..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Empty كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:37

    ثانيا ـ الربانية

    في اليوم الثاني.. أرسلني أخي إلى مترجم خبير باللغات الأصلية التي كتب بها الكتاب المقدس، بالإضافة إلى ما وهبه الله من مقدرة بلاغية تتيح له تقريب البعيد، وتحسين الذميم، وتقديس المدنس.

    وكان لأخي مشروع كبير في إعادة ترجمة الكتاب المقدس بالإضافة إلى كتبنا الدينية إلى لغة أدبية رفيعة يفهمها العرب، ويتذوقونها.. فالعرب ـ كما عرف أخي، أو كما أوحي له ـ أمة لا تستفزها المعاني، بل تستفزها الألفاظ، ولا تسحرها الحقيقة، بل يسحرها البيان.

    ولذلك كان يتصور أن القرآن ما اصطاد قلوب العرب إلا بجمال بيانه، وتناسق ألفاظه، وصورة نظمه.

    وقد أوحي إلي كما أوحي إليه أن أزين لهذا المترجم أن يضع الكتاب المقدس في حلة تشبه حلة القرآن أو تدانيه، ليجذب جمال أسلوبه ما عجز أن يفعله بمعانيه.

    ذهبت إلى هذا المترجم الذي كان يسكن في ضاحية المدينة، وفي ربوة منفردة عن الناس، وقد احتل مسكنه موقعا ممتازا لم أر مثله.. فهو يطل على المدينة جميعا، وفي نفس الوقت ينعزل عنها جميعا.

    اقتربت من البيت الذي كانت تحيط به حديقة في غاية الجمال والتناسق، فاستقبلني حجاب بيته بالترحيب والتفتيش.. كانت الابتسامة تشرق من وجوههم، ومع ذلك كانوا يفتشوني كما تفتش الشرطة المجرمين.

    بعد أن مررت عليهم.. طلبت من أحدهم أن يخبر هذا المترجم بوجودي، فقد عقد أخي لي ميعادا معه.

    أوصلني إلى دار الضيافة، وهناك بقيت أنتظر صاحبي كما تنتظر الرعية وزراءها..

    بعد فترة لم تكن وجيزة جاءني صاحبي، فقلت مازحا: أهلا بالملك المتربع على عرشه.

    ابتسم، وقال: ليس هناك ملك غيره.. كلنا وكلهم عبيد.

    قلت: لقد جعلت من قصرك هذا قصرا ملكيا.

    قال: حتى لا يحتقرني الملوك الذي استعبدوا الرعايا، أو استعبدتهم الرعايا.

    لم أفهم ما كان يقصد، بل دخلت معه مباشرة في الموضوع، فقلت: جئتك لأجل أمر مهم أرجو أن لا تردني خائبا.

    قال: وأرجو أن لا ترد نفسك خائبا.

    قلت: كيف أرد نفسي خائبا؟

    قال: إذا طلبت ما لا يمكن ترد نفسك خائبا.

    قلت: لا.. بل هو ممكن سهل.. هو يصب في صميم اختصاصك.. ألست مترجما أديبا تنجذب الكلمات إلى قلمه ولسانه كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس؟

    قال: هم يقولون ذلك.. ولا يدرون المعاناة التي تعانيها روحي، وهي تبحث في قاموس عقلي عن الكلمات.

    قلت: أتعلم خير ما يمكن أن توظف فيه تلك المعاناة؟

    قال: أنبئني.. فلا خير في جهد يذهب إلى خير، ويترك ما فوقه.. أنا صاحب همة عالية لا أحب السفاسف، ولا أحب لكلماتي أن تقع على السفاسف.

    قلت: ولذلك جئتك.. لقد تركت مترجمي الروايات وجئتك أنت لاحترامك للكلمات.

    قال: لقد صدقت في بحثك، فأوصلك الذي يوصل الصادقين.

    قلت: أنت تعرف أني رجل دين.. وأني زائر ببلدكم.. ولا شك أنك تعلم بالمشروع الذي يزمع أخي على تنفيذه.. ولم يجد ـ بعد تقليب النظر ـ غيرك يصلح له.

    وهو يضع بين يديك ما تشاء من أموال، وما تشاء من مراجع، لتخرج لنا نسخة عربية من الكتاب المقدس لا تقل جمالا عن القرآن الذي انصرف المسلمون بجماله عن حقيقته.

    1 ـ مصادر القرآن الكريم

    قال: هل تعرف حقيقة القرآن؟

    لم أجد ما أقول، فقد فاجأني بهذا السؤال، قلت: أنا أقول فيه ما تقول أنت، وما يقول فيه كل مسيحي صادق مخلص..

    قال: وما يقول المسيحي الصادق المخلص؟

    قلت: هو نسخة مشوهة من الكتاب المقدس.. استغل فيه محمد ما أوتي من بيان.. ليؤسس دينا من مصادر لا يملكها.

    قال: اسمح لي قبل أن أجيبك إلى ما سألتني أن أزيح عنك هذه الشبهة، فلا يمكنني أن أرى الحقائق تشوه دون أن أذب عنها.. إن الكلمات التي لا تغير على الحقائق كلمات منافقة لا صادقة.

    لم أكن أتصور أن يتحدث معي هذا المترجم بهذا الأسلوب، ولكني مع ذلك شعرت بسرور لا أدري سببه.. لقد كانت الأحاديث عن محمد ودين محمد وقرآن محمد تملأ صدري انشراحا.

    قلت ـ بابتسامة تملأ أسارير وجهي ـ: قل ما تشاء.. كلي آذان صاغية، فما أحلى الحقيقة المقدسة من الشبهات.

    قال: أنت ترمي القرآن بأنه نسخة مشوهة من الكتاب المقدس.

    قلت: هكذا يقول كل مسيحي صادق مخلص.

    قال: قد يقول هذا كل مسيحي مخلص.. يعميه إخلاصه عن الحقائق، فلا يرى إلا ما يحب أن يراه.. ولكن هذا لن يقوله أبدا أي مسيحي صادق.. فالصدق يقتضي البحث الموضوعي المجرد، وهو ما قد يرضي الإخلاص، وما قد يسخطه.

    قلت: تعني الاستسلام لأحكام العقل.

    قال: الاستسلام لأحكام الحق.. فالحق هو الذي يحررنا من الشهوات والشبهات.

    قلت: فأنت لا تقول إذن بما أقول.

    قال: ما كان لي أن أقول إلا ما هداني إليه الحق.

    حقائق القرآن

    سكت قليلا، ثم قال: أتعرف من أين جاء محمد بهذه الآية:) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ((قّ:38)

    بادرت إلى الإجابة من غير تحقيق: مما ورد في الكتاب المقدس.. فقد جاء فيه:(لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس ) (خروج31: 17).

    قال: هل ترى النصان متفقان؟

    قلت: أجل.. فكلا النصين ينص على أن خلق السموات والأرض تم في ستة أيام.

    قال: وهل تريد من القرآن أن يذكر عشرة أيام أو عشرين يوما حتى يتجنب رميه بالاستمداد من الكتاب المقدس!؟

    قلت: أجل.. فاتفاقه مع الكتاب المقدس دليل على استمداده منه.

    قال: أرأيت لو أن كاتبا ذكر أن الأرض كروية.. فهل نزعم أنه كتاب مسروق، لأن هناك من سبقه إلى ذكر كروية الأرض!؟

    قلت: لا.. فكروية الأرض حقيقة لا شك فيها.

    قال: وقد اعتبر القرآن خلق السموات والأرض في ستة أيام حقيقة لا شك فيها.. بل اعتبرها من الحق الذي ورد في الكتاب المقدس.. فلذلك اتفق معه فيها.

    أم أنك تريد أن يبرز القرآن ذاتيته، ولو بالمخالفة التي تدل بحد ذاتها على أنها تهدف إلى إبراز الذات، لا إلى إبراز الحقيقة؟

    صمت، فقال: تأمل النصين جيدا.. هل تراهما متوافقان؟

    قلت ـ من غير نظر ـ: لا شك في ذلك.

    قال: أنت حجب بلفظ الستة عن جميع الآية القرآنية.. سأقرأ عليك الآية من جديد.. وأرجو أن تنسى كلمة (الستة)

    أعاد قراءة الآية، وقال: هل اكتشفت الفرق؟

    قلت: أجل.. لقد ذكر القرآن أن الله خلق السموات والأرض من دون أن يمسه أي تعب، بينما ذكر الكتاب المقدس أن الله استراح وتنفس في اليوم السابع.

    قال: فأيهما يتوافق مع العقل؟.. هل هو الطرح القرآني، أم الطرح التوراتي؟

    لم أدر بما أجيبه، فقال: أنت.. وكل مسيحي صادق.. يعلم أن الله أعلى وأعظم من أن يصيبه التعب، وأنه أعلى وأعظم من أن يحتاج إلى الراحة.. الله هو القدوس الذي لا تصيبه الأعراض التي تصيبنا[1].

    قلت: أجل.. وفي الكتاب المقدس ما يدل على هذا.

    قال: فالقرآن إذن لم يستمد من الكتاب المقدس هذه المسألة.. بل ذكر هذه المسألة ليصحح بها خطأ الكتاب المقدس.

    قلت: كيف عرفت أنه لم يستمد؟

    قال: سأضرب لك مثالا.. لو وقفت أمام خبير في الفلك، وذكرت حقيقة فلكية تعرفها، فوافقك في بعضها، وصحح لك الآخر.. هل ترى أنه استمد منك الحقيقة الأولى؟

    قلت: لا.. هو خبير.. فكيف يستمد مني.. بل إن في تصحيحه لخطئي دليل على أن تلك الحقيقة كانت بديهية عنده، وأنه يعرفها على حقيقتها، بخلاف معرفتي السطحية.

    قال: فهكذا النصوص التي يظهر من القرآن أنها تتفق مع الكتاب المقدس.

    قلت: أهي لا تتفق؟

    قال: هي تتفق.. ولا تتفق..

    قلت: لم أفهم.

    قال: لقد رأى القرآن أن الكتاب المقدس هو كتاب أمة عظيمة من الناس، وبما أنه كتاب هداية للناس جميعا، فقد رأى أن يذكر ما في هذا الكتاب من الصواب والخطأ، والحق والضلال.

    قلت: فلم لم يأت بالجديد المجرد؟

    قال: هو أتى بالجديد المجرد.. وأتى بالإصلاح.. ألست ترى أن كل الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى لم ينقضوا الناموس؟.. وأنهم جميعا اكتفوا برسالة موسى.

    قلت: أجل.. حتى المسيح روي عنه ذلك.

    قال: فلماذا تتهمون محمدا أنه لص على الكتاب المقدس.. ولا تتهمون جميع الأنبياء.

    قلت: هو لم يكن إسرائيليا.

    قال: وهل الله عنصري لهذه الدرجة بحيث لا يختار إلا إسرائيليا؟

    صمت، فقال: لقد ورد في القرآن تصحيح أوهام المشركين كما ورد تصحيحه لأوهام أهل الكتاب كما ورد تصحيحه للأوهام الكثيرة التي تعشش في عقول البشرية.

    نعم أنت لا يعنيك إلا دينك.. سأذكر لك أمثلة من الكتاب المقدس ومن القرآن، لترى كيف صحح القرآن الأوهام..

    لا شك أنك تعرف هذه الآية:) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ((الانبياء:30)

    قلت: أجل.. وهي مستمدة مما ورد في أول الكتاب المقدس:( في البدء خلق الله السموات والارض. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور انه حسن.وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا.وكان مساء وكان صباح يوما واحدا  وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه) (تكوين:1/1-8)

    قال: ألا ترى أن هناك فرقا عظيما بين التعبيرين.. القرآن يعبر عن الحقائق بشكل قوانين شاملة لا يمكن أن تخترق.. هو يذكر أن السموات والأرض كانت مجتمعة، ثم تفرقت، وهو نفس ما يقول العلم[2].. وهو يذكر أن الماء هو مادة أساسية للحياة في جميع الأشياء.. وهو نفس ما يقول العلم..

    بينما التوراة قد تضم نفس الحقائق.. ولكنها تعبر عنها بطريقة خرافية.. هي أقرب إلى تعبير العجائز منها إلى تعبير الله.

    سكت قليلا، ثم قال: ألا تلاحظ فرقا أساسيا.. قد لا تشعر به، وقد لا يشعر به كثير من الناس؟

    قلت: ما هو؟

    قال: في التوراة نجد حديث غائب.. فهي تقول:( ورأى الله النور انه حسن.وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا ).. بينما يقول القرآن:) فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا (

    ألا تعلم أنه لا يمكن لبشر أن ينسب لنفسه مثل هذا الكلام.. إنه كلام عظيم تنهد له الجبال.. ولكن القرآن يمتلئ به.. اسمع فقط بعض ما ورد من مادة (خلق) منسوبا إلى الله بنون التعظيم:

    ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ((الحجر:26)

    )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ((الحجر:85)

    ) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً((الاسراء:70)

    )  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ((الانبياء:16)

    ) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ((المؤمنون:14)

    ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ((المؤمنون:17)

    ) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً((الفرقان:49)

    ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ((يّـس:71)

    ) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ( (الصافات:11)

    ) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ((الصافات:150)

    ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ((صّ:27)

    ) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ((الاحقاف:3)

    ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ((قّ:16)

    )وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ((الذريات:49)

    ) إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً((الانسان:2)

    ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ((البلد:4)

    ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ((التين:4)

    سكت قليلا، ثم قال: هذه مجرد أمثلة عن كلمة واحدة.. لا يمكن لبشر أن ينسب لنفسه هذه القدرات.. أتتصور أن محمدا يمكن أن يقول:) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ((الذريات:47)، أو أن يقول:) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً((النبأ:12)

    في نفس الوقت الذي يدعوه القرآن إلى غاية التواضع والمذلة لله، ) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ((الانبياء:109).. ) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ((الاحقاف:9).. ) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً((الجـن:25).. ) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً((الكهف:110)

    سكت قليلا، ثم قال: لنترك هذا المثال، ولنأت بمثال آخر يصحح فيه القرآن ما ورد في كتبنا.

    لقد ورد في كتابنا:( وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا)  (تكوين1:26).. فهل وافق القرآن التوراة على هذا؟

    قلت: لا.. لقد ورد في القرآن ما يدل على مخالفة الله لخلقه، وأنه لا يشبهه شيء.

    قال: أجل.. لقد ورد فيه:) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ((الشورى: 11).. وفيه:) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ((الإخلاص: 4)

    سكت قليلا، ثم قال: لقد ورد في كتبنا:( استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟)(مزامير 44: 23).. وورد فيه:( فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر)  (مزمور78:65).. فهل في القرآن ما يوافق هذا؟

    قلت: لا.. لقد نص القرآن على خلاف هذا.. فقد ورد فيه:) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ( (البقرة:255)

    قال: لقد ورد في كتبنا:( يا رب حتى متى أدعو وأنت لا تسمع؟)(حبقوق 1: 2)، فهل في القرآن ما يوافق هذا؟

    قلت: لا.. لقد ورد فيه الإخبار عن سماع الله المطلق.. لقد ورد فيه:) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ((البقرة:127)، وفيه:) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ((آل عمران:35)، وفيه:) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ((آل عمران:38)، وفيه:) لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً((النساء:148)، وفيه:) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى((طـه:7)، وفيه:) قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ((المجادلة:1)، وفيه:) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ((آل عمران:181)

    قال: لقد ورد في كتبنا:( يا رب الجنود الى متى أنت لا ترحم أورشليم (زكريا1:12)، وفيها:( هل إلى الدهور يرفض الرب ولا يعود للرضا بعد؟ هل انتهت الى الأبد رحمته؟ هل نسي الله رأفة أو نقص برجزه مراحمه)(مزمور 77: 7)، وفيها:( بادت ثقتي ورجائي من الرب ) (مراثي 3: 18).. فهل في القرآن ما يتفق مع هذا؟

    قلت: لا.. القرآن يمتلئ بذكر رحمة الله بعباده.. بل إن أول سورة منه تبدأ بالرحمة الإلهية.. ) بسم الله الرحمن الرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)((الفاتحة)

    قال: القرآن كله حديث عن الرحمة الإلهية.. لقد قارنت بين القرآن والكتاب المقدس في هذا.. فلم أجد في جميع كتبنا نصوصا كهذه النصوص..:) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ((الزمر: 53).. ) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ((البقرة:163).. ) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ((الأنعام: من الآية12).. ) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ((الأنعام:54).. ) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ((الأنعام:133).. ) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ((الأنعام:147).. ) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ((لأعراف:56)

    ابحث في جميع كتبنا.. بل في جميع كتب الدنيا، فلن تجد آية كهذه الآية:) وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ((لأعراف: من الآية156)

    سكت قليلا، ثم قال: في كتبنا المقدسة هذا النص:( افتح عينيك يا رب، وانظر (2ملوك19: 16).. فهل في القرآن ما يتفق معه؟

    قلت: لا.. القرآن يخبر عن بصر الله المطلق.. ففيه:) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ((الحجرات: 18)، وفيه:) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ((هود:1121)

    قال: بل أخبر القرآن أن من لا يبصر لا يستحق أن يكون إلها.. اسمع إليه:) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ((الرعد:16)

    قلت: أجل.. هناك نصوص كثيرة تدل على ذلك.

    قال: لقد ورد في كتبنا المقدسة:( قال الرب: وأنكث ميثاقي معهم )(لاويين26: 44)، وفيها:( قلتَ يا رب:( لا أنقض عهدي ) لكنك رفضت ورذلتَ، غضبتَ على مسيحك، نقضتَ عهد عبدك، نجستَ تاجه في التراب.. فرّحتَ جميع أعدائه. رددتَ حدّ سيفه ولم تنصره في القتال.. حتى متى يا رب تختبىء كل الاختباء (مزمور89: 19)، وفيها:( لا تنقض عهدك معنا ) (ارميا 14: 8)

    أفي القرآن مثل هذا؟

    قلت: لا.. لقد ورد في القرآن وفاء الله بوعده، وعدم وقوع التبديل على كلماته، ففيه:) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ((البقرة:80)، وفيه:)رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ((آل عمران:9)، وفيه:) حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ((الرعد: من الآية31) )وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ((الحج:47)، وفيه:) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ((الروم:6)، وفيه:) )لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ((يونس:64)

    قال: لقد ورد في كتبنا المقدسة:( مع الطاهر تكون طاهرا، ومع الملتوي تكون ملتوياً ) (2صمو22: 27)، وفيها:( لا تقرض أخاك بربا.. للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرّبّ إلهك في كلّ ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها )(تثنية 23: 19)، وفيها:( هذا هو حكم الإبراء: يبرى كلّ صاحب دَيْن يده ممّا أقرض صاحبه. لا يطالب صاحبه ولا أخاه. لأنّه قد نودي بإبراء للرّبّ. الأجنبي تُطالب)(تثنية 15: 1)، وفيها قول المسيح:( لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِجِرَاءِ الْكِلاَبِ )(متّى 15: 26)

    أفي القرآن مثل هذا؟

    قلت: لا.. لقد ورد في القرآن:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ((النساء: 135)، وفيه:) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ((الحجرات:13)

    قال: في كتبنا المقدسة:( لأنه هكذا أحب الله العالم حتى أعطى ابنه مولوده الوحيد)(يوحنا3: 16)، وفيها:( قال داود: إني أعلن قرار الرب الذي قال لي: أنت إبني. أنا اليوم ولدتُكَ )(مزمور7:2)

    وفيها النصوص الكثيرة مثل هذا.. أفي القرآن مثل هذا؟

    قلت: لا.. لقد تشدد القرآن في مثل هذه الألفاظ.. بل ورد فيه:) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)((البقرة)، وفيه:) بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)((الأنعام)، وفيه:) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ( (يونس:68)، وفيه:) وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ((الإسراء:111)، وفيه:) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5)((الكهف)، وفيه:) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)((مريم)، وفيه:) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93)((مريم)

    قال: أفي الكتاب المقدس مثل هذا:( قالت مريم للملاك: كيف يكون هذا (أحمل بولد) وأنا لست أعرف رجلا؟ فقال لها الملاك: الروح القدس يحلّ عليك. وقوة العلي تظلّك )؟

    قلت: لقد ورد في القرآن قوله بدل ذلك:) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ( (آل عمران: 47)

    قال: لقد ورد في كتبنا المقدسة هذه النصوص:( قال الله لبني اسرائيل: حين تمضون من أرض فرعون: لا تمضوا فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها أمتعة: فضة وذهب وثياباً. وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين )(خروج3: 21)، وفيها:( وفعل بنو اسرائيل بحسب قول موسى: طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا وأعطى الرب نعمة في عيون المصريين فسلبوا المصريين)(خروج12: 35)

    فهل في القرآن مثل هذا؟

    قلت: لا.. لقد ورد في القرآن:) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ((الأعراف: 28)، وفيه:) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ((النحل: 90)، وفيه:) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً((النساء:58)

    قال: لقد ورد في كتبنا المقدسة:( أنا هو الرب.. أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع )(تثنية5: 7)، وفيه:( هيّئوا لبنيه قتلاً بإثم آبائهم )(أشعيا14: 21).. أفي القرآن مثل هذا؟

    قلت: لا.. لقد ورد في القرآن:) قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ((الأنعام: 164)، وفيه:) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً((النساء:123)

    قال: لقد ورد في كتبنا المقدسة:( اعبروا في المدينة وراءه (أي يهوذا) واضربوه: لا تشفق أعينكم ولا تعفوا: الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء: أقتلوا للهلاك.. نجّسوا البيت واملأوا الدّور قتلى.. وأنا أيضاً لا تشفق عيني (حزقيال9: 5)، وفيها:( وكلّم الربُ موسى قائلا: انتَقم نقمة لبني اسرائيل من المديانيين: فتجنّد بنو اسرائيل على مديان كما قال الرب. وقتلوا كل ذكر وسبوا نساء مدين وأطفالهم ونهبوا جميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم. وجميع حصونهم.فخرج موسى وألعازار الكاهن رؤساءَ الجماعة الى خارج المحلة فسخط موسى على وكلاء الجيش. فقال لهم موسى: هل أبقيتم كل أنثى حية. إن هؤلاء كُنّ في بني اسرائيل سبب خيانة للرب. فكان الوباء في جماعة الرب:فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال من النساء اللواتي لم يَعرفنَ مضاجعة ذكر: أبقوهن لكم حيات )(عدد31: 1)

    قلت: لا.. لقد ورد في القرآن:) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ((النحل:126)

    قال: بل ورد في القرآن الأمر بالرحمة بالمقاتلين أنفسهم بأن يكتفى بالإجهاز عليهم، أو جرحهم حتي يتمكن من أسرهم، ففيه:) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ((لأنفال:12)

    وقد ورد في الحديث ما يوضح هذه المعاني القرآنية، فقد أوصى محمد الجيش الذي كان على أهبة الاستعداد لقتال المشركين:( انطلقوا باسم الله وبالله. وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلّوا وضموا غنائمكم. وأصلحوا وأحسنو ان الله يحب المحسنين )

    سكت قليلا، ثم قال: لقد ورد في كتبنا المقدسة:( إذن: نحسب أن الانسان يتبرر بالايمان بدون أعمال الناموس )(رومية3: 28).. فهل ورد مثل هذا في القرآن؟

    قلت: لا.. لقد ورد فيه:) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ((العنكبوت:3)، وفيه:) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ((السجدة: 19)

    سكت، فاغتنمت فرصة سكوته، فقلت: لقد ورد في كتبنا المقدسة هذا النص العظيم:( لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً )(متى5: 38).. فأين هذا في كتابه الذي جاء بالجهاد؟

    قال: لقد جاء في القرآن:) وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ((الشورى: 40).. لقد ذكرت هذه الآية العدل والفضل، حتى لا يعول المجرم على الفضل، فيقدم على إجرامه.

    وفيه الفضل المحض المصحوب بالترغيب العظيم:) وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ((النور: 22)

    قصص القرآن

    قلت: وعيت كل هذا، وأنا أسلمه لك، ولكن لم ذكر القرآن نفس القصص التي وردت في كتبنا.. أليس ذلك سطوا؟.. أليست تلك خيانة؟

    قال: هذا من دلائل صدق القرآن.. بل هو من دلائل صدق كتبنا في تلك القصص.. ولكن هل ترى ما ورد في القرآن من قصص هو نفس ما ورد في كتبنا؟

    قلت: أجل..

    قال: قصة داود مثلا ترى أنها نفس قصة داود عندنا.. أم أن اسم داود فقط هو الذي نتفق عليه؟

    قلت: بل نتفق على الاسم والمسمى.

    قال: لقد ورد في القرآن الثناء الطيب على داود الأواب الشكور المنيب الساجد.. الذي لم تذكر له أي خطيئة.. فهل هو نفس داود الذي عندنا.

    سكت، فقال: أنت تعلم أنه مختلف.. داود الذي في كتابنا وأولاده لا يختلف عن أي منحرف من المنحرفين الذين تعج بهم الشوارع.. بل إن من المنحرفين من كان له من الشهامة، فلم يقع فيما وقع فيه داود[3].

    قلت: فأنت لا ترى القرآن يتفق مع كتبنا المقدسة.

    قال: القرآن يصحح كتبنا المقدسة، ويهذبها، ويقومها، ولهذا اعتبر مهيمنا على سائر الكتب، أي مصلحا لها، وجامعا لما فيها من خير:) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ((المائدة:48)

    سأذكر لك مثالا آخر.. كثيرا ما أرى قومنا يتعلقون به [4].

    قلت: ما هو؟

    قال: قصة يوسف.. وسأكتفي بنقل لقطة من قصة يوسف مع امرأة العزيز، كما هي في كتبنا، وكما هي في القرآن.

    تبدأ هذه اللقطة من بدء مراودة امرأة عزيز مصر ليوسف ليقع معها الفحشاء، وتنتهى بقرار وضع يوسف فى السجن.. اذكر لي هذا المشهد كما ورد في كتبنا.

    رحت أقرأ ما أحفظه من هذه القصة:( وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينها إلى يوسف وقالت: اضطجع معى، فأبى وقال لامرأة سيده: هو ذا سيدى لا يعرف معى ما فى البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدى، ليس هو فى هذا البيت أعظم منى. ولم يمسك عنى شيئا غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله، وكانت إذ كلمت يوسف يومًا فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها..

    ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك فى البيت فأمسكته بثوبه قائلة: اضطجع معى فترك ثوبه فى يدها وخرج إلى خارج، وكان لما رأت أنه ترك ثوبه فى يدها، وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا دخل إلىّ ليضطجع معى فصرخت بصوت عظيم، وكان لما سمع أنى رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب وخرج إلى خارج. فَوَضَعَتْ ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل إلىَّ العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى وكان لما رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب إلى خارج فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذى كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بى عبدك أن غضبه حمى..

    فأخذ سيدُه يوسف ووضعه فى بيت السجن المكان الذى كان أسرى الملك محبوسين فيه )( التكوين:39/7-20)

    قال: هكذا نصت التوراة.. ولكن القرآن عرض القصة بصورة مختلفة تماما.. اسمع ما ورد في القرآن من هذا المشهد:) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)((يوسف)

    لاشك أنك ترى مشهدين مختلفين تماما.. مختلفين في ذكر الأحداث، ومختلفين في الدور التربوي الذي تؤديه القصة.

    ففي التوراة نرى المراودة تحدث مرارًا ونُصح يوسف لامرأة سيده كان قبل المرة الأخيرة، أما في القرآن، فنرى المراودة حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها.

    والتوراة تخلو من الإشارة إلى تغليق الأبواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد أن أعلمت بها أهل بيتها، بينما القرآن يشير إلى تغليق الأبواب، وأن يوسف هم بالخروج، فَقَدَّتْ ثوبه من الخلف وحين وصلا إلى الباب فوجئا بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحال.

    وفي النص التوراتي لم يكن يوسف موجوداً حين دخل العزيز، ولم يدافع يوسف عن نفسه لدى العزيز بينما نرى في النص القرآني أن يوسف كان موجوداً حين قدم العزيز، وقد دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة، وقال: هى راودتنى عن نفسى.

    والتوراة تخلو من حديث الشاهد، وتقول إن العزيز حمى غضبه على يوسف بعد سماع المرأة، بينما القرآن يذكر شهادة الشاهد كما يذكر اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لامرأته وتذكيرها بخطئها، وتثبيت يوسف على العفة والطهارة.

    والتوراة تخلو من حديث النسوة اللاتى لُمْنَ امرأة العزيز على مراودتها فتاها عن نفسه، وهى فجوة هائلة فى نص التوراة، بينما يذكر القرآن حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن ينفذ رغبتها.

    فالحادثة من حيث الأصل يتفق عليها القرآن والتوراة، ولكنهما من حيث التفاصيل يختلفان كثيرا، فالقرآن قدم للقصة خدمتين جليلتين، أولاهما أنه أورد جديداً مهما لم تذكره التوراة مع كونه يصب في إبراز عفاف يوسف، وهو حديث النسوة وموقف المرأة منهن، وشهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز.

    بالإضافة إلى ذلك، فإن القرآن خالف التوراة في مشهدين من مشاهد القصة أولهما أن يوسف لم يترك ثوبه لدى المرأة، بل كان لابساً إياه، ولكنه قطع من الخلف، والثاني غياب يوسف حين حضر العزيز، وإسقاطها دفاعه عن نفسه.

    قلت: فخلاف القرآن للتوراة في هذا مع كون التوراة هي المصدر السابق للقرآن يدل على أن الحق مع التوراة لا مع القرآن.. أليس كذلك؟

    قال: ليس بهذه السهولة يمكن الحكم على الأشياء.. دعنا نتصور الحادثة، ثم نحكم عليها انطلاقا من كون يوسف عفيفا.. وهو ما اتفق عليه القرآن والتوراة.

    أيهما ـ في رأيك ـ يبرز عفته أكثر: أن يترك يوسف ثوبه كله لدى المرأة، ويهرب، كما تقول التوراة، أو أنه لم يترك الثوب، بل أمسكته المرأة من الخلف، ولما لم يتوقف يوسف اقتطعت قطعة منه، وبقيت ظاهرة فى ثوبه؟

    أجبني أى الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين: أن يترك ثوبه كله،  أو أن يُخرق ثوبه من الخلف؟!

    صمت، فقال: إذا سلمنا برواية التوراة فيوسف ليس عفيفاً، بل يكون للمرأة الحق فى دعواها ؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه سليماً إلا إذا كان هو الراغب، وهى الآبية.

    قلت: لكن المرأة هي التي خلعت له ثوبه.

    قال: وهذا يدل على استسلامه لها.. وهو ما يصحح رغبته فيها.

    لكن لو قلنا بأنه فر، وأمسكت المرأة بثوبه، لكنه ظل فارا إلى أن تقطع ثوبه، يكون ذلك دليلا على عفافه، وهو نفس ما استدل به الشاهد من أهلها عندما قال:) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ((يوسف:27)، بل هو نفس ما استدل به العزيز عندما صدق الشاهد:) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ((يوسف:28)، وهو لم يصدقه إلا لأن العقل يتوافق مع قوله.


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:31 عدل 3 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:39

    سكت قليلا، ثم قال: هل ترى القرآن في هذه القصة يقتبس من التوراة؟!

    قلت: أصل القصة في التوراة.

    قال: فرق كبير بين الاتفاق في الأصل، وبين الاقتباس..

    المقتبس لا بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها، وقد رأيت أن القرآن يتجاوز كل هذا، فيأتى بجديد لم يذكر فيما سواه، بل يصحح خطأ وقع فيه ما سواه.

    ليس الاختلاف بين القرآن والتوراة، أو بين القرآن وجميع الكتاب المقدس اختلافا في التعبير أو في الحَبْكٍ والصياغة.. إنه اختلاف عميق يشمل الأصول والفروع.. بالإضافة إلى إحكام البناء وعفة الألفاظ وشرف المعانى.

    أيهما في رأيك أعظم أدبا، وأشرف لفظا: قول التوراة:( اضطجع معى )، التي تكررها كل حين، وهي عبارة مبتذلة فاضحة تكاد تجسم معناها تجسيماً، أو عبارة القرآن التي هي ) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ((يوسف: من الآية23)؟

    قلت: ولكن كتب التفسير التي وضعها المسلمون لتفسير القرآن تذكر ما هو أخطر مما ذكرته التوراة.

    قال: دعك منها.. فلم يحرف معاني القرآن الجميلة غيرها[5].

    صمت قليلا، ثم قال: فلننتقل إلى مشهد آخر من المشاهد التي اشترك القرآن مع الكتاب المقدس في ذكرها.

    التفت إلي، وقال: اذكر لي ما ورد في الكتاب المقدس من قصة ابنى آدم.

    رحت أقرأ:( حدث من بعد أيام أن قابين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه، ومن سمانها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قابين. وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قابين جداً وسقط وجهه. فقال الرب لقابين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟. وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها. وكلم قابين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا فى الحقل أن قابين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم أحارس أنا لأخى؟ فقال ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض تعود تعطيك قوتها. تائهاً وهارباً تكون فى الأرض فقال قابين للرب: ذنبى أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتنى اليوم على وجه الأرض، ومن وجهك أختفى وأكون تائهاً وهارباً فى الأرض فيكون كل من وجدنى يقتلنى فقال له الرب: لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه. وجعل الرب لقابين علامة لكى لا يقتله كل من وجده. فخرج قابين من لدن الرب وسكن فى أرض نود شرقى عدن ) (سفر التكوين:4/3-16)

    قال: لقد ذكر القرآن هذا المشهد.. ولكن بطريقة مختلفة.. اسمع:) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)((المائدة)

    سكت قليلا، ثم قال: لقد سمعنا القصة من كلا المصدرين.. فهل تراهما متفقان في كل التفاصيل؟

    قلت: لا.. تعبير القرآن عن القصة يختلف عن تعبير التوراة.

    قال: ليست القضية قضية تعبير فقط.. الألفاظ تحمل المعاني.. لا المعاني هي التي تحمل الألفاظ.

    لقد اتفق المصدران حول نقطتين اثنتين لا ثالث لهما واختلفا في الباقي: اتفقا فى القربان، وفى قتل أحد الأخوين للآخر.

    أما فيما عدا ذلك، فإن ما ورد فى القرآن يختلف تماماً عما ورد فى التوراة، وسأورد لك بعض نواحي الاختلاف لتعرف استحالة اقتباس القرآن من التوراة:

    لقد سمت التوراة أحد الأخوين بقابين، وهو القاتل، والثانى هابيل، وهو المقتول، كما وصفت القربانين وحددت نوعهما.. والقرآن لم يذكر كل هذه التفاصيل.. بل اكتفى بكون الأخوين من ابني آدم.

    والتوراة تروى حواراً بين قابين والرب بعد قتله أخاه، وتعلن غضب الرب على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة، والقرآن لم يذكر هذا الحوار، ولم يذكر أن القاتل طرد من وجهه إلى أرض بعيدة.

    والتوراة تخلو من أى حوار بين الأخوين، بينما يفصل القرآن الحديث الذى دار بين ابنى آدم، ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله وتهديده لأخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلماً.

    والتوراة تخلو من ذكر مصير جثة القتيل، وتخلو من ذكر الغراب الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف فى جثة أخيه.

    والتوراة تنسب الندم إلى قابين القاتل لما هدده الله بحرمانه من خيرات الأرض، ولا تجعله يشعر بشناعة ذنبه، بخلاف القرآن الذي يصرح بندم القاتل بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته.

    تأمل بعد هذا في غرض كلا القصتين، وهو ما ينبغي أن يميز الكتاب المقدس عن غيره:

    التوراة لا تهدف من القصة إلا ذكر جانبها التاريخي، فلذلك تتوغل في التفاصيل التي لا أهمية لها من الناحية السلوكية، فهي تركز على التاريخ.. مجرد التاريخ.

    والأخطر من هذا أن التوراة تحتوي على سوء مخاطبة قابين الرب، فتراها تذكر قوله:( أحارس أنا لأخى )، ففي هذه العبارة فظاظة لا يصح أن تصدر من إنسان نحو أبيه، فكيف تصدر من عبد لربه، ومع ذلك لا يعاقب عليها، بل يعاقب فقط على جريمته، ثم لا يذكر من عقوبته إلا أن يبعد عن الأرض الطيبة، ويحرم من خيراتها، ثم تذكر التوراة اسم هذه الأرض.. وتكتفي بذلك.

    بينما نرى القرآن يجعل من القصة نموذجا صالحا لكل نفس طيبة تتصارع مع نفس خبيثة.. في القرآن الصراع ليس بين أشخاص ضمتهم الأرض بين حناياها، بل هو صراع بين الحق والباطل، والخبيث والطيب.. ولذلك يمتد تأثير القصة أبد الآباد.

    اسمع قول الأخ الطيب لأخيه الخبيث:) إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)(المائدة).. هذا النص المهم تخلو منها التوراة، وتعرض بدله القربان الذي قدمه كلاهما لله، ثم تكتفي من ذلك القربان بذكر حسن قربان هابيل، وسوء قربان قايين، وكأن الله ينظر إلى حسن القربان لا إلى نفس المقرب.

    إضافة إلى هذا كله.. فإن ما قاله هابيل لأخيه في القرآن من عدم مد يده لأخيه خوفا من الله درس تربوي عظيم يفوق كل ما نفخر به من قول المسيح:( لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً )(متى5: 38)

    فإن ما ذكره القرآن أعظم من اللطم أو السرقة.. إنه القتل.. ثم القرآن يربطه بالجانب الإيماني السلوكي، وهو الخوف من الله، والرهبة من عقابه، بخلاف قول المسيح الذي لم يرتبط بأي ترغيب، ولا بأي ترهيب.

    ثم إن القرآن بعد ذكر القصة يرتب عليها أحكاما عملية تشريعية، فيبنى على القصة ذكره للحكمة من شريعة القصاص العادل التي شرعها الله في جميع شرائعه:) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ((المائدة:32)

    انظر هذا الترهيب الذي تحمله هذه الآية من القتل.. وانظر قبل ذلك ذكرها لندم القاتل بمجرد قتله، لا بإبعاده عن أرض ليسكن غيرها.. إن القرآن يربي ويوجه ويشرع ويخاطب النفوس.. بينما تروي التوراة الحادثة كما ترويها العجائز خالية من الروح، مضمخة بالخطيئة.

    التفت إلي، وقال: أمازلت مصرا على أن القرآن اقتبس القصة من التوراة؟

    لم أدر بما أجيبه، فقال: سأضرب لك مثالا آخر، وليكن من العهد الجديد، من أناجيلنا.. ومن بشارة زكريا بيحيى.. أسمعني ما ورد من ذلك في أناجيلنا.

    رحت أقرأ من إنجيل لوقا (1/7- 22):( لم يكن لهما ـ يعنى زكريا وامرأته ولد ـ إذ كانت اليصابات ـ يعنى امرأة زكريا ـ عاقراً.وكان كلاهما متقدمين فى أيامهما فبينما هو يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر، وكان كل جمهور الشعب يصلى خارجاً وقت البخور. فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لاتخف يا زكريا ؛ لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ولداً وتسميه يوحنا، ويكون لك فرح وابتهاج. وكثيرون سيفخرون بولادته ؛ لأنه يكون عظيماً أمام الرب. وخمراً ومسكراً لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء. والعصاة إلى فكر الأبرار، لكى يهئ للرب شعباً مستعدًّا. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا و أنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها فأجاب الملاك وقال: أنا جبرائيل الواقف قدام الله. وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتاً ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذى يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامى الذى سيتم فى وقته. وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا فى الهيكل. فكان يومئ إليهم. وبقى صامتاً)

    قال: هذه هو المشهد الإنجيلي، وسأقرأ عليك أنا المشهد القرآني الذي ذكر هذه الأحداث.. لقد جاء في القرآن:) كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)((آل عمران)

    وفي سورة أخرى ورد هذا المشهد بهذه الصيغة:) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (11) يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)((مريم)

    بعد أن أنهى قراءته الخاشعة للنص القرآني، قال: بعد أن سمعنا كلا المشهدين.. تعال نقارن بينهما على ضوء العقل والحكمة.

    أولا.. لقد تقدم على قصة البشارة فى سورة آل عمران قصة نذر امرأة عمران ما فى بطنها لله محرراً، وهو لم يرد فى النص الإنجيلى.

    ثم ورد الإخبار بأنها ولدت أنثى، هي مريم، مع أنها كانت ترجو أن يكون المولود ذكرا ليتمكن من خدمة الهيكل، وهذا لم يأت فى النص الإنجيلى.

    ثم ورد كفالة زكريا للمولودة مريم، ووجود رزقها عندها دون أن يعرف مصدره ثم سؤاله إياها عن مصدره، وهو بدوره لم يرد فى النص الإنجيلى.

    ثم إن القرآن يربط بين قصة الدعاء بمولود لزكريا، وبين قصة مولودة امرأة عمران، وهذا كذلك لا وجود له فى النص الإنجيلى.

    ثم إن دعاء زكريا منصوص عليه فى القرآن، وليس له ذكر فى النص الإنجيلى.

    هذا ما ورد في سورة آل عمران من المشاهد التي لم ترد في الإنجيل..

    أما ما ورد فى سورة مريم، مما لم يجد نظيره في الإنجيل، فهو ما رتبه زكريا على هبة الله له وليًّا، وهو أن يرثه ويرث من آل يعقوب.

    وفيها ذكر السبب الذى حمل زكريا على دعاء ربه، وهو خوفه الموالى من ورائه.

    وفيها كون زكريا أوحى لقومه بأن يسبحوا بكرة وعشيًّا.

    وفيها الثناء على المولود يحيى من أنه بار بوالديه، عليه سلام الله يوم ولادته ويوم موته ويوم بعثه حيًّا.

    وكل هذا مما اختص به القرآن، ولم يرد له نظير في المشهد الإنجيلي.. أي أن القرآن جاء بكل هذا الجديد.. فكيف يصح أن يدعى اقتباسه من غيره!؟

    ليس ذلك فقط، بل إن القرآن صور الواقعة المقصوصة تصويراً أمينًا كاملاً، وجعل منها مدرسة تربوية عميقة.

    وفوق ذلك خالف الإنجيل في بعض الأمور.. سأذكر لك منها ما يمكنك من المقارنة بين كلا النصين.

    أنت ترى النص الإنجيلى يعتبر الصمت الذى حصل لزكريا عقوبة له من الملاك.

    لكن القرآن يخالف ذلك.. فيعتبر الصمت استجابة لدعاء زكريا ربه، وعلامة على هذه الاستجابة..:) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ((آل عمران:41).. ) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً((مريم:10)

    فالصمت ـ بهذا الاعتبار ـ كان تكريما لزكريا، وليس عقوبة من الملاك كما ينص الإنجيل.

    قلت: ولكن المفسرين ينصون على ما نص عليه كتابنا.

    قال: دعك منهم.. فلئن حرف الكتبة الكذبة كتبنا.. فإن كثيرا من مفسري المسلمين هم الذين حرفوا كتابهم.

    قلت: فقد وقع التحريف إذن في كلا الكتابين.

    قال: مع فرق عظيم.. تحريفنا لا يمكن تقويمه.. فالنسخة الأصلية ضاعت.

    أما تحريفهم.. فيمكن تقويمه لأن القرآن يقرأ في كل مكان، وبنفس الحروف التي كان يقرؤه بها محمد.

    سكت قليلا، ثم قال: هذا الخلاف الأول.. هناك خلاف آخر مهم.. هو أن النص الإنجيلى يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل إلى يوم ولد يحيى، بينما ينص القرآن على أن مدة صمته لم تتعد ثلاثة أيام بلياليهن بعد الخروج من المحراب.

    والنص القرآني بهذا أكثر معقولية من النص الإنجيلي.. فكيف يبقى نبي صامتا لا يطيق الكلام كل هذه المدة.

    بعد أن أنهى مقارناته بين كلا المشهدين، قلت: ولكن لم لم يذكر القرآن قصصا أخرى بدل هذه القصص، فينفي عنه كل شبهة.. إنه حينها يصبح كتابا مختلفا تماما.

    قال: أنت وقومي وقومك نطبق على القرآن ما نطبقه على القصاص والروائيين ومنتجي الأفلام.. نريد منهم إبداعا لا تربية.

    سكت قليلا، ثم قال: إن القرآن في هذا المجال بين أمرين لا ثالث لهما.. هكذا يقول المنطق العقلي الذي نتشبث به:

    هو بين أن يأتي بقصص يعرفها الناس، ويعرفون تواريخها، والمحال التي حصلت فيها، ليجعل من ذلك ميدان عبرة يربي على أساسه الناس..

    أو بين أن يأتي بقصص جديدة، سيتيه الناس في البحث عن حقيقتها، وتاريخها، ومحالها، وينشغلون بكل ذلك عن المعاني التي جاء القرآن لتقريرها[6].

    التفت إلي، وقال: هل ترى احتمالا آخر غير هذين؟

    قلت: لا.. هذان احتمالان حاصران.. ولكن لم اختار القرآن القصص الواردة في الكتاب المقدس، لم لم يختر غيرها؟

    قال: لو اختار غيرها من قصص الهنود أو الفرس لقلتم: إن القرآن مقتبس من الهنود أو الفرس.. هو لن ينجو لا محالة من اتهاماتكم.. ولكنه مع ذلك اختار القصص التي في الكتاب المقدس.. لأنه يعترف به كتابا مقدسا من جهة.. ويعترف بما حصل فيه من تحريف، ويذكر أن من أهدافه تقويم تلك التحريفات من جهة أخرى.

    وبعد ذلك، فإن تلك القصص حدثت على الأرض التي نزل فيها، أو قريبا منها، ولهذا ترى القرآن يأمر بالاعتبار بتلك القرى التي لا تزال آثار هلاكها.. اسمع ما قال القرآن في لوط وقوم لوط:) وَإِنَّ لُوطاً لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138)(الصافات).. وهو يقول عن غيرهم:) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ((النمل:69)

    إن القرآن كتاب هداية.. ولذلك لا تهمه القصص بقدر ما تهمه العبر التي يستفاد منها، ولذلك هو يخاطب الناس بالقصص التي يعرفونها ليربيهم بها.

    قلت: ولكنه قد يخرج أحيانا عن قصصنا ليؤلف قصصا جديدة.

    ضحك، وقال: أرأيت.. أنت وقومك تضعون للقرآن فخين إن نجا من أحدهما وقع في الآخر.. إن أخذ من قصصكم قلتم: سارق، وإن جاء بقصص أخرى لا تعرفونها قلتم: كاذب.

    سكت قليلا، ثم قال: نعم في القرآن قصص جديدة لتورايخ لا نعرفها.. والقرآن نبه إلى عدم أهمية البحث فيها..

    فلنأخذ قصة أهل الكهف مثلا.. القرآن يقص علينا قصتهم، فيقول:) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً (14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَتَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21)((الكهف)

    بهذا اكتفى القرآن من القصة.. إنهم فتية مؤمنون ضحوا في سبيل إيمانهم يالحياة الهنية التي ينعم بها سائر الناس، وأووا في سبيل إيمانهم إلى كهف جعله الله محل رحمة لهم.. وقد جعلهم الله لذلك آية.

    بهذا اكتفى القرآن ليملأ القلب بروعة الإيمان، وبعظمة ارتباط الفتوة بالإيمان، وبعظمة إكرام الله لمن آوى إليه.

    تصور لو أن الكتاب المقدس ذكر هذه القصة..

    ضحك، وقال: سيذكر طول كهفهم وعرضه وعدد حجارته ومحل إقامته.. وسيسمي كلبهم ويذكر من أوصافه ما يشغل عن تلك القضايا الجميلة التي جاء القرآن ليملأ النفوس بها.

    القرآن يخبر عن هذا.. ويخبر عن النفوس المجادلة التي لا تهمها الحقائق بقدر ما تهمها التفاصيل.. اسمع تعقيب القرآن لقصة أهل الكهف:) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)(الكهف)

    قلت: ولكن القرآن ذكر تفاصيل لا أهمية لها فقد قال فيهم:) وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ((الكهف: من الآية18)، فهل ترى في ذكر تقليبهم أهم من ذكر أسمائهم أو بلدانهم؟

    قال: أجل.. لأن أسماءهم لا تغنيك شيئا، بل قد تجعل من قصتهم تاريخا لا محل للعبرة فيه.

    قلت: وتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال؟

    قال: تفيدك معان شعورية عظيمة.. فالله الذي آوى إليه هؤلاء، وتركوا بيوتهم وقصورهم، امتدت إليهم عناية الله، فجعلت تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال كل حين حتى لا تتقرح جنوبهم من طول النوم على التراب.

    ثم ذكرت ذلك منسوباً إلى الله، معبَّرة عنه بنون العَظَمَة تشريفاً لهم.. وتشويقا لكل من ضحى تضحيتهم، فهل هنالك عناية أكثر من هذا؟

    سكت قليلا، ثم قلت: ولكن المسلمين انشغلوا بذكر التفاصيل المرتبطة بهذه القصة.

    قال: المسلمون بشر.. وهم لا يختلفون عن الإسرائيليين تشوقا للتفاصيل.. ولكنهم في أثناء بحثهم ذلك كانوا مخالفين للقرآن.. والقرآن لا يمثله المسلمون.. ولا المفسرون.. القرآن تمثله حقائقه.. وألفاظه التي تحمل حقائقه.

    قلت: والتفاسير؟

    قال: تلك كتب منها ما اقترب من القرآن ومنها ما ابتعد.. هي فهوم بشرية محدودة تأثرت ببيئاتها.. وربما تأثرت بكتبنا وأساطيرنا.. فلذلك لا يصح أن نحكم على القرآن من خلال المفسرين.. القرآن يوضح ذاته بذاته..



    شرائع القرآن

    قلت: أسلم لك كل ما ذكرت.. بل أراني خجلا بما رميت القرآن به من ذلك.. ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا..

    قال: تقصد شرائع القرآن، واقتباسها من كتبنا المقدسة.

    قلت: أجل.. اسمع ـ مثلا ـ ما ورد في التوراة من عد المحرمات من النساء:( عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف. إنها أمك لا تكشف عورتها. عورة امرأة أبيك لا تكشف. إنها عورة أبيك. عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة فى البيت، أو المولودة خارجاً لا تكشف عورتها. عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك لا تكشف عورتها إنها عورتك. عورة بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك لا تكشف عورتها إنها أختك. عورة أخت أبيك لا تكشف إنها قريبة أبيك. عورة أخت أمك لا تكشف إنها قريبة أمك عورة أخى أبيك لا تكشف، إلى امرأته لا تقرب إنها عمتك. عورة كنتك لا تكشف. إنها امرأة ابنك لا تكشف عورتها. عورة امرأة أخيك لا تكشف إنها عورة أخيك. عورة امرأة، وبنتها لا تكشف، ولا تأخذ ابنة ابنتها أو ابنة بنتها لتكشف عورتها إنهما قريبتاها. إنه رذيلة. ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها فى حياتها) (سفر اللاويين:18/ 7- 18)

    ألا يتفق هذا تماما مع ما ورد في القرآن من قوله:) وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (24)(النساء)؟

    قال: مع أن الأمثلة المرتبطة بهذا الأمر محصورة جدا.. بل لا تكاد تذكر.. إلا أنه لا بأس أن أناقشك في هذا الأمر.

    أنت تسلم لي بأن في الإسلام شريعة تنتظم الحياة جميعا، بما فيها حياة الأسرة.. أليس كذلك؟

    قلت: بلى.. لقد ورد في القرآن النصوص الكثيرة الضابطة لهذا.

    قال: أرأيت لو أن الشريعة الإسلامية لم تهتم بهذا الجانب، فلم تذكر المحرمات من النساء، ألا يكون ذلك تقصيرا منها؟

    قلت: بل هو تقصير كبير، فهذه ناحية مهمة ينبغي على كل شريعة أن تهتم بها.. لا الشريعة الإسلامية وحدها.

    قال: فهل تريد من الشريعة الإسلامية أن لا تعد الأم في المحرمات حتى لا نقول إنها مقتبسة من الكتاب المقدس؟

    قلت: لا.. الأم يتفق عليها الجميع.

    قال: والأخت؟

    قلت: هي كذلك.

    قال: والبنات؟

    قلت: هن كذلك..

    قال: وهكذا كل المحرمات..

    قلت: ولكن العجب في اتفاق القرآن مع كل ما ذكره الكتاب المقدس.

    قال: أنت نظرت إلى الألفاظ، ولم تتأمل المعاني.. إن هناك فروقا كثيرة واضحة بين القرآن والكتاب المقدس، سأعدد لك بعضها، لتعرف أن التوافق في بعض الأمور لا يعني الاقتباس:

    فالتوراة لا تقيم شأنًا للنسب من جهة الرضاعة، وهي تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة، وهي تحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه، وهي لا تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين زواجهم قائم، وهي تجعل التحريم غالباً للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة الأب الأم العم 000 وهكذا.

    أما القرآن، فيحريم من الرضاعة ما يحرم من النسب، ولا يحرم نكاح امرأة العم ولا يدعوها عمة، ولا يحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه إذا طلقها أو مات عنها أخوه، وهو يحرم نكاح المتزوجات فعلاً من آخرين زواجاً قائماً ويطلق عليهن وصف المحصنات من النساء، ويجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه، أو قرابة زوجته أحياناً.

    هذه فروق مهمة تنضم تحتها فروع كثيرة تجعل الأحكام مختلفة تماما بين الكتابين..

    ليس لدي الوقت الكافي الذي أثبت لك فيه قيمة هذه الفروق، ولا المقاصد القرآنية منها[7]، ولكني أردت فقط أن أثبت لك أن الاتفاق في بعض الأمور لا يعني الاقتباس وإلا لادعى كل متقدم أن كل متأخر مقتبس منه.

    بالإضافة إلى هذا، فإن القرآن يعترف بصحة ما في القرآن الكريم مما لم يمسه التحريف، بل هو يقول لأهل الكتاب:) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ((آل عمران:93)

    بالإضافة إلى هذا قارن بين جمال التعبير القرآني عن المحرمية، وبين التعبير التوراتي الموغل في الفحش والبذاءة وقارن ما ورد في القرآن من الاختصار مع ما ورد في الكتاب المقدس من التكرار.. فروق كبيرة لا تشمل المعنى فقط، بل تعدوه إلى التراكيب اللفظية نفسها، فكيف تزعم بعد ذلك أن هناك اقتباسا!؟

    بيئة القرآن

    رآني مستغرقا فيما يقول، فسألني فجأة: هل قرأت المعلقات.. وما روي من شعر جاهلي؟

    قلت: أجل.. هو شعر جميل.. ومن قومي من يزعم أن محمدا استلهم من ذلك الشعر.

    قال: دعهم يقولون.. فمحمد عندهم كلأ مباح، لا يعرف إلا السطو على غيره.. فمرة يسطو على كتبنا التي تحوي تواريخ الماضي السحيق، ومرة يسطو على شعراء عصره، ليستلهم منها المعاني الرقيقة، ومرة يسطو على العلوم التي سجلها أهل عصرنا ليزين بها كتابه، ويثبت أنه يحوي علوما من علوم الله.

    قلت: فما الذي تريد أن أقرأه عليك من هذا الشعر؟

    قال: لا أريد أن تقرأ علي من أشعارهم.. وإنما أريد أن تخبرني بمضامينها.

    قلت: هي لا تعدو الأغراض المعروفة من وصف الابل أو الخيل، أو سير الليل، أو وصف الحرب، أو وصف الروض، أو وصف الخمر، أو الغزل، وغير ذلك مما اشتملت عليه حياتهم وبيئتهم..

    قال: أترى للبيئة التي عاشوها تأثيرا في نبوغهم؟

    قلت: أجل.. ولذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وبزهير إذا رغب.

    ولهذا أيضا نجد من الشعراء من يجود في المدح دون الهجو، ومنهم من يبرز في الهجو دون المدح، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين، ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظ، وهكذا..

    قال: فلنرجع إلى بيئة القرآن.. أليست هي بيئتهم؟

    قلت: أجل.. هي بيئتهم بخيلها وإبلها وصحرائها وأصناف معايشها.

    قال: فاصدقني.. هل ترى تأثير البيئة في القرآن؟

    قلت: أجل.. ففي القرآن:) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)(الأعلى).. فالبيئة العربية واضحة في هذه الآيات.. فلم يذكر القرآن الزرافة ولا الغزلان.. بل ذكر الإبل.. ولم يذكر البحار، بل ذكر الجبال..

    قال: ألم تقرأ مقدمة الآية.. إنها تدعوهم إلى النظر.. ونظر العبرة ينصرف إلى أقرب مذكور، أم أنك تريد أن ينقلهم إلى حديقة الحيوانات ليتأملوا صنعة الله.. وكأن صنعة الله حكر على مكان دون مكان.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:42

    فلنترك لفظ (الإبل ) الذي حجبك عن معناه، وننظر إلى غاية ذكرها في هذا النص، وغاية ذكرها في الشعر الجاهلي.. فهل هما متشابهتان؟

    قلت: لاشك أنهما مختلفان، ففي الشعر الجاهلي نجد الوصف الطويل لها..

    قال: لم توصف؟

    قلت: هو تقليد ورثوه.. ولعلهم يرون في ذلك الوصف بعض الوفاء لما تقدمه لهم الإبل من الخدمات.

    قال: وفي القرآن.. لم أمر بالنظر إلى الإبل؟

    قلت: للتعرف على الله وعلى قدرات الله وعلى أفضال الله.

    قال: فالقرآن قد نقلهم من عالم إلى عالم.. نعم هو استعمل عالمهم.. ولا بد أن يستعمل ما عرفوه لينتقل بهم إلى ما لم يعرفوه.

    دعنا من هذا.. فأنت تعلم أن قارئ القرآن لا يستطيع أن يعرف بيئة القرآن.. فهو لا يذكر شيئا من تلك البيئة، ولا شيئا من الأسماء التي اعتاد بلغاؤهم على ذكرها.

    قلت: هذا صحيح..

    قال: فلنعد للكتاب المقدس.. ألست ترى فيه تأثير البيئة بعيدا؟

    قلت: ما تقصد؟

    قال: ألست تقرأ في الكتاب المقدس التفاصيل الطويلة المرتبطة بأنسابهم وحكامهم وحياتهم.

    قلت: أجل.. حتى الصغير منها لا يغفل ذكره.. ولكن هل تستدل بهذا على ربانية القرآن؟

    قال: أجل.. فالقرآن منزل لا وليد بيئة.. ولهذا ترى القرآن يعبر بصيغة الإنزال.

    سكت قليلا، ثم قال: ألا ترى من العجب أن لا يذكر والد محمد ولا جد محمد ولا نسب محمد ولا أولاد محمد ولا أحبابه ولا أعداؤه؟

    بينما نرى الكتاب المقدس يطفح بمثل هذا.. بل إن الإنجيل أول ما يبدأ.. يبدأ بنسب طويل للمسيح.. وهكذا كل الأسفار المقدسة لا تكاد تمر على صفحة منها إلا وتجد تأثير البيئة فيها عظيما.

    قلت: كل ما قلته صحيح.. ولكن لست أدري لم تذكر هذا الآن.

    قال: لأنكم توردون شبها كثيرى ترتبط بهذه الباب.. فتنحجبون عن القرآن ببيئة القرآن.. فتزعمون أن محمدا تلقى العلم من غيره.. فلما وصل إلى درجة النبوغ فيه ادعى أنه يوحى إليه.

    قلت: لا أكتمك.. نحن نقول هذا.. وننشره.. ولا نقصر في نشره.. وفي النفس منه أشياء كثيرة إن شئت بحت لك منها ما قد يصدك عن دفاعك هذا عن القرآن.

    قال: فاذكر لي ما تشاء.

    تعلّم محمد من غيره:

    قلت: المسلمون يقولون بأن القرآن وحي الله، وأن محمدا ) مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)(النجم).. ولكن ورد في الروايات ما يدل على أنه كان يستفيد من غيره في هذا الوحي.

    اسمع هذه الرواية المرتبطة بهذه الآيات:) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)(المؤمنون)

    لقد حدث زيد بن ثابت الأنصاري قال: أملى عليَّ رسولُ الله r هذه الآية ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ( إلى قوله:) خَلْقًا آخَرَ (، فقال معاذ:) فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (، فضحك رسول الله r، فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال:( بها ختمت ) فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (

    ابتسم، وقال: هكذا يكون الكذب وإلا فلا.

    قلت: وما أدراك أن هذه الرواية مكذوبة؟

    قال: أولا .. من الثابت تاريخيا بالإجماع أن زيدا بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك معاذ بن جبل إنما أسلم بالمدينة، لأنه كان من سكانها، بينما هذه السورة نزلت بمكة.

    وثانيا هذه الرواية مروية عن جابر بن يزيد الجُعْفِي، وهو ضعيف جدًّا، لا يمكن ان يستدل به فيما هو أدنى من هذا.

    ثم.. بعد هذا.. من الثابت أن محمدا كان إذا نزل عليه الوحى يأخذ العرق يتصبب من جسده، ويكون فى غيبة عمن حوله، فإذا انقضى الوحى أخذ فى ذكر وتلاوة ما نزل عليه من القرآن، وهذا ما تقرره كل كتب السيرة.

    وهذا يدل على أن محمدا لا يبدأ فى الإملاء على كاتب وحيه إلا بعد اكتمال نزول الوحى.

    ثم إن جملة ) تبارك الله ( تكررت فى القرآن تسع مرات، تلتقى جميعها فى مواضع يكون الحديث فيها عن قدرة الخالق فيما خلق، وهذه مواضعها بالإضافة إلى الآية التي نحن بصددها:) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ((لأعراف:54).. ) تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً((الفرقان:1).. ) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً((الفرقان:10).. ) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً((الفرقان:61).. ) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ((الرحمن:78).. )تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ((الملك:1)..)وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ((الزخرف:85).. )اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ((غافر:64)

    ومثل ذلك جملة )أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ(.. فقد وردت في قوله:) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ((الصافات:125)

    فلماذا تعلم محمد من كاتب وحيه آية (المؤمنون) دون غيرها مما جاء فى بقية السور؟

    بالإضافة إلى هذا كله.. فإن ما تحمله الآية من الإعجاز يرتبط بصدرها.. فهي تذكر معان أثبت العلم الحديث المعاصر أنها من أبرز آيات الإعجاز العلمى فى القرآن فيما يتصل بمراحل خلق الإنسان من سلالة من طين ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير مخلقة ثم يكون إنشاؤه خلقًا آخر[8]..

    أما فاصلة الآية.. فلها نظام معين في القرآن يدل على تناسقه، فهو يذكر المغفرة المرتبطة بالرحمة في مواضع، والعزة المرتبطة بالحكمة في مواضع أخرى.. وهكذا.. وبذلك لا حرج في أن يرتبط بذكر القدرة هذا القول مع وروده الكثير في القرآن كما ذكرت لك.

    وقد ذكر الأصمعي ـ وهو الراوية العربي ـ قصة في هذا تدل عليه، قال: كنت أقرأ سورة المائدة ومعي أعرابي، فقرأت هذه الآية:) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ((المائدة:38)، فقلت بدل ) عَزِيزٌ حَكِيمٌ (( غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سهواً، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ فقلت كلام الله. قال أعد، فأعدت: والله غفورٌ رحيم، ثم تنبهت فقلت:) والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ (، فقال: الآن أصبت، فقلت: كيف عرفت؟ قال: يا هذا عزيزٌ حكيم فأمر بالقطع، فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع.

    أساطير الأولين:

    قلت: هناك شبهة أخرى.. وهي قديمة قدم القرآن.. ولعلها أول ما ووجه به محمد من التحدي.

    قال: عرفتها.. هي الشبهة التي أثارها في الجاهلية النضر بن الحارث [9] وغيره من أهل الجاهلية، وأثارها في عصرنا المستشرقون أمثال نورمان دانيال ومن نحا نحوهم، من أن محمد ما جاء بجديد في القرآن، وإنما أخذ بعضاً من اليهودية، وبعضاً من النصرانية، وبعضاً من قصص الفرس , فكون من هذا الخليط كله القرآن.

    قلت: أجل.. وهذه من الشبه الخطيرة التي لا يزال قومي يتعلقون بها.

    قال: لقد ذكر القرآن هذه الشبهة.. وهو دليل على أنها شبهة ساقطة، لأن الإنسان في العادة يفر من الأقوال التي يرى فيها خطرا عليه..

    اسمع لما ورد في القرآن من تعلق المشركين بهذه الشبهة:) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( (الأنعام:25).. ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ((الأنفال:31)..) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ( (النحل:24).. ) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا( (الفرقان:5).. ) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)((القلم).. ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)(المطففين)

    قلت: علمت مصادر الشبهة، فما الرد عليها؟

    قال: إن هؤلاء الذين يوردون هذه الشبهة يغيبون عن المعاني العميقة التي يحويها القرآن بالجدل في الوسائل التي يستعملها.. ولو أنهم تأملوا غايات القرآن لعرفوا سر اختيار هذا النوع من القصص، والذي سماه القرآن أحسن القصص:) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ( (يوسف:3)

    فأحسن القصص هو ما توفرت فيه الواقعية بالإضافة إلى صلاحيته كنموذج سلوكي رفيع يمكن أن يحتذى.

    ولهذا لما ذكر القرآن أسماء الأنبياء الذين وردت مشاهد من حياتهم فيه قال:) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ((الأنعام: من الآية90)

    أرأيت لو أن القرآن ذكر لهم اسما غريبا لم يعرفوه.. ثم ذكر لهم من المشاهد الرفيعة ما دعاهم إلى سلوك مثله.. أكانوا يقبلون؟

    سيقولون حينها:( افتراه ).. لقد ذكر القرآن هذا:) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ((يونس:38).. ) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ((هود:13)..) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ((هود:35)..) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ((الانبياء:5)..)وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً((الفرقان:4)

    وغيرها من الآيات، وهي تدل على أن هناك فريقا لا بأس به من أعداء محمد كانوا يتصورونه مفتريا لتلك القصص وغيرها، مختلقا لها.

    لقد كان هناك فريقان متناقضان.. لكن بغضهما لمحمد جعلهما يتفقان.

    وهذان الفريقان لم يخلو منهما التاريخ.. إلى يومنا هذا لا زالت الأيام تلد هذين الصنفين من الناس: القائلين بابتداع محمد لدينه، والقائلين بنقله عن غيره.

    الأحبار والرهبان:

    قلت: هناك شبهة أخرى.. لها أصل قديم، ولها فروع حديثة كثيرة.. وهي ترتبط بتعلم محمد من غيره.

    قال: أعرفها.. وأعرف استغلال قومنا لها.. إنهم يزعمون أن محمدا تلقى علومه التي بثها في قرآنه من أحبارنا ورهباننا[10].

    قلت: أجل.. وفي التاريخ ما يدل على ذلك.. اسمع ما حدث به الترمذي من ذلك، قال: ‏خرج ‏ ‏أبو طالب ‏ ‏إلى ‏ ‏الشام ‏ ‏وخرج معه النبي ‏r ‏في أشياخ من ‏ ‏قريش ‏ ‏فلما ‏ ‏أشرفوا ‏ ‏على ‏‏ الراهب ‏ ‏هبطوا فحلوا ‏ ‏رحالهم ‏ ‏فخرج إليهم ‏‏ الراهب ‏ ‏وكانوا قبل ذلك يمرون به، فلا يخرج إليهم، ولا يلتفت، قال فهم يحلون ‏ ‏رحالهم ‏ ‏فجعل يتخللهم ‏‏ الراهب ‏حتى جاء، فأخذ بيد رسول الله r‏ فقال:( ‏هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين )، فقال له أشياخ من ‏قريش: ‏ ‏ما علمك؟ فقال:( إنكم حين ‏ ‏أشرفتم ‏ ‏من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا ‏ ‏خر ‏ ‏ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة )، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى ‏فيء ‏ ‏الشجرة، فلما جلس مال ‏ ‏فيء ‏ ‏الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى ‏ ‏فيء ‏ ‏الشجرة مال عليه قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو ‏ ‏يناشدهم ‏ ‏أن لا يذهبوا به إلى ‏ ‏الروم، ‏ ‏فإن ‏ ‏الروم ‏ ‏إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من ‏ ‏الروم ‏فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم قالوا: جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم قالوا: إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا: لا قال: فبايعوه وأقاموا معه قال:‏ ‏أنشدكم ‏ ‏بالله أيكم وليه قالوا:‏ ‏أبو طالب، ‏ ‏فلم يزل ‏ ‏يناشده ‏ ‏حتى رده ‏ ‏أبو طالب ‏ ‏وبعث معه ‏ ‏أبا بكر و‏بلالا ‏ ‏وزوده ‏‏ الراهب ‏من الكعك والزيت )

    ابتسم، وقال: أهذا الحديث تستشهد به لإثبات نبوة محمد، أم لإلغائها؟

    قلت: بل لإلغائها.. فإن هذا الراهب هو معلم محمد[11].

    قال: كم مكث محمد مع هذا الراهب حتى يعلمه كل هذه العلوم.. وكيف يغيب عن قومه، وهم أكثر الناس عداوة له أمر هذا الراهب؟

    أنتم تستندون إلى نص يشهد فيه الراهب انطلاقا من الكتب التي عنده لمحمد بالنبوة، فتقلبون النص، وتحولون الراهب الشاهد إلى معلم، مع أن محمدا عاش أميا ومات أميا بشهادة القرآن، وبشهادة جميع من يعرفه.

    أرأيت لو ذكر لك أحد من الناس أن أولئك المجوس الذين قدموا الهدايا للمسيح وسجدوا له.. أنهم هم الذين لقنوه ما لقنوه.. أيقبل عاقل ذلك؟

    قلت: لاشك أني لا أقبل ذلك.. فهذا افتراء لا يمكن قبوله.. فالمسيح كان رضيعا، وأولئك كانوا عابرين.

    قال: وهكذا أمر محمد.. فقد كان صغير السن عندما ذهب به عمه إلى الشام، زيادة على أنه كان مجرد عابر سبيل في ذلك المحل الذي كان فيه الراهب[12].

    سكت قليلا، ثم قال: لقد درس المنصفون من قومنا هذه الأراجيف.. وخرجوا منها بما ذكرت لك:

    لقد قال البروفيسور مونتجمري واط:( إن من المستبعد أن يكون محمد قد قرأ الكتب الدينية اليهودية أو النصرانية.. ومن الأرجح أنه لم يقرأ أي كتاب آخر)

    وقال ج.س.هجسن:(إن قاعدة نبوة محمد من ناحية مبدأية هي نفس تجربة وأعمال أنبياء بني إسرائيل. لكنه لم يعرف شيئاً عنهم بشكل مباشر. ومن الواضح أن تجربته كانت خاصة)

    وقال جون ب. نوس وديفيد س. نوس:( إن من الواجب إدراج الحديث الشريف الذي يقول إن محمداً تعلم اليهودية والنصرانية خلال رحلاته مع القافلة التجارية المتجهة للشام، وكانت الأولى بصحبة عمه أبي طالب عندما كان في سن الثانية عشرة، والثانية عندما كان عمره 25 عاماً كموظف لخديجة التي تزوجها فيما بعد، على أنه حديث غير مقبول)

    وقال توماس كارلايل:( لا أعرف ماذا أقول بشأن سيرجيوس ( بحيرى أو بحيرى، مهما كان اللفظ، وقد أُطلق عليه أيضاً اسم سرجيوس)، الراهب النسطوري الذي قيل إنه تحادث مع أبي طالب، أو كم من الممكن أن يكون أي راهب قد علم صبياً في مثل تلك السن، لكنني أعرف أن حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير، فقد كان عمر محمد 14 عاماً (كان عمره إما 9 أو 12 عاماً على أكثر تقدير) ولم يعرف لغةً غير لغته، وكان معظم ما في الشام غريباً وغير مفهوم بالنسبة له )

    قلت: لا بأس.. فإن كل ما ذكرته صحيح.. فبحيرا لا يمكن أن يكون هو معلم محمد.. ولكن هناك قرشيا عربيا صريحا يمكن أن يكون هو معلمه.

    قال: تقصد ورقة بن نوفل؟

    قلت: أجل.. وقد ظهر لي أن ورقة كان من الفرقة الأبيونية.. لاشك أنك تعرفها.. فقد قال فيها المؤرخ موشيم في المجلد الأول من تاريخه:( إن الفرقة الأبيونية التي كانت في القرن الأول كانت تعتقد أن المسيح إنسان فقط تولد من مريم ويوسف النجار مثل الناس الآخرين وطاعة الشريعة الموسوية ليست منحصرة في حق اليهود فقط، بل تجب على غيرهم أيضاً والعمل على أحكامه ضروري للنجاة.

    ولما كان بولس ينكر وجوب هذا العمل ويخاصمهم في هذا الباب مخاصمة شديدة كانوا يذمونه ذماً شديداً ويحقرون تحريراته تحقيراً بليغاً )

    وقال جامعو تفسير هنري واسكات:( سبب فقدان النسخة العبرانية أن الفرقة الأبيونية التي كانت تنكر ألوهية المسيح حرفت هذه النسخة وضاعت بعد فتنة يروشالمن وقال البعض: إن الناصريين أو اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية حرفوا الإنجيل العبراني، وأخرجت الفرقة الأبيونية فقرات كثيرة منه.

    ويشير أبو موسى الحريري في كتابه (قس ونبي)[13] إلى عقائد بعض الفرق الأبيونية الهرطوقية التي ادعت أن المسيح يتحول برضاه من صورة إلى صورة، فقد ألقى في صلبه شبهه على سمعان، وصُلب سمعان بدلاً عنه، فيما هو ارتفع إلى السماء حياً إلى الذي أرسله، ماكراً بجميع الذين مكروا للقبض عليه. لأنه كان غير منظور للجميع )

    وقد قدم كاتب بارع منا في التحليل والبحث والتنقيب واستخلاص الحقائق الخفية بتقديم الصورة الحقيقية التي حاول كتاب السيرة إخفائها للعلاقة بين محمد والقس ورقة بن نوفل النصراني النسطوري وغيره من رهبان النصارى مثل الراهب بحيرى وغيره.

    ومن خلال كلامه يبدو أن ورقة بن نوفل وهو زعيم كنيسة مكة النسطورية، وكان يعمل على إعداد خلف له ليترأس الكنيسة وعثر في محمد ـ الذي كان ذكيا جدا ـ على ضالته المنشودة، فزوجه من بنت عمه خديجة، فهي بنت عم ورقة، وهي نسطورية مثل ابن عمها، واعتنى به، وكان هو وخديجة وأبو طالب خير عضد وسند لمحمد في بداية دعواه.

    ولهذا لما مات ورقة فتر الوحي، ثم بعد موت خديجة وموت أبي طالب، بدأ القرشيون بمهاجمة محمد بدون أن يجدوا من يقاومهم، فورقة زعيم النصارى مات، وأبو طالب كبير الهاشميين مات، وزوجته الثرية ماتت.. فكانت الهجرة وجمع الفلول والعودة بقوة السلاح لفرض ما يريده.

    في هذه الفترة رأى محمد أنه سيفشل إن استمر في الدعوة النصرانية بما فيها من جدالات ونقاشات حول الله، وهل هو ثلاثة أو واحد، والمسيح إله أم بشر أم غيره.. فلهذا عاد إلى الأصل.. وقد وجده عند أبي الديانتين المسيحية واليهودية إبراهيم.. حين كان الله واحدا بكل بساطة.

    وهنا حاك قصة إسماعيل بن إبراهيم وأبو العرب، وكان يعلم عن ذلك من دروسه الكتابية التي نالها على يدي ورقة وغيره.

    ضحك، وقال: متى ينتهي قومنا من هذه المهازل.. إنهم يؤكدون بذلك كل ما يذكره المسلمون من تحريفنا لكتبنا.

    إن هؤلاء العابثين الذين لم يعرفوا محمدا ولم يعرفوا القرآن لا يختلفون عن المحاكم البوليسية التي يفرضها الظلمة على المستضعفين، فترمي المستضعف البسيط بأنه يخطط لعملية انقلاب ضخمة ضد الامبراطور الذي يحكمه لسبب بسيط، وهو أنه مر ذات يوم على قصره، ورمى ببصره إليه معجبا بصورته.

    هكذا تفعلون.. تستغلون حادثا بسيطا.. هو في حقيقته شاهد من شواهد النبوة.. لتحطموا به صرح النبوة.

    من أين أتى الكاتب بدعوى أنه كان في مكة نصارى وكنيسة[14]، بينما أجمعت كتب التاريخ على أن أهل مكة كانوا وثنيين يعبدون الأصنام، وقد أعرضوا عن اعتناق المسيحية لصعوبة مبادئها على عقولهم البدائية البسيطة، كما أنهم أعرضوا عن اليهودية لأن أنَفَتَهُم وإباءهم تمنعهم أن يكونوا يهودا من الدرجة الثانية.

    قال اليعقوبي في تاريخه:( وأما من تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزي. منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزي و ورقة بن نوفل بن أسد )[15]

    ومن أخبره أن ورقة هو الذي زوج خديجة لمحمد مع أن جميع المصادر تذكر قصة زواجهما، ولا يوجد لورقة أي ذكر لهذا الموضوع.. فمن أين أتى الكاتب بزعمه؟

    لقد نصت المصادر أنه لما بلغ محمدٌ من العمر خمساً وعشرين سنة، سافر إلى الشام للمرَّة الثانية، في تجارةٍ تخصُّ خديجة بنت خويلد، وهي سيِّدة كانت توكل إلى الرجال أمر تجارتها، وقد رغبت في إسناد هذه المهمَّة إلى محمَّد، الَّذي عُرف بين القوم بحسن الخلق، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، حتَّى اشتُهِر عنه لقب ( الصادق الأمين )، وصار موضع ثقة الناس واحترامهم.

    وقد أرسلت معه خادمها ميسرة، فذهبا واتَّجرا بمالها وربحا ربحاً وافراً، ولما رجَعَا إلى مكَّة أخبر ميسرة سيِّدته بما رأى من غرائبَ شَهِدَها بصحبته محمَّداً في تلك الرحلة؛ فأُعجِبت خديجة بما سمعت، وأرسلت إليه تخطبه لنفسها، وكانت في الأربعين من عمرها، فقبل محمَّد وأرسل عمَّه يطلب يدها من أهلها ثمَّ تزوجها.

    ثم لماذا اختص ورقة بن نوفل محمداً من دون البشر ليوكل له مهمة ترأس كنيسة مكة!؟.. ألم يكن له أبناء أو أخوة أو أبناء أخوة أو أفراد عندهم علم أو أكثر قرابة من محمد!؟.. ولماذا لم يؤلف قرآناً لنفسه بدلاً من أن يعطيه لغيره!؟

    ألم تدرسوا سيرة ورقة.. لقد ظل طول عمره يعبد الأصنام.. طل يعبدها ستين سنة.. ثم ذهب يبحث عن أفضل دين هو ومجموعة من أصدقائه، وترددوا بين الشرك والنصرانية واليهودية، ثم استقر رأيه ورأي أكثرهم على الحنيفية، وكان عمر ورقة عند بعثة محمد مائة سنة.

    سكت قليلا، ثم قال: الحادث ببساطة هو ما اتفق المحدثون على روايته، وهو ما روته عائشة زوجه حين قالت: أول ما بدئ به رسول الله r من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه ـ أي يتعبد فيه ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة ـ زوجه ـ فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال r: فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني، فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال:اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال:) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)(العلق)، فرجع بها رسول الله r يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زمّلوني زملونّي، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله، ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكّل وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر.

    فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن عبد العزّى ـ ابن عم خديجة ـ وكان امرؤا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله r خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله r: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفى، وفتر الوحي.

    هذه هي الحادثة الوحيدة التي رويت في التاريخ عن لقاء محمد لورقة، فكيف يبنى عليها كل تلك الجبال من الأكاذيب [16]!؟

    قلت: فهناك من هو من أهل مكة، وقد كان محمد يزوره، ويتحدث إليه، ولا يبعد أن يكون قد تلقى عنه.

    قال: تقصد مقالة المشركين من أعداء محمد:) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ((النحل:103)

    قلت: أجل.. فقد اتهم قوم محمد محمدا أنه إنما يعلمه بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم، وهو غلام لبعض بطون قريش، وكان بياعا يبيع عند الصفا، فربما كان محمد يجلس إليه ويكلمه.

    قال: ولكن القرآن أخبر أن هذا الرجل كان أعجمي اللسان، لا يعرف العربية، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير منها، بقدر ما يَرُد جواب الخطاب فيما لا بد منه؛ فكيف يمكن أن يتلقى تعاليم دين كامل من مثل هذا؟

    ولهذا ذكر القرآن رادًا عليهم في افترائهم ذلك:) لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (، فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن، في فَصَاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة، التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على نبي أرسل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟! إن هذا لا يقوله من له أدنى مُسْكة من العقل.

    بل إن الرد القرآني لا يقتصر على هذا، فقد جاءت الآيات بعدها تقول:) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)((النحل)

    فهل يمكن لمن ينقل مثل هذا الكلام أن يكون كاذبا على الله.. لقد كان محمد ـ بشهادة قومه ـ أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا، معروفًا بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدْعى بينهم إلا بالأمين محمد؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة محمد، كان فيما قال له: أو كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. فقال: هرقل فما كان ليَدع الكذب على الناس، ويذهب فيكذب على الله[17].

    الشعراء والبلغاء:

    قلت: لا بأس.. لقد ذكرت أن هذا الرجل لم يكن له من البلاغة ما يكفي لأن يتعلم منه محمد.. وأنا أصدقك في ذلك.. فلم يكن للعيي أن يعلم البليغ.. ولكن أليس من الممكن أن يكون محمد قد تعلم من الشعراء والبلغاء الذين كانوا يملأون جزيرة العرب؟

    أنا أروي أبياتا في هذا لشاعر عربي مشهور هو امرؤ القيس.. لاشك أنك تعرفه.. لقد كان سابقا لمحمد.. وقد نظم أبياتا فيها بعض قرآن محمد..

    أنا أحفظها جميعها.. اسمع:

    دنت الساعة وانشق القمر


    عن غزال صاد قلبي ونفر


    أحورٌ قد حِرتُ في أوصافه


    ناعس الطرف بعينيه حوَر


    مرّ يوم العيد بي في زينة


    فرماني فتعاطى فعقر


    بسهامٍ من لحاظٍ فاتك


    فرَّ عنّي كهشيم المحتظر


    وإذا ما غاب عني ساعة


    كانت الساعة أدهى وأمر


    كُتب الحُسن على وجنته


    بسحيق المسك سطراً مختصر


    عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى


    فرأيتُ الليل يسري بالقمر


    بالضحى والليل من طرته


    فرقه ذا النور كم شيء زهر


    قلت إذ شقّ العذار خده


    دنت الساعة وانشق القمر


    ضحك، وقال: لمن هذه الأبيات؟

    قلت: هي لامرئ القيس.

    قال: أي امرئ القيس؟

    قلت: ألا تعرفه؟.. ذلك الشاعر الجاهلي.. صاحب المعلقة.

    قال: أصاحب المعلقة يمكن أن يقول هذا؟.. كيف لم توضع هذه الأبيات في ديوانه؟ وكيف لم يذكرها من اهتموا بشعره؟

    لقد عقد الباقلاني في كتابه عن إعجاز القرآن فصلا طويلا للمقارنة بين الشعر والقرآن، وخصص منه جزءا كبيراً لشعر امرؤ القيس، وتعرض فيه بكل أمانة لمسألة الفرق بين الشعر والقرآن, ولو كان هناك مثل هذه الأبيات لرواها.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:44

    أنا أجزم أن من أطلق هذه الشبهة لا علاقة له بالعربية، ولا بشعرها.. بل هو يهين الشعر الجاهلي الذي وصل أوج قوته بمثل هذه الأبيات التي يتصور أن القرآن اقتبس منها.

    فهل هذا الشعر السلس السهل غير الموزون في بعض أبياته شعر جاهلي؟

    اسمع هذه الأبيات من معلقة امرئ القيس لترى الفرق بين القصيدتين:

    قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ


    بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ


    فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُها


    لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ


    تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِها


    وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ


    كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا


    لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ


    وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم


    يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ


    هل يمكن لذواقة للشعر أن يقارن ذاك الشعر الركيك بهذه الأبيات القوية؟

    كنت أدرك الفرق بين القصيدين، ولكني أبيت إلا أن أقول له: لكل شاعر قصائد قوية، وأخرى ضعيفة.. هذا مما لا يشك فيه.

    قال: نعم.. صدقت في ذلك.. وأنا لا أناقشك من هذا الباب.. بل أتعجب من أن تروى هذه الأبيات، ثم لا تذكر في ديوان الرجل.. ولا فيمن تحدث عنه.. مع أنها كان يمكن أن تصبح سلاحا قويا في يد أعدائه.

    قلت: أنت تتهم قومنا بوضع هذه القصيدة إذن؟

    قال: لا أتهمهم.. ولكنهم ربما وجدوها في كتب المتأخرين التي اشتهرت بالاقتباس من القرآن، فنسبوها لامرئ القيس.

    قلت: لا.. لقد ذكر هذه القصيدة عالم من علماء المسلمين الكبار، لاشك أنك تعرفه، إنه الإمام المناوي في كتابه (فيض القدير شرح الجامع الصغير) لقد أورد تلك الأبيات في سياق تعريفه لأمرؤ القيس.

    قال: أتعلم متى توفي هذا الرجل؟

    قلت: لا.. وما علاقة ذلك بهذا؟

    قال: لقد توفي عام 1029هـ, فكيف تصله دون غيره؟

    قلت: فأنت تتهم الرجل إذن مع كونه شارح أحاديث نبيكم.

    قال: أنا لا أتهمه بالوضع، ولكني أتهمه بعدم التحقيق.. فهناك الكثير من الشعراء ممن يحملون اسم امرؤ القيس بعضهم جاهلي , وبعضهم إسلامي، فلذلك قد يحصل الخلط في الأسماء.

    فمن الجاهليين امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي, الذي زعمتم أن هذه الأبيات تنسب إليه، وهو شاعر جاهلي، بل هو أشهر الشعراء على الإطلاق, وقد عاش من سنة 130 قبل الهجرة الى سنة 80 قبل الهجرة، وهو بالتالي لم يلتق محمدا، ولم يعرفه.

    ومنهم امرؤ القيس السكوني، وهو شاعر جاهلي اسمه امرؤ القيس بن جبلة السكوني، وهو ممن لم يصلنا الكثير من شعره.

    ومنهم امرؤ القيس الكلبي هو امرؤ القيس بن حمام بن مالك بن عبيدة بن عبد الله وهو شاعر جاهلي عاصر المهلهل بن ربيعة.

    ومنهم امرؤ القيس الزهيري وهو امرؤ القيس بن بحر الزهيري وهو شاعر جاهلي وصلنا القليل من شعره.

    أما الشعراء المسلمين الذين حملوا هذا الاسم، فمنهم امرؤ القيس بن عابس بن المنذر الكندي، وقد وفد إلى محمد، فأسلم وثبت وعلى إسلامه، ولم يكن فيمن ارتد من كندة، وكان شاعراً نزل الكوفة[18]، ومن شعر امرئ القيس هذا:

    قف بالديار وقوف حابس


    وتأن إنك غير آيس


    لعبت بهن العاصفات


    الرائحات من الروامس


    ماذا عليك من الوقوف


    بهالك الطللين دارس


    يا رب باكية علي


    ومنشد لي في المجالس


    أو قائل: يا فارساً


    ماذا رزئت من الفوارس


    لا تعجبوا أن تسمعوا


    هلك امرؤ القيس بن عابس


    سكت قليلا، ثم قال: ألا ترى كثيرا من أوجه التطابق بين تلك الأبيات المنسوبة الى امرؤ القيس الجاهلي، وهذا الشعر؟

    قلت: أجل.. هناك بعض التشابه بينهما.. ولكن لا يمكن أن تنسبها إليه لمجرد الشبه.

    قال: ولا يمكن أن تنسبها أنت لامرئ القيس الجاهلي.. فليس لديك من النصوص ولا من الأسانيد ولا من أوجه الشبه ما يمكنك أن تعتمد عليه.

    قلت: فلمن ننسبها إذن؟

    قال: لا يجب أن ننسبها لأحد.. لقد شاع في الشعر ما يسمى بالشعر المنحول[19]كما قال ابن هَرْمة يمدح نفسه:

    ولم أَتَنَحَّلِ الأَشعارَ فيها ولم تُعْجِزْنيَ المِدَحُ الجِيادُ

    وقد كان ذلك من العيوب الكبرى، كما روي من قول بعضهم في الانتحال:

    فكيْفَ أَنا وانتِحالي القَوافِيَ، بَعدَ المَشِيب، كفَى ذاك عارا!

    وقَيَّدَني الشِّعْرُ في بيتِه كما قَيَّد الأُسُراتُ الحِمارا!

    تأليف محمد:

    صمت قليلا، فقلت: لم يبق إلا أنه من تأليفه الخاص.. ولا يتعجب من ذلك.. فقد نرى الرجل العبقري يخرج عنه من عجائب العلوم ما يظل غيره محتارا فيه.

    قال: هذه شبهة قديمة ذكرها المشركون في معرض حربهم لمحمد، وقد ذكرها القرآن، فقال:) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ( (هود:35)، وقال:) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ((السجدة:3)

    وتلقفها عنهم الكثير من معاصري قومي وقومك[20].. هي مهرب من المهارب.. لأنهم وضعوا في أنفسهم هدفا.. ورأوا أنهم لابد أن يحتالوا بكل حيلة للوصول إليه، ولا يهمهم في ذلك استعمال الصدق أو استعمال الكذب، ولا يهمهم في نتائج بحثهم أن يصلوا إلى الحق أم إلى الباطل.

    ومع أن كل ما في القرآن، وما في حياة محمد، يرد على هذه الشبهة إلا أني سأذكر لك الآن ما يبطل هذا الزعم.. لا يبطله الآن، ولكن يبطله ما سأدله عليك من طرق البحث:

    اذهب، وقارن بين أسلوب القرآن وأسلوب محمد.. وارجع في ذلك إلى كتب الأحاديث التي جمعت أقوال محمد، وقارنها بالقرآن.. وكن صادقا في مقارنتك.. فستجد الفرق شاسعا بين الأسلوبين: فحديث محمد تتجلى فيه لغة المحادثة والتفهيم والتعليم والخطابة في صورها ومعناها المألوف لدى العرب كافة، بخلاف أسلوب القرآن الذي لا يُعرف له شبيه في أساليب العرب.

    ثم إنك تشعر عند قراءة الحديث النبوي أنك أمام شخصية بشرية تعتريها الخشية والمهابة والضعف أمام الله، بخلاف القرآن الذي يتراءى للقارىء من خلال آياته أن مصدرها ذاتا جبارة عادلة حكيمة خالقة بارئة مصورة رحيمة لا تضعف حتى في مواضع الرحمة.

    فلو كان القرآن من كلام محمد لكان أسلوبه وأسلوب الأحاديث سواء.. أنا وأنت لنا علاقة باللغة والتعبير.. ونحن نعلم أنه من المتعذر على الشخص الواحد أن يكون له في بيانه أسلوبان يختلف أحدهما عن الآخر اختلافاً جذرياً.

    لنترك هذا.. ونذهب إلى الغاية من نسبة ما ألفه إلى الله..

    لقد كان أهل البلاغة يتمتعون عند العرب بمكانة رفيعة، ولو أن محمدا نسب القرآن إلى نفسه لنال من الدنيا أكثر مما نالها بنسبة القرآن إلى الله.

    بل إنه لو فعل ذلك لُرفَع إلى مرتبة أسمى من مرتبة البشر، فأي مصلحة أو غاية لمحمد في أن يؤلف القرآن ـ وهو عمل جبار معجز ـ ثم يكتفي بنسبته لغيره؟

    دعنا من كل هذا.. ولنذهب إلى القرآن نفسه.. إنه الوثيقة التي نتهم محمدا بأنه افتراها على الله.. فلنذهب إليها، ولندرسها دراسة موضوعية لنرى مدى صدق هذا الادعاء..

    هل يمكن لرجل أن يفتري على ربه كلاما يعاتب فيه نفسه بمثل هذا العتاب القاسي.. سورة كاملة عنوانها (عبس ) تبدأ بتوجيه العتاب لمحمد.. اسمع:) عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10((عبس)

    هل يمكن أن يفتري مثل هذه الآية التي تقول له:) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ( (التوبة:43)

    هل يمكن أن يفتري محمد مثل هذا العتاب:) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ((آل عمران:161)

    ومثل هذا العتاب:) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ((لأنفال:67)

    ومثل هذا العتاب:) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ((التوبة:113)

    ومثل هذا العتاب الشديد:) لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ((لأنفال:68)

    ومثل هذا العتاب الشديد:) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ((الأحزاب:37)

    ومثل هذا العتاب:) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ((التحريم:1)

    بل إن القرآن يحوي تهديدات صريحة شديدة للمفترين على الله، فكيف يجسر محمد أن يفتري على الله، وهو يعتقد خطر الفرية على الله؟

    اسمع وأنبئني: هل يمكن أن يكون قائل هذا الكلام مفتريا وكاذبا على الله:) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ((آل عمران:94)..) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ((الأنعام:21)..) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ((الأنعام:93)..) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ((لأعراف:37)..) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ((يونس:17)..) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ((هود:18)

    بل إن القرآن فوق ذلك كله لا يكتفي بالتحذيرات العامة من الافتراء.. بل هو يخص محمدا بالتهديد والوعيد إذا ما افترى على الله.. اسمع:) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47((الحاقة)

    واسمع:) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ((الأحقاف:8)

    واسمع هذا التهديد الخطير:) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75( (النحل)

    فهل يُعقل أن يؤلف محمد مثل هذا الكتاب، ثم يوجه العتاب إلى نفسه بهذه الصورة الشديدة!؟

    بالإضافة إلى هذا كله.. فقد كانت تنزل بمحمد نوازل شديدة من شأنها أن تحفزه إلى القول، بل كانت حاجته القصوى تلح عليه لأن يجد حلا، ولو كان الأمر إليه لوجد له مقالاً ومجالاً، ولكن كانت تمضي الليالي والأيام الطوال، ولا يجد في شأنها قرآناً يقرؤه على الناس.

    لقد حدث في أول الإسلام أن سئل عن أهل الكهف، فأجاب بأنه سيرد عليهم غداً على أمل أن ينزل الوحي بالرد، ولكن الوحي لم ينزل.

    اسمع القصة لتتبين من خلالها استحالة أن يكون القرآن من مفتر..

    بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيط، إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود عن محمد، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. قال: فقالت لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بِهِن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل مُتَقَول فَرَوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنهم قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبَؤه؟ وسلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.

    فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا محمدا، فقالوا: يا محمد، أخبرنا: فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم محمد:( أخبركم غدا بما سألتم عنه ) ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث محمد خمس عشرة ليلة، لا يُحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمسَ عشرةَ قد أصبحنا فيها، لا يُخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتى أحزنَ محمد مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه من عند الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخَبَر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله ':) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً((الاسراء:85)[21]

    لقد نزل عليه حينها ما ورد في القرآن من قوله:) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)((الكهف)

    أرأيت لو أن القرآن كان كلاما لمحمد.. هل سيبقى طول هذه المدة لا يفتري كذبا يستر به نفسه، ويرد به الأراجيف عنه؟

    قلت: لعل محمدا في ذلك الحين لم تكن لديه المعلومات الكافية، فانتظر حتى اجتمعت.

    ضحك، وقال: ما أسرع ما تجدون المخارج.. لكن لا بأس.. لن أجادلك في هذا.. بل سأذكر لك بدل ذلك حادثة لا يمكن أن يسكت من حصلت له.. سأذكرها بطولها لتعيش معناها، ثم تتخيل نفسك في ذلك الموقف.

    وهي حادثة صحيحة صرح بها القرآن.. بل نزلت على أساسها أحكام شرعية، لن أطيل عليك.. اسمع الحادثة كما روتها عائشة[22]، قالت: كان رسول الله r إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ؛ وإنه أقرع بيننا في غزاة فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، وأنا أحمل في هودج، وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله r من غزوته تلك، وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل ؛ فقمت حين آذنوا بالرحيل، حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسني ابتغاؤه ؛ وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أني فيه ؛ وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم ؛ وإنما نأكل العلقة من الطعام ؛ فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج، فحملوه ؛ وكنت جارية حديثة السن ؛ فبعثوا الجمل وساروا.

    ثم تحكي ما حصل بعد هذا التصرف البسيط مع ما يحمله من المعاني الجليلة، قالت:( فوجدت عقدي، بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم، وليس فيه أحد منهم، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي ؛ فبينما أنا جالسة غلبتني عيناني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي. ثم الذكواني. قد عرس وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي ؛ فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني. وكان يراني قبل الحجاب. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي ؛ والله ما يكلمني بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ؛ وهوى حتى أناخ راحلته، فوطى ء على يديها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش، بعد ما نزلوا معرسين.

    فهذا هو الموقف جميعا بكل ملابساته وتفاصيله، ولكن النفوس المريضة تأبى إلا أن تنشر غلها وحسدها، قالت:فهلك في شأني من هلك، وكان الذي تولى كبر الإثم عبد الله بن أبي بن سلول.

    ثم تذكر موقف محمد بعدما أشيع عنها ما أشيع، وهو موقف المتأني المتثبت الذي لا يستعجل حتى في إخبارها بما قيل عنها، قالت: فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرا ؛ والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبي r اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول:كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني منه، ولا أشعر بالشر حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط. فأقبلت أنا وأم مسطح، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب - حين فرغنا من شأننا نمشي. فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت:تعس مسطح! فقلت لها:بئسما قلت. أتسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت:يا هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ فقلت:وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي.

    ثم تتحدث موقفها بعدما سمعت بما يتحدث الناس به عنها، فقالت: فلما رجعت إلى بيتي دخل رسول الله r فقال:كيف تيكم؟ فقلت:ائذن لي أن آتي أبوي، وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي، فأتيت أبوي، فقلت لأمي:يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقلت:سبحان الله! ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت:فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي.

    ثم ذكرت موقف محمد وهو في تلك الحالة، وهو موقف التحري والاستشارة، قالت: فدعا رسول الله r علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله. قالت:فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم. فقال أسامة:هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال:يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تخبرك. قالت:فدعا رسول الله r بريرة فقال لها:أي بريرة. هل رأيت فيها شيئا يريبك؟ فقالت:لا والذي بعثك بالحق نبيا إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت:فقام رسول الله r من يومه.

    ثم تذكر موقفه العام والذي أظهره على الملأ قبل أن يتحدث إلى عائشة قالت:( واستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول. فقال وهو على المنبر:من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي. قالت:فقام سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فقال:يا رسول الله أنا والله أعذرك منه. إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد بن عبادة - رضي الله عنه - وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا ولكن أخذته الحمية. فقال لسعد بن معاذ:كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن حضير رضي الله عنه وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة:كذبت - لعمر الله - لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان - الأوس والخزرج - حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله r على المنبر، فلم يزل يحفظهم حتى سكتوا ونزل.

    ثم تبين كيف واجهها محمد بعد تلك الفترة الطويلة من التأني والانتظار، وهو لا يجزم بأي قرار لا نحوها ولا نحو غيرها، فلما تبين له ما تبين من أمر عائشة حصل ما ذكرته عائشة بقولها:( وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي. فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله r، ثم جلس، ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء، فتشهد حين جلس، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله تعالى عليه.

    وقد كان لهذا الحديث تأثيره الشديد الإيجابي في نفس عائشة حيث قالت: فلما قضى رسول الله r مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة، فقلت لأبي:أجب عني رسول الله r فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله r فقلت لأمي:أجيبي عني رسول الله r فيما قال، قالت:والله ما أدري ما أقول لرسول الله r قالت:وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن. فقلت:إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثا تحدث الناس به، واستقر في نفوسكم، وصدقتم به. فلئن قلت لكم:إني بريئة لا تصدقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة، لتصدقنني. فوالله مما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال:) فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ((يوسف:18)

    ثم تتحدث عن خاتمة هذا الاختبار الذي حصل لها، فقالت:( ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي. ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله تعالى في شأني وحيا يتلى ؛ ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى ؛ ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله r في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها. فوالله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل الله تعالى على نبيه r فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، فسري عنه، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي:يا عائشة احمدي الله تعالى فإنه قد برأك. فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله r فقلت:والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله تعالى، هو الذي أنزل براءتي. فأنزل الله تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ( (النور:11)العشر الآيات.

    هل ترى أن هذا الموقف الخطير الذي تعرض له محمد لا يستحق أن يفتري من أجله بعض الآيات ليدحض تلك الفضيحة التي ينشرها خصومه في مهدها؟

    الموقف لم ينته هنا..

    لو كان القرآن افتراء من محمد لأنزل جميع غضبه على هؤلاء.. فجعل لهم من العقوبة ما لا تقوم معه أي عقوبة.. ولكنه لم يفعل ذلك، واكتفى بما أنزل عليه من الحد، وهو حد يطبق على الجميع.. على كل من يقذف رجلا أو امرأة من غير بينة، وهو ما نص عليه القرآن في قوله:) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ((النور:4)

    بل إن الموقف لم ينته هنا..

    تصور أن أحد هؤلاء الذين تقولوا في زوجة محمد، والتي هي ابنة أبي بكر، كان يتلقى المعونة من أبي بكر.. فلما تكلم في شأن ابنته قطع عنه المعونة، فنزل القرآن يأمر بإعادة المعونة إليه.. اسمع:) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ((النور:22)

    هل يمكن أن يكون هذا الكلام من افتراء بشر؟

    التفت إلي، فرآني صامتا، فقال: هؤلاء الذين يطلقون مثل هذه الافتراءات لا يعرفون القرآن.. ولعلهم لم يقرؤوه مرة واحدة في حياتهم.

    وإلا فكيف استطاع قرآن بشري أن يؤدي ذلك الدور الخطير الذي عجزت جميع الكتب المقدسة عن أدائه!؟

    كيف استطاع ذلك الأُمّيّ الذي ما درس ولا تعلم ولا تتلمذ أن يأتي بذلك الإعجاز المتكامل دون أي تناقض، فأقر بعظمة هذا التشريع القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم على مدى الأزمان المتفاوتة والبيئات المختلفة؟

    إن نظرة القرآن الكاملة الشاملة المتناسقة للكون والحياة والإنسان.. ونظرته المفصلة للمعاملات والحروب والزواج والعبادات والاقتصاد لو كانت من صنع محمد، لما كان محمد بشراً.

    إن هذه التنظيمات تعجز عن القيام بها لجان كثيرة لها ثقافات عالمية وتخصص عميق مهما أُتيح لها من المراجع والدراسات والوقت.. فكيف يستطيع رجل واحد ـ أياً كانت عبقريته، وأياً كانت ثقافته ـ أن يأتي بكل ذلك؟

    ثم ماذا عما في القرآن من نواح إعجازية أقرت لها العلوم المختلفة:

    من أعلم محمدا بأن الأرض كروية بشكل بيضوي.. ) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا( (النازعـات:30)؟

    من أعلم محمدا بأن الحياة ابتدأت من الماء.. )وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ((الانبياء:30)؟

    من أعلم محمدا بنظرية انتشار الكون وتوسعه.. ) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ((الذريات:47)؟

    من أعلم محمدا بنظرية الانفجار الكبير.. ) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ((الانبياء:30)

    من أعلم محمدا بأن كمية الهواء في الأجواء تقل إلى درجة أن الإنسان يضيق صدره فيها.. ) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ( (الأنعام:125)

    من أعلم محمدا بأن الشمس والقمر يَسبحان في هذا الفضاء.. ) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ((الرعد:2)

    الشياطين:

    قلت: بقي مصدر أستحيي من ذكره، ولولا أن لي دليلا عليه ما ذكرته.

    قال: لا تستحي.. فلا حياء في الحق..

    رآني صامتا، فقال: لا يمكن للشياطين إذا ما أرادوا أن يوحو لأحد أن يوحوا لمحمد بالتعاليم التي وردت في القرآن.

    هل يمكن للشياطين أن تنزل مثل هذا الكلام:) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ((البقرة:168).. ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ((البقرة:208).. ) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ((البقرة:268).. ) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((آل عمران:175).. ) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً((النساء:76).. ) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً((النساء:120).. ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ((المائدة:90-91).. ) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ((الأنعام:43).. ) يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ((لأعراف:27).. ) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ((لأعراف:200).. ) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ((لأعراف:201).. ) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ((ابراهيم:22)

    هل يمكن للشيطان أن ينزل مثل هذه التحذيرات من نفسه؟

    قلت: ولكني أروي رواية في ذلك.. وهي تصرح بما تحاول بعقلك أن ترده.

    قال: اذكر الحكاية.. فما أولعكم بالأساطير!؟

    قلت: لقد ذكرت المراجع الكثيرة أن محمدا كان يقرأ فى الصلاة بالناس سورة النجم، فلما وصل إلى ) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)( (النجم) أضاف إلى هذه الآيات:( تلك الغرانيق[23]العلى، وإن شفاعتهن لترتجى )

    ثم استمر فى القراءة، ثم سجد، وسجد كل من كانوا خلفه من المسلمين، بل سجد معهم من كان وراءهم من المشركين، وقالوا: إن محمداً أثنى على آلهتنا، وتراجع عما كان يوجهه إليها من السباب.

    وقد ذكرها المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات:) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ((الحج:52)

    قال: أول ما يرد هذه القصة أنها لم تصح سندا [24].. فكل الروايات التي رويت بها أضعف من أن يستدل بها في مثل هذا الأمر الخطير.. إن مثل هذا يستدعي التواتر، فكيف يؤيد بالضعاف التي لا تصلح سندا لقضية بسيطة، فكيف بقضية خطيرة كهذه.

    لقد قال ابن كثير الذي استندوا إليه في هذه الروايات:( ذكر كثير من المفسرين هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير ممن هاجروا إلى الحبشة ظنًّا منهم أن مشركى مكة قد أسلموا.. ولكنها ـ أى قصة الغرانيق ـ من طرق كثيرة مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح )

    وقد سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال:( من وضع الزنادقة )

    وقال البيهقي:( هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ورواية البخاري عارية عن ذكر الغرانيق )

    وقال ابن حزم:( والحديث الذي فيه: وانهن الغرانيق العلا، وان شفاعتهن لترجى. فكذب بحت لم يصلح من طريق النقل ولامعنى للأشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد )

    بالإضافة إلى هذا فقد روى البخارى فى صحيحه أن محمدا قرأ سورة النجم، فسجد، وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن وليس فيها حديث (الغرانيق) وقد روى هذا الحديث من طرق كثيرة أخرى ليس فيها حديث الغرانيق.

    قلت: أفلا يكون في سجودهم دليل على صدق تلك الرواية؟

    قال: لقد أجاب بعض محققي المسلمين عن هذا.. وهو العلامة الألوسي، فقد أورد هذا الاحتمال، وقال ردا عليه:( وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، و إلا لما سجدوا، لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم و خوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله ':) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)((النجم) إلى آخر الآيات.. فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، و لعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه r، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير و جمع كثير، و قد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه، و لا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه r، فقد نزلت سورة (حم السجده) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس. ذكره السيوطي في أول "الإتقان" فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها:) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ((فصلت:13) أمسك على فم رسول الله r، و ناشده الرحم و اعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ و قال:( كيف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب ) وقد أخرج ذلك البيهقي في (الدلائل) وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبدالله )

    ثم بعد هذا.. لماذا لا تعود للسورة وتقرؤها بتدبر لترى الحقائق التي تحملها.. فإن كانت القداسة في شيء فهي في القرآن، لا في كتب المفسرين.. ولا يمكن أبدا أن تصير كلمات المفسرين كلمات مقدسة.. فالربانية لكلمات الله المقدسة.. لا للفهوم البشرية المدنسة.

    2 ـ مصادر الكتاب المقدس

    تنفس الصعداء، وقال: ها قد انتهينا من عرض القرآن على العقل والحكمة لنعرف ربانية مصدره التي لا يمكن أن يجادل فيها مجادل.. ولنرجع إلى الكتاب المقدس.. ذلك الذي يحمل أهله سيوف العدواة للقرآن، ويروحون يفخرون على العالم بأنه لا يوجد كتاب مقدس إلا كتابهم.. وأن الكتاب المقدس الذي بأيديهم هو كتاب الله الوحيد للبشرية[25].

    قلت: نعم.. أسمع قومي يقولون هذا، ويفخرون به.

    قال: أهذا من الأدب مع الله؟ .. كيف يحجرون الله على أن يتكلم غير الكلام الذي عندهم؟.. أتراهم يضعونه في الحجز الإجباري؟.. بحيث لا يتكلم أي كلام إلا الكلام الذي يرضيهم..

    المسلمون يقولون غير هذا.. في القرآن توجد آيات كثيرة تبين عدم محدودية كلام الله.. اسمع:) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً((الكهف:109).. واسمع:) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ((لقمان:27)

    أخبرني على ضوء العقل والحكمة: أيهما أقوم قيلا.. القائلون بأن الله يتكلم لمن يشاء، وبما يشاء، ومتى يشاء.. أم القائلون بأن الله لا يتكلم إلا لبني إسرائيل.. ثم لا يتكلم معهم إلا الكلام الذي يؤيد العنصرية التي تفوح بها عقائدهم وعباداتهم.

    انظر إلى الكون الواسع.. وقل لي: هل يمكن لخالق هذا الكون أن يهتم بطائفة واحدة من الناس، فيدللها رغم جرائمها، ويشرفها بأنبيائه وكلماته، ويترك الأمم الأخرى كالكلاب.. لا قيمة لها ولا أهمية.

    قلت: نحن المسيحيين نعتقد إنسانية الإنسان.. وليس فينا أي عنصرية.

    قال: قد لا تكون العنصرية فيكم.. ولكنها في كتابكم.. لو قلنا: إن الكتاب المقدس كتبه بعض القوميين لم نبعد.

    وسنستعرض الكتاب المقدس كما استعرضنا القرآن.. لنرى هل يمكن أن يكون مصدر هذه الأسفار جميعا مصدرا مقدسا.

    مصادر العهد القديم

    قلت: فلنبدأ بأسفار العهد القديم.

    قال: فلنبدأ بها، ولنقارنها بالقرآن.. كما قارنا القرآن بها..

    القرآن يكثر من ذكر الله.. فلا تجد سورة ولا آية إلا وتتحدث عن الله وتصفه.. حتى قال بعضهم في القرآن:(إن الله تجلى في القرآن لعباده ليعرفوه)

    فهل تجد هذا في الكتاب المقدس.. وفي عهده القديم؟

    لنفتح سفر إستير مثلا.. ونعتبره كسورة من سور القرآن.. ولنجر مقارنة بينه وبين سورة من سور القرآن.. أنتم تفعلون هذا مع القرآن.. وأنا سأمارس نفس الأسلوب:

    إنه يبدأ هكذا:( وحدث في ايام احشويروش.هو احشويروش الذي ملك من الهند الى كوش على مئة وسبع وعشرين كورة 2 انه في تلك الايام حين جلس الملك احشويروش على كرسي ملكه الذي في شوشن القصر 3 في السنة الثالثة من ملكه عمل وليمة لجميع رؤسائه وعبيده جيش فارس ومادي وامامه شرفاء البلدان ورؤساؤها 4 حين اظهر غنى مجد ملكه ووقار جلال عظمته اياما كثيرة مئة وثمانين يوما. 5 وعند انقضاء هذه الايام عمل الملك لجميع الشعب الموجودين في شوشن القصر من الكبير الى الصغير وليمة سبعة ايام في دار جنة قصر الملك. 6 بانسجة بيضاء وخضراء واسمانجونية معلّقة بحبال من بزّ وارجوان في حلقات من فضة واعمدة من رخام واسرّة من ذهب وفضة على مجزّع من بهت ومرمر ودر ورخام اسود. 7 وكان السقاء من ذهب والآنية مختلفة الاشكال والخمر الملكي بكثرة حسب كرم الملك. 8 وكان الشرب حسب الأمر.لم يكن غاصب لانه هكذا رسم الملك على كل عظيم في بيته ان يعملوا حسب رضا كل واحد. 9 ووشتي الملكة عملت ايضا وليمة للنساء في بيت الملك الذي للملك احشويروش 10 في اليوم السابع لما طاب قلب الملك بالخمر قال لمهومان وبزثا وحربونا وبغثا وابغثا وزيثار وكركس الخصيان السبعة الذين كانوا يخدمون بين يدي الملك احشويروش 11 ان يأتوا بوشتي الملكة الى امام الملك بتاج الملك ليري الشعوب والرؤساء جمالها لانها كانت حسنة المنظر. 12 فأبت الملكة وشتي ان تأتي حسب أمر الملك عن يد الخصيان فاغتاظ الملك جدا واشتعل غضبه فيه. 13 وقال الملك للحكماء والعارفين بالازمنة.لانه هكذا كان أمر الملك نحو جميع العارفين بالسنّة والقضاء. 14 وكان المقربون اليه كرشنا وشيثار وادماثا وترشيش ومرس ومرسنا ومموكان سبعة رؤساء فارس ومادي الذين يرون وجه الملك ويجلسون اولا في الملك )(إستير:1/1-14)

    ويمضي السفر كما تمضي حكايات ألف ليلة وليلة لا يتحدث عن الله ولا يعرف به، فكيف تعتبر هذا كتابا مقدسا؟

    قلت: إن هذا الكتاب يتحدث عن جزء من تاريخ بني إسرائيل.

    قال: لقد مر محمد بظروف خطيرة جدا.. ولكنك لن ترى لها أي أثر في كتابه.. لقد ولد له ولد واحد بعد النبوة، كان هو الولد الوحيد الذكر، ومات الولد.. وحصل أن كسفت الشمس يوم موته حتى ظن الناس أنها كسفت بسبب موت ابنه.. لكنه لم يستغل الحادثة، ولم ينزل فيها أي قرآن.. اسمع الحديث لترى الفرق بين الكتابين:

    حدث جابر بن عبد الله قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله r يوم مات إبراهيم فقام النبي r فصلى ست ركعات وأربع سجدات، فاقترأ فأطال القراءة، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه فاقترأ قراءة هي دون القراءة الاولى، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ قراءة دون الثانية، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه فانحدر بالسجود فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات كل ركعة دون التي قبلها، ثم انحدر بالسجود وقد كان تأخر في صلاته، فتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهى إلى النساء، ثم تقدم حتى كان في مقامه فقضى الصلاة حين قضاها وقد أضاءت الشمس فقال: يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم من ذلك شيئا فصلوا حتى تنجلي، ثم قال: ما من شئ توعدونه إلا وقد رأيته في صلاتي هذه[26].

    اذهب إلى القرآن هل ترى فيه تلك المأساة العظيمة التي حصلت للمسلمين، وهم يؤذون في مكة..

    لقد ضرب محمد في الطائف، فلم تنزل آية واحدة في سب أهل الطائف ولا في لعنتهم.

    ومر محمد مع عشيرته بسنين حوصروا فيها وجوعوا.. فلم تنزل آية واحدة تخبر عن ذلك الموقف الشديد.. أتدري لم؟

    قلت: لم؟

    قال: لأن القرآن للبشرية جميعا، لا لفئة محدودة.. وهو لذلك يهتم بالتعريف بالله وبيان سبيل السلوك إليه، ولا يهتم بالتواريخ القومية التي تفوح من الكتاب المقدس.

    لنرجع إلى سفر إستير.. أرانا تهنا عنه.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:47

    هل تعلم علاقة هذا السفر بالقومية الإسرائيلية، إن اليهود يعتبرون هذا السفر من الأسفار المهمة التي تحكى تاريخهم القومي، وقد وضعوه في الأدراج الأربعة المعروفة في العبرية باسم (مجلوث) التي كانوا يقرؤونها في المناسبات القومية، كل سفر في حينه ومناسبته.

    وآخر هذه المناسبات هو عيد الفوريم كما يسمونه، والذي كانوا يقرؤون فيه هذا السفر بالذات تذكاراً لخلاصهم من المجزرة التي أعدها هامان لإفنائهم كشعب.

    وقد سمى هذا العيد ( فوريم ) نسبة إلى ( فورا ) بمعنى قرعة حيث ألقى هامان قرعة ليتأكد من اليوم المناسب لتنفيذ مذبحته، وقد شاع الاحتفال بهذا العيد بطقس معين.

    فكان عليهم أن يصوموا في اليوم الثالث عشر من آذار، وفي المساء حيث يبدأ أول اليوم الرابع عشر يجتمعون في المجمع، وبعد العبادة المسائية يقرأون سفر إستير. ولما يصلون في قراءتهم لذكر اسم ( هامان ) كان كل جمهور المصلين يصرخون قائلين:( ليمحى اسم ذلك الشرير ) وفي اليوم التالي كانوا يعودون ثانية إلى المجمع لإتمام فرائض عبادة العيد. ثم يصرفون النهار بالفرح والبهجة وتقديم الهدايا[27].

    إذن هذا كتاب قومي، فلماذا يدرج ضمن الأسفار المقدسة.

    قلت: فأنت تذهب إلى أن هذا السفر مدسوس في الكتاب المقدس كما يقول الهراطقة؟

    قال: لو شئت الصدق.. فإن أكثر ما في الكتاب المقدس مدسوس.. الكتاب المقدس هو كلام الله المقدس، ولا ينبغي لكلام الله أن يحمل أي صفة من صفات البشر.

    اختر أي سورة من سور القرآن.. وقارنها بسفر إستير.. أو أي سفر شئت.. لترى الفرق العظيم بين الكلمات المقدسة التي تصدر من مصدر علوي، وبين الكلمات المدنسة التي تنتشر من القوميات التي تمتلئ بالزهو الكاذب.

    اقرأ سورة الطلاق مثلا، وهي سورة قصيرة مقارنة بسفر إستير، وهي ـ من حيث عنوانها ـ تدل على أحكام الطلاق، وهو مسألة قد لا تحتاج إلى الحديث عن الله.. ولكنك تجد فيها مثل هذه النصوص:

    تبدأ السورة بهذه الآية:) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ((الطلاق:1)

    إن هذه الآية الأولى وحدها تحتوي على اسم الله وحده أربع مرات.. وهي تحث على تقوى الله، وتنهى عن تعدي حدوده، من دون أن تخل بذكر مسألة مهمة من مسائل الطلاق.

    قارن هذه الآية وحدها بسفر إستير جميعا.. إن سفر إستير كله ليس فيه ذكر لله، ولو مرة واحدة.. وليس فيه أي حث على التقوى، ولا أي نهي عن تعدي حدود الله مع أنه يفوق هذه الآية أضعافا كثيرة من حيث الحجم.

    اسمع باقي السورة لتقارن بها سفر إستير.. بل لتقارن من خلالها الكتاب المقدس جميعا:

    فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)(الطلاق)

    هذه تكملة هذه السورة التي هي في الأصل لأحكام الطلاق، ولكنك تراها مملوءة بالحديث عن الله وما يقرب إليه.

    قارن هذا الكلام الممتلئ بالربانية بهذه الكلمات التي يمتلئ بمثلها الكتاب المقدس:

    ( 30 ونذر يفتاح نذرا للرب قائلا.ان دفعت بني عمون ليدي 31 فالخارج الذي يخرج من ابواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب واصعده محرقة. 32 ثم عبر يفتاح الى بني عمون لمحاربتهم.فدفعهم الرب ليده. 33 فضربهم من عروعير الى مجيئك الى منّيت عشرين مدينة والى آبل الكروم ضربة عظيمة جدا.فذلّ بني عمون امام بني اسرائيل 34 ثم أتى يفتاح الى المصفاة الى بيته.واذا بابنته خارجة للقائه بدفوف ورقص.وهي وحيدة.لم يكن له ابن ولا ابنة غيرها. 35 وكان لما رأها انه مزّق ثيابه وقال آه يا بنتي قد احزنتني حزنا وصرت بين مكدّريّ لاني قد فتحت فمي الى الرب ولا يمكنني الرجوع. 36 فقالت له.يا ابي هل فتحت فاك الى الرب فافعل بي كما خرج من فيك بما ان الرب قد انتقم لك من اعدائك بني عمون. 37 ثم قالت لابيها فليفعل لي هذا الأمر.اتركني شهرين فاذهب وانزل على الجبال وابكي عذراويتي انا وصاحباتي. 38 فقال اذهبي وارسلها الى شهرين فذهبت هي وصاحباتها وبكت عذراويتها على الجبال. 39 وكان عند نهاية الشهرين انها رجعت الى ابيها ففعل بها نذره الذي نذر وهي لم تعرف رجلا.فصارت عادة في اسرائيل 40 ان بنات اسرائيل يذهبن من سنة الى سنة لينحن على بنت يفتاح الجلعادي اربعة ايام في السنة )( القضاة 11/30 - 40 )

    هذا كل ما يهتم به الكتاب المقدس صنع محارق لله حتى لو كانت هذه المحارق من البشر، بل من الأولاد.. هل يعقل أن يكون الله قاسيا بهذه الدرجة، فيأذن لعبده أن يذبح ابنته، ليوفي بنذره؟

    إن القرآن يذكر أن الله التمس المخرج لأيوب ليوفي بنذره، ولا يؤذي زوجته التي نذر أن يضربها.. لقد ذكر الله له الحيلة للتخلص من نذره، ونص على ذلك في القرآن ليبين سعة رحمة الله ولطفه بعباده [28].. اسمع:) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)(سورة ص)

    فلم لم يلتمس لهذا الرجل القاسي مثل هذا المخرج من هذا النذر المحرم أصلا؟

    وهل يمكن أن ينذر أحد أنه إن تحقق له مطلب من المطالب أن يعصي الله، ثم يعتبر بارا بعد ذلك إن وفى بنذره [29].. بل يشرف بأن يذكر عمله هذا في الكتاب المقدس.

    إن مثل هذه الأفكار لو أذن لها أن تنتشر لقضت على البشرية والعمران فيها منذ زمن بعيد.

    فكيف تفخرون بالكتاب المقدس، وهو لم يطهر من مثل هذه النصوص؟

    أتدري بأنه حصل في عهد محمد نذر مثل هذا.. ولكنه لم يكن مرتبطا ببشر، بل كان مرتبطا بناقة، ومع ذلك نهى رسول الله r عن ذبحها، بل تعجب أن ينذر مثل هذا النذر..

    اسمع للحديث، وقارن بينه وبين الكتاب المقدس.. الحديث طويل.. وهو يروي قصة امرأة نجت من حادث خطير..و( نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله r فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله r فذكروا ذلك له فقال:( سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد )

    قلت: ولكن القرآن ينص على أن إبراهيم أمر بذبح ابنه.

    قال: تلك قصة أخرى.. وهي تمتلئ بالمعاني السامية، ومع ذلك لم يحصل فيها أي ذبح.. ولم يكن سببها أي نذر.

    اسمع لما ورد في القرآن.. وقارن بينه وبين ما ذكر الكتاب المقدس:) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)((الصافات)

    أتدري لم أمر إبراهيم بذبح ابنه؟

    قلت: لم؟

    قال: لم يكن الذبح مرادا.. ولكن إبراهيم كان معدا لمكانة عظيمة من الله تستدعي أن يكون مستسلما لله استسلاما كليا.. والله العدل يمتحن عباده ليبرز ما تبطنه نفوسهم من طيبة أو خبث، وكان الله يعلم نفس إبراهيم الطيبة.. ولكن العالم لم يكن يعلم أن تلك النفس يمكن ان تضحي بولدها في سبيل الله.. فأمر الله إبراهيم بذبح ابنه لا ليذبحه، وإنما ليرى العالم ذلك.. وليكون نموذجا عن الإسلام المطلق لله.

    فلما عزم إبراهيم، وحصل منه التسليم المطلق لله، فداه الله.. ومنعه من ذبح ابنه.

    القرآن يشير إلى هذا عندما يقول:) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ((البقرة: من الآية124)

    فالكلمات التي ابتلي بها إبراهيم هي أنواع البلاء التي تعرض لها.

    القصة بهذا لها معنى صحيح تمتلئ به النفس.. بخلاف قصة الكتاب المقدس، فإنك إن ذهبت تبحث لها عن مغزى لن تجد لها أي مغزى.. فالبنت المسكينة ذبحت لتقرب للرب الذي يحب روائح الشواء.. والسبب في كل ذلك أن أباها نذر إن انتصر أن يقتل أول من يستقبله.. أي منطق هذا؟

    قارن هذا بما أمر به المؤمنون إذا انتصروا.. لقد أنزلت سورة كاملة من أجل هذا اسمها سورة النصر.. اسمعها:) إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)((النصر)

    هذه هي السورة كاملة.. ولكن المعاني الجليلة التي تحويها لا تعدلها كل تلك الإصحاحات التي امتلأت كذبا على الله.

    لنواصل المقارنة بين القرآن والكتاب المقدس لنرى حظهما من الربوبية:

    لقد ورد في سفر آخر:( فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيئة، وخمس كيلات من الفريك ومائتي عنقود من الزبيب، ومائتي قرص من التين، ووضعتها على الحمير ) ( صموئيل (1) 25/18 ).

    هل هذه الكلمات التي كتبها جائع حريص هي كلمات إله؟

    ليس هذا فقط.. بل في سفر الأيام ( (1) 24 - 27 ) قائمة طويلة لوكلاء داود وولاته .. وفي سفر الملوك الأول إصحاحان كاملان في وصف الهيكل وطوله وعرضه وسماكته وارتفاعه وعدد نوافذه وأبوابه..وتفاصيل تزعم التوراة أنها المواصفات التي يريدها الرب لمسكنه الأبدي (انظر ملوك (1) 6/1 - 7/51 )

    وفي أخبار الأيام الأول ست عشرة صفحة كلها أنساب لآدم وأحفاده وإبراهيم وذريته (انظر الأيام 1/1 - 9/44 )

    ثم قائمة أخرى بأسماء العائدين من بابل حسب عائلاتهم، وأعداد كل عائلة إضافة لأعداد حميرهم وجمالهم (انظر عزرا 2/1 - 67 ).. وقوائم أخرى بأعداد الجيوش والبوابين من كل سبط، وعدد كل جيش (انظر الأيام 23/1 - 27/34 ).

    وفي سفر الخروج يأمر موسى بصناعة التابوت بمواصفات دقيقة تستمر تسع صفحات، فهل يمكن للوحي ينزل بذلك كله وغيره مما يطول المقام بتتبعه.

    وفوق هذا اللغو كله ترد قصة زنا يهوذا بكنته ثامار بعد أن زوجها أبناءه واحداً بعد واحد، ثم زنى بها وهو لا يعرفها، فلما عرف بحملها أراد أن يحرقها.. اسمع القصة كما ترويها كلمات الله المقدسة:( 1 وحدث في ذلك الزمان ان يهوذا نزل من عند اخوته ومال الى رجل عدلاميّ اسمه حيرة. 2 ونظر يهوذا هناك ابنة رجل كنعاني اسمه شوع.فاخذها ودخل عليها. 3 فحبلت وولدت ابنا ودعا اسمه عيرا. 4 ثم حبلت ايضا وولدت ابنا ودعت اسمه أونان. 5 ثم عادت فولدت ايضا ابنا ودعت اسمه شيلة.وكان في كزيب حين ولدته 6 واخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار. 7 وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب.فأماته الرب. 8 فقال يهوذا لأونان ادخل على امرأة اخيك وتزوج بها واقم نسلا لاخيك. 9 فعلم أونان ان النسل لا يكون له.فكان اذ دخل على امرأة اخيه انه افسد على الارض لكيلا يعطي نسلا لاخيه. 10 فقبح في عيني الرب ما فعله.فاماته ايضا. 11 فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي ارملة في بيت ابيك حتى يكبر شيلة ابني.لانه قال لعله يموت هو ايضا كاخويه.فمضت ثامار وقعدت في بيت ابيها 12 ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا.ثم تعزّى يهوذا فصعد الى جزاز غنمه الى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلامي. 13 فاخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد الى تمنة ليجزّ غنمه. 14 فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلفّفت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة.لانها رأت ان شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة. 15 فنظرها يهوذا وحسبها زانية.لانها كانت قد غطت وجهها. 16 فمال اليها على الطريق وقال هاتي ادخل عليك.لانه لم يعلم انها كنته.فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل عليّ. 17 فقال اني ارسل جدي معزى من الغنم.فقالت هل تعطيني رهنا حتى ترسله. 18 فقال ما الرهن الذي اعطيك.فقالت خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك.فاعطاها ودخل عليها.فحبلت منه. 19 ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها 20 فارسل يهوذا جدي المعزى بيد صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يد المرأة.فلم يجدها. 21 فسأل اهل مكانها قائلا اين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق.فقالوا لم تكن ههنا زانية. 22 فرجع الى يهوذا وقال لم اجدها.واهل المكان ايضا قالوا لم تكن ههنا زانية. 23 فقال يهوذا لتاخذ لنفسها لئلا نصير اهانة.اني قد ارسلت هذا الجدي وانت لم تجدها 24 ولما كان نحو ثلاثة اشهر أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك.وها هي حبلى ايضا من الزنى.فقال يهوذا اخرجوها فتحرق. 25 اما هي فلما اخرجت ارسلت الى حميها قائلة من الرجل الذي هذه له انا حبلى.وقالت حقّق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه. 26 فتحققها يهوذا وقال هي ابرّ مني لاني لم أعطها لشيلة ابني.فلم يعد يعرفها ايضا 27 وفي وقت ولادتها اذا في بطنها توأمان. 28 وكان في ولادتها ان احدهما اخرج يدا فاخذت القابلة وربطت على يده قرمزا قائلة هذا خرج اولا. 29 ولكن حين ردّ يده اذ اخوه قد خرج.فقالت لماذا اقتحمت.عليك اقتحام.فدعي اسمه فارص. 30 وبعد ذلك خرج اخوه الذي على يده القرمز.فدعي اسمه زارح )(التكوين 38/1 – 30 )

    هل سمعت القصة كما يرويها الكتاب المقدس.. بل التوراة التي هي محل اتفاق الجميع.. أين المغزى منها؟ امرأة مات عنها أزواجها واحداً بعد آخر، عاقبهم الرب لأنهم كانوا يعزلون عنها في الجماع، ثم زنت بوالدهم، ونتج عن هذا السفاح ابنان، أحدهما فارص ـ وهو أحد أجداد المسيح ـ ثم تمضي القصة بلا عقوبة ولا وعيد، بل تذكر القصة في ختامها وصفاً غريباً لهذه الزانية، فقد خرج يهوذا لحرقها، فلما عرف أنها حامل منه نكص قائلاً:( هي أبر مني )، فهل كان العزل مستحقاً للموت بينما لا عقوبة ولا حد على جريمة زنا المحارم، ثم كان هؤلاء ـ أبطال القصة ـ أجداداً لابن الله الوحيد، ففي نسب المسيح أنه من أبناء فارص بن يهوذا وثامار (انظر متى 1/2 ).

    أجبني صادقا: هل يمكن أن تكون هذه المعاني الممتلئة بالنجاسة والخبث والانحراف كلمات مقدسة صدرت من الله خالق كل شيء!؟

    لم أدر بما أجيبه، فقال: وفوق ذلك كله لا ترى في هذا الكتاب أي إجابة من الإجابات التي يبحث عنها الإنسان عادة في الوحي الإلهي..

    هل ترى في الكتاب المقدس كلاما مفصلا عن مصير الإنسان كما تجده في القرآن؟

    إن القرآن يمتلئ بذكر اليوم الآخر ابتداء من الموت إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.. بل فيها الوصف المفصل للجنة والنار.. لتمتلئ النفس رغبة ورهبة.

    أنتم تضحكون من تلك الأوصاف وتستهزئون بها، بينما نرى الكتاب المقدس يمتلئ بتفاصيل من الدنيا لا حاجة إليها، وهو في نفس الوقت ليس فيه شيء يذكر عن الآخرة والجنة والنار[30]، حتى أن طائفة الصدوقيين، وهي طائفة كبيرة في اليهود لا تؤمن باليوم الآخر.

    صمت قليلا، ثم قال: أرأيت لو أن رجلا جاءنا من كوكب من الكواكب التي توجد في مجرة من المجرات البعيدة، وتمكنا من خطابه، ماذا عسانا نسأله؟

    هل نبحث عنده عن تواريخنا وأنسابنا وبنياننا وأكلنا وشربنا أم نبحث عما يرتبط بكوكبه وتفاصيل الحياة فيه؟

    قلت: لا شك أننا سنبحث معه عن كوكبه.

    قال: فهكذا الأمر مع الكلمات المقدسة.

    قلت: ولكنها كلمات الله للبشر.

    قال: وكلمات الله للبشر هي التي تجيبهم عن الأسئلة التي لا تعرف عقولهم الإجابة عنها.. أما الأنساب.. فلا ضرر أن تجهلها.. لقد قال فيها علماء المسلمين:( هي علم لا ينفع، وجهل لا يضر)

    ما فائدة أن تحدث السكير المدمن بأنساب بني آدم، وأنت تريد أن تزرع فيه الإيمان الذي يجعله يرمي زجاجة الخمر من يده كما رماها المسلمون يوم أنزل تحريم الخمر؟

    ابتسم وقال: اسمح لي.. أحيانا ـ عندما أ قرأ الكتاب المقدس ـ أشعر أني في حانة، ولست أمام كلمات إله.

    هل يمكن لكلمات الله أن تمتلئ بهذا التمجيد للخمر التي نعرف جميعا مدى خطرها على العقل والصحة والنفس والمجتمع؟

    وفوق هذا كله لا نجد الله يسمي نفسه، أو يذكر أسماءه التي تدل على صفاته، بل لايرد في الكتاب المقدس اسمه إلا نادراً فقد جاء في إرمياء:( فيعرفون أن اسمي: يهوه ) ( إرميا 16/21 )، وأول مرة ظهر فيها هذا الاسم التوراتي في سفر الخروج ( 3/15 ) ثم ظهر في إرمياء المذكور، وما عدا ذلك فإنه يذكر باسم السيد الرب.

    بينما نجد القرآن يمتلئ باسم الله، بل بأسماء الله التي تدل على كمالاته..:) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24((الحشر)







    مصادر العهد الجديد

    قلت: عرفت ما أصاب العهد القديم من تحريفات، ولذلك فإن الصبغة البشرية تبدو عليه واضحة للعيان.. ولكن العهد الجديد.. تلك البشارات والرسائل.. هل ترى فيها هي الأخرى ما يبعدها عن مصدرها الرباني؟

    ضحك، وقال: ما الذي قاله بولس في رسالته الثانية إلي صديقه تيموثاوس عندما طلب منه أن يأتي سريعا؟

    قلت: لقد قال له:( بادرْ أَنْ تَأْتِيَ إِلَيَّ سَرِيعاً، لأَنَّ دِيمَاسَ، إِذْ أَحَبَّ الْحَيَاةَ الْحَاضِرَةَ، تَرَكَنِي وَذَهَبَ إِلَى مَدِينَةِ تَسَالُونِيكِي. أَمَّا كِرِيسْكِيسُ، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى مُقَاطَعَةِ غَلاَطِيَّةَ، وَتِيطُسُ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إلا لُوقَا وَحْدَه ُخذ ِمَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ، فَهُوَ يَنْفَعُنِي فِي الْخِدْمَةِ. أَمَّا تِيخِيكُسُ، فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى مَدِينَةِ أَفَسُسَ. وَعِنْدَمَا تَجِيءُ، أَحْضِرْ مَعَكَ رِدَائِي الَّذِي تَرَكْتُهُ عِنْدَ كَارْبُسَ فِي تَرُوَاسَ، وَكَذلِكَ كُتُبِي، وَبِخَاصَّةٍ الرُّقُوقَ الْمَخْطُوطَةَ )( تيموثاوس: 4: 9)

    قال: فهل ترى هذا كلاما مقدسا قاله إله؟.. وهل ترى في ما قاله لصديقه تيطس:( حالَمَا أُرْسِلُ إِلَيْكَ أَرْتِمَاسَ أَوْ تِيخِيكُسَ، اجْتَهِدْ أَنْ تَأْتِيَنِي إِلَى مَدِينَةِ نِيكُوبُولِيسَ، لأَنِّي قَرَّرْتُ أَنْ أشـتي هُنَاكَ )( تيطس: 3: 12) كلاما مقدسا لإله؟

    وهل ترى في قوله في رسالته إلى أهل رومية ( 16: 21 ):( يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسُ مُعَاوِنِي، وَلُوكِيُوسُ وَيَاسُونُ وسُوسِيبَاتْرُسُ أَقْرِبَائِي. وَأَنَا، تَرْتِيُوسَ الَّذِي أَخُطُّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ.يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُوسُ، الْمُضِيفُ لِي وَلِلْكَنِيسَةِ كُلِّهَا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرَاسْتُسُ، أَمِينُ صُنْدُوقِ الْمَدِينَةِ، وَالأَخُ كُوَارْتُسُ ) كلاما مقدسا لإله؟

    وهل ترى ما جاء في رسالته الثانية إلى تيموثاوس:( سَلِّمْ عَلَى بِرِسْكَا وَأَكِيلاَ، وَعَائِلَةِ أُونِيسِيفُورُسَ. أَرَاسْتُسُ مَازَالَ فِي مَدِينَةِ كُورِنْثُوسَ. أَمَّا تُرُوفِيمُوسُ، فَقَدْ تَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً. اجْتَهِدْ أَنْ تَجِيءَ إِلَيَّ قَبْلَ حُلُولِ الشِّتَاءِ.يُسَلِّمُ عَلَيْكَ إِيُوبُولُسُ، وَبُودِيسُ، وَلِينُوسُ، وَكَلُودِيَا، وَالإِخْوَةُ جَمِيعاً ) (تيموثاوس: 4: 19) كلاما لإله؟

    أهذا هو الكلام المقدس الذي يتصف بالربانية؟

    قلت: أنت تنتقي من الكتاب المقدس ما ترمي به جميع الكتاب المقدس..

    الكتاب المقدس معان كثيرة جليلة.. نعم.. قد يتخللها ما نتصوره أنه ليس منها.. ولكنها في جملتها كلمات مقدسة تحوي الحقائق الأبدية.

    قال: سأتعامل معك بمثل ما تعاملتم به مع القرآن.. ألستم تعتبرون التشابه الذي بين القصص القرآني وقصص الكتاب المقدس وحده كافيا لاعتبار القرآن نسخة مشوهة عن الكتاب المقدس؟

    صمت، فقال: فاقبلوا أن نتعامل مع الكتاب المقدس بمثل هذا.. ولكن لا في القصص وحدها، فمن السهل على المرء أن يخترع أي قصة ..

    ولكن في قضايا الدين الأساسية.. في العقائد التي يتميز بها الدين عن غيره.

    المسيحية تعتمد على المسيح بالدرجة الأولى.. فسيرته هي الدين.. والدين هو سيرته.. بل إنها تجعله إلها، أو أقنوما من إله..

    فإذا أثبت لك أن النصوص التي تعتمد عليها المسيحية في إثبات هذه العقائد توجد في كتب مقدسة سابقة عليها.. بل في ديانات سابقة عليها.. هل ستعامل الكتاب المقدس بمثل ما تعامل به القرآن.. أم ستعود إلى منطق الانحياز والكيل بالمكاييل المختلفة كما يفعل قومي وقومك؟

    قلت: أهناك مصادر ترى أن قومنا استقوا منها عقائدنا غير ما في الكتاب المقدس؟

    قال: كثيرون هم من قالوا بمثل ما قال قومنا، واعتقدوا ما اعتقد قومنا[31]، ونحن لا نلتفت إليهم، لأننا نلتفت بكل أبصارنا لتشويه دين محمد وقرآن محمد.

    وإذا سمحت لي.. فسأعرض لك مقارنة بين ما يعتقد المسيحيون في المسيح وبين بعض الديانات الوثنية التي كانت سائدة في العصور السوالف لترى مدى التقارب بين الديانتين.

    أنتم تجرون كثيرا مثل هذه المقارنات وتبنون عليها نتائج كثيرة.. ولذلك سأنتهج هذا المنهج.. وأترك لك الحرية في أن تبني عليها ما تشاء.

    هل تعرف ديانة مثرا الفارسية؟

    قلت: أجل.. هي ديانة فارسية ازدهرت في فارس في القرن السادس قبل الميلاد، ثم نزحت إلى روما، وصعدت فى أوروبا فوصلت مدناً شمالية في إنجلترا.

    قال: هذه الديانة تجتمع مع ما تقررونه من عقائد في كثير من النواحي، فهم يعتقدون في مثرا نفس ما تعقتدون في المسيح:

    هم يعتبرونه وسيطاً بين الله والبشر، كما تعتقدون في المسيح.. وهم يعتقدون أنه ولد في كهف كما أنكم تعتقدون أن المسيح ولد في مزود البقر.. وهم يعتقدون أنه ولد فى الخامس والعشرين من ديسمبر، وهو نفس اعتقادكم.. وهم يعتقدون أن له إثنا عشر حواريا، كما تعتقدون.. وهم يعتقدون أنه مات ليخلص البشر من خطاياهم كما تعتقدون.. وهم يعتقدون أنه دفن وعاد للحياة بعد دفنه كما تعقتدون.. وهم يعتقدون أنه صعد إلى السماء أمام تلاميذه كما تعتقدون.. وهم يعتقدون أنه كان يدعى منقذا ومخلصاً، ومن أوصافه أنه كان كالحمل الوديع.. وهي نفس اعتقاداتكم وأقوالكم.. وهم يعتقدون أن له أتباعا يعمدون باسمه، ويقيمون العشاء المقدس في ذكراه.

    قلت: فأنت ترى من خلال هذه المقارنة أن المسيحية نسخة طبق الأصل من هذه الديانة؟

    قال: أنا لا أقول ذلك.. ولو أن الباحثين متفقون على أن عبادة مثرا انتقلت إلى الدولة الرومانية، وامتزجت بعبادة إيزوريس المصرية، ومنهما جاءت عبادة ديمتر، وهى فى جملتها لا تعدو الديانة المصرية التى حوربت وقد صوروها فى صورة أم تختضن طفلها الرضيع دلالة على الحنان والبراءة..

    والصورة هي هي صورة إيزيس وحوريس، ثم هى هى أيضا صورة مريم العذراء التى تختضن المسيح.

    ومع ذلك.. فلا أقول بأن هذه الديانة هي نفسها التي تسمت بعد ذلك بالمسيحية.

    قلت: لم؟

    قال: لأن ديانات أخرى كان لها نفس التطابق مع المسيحية.. كانت هناك ديانة بعل، وهي ديانة بابلية انتقلت مع موجة الفتوحات البابلية إلى شمال الهلال الخصيب، وظل الكنعانيون يدينون بها وفي كثير من الأحيان، وكان اليهود يتركون ديانتهم ويعبدون بعلاً، ونهاية هذا الإله تكاد تكون هي الصورة التى صورت بها نهاية المسيح:

    فكل منهما أسر قبل محاكمته.. وكل منهما حوكم علنا.. وكل منهما اعتدي عليه بعد محاكمته.. وكل منهما نفذ الحكم عليه في أعلى الجبل.. وكل منهما كان معه مذنب آخر محكوم عليه.. وكل منهما لما أراد الحاكم العفو عنه طالب الشعب بإعدامه هو والعفو عن المجرم.. وكل منهما بعد تنفيذ الحكم عليه ظهر الظلام وعم اضطراب الناس، وعلا الرعد وزلزلت الأرض.. وكل منهما أقيم حرس على قبره.. وكل منهما قام من القبر وصعد إلى السماء.

    قلت: هذه محض مصادفات.. ولا نستطيع أن نبني عليها أحكاما.

    قال: لا بأس.. سأورد لك مقارنة بين ما تعقتدونه في المسيح وبين ما قاله الهنود عن إلههم كرشنا.. ولن أكتفي بالمقارنة المجردة، بل سأنقل لك النصوص لترى مدى تطابقها.. فأرجو أن تقرأ لي ما أطلبه منك من نصوص من الكتاب المقدس لأعرضها على كتب الهنود.

    أعجبني ما طرحه من اقتراح، فأشرت له بالقبول، قال: ألم يرد في الكتاب المقدس:( ولد يسوع من العذراء مريم التي اختارها الله والدة لابنه بسبب طهارتها وعفتها )؟

    قلت: بلى..

    قال: ومثل هذا ورد في كتبهم، فقد جاء فيها:( ولد كرشنة من العذراء ديفاكي التي اختاراها الله والدة لابنه كذا بسب طهارتها )[32]

    قلت: ولكن هذا النص وحده لا يكفي.

    قال: اصبر علي … النصوص المتطابقة كثيرة جدا.. ألم يرد في الكتاب المقدس:( فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيها المنعم عليها الرب معك )(لوقا:3/28 و29)؟

    قلت: بلى..

    قال: وقد ورد في كتب الهنود:( قد مجد الملائكة ديفاكي والدة كرشنة ابن الله وقالوا: يحق للكون أن يفاخر بابن هذه الطاهرة )[33]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( لما ولد يسوع ظهر نجمه في المشرق وبواسطة ظهور نجمة عرف الناس محل ولادته )(متى:2/ 3)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد في كتب الهنود:( عرف الناس ولادة كرشنة من نجمه الذي ظهر في السماء )[34]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( لما ولد يسوع المسيح رتل الملائكة فرحا وسوروا وظهر من السحاب أنغام مطربة ) (لوقا:2/ 13)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( لما ولد كرشنة سبحت الأرض وأنارها القمر بنوره وترنمت الأرواح وهامت ملائكة السماء فرحا وطربا ورتل السحاب بأنغام مطربة )[35]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( كان يسوع المسيح من سلالة ملوكانية ويدعونه ملك اليهود ولكنه ولد في حالة الذل والفقر بغار )؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( كان كرشنة من سلالة ملوكانية ولكنه ولد في غار بحال الذل والفقر )[36]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وعرف الرعاة يسوع وسجدوا له )( لوقا:2/ 8 -10)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:(.. وعرفت البقرة أن كرشنة إله وسجدت له )[37]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وآمن الناس بيسوع المسيح وقالوا بلاهوته وأعطوه هدايا من طيب ومر )(متى:2/2)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:(.. وآمن الناس بكرشنة واعترفوا بلاهوته وقدموا له هدايا من صندل وطيب )[38]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذ المجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود؟)(متى:2/1و2)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وسمع نبي الهنود نارد بمولد الطفل الإلهي كرشنة فذهب وزراه في كوكول وفحص النجوم فتبين له من فحصها أنه مولود إلهي يعبد )[39]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ولما ولد يسوع كان خطيب أمه غائبا عن البيت وأتى كي يدفع ما عليه من الخراج للملك )(لوقا:2/1 -17)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( لما ولد كرشنة كان ناندا خطيب أمه ديفاكي غائبا عن البيت حيث أتى إلى المدينة كي يدفع ما عليه من الخراج للملك )[40]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وأنذر يوسف النجار خطيب مريم يسوع بحلم كي يأخذ الصبي وأمه ويفر بهما إلى مصر لأن الملك طالب إهلاكه )(متى:2/13)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وسمع ناندا خطيب ديفاكي والدة كرشنه نداء من السماء يقول له: قم وخذ الصبي وأمه فهربهما إلى كاكول واقطع نهر جمنة لأن الملك طالب إهلاكه )[41]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وسمع حاكم البلاد بولادة يسوع الطفل الإلهي وطلب قتله، وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها يسوع المسيح )(متى:2)

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وسمع حاكم البلاد بولادة كرشنة الطفل الإلهي وطلب قتل الولد، وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها كرشنة )[42]

    ألم يرد في تاريخ المسيح:( واسم المدينة التي هاجر إليها يسوع المسيح في مصر لما ترك اليهودية هي , المطرية, ويقال أنه عمل فيها آيات وقوات عديدة)[43]؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( واسم المدينة التي ولد فيها كرشنة , مطرا, وفيها عمل الآيات العجيبة )[44]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وفيما كان يسوع في بيت عتيا في بيت سمعان الأبرص تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن، فسكبته على رأسه وهو متكئ)(متى: 26/6و7)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وأتى إلى كرشنة بامرأة فقيرة مقعدة، ومعها إناء فيه طيب وزيت وصندل وزعفران وذباج وغير ذلك من أنواع الطيب، فدهنت منه جبين كرشنة بعلامة خصوصية وسكبت الباقي على رأسه )[45]

    أليس من مرتكزات المسيحية أن المسيح صلب ومات على صليب؟

    قلت: بلى..

    قال: فالهنود يعتقدون هذا.. فهم يقولون أن كرشنة صلب، ومات على الصليب[46].

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( لما مات يسوع حدثت مصائب متنوعة، وانشق حجاب الهيكل من فوق إلى تحت وأظلمت الشمس من الساعة السادسة إلى التاسعة وفتحت القبور وقام كثيرون من القديسين وخرجوا من قبورهم)(متى:22)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( لما مات كرشنة حدثت مصائب وعلامات شر عظيم، وأحيط بالقمر هالة سوداء، وأظلمت الشمس في وسط النهار، وأمطرت السماء نارا ورمادا، وتأججت نار حامية، وصار الشياطين يفسدون في الأرض، وشاهد الناس ألوفا من الأرواح في جو السماء يتحاربون صباحا ومساء، وكان ظهورها في كل مكان )[47]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وثقب جنب يسوع بحربة )؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وثقب جنب كرشنة بحربة)[48]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وقال يسوع لأحد اللصين الذين صلبا معه: الحق أقول لك، إنك اليوم تكون معي في الفردوس )(لوقا: 23-43)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وقال كرشنة للصياد الذي رماه بالنبلة، وهو مصلوب: اذهب أيها الصياد محفوفا برحمتي إلى السماء مسكن الآلهة)[49]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ومات يسوع ثم قام من بين الأموات )( متى: 28)

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( ومات كرشنة ثم قام بين الأموات )[50]

    ألا يعتقد المسيحيون أن المسيح نزل إلى الجحيم؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( ونزل كرشنة إلى الجحيم)[51]؟

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وصعد يسوع بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوا الصعود )(متى: 24)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وصعد كرشنة بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوا الصعود )[52] .

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ولسوف يأتي يسوع إلى الأرض في اليوم الأخير كفارس مدجج بالسلاح وراكب جواد أشهب، وعند مجيئه تظلم الشمس والقمر أيضا وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء )(متى: 24)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( ولسوف يأتي كرشنة إلى الأرض في اليوم الأخير، ويكون ظهوره كفارس مدجج بالسلاح وراكب على جواد أشهب والقمر وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء )[53]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ويدين يسوع الأموات في اليوم الأخير ) (متى:24/31, ورسالة الرومانيين:14/10)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وهو (أي كرشنة) يدين الأموات في اليوم الأخير )[54]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ويقولون عن يسوع المسيح أنه الخالق لكل شئ، ولولاه لما كان شئ مما كان فهو الصانع الأبدي )(يوحنا:1/1 -3 ورسالة كورنوس الأولى 8/6 ورسالة أفسس:3/9)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( ويقولون عن كرشنة أنه الخالق لكل شئ، ولولاه لما كان شئ مما كان، فهو الصانع الأبدي )[55]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( يسوع الألف والياء والوسط وآخر كل شئ)(سفر الرؤيا:1/8 والاصحاح 23 العدد 13 والاصحاح 31 العدد 6)؟

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( كرشنة الألف والياء وهو الأول والوسط وآخر كل شئ ).

    ألم يرد في الكتاب المقدس أنه لما كان يسوع على الأرض حارب الأرواح الشريرة غير مبال في الأخطار التي كانت تكتنفه, وكان ينشر تعاليمه بعمل العجائب والآيات كإحياء الميت وشفاء الأبرص والأصم والأخرس والأعمى والمريض وينصر الضعيف على القوي والمظلوم على ظالمه, وكان الناس يزدحمون عليه ويعدونه إلها[56]؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( لما كان كرشنة على الأرض حارب الأرواح الشريرة غير مبال بالأخطار التي كانت تكتنفه, ونشر تعاليمه بعمل العجائب والآيات كإحياء الميت وشفاء الأبرص والأصم والأعمى وإعادة المخلوع كما كان أولا ونصرة الضعيف على القوي والمظلوم على ظالمه, وكان إذا ذاك يعبدونه ويزدحمون عليه ويعدونه إلها )[57]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( كان يسوع يحب تلميذه يوحنا أكثر من بقية التلاميذ) (يوحنا:13 /23)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( كان كرشنة يحب تلميذه أرجونا أكثر من بقية التلاميذ )[58] .

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج، وفيما هو يتكلم إذا سحابة ظللتهم وصوت من السحابة قائل: هذا هو ابني الحبيب الذي سررت له، اسمعوا ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جدا )(متى: 17 /1 -9)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وفي حضور أرجونا بدلت هيئة كرشنة، وأضاء وجهه كالشمس، ومجد العلي اجتمع في كرشنة إله الآلهة، فأحنى أرجونا رأسه تذللا ومهابة وتواضعا، وقال باحترام: الآن رأيت حقيقتك كما أنت، وإني أرجو رحمتك يا رب الأرباب، فعد واظهر علي في ناسوتك ثانية أنت المحيط بالملكوت)[59]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( كان يسوع خير الناس خلقا وعلم بإخلاص وغيره، وهو الطاهر العفيف مكمل الإنسانية ومثالها، وقد تنازل رحمة ووداعة وغسل أرجل التلاميذ وهو الكاهن العظيم القادر ظهر لنا بالناسوت )(يوحنا الاصحاح 13)؟

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وكان كرشنة خير الناس خلقا، وعلم باخلاص ونصح، وهو الطاهر العفيف مثال الإنسانية، وقد تنازل رحمة ووداعة وغسل أرجل البرهميين، وهو الكاهن العظيم برهما، وهو العزيز القادرظهر لنا بالناسوت )[60]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( يسوع هو يهوه العظيم القدوس وظهوره في الناسوت سر من أسراره العظيمة الإلهية )(رسالة تيموثاوس الأولى:3)؟

    قلت: بلى..
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ ثانيا ـ الربانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 14:48

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( كرشنة هو برهما العظيم القدوس وظهوره بالناسوت سر من أسراره العجيبة )[61]

    ألا تعتقدون أن يسوع المسيح هو الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، فقد جاء فيها أن كرشنة هو الأقنوم الثاني من الثالوث عند الهنود القائلين بألوهيته [62].

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وأمر يسوع كل من يطلب الإيمان بإخلاص أن يفعل كما يأتي: وأما أنت فمتى صلبت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية )(متى:6 /6)؟

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وأمر كرشنة كل من يطلب الإيمان بإخلاص أن يترك أملاكه وكافة ما يشتهيه ويحبه من مجد هذا العالم ويذهب إلى مكان خال من الناس ويجعل تصوره في الله فقط )[63]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شئ لمجد الله )(رسالة كورنسوس الأولى 10/31)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وقال كرشنة لتلميذه الحبيب أرجونا إنه مهما عملت ومهما أعطيت الفقير ومهما فعلت من الفعال المقدسة الصالحة فليكن جميعه بإخلاص لي أنا الحكيم والعليم ليس لي ابتداء وأنا الحاكم المسيطر والحافظ)[64]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( من يسوع في يسوع وليسوع كل شئ، كل شئ كان به و غيره لم يكن شئ مما كان )(يوحنا: 1/1 -3)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( قال كرشنة: أنا علة وجود الكائنات في كانت، وفي تحل وعلي جميع ما في الكون يتكل وفي يتعلق كالؤلؤ المنظوم في خيط )[65]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( ثم كلمهم يسوع قائلا: أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة )(يوحنا:8/12)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وقال كرشنة: أنا النور الكائن في الشمس والقمر، وأنا النور الكائن في اللهب، وأنا نور كل ما يضيء ونور الأنوار ليس في ظلمة )[66]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( قال له يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي الأب الأبي )(يوحنا: 14 /6)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( قال كرشنة: أنا الحافظ للعالم وربه وملجئه وطريقه )[67]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وقال يسوع أنا هو الأول والآخر ولي مفاتيح الهاوية والموت ) (رؤيا يوحنا:1/17 -18)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وقال كرشنة: أنا صلاح الصالح، وأنا الابتداء والوسط والأخير والبدي وخالق كل شئ وأنا فناؤه ومهلكه )[68]

    ألم يرد في الكتاب المقدس:( وقال يسوع للفلوج: ثق يا بني مغفورة لك خطاياك, يا بني اعطني قلبك والمدينة لا تحتاج إلى شمس ولا إلى قمر ليضيا فيهما الخروف سراجهما )(متى:9/2، وسفر الأمثال: 23 /26، وسفر الرؤيا:12 /23)؟

    قلت: بلى..

    قال: فقد ورد مثلها في كتب الهنود، لقد جاء فيها:( وقال كرشنة لتلميذه الحبيب: لا تحزن يا أرجونا من كثرة ذنوبك، أنا أخلصك منها، فقط ثق بي وتوكل علي واعبدني واسجد لي ولا تتصور أحدا سواي، لأنك هكذا تأتي إلي، إلى المسكن العظيم الذي لا حاجة فيه لضوء الشمس والقمر اللذين نورهما مني)[69]

    قال هذا، ثم صمت، أما أنا فقد بهت في هذا التطابق العجيب بين ديانة الهنود القدامى، وبين ما نقوله نحن عن المسيح.

    التفت إلي، وقد رأى صمتي، فقال بعبارة ساخرة: ألا تقولون بأن محمدا لم يأت بجديد، فأي جديد جاءت به المسيحية بعد هذا؟

    أخبرني لو أن طالبا قدم بحثه لينال أي درجة.. ثم بعد أن قدم بحثه ونال درجته وجد أنه سبق لنفس البحث، ولو ببعض وجوه المطابقات.. هل تتركون له درجته؟

    قلت: لا..

    قال: فكيف تتركون لمعتقداتكم التي هي نسخ طبق الأصل من هذه المعتقدات هذه المصداقية؟

    سكت قليلا، ثم قال: لاشك أنك تحفظ نص قانون الإيمان المسيحي.

    قلت: أجل.. وكيف لا أحفظه؟

    قال: اقرأ علي.

    رحت أقرأ عليه.. نؤمن بإله واحد،وأب ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى ولا يرى، وبرب واحد، يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من الأب قبل كل الدهور، نور من نور إله، حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر الذي به كان كل شيء، الذي من أصلنا نحن البشر، ومن أجل خلاص نفوسنا نـزل من السماء، وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، وتأنّس (صار إنساناً) وصلب في عهد (بيلاطس) النبطي، وتألم، وقبر، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب، وأيضاً أتى في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء )

    ابتسم، وقال: حتى هذا القانون له مصدر خارجي من عقيدة الهنود القدماء في الشمس، يقول (مافير) في كتابه المطبوع عام 1895م والذي ترجمه إلى العربية (نخلة شفوات) عام 1913م:( لقد ذكر في الكتب الهندية القديمة التي ترجمت إلى الإنكليزية شارحة عقيدة الهنود القدماء ما نصه:( نؤمن بسافستري( أي الشمس ) إله واحد ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، وبابنه الوحيد آتي (أي النار) نور من نور، مولود غير مخلوق، تجسد من فايو (أي الروح) في بطن مايا (أي العذراء)، ونؤمن( بفايو )الروح الحي، المنبثق من الأب والابن الذي هو مع الأب والابن يسجد له ويمجد)

    فالثالوث الهندي القديم هو: سافستري التي تمثل الشمس، والتي تمثل للمسيحيين الآب السماوي، وآتي: أي الابن، وهو النار المنبثقة من الشمس، وهو المسيح بالنسبة للمسيحيين، وفايو، وهو نفخة الهواء أو الروح القدس عند المسيحيين.

    ليس ذلك فقط.. بل إن مقارنة بسيطة بين ما يقوله البوذيون تؤكد أنه لا ينبغي لأي مسيحي في العالم أن يبحث مع مسلم هذه النقطة .. لأنه في بحثه معه عنها يكون كمن يبحث عن حتفه بظلفه.

    وهذه مقارنة بسيطة بين ما يقوله المسيحيون في المسيح وما يقوله البوذيون في بوذا:

    أقوال الهنود في بوذا ابن الله

    أقوال المسيحيين في يسوع المسيح ابن الله.

    1. ولد بوذا من العذراء مايا بغير مضاجعة رجل.

    2. كان تجسد بوذا بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا.

    3. لما نزل بوذا من مقعد الأرواح،ودخل في جسد العذراء مايا،صار رحمها كالبلور الشفاف النقي، وظهر بوذا فيه كزهرة جميلة.

    4. ولد بوذا ابن العذراء مايا التي حل فيها الروح القدس يوم عيد الميلاد"أي في 25 كانون الأول".

    5. وعرف الحكماء بوذا وأدركوا أسرار لا هوته ولم يمض يوم على ولادته حتى حياه الناس ودعوه إله الآلهة.

    6. كان بوذا ولداً مخيفاً،وقد سعى الملك بمبسارا وراء قتله لما أخبروه أن هذا الغلام سينـزع الملك من يده إن بقي حيّا.

    7. لما صار عمر بوذا اثنتي عشرة سنة دخل أحد الهياكل،وصار يسأل أهل العلم مسائل عويصة،ثم يوضحها لهم حتى فاق مناظريه كافة.

    8. ودخل بوذا مرة أحد الهياكل، فقامت الأصنام من أماكنها وتمددت عند رجليه سجوداً له.

    9. لما عزم بوذا على السياحة،قصد التعبد والتنسك،وظهر عليه(مارا)أي الشيطان كي يجربه.

    10. فلم يعبأ بوذا بكلام الشيطان، بل قال له:"أذهب عني".

    11. وصام بوذا وقتاً طويلاً.

    12. وقد عُمد بوذا المخلص وحين عمادته بالماء كانت روح الله حاضره، وهو لم يكن الإله العظيم فقط، بل وروح القدس الذي فيه صار تجسد كوتا حالما حل على العذراء.

    13. وعمل بوذا عجائب وآيات مدهشه لخير الناس،وكافة القصص المختصة فيه حاوية لذكر أعظم العجائب مما يمكن تصوره.

    14. لما مات بوذا ودفن أنحلت الأكفان، فتح غطاء التابوت بقوة غير طبيعية(أي بقوة إلهية).

    15. وصعد بوذا إلى السماء بجسده لما أكمل عمله على الأرض.

    16. ولسوف يأتي بوذا مرة ثانية إلى الأرض ويعيد السلام والبركة فيهاً.

    17. بوذا الألف والياء ليس له ابتداء ولا انتهاء وهو الكائن العظيم و الواحد الأزلي.

    18. قال بوذا:"فلتكن الذنوب التي ارتكبت في هذه الدنيا علىِّ لأخلص العالم من الخطيئة.

    19. قال بوذا إنه لم يأت لينقض الناموس كلا،بل أتى ليكمله وقد سره عد نفسه حلقه في سلسلة المعلمين الحكماء.

    20. وكان قصد بوذا تشييد مملكة دينية أي مملكة سماوية.

    21. وقال بوذا:"الرجل العاقل الحكيم لا يتزوج قط، ويرى الحماة الزوجية كأتون ناره متأججة ومن لم يقدر على العيشة الرهبانية يجب عليه الابتعاد عن الزنى.

    22. كان بوذا يعلم أفكار الناس عندما يدير تصوراته نحوهم، ويقدر على معرفة أفكار المخلوقات كلها.

    ومن جملة الألقاب والأسماء التي يدعون بها بوذا "أسد سبط ساقنا-وحكيم ساقيا-والواحد السعيد-والمعلم،والغالب، والواحد المبارك-ورب العالمين –والحاضر-وإله الجميع-والعظيم-والأبدي-ومزيل الآلام والألقاب-وحافظ العالم-والإله بين الآلهة-والمسيح-والمولود الوحيد-وطريق الحياة…

    1. ولد يسوع المسيح من العذراء مريم بغير مضاجع رجل.

    2. كان تجسد يسوع المسيح بواسطة حلول روح القدس على العذراء مريم.

    3. لما نزل يسوع من مقعد السماوي، ودخل في جسد مريم العذراء صار رحمها كالبور الشفاف النقي،وظهر فيه يسوع كزهرة جميله.



    4. ولد يسوع ابن العذراء مريم التي حل فيها الروح القدس يوم عيد الميلاد"أي في 25كانون الأول".

    5. وقد زار الحكماء يسوع وأدركوا أسرار لا هوته، ولم يمض يوم على ولادته حتى دعوه إله الآلهة.



    6. كان يسوع ولداً مخيفاً، سعى الملك هيرودوس وراء قتله،كي لا ينزع الملك من يده.



    7. لما صار عمر يسوع اثنتي عشرة سنة جاؤوا به إلى "الهيكل"أورشِليم،وصار يسأل الأحبار والعلماء مسائل مهمة، ثم يوضحها لهم وأدهش الجميع.



    8. وكان يسوع مارّاً قرب حاملي الأعلام فأحنت الأعلام رؤوسها سجوداً له.



    9. لما شرع يسوع في التبشير،ظهر له الشيطان كي يجربه.



    10. فأجابه يسوع،وقال:"اذهب يا شيطان"



    11. وصام يسوع وقتاً طويلاً.

    12. ويوحنا عند يسوع بنهر الأردن، وكانت روح الله حاضرة،وهو لم يكن الإله العظيم فقط،بل و الروح القدس الذي فيه تم تجسده، عندما حل على العذراء مريم، فهو الآب والابن والروح القدس.

    13. وعمل يسوع عجائب وآيات مدهشة لخير الناس وكافة القصص المختصة فيه حاوية لذكر أعظم العجائب مما يمكن تصوره.

    14. لما مات يسوع ودفن أنحلت الأكفان، وفتح القبر بقوة غير اعتيادية،أي بقوة إلهية.

    15. وصعد يسوع بجسده إلى السماء من بعد صلبه لما كمل عمله على الأرض.

    16. ولسوف يأتي يسوع مرة ثانية إلى الأرض ويعيد السلام والبركة فيها.

    17. يسوع الألف والياء، ليس له ابتداء ولا انتهاء، وهو الكائن العظيم، والواحد الأبدي.

    18. يسوع هو مخلص العالم،وكافة الذنوب التي ارتكبت في العالم تقع عليه عوضاً عن الذين اقترفوها ويخلص العالم.

    19. وقال يسوع:"لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لا نقض بل لأكمل.



    20. ومن ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرر ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات".

    21. "فحسن للرجل أن لا يمس امرأة ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أسلم من التحرق.





    22. كان يسوع يعلم أفكار الناس عندما يدير تصوراته نحوهم وأنه قادر على معرفة أفكار المخلوقات كلها.



    ويدعون يسوع المسيح u بمثل الأسماء والألقاب التي دعي بها بوذا، ومنها أسد سبط يهوذا- المخلص-المولود البكر-إلهاً مباركاً، قدوس الله، إلها مباركاً إلى الأبد-ملك الملوك-حمل الله-رب المجد-رب الأرباب-الفادي-المخلص-الوسيط-الكلمة-ابن الله –المولود البكر-حامل الآثام…



    ***

    ما انتهينا من حديثنا إلى هذا الموضع حتى دخل علينا ولد له، صغير السن، ولكنه عظيم الأدب، فحيانا، صافحني، وصافح أباه، ثم استأذنني في الحديث مع والده، فأذنت له مبتسما، فقال لوالده: لقد أكملت حفظ ما كتبته لي في الصباح.. فهل أعرضه عليك الآن، أم أنتظر إلى المساء؟

    قال والده: إن أذن لك عمك، اعرضه علي الآن.

    التفت الولد إلي، فقلت: اعرض على والدك ما تشاء، فيشرفني أن أرى مدى نجابتك.

    لم أكن أتصور أن ما سيعرضه ولده هو القرآن..

    أخذ ولده يرتل القرآن ترتيلا خاشعا تتفطر له القلوب.. بعد أن انتهى دعا له والده، وقال: اذهب لتستريح الآن، وسنبدأ حفظ ربع جديد غدا إن شاء الله بعد صلاة الفجر.

    دهشت لقوله، فصحت من غير أن أشعر: هل أسلمت؟

    قال: ما كان لعقلي أن يظل على جحوده.

    قلت: لم نسمع بذلك..

    قال: الله سمع بذلك..

    لم أدر ما أقول له، هل أبارك له إسلامه، أم ألومه عليه.

    قلت: إذن لن تترجم لنا الكتاب المقدس بالصفة التي نشتهي.

    قال: عساني لو أنبأتك عن سر إسلامي لم تصدق.

    قلت: بلى.. أصدقك.. فمثلك لا يكذب.

    قال: لقد كانت محاولاتي لترجمة الكتاب المقدس ترجمة تتصف بما ذكرته هي التي جعلتني أهتدي إلى القرآن الكريم كلام الله.

    قلت: عجيب هذا.. كيف حصل ذلك؟

    قال: قبل عشر سنوات خطرت على بالي الفكرة التي خطرت على بالكم.. فرحت أقرأ القرآن، وأتأمل أسرار التعبير فيه محاولا اقتناص أصولها لتطبيقها على الكتاب المقدس.

    قلت: هذا ما كنت أود أن أقوله لك.

    قال: لكني ما دخلت بحر القرآن حتى صرت كالسمك الذي يختنق إذا أخرج منه.

    لم أستطع أن أخرج من ذلك الجمال، وتلك العظمة التي شربتها من معين القرآن العذب.

    قلت: ومحاولتك ترجمة الكتاب المقدس؟

    قال: حاولت.. بل بدأت.. لكني فشلت.

    كلما ترجمت إصحاحا.. وملأته بكل ما قدرت عليه من محسنات التعبير، كلما كرت المعاني الوضيعة التي تمتلئ بها كثير من الأعداد والإصحاحات على ما أرهقت نفسي فيه لتمحوه..

    ظللت أكتب وأمحو.. أسجل وأقطع.. إلى أن علمت أن محاولاتي تلك تشبه محاولة عطار أتي بعجوز شمطاء سوداء ليحول منها شابة تنافس الجميلات.

    قلت: فماذا فعلت؟

    قال: ما يفعل العاقل.. أترى لو خيرت بين تلك العجوز.. وبين جميلة الجميلات، أترغب في العجوز!؟

    التفت إلي، وقد رآني محتارا، فقال: لا تتعجب.. كثير هم مثلي.. أنا لست سوى واحد منهم.. كنت مخلصا للكتاب المقدس.. ولا أزال مخلصا لكلمات الله المقدسة..

    ليس كل ما في كتبنا مما قدر الكذبة على تحريفه.. هناك أشياء كثيرة لا تزال صحيحة.. يمكنك أن تعبر منها لتصل إلى القرآن..

    لقد ذكر القرآن هذا البصيص من النور الذي اهتدى به أحبارنا للقرآن وللإسلام، فقال:) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)((المائدة)

    قلت: فهل سأرجع إلي أخي خائبا؟

    قال: لا.. لن ترجع خائبا.. سترجع بحيرة جديدة.. وببصيص جديد من النور.. ستهتدي به بعد ذلك إلى شمس محمد.. هذا ما حصل لي أنا.. لقد ظللت أجمع أنوار محمد إلى أن وصلت إلى شمسه.

    خرجت، فحياني الحراس الذين قابلوني تلك المقابلة، فانتحيت بأحدهم جانبا، وقلت: لم نصبكم هذا الرجل حراسا عليه؟

    قال: هو لم ينصبنا.. نحن الذين نصبنا أنفسنا.. لقد رأينا اثنين يهمان بقتله.

    قلت: ولماذا؟

    قال: أما أحدهما، فيزعم أنه أهان كتابه، وأما الآخر، فيزعم أنه أهان تفاسير كتابه.

    عندما رجعت إلى غرفتي بتلك الحيرة، وبذلك النور، مددت يدي إلى محفظتي لأستخرج بعض ما أحتاجه منها، فامتدت يدي إلى الورقة التي سلمها لي صاحبك، فعدت أقرأ فيها..

    لقد أيقنت حينها أن هذا السور الثاني من أسوار الكلمات المقدسة.. سور الربانية.. لم يتحقق به أي كتاب في الدنيا غير القرآن الكريم.
















    ([1]) انظر رسالة ( الله ) من هذه السلسلة.

    ([2]) انظر التفاصيل المرتبطة بهذا في رسالة (معجزات علمية) من هذه السلسلة.

    ([3]) سنذكر الأمثلة من الكتاب المقدس عن هذا في الفصول التالية.

    ([4]) ذكر هذه الأمثلة، وبتفصيل جميل كتاب (شبهات المشككين)، وهو من مصادرنا المهمة في الرد على الشبهات، وهو من نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في وزارة الأوقاف المصرية، وقد جمع هذا الكتاب مائة وسبع وأربعين شبهة من الشبهات المعروفة التى قام بها المشككون ورد عليها تفصيلا.

    وقد اشترك فى هذا العمل العلمى الكبير عدد من العلماء المعروفين ممن لهم باع طويل فى مجال الدراسات الإسلامية.

    وقد منعنا من التوثيق الرقمي لما ننقله منه أننا استفدنا ما فيه من معلومات من نسخته الالكترونية، والتي توجد في موقع وزارة الأوقاف المصرية على هذا الرابط: http://www.islamic-council.com





    ([5]) لقد وردت تحريفات كثيرة في كتب التفسير لما ورد في القرآن من عفاف يوسف u ينبغي التحذير منها، بل وتطهير كتب التفسير منها، ومما ورد من ذلك أن همه كان معصية، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، قال القرطبي:« وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القشيري أبو نصر، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم »

    ويروون لتأييد ذلك الروايات الكثيرة عن السلف الصالح y، فيروون عن ابن عباس t قوله:« حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن »، وعنه:« استلقت، على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه »، وعن سعيد بن جبير:« أطلق تكة سراويله »، وعن مجاهد:« حل السراويل حتى بلغ الأليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته »

    وتصور هؤلاء أن الحكمة في ذكر ذلك في القرآن الكريم أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب، ويروون عن الحسن قوله:« إن الله ' لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها؛ ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة »، وعن الغزنوي:« مع أن زلة الأنبياء حكما: زيادة الوجل، وشدة الحياء بالخجل، والتخلي عن عجب، العمل، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل »

    ولكن هذه الحكمة ليست بشيء أمام المخاطر المنجرة عن رمي الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بمثل هذا، وأقلها سقوط منزلة الأنبياء من عيون الناس، وهو ما يمهد للتفلت من أحكام الشريعة بحجة أن الأنبياء وقعوا في مخالفتها. انظر: القرطبي: 9/166، البيضاوي: 3/282، الطبري: 12/183، الدر المنثور: 4/521، الألوسي: 3/411، الثعالبي: 2/232، وغيرها..

    ([6]) وقد ورد القرآن بمثل هذا النوع من القصص كقصة أهل الكهف وعاد وثمود وغيرها.

    ([7]) انظر التفاصيل المرتبطة بهذا في كتاب (موانع الزواج) من سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية) للمؤلف.

    ([8]) انظر التفاصيل المثبتة لذلك في رسالة (معجزات علمية) من هذه السلسلة.

    ([9])وقد نص على ذلك سعيد بن جُبَيْر، والسُّدِّيّ، وابن جُرَيج وغيرهم؛ وكان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رُسْتم واسفنديار، ولما قدم وجد رسول الله r قد بعثه الله، وهو يتلو على الناس القرآن، فكان إذا قام r من مجلس، جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول: بالله أيهما أحسن قصصا؟ أنا أو محمد؟

    ([10]) القائلون بهذا اختلفوا فيما بينهم:

    فمنهم من ينسب مصادره إلى اليهودية، وكل من يؤرخ للنشاط الاستشراقي يؤكد أن أقدم دراسة استشراقية كانت بعنوان (ماذا اقتبس محمد عن اليهودية)، وكان ذلك عام 1134م على يد المستشرق اليهودي الألماني أبراهام جايجر، وقد نال عن دراسته تلك جائزة الدولة البروسية (انظر: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص17)

    وهؤلاء يذهبون إلى أن محمدا r كان على دين اليهود، وأرسله اليهود لتدمير المسيحية التي تهدد كيانهم.. ومن ثم اقتبس عن كتبهم العقائد والشرائع والقصص.

    ولكن أكثرهم يخالف هذا الرأي ويزعم زعماً آخر وهو أن محمدا r كان مسيحياً من نصارى مكة، أعده ورقة بن نوفل بالتعاون مع الراهب بحيرا وحداد رومي اسمه يسار.. لإعادة الروح إلى المسيحية في الجزيرة العربية. لكن محمداً r خدعهم فأعجب بنفسه .. فادعى النبوة.

    والجاحدون من دعاة المسيحية في هذا الزمان يقولون فيما وافق القرآن به كتبهم، أنه مأخوذ منها بدليل موافقته لها. وفيما خالفها أنه غير صحيح بدليل أنه خالفها. وفيما لم يوافقها ولم يخالفها به أنه غير صحيح، لأنه لم يوجد عندنا، وهذا منتهى ما يُكابر به مُناظِر مناظراً ( انظر: الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص32-39 والقرآن ليس دعوة نصرانية، د. سامي عصاصة ص65-117. ووحي الله، د. حسن عتر، ص139-165)

    ومن الردود التي رد بها على هذه الشبه:

    1. أن من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمداً r بعد الهجرة بالعداوة صراحة.

    2. إن قريشاً أحرص من المنصرين على إثبات بشرية مصدر الوحي ولكنهم لم يرصدوا ذهابه إلى معلم كتابي واحد، ومن غير الممكن أن يتردد محمد r إلى بيت معلم يعلمه دون أن يلاحظ ذلك أحد، فمكة المكرمة مدينة صغيرة المساحة، أحياؤها ـ بل بيوتها ـ معروفة لكل واحد من أهلها.

    3. لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغاً فكرياً ورقياً حضارياً، وفاقد الشيء لا يعطيه (انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي 6/8. ود. إسرائيل ولفنسون، تاريخ اليهودية في بلاد العرب، ص42)

    ولم يكن النصارى أحسن حالاً منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم ـ على الأقل ـ، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم، فلا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء.. من الصعب على الباحث أن يجد فرقاً كبيراً بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين. ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى ان من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام (انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، الفصل166، 4/ 1311)

    4. أن محمدا r لم يعاشر إلا قومه، ولم يثبت أبداً أنه خرج من مكة قبل البعثة إلا مرتين فقط: مرة وهو صغير مع عمه أبي طالب ومرة في تجارة خديجة وكان مرافقاً له غلامها ميسرة.

    5. أن الغالبية العظمى من القصص القرآني كانت في السور المكية، أي قبل هجرة الرسول r إلى المدينة المنورة واحتكاكه باليهود.

    6. لو كان للاتصال باليهود ذلك الأثر الكبير في دعوى النبوة، فلماذا لم ينتقوا أحداً من أهل يثرب أو رجلاً من القريتين عظيم، أو عبد الله بن أبي سلول ـ ليحمي دعوتهم بجاهه وماله؟

    7. أن في القرآن الكريم قصصاً لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام.. كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى u ونفى رصلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا وقبائح.

    8. أن معجزة القرآن الكريم البلاغية التي عجز العرب عن مضاهاتها ـ يستحيل أن تكون من تعليم أعاجم.

    9. أنه من غير المستغرب أن يجلس محمد r إلى حداد رومي لبعض حاجات بيته الطبيعية، وليس من المنطق أن يكون القرآن الذي أعجز العرب، قد ألقاه إليه ذلك الحداد في عجالة وهو جالس عنده في السوق.. وهل الجلوس عند الحداد فيه من الراحة والاستعدادات النفسية والذهنية ما يؤهله للتعلم.

    10. أسباب النزول تنفي التعلم المسبق للنبي r، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم.. هل كانوا لا يُرَون إلا من قِبَل محمد r؟

    11. لا يمنع أن يوجد في القرآن الكريم ما يوافق ما سبق من كتب سماوية، فالقرآن الكريم لا يقول بأنها كلها محرفة بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف، ومثله ما نسب إلى كتب جهلة اليهود والهراطقة مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.

    12. مخالفة القرآن الكريم عقائد أساسية تميزت بها اليهودية والمسيحية.. كتفضيل الجنس اليهودي وتكريمه على الناس بقبول عبادته لله عز وجل، وكذلك أساس عقيدة النصارى من تثليث وفداء وخلاص.

    وعلى هذا فلا يمكن القبول بأن الإسلام ما هو إلا فرع من شجرة اليهودية أو النصرانية ـ المحرفة عن الإسلام ـ بل هي ذات الرسالة وعين العقائد والمبادئ العامة التي دعا إليها الإسلام.

    (انظر: بذل المجهود في إفحام اليهود، السموءل، ص147. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل عباس، ص197. ووحي الله، د. حسن عتر، ص185، وانظر: شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن، إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف، من موقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)

    ([11])وقد أطلق هذه الشبهة أمثال المستشرق نورمان دانيال الذي ذكر أن محمداً r تعلم القرآن الكريم من راهب نصراني اسمه بحيرى أو جرجيس أو سرجيوس .

    وهم يعللون ذلك للتشابه بين بعض محتويات القرآن الكريم وكتب أهل الكتاب.

    ([12]) بالإضافة إلى هذا كله، فإن في الحدود شكوكا من جهة السند، فما أن ‏الترمذي ‏ قال:« ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏ ‏لا نعرفه إلا من هذا الوجه » إلا أن العلماء تعرضوا لرواته بالنقد:

    فالفضل بن سهل بن إبراهيم الأعرج، قال فيه عبدان بن أحمد الأهوازى: سمعت أبا داود السجستانى يقول: أنا لا أحدث عن فضل بن سهل الأعرج . قلت: لم؟ قال: لأنه كان لا يفوته حديث جيد .. وقال فيه أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفى: كان أحد الدواهى.

    أما عبدالرحمن ابن غزوان، فقد ذكره ابن حبان فى كتاب (الثقات)، و قال: كان يخطىء يتخالج فى القلب منه لروايته عن الليث، عن مالك، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة قصة المكاكيك.

    أما يونس بن أبي إسحق، فقد قال فيه عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبى عن يونس بن أبى إسحاق، فقال: حديثه مضطرب، و قال فى موضع آخر: سألت أبى عن عيسى بن يونس، فقال: عن مثل عيسى يسأل؟ قلت: فأبوه يونس؟ قال: كذا و كذا، وقال أبو حاتم: كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه.

    أما أبو بكر راوي الحديث عن أبيه أبي موسى الأشعري، فلا يوجد دليل واحد على أنه سمع حديثاً عن أبيه، وذلك لأنه توفي عام 106 هـ بينما توفي والده أبو موسى الأشعري عام 42 هـ عن عمر ناهز 63 عاماً كما روى الإمام شمس الدين الذهبي.

    وهذا يعني أنه عاش 64 عاماً أو نحوها بعد وفاة أبيه مما يؤكد أنه كان صبياً وقتها فكيف حفظ هذا الحديث؟

    وقد رفض الإمام أحمد قبول روايته، ويعتبره ابن سعد كاذباً ولا يؤخذ بقوله.

    ([13]) قس ونبي: 129.

    ([14])من غرائب كذب هؤلاء أنهم يزعمون في مواقعهم على الانترنت أنه كان في مكة أكثر من كنيسة ودير .. ولسنا ندري مرجعهم في ذلك.

    ([15])تاريخ اليعقوبي: 1/ 157 .

    ([16]) بالإضافة إلى ما ذكرناه من ردود حول تلقي محمد r من بحيرا وورقة نذكر هذه الردود ملخصة على حسب ما ورد في كتب المسلمين من الرد على هذه الشبهة:

    1. أن في الشبهة اتهاما للناسكين المتعبدين بالكذب والخداع، ومن غير المعقول أن يكون أواخر عهد ناسكين متعبدين، تسهيل مهمة شخص مخادع يدعي أنه موحى له من عند الله.

    2. قصر الوقت الذي شاهدهما فيه، فما في القرآن من عقائد وشرائع وقصص تحتاج إلى فترة زمنية طويلة. بل المنطق يقول إن أي إنسان عادي، لن يستطيع تأليف قوانين وشرائع مماثلة لتلك الموجودة في القرآن الكريم، إلا بعد مكث سنوات طويلة من التعلم.

    3. أين قريشاً منهما، ولماذا لم يحضروهما ليكونا دليلاً بين أيديهم على بشرية مصدر القرآن الكريم؟

    4. لم يصدر عن أي من ملوك النصارى العرب، أو الروم، أو القبط، أو الأحباش.. الذين وصلتهم رسالة الإسلام، أن ما في القرآن الكريم مسروق من عندهم.

    5. لماذا لم يستخدما رجلاً أغنى وأكثر جاهاً منه r، ليسهل عليهم المهمة؟

    6. كان عمره r عندما قابل بحيرا أول مرة تسعة أعوام، ولما تاجر لخديجة كان عمره خمسة وعشرين عاماً. وفي الأولى كان معه عمه، وفي الثانية ميسرة غلام خديجة.

    7. هل كان لدى ورقة بن نوفل أي حصيلة علمية أو معرفية، تؤهله ليكون مصدر القرآن الكريم؟

    8. كيف يستطيع ورقة ـ وهو كبير السن ـ أن يصعد إلى الجبل الذي فيه غار حراء، رغم أن صعوده شاق على أشد الشباب قوة؟

    9. لم يتهم أي مشرك محمداً r بأنه كان يقابل ورقة، رغم أن ذلك الزعم أقوى من اتهام حداد رومي.

    10. لماذا تأخر ورقة في إعلان نبوة محمد r إلى أن بلغ من العمر عتياً، وهل كان يضمن أنه سيعيش ذلك العمر؟

    11. أين باقي تلاميذ بحيرا وورقة؟ هل من المعقول أن لا يكون لهما إلا تلميذ واحد يتيم فقير؟ ولماذا لم تبعث قريش بفتيانها إليهما ليتعلموا؟

    12. هل رافق بحيرا وورقة محمداً r في كل حركاته وسكناته؟ إن في أسباب النزول رداً مباشراً على زعمهم.

    13. لو كان لورقة ذلك التأثير على محمد r، لكان أول من يذهب إليه r بُعَيد نزول الوحي عليه وهو في غار حراء، قبل أن يعود إلى بيته.

    14. لم يذكر التاريخ أن هنالك زيارات معتادة بين بيتي محمد r وورقة، ولم يكن بينهما صداقة معروفة قبل البعثة.

    15. لم يزر بحيرا مكة ولا المدينة قبل أو أثناء البعثة النبوية، فكيف له أن يعرف ظروف بيئة الرسول r وأحداثاً قبل الهجرة في مكة كموقف المشركين من الدعوة، وغيرها من أسباب نزول الآيات المكية. وبعد الهجرة: كالغزوات والعلاقة مع المنافقين.. وغيرها من أسباب نزول الآيات المدنية؟ (انظر: شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن، إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف، من موقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)

    ([17]) رواه البخاري وغيره.

    ([18]) وهو الذي خاصم الحضرمي إلى رسول الله r فقال للحضرمي:« بينتك وإلا فيمينه قال: يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي فقال رسول الله r: من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مالاً لقي الله وهو عليه غضبان فقال امرؤ القيس: يا رسول الله ما لمن تركها وهو يعلم أنها حق قال:« الجنة » قال:« فأشهدك أني قد تركتها له »

    ([19]) النحل في اللغة كما ذكر في لسان العرب وانْتَحَل فلانٌ شِعْر فلانٍ أَو قالَ فلانٍ إِذا ادّعاه أَنه قائلُه. وتَنَحَّلَه: ادَّعاه وهو لغيره.

    وفي مختار الصحاح و نَحَلَهُ القول من باب قطع أي أضاف إليه قولا قاله غيره وادَّعاه عليه و انْتَحَل فُلان شِعْر غيره أو قول غيره إذا ادَّعاه لنفسه و تَنَحّل مثله وفُلان يَنْتَحِلُ مذهب كذا وقبيلة كذا إذا انتسب إليه‏.

    ([20]) وقد نصر هذه الشبهة الكثير من المستشرقين من أمثال بيرسي هورنستاين - يوليوس فلهاوزن -د.بروس و د. لوبون.

    ([21])رواه الطبري في تفسيره (15/127).

    (2) انظر الحديث في: البخاري: 2/942، النسائي: 6/416.

    ([23])المراد بالغرانيق: الأصنام ؛ وكان المشركون يسمونها بذلك تشبيهًا لها بالطيور البيض التى ترتفع فى السماء.

    ([24])من الروايات الواردة في ذلك ما روي عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية:) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (لنجم:19)، قرأها رسول الله r فقال:« تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترجى »، فسجد رسول الله r، فقال المشركون: إنه لم يذكر آلهتهم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه، فأنزل الله:) )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج:52) إلى قوله:) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (الحج:55) أخرجه ابن جرير ( 17 / 120 )

    ([25]) هذا ما يشيعه المسيحيون في مواقعهم التبشيرية الكثيرة.

    ([26]) رواه ابن جرير.

    ([27])انظر أيضاً قاموس الكتاب المقدس طبعة بيروت 1964 تحت كلمة فوريم ص699.

    ([28]) ذكر المفسرون في هذا أن أيوب u كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته [ قيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه ] فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة.

    فلما شفاه الله وعافاه أفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثًا -وهو: الشِّمراخ-فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة وقد بَرّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه.

    قد استدل كثير من الفقهاء بهذا على مسائل في الأيمان وغيرها وأخذوا بمقتضاها ولكن الأولى عدم رجحان ذلك، لأن الله وضع لنا المخرج ذلك بالكفارة .. فالكفارة تغني عن الاحتيال .. ويدل لذلك قوله r:« النذر نذران، فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين » رواه النسائي. انظر: ابن كثير:7/76.

    ([29])وفي ذلك يقول رسول الله r:« من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يَعصي الله فلا يَعصِه » رواه البخاري.



    ([30]) ففي جميع أسفار التوراة الخمسة مثلا لا نجد نصا صريحاً عن الآخرة، وأقرب نص في الدلالة على يوم القيامة ما جاء في سفر التثنية:« أليس ذلك مكنوزاً عندي مختوماً عليه في خزائني، لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم » ( التثنية 32/34 - 35 )

    ([31])ألفت كتب مهمة للدلالة على هذا لعل أهمها كتاب: Incarnation in Hinduism and Christianity: The myth of the God Man.أي « التجسد في الهندوسية والمسيحية: أسطورة الإله ـ الإنسان » لمؤلف وباحث أمريكي معاصر، وأمين مكتبة إلهيات في نيوجرسي، يدعى الأستاذ: دانييل إي. باسوك Daniel E. Bassuk وقد ترجمه إلى العربية وقـدّم له وعـلّق عليه: سـعـد رسـتم.

    و يتضمن الكتاب عرضاً مقارناً لعقيدة التجسد ـ أي الاعتقاد بظهور الله بشكل إنسان على الأرض ـ في الديانة الهندوسية والديانة النصرانية.

    ومؤلف الكتاب من جملة المحققين الغربيين المعاصرين الذين ذهبوا إلى أن عقيدة التجسد في المسيحية عقيدة خرافية وفكرة وثنية دخيلة نفذت إلى المسيحية من وثنية اليونان و الرومان، الأمتان اللتان كان لهما الدور الأساسي في انتشار المسيحية.

    ([32])انظر: خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى ,للعلامة دوان 278.

    ([33])كتاب تاريخ الهند:2/ 329.

    ([34])كتاب تاريخ الهند:2/ 317و236.

    ([35])كتاب فشنوا بورانا:502، وهو كتاب الهنود المقدس.

    ([36])خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى ,للعلامة دوان 379.

    ([37]) المرجع نفسه: 279.

    ([38])الديانات الشرقية:500, وكتاب الديانات القديمة:2/353.

    ([39])تاريخ الهند:2/ 317.

    ([40])كتاب فشنو بورانا, الفصل الثاني,من الكتاب الخامس.

    ([41])كتاب فشنو بورانا, الفصل الثالث.

    ([42])دوان:280.

    ([43])المقدمة على انجيل الطفولية , تأليف هيجين, وكذلك الرحلات المصرية لسفاري:136.

    ([44])تاريخ الهند: 2/318, والتنقيبات الآسيوية: 1/ 259.

    ([45])تاريخ الهند: 2/320.

    ([46])ذكره دوان في كتابه وأيضا كوينيو في كتاب الديانات القديمة.

    ([47])كتاب ترقي التصورات الدينية: 1/71.

    ([48])دوان:282.

    ([49])كتاب فشنو برونا ص612.

    ([50])كتاب العلامة دوان:282.

    ([51])دوان:282.

    ([52])دوان:282.

    ([53])دوان:282.

    ([54])دوان:283.

    ([55])دوان:282.

    ([56]) انظر الأناجيل والرسائل ترى هذا وغيره.

    ([57])دوان:283.

    ([58])كتاب بها كافات كيتا.

    ([59])كتاب دين الهنود, لمؤلفه مورس ولميس, ص215.

    ([60])دين الهنود لمؤلفه مورس ولميس , ص144.

    ([61])كتاب فشنو بورانا, ص492, عند شرح حاشية عدد3.

    ([62])موريس ولميس في كتابه المدعو العقائد الهندية الوثنية, ص10.

    ([63])ديانة الهنود الوثنية ص211.

    ([64])موريس ولميس في كتابه ديانة الهنود الوثنيين ص212.

    ([65])موريس ولميس , ديانة الهنود الوثنيين, ص212.

    ([66])موريس ولميس في ديانة الهنود الوثنيين, ص213.

    ([67])دوان, ص 283.

    ([68])موريس ولميس وكتابه ديانة الهنود الوثنيي, ص213.

    ([69])موريس ولميس وكتابه ديانة الهنود الوثنيين,ص213.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 14:24