكوين  6 عدد3).. والذي قرر فيه الرب أن الروح لن تبقى في الإنسان أكثر من مائة وعشرين سنة.. هذا قول الرب.. فهل عاش أي إنسان أكثر من مائة وعشرين سنة؟

    قلت: كل من ذكرتهم عاشوا أكثر من هذا العدد.

    قال: وغيرهم كثير عندي العشرات من الفقرات في الكتاب المقدس تناقض ذلك النص.. ولكن قومي مع ذلك يصرون على أنه ليس محرفا.. فما هو الصحيح؟

    أمسك يده برأسه، وقال: هل يمكن أن تكون 120 أكبر من 950..!؟ أو هل يمكن أن تكون 120 أكبر من 205..!؟ وهل يمكن أن تكون 120 أكبر من 200..!؟ أجبي.. فإن عقلي يكاد يطير من رأسي.

    لم أجد ما أجيبه به، تمالك نفسه، ثم قال: ارم تلك الورقة، وخذ ورقة جديدة، ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.

    أمسكت ورقة جديدة، ورحت أخضع لإملائه.. راح يقرأ من (ملوك الثانى:  8/ 26):( كان اخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين ملك وملك سنة واحدة في أورشليم. واسم أمه عثليا بنت عمري ملك إسرائيل )

    التفت إلي، وقال: اكتب عمر اخزيا حين ملك أورشليم حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الثانى: 22/ 2):( كان اخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك، وملك سنة واحدة في أورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري )

    التفت إلي، وقال: اكتب عمر اخزيا حين ملك أورشليم حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل ترى من فرق بين النصين؟

    قلت: أجل.. فبين النصين إختلاف بمقدار عشرين سنة.

    ثم أضفت: ولكن مع ذلك لا شك أن النص الأول هو الصحيح.. لأن أباه يهورام على حسب ما في سفر (أخبار الأيام الثاني 21 /20 و 22 /1-2 )..

    اسمع:( كان ابن اثنتين وثلاثين سنة حين ملك وملك ثماني سنين في اورشليم وذهب غير مأسوف عليه ودفنوه في مدينة داود ولكن ليس في قبور الملوك ) (أخبار الثانى 21 /20)

    واسمع:( وملك سكان أورشليم اخزيا ابنه الأصغر عوضا عنه لان جميع الأولين قتلهم الغزاة الذين جاءوا مع العرب إلى المحلّة.فملك اخزيا بن يهو رام ملك يهوذا ) (أخبار الأيام الثانى: 22/ 1)

    واسمع:( كان اخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك وملك سنة واحدة في أورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري )  (أخبار الأيام الثانى: 22/ 2)  

    فهذه النصوص تدل على أن يهورام مات وهو ابن أربعين سنة , وتولى أخزيا الملك بعد موت أبيه مباشرة، فلو لم يكن النص الثاني خطأ للزم أن يكون أخزيا أكبر من أبيه بسنتين، وهو أمر ممتنع عند العقلاء من الناس.. وقد أقر آدم كلارك وهورن وهنري وإسكات في تفاسيرهم بأن هذا الإختلاف وقع من غلط الكاتب.

    قال: ولكن قومي وقومك يصرون على أن الكتاب خال من أي تحريف.. فكيف يكون هذا!؟

    سكت قليلا، ثم قال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة، ولا تكتب إلا ما أمليه عليك.

    راح يقرأ من (سفر الملوك الأول: 4 /26):( وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته واثنا عشر ألف فارس )

    اكتب ما كان لسليمان من مذود الخيل.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الثاني: 9 /25):( وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في أورشليم )

    واكتبت ما ورد في (سفر أخبار الأيام الثاني: 1 /14):( وجمع سليمان مركبات وفرسانا فكان له الف واربع مئة مركبة واثنا عشر الف فارس فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في اورشليم )

    كتبت ما أملى علي، فقال: هل ترى من فرق بين هذه النصوص؟

    قلت: أجل.. فبين النصين الأول والثاني اختلاف بزيادة ( 36.000 ) مذود في النص الأول.. وقد قال المفسر آدم كلارك: الأحسن أن نعترف بوقوع التحريف في العدد.

    قال: ولكن أيهما الصحيح.. أنا موثق أبحث عن تصحيح العقود.

    صمت، فقال: لقد ذكر دكتور فيليب حتى فى كتابه عن تاريخ سورية أن إسطبلات سليمان قد اكتُشِفَت حديثاً حيث كان يضع مركباته مرابط بصفوف مزدوجة.. وذكر أنه يمكن أن تتسع لأربعمائة وخمسين حصاناً.. فالحفريات أثبتت كذب الكتابين جميعا.

    قال ذلك، ثم نظر إلي عابسا، وقال: ارم تلك الورقة.. واكتب ما أمليه عليك فقط لا تزد حرفا واحدا.

    راح يقرأ من (ملوك الأول: 7 / 26):( غلظه شبر وشفته كعمل شفة كاس بزهر سوسن.يسع ألفي بث )

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الثانى: 4/ 5):( وغلظه شبر وشفته كعمل شفة كاس بزهر سوسن.يأخذ ويسع ثلاثة الآف بثّ )

    نظر إلي، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. هو في ألف.. ولكن جامعي تفسير هنري واسكات ذكروا أن المقصود هو الفرق بين الإتساع وما يمكن أن يحتويه.

    قال: كلمة بث هي كلمة إنجليزية ( BATH) ومعناها حوض غسيل أو موضع الإستحمام , وهي مع وضوحها لم يتم ترجمتها في النسخ العربية؟

    ومن المستحيل أن تكون ترجمتها بهذه الصيغة لو تم ترجمة معنى كلمة ( بث ) وستكون ترجمتها إن أعدنا ترجمة العبارة مع كلمة ( بث ) هكذا: وغلظه شبر وشفته كعمل شفة كأس بزهر سوسن , يأخذ ويسع ثلاثة آلاف حوض غسيل.

    والاستحالة هنا لكونه لا يمكن القول بأنه يأخذ ويتسع لأن اللفظة منتهية عند يسع فاتساعه ثلاثة آلاف حوض غسيل وكفى , فما الفائدة من اللفظة المضافة (يأخذ )

    أتدري.. حينما اتضح التناقض بين النصين في الملوك الأول وفي أخبار الأيام الثاني وهما كلمة بكلمة متشابهتان إلا أن الفرق هو بين العدد فقط.. هناك ألفان وهنا ثلاثة آلاف.. اضطر منقحوا ومترجموا اللغة العربية أن يضيفوا كلمة ( ويأخذ ) في فقرة الأخبار حتى يبرروا التناقض بين النصين، فيكون المراد في الملوك يتسع فقط، ولكن في الأخبار يأخذ ويتسع.. هؤلاء هم عباقرة المزورين.. ولكني خبير توثيق.. ولن تنطلي الحيلة علي..

    التفت إلي بغضب، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديد.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموئيل الثاني:24 /9):( فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك، فكان إسرائيل ثمان مئة ألف رجل ذي بأس مستل السيف، ورجال يهوذا خمس مئة ألف رجل)

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الأول:21 /5):( فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى داود فكان كل إسرائيل ألف ألف ومئة ألف رجل مستلي السيف ويهوذا أربع مئة وسبعين ألف رجل مستلي السيف )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل هما متفقان؟

    قلت: لا.. عدد المقاتلين حسب سفر صموئيل الثاني في إسرائيل ( 800.000), وفي يهوذا  ( 500.000 ) , وعلى حسب أخبار الأيام الأول عددهم في إسرائيل(1.100.000 ) , وفي يهوذا  ( 470.000 )

    قال ـ وفي عينيه بعض الوجوم ـ: أليست هذه أرقاما متشابهة؟

    قلت: لا.. بين النصين إختلاف كبير في عدد المقاتلين من إسرائيل بمقدار ثلاث مئة الف ( 300.000 ) , وفي عدد المقاتلين من يهوذا بمقدار ثلاثين ألف ( 30.000)

    قال: فمن تراه يكون صحيحا منهما؟

    قلت: لقد اعترف آدم كلارك في تفسيره بأن تعيين النص الصحيح منهما عسير, لأن كتب التواريخ وقع فيها تحريفات كثيرة, وأن الاجتهاد في التطبيق عبث, والأحسن التسليم بالتحريف , لأن هذا الأمر لا قدرة على إنكاره , ولأن الناقلين لم يكونوا ذوي إلهام.

    قال: ولكنهم لا يزالون يصرون على أن الكتاب المقدس خال من التحريف..

    سكت قليلا، ثم قال: ألا تعلم خطورة كلام آدم كلارك؟.. إنه يهدم الكتاب المقدس.. فمن جوز تحريف نص جوز تحريف غيره؟

    نظر إلي بعبوس، وقال: ارم تلك الورقة.. ولا تعد لذكر آدم كلارك.. انسه كما تنسى ما ذكرنا من أخطاء.. خذ ورقة بيضاء جديدة.

    أخذتها، فراح يقرأ من (تكوين: 46 / 26-27):( جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه ما عدا نساء بني يعقوب جميع النفوس ست وستون نفسا. وابنا يوسف اللذان ولدا له في مصر نفسان.جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون ) وهكذا ورد في سفر (الخروج: 1 / 5)، وهو ما يؤكد أنهم سبعون.

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد بني يعقوب إخوة يوسف وأهله حينما دخلوا إلى مصر حسب هذه الأسفار.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أعمال: 7 /14):( فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفسا )

    التفت إلي، وقال: هل هناك خلاف بينهما؟

    قلت: أجل.. في خمسة أنفس.

    قال: لا بأس.. خمسة أنفس فقط.. لا بأس.. هذا عدد قليل.. ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.

    أخذت ورقة جديدة، فراح يقرأ من (أخبار الأول:18/12-13):( وابشاي ابن صروية ضرب من ادوم في وادي الملح ثمانية عشر الفا. (13)  وجعل في ادوم محافظين فصار جميع الادوميين عبيدا لداود وكان الرب يخلص داود حيثما توجّه )

    التفت إلي، وقال: اكتب من الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (صموائيل الثانى: 8 /13-14):( ونصب داود تذكارا عند رجوعه من ضربه ثمانية عشر ألفا من ارام في وادي الملح. وجعل في ادوم محافظين.وضع محافظين في ادوم كلها وكان جميع الادوميين عبيدا لداود وكان الرب يخلص داود حيثما توجه )

    التفت إلي، وقال: اكتب من الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. هناك خلاف في الذي قتل ثمانية عشر ألفاً في وادي الملح هل هو داوود، أم أبشاي بن صروية؟

    قال: ومن الذي يدريني أنا.. إذا كان الكتاب المقدس المؤيد بالوحي لا يدري.. فكيف أدري أنا!؟

    ثم التفت إلي عابسا، وقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموائيل الثاني24 /21):( وقال ارونة لماذا جاء سيدي الملك الى عبده. فقال داود لاشتري منك البيدر لكي ابني مذبحا للرب فتكفّ الضربة عن الشعب )

    وفي (صموائيل الثاني:24 /24):( فقال الملك لارونة لا بل اشتري منك بثمن ولا اصعد للرب الهي محرقات مجانية. فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلا من الفضة)

    التفت إلي، وقال: اكتب بكم اشترى داوود البيدر من أرونة.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (أخبار الأيام الأول:21 / 22):( فقال داود لأرنان اعطني مكان البيدر فابني فيه مذبحا للرب.بفضة كاملة اعطني اياه فتكفّ الضربة عن الشعب )

    وفي (أخبار الأيام الأول: 21 / 25):( ودفع داود لأرنان عن المكان ذهبا وزنه ست مئة شاقل )

    التفت إلي، وقال: هل كتبت كل ما طلبته منك؟

    قلت: أجل..

    قال: هل هناك من فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. ففي سفر صموائيل الثاني نرى أن داوود اشترى من ارونه البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة وهكذا تم الإتفاق بينهم وتم البيع والشراء على هذا السعر لكن في أخبار الأيام الأول نجد أنه يذكر أنه اشترى الحقل بالذهب، وكان وزن الذهب ستمئة شاقل.

    قال: فأي النصين نصدق؟

    قلت: لا أدري..

    قال: أنت لا تدري.. والكتاب المقدس لا يدري.. فمن يدري؟

    ثم قال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من ( سفر التكوين: 6 / 19-20):(  ومن كل حيّ من كل ذي جسد اثنين من كلّ تدخل الى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كاجناسها ومن البهائم كاجناسها ومن كل دبابات الارض كاجناسها. اثنين من كلّ تدخل اليك لاستبقائها )

    وفي (سفر التكوين: 7 / 8-9):( ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدبّ على الارض  دخل اثنان اثنان الى نوح الى الفلك ذكرا وانثى.كما امر الله نوحا )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد الطير والبهائم التي أمر نوح بأخذها في السفينة حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر التكوين: 7 / 2-3 ):( من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى.ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وانثى. ومن طيور السماء ايضا سبعة سبعة ذكرا وانثى.لاستبقاء نسل على وجه كل الارض )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد الطير والبهائم التي أمر نوح بأخذها في السفينة حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بين هذه النصوص؟

    قلت: أجل.. فالأول والثاني يدلان على أن الله أمر نوحاً أن يأخذ معه في السفينة من جميع البهائم والطيور وحشرات الأرض اثنين اثنين ذكراً وأنثى , وأن نوحاً قد نفذ هذا الأمر.

    بينما يدل النص الثالث على أن الله أمر نوحاً أن يأخذ معه في السفينة من جميع البهائم الطاهرة فقط ومن جميع الطيور سبعة أزواج, أما البهائم التي ليست بطاهرة فيأخذ منها اثنين اثنين فقط.

    فليس في النصين الأول والثاني ذِكر للسبعة, واتفقا بذِكر الاثنين اثنين في الجميع, وفي النص الثالث قيد الاثنين بالبهائم غير الطاهرة, ونص على السبعة في الطيور وباقي البهائم , وهو مناقض للنصين الأول والثاني.

    نظر إلي عابسا، وقال: ارم تلك الورقة.. وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من قصة الأعميين التي وردت في (إنجيل متى: 20 /29-34).. والتي ورد فيها:( 29 وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير 30 فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه )

    ووردت قصة المجنونين في (إنجيل متى: 8 / 28-34 ) والتي ورد فيها:( 28 ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين اسبتقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً)

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد الذين شفاهم المسيح حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ القصة عينها حسبما وردت في (إنجيل مرقس: 10 / 46-52)، والتي ورد فيها:( 46. وجاءوا الى اريحا. وفيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. (47) فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. (52) فقال له يسوع اذهب.ايمانك قد شفاك.فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد الذين شفاهم المسيح حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ قصة المجنون حسبما ذكرها (لوقا: 8 / 26-39)والتي ورد فيها:( 26  وساروا الى كورة الجدريين التي هي مقابل الجليل. (27) ولما خرج الى الارض استقبله رجل من المدينة كان فيه شياطين منذ زمان طويل وكان لا يلبس ثوبا ولا يقيم في بيت بل في القبور. (33) فخرجت الشياطين من الانسان ودخلت في الخنازير.فاندفع القطيع من على الجرف الى البحيرة واختنق )

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك اختلاف بين هذه النصوص؟

    قلت: أجل..  فهناك اختلاف بين إنجيل متى ولوقا في عدد الذين شفاهم المسيح أهما مجنونان وأعميان على حسب إنجيل متى، أم مجنون واحد وأعمى واحد على حسب إنجيل لوقا.

    قال بغضب: ارم الورقة، وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر اخبار الأيام الأول: 7 / 6):( لبنيامين بالع وباكر ويديعئيل ثلاثة )

    التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر اخبار الأيام الأول: 8 / 1-2 ):( وبنيامين ولد بالع بكره وأشبيل الثاني وأخرخ الثالث ونوحة الرابع ورافا الخامس )

    التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر التكوين: 46 / 21):( وبنو بنيامين بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفيم وحفيم وأرد )

    التفت إلي، وقال: اكتب أسماء أولاد بنيامين وعددهم حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: انظر جيدا.. هل هناك فرق بين هذه النصوص؟

    قلت: أجل.. فأبناء بنيامين حسب النص الأول: ثلاثة , وعلى حسب النص الثاني: خمسة.. فاختلف النصان في أسمائهم وعددهم, واتفقا في اسم بالع فقط, وهؤلاء الأبناء على حسب النص الثالث: عشرة , فاختلف مع النصين السابقين في الأسماء والعدد أيضاً , واتفق مع النص الأول في إسم إثنين منهم , وإتفق مع النص الثاني في إسم إثنين منهم , ولم تتفق النصوص الثلاثة إلا في إسم بالع فقط.

    قال بغضب: ارم الورقة، وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر صموائيل الثاني: 24 / 13):( فأتى جاد الى داود واخبره وقال له أتاتي عليك سبع سني جوع في ارضك ام تهرب ثلاثة اشهر امام اعدائك وهم يتبعونك ام يكون ثلاثة ايام وبأ في ارضك. فالآن اعرف وانظر ماذا ارد جوابا على مرسلي )

    التفت إلي، وقال: اكتب هذه الأعداد.

    كتبتها، فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الأول: 21 / 12):( اما ثلاث سنين جوع او ثلاثة اشهر هلاك امام مضايقيك وسيف اعدائك يدركك او ثلاثة ايام يكون فيها سيف الرب ووبأ في الارض وملاك الرب يعثو في كل تخوم اسرائيل. فانظر الآن ماذا ارد جوابا لمرسلي )

    التفت إلي، وقال: اكتب هذه الأعداد بحسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. فسفر صموئيل الثاني ينص على أن جاد خير داوود أن يختار بين سبع سنين جوع أو يهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائه, بينما يفهم من سفر أخبار الأيام الأول أن جاد خير داود بين ثلاث سنين وليس سبعة أو ثلاثة أشهر هلاك.

    نظر إلي بعبوس، وقال: أخبرني.. هل هم سبعة سنين جوع أم ثلاثة سنين؟

    صمت، فقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:26 عدل 1 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:06

    صمت، فقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني.. فراح يقرأ من (سفر أخبار الأيام الثاني: 2 / 2):( وأحصى سليمان سبعين الف رجل حمّال وثمانين الف رجل نحّات في الجبل ووكلاء عليهم ثلاثة آلاف وست مئة )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد الوكلاء لسليمان على السخرة بحسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فراح يقرأ من (سفر الملوك الأول: 5 / 16):( ما عدا رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل ثلاثة آلاف وثلاث مئة المتسلطين على الشعب العاملين العمل )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد الوكلاء لسليمان على السخرة بحسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: هل هناك من فرق بينهما؟

    قلت: أجل.. فسفر أخبار الأيام الثاني يذكر أن عدد الوكلاء على عمال سليمان كان ( 3600 ) بينما يذكر سفر الملوك الأول أن عدد عمال سليمان كان ( 3300 ), فبينهما فرق مقداره ثلاثمائة.

    تنفس الصعداء، وقال: ارم الورقة.. وخذ ورقة جديدة.

    فعلت ما طلب مني، فراح يقرأ (حزقيال: الإصحاحات 45 و46)، ثم قارن بينها وبين ما ورد في (سفر العدد: الإصحاحات 28 و29).. وقد ورد فيها اختلافات كثيرة في الذبائح وأنواعها وأعدادها وكيفية تقديمها حسب الأيام والشهور وما يقدم معها وأحكامها.. وقد رميت أوراقا كثيرة بسبب هذه الاختلافات ملأت علينا غرفة مكتبه أوراقا.

    ما انتهينا منها حتى قال: هل تتصور أن يكون الله ـ مدبر السموات والأرض الذي يقوم كونه على أدق حساب ـ لا يعرف الحساب.. لا يعرف عمليات الجمع والطرح.. أم أن أولئك الكتبة هم الذين عبثوا بصفاء هذا الكتاب وقدسيته؟

    سكت، فقال: فلننتقل إلى شيء آخر.. نحقق فيه.

    أخذ نسخة من الكتاب المقدس، وراح يقرأ من (سفر العدد:1 /45-47 ):( فكان جميع المعدودين من بني اسرائيل حسب بيوت آبائهم من ابن عشرين سنة فصاعدا كل خارج للحرب في اسرائيل. كان جميع المعدودين ست مئة ألف وثلاثة آلاف وخمس مئة وخمسين.47 واما اللاويون حسب سبط آبائهم فلم يعدّوا بينهم )

    ثم قرأ من (سفر الخروج: 12: 37 ):( فارتحل بنو اسرائيل من رعمسيس الى سكوت نحو ست مئة الف ماش من الرجال عدا الأولاد )

    التفت إلي، وقال: اكتب عدد بني إسرائيل عند خروجهم من مصر حسب هذا السفر.

    كتبت ما طلب مني، فقال: ما ترى في هذه الفقرات؟

    قلت: هي تنص على أن عدد الذين يصلحون لحمل السيف من بني إسرائيل ويخرجون للحرب من إبن عشرين سنة فما فوق أكثر من ( 603550 ) , وأن جميع الإناث والشيوخ ومن هم من دون عشرين سنة من باقي الأسباط ومن سبط اللاويين كله بما فيه من هم عشرين سنة وغيره أي سبط اللاويين كامل لم يعد ضمن هذا الإحصاء.

    قال: فلو ضممنا جميع المتروكين خارج هذا الإحصاء مع من أحصاهم أي 603550 زائد باقي جميع الأسباط مع سبط اللاويين كاملين.. فإلى كم يصل العدد؟

    قلت: لا يقل بأي حال من الأحوال عن مليونين ونصف المليون على أقل تقدير.

    قال: فهل تصدق هذا؟

    قلت: كيف لا أصدق الكتاب المقدس؟

    قال: فلنعرض المسألة على العقل.. من المعلوم قطعاً أن عدد بني إسرائيل حينما دخلوا مصر كانوا سبعين نفساً كما في (سفر التكوين: 46 /27)، وابنا يوسف اللذان ولدا له في مصر نفسان.. فجميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت الى مصر سبعون، وكذلك في (سفر الخروج: 1 /5)

    وأنت تعلم أن مدة بقاء بني إسرائيل في مصر هو 215 سنة لا أكثر.. ولنغض الطرف عن القتل الذي كان جارياً على بني إسرائيل في مصر وقتل أولادهم كما في (الخروج: 1 /25-16 ).. فكيف يكون عدد السبعين قد تكاثر في خلال 215 سنة لا أكثر من سبعين نفسا إلى مليونين ونصف أو أكثر؟

    بالإضافة إلى هذا، فإن الكتاب المقدس ينص في (سفر الخروج: 1 /8-22) على أنه كان في كل بني إسرائيل قابلتان فقط.. اسم الأولى سافورا، والثانية فوعا , فكيف تكفي هاتان أن تولدا كل هذا الشعب العظيم؟

    أليس هذا غريبا!؟.. أليس هذا غريبا!؟

    بقي يردد ذلك.. ثم قال: نفس الغرابة نجدها عند ذكر عدد بني إسرائيل قبل فترة التيه وبعدها.. فعلى سبيل المثال يذكر (سفر العدد 1: 40 ) أن أشير كانوا فى بداية فترة التيه 500 41 فرداً من 20 سنة فصاعداً وفى نهاية فترة التيه وهي 38 سنة وهى المدة الفعلية، كانوا 400 53 فرداً من 20 سنة فصاعداً، أى بزيادة قدرها 900 11 فرداً، فهل من الممكن بعد أن مات جيل الخروج كله أن يصل العدد إلى 400 53 فردا فى 38 سنة؟

    بالإضافة إلى هذا.. فإن هناك من الأسباط من حدثت فيه زيادة مقدارها (59200) فكيف تضاعف عدد الذكور فى (38) سنة التي هى المدة الفعلية للتيه على الرغم من أن جيل الخروج قد أماته الرب كله فى البرية، كما ورد في سفر (العدد: 26: 64-65):( وَفِي هَؤُلاءِ لمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنَ الذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ الكَاهِنُ حِينَ عَدَّا بَنِي إِسْرَائِيل فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ 65لأَنَّ الرَّبَّ قَال لهُمْ إِنَّهُمْ يَمُوتُونَ فِي البَرِّيَّةِ فَلمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلا كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ)

    سكت قليلا، ثم قال: تعال لنتأمل ما ورد في أبعاد سفينة نوح.. لقد أمر الرب نوحا أن يبنى فلكاً.. وكان هذا هو نص الأمر:( اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. وَهَكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً عَرْضُهُ وَثَلاَثِينَ ذِرَاعاً ارْتِفَاعُهُ )(تكوين: 6/ 14-16 )

    وأمره الرب أن يُدخل السفينة نفسه وامرأته وبنيه ونساءهم، ومن كل حى يأخذ زوجين اثنين ذكراً وأنثى إضافة إلى طعام هذه الكائنات كما في(تكوين: 6/ 19-22)

    ثم أمره أن يأخذ من البهائم الطاهرة وطيور السماء سبعة أزواج ذكوراً وإناثاً، ومن البهائم غير الطاهرة زوجين اثنين ذكراً وأنثى، ففعل نوح كل ما أمره الرب به، كما في (تكوين: 7/ 2-5)

    التفت إلي، وقال: ضع القلم.. وفكر معي جيدا.. هل يمكن أن تكفى سفينة بهذا الحجم كل هؤلاء البشر والبهائم والطيور، وكل ما يدب على الأرض، إضافة إلى طعام يكفيهم عشرة أشهر، أو سبعة أشهر؟

    صمت، فقال: لماذا لم يكتف الكتاب المقدس بما اكتفى به القرآن حينما قال في نفس المشهد التوراتي:) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ((المؤمنون:27)

    إن هذه آية واحدة.. ولكنها شملت كل شيء.. لم تته كما تاه الكتبة في التفاصيل التي جعلتهم يقعون في هذه الأخطاء التي لا تغتفر.

    قلت: إن بعض قومي يذكرون أنهم وجدوا بعض الأخطاء الحسابية في القرآن[2].

    امتلأ وجهه سرورا مشوبا ببعض الحزن، وقال: أين.. أخبرني بها.. وخذ تلك الجائزة؟

    قلت: لقد ورد في سورة البقرة:) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )(البقرة: من الآية233) وورد في سورة لقمان:) وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)

    التفت إليه، وقلت: خذ ورقة واكتب: مدة الرضاعة حولين.

    أخذ ورقة، وكتب ما طلبته منه، فرحت أقرأ:) وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(الاحقاف: من الآية15)

    التفت إليه، وقلت: اكتب.. مدة الحمل والرضاعة جميعا ثلاثون شهرا.

    كتب ما طلبته منه، وقال: ثم ماذا؟

    قلت: ما الفرق بينهما؟

    قال: ليس هناك من فرق بينهما.. فالأولى تتحدث عن الرضاعة، والثانية تتحدث عن الحمل مع الرضاعة.. والأصل في المقارنة أن تكون بين متناظرين.

    قلت: ألا ترى أنه من الواضح أن مدة الرضاعة أقل من سنتين خلافا لما ورد في سورة البقرة؟

    قال: لم أفهم.

    قلت: مدة الحمل تسعة أشهر.. ونضيف إليها مدة الرضاعة أربعة وعشرين شهرا، وهي مدة سنتين.. كم المجموع؟

    قال: أربعة وعشرون يضاف إليها تسعة أشهر.. المجموع ثلاثة وثلاثون شهرا.

    قلت: أتريد خطأ فوق هذا.. لقد ذكر القرآن أن مجموع حمله وفصاله هو ثلاثون شهرا.

    تأمل قليلا، ثم قال: ولكن القرآن لم يذكر مدة الحمل.. أهناك آية تتحدث عن مدة الحمل في القرآن؟

    قلت: لا.. ولا حاجة إلى ذلك.. فمدة الحمل معروفة للجميع.

    قال: لو اعتبرنا ما قال القرآن.. فكم ستكون مدة الحمل؟

    قلت، وأنا فرح من مجاراته لي: ستكون المدة بذلك ستة أشهر.

    قال: وهل يمكن أن يعيش الإنسان لو ولد وله ستة أشهر؟

    قلت: لست أدري.. ولعله لا يمكن أن يعيش.

    قال: بل يمكن أن يعيش.. بل لقد بينت الدراسات أنه نادراً ما يعيش مواليد (22) أسبوع أكثر من (72) ساعة, أما مواليد (23) أسبوعا فاحتمال عيشهم يكون (10%) في حين أن مواليد (24) أسبوع لديهم فرصة (50%) للعيش بلا مشاكل و(20-35%) منهم لديهم مشاكل عصبية (خاصة الشلل الدماغي) ولكن (10%) من المصابين تكون حالتهم خطرة، بينما (2- 3.5 %) من الأحياء يتعرضون لمشاكل تستدعي التدخل الطبي[3].

    قلت: أفترى القرآن يشير إلى أقل مدة للحمل؟

    قال: قد يشير.. وقد لا يشير.. ولكن القرآن ذكر أن مدة الرضاعة ليست هي الحولين بالضبط، فقد جاء بعد ذكر الحولين:) لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )(البقرة: من الآية233).. وفي ذلك دلالة على أن الرضاعة يمكن أن لا تحتاج عامين كاملين.

    بخلاف من ولد لستة أشهر، فقد يحتاج إلى إكمال الرضاعة عامين كاملين باعتباره حاجته لذلك، وبذلك يتوافق القرآن توافقا تاما مع ما يقوله الواقع والعلم.

    سكت قليلا، ثم قال: أتعلم أن هذا الاستدلال أنقذ امرأة من تهمة الزنا؟

    قلت: كيف ذلك؟

    قال: يروي المحدثون أن رجلا تزوج امرأة من جهينة، فولدت له لتمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان، فذكر ذلك له، فبعث إليها. فلما قامت لتلبس ثيابها، بكت أختها فقالت: وما يبكيك، فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيَّ ما شاء. فلما أتيَ بها عثمان أمر برجمها، فبلغ ذلك علياً فأتاه فقال له: ما تصنع؟ قال: ولدت تماماً لستة أشهر، وهل يكون ذلك؟ فقال له علي: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: أما سمعت الله عز وجل يقول:) وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُوْنَ شَهْرَاً(، وقال:) حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ( فلم نجده بقي إلا ستة أشهر، فقال عثمان: والله ما فطنت بهذا، عليَّ بالمرأة.. قال معمر: فوالله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة، بأشبه منه بأبيه. فلما رآه أبوه قال: ابني والله، لا أشك فيه.

    إن كان بقي لديك بعض الشك في هذا.. فاذهب إلى المستشفيات التي تستقبل الحوامل، فستجد الأمثلة الكثيرة على ما ذكرت لك[4].

    قلت: هناك شبهة أخرى تتعلق بهذا يشيعها بعض قومنا.

    قال: وما هي؟.. اذكرها وخذ جائزتك.

    قلت: لا شك أنك تحفظ آيات المواريث، فقد ورد فيها على سبيل المثال:) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا( (النساء:11)

    قلت: أعرف هذه الآية وغيرها.. ما بها؟.. وما علاقتها بالحساب؟

    قلت: إن بعض قومنا ينكر على هذا.. فهناك حالات كثيرة لا يطابق التوزيع فيها التركة.

    قال: مثل ماذا؟

    قلت: مثل بنت وأم، فالبنت لها النصف، والأم لها السدس، ويبقى الثلث بدون أن يكون له من يأخذه.. ألست ترى أن عملية الجمع في هذا لم تتفق؟

    قال: ولكن الشرع وضع الحل في هذه الحالة.

    قلت: وما هو؟

    قال: إما أن يرد على الورثة الباقي بحسب أنصبتهم، وإما أن يكون هناك عاصب، فيأخذ الباقي.

    قلت: ولكن التطابق الوارد في النص لم يحصل.

    قال: الآيات القرآنية لم تقصد التطابق في هذا.. لأنها تتحدث عن الأحكام المرتبطة بالأحوال المختلفة.. وقد وضعت القوانين الضابطة لهذا في الأحوال المختلفة، ولا علاقة لهذا بجمع ولا بطرح.

    2 ـ العقل

    سكت قليلا، ثم قال: دعنا من عالم الأرقام.. لقد عرفت من خلال تشريح الكتاب المقدس أن الكتبة لم يتلقوا دروسا جيدة في الحساب.. بل هم والحساب على خطين متوازيين.. دعنا من الحساب.. ولنذهب إلى العقل.. فليس بالحساب وحده تقوم الحياة.

    فتح الكتاب المقدس، وقال: اسمع.. ولا تكتب شيئا.. وحاول أن تتخيل ما سأقرأه عليك..

    أخذ يقرأ من (سفر يشوع: 6 / 5):( ويكون عند امتداد صوت قرن الهتاف عند استماعكم صوت البوق أن جميع الشعب يهتف هتافا عظيما، فيسقط سور المدينة في مكانه، ويصعد الشعب كل رجل مع وجهه )

    هل يمكن لعقلك أن يتصور هذا.. أن يهتف بنو إسرائيل فينهار سور اريحا.. ينهار السور كله حول المدينة عن طريق الهتاف!؟

    سكت قليلا، ثم قال: قد يكون هذا كرامة.. لا بأس.. فلنسمع نصا آخر.. فلنسمع هذه الوليمة الأسطورية.

    أخذ يقرأ من (أخبار الأيام الثاني: 7 /5):( وذبح الملك سليمان ذبائح من البقر اثنين وعشرين الفا ومن الغنم مئة وعشرين الفا ودشّن الملك وكل الشعب بيت الله )

    هل يمكن هذا.. لقد ذبح سليمان حسب هذا النص 22 ألف من البقر، و120 ألف من الغنم.. لقد قضى على جميع الثروة الحيوانية التي لبني اسرائيل في وقته، هذا كله بخلاف ما ذبحه الشعب.

    سكت قليلا، ثم قال: لا بأس.. لقد كان بنو إسرائيل مغرمون بالشواء.. فلذلك ربما احتاجوا إلى جميع هذه الأبقار والأغنام لتملأ شهوات بطونهم.

    لننتقل إلى نص آخر..

    فتح الكتاب المقدس على (سفر القضاة: 15 /4)، وراح يقرأ:( وَذَهَبَ شَمْشُونُ وَأَمْسَكَ ثَلاَثَ مِئَةِ ابْنِ آوَى, وَأَخَذَ مَشَاعِلَ وَجَعَلَ ذَنَباً إِلَى ذَنَبٍ, وَوَضَعَ مَشْعَلاً بَيْنَ كُلِّ ذَنَبَيْنِ فِي الْوَسَطِ, ثُمَّ أَضْرَمَ الْمَشَاعِلَ نَاراً وَأَطْلَقَهَا بَيْنَ زُرُوعِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ, فَأَحْرَقَ الأَكْدَاسَ وَالّزَرْعَ وَكُرُومَ الّزَيْتُونِ )

    نظر إلي، وقال: هل يمكن هذا!؟.. كيف تركت الثعالب شمشون يقوم بربط كل ذيلين مع بعضهما البعض؟.. وكيف تركوه يُشعل النار فيهما؟

    تخيل معي الثعالب.. وهي تنظر إليه.. وهو يربط كل ثعلبين مع بعضهما.. تنظر وهي تنتظر أدوارها.. مع أنه لا يمكن أن تتحرك الثعالب بهذه الصورة، لأن كل ثعلب يحاول جذب الآخر إلى الإتجاه المعاكس.

    سكت قليلا، ثم قال: هل سمعت عن حيطان تصاب بمرض البرص؟

    سكت، فقال: الكتاب المقدس يذكر هذا.. فهو يذكر أن حيطان المنازل تصاب بالبرص.. ويضع لذلك خطة لعلاجها.. اسمع ما ورد في (سفر اللاويين: 14: 35)

    فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( يَأْتِي صَاحِبُ الْبَيْتِ وَيُخْبِرُ الْكَاهِنَ أَنَّ دَاءَ الْبَرَصِ قَدْ يَكُونُ مُتَفَشِّياً بِالْبَيْتِ، فَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِإِخْلاَءِ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ لِيَفْحَصَهُ. فَإِذَا عَايَنَ الإِصَابَةَ وَوَجَدَ أَنَّ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ نُقَراً لَوْنُهَا ضَارِبٌ إِلَى الْخُضْرَةِ أَوْ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَبَدَا مَنْظَرُهَا غَائِراً فِي الْحِيطَانِ، يُغَادِرُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ وَيُغْلِقُ بَابَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. فَإِذَا رَجَعَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَفَحَصَهُ، وَوَجَدَ أَنَّ الإِصَابَةَ قَدِ امْتَدَّتْ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ، يَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ الْمُصَابَةِ وَطَرْحِهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَتُكْشَطُ حِيطَانُ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيَّةُ، وَيَطْرَحُونَ التُّرَابَ الْمَكْشُوطَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ )

    سكت كالمشدوه، ثم قال: هل سمعت عن أقمشة تصاب بمرض البرص؟

    لم أدر بما أجبه، فقال: الكتاب المقدس يقول هذا.. اسمع ما ورد في (سفر اللاويين: 13: 47-54):( وَإِذَا بَدَا دَاءُ الْبَرَصِ الْمُعْدِي، فِي ثَوْبِ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ 48أَوْ فِي قِطْعَةِ قُمَاشٍ مَنْسُوجَةٍ أَوْ مَحِيكَةٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ فِي جِلْدٍ، أَوْ فِي كُلِّ مَصْنُوعٍ مِنْ جِلْدٍ، 49وَكَانَتْ إِصَابَةُ الثَّوْبِ أَوِ الْجِلْدِ أَوْ قِطْعَةِ الْقُمَاشِ الْمَنْسُوجَةِ أَوِ الْمَحِيكَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مَصْنُوعٍ مِنْ جِلْدٍ، ضَارِبَةً إِلَى الْحُمْرَةِ أَوِ الْخُضْرَةِ، فَإِنَّهَا إِصَابَةُ بَرَصٍ تُعْرَضُ عَلَى الْكَاهِنِ. 50فَيَفْحَصُ الإِصَابَةَ وَيَحْجُزُ الشَّيْءَ الْمُصَابَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، 51ثُمَّ يَفْحَصُهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. فَإِنْ وَجَدَهَا قَدِ امْتَدَّتْ فِي الثَّوْبِ أَوْ قِطْعَةِ الْقُمَاشِ، أَوْ فِي الْجِلْدِ أَوْ فِي كُلِّ مَا يُصْنَعُ مِنْ جِلْدٍ، وَيُسْتَخْدَمُ فِي عَمَلٍ مَا، فَإِنَّ الإِصَابَةَ تَكُونُ بَرَصاً مُعْدِياً وَتَكُونُ نَجِسَةً. 52فَيُحْرِقُ الْكَاهِنُ بِالنَّارِ الثَّوْبَ أَوْ قِطْعَةَ قُمَاشِ الصُّوفِ أَوِ الْكَتَّانِ أَوْ مَتَاعَ الْجِلْدِ الْمُصَابِ، لأَنَّهُ دَاءٌ مُعْدٍ. 53لَكِنْ إِنْ وَجَدَ الْكَاهِنُ أَنَّ الإِصَابَةَ لَمْ تَمْتَدَّ فِي الثَّوْبِ أَوْ فِي قِطْعَةِ الْقُمَاشِ الْمَنْسُوجَةِ أَوِ الْمَحِيكَةِ أَوْ فِي مَتَاعِ الْجِلْدِ، 54يَأْمُرُ بغَسْلِ الشَّيْءِ وَيَحْجُزُهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى )

    سكت كالمشدوه، ثم قال: هل سمعت عن أرنب يجـتر؟

    لم أدر بما أجبه، فقال: الكتاب المقدس يقول هذا.. اسمع ما ورد في (سفر اللاويين: 11: 6):( أَمَّا الأَرْنَبُ فَإِنَّهُ مُجْتَرٌّ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْقُوقِ الظِّلْفِ، لِذَلِكَ هُوَ نَجِسٌ لَكُمْ )

    سكت كالمشدوه، ثم قال: هل سمعت عن ثعبان يأكل التراب؟

    لم أدر بما أجبه، فقال: الكتاب المقدس يقول هذا.. اسمع ما ورد في (سفر التكوين: 3: 14):( فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: (لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ طَوَالَ حَيَاتِكِ وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ )

    سكت قليلا، ثم قال: لا أزال أحتار منذ زمن طويل.. لماذا لم يرفع الله العقوبة عن الحية بعد صلب المسيح.. ألم يأت المسيح ليكفر عن خطيئة آدم!؟

    قلت: إن العقوبة المرادة هنا عقوبة للشيطان.. وليس للحية التي لا تعقل.

    قال: لكن النص واضح في أن المراد هو الحية.. فالنص يصور حال الحية على هذه الأرض، بعد أن عوقبت بالسعي على البطن، وأنها ملعونة من بين جميع البهائم والحيوانات.

    ثم هل رأيت حية تميز بين المرأة والرجل في العداوة.. الكتاب المقدس ينص على هذا.. فهو يقول عن الحية:( َأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ )

    ثم لماذا خص العقب باللدغ!؟.. إن ضرر الحية لا يقتصر على لدغ قدم الانسان بل ان البعض منها يقذف بالسم على بعد أمتار، وهناك أنواع منها تقوم بخنق فريستها ثم بلعها.

    سكت قليلا، ثم قال: ما دمنا مع الحية.. ألا تعلم خرافة إغواء الحية لحواء في الكتاب المقدس.

    قلت: هي حقيقة نص عليها الكتاب المقدس، وليست خرافة.. فالتوراة تؤكد في قصة الخلق أن المرأة هي المسئولة عن الخطيئة البشرية الأولى، وقد كان ذلك بسبب اغواء الحية لها.

    وقد اعتنق بولس فكرة مسئولية المرأة عن الخطيئة، فهي التي أغويت، وليس آدم، وهي التي تعدت حد الله فوقعت في الخطيئة، فهو يقول:( لأَنَّ آدَمَ كُوِّنَ أَوَّلاً، ثُمَّ حَوَّاءُ، وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ هُوَ الَّذِي انْخَدَعَ بَلِ الْمَرْأَةُ انْخَدَعَتْ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ ) (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس: 2: 12 _ 14)

    قال: أجل.. أعلم ذلك.. فالكتاب المقدس سجل تاريخ بداية الخلق.. وفيه ( هَذَا وَصْفٌ مَبْدَئِيٌّ لِلسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ. وَلَمْ يَكُنْ قَدْ نَبَتَ بَعْدُ فِي الأَرْضِ شَجَرٌ بَرِّيٌّ وَلاَ عُشْبٌ بَرِّيٌّ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَرْسَلَ مَطَراً عَلَى الأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِنْسَانٌ لِيَفْلَحَهَا، إلاَّ أَنَّ ضَبَاباً كَانَ يَتَصَاعَدُ مِنَ الأَرْضِ فَيَسْقِي سَطْحَهَا كُلَّهُ. ثُمَّ جَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ مِنْ تُرَابِ الأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ، فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً. وَأَقَامَ الرَّبُّ الإِلَهُ جَنَّةً فِي شَرْقِيِّ عَدْنٍ وَوَضَعَ فِيهَا آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ) (تكوين: 2: 4)

    وفيه:( وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَمْكَرَ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي صَنَعَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ، فَسَأَلَتِ الْمَرْأَةَ: أَحَقّاً أَمَرَكُمَا اللهُ أَلاَّ تَأْكُلاَ مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟) فَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: (يُمْكِنُنَا أَنْ نَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ كُلِّهَا، مَاعَدَا ثَمَرَ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَلْمُسَاهُ لِكَيْ لاَ تَمُوتَا). فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: (لَنْ تَمُوتَا، بَلْ إِنَّ اللهَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حِينَ تَأْكُلانِ مِنْ ثَمَرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا فَتَصِيرَانِ مِثْلَهُ، قَادِرَيْنِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ). وَعِنْدَمَا شَاهَدَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ لَذِيذَةٌ لِلْمَأْكَلِ وَشَهِيَّةٌ لِلْعُيُونِ، وَمُثِيرَةٌ لِلنَّظَرِ قَطَفَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، ثُمَّ أَعْطَتْ زَوْجَهَا أَيْضاً فَأَكَلَ مَعَهَا )(تكوين: 3: 1-6)

    وقد ذكرت التوراة العقوبة التي تلقتها الحي بسبب ذلك، فقد ورد في (تكوين: 3: 14 ):( فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ طَوَالَ حَيَاتِكِ )

    سكت قليلا، القرآن يذكر هذه القصة، ولكنه لا يتطرق إلى الحية، ولا ينسب الوقوع في أكل الشجرة لحواء، بل ينسبها لكليهما جميعا، وعندما نزلت العقوبة لم تختص بها المرأة.. بل شملتهما جميعا، ثم تاب الله عليهما جميعا..

    اسمع ما يقول القرآن:) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)((طه)

    هكذا يتناول القرآن القصة بكل بساطة وعقلانية وجمال.

    سكت قليلا، ثم قال: هل ترى القرآن سمى الشجرة؟

    قلت: لا..

    قال: والتوراة؟

    قلت: سمتها..

    قال: وقد ذكرت أنها شجرة تجعل صاحبها يميز بين الخير والشر.. فهل في التمييز بين الخير والشر مفسدة.. وذكرت أن من أكلها يصير مثل الله.. فهل يمكن لأحد أن يصير إلها؟

    سكت، فقال: ما ذنب الحية المسكينة.. نحن نراها كما نرى سائر المخلوقات.. ولماذا اختصت بعقوبة الزحف بينما يطير الشيطان وهو المجرم الأكبر حيث يشاء من دون عقوبة!؟

    التفت إلي، وقال: لقد جرت هذه المآزق بعض مفسري الكتاب المقدس إلى اعتبار دخول الحية في هذه القصة خرافة دخيلة على الكتاب المقدس.

    اسمع ما قال بعضهم عن مصادر سفر التكوين:( لم يتردد مؤلفو الكتاب المقدس، وهم يرون بداية العالم والبشرية أن يستقوا معلوماتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من تقاليد الشرق الأدني القديم، ولا سيما من تقاليد ما بين النهرين ومصر والمنطقة الفينيقية الكنعانية. فالاكتشافات الأثرية منذ نحو قرن تدل على وجود كثير من الأمور المشتركة بين الصفحات الأولى من سفر التكوين وبين بعض النصوص الغنائية والحكمية والليترجية الخاصة بسومر وبابل وطيبة وأوغاريت، ولا عجب في ذلك )

    وتقول الترجمة الفرنسية المسكونية تعليقاً على العبارة التي تقول (وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية )( لقد كانت الحية تلعب دوراً كبيراً في الشرق القديم، مثل قوة للأخصاب ( في كنعان )، وكقوة سياسية ( في مصر ). وفي الملحمة البابلية المشهورة للبطل جلجاش، فانها تسترق منه نبات الخلود. وبسبب دهائها في الغواية، فسيحصل الرجل والمرأة على معرفة تكشف لهما عن عورتيهما )

    سكت كالمشدوه، ثم قال: هل سمعت بطيور تمشي على أربع؟

    لم أدر بما أجبه، فقال: الكتاب المقدس يقول هذا.. اسمع ما ورد في (سفر اللاويين: 11: 23 ):( أَمَّا سَائِرُ دَبِيبِ الطَّيْرِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ الأَرْجُلِ فَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَيْكُمْ )

    سكت كالمشدوه، ثم قال: هل سمعت عن إنسان ينام بسبب الحزن؟

    لم أدر بما أجبه، فقال: الكتاب المقدس يقول هذا.. اسمع ما ورد في (سفر لوقا 22: 45):( ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ، فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ مِنَ الْحُزْنِ )

    سكت كالمشدوه، ثم قال: هل سمعت ما يقول الكتاب المقدس عن النعام؟

    سكت، فقال: اسمع ما ورد في (سفر أيوب: 39: 13-17):( يُرَفْرِفُ جَنَاحَا النَّعَامَةِ بِغِبْطَةٍ، وَلَكِنْ أَهُمَا جَنَاحَانِ مَكْسُوَّانِ بِرِيشِ الْمَحَبَّةِ؟ فَهِيَ تَتْرُكُ بَيْضَهَا عَلَى الأَرْضِ لِيَدْفَأَ بِالتُّرَابِ، وَتَنْسَى أَنَّ الْقَدَمَ قَدْ تَطَأُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ الْكَاسِرَةِ قَدْ تُحَطِّمُهُ. إِنَّهَا تُعَامِلُ صِغَارَهَا بِقَسْوَةٍ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا، غَيْرَ آسِفَةٍ عَلَى ضَيَاعِ تَعَبِهَا، لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْسَاهَا الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَمْنَحْهَا نَصِيباً مِنَ الْفَهْمِ. وَلَكِنْ مَا إِنْ تَبْسُطُ جَنَاحَيْهَا، لِتَجْرِيَ حَتَّى تَهْزَأَ بِالْفَرَسِ وَرَاكِبِهِ )

    سكت قليلا، ثم قال: إن الموسوعات العلمية تصف النعام كآباء مهتمّين جدًّا ببيضهم وأولادهم.. فالأنثى تلقي بيضها على الأرض , كما يفعل الكثير من الطيور الأخرى، وفي غياب الأنثى , يقوم الذكر بالرقود على العشّ لحماية البيض.. وحين الخروج من البيض يلقى الفراخ اهتماما كبيرا من أمّهم، وهذا يثبت أنها أم حنون.

    سكت قليلا، ثم ابتسم، وقال: لا شك أنك مثلي، ومثل جميع الناس الذي يذهبون إلى دور السينما ليتفرجوا أفلام البطولات الشامخة.

    قلت: لا.. أنا لم أذهب طول حياتي إلى السينما.. أنا رجل دين.. ولا علاقة لرجل الدين بمثل تلك السفاسف.

    قال: والبطولة.. أليست محبة الأبطال محبة فطرية؟

    قلت: البطولة هي بطولة الروح.. لا بطولة العضلات..

    قال: هذا ما تقول أنت.. أو ما يقول الكتاب المقدس؟

    قلت: أنا لا أقول إلا ما يقول الكتاب المقدس.

    قال: لا.. لقد رأيت الكتاب المقدس يقول غير هذا.. الكتاب المقدس متفتح أكثر منا.. ألم تقرأ فيه سيرة شمشون البطل؟.. إنه أعظم بطولة من عنترة ومن كل من عرفهم العالم من أبطال.

    صمت، فقال: تعال لنشاهد مشاهد بطولته في الكتاب المقدس.. لقد خصص له الكتاب المقدس أربع سور كاملة في سفر القضاة تبدأ من التباشير التي سبقت مولده، وتنتهي بوفاته.. إنها تصلح فيلما مطولا لرجل من رجال الله.. هو نموذج للرجولة التي يحبها الكتاب المقدس.. وهو بالتالي نموذج للبطولة التي يريدها الرب.. تعال لنسمعها، ونمتلئ بما فيها من بطولة.

    أخذ الكتاب المقدس، وراح يقلد الحكواتيين عند روايتهم لقصص البطولات، قال: لنبدأ من الأول.. لنبدأ من السورة الأولى، وهي الإصحاح الثالث عشر من سفر القضاة.. اسمع ما يقول هذا الإصحاح الذي يذكر الإرهاصات السابقة لميلاد هذا البطل العظيم:( ثم عاد بنو اسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين اربعين سنة.. وكان رجل من صرعة من عشيرة الدانيين اسمه منوح وامرأته عاقر لم تلد. فتراءى ملاك الرب للمرأة وقال لها: ها انت عاقر لم تلدي. ولكنك تحبلين وتلدين ابنا. والآن فاحذري ولا تشربي خمرا ولا مسكرا ولا تأكلي شيئا نجسا. فها انك تحبلين وتلدين ابنا ولا يعل موسى رأسه لان الصبي يكون نذيرا لله من البطن وهو يبدأ يخلص اسرائيل من يد الفلسطينيين ) (القضاة: 13/1-5)

    اسمع.. ملاك الرب ينهاها أن تشرب الخمر، وتأكل النجس لا لأجل أنهما حرام، ولكن لأجل من في بطنها.

    وذهبت المرأة البسيطة إلى زوجها.. ( فدخلت المرأة وكلمت رجلها قائلة. جاء اليّ رجل الله ومنظره كمنظر ملاك الله مرهب جدا. ولم اسأله من اين هو ولا هو اخبرني عن اسمه. وقال لي ها انت تحبلين وتلدين ابنا. والآن فلا تشربي خمرا ولا مسكرا ولا تأكلي شيئا نجسا. لان الصبي يكون نذيرا للّه من البطن الى يوم موته فصلّى منوح الى الرب وقال اسألك يا سيدي ان يأتي ايضا الينا رجل الله الذي ارسلته ويعلمنا ماذا نعمل للصبي الذي يولد. فسمع الله لصوت منوح فجاء ملاك الله ايضا الى المرأة وهي جالسة في الحقل ومنوح رجلها ليس معها. فاسرعت المرأة وركضت واخبرت رجلها وقالت له هوذا قد تراءى لي الرجل الذي جاء اليّ ذلك اليوم. فقام منوح وسار وراء امرأته وجاء الى الرجل وقال له أانت الرجل الذي تكلم مع المرأة. فقال انا هو. فقال منوح. عند مجيء كلامك ماذا يكون حكم الصبي ومعاملته. فقال ملاك الرب لمنوح. من كل ما قلت للمرأة فلتحتفظ. من كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تأكل وخمرا ومسكرا لا تشرب وكل نجس لا تأكل. لتحذر من كل ما اوصيتها )(القضاة:13/6-14)

    كل هذا النص الطويل البسيط أورده الكتاب المقدس من أجل أن يبرز اقتناع الرجل بما طلبه الملاك، مع أن ما طلبه ليس بالشيء الخطير.. أن لا يأكلوا النجس، وأن لا يشربوا الخمر.

    وبعد أن اقتنع الرجل الذي هو أبو شمشون.. أبو البطل.. أراد أن يكرم الملاك، وليس لدى الإسرائيليين أحلى من جدي معزى.. ( فقال منوح لملاك الرب دعنا نعوقك ونعمل لك جدي معزى )(القضاة:13/15)

    وكان الملاك عفيفا زاهدا، فرفض ما عرضه عليه أبو شمشون، وطلب بدل ذلك شيئا للرب.. طلب محرقة للرب.. ( فقال ملاك الرب لمنوح: ولو عوقتني لا آكل من خبزك وان عملت محرقة فللرب اصعدها. لان منوح لم يعلم انه ملاك الرب.. فقال منوح لملاك الرب ما اسمك حتى اذا جاء كلامك نكرمك. فقال له ملاك الرب لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب. فاخذ منوح جدي المعزى والتقدمة واصعدهما على الصخرة للرب. فعمل عملا عجيبا ومنوح وامرأته ينظران. فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء ان ملاك الرب صعد في لهيب المذبح ومنوح وامرأته ينظران فسقطا على وجهيهما الى الارض. ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته. حينئذ عرف منوح انه ملاك الرب. فقال منوح لامرأته نموت موتا لاننا قد رأينا الله. فقالت له امرأته لو اراد الرب ان يميتنا لما اخذ من يدنا محرقة وتقدمة ولما ارانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت اسمعنا مثل هذه )(القضاة:13/16-23)

    بعد هذه المقدمات الطويلة يولد شمشون.. يولد البطل.. (فولدت المرأة ابنا ودعت اسمه شمشون. فكبر الصبي وباركه الرب وابتدأ روح الرب يحركه في محلّة دان بين صرعة واشتأول ))(القضاة:13/24-25)

    بهذه الفاصلة تنتهي السورة الأولى.. لتبدأ السورة الثانية.. سورة البطولات الخارقة.

    اسمع بالعنصرية المقيتة التي تبدأ بها:( ونزل شمشون الى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين. فصعد واخبر اباه وامه وقال قد رأيت امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين فالآن خذاها لي امرأة. فقال له ابوه وامه: أليس في بنات اخوتك وفي كل شعبي امرأة حتى انك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف. فقال شمشون لابيه اياها خذ لي لانها حسنت في عينيّ )(القضاة:14/1-3)

    هكذا تبدأ قصص كثيرة من الكتاب المقدس.. باتخاذ امرأة ولا يهم أن تكون زوجة، أو زانية.

    ويعلل الكتاب المقدس سر ذلك الاختيار، فيقول:( ولم يعلم ابوه وامه أن ذلك من الرب لانه كان يطلب علّة على الفلسطينيين. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين على اسرائيل ) (القضاة:14/4)

    إذن كان الرب يلتمس الأسباب ليصب لعنة من لعناته على الفلسطينيين، فكيف رتب هذه الأسباب..

    اسمع هذا التدبير العجيب الذي رتبه الرب ليقضي على جمع من جموع الفلسطينيين:( فنزل شمشون وابوه وامه الى تمنة وأتوا الى كروم تمنة. واذا بشبل اسد يزمجر للقائه. فحلّ عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شيء. ولم يخبر اباه وامه بما فعل. فنزل وكلم المرأة فحسنت في عيني شمشون. ولما رجع بعد ايام لكي ياخذها مال لكي يرى رمّة الاسد واذا دبر من النحل في جوف الاسد مع عسل. فاشتار منه على كفيه وكان يمشي وياكل وذهب الى ابيه وامه واعطاهما فأكلا ولم يخبرهما انه من جوف الاسد اشتار العسل ) (القضاة:14/5-10)

    من هنا تبدأ البطولة.. لقد شق شمشون الأسد نصفين كما يشق الجدي، ثم عاد بعد أن امتلأ نحلا ليأكل من عسل النحل.. لست أدري هل يمكن هذا.. هل يمكن للجيف أن تصبح محلا لخلايا النحل.. وهل يمكن للنحل أن يوفر كل تلك الكمية من العسل، والتي جعلته يأكله هو وأهله.

    لست أدري مدى صدق كل هذا.. ومدى عقلانيته.. ولكنه هكذا قال الكتاب المقدس، وهكذا ينبغي أن نقول.

    لم تنته البطولة هنا.. لقد كان الرب يلتمس الأسباب ليصيب الفلسطينيين بلعنة من لعناته.. فما كانت تلك الأسباب التي دبرها المدبر الحكيم؟

    يذكرها لنا الكتاب المقدس فيقول:( ونزل أبوه إلى المرأة فعمل هناك شمشون وليمة لانه هكذا كان يفعل الفتيان. فلما رأوه احضروا ثلاثين من الاصحاب فكانوا معه. فقال لهم شمشون لأحاجينكم أحجية. فاذا حللتموها لي في سبعة ايام الوليمة واصبتموها اعطيكم ثلاثين قميصا وثلاثين حلّة ثياب. وان لم تقدروا ان تحلّوها لي تعطوني انتم ثلاثين قميصا وثلاثين حلّة ثياب. فقالوا له حاج أحجيتك فنسمعها. فقال لهم من الآكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة. فلم يستطيعوا ان يحلّوا الاحجية في ثلاثة ايام. وكان في اليوم السابع انهم قالوا لامرأة شمشون تملقي رجلك لكي يظهر لنا الاحجية لئلا نحرقك وبيت ابيك بنار. ألتسلبونا دعوتمونا ام لا. فبكت امرأة شمشون لديه وقالت انما كرهتني ولا تحبني. قد حاجيت بني شعبي احجية واياي لم تخبر. فقال لها هوذا ابي وامي لم اخبرهما فهل اياك اخبر. فبكت لديه السبعة الايام التي فيها كانت لهم الوليمة وكان في اليوم السابع انه اخبرها لانها ضايقته فاظهرت الاحجية لبني شعبها. فقال له رجال المدينة في اليوم السابع قبل غروب الشمس اي شيء احلى من العسل وما اجفى من الاسد. فقال لهم لو لم تحرثوا على عجلتي لما وجدتم أحجيتي. وحلّ عليه روح الرب فنزل الى اشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلا واخذ سلبهم واعطى الحلل لمظهري الاحجية. وحمي غضبه وصعد الى بيت ابيه. فصارت امرأة شمشون لصاحبه الذي كان يصاحبه) (القضاة:14/11-20)
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:07

    هل رأيت التدبير الذي دبرره الله لهذا الذي نزل عليه روح الله.. إنه تدبير حكيم.. أليس كذلك؟

    أحجية عجيبة يطلب منهم فكها.. لا تحتاج علما، ولا ذكاء، ولا أي قدرة من القدرات.. هي مجرد أحبولة فقط..

    ثم إذا ما عرف القوم حلا لأحجيته يقتل منهم ثلاثين بعد أن يحل به روح الرب.. ولا يكتفي بقتلهم بل يقلع عنهم ثيابهم ليفي بوعده لمن عرف الأحجية..

    مد يده إلى رأسه، وراح يصيح: أهذا كتاب مقدس؟.. أهذه تعاليم كتاب مقدس؟.. أهذه هي الرجولة بمنطق الكتاب المقدس؟

    ثم سكن قليلا، وقال: انتهت السورة الثانية من السور الخاصة بشمشون لتبدأ السورة الثالثة.. وهي كلها مشاهد لبطولة شمشون..

    اسمع.. ( وكان بعد مدّة في ايام حصاد الحنطة ان شمشون افتقد امرأته بجدي معزى. وقال ادخل الى امرأتي الى حجرتها. ولكن اباها لم يدعه ان يدخل وقال ابوها اني قلت انك قد كرهتها فاعطيتها لصاحبك. أليست اختها الصغيرة احسن منها. فلتكن لك عوضا عنها. فقال لهم شمشون: اني بريء الآن من الفلسطينيين اذا عملت بهم شرا) (القضاة:15/1-3)

    انظر كيف يقدس الكتاب المقدس الإجرام.. وكيف يقدس المجرمين؟

    لأجل خلاف بينه وبين والد زوجته التي لم تعد زوجته لأنه رفضها يرى أنه أصبح بريئا من أن يفعل ما يشاء من الشر لا بوالد زوجته، وإنما بالفلسطينيين جميعا.

    كيف يقول المسلمون الطيبون: إن الديانات السماوية الثلاث تدعو للسلام.. هل هذا النص يدعو للسلام، أو يربى على السلام؟

    اسمع ما فعل المجرم شمشون:( وذهب شمشون وامسك ثلاث مئة ابن آوى واخذ مشاعل وجعل ذنبا الى ذنب ووضع مشعلا بين كل ذنبين في الوسط. ثم اضرم المشاعل نارا واطلقها بين زروع الفلسطينيين فاحرق الاكداس والزرع وكروم الزيتون. فقال الفلسطينيون من فعل هذا. فقالوا شمشون صهر التمنّي لانه اخذ امرأته واعطاها لصاحبه. فصعد الفلسطينيون واحرقوها واباها بالنار. ) (القضاة:15/4-6)

    اسمع تلك الخرافة التي سبق أن تحدثنا عنها.. وانظر إلى الاحتيال في الإجرام.. والكتاب المقدس لا ينكر أي تصرف من هذه التصرفات الحمقاء.. بل يقرها، ويعتبر شمشون رجل الله ووليه.

    شمشون الحاقد لم يكتف بما فعله..:( فقال لهم شمشون ولو فعلتم هذا فاني انتقم منكم وبعد اكفّ وضربهم ساقا على فخذ ضربا عظيما. ثم نزل واقام في شق صخر عيطم ) (القضاة:15/7-8).. هذه بطولة من بطولات الكتاب المقدس.

    لما حصل هذا قام الفلسطينيون المساكين بالبحث عن حيلة ليقضوا بها على هذا المجرم، وكان الأصل أن يقف الرب معهم.. لكن الرب لا يقف في منطق الكتاب المقدس إلا مع المجرمين.. بل يحل عليهم من روحه ما يجلهم الإرهاب عينه.

    اسمع هذه المحاولات والخرافات المرتبطة بها:( وصعد الفلسطينيون ونزلوا في يهوذا وتفرّقوا في لحي فقال رجال يهوذا لماذا صعدتم علينا. فقالوا صعدنا لكي نوثق شمشون لنفعل به كما فعل بنا. فنزل ثلاثة آلاف رجل من يهوذا الى شقّ صخر عيطم وقالوا لشمشون أما علمت ان الفلسطينيين متسلطون علينا. فماذا فعلت بنا. فقال لهم كما فعلوا بي هكذا فعلت بهم. فقالوا له نزلنا لكي نوثقك ونسلمك الى يد الفلسطينيين. فقال لهم شمشون احلفوا لي انكم انتم لا تقعون عليّ. فكلموه قائلين كلا. ولكننا نوثقك ونسلمك الى يدهم وقتلا لا نقتلك. فاوثقوه بحبلين جديدين واصعدوه من الصخرة. ولما جاء الى لحي صاح الفلسطينيين للقائه. فحلّ عليه روح الرب فكان الحبلان اللذان على ذراعيه ككتان احرق بالنار فانحلّ الوثاق عن يديه. ووجد لحي حمار طريّا فمدّ يده واخذه وضرب به الف رجل. فقال شمشون بلحي حمار كومة كومتين. بلحي حمار قتلت الف رجل. ولما فرغ من الكلام رمى اللحي من يده ودعا ذلك المكان رمت لحي)(القضاة:15/9-17)

    هل رأيت هذه المشاهد البطولية.. كيف يقطع الحبل.. وكيف يقضي بلحي حمار على ألف رجل..  وكل ذلك بعد أن حل عليه روح الرب.. لست أدري هل حل عليه روح الرب أم أرواح الشياطين؟

    الكتاب المقدس يعتبر هذا المجرم مخلصا.. كما نعتبر نحن المسيح مخلصا.. اسمع:( ثم عطش جدا فدعا الرب وقال انك قد جعلت بيد عبدك هذا الخلاص العظيم والآن اموت من العطش واسقط بيد الغلف. فشقّ الله الكفّة التي في لحي فخرج منها ماء فشرب ورجعت روحه فانتعش. لذلك دعا اسمه عين هقّوري التي في لحي الى هذا اليوم)(القضاة:15/18-19)

    هل سمعت هذه الخرافات؟ أهذا كتاب مقدس؟

    تختتم هذه السورة من السور الخاصة ببطولة شمشون بتكريم عظيم من الله له.. إن المجرم لا يكرم بتكريم أعظم من أن يجعل قاضيا، وهذا ما حصل لشمشون.. ( وقضى لاسرائيل في ايام الفلسطينيين عشرين سنة )(القضاة:15/20)

    انتهت هذه السورة هنا.. لتبدأ السورة الأخيرة من السور المخصصة لشمشون، وتبدأ السورة بهذا المشهد الدال على براعة الاستهلال التي يتصف بها الكتاب المقدس.. اسمع.. ( ثم ذهب شمشون الى غزّة ورأى هناك امرأة زانية فدخل اليها)(القضاة:16/1)

    هاهو البطل القاضي يضم على جرائم القتل والإفساد جريمة الزنا، ثم لا ينكر عليه الكتاب المقدس أي فعل فعله.. وإنما يمضي ليحكي تدبيرات الفلسطينييين المساكين، وكيف لم يكن الرب معهم.. وكيف كان مع المجرم المنحل.

    اسمع:( فقيل للغزّيين: قد اتى شمشون الى هنا. فاحاطوا به وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة فهدأوا الليل كله قائلين عند ضوء الصباح نقتله. فاضطجع شمشون الى نصف الليل ثم قام في نصف الليل واخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين وقلعهما مع العارضة ووضعها على كتفيه وصعد بها الى راس الجبل الذي مقابل حبرون) (القضاة:16/2-3).. هذا مظهر آخر من مظاهر البطولة.

    والكتاب المقدس لا يكتفي به، بل يضم إليه بطولته مع النساء.. اسمع:( وكان بعد ذلك انه احب امرأة في وادي سورق اسمها دليلة. فصعد اليها اقطاب الفلسطينيين وقالوا لها تملقيه وانظري بماذا قوته العظيمة وبماذا نتمكن منه لكي نوثقه لاذلاله فنعطيك كل واحد الفا ومئة شاقل فضة. فقالت دليلة لشمشون اخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لاذلالك. فقال لها شمشون اذا اوثقوني بسبعة اوتار طرية لم تجف اضعف واصير كواحد من الناس. فاصعد لها اقطاب الفلسطينيين سبعة اوتار طرية لم تجف فاوثقته بهاوالكمين لابث عندها في الحجرة. فقالت له الفلسطينيون عليك يا شمشون. فقطع الاوتار كما يقطع فتيل المشاقة اذ شمّ النار ولم تعلم قوته. فقالت دليلة لشمشون ها قد ختلتني وكلمتني بالكذب. فاخبرني الآن بماذا توثق. فقال لها اذا اوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل اضعف واصير كواحد من الناس. فأخذت دليلة حبالا جديدة واوثقته بها وقالت له الفلسطينيون عليك يا شمشون. والكمين لابث في الحجرة. فقطعها عن ذراعيه كخيط. فقالت دليلة لشمشون حتى الآن ختلتني وكلمتني بالكذب. فاخبرني بماذا توثق. فقال لها اذا ضفرت سبع خصل راسي مع السدى. فمكنتها بالوتد وقالت له الفلسطينيون عليك يا شمشون. فانتبه من نومه وقلع وتد النسيج والسدى. فقالت له كيف تقول احبك وقلبك ليس معي. هوذا ثلاث مرات قد ختلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة. ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم والحّت عليه ضاقت نفسه الى الموتفكشف لها كل قلبه وقال لها لم يعل موسى راسي لاني نذير الله من بطن امي. فان حلقت تفارقني قوتي واضعف واصير كاحد الناس. ولما رأت دليلة انه قد اخبرها بكل ما بقلبه ارسلت فدعت اقطاب الفلسطينيين وقالت اصعدوا هذه المرة فانه قد كشف لي كل قلبه. فصعد اليها اقطاب الفلسطينيين واصعدوا الفضة بيدهم. وانامته على ركبتيها ودعت رجلا وحلقت سبع خصل رأسه وابتدأت باذلاله وفارقته قوته. وقالت الفلسطينيون عليك يا شمشون. فانتبه من نومه وقال اخرج حسب كل مرة وانتفض. ولم يعلم ان الرب قد فارقه ) (القضاة:16/4-20)

    هل رأيت روح الرب أين كان حالا من شمشون.. لم يكن حالا في قلبه، ولا في عقله، بل كان في شعره.. نعم شعره هو مصدر بطولته..

    يواصل الكتاب المقدس حكاية ما حصل له بعد ذلك ( فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه ونزلوا به الى غزّة واوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن) (القضاة:16/21)

    لكن البطل سرعان ما استعاد شعره ليقوم بعملية انتحارية.. عفوا بل استشهادية، كتلك العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون المساكين، ثم ينكرها اليهود ونحن عليهم باعتبارها مناقضة للإنسانية.. اسمع كيف يقوم شمشون بهذه العملية الاستشهادية.. إنه أول من سن هذا النوع من العمليات.. لا مع الجيوش، وإنما مع العامة البسطاء..

    اسمع ما يقول الكتاب المقدس:( وابتدأ شعر راسه ينبت بعد ان حلق واما اقطاب الفلسطينيين فاجتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون الههم ويفرحوا وقالوا قد دفع الهنا ليدنا شمشون عدونا. ولما رآه الشعب مجدوا الههم لانهم قالوا قد دفع الهنا ليدنا عدونا الذي خرب ارضنا وكثر قتلانا. وكان لما طابت قلوبهم انهم قالوا ادعوا شمشون ليلعب لنا. فدعوا شمشون من بيت السجن فلعب امامهم واوقفوه بين الاعمدة. فقال شمشون للغلام الماسك بيده دعني المس الاعمدة التي البيت قائم عليها لاستند عليها. وكان البيت مملوءا رجالا ونساء وكان هناك جميع اقطاب الفلسطينيين وعلى السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة ينظرون لعب شمشون. فدعا شمشون الرب وقال يا سيدي الرب اذكرني وشددني يا الله هذه المرة فقط فانتقم نقمة واحدة عن عينيّ من الفلسطينيين. وقبض شمشون على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائما عليهما واستند عليهما الواحد بيمينه والآخر بيساره. وقال شمشون لتمت نفسي مع الفلسطينيين. وانحنى بقوة فسقط البيت على الاقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه فكان الموتى الذين اماتهم في موته اكثر من الذين اماتهم في حياته. فنزل اخوته وكل بيت ابيه وحملوه وصعدوا به ودفنوه بين صرعة واشتأول في قبر منوح ابيه. وهو قضى لاسرائيل عشرين سنة (القضاة:16/22-31)

    تنفس الصعداء، وقال: هكذا ينتهي هذا الفيلم، ويسدل الستار على المجرم القاضي الزاني الذي لم يكتف بما فعله في حياته من جرائم ليضم إليها عند موته جريمة قتل الآلاف من الرجال والنساء.. والكتاب المقدس يفخر ببطولاته وبأن ( الموتى الذين اماتهم في موته اكثر من الذين اماتهم في حياته)

    أي رب يمكن أن يقبل هذا.. أو أن يقول هذا.. أو أن يرضى بهذا!؟

    سكت قليلا، ثم قال: ليس شمشون هو البطل الوحيد في الكتاب المقدس.. هناك غيره.. هناك البطل يوشيبا الذي ( هز رمحه على ثمانمائة قتلهم دفعة واحدة )( صموئيل (2) 23/8 ) فكم كان طول هذا الرمح؟ وكيف تم هذا!؟

    وهناك أبيشاي ويشبعام، فكلاهما قتل ثلاثمائة دفعة واحدة، وبهزة رمح. (انظر أيام (1) 11/11، 20)

    وهناك شمجر بن عناة قتل من الفلسطينيين ستمائة رجل بمنساس البقر (انظر القضاة 3/31). كيف يحصل هذا؟ كيف لم يهربوا؟ هل انتظر كل منهم دوره!؟

    ليست البطولة في القتل فقط.. هناك بطولة أخرى في الأكل.. لقد ذكر الكتاب المقدس الوجبة الدسمة التي كان يأكلها سليمان الحكيم كل يوم.. اسمع:( كان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرسميذ، وستين كر دقيق، وعشر ثيران مسمنة، وعشرين ثوراً من المراعي، ومائة خروف عدا الأيائل واليمامير والأوز المسمن )( ملوك (1) 4/22 - 23)

    وضع يده على رأسه.. وقال: هذا غيض من فيض من بطولات الكتاب المقدس.. فإن شئت المزيد، فعد لتقرأه من جديد.





    3 ـ العلم

    سكت قليلا، ثم قال: دعنا من كل هذه الخرافات، ولنبحث في علوم الكتاب المقدس.. علم الله لابد أن يظهر أثره في كتابه [5]..

    لنبحث في علم الفلك، ذلك العلم الذي اهتم به السابقون.. ولكنهم وقعوا في خرافات كثيرة بسب إعمال عقولهم ومخيلاتهم..

    لننظر ما يقول كلام الله الوحيد في هذا.. ولنفتح الكتاب المقدس من أوله.. من سفر التكوين..

    فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ الإصحاح الأول كاملا:( في البدء خلق الله السموات والارض. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. وراى الله النور انه حسن.وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا.وكان مساء وكان صباح يوما واحدا  وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه.  فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك.  ودعا الله الجلد سماء.وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا   وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك.0  ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.ورأى الله ذلك انه حسن.  وقال الله لتنبت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض.وكان كذلك.  فاخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.  وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل.وتكون لآيات واوقات وايام وسنين.   وتكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض.وكان كذلك.  فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم.  وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض   ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة.ورأى الله ذلك انه حسن.   وكان مساء وكان صباح يوما رابعا  وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحية الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.   وباركها الله قائلا اثمري واكثري واملإي المياه في البحار.وليكثر الطير على الارض. وكان مساء وكان صباح يوما خامسا   وقال الله لتخرج الارض ذوات انفس حية كجنسها.بهائم ودبابات ووحوش ارض كاجناسها.وكان كذلك. فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبابات الارض كاجناسها.ورأى الله ذلك انه حسن. وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض. فخلق الله الانسان على صورته.على صورة الله خلقه.ذكرا وانثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الارض. وقال الله اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا.لكم يكون طعاما. ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبّابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما.وكان كذلك ورأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا.وكان مساء وكان صباح يوما سادسا )

    أغلق الكتاب، وقال: هكذا يصف الكتاب المقدس بداية الخلق.. وهو يذكر أن السموات والأرض خلقت في ستة أيام.

    وجدت المجال للكلام، فقلت: وهكذا قال القرآن.. لقد ورد فيه هذا النص:) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ((السجدة:4)

    قال: لا.. كلام القرآن في المسألة مختلف تماما.. وأول ذلك وأظهره أن القرآن أخبر عن سعة القدرة الإلهية التي لم يصبها أي مشقة في كل ذلك.. اسمع ما يقول القرآن:) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ((قّ:38) بينما نرى التوراة تقول:( وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل وبارك الله اليوم السابع وقدسه.لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا )(تكوين:2/2-3)

    والثاني أن اليوم في هذه الآيات ورد مطلقا، فلم يذكر فيه الصباح والمساء كما في التوراة، بالإضافة إلى أن اليوم في لغة العرب، وفي لغة القرآن يعني مرحلة زمنية.. وكأن القرآن يذكر لنا أن السموات والأرض خلقت في ست مراحل زمنية.

    القرآن يدل على هذا المعنى، فأنت تجد فيه اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله.. اسمع نص القرآن في ذلك:) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ((الحج:47).. وفيه:) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ((المعارج:4)

    بالإضافة إلى أن القرآن يعتبر ما يحدث في القيامة من أحداث طويلة تستغرق آلاف السنين يوما واحدا، فيقول:) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ((البقرة:48)

    قلت: فأنت ترى في التفاصيل التي ذكرتها التوراة أخطاء علمية؟

    قال: لست أنا الذي يقول ذلك.. بل علم الفلك هو الذي يقول ذلك.. سأضرب لك مثلا على ذلك بما ذكرت التوراة أن الأرض خلقت في اليوم الثالث، بينما خلق الشمس والقمر في اليوم الرابع.

    أنت تعلم أن الأرض في أصلها جزء من أمها الشمس.. وهذا يعني أنها لم تخلق قلبها.. بالإضافة إلى أن التوراة تذكر في الأعداد من 11 إلى 13 أن النبات والعشب والشجر خلقوا فى اليوم الثالث، أي قبل الشمس التي خلقت في اليوم الرابع، كما ورد في الأعداد 14 إلى 19.

    وأنت تعرف أن ذلك مستحيل.. فالنباتات والأشجار لا يمكن أن توجد بدون ضوء الشمس.. لا شك أنك تعرف نظرية التمثيل الضوئي.

    قلت: لقد ورد في القرآن مثل هذا الخطأ.. بل لعله أعظم من خطأ التوراة.

    قال: ما هو؟.. اذكره لتنال تلك الجائزة العظيمة التي أعددتها لمن يجد تناقضا واحدا في القرآن.

    قلت: اسمع ما ورد في القرآن حول هذا الموضوع:) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)((فصلت)

    قال: نعم.. هذا صحيح.. عندما نجمع هذه الأيام من دون أن يكون معنا وعي نجمع به نحصل على ثمانية أيام.. مع أن القرآن ذكر في كل المواضع أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام.. هذا هو التناقض الذي تقصده.. وهذا هو التناقض الذي يملأ قومنا به الأرض ضجيجا.

    قلت: هو تناقض واضح.. فكيف لا تسلم به؟

    قال: أنا موثق صادق.. ولا يمكنني أن أخون الحقيقة لأن الذي يقول بها غيري.. لقد بحثت في هذه المسألة، وحلها ليس بالعويص.

    ذلك أن الأيام الأربعة الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين، فقد خلق الله ـ بحسب القرآن ـ الأرض خلقا أوليا في يومين، ثم جعل فيها الرواسي التي هي الجبال، ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ادخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين، فكانت أربعة أيام وهذا ما نص عليه القرآن في قوله:) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ((فصلت:10)

    وهذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين، ويومين آخرين، فيكون المجموع أربعة.. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ.. ثم إن الله ـ بحسب القرآن ـ خلق السماوات في يومين، فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..

    لا شك أنك لم تفهم ما قلت، سأضرب لك مثالا: لو أن رجلا زار مصر، فقال: زرت مصرا، فتجولت في القاهرة في يومين، وأنهيت جولتي في الإسكندرية في أربعة أيام ثم عدت إلى بلدي.. لا شك أن هذا لم يمكث في مصر إلا أربعة أيام فقط، وليس ستة أيام لأن قوله: في يومين في أربعة أيام، يعني يومين في القاهرة ويومين في الإسكندرية..

    ويشبه هذا ما ورد في الحديث من قول محمد:( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة في مثل ذلك، ثم يكون مضغة في مثل ذلك ) فإن هذا جميعه في أربعين يوما فقط، وليس في مائة وعشرين يوما، كما فهمه من فهمه خطأ، ويدل لهذا ما ورد من النصوص من أن الخلق يتم بعد اثنين وأربعين يوما.

    سكت قليلا، ثم قال: لهذه المسألة تفاصيل كثيرة لا تبرئ القرآن فقط من التناقض.. بل تبرز نواح من الإعجاز لن أذكرها لك أنا.. ولعلك تجد في مستقبل حياتك من الفلكيين من يشرحها لك[6].

    قلت: لدي نص آخر يدل على مخالفة القرآن للعلم لا يمكنك أن تجادل فيه.

    قال: وما هو؟

    قلت: أليست الأرض هي التي تدور حول الشمس؟

    قال: بلى.. لا شك في ذلك.

    قلت: ولكن القرآن يذكر أن الشمس هي التي تدور حول الأرض.

    قال: أين هذا.. لقد قرأت القرآن.. بل أحفظ الكثير منه، ولم أسمع نصا يحوي هذه الخرافة.

    قلت: لو تأملت جيدا لوجدتها واضحة للعيان..إنها في سورة الكهف..

    ضحك، وقال: تقصد ما ورد في قوله:) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (الكهف:86)، وفيها:) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً) (الكهف:90)؟

    قلت: أجل.. فهذا مخالف للعلم الثابت، ذلك لأن الشمس لا تغرب في عين ..

    ابتسم، وقال: لقد ذكرتني بحادثة قبل سنوات ترتبط بهذا.

    قلت: ما الذي حصل؟

    قال: لقد تقدم أحدهم لينال تلك الجائزة بسبب هذا الاكتشاف العظيم.. ولكنه ما إن كاد ينال ما طلبه حتى شعرت بصوته يتغير.. ونبراته ترتجف.. ثم بكى.. وصاح: لا أريدها.. خذوها أنتم.. خذوها أنتم.. لا يمكن لهذه الجائزة أن يأخذها أحد من الناس.

    ثم خرج.. ومن ذلك اليوم لم أره.

    قلت: لم أفهم القصة.. وما علاقتها بهذا؟

    قال: لقد بحثت في السبب الذي جعله يقول هذا.. فوجدته سببا معقولا.. إن الرجل كان صادقا .. ولكنه في نفس الوقت كان محتاجا.. فأراد أن يضحي بصدقه من أجل حاجته، ولكن الله وقاه من ذلك.. لقد أنجاه صدقه.

    قلت: دعنا من حديث الرجل.. واذكر لنا ما وجدت أنت.

    قال: أنت تعرف القرآن.. هو لا يهتم بالتفاصيل.. فلهذا لم يذكر لنا اسم المكان الذي ذهب إليه ذو القرنين، واكتفى من ذلك بوصفه بصفات قد تدل عليه، أو على الأقل تعرف بطبيعة المنطقة التي ذهب إليها.

    قلت: لم أفهم.

    قال: ألم يكن الناس.. ولعلهم لا زالوا يستدلون بالنجوم.

    قلت: أجل.. وقد أشار القرآن إلى هذا في قوله:) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل:16)

    قال: فهل ترى النجم ينزل إلى الأرض ليصبح لافتة تدل على المكان، أو إشارة مرور تدل على الاتجاه؟

    قلت: يستحيل ذلك.. فأين منا النجوم؟

    قال: فما مقصد القرآن من ذكر هذا إذن؟

    قلت: بما أن لبعض النجوم مواقع معينة، فهم يستدلون من خلالها على الأرض، فيفرقون بين الاتجاهات.

    قال: وهكذا هذا الأمر..

    قلت: لم أفهم.

    قال: ألست ترى السواح يقصدون الشواطئ مع غروب الشمس؟

    قلت: بلى..

    قال: لم؟

    قلت: يدهشهم جمال الشمس وهي تغرب في البحر.. لكأن البحر يبتلعها.. أو لكأنها تغتسل بمائه.

    قال: فهل يحصل ذلك فعلا؟

    قلت: لا.. هذا ما نراه.

    قال: لقد فعل القرآن هذا.. لقد عبر القرآن عن الرؤية البصرية ليدل من خلالها على المكان الذي قصده ذو القرنين، ولم يقصد أن الشمس بجرمها تغوص في ذلك الموضع بعينه.

    أتدري.. لقد فهم المسلمون البسطاء هذا.. مع أن العلم لم يكشف لهم في ذلك الحين ما كشف لنا..

    لقد نقل القفال (429ـ507هـ /1037ـ1114م) عن بعض العلماء تفسيرًا لهذه الرؤية، متسقًا مع الحقيقة العلمية، فقال:( ليس المراد أنه ( أى ذو القرنين ) انتهى إلى الشمس مشرقًا ومغربًا حتى وصل إلى جِرْمها ومسَّها.. فهى أعظم من أن تدخل فى عين من عيون الأرض، بل هى أكبر من الأرض أضعافًا مضاعفة. وإنما المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة ( أى البقاع المعمورة والمأهولة ) من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها فى رأى العين تغرب فى عين حمئة، كما أنا نشاهدها فى الأرض الملساء كأنها تدخل فى الأرض، ولهذا قال:) وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً)(الكهف: من الآية90) ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسّهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم )[7]

    4 ـ التاريخ

    سكت قليلا، ثم قال: دعنا من هذا، ولنبحث في تواريخ الكتاب المقدس.. لا شك أن الله يعرف تفاصيل الماضي، كما يعرف تفاصيل الحاضر والمستقبل، ولا يمكن أن يسجل في كلماته المقدسة ما يتناقض مع الماضي أو الحاضر أو المستقبل.

    فتح الكتاب المقدس، وقال: اسمع عن تاريخ ميلاد المسيح كما ورد في (متى: 1/2).. لقد ذكر أن المسيح ولد في مِنْطَقَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى عَهْدِ الْمَلِكِ هِيرُودُسَ.

    التاريخ يقول: إن هيرودس هو الذي حكم من 37 قبل الميلاد الى 4 قبل الميلاد، لذلك قد يكون المسيح قد ولد ما بين 6-4 قبل الميلاد.

    بينما يذكر إنجيل لوقا أن المسيح و لد في عهد إحصاء السكان، والذي كان فيه  كيرينيوس واليا على سوريا.. اسمع ما ورد في (لوقا:2/2):( وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة )

    وهذا الاكتتاب الأول جرى اذ كان كيرينيوس والي سورية، و قد حصل هذا الإحصاء ما بين سنة 6-7 بعد الميلاد حسب بعض الوثائق التاريخية، أي بعد مضي عشر سنوات على موت هيرودوس.

    ومن تلك الوثائق ما ذكره المؤرخ اليهودي يوسيفوس حول هذا الإحصاء، وتولي كيرينيوس للولاية.

    هناك تناقضُ واضح بين الإنجيلينِ.. فهنالك فرق زمني مدته عشرة سنوات بين الرواية  الموجودة في الإنجيل المنسوب إلى متى،  و الرواية الموجودة في الإنجيل المنسوب إلى لوقا حول ولادة المسيح.

    سكت قليلا، ثم قال: اسمع ما ورد في إنجيل متى.

    فتح الكتاب المقدس وراح يقرأ:( وَعِنْدَمَا أَدْرَكَ هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا مِنْهُ، اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ، فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَجُوَارِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونَ، بِحَسَبِ زَمَنِ ظُهُورِ النَّجْمِ كَمَا تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ عِنْدَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِلِسَانِ النَّبِيِّ إِرْمِيَا الْقَائِلِ: (صُرَاخٌ سُمِعَ مِنَ الرَّامَةِ: بُكَاءٌ وَنَحِيبٌ شَدِيدٌ! رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ قَدْ رَحَلُوا )

    أغلق الكتاب المقدس، وقال: لقد انفرد إنجيل متى بهذه الرواية، وهذه الحادثه لم يذكرها التاريخ، بل إنه لو قام هيرودوس بأمر كهذا لقامت عليه قائمة اليهود، ولقاموا بعزله.. بل إن المؤرخ اليهودي يوسيفوس لم  يذكر هذه الحادثه مع كونه كان يذكر كل صغيرة و كبيره لهيرودوس بسبب كرهه له.

    بالإضافه الى هذا كله فإن إنجيل متى يعتمد على النبوءة المزعومه في  سفر ارمياء النبي مع أن هذه النبوءة ليس فيها إي دليل على ذلك.

    اسمع النبوءة من سفر (ارمياء: 31/ 15):( وَهَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ: (قَدْ تَرَدَّدَ فِي الرَّامَةِ صَوْتُ نَدْبٍ وَبُكَاءٍ مُرٍّ. رَاحِيلُ تَنُوحُ عَلَى أَبْنَائِهَا وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى عَنْهُمْ لأَنَّهُمْ غَيْرَ مَوَجُودِينَ). وَهَذَا مَا يُعْلِنُهُ الرَّبُّ: (كُفِّي صَوْتَكِ عَنِ الْبُكَاءِ وَعَيْنَيْكِ عَنِ الْعَبَرَاتِ لأَنَّ لِعَمَلِكِ ثَوَاباً)، يَقُولُ الرَّبُّ، (إِذْ لاَبُدَّ أَنْ يَرْجِعَ أَوْلاَدُكِ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ. فَلِغَدِكِ رَجَاءٌ)، يَقُولُ الرَّبُّ، (إِذْ سَيَرْجِعُ أَوْلاَدُكِ إِلَى مَوْطِنِهِم )

    هذه النبوءة ليست كما فهمه متى.. كل ما في الأمر أن هذا السفر يتحدث عن بكاء راحيل على بنى إسرائيل بعد سبيهم.. وليس في النص أي نبوة عن المسيح القادم، بل ليس فيها أي إشارة الى ذبح الصبيان.. والراجح أن كاتب انجيل متى قام بتأليف هذه الرواية، وكان النص الوارد في سفر ارمياء أحد مصادره المعتمده في اختراعها.

    سكت قليلا، ثم قال: اسمع ما يقول متى عن ستار الهيكل المنشق وقارن بينه وبين ما يقول المؤرخون..

    فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( وَمِنَ السَّاعَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ظُهْراً إِلَى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ، حَلَّ الظَّلاَمُ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: (إِيلِي، إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟) أَيْ: (إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) فَلَمَّا سَمِعَهُ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ، قَالُوا: (إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا!) فَرَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً غَمَسَهَا فِي الْخَلِّ، وَثَبَّتَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَقَدَّمَ إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ؛ وَلَكِنَّ الْبَاقِينَ قَالُوا: (دَعْهُ وَشَأْنَهُ! لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُخَلِّصَهُ!) فَصَرَخَ يَسُوعُ مَرَّةً أُخْرَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوح وَإِذَا سِتَارُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ شَطْرَيْنِ، مِنَ الأَعْلَى إِلَى الأَسْفَلِ، وَتَزَلْزَلَتِ الأَرْضُ، وَتَشَقَّقَتِ الصُّخُورُ، وَتَفَتَّحَتِ الْقُبُورُ، وَقَامَتْ أَجْسَادٌ كَثِيرَةٌ لِقِدِّيسِينَ كَانُوا قَدْ رَقَدُوا؛ وَإِذْ خَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ، دَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ بَعْدَ قِيَامَةِ يَسُوعَ، وَرَآهُمْ كَثِيرُونَ (متى:3/45-53)

    لقد ذكر متى حلول الظلام على الأرض كلها، و هي حادثه لم يذكرها إلا متى.. بالإضافه إلى أن المؤرخين الرومان و اليهود الذين عاينوا ذلك العصر لم يذكروها، بل لم ترد في أي مخطوطه تاريخيه في العالم مع أن النص يذكر أن الظلام حل على كل الأرض.

    ثم يذكر حوادث كثيرة ليس هنالك أي ذكر لهذه الاحداث في كتب التاريخ.. ولم يخبرنا الكاتب ماذا حدث للقديسيين الذين قاموا، وهل رجعوا إلى قبورهم بعد أن  رآهم كثيرون أم أنهم عاشوا، ثم ماتوا، ولم يذكر لنا من هم هؤلاء القديسين.. ولم يذكر لنا أشياء كثيرة.. العقل يتيه في البحث عنها.

    سكت قليلا، ثم قال ـ وكأنه يخاطب نفسه ـ: هل استولى بختنصر على مصر؟

    ثم أجاب نفسه: الكتاب المقدس يقول ذلك..


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:25 عدل 1 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ رابعا ـ الحقيقة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:08

    فتح الكتاب المقدس وراح يقرأ من (أرميا: 46 / 13-26 ):( الكلمة التي تكلم بها الرب الى ارميا النبي في مجيء نبوخذ نصر ملك بابل ليضرب ارض مصر اخبروا في مصر واسمعوا في مجدل واسمعوا في نوف وفي تحفنحيس قولوا انتصب وتهيأ لان السيف ياكل حواليك لماذا انطرح مقتدروك. لا يقفون لان الرب قد طرحهم. كثر العاثرين حتى يسقط الواحد على صاحبه ويقولوا قوموا فنرجع الى شعبنا والى ارض ميلادنا من وجه السيف الصارم. قد نادوا هناك فرعون ملك مصر هالك. قد فات الميعاد حيّ انا يقول الملك رب الجنود اسمه كتابور بين الجبال وككرمل عند البحر يأتي اصنعي لنفسك أهبة جلاء ايتها البنت الساكنة مصر لان نوف تصير خربة وتحرق فلا ساكن مصر عجلة حسنة جدا. الهلاك من الشمال جاء جاء ايضا متسأجروها في وسطها كعجول صيرة. لانهم هم ايضا يرتدون يهربون معا. لم يقفوا لان يوم هلاكهم اتى عليهم وقت عقابهم صوتها يمشي كحية لانهم يسيرون بجيش وقد جاءوا اليها بالفؤوس كمحتطبي حطب يقطعون وعرها يقول الرب وان يكن لا يحصى لانهم قد كثروا اكثر من الجراد ولا عدد لهم قد أخزيت بنت مصر ودفعت ليد شعب الشمال. قال رب الجنود اله اسرائيل. هانذا اعاقب آمون نو وفرعون ومصر وآلهتها وملوكها فرعون والمتوكلين عليه. وادفعهم ليد طالبي نفوسهم وليد نبوخذراصر ملك بابل وليد عبيده. ثم بعد ذلك تسكن كالايام القديمة يقول الرب )

    هذا ما قاله الكتاب المقدس، ولكن التاريخ يقول غير هذا.. إن التاريخ يذكر أن نبوخذ نصر لم يخرب نوف ولم يستولي على مصر أبدا، قد قامت حرب مميتة بين نبوخذ نصر ومصر سنة 600\601 وقد عانى كثيرا من هذه المعركة ورجع لبلاده للعلاج، ولم يرد أي مكان في التاريخ أنه دخلها.

    قلت: لقد وقع القرآن في مثل هذه الأخطاء التاريخية.

    قال: أين.. أخبرني لتنال جائزتك.. وإياك ان تسخر مني كما سخر غيرك.

    قلت: لقد ذكر القرآن أن وزير فرعون يقال له (هامان).. اسمع ما يقول القرآن:) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38)، واسمع:) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ) (غافر:36)

    قال: وما في ذلك؟.. هل ترى عجبا في كون اسمه هامان؟

    قلت: أجل.. هامان المذكور في القرآن في ستة مواضع مختلفة كأحد المقربين إلى فرعون ليس له وجود إلا في آيات القرآن.. ذلك أن التوراة لم تذكر أن هامان كان في حياة موسى على الإطلاق.. هي لم تذكر إلا هامان الذي كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس الذي يدعوه اليونان زركيس, أفليس هذا خطأ تاريخيا عظيما؟

    ابتسم، وقال: ومن قال لنا بأن التوارة استوعبت كل ما يتعلق بفرعون.. ألم يضف القرآن الكثير من المعلومات التي أغفل الكتاب المقدس ذكرها؟

    ثم إن هذه الآيات تليت على اليهود في زمن محمد, وكان فيهم العلماء والأحبار فلم ينكر أحد منهم هذا الأمر.

    ثم من من أخبرك بأن هامان كان وزيراً لفرعون؟

    قلت: القرآن يقول ذلك.

    قال: وفرعون.. هل كان اسم شخص.. أم كان لقبا للحاكم؟

    قلت: بل كان لقبا للحاكم..

    قال: فقد يكون هامان كذلك لقبا لا اسما.

    سكت قليلا، ثم قال: لقد ذكرتني برجل جاءني ذات مرة بنفس ما طرحته من الشبهة، وكان غرضه تلك الجائزة.

    قلت: هل بكى هو الآخر، وتركها؟

    قال: لا.. لقد استمر يجادل عن شبهته.. لكن لست أدري كيف التفت إلى جريدة كان يحملها معه، وطلبت منه أن يسلمني لأقرأها، فوجدت يها ما ملأني عجبا، فأريته إياه، فقرأه، ثم انصرف خجلا من نفسه.

    قلت: وما كان في الجريدة مما جعله يخجل من نفسه؟

    قال: لقد كان فيها مقال مهم يوضح فيه صاحبه أن شخصية هامان شخصية حقيقية تاريخية كشفت الآثار عن وجودها.. أنا لا أزال أحتفظ بنص المقال في خزانتي هذه.

    سار خطوات، وأتى بالمقال، وراح يقرؤه علي:( لقد شكك البعض في شخصية هامان.. واعتبره شخصية خرافية لا وجود لها.. ولكن هذه الادعاءات سقطت بعد فك طلاسم الأبجدية الهيروغليفية المصرية قبل 200 سنة تقريباً، واسم هامان قد أكتشف في المخطوطات القديمةـ وقبل هذه الاكتشافات لم يكن شئ معروف عن التاريخ الفرعوني, ولغز الهيروغليفية تم حله سنة 1799 باكتشاف حجر رشيد الذي يعود الى 196 قبل الميلاد، وتعود أهمية هذا الحجر بأنه كتب بثلاث لغات: اللغة الهيروغليفية والديموقيطية واليونانية وبمساعدة اليونانية تم فك لغز الهيروغليفية من قبل شاملبيون، وبعدها تم معرفة الكثير حول تاريخ الفراعنة، وخلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن اسم ( هامان ) وهذا الاسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا، وفي مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان في زمن تواجد موسى في مصر، وقد رُقي إلى أن أصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية.

    وقد سجل كتاب (Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen )، الكثير من المعلومات عن هامان: منها [8]:( كان الشاب آمن ( = هامن / هامان ) ام اينت Amen em inet في مثل سن الأمير ( رمسيس 2 ) ورفيق صباه، فلما أصبح رمسيس نائبا للملك ووريثا للعرش أصبح الفتى بالتبعية رفيقه وتابعه ففتح له الطريق لمستقبل زاهر وهي ما تحقق فعلا.

    وكان لآمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) أقارب ذوو نفوذ منهم عمه ( لعله مِنموسى، Minmose ) كبير كهنة الإله مين والإلهة ايزيس بقفط ( شمال طيبة ) وقائد Commandant فيالق النوبة، أي الساعد الأيمن لنائب الملك في النوبة.

    ومنهم الفتى باكن خنسو ( والده باسر وزير الجنوب وابن عم آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) ص 242 ) مدرب الخيول الملكية الذي التحق بعد ذلك بالسلك الكهنوتي المستديم في خدمة آمون بطيبة.

    وفي موضع آخر من الكتاب قال: رقّى الملك رفيق طفولته آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) إلى وظيفة قائد المركبات الملكية Royal Charioteer وناظر للخيل Super Intendent of Horse [9].

    وهذا ما يشير إليه القرآن في قوله:) وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ((القصص:6)

    وفي موضع آخر قال: وكان من علية القوم من اتخذ من الخدمة العسكرية ذريعة للوثوب إلى الوظائف المدنية العليا،وقد تعرفنا من هؤلاء على..، وآمن ام اينت ( هامان ) القائد بسلاح المركبات ثم ميليشيات المدجاي Chief of Medjay-Militia، بعدها عين مديرا للمصانع ( وزير صناعة ) [10].

    أعاد المقال إلى مكانه، وقال: إن هذا النص لا يكشف عن تصحيح خطأ فقط، وإنما يكشف عن إعجاز تاريخي للقرآن.. فهامان في هذه الوظيفة يتناسب معه تماما مع ما نص عليه القرآن في قوله:) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38)

    قلت: لدي شبهة أخرى لا شك في قوتها، وهي مما يحرص قومنا على إشاعته.

    قال: اذكرها.. وخذ جائزتك.

    قلت: لقد أخطأ القرآن خطأ عظيما حين اعتبر مريم أختا لهارون، وهي بذلك تكون أختا لموسى.. اسمع:) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)((مريم)

    لقد خلط محمد بين مريم أم المسيح، ومريم أخرى كانت أختًا لهارون الذى كان أخًا لموسى ومعاصرًا له، ولا يوجد مثل هذا التناقض فى الكتاب المقدس.

    زيادة على ذلك، فإن الثابت فى القرآن كما في الكتاب المقدس أن مريم هى ابنة عمران.. ) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم:12).. وعمران هذا هو من نسل داود أى من سبط ونسل يهوذا، وليس من سبط ونسل هارون سبط اللاويين، فكيف اعتبرها القرآن أختا لهارون؟

    قال: ألست ترى فرقا بين الآيتين اللتين ذكرتهما؟

    قلت: أي فرق تراه أنت.. أنا لا أرى إلا أن الأولى ذكرت أن مريم أخت لهارون، وأما الثانية، فذكرت أن عمران أب لها.

    قال: أما الثانية، فنعم.. وأما الأولى فلم تذكره تقريرا، وإنما ذكرته في معرض عتاب الإسرائيليين لمريم، وهم يوبخونها.

    قلت: وما الفرق بين هذين؟

    قال: الفرق بينهما عظيم.. لأننا قد ننسب من نتهمه للفسقة، كما ننسب من نظن فيه الصلاح إلى الصديقين والقديسين.

    قلت: أهذا ما يريد النص؟

    قال: هذا ما علل به بعضهم النص، وهو تعليل قوي، وقد ذكروا ـ من باب التخمين ـ أن هارون المشار إليه كان رجلاً فاسقًا، اشتهر بفسقه، فنسبها قومها إليه، إعلانًا عن إدانتهم لها.

    وخالفهم آخرون فذكروا أن هارون كان رجلاً صالحًا، مشهورًا بالصلاح والعفة.. فنسبها قومها إليه سخرية منها، وتهكمًا عليها، وتعريضًا بما فعلت، واستهزاء بدعواها الصلاح والتقوى والتبتل فى العبادة بينما هى ـ فى زعمهم ـ قد حملت سفاحًا..

    قلت: كل هذه تعليلات تخمينية لا تنهض لنصرة القرآن.

    قال: فلم يبق إلا أن تكون مريم أختا حقيقية لهارون.

    قلت: وبذلك يقع القرآن في هذا الخطأ العظيم، فهارون سبق مريم قرونا طوالا.

    قال: أليس في الدنيا من له اسم هارون غير أخي موسى؟

    قلت: لا.. لا زال الناس إلى الآن يتسمون باسمه.

    قال: فقد يكون ما ذكره القرآن على سبيل الحقيقة.. لا على سبيل المجاز.

    قلت: ماذا تقصد؟

    قال: أن يكون لمريم أخ اسمه هارون.

    قلت: ولكن الكتاب المقدس لم يذكر ذلك.

    قال: أنت تعلم أن الكتاب المقدس لم يحط بكل المعلومات التاريخية، بالإضافة إلى أن القرآن يضيف كثيرا لما ورد في قصصه، ويصحح منه ما لا يراه..

    ثم كيف نعتبر الكتاب المقدس هو الحكم، وقد رأيتنا أخطاءه الكثيرة، وتناقضاته اللامحدودة، أفلا يمكن أن يكون هذا من نقصه وتقصيره؟

    صمت قليلا، ثم قال: لقد تذكرت..

    ذهب إلى الخزانة، وأخرج كتابا، وقال: لقد أجاب محمد عن هذه الشبهة، وأرى أن ما في إجابته كاف عن كل ما قيل.. اسمع..

    راح يقرأ: روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله r إلى أهل نجران - وكانوا نصارى - فقالوا: أرأيت ما تقرؤون: يا أخت هارون؟ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ يعترضون على المغيرة.. قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله r فقال النبي r:( ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم؟)

    قلت: لدي شبهة أخرى لعلها أقوى مما سبقها.

    قال: ما هي؟

    قلت: لقد سمى القرآن أبا إبراهيم باسم آزر، كما في سورة الأنعام:) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الأنعام:74)مع أن اسمه الحقيقي هو تارح كما ينص الكتاب المقدس.

    ابتسم، وقال: أنت تعتبر الكتاب المقدس مصدرا موثوقا في هذا.. أنا موثق.. وقد رأيت الأخطاء الكثيرة في هذا الباب.. وهي مما تجعلني لا أجزم بما ورد في هذا.

    قلت: ولكن المفسرين ذكروا أقوالا أخرى في اسم والد إبراهيم.

    قال: لقد ذكروا ذلك ليوفقوا بين رواية التوراة ورواية القرآن، بافتراض صحة ما ورد في التوراة، مع أنه لا يصح التعويل على التوراة في ذلك.

    زيادة على ذلك، فقد ذكر المؤرخ يوسيفوس أن اسم والد إبراهيم هو ( آثر )، وهو قريب جدا من آزر، وبعيد جدا من تارح.

    قلت: لدي شبهة أخرى لست أدري مدى صحتها.

    قال بنوع من التثاقل: ما هي.. أرجو أن لا تكون مثل أخواتها.

    قلت: لقد ذكر القرآن أن السامري هو الذي أضل بني إسرائيل، فقد جاء في الآية:) قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ((طه:85) مع أن السامريين لم يجيئوا إلا بعد سبي بابل كما في سفر (1 ملوك 16: 24)

    بالإضافة إلى ذلك، فإن مدينة السامرة المنسوب إليها السامري لم تكن موجودة آنذاك، بل هي بعد موسى بمئات السنين.

    قال: وهل ذكر القرآن أن السامري من مدينة السامرة؟

    قلت: لا.. ولكن النسبة إليها تكفي.

    قال: ومن قال بأن ما ذكره القرآن نسبة وليست اسما؟

    سكت، فقال: هل لديك إثبات بأن هذا الاسم لم يعرف إلا بعد بناء السامرة؟

    قلت: ليس لدي هذا الإثبات.

    قال: وأنا لدي إثبات بأن هذا الاسم عرف قبل بناء المدينة، فقد اشترى عمري أحد ملوك بني إسرائيل مكان هذه المدينة بوزنتين من الفضة من شخص اسمه سامر، ولم يكن اسمها معروفا، وقد سماها الملك: السامرة، باسم من اشتراها منه، ثم جعلها عاصمة مملكة إسرائيل.

    قلت: ولكن الرجل اسمه سامر، وليس السامري؟

    قال: أنت تعلم أن نقل الأسماء من لغة إلى لغة أخرى لا يسلم من مثل هذا التصرف، ثم ما أدرانا بصدق ما تقول التوارة.. أنت تعرف غرائبها، فإن أردت أن ترد على القرآن، فاذكر مصدرا آخر أكثر تحقيقا.

    بالإضافة إلى هذا.. أنت تعلم ما يقول الكتاب المقدس، فلا تنظر القذى في عين أخيك، وتنسى الجذع في عينك.

    قلت: لدي شبهة أخرى.. فالقرآن يذكر عن طالوت أنه ابتلى جنوده بعدم الشرب من النهر، كما في قوله:) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) (البقرة:249)

    بينما يذكر الكتاب المقدس أن هذا ليس من فعل طالوت الذي هو شاول، وإنما هو من فعل جدعون كما في (القضاة 7: 5 - 7)( فنزل بالشعب الى الماء.وقال الرب لجدعون كل من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب فأوقفه وحده.وكذا كل من جثا على ركبتيه للشرب. وكان عدد الذين ولغوا بيدهم الى فمهم ثلاث مئة رجل.واما باقي الشعب جميعا فجثوا على ركبهم لشرب الماء. فقال الرب لجدعون بالثلاث مئة الرجل الذين ولغوا اخلصكم وادفع المديانيين ليدك.واما سائر الشعب فليذهبوا كل واحد الى مكانه )

    قال: أنت تعلم أن سفر القضاة سفر تاريخى، ومثله سفر صموئيل الأول الذى أورد قصة طالوت وداود.. فأى مانع من خطأ المؤرخ فى نقل جزء من قصة إلى قصة أخرى مشابهة لها.

    قلت: ولكنه الكتاب المقدس.. وليس كتاب تاريخ.

    قال: لقد علمت كثرة الأخطاء الواردة في هذا.. ولا يمكن أن تحكم بكتاب يحوي كل تلك الأخطاء على كتاب آخر إلا إذا حكمت بشهادات المجرمين لتثبت اتهام العدول.

    قلت: لدي شبهة أخرى حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى عصر نمرود، فحسب قول القرآن والمفسرين فإن نمرودا ألقى إبراهيم فى النار، وليس من المعقول أن يكون نمرود حيًّا فى زمن إبراهيم، كما في الكتاب المقدس.

    قال: لنكتفي بالقرآن.. ولنترك أقوال المفسرين.. فأقوال المفسرين ليست قرآنا.. هل ذكر القرآن أن اسم الملك الذي حاجه إبراهيم كان هو النمروذ؟

    قلت: لا.. ليس في القرآن هذا الاسم.

    قال: فكيف تحكم على القرآن من خلال من حاول أن يفهمه على ضوء مصادرنا، بالإضافة إلى ذلك، فإن القرآن لم يذكر أن النمروذ[11] هو الذي حاول إحراق إبراهيم.

    لقد ذكر القرآن قصتين منفصلتين، أما الأولى، فترتبط بإبراهيم مع قومه من عبدة الأصنام، كما في هذه الآيات التي تنص على موقف قوم إبراهيم منه بعد أن حطم الأصنام التى كانوا يعبدونها:) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)(الأنبياء)

    أما الثانية، فهي محاجّة إبراهيم للملك، كما في قوله:) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258)

    قلت: لدي شبهة أخرى حول ما يذكره القرآن عن الإسكندر ذى القرنين.. لقد مدح القرآن الإسكندر الأكبر الذي هو ذو القرنين باعتباره عبدا صالحا يؤمن بالله مع أن جميع مؤرخى الإغريق يجمعون على أنه كان من عبدة الأوثان.. فكيف يجاب عن هذا؟

    ابتسم، وقال: ما أهون قومنا.. لما عز عليهم أن يجدوا أخطاء في القرآن ذهبوا إلى الفهوم البشرية يضربون بها القرآن.

    قلت: ما تقول؟

    قال: هل ترى في القرآن اسم الإسكندر؟

    قلت: لا.. ولكنه سماه ذا القرنين.

    قال: ومن ذكر لك أن ذا القرنين هو الإسكندر؟

    قلت: لقد ذكر المفسرون ذلك.. فقد روي عن وهب بن مُنبِّه (34ـ114هـ 654ـ732م) وهو من سلف المفسرين هذا القول؟

    قال: هل تعرف من هو وهب من منبه؟

    قلت: هو من مفسري السلف الأول من المسلمين.

    قال: بل هو من اليهود الذين أسلموا، ثم راحوا يفسرون القرآن على حسب ما درسوه في الكتاب المقدس، أو في الأساطير التي كانت تنتشر بينهم.

    لقد كان خطر هؤلاء على القرآن لا يقل عن خطر من حاول أن يحرف ديانة موسى.

    قال هذا، ثم نهض من مكانه، وقال: لو ظللت معي شهرا كاملا تورد ما تشاء من الشبه، فلن تجد شبهة واحدة تصلح لتخطئة القرآن.

    قال ذلك، ثم توجه للنسخ التي أمامه من الكتاب المقدس يخاطبها كما يخاطب البشر، ويعاتبها كما يعاتب الأب أبناءه، ويضرب لها المثل بالقرآن، كما يضرب الأب لأبنائه المثل بالناجحين من الناس.

    ***

    حملت ملفاتي معي، وخرجت لأتركه على تلك الحال.. لم أملك أن أقدم له أي شيء، ولا أن أظهر له أي عزاء.. لقد كان صادقا في إخلاصه للكتاب المقدس.. لكن المسكين لم يجد في الكتاب المقدس ما يحفظ له ذلك الإخلاص..

    ما سرت قليلا حتى رأيت الناس يحثون الخطا إلى الجهة التي جئت منها.. التفت خلفي، فوجدت النيران تندلع من مكتبه.. أسرعت مع الجموع لأرى ما حصل..

    رأيت جمعا كثيرا من الناس يحاولون إطفاء النار بكل السبل.. ورأيت من جملتهم بعض الشباب من المسلمين بقتحمون النيران بشجاعة وتضحية، ثم يخرجون به، وقد أصابته النيران، ولكن الإصابات لم تكن بالغة، فقد كان يفتح عينيه، ويعلم ما يدور حوله.

    اقتربت منه محاولا أن أقدم له أي شيء.. فلم يكن أحد من الناس يعلم ما حصل له غيري.

    ما اقتربت منه حتى سمعت صوت قارئ يجود القرآن بصوت رخيم، وهو يقرأ قوله ':) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً((النساء:82)

    ما سمعها صاحبي الموثق حتى صاح: بلى.. يا ربي.. لقد تدبرت القرآن.. فلم أجد فيه أي اختلاف.. آمنت بك يا رب.. وآمنت بكتابك.. وآمنت بكلماتك المقدسة التي شرفتنا بها.. وأعتذر إليك يا ربي من ذلك الكتاب الذي ملأني جنونا.. لقد حرفه الكذبة الذين حملوا أقلام الكتبة.. فاغفر لي يا ربي.. فها أنا ذا عائد إليك.. مسلم لك.

    كان الجمع الذي أنقذه يعلم أنه مسيحي، فلذلك لما سمعوا منه هذا الكلام راحوا يكبرون، ولكن أحدا من الناس لم يكن يعلم سر قوله هذا غيري..

    سرت بحيرة جديدة.. وأنا أغبط هذا الرجل الذي خلصته النيران من توأمه الذي يحول بينه وبين شمس محمد.. وقد كان معي بصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

    مددت يدي إلى محفظتي لأستخرج بعض ما أحتاجه منها، فامتدت يدي إلى الورقة التي سلمها لي صاحبك، فعدت أقرأ فيها..

    لقد أيقنت حينها أن هذا السور الرابع من أسوار الكلمات المقدسة لم يتحقق به أي كتاب في الدنيا غير القرآن الكريم.






    ([1]) لقد اعترف قامو س الكتاب المقدس نفسه بالوقوع في هذا الخطأ فلقد جاء في قاموس الكتاب تحت ترجمة إسم ( يهوياكين ) هكذا نصاً: يَهُوياكين: اسم عبري معناه (يهوه يثبت)، وهو ابن يهوياقيم ملك يهوذا وخليفته. تبوأ العرش سنة 597 ق.م. وكان، كما جاء في (2 مل 24: 8) ابن 18 سنة، وابن 8 سنين كما جاء في أخبار الثانى 36عدد 9. ولكن الأرجح أن رواية سفر الملوك الثاني في الرواية الصحيحة.

    ([2])انظر: شبهة ادعاء وجود أخطاء حسابية في القرآن الكريم، الأستاذ عبد الرحيم الشريف، موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([3])انظر توثيق هذه المعلومات على الرابط التالي:

    http://www.cps.ca/francais/enonces/FN/fn94-01.htm

    ([4])على الرابط التالي حوار مع امرأة ولدت بعد حمل دام أربعة وعشرين أسبوعاً (أي ستة أشهر):

    http://www.tresors.ca/halte-enfant-premature.htm

    والرابط التالي يبين تصويراً بالفيديو لمولود عمره ستة أشهر:

    http://www.chez.com/premature/

    ([5]) خصصنا لهذا الموضوع رسالة خاصة، وهي الرسالة التالية لهذه الرسالة، والتي عنوانها (معجزات علمية)

    ([6]) انظر: رسالة (معجزات علمية) وهي الرسالة التالية لهذه الرسالة، وفيها إجابة أخرى نرى أنها أرجح من هذه الإجابة، وهي أن أيام الخلق الستة التي ذكرتها الكتب المقدسة تمثل المدة الزمنية التي تطلبها خلق الكون منذ الانفجار الكوني العظيم الذي ملأ الفضاء بالدخان إلى أن يفنى الله هذا الكون ويعيده من حيث بدأ مصداقا لقوله ':) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)، وقوله ':)يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء:104)

    وقد تفرد القرآن الكريم خلافا للكتاب المقدس بأنه قسم فترة الستة أيام التي خلق الله بها السماوات والأرض إلى فترتين: هما فترة خلق الأرض الأولية وكذلك السماوات والتي استغرقت يومين من هذه الأيام الستة، وفترة تقدير الأقوات في هذه الأرض، والتي استغرقت الأيام الأربعة المتبقية.

    ففترة خلق الأرض الأولية تمثل المدة الزمنية التي مرت على الأرض منذ أن كانت في حالة الدخان إلى أن أخذت موقعها في مدار ثابت حول الشمس على شكل كرة ملساء ملتهبة ذات سطح شبه سائل.

    أما فترة تقدير الأقوات فهي الأيام الأربعة المتبقية من أيام الخلق وقد حدد الله علامة بارزة لبداية هذه الأيام الأربعة التي أكمل الله فيها تجهيز الأرض وهذه العلامة هي تكون الجبال فوق سطح الأرض.

    ومن الطبيعي أن تكون الجبال أول ما ظهر على سطح الأرض وبالتالي أول أحداث تهيئة الأرض فالأرض كانت قبل ذلك كرة ملساء وسطحها حار جدا وشبه سائل وكانت تغلي وتفور بسبب الحرارة الشديدة التي في باطنها كما سيكون مصيرها عند قيام الساعة لقوله ':) )وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (طـه:105-107)

    وكلمة الأقوات في الآية تعني كل ما يلزم من شروط ظهور الحياة على سطح الأرض، فالقوت للكائن الحي هو ما يلزمه من طعام يبقيه على قيد الحياة.

    وفي هذه الأيام الأربعة التي قدّر الله فيها أقوات الأرض تكونت الجبال والقارات والمحيطات والبحيرات والأنهار وتشكل الغلاف الجوي الذي بدأ بحماية الأرض من بقايا الشهب التي كانت ترشق الأرض من الفضاء الخارجي وامتلأ كذلك بمختلف أنواع الغازات التي ستلزم لحياة الكائنات الحية.

    وبعد أن وفر الله كل أسباب الحياة على هذه الأرض بدأت الحياة الأولية بالظهور عليها، ومن ثم خلق الله النباتات والحيوانات ومن ثم خلق الله الإنسان في آخر ساعة من ساعات اليوم السادس من أيام الخلق كما جاء ذلك في الأحاديث النبوية.

    وقد تمكن العلماء في مختلف التخصصات من رسم صورة واضحة وتفصيلية لجميع الأحداث التي مرت على الأرض منذ أن كانت كرة ملتهبة إلى أن أصبحت على هذا الشكل البديع التي هي عليه الآن.

    انظر التفاصيل المرتبطة بهذا في كتاب: بداية الخلق في القرآن الكريم، د. منصور العبادي، دار الفلاح للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، طبعة 2006م.

    ([7])القرطبى، الجامع لأحكام القرآن،11 / 49.

    ([8]) رمسيس الثاني،فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين، ص 55.

    ([9])رمسيس الثاني،فرعون المجد والانتصار، ص 73.

    ([10])رمسيس الثاني،فرعون المجد والانتصار، ص 199.

    ([11])فى دائرة المعارف الإسلامية التى كتبها المستشرقون ـ وقد حرر مادة (إبراهيم) فيها ج. إيزبرغ ـ يأتى ذكر الملك نمروذ فى قصة إبراهيم دون اعتراض.. وفى أثنائها إشارات إلى مصادر عبرية أشارت إلى النمروذ ـ منها (دلالة الحائرين) لموسى بن ميمون ـ الفصل 29 .. ومنها سفر هياشار فصل نوح..

    وتأتى الإشارة إلى (نمرود) الملك فى سفر التكوين ـ بالعهد القديم ـ الإصحاح 10: 8ـ11 باعتباره (الذى ابتدأ يكون جبارًا فى الأرض )

    وبه كان يُضرب المثل فى التجبر.. « وكان ابتداء مملكته بابل وأرك وأكدّ وكلنة من أرض شنغار. من تلك الأرض خرج أشور وبنى نينوى.. »

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 14:25