..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة 5: الرجال المسلمون يظلمون النساء من خلال تعدد الزوجات ـ د.نضير خان
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty10/11/2024, 21:08 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty10/11/2024, 21:05 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty10/11/2024, 21:02 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty10/11/2024, 20:59 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty10/11/2024, 20:54 من طرف Admin

» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty10/11/2024, 20:05 من طرف Admin

» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty9/11/2024, 17:10 من طرف Admin

» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty9/11/2024, 17:04 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty9/11/2024, 16:59 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty9/11/2024, 16:57 من طرف Admin

» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty7/11/2024, 09:30 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty19/10/2024, 11:12 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty19/10/2024, 11:10 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty19/10/2024, 11:06 من طرف Admin

» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty19/10/2024, 11:00 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68501
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:12

    خامسا ـ العقلانية

    في اليوم الخامس.. أرسل إلي أخي يطلبني في أمر مهم، فذهبت إليه، فقال: سيأتيك اليوم رجل من حكماء الإسكندرية.. لكأنه وريث فلاسفتها.. هو مسيحي مثلنا تماما، ولكنه صاحب عقل حجب به عن المسيح، وعن الكتاب المقدس.. فلذلك ترى له من الهرطقات ما لا نرتضيه.

    قلت: أتريد مني أن أجادله، أو أناقشه لأقنعه؟

    قال: لا هذا ولا ذاك.. دعه يتحدث كما يشاء.. لا تجادله، ولا تناقشه، بل إن استطعت أن توفر له ما يدعوه ليفرغ كل ما في عقله من هرطقات فافعل.

    قلت: لم خصصت هذا الرجل دون غيره بهذه المعاملة؟

    قال: هذا الرجل فيه صفتان.. إن نفرتنا الأولى عنه، فإن الثانية تقربنا منه.

    قلت: عرفت الأولى.. فما الثانية؟

    قال: هو صاحب مال كثير.. وهو وإن تناولنا بلسانه، فإنه يناولنا بيده ما يغطي جرائم لسانه.. إن كثيرا من طبعات الكتاب المقدس تتم تحت نفقته.. وهو يوزعها بعد ذلك بالمجان.. بل ييسر لنا توزيعها.. إذ يخص بها طبقات مهمة في المجتمع قلما نصل نحن إليها، هي طبقات المتعلمين والجامعيين.

    قلت: فليكن ما تريد.. متى يحضر هذا الرجل السخي العاقل؟

    قال: بل قل: السخي الهرطقي.. سيحضر اليوم.. وستستقبله في مكتبك.

    قلت: ولم لا تستقبله أنت؟

    قال: أنت تعرف قلة صبري أمام كل ما يمس المسيح ودين المسيح.

    قلت: أجل.. فاترك ذلك لي.

    لست أدري كيف شعرت بلذة عظيمة، وأنا أستعد لأسمع من كلام العقل والحكمة ما ينير لي الطريق الذي كان مظلما في عيني.. لم أكن حينها لا في دين المسيح، ولا في دين محمد.. ولكني مع ذلك كنت أشعر أن خيوطا كثيرة بدأت تتجمع لتجذبني إلى دين محمد.

    ذهبت إلى مكتبي، ففوجئت بوقوف الرجل أمام بابه ينتظرني، كان ـ بحسب شكله ـ رجلا منشغلا عن نفسه، لا تظهر عليه آثار النعمة التي حدثني عنها أخي.. وكأنه اكتفى بما لديه من حكمة وعقل عن المال الذي يملكه.

    رحبت به، وادخلته مكتبي، وقلت مجاملا له: ها قد جاء حكيم الإسكندرية أخيرا لزيارتنا.. وليملأنا شرفا وحكمة.

    اكتفى بالابتسامة، وقال: الحكمة لا تختص بالإسكندرية.. والعقل لا يختص بأحد من الناس.. العقل نهر جار ممدود بمنابع لا تجف، ليصل لكل الناس.

    قلت: ولكن أكثر الناس يغلقون حنفيات عقولهم ليمتنعوا من الارتواء بهذا النهر الجاري.

    قال: أجل.. وهم لذلك يموتون عطشا.. تموت عقولهم التي هي سر حياتهم.. وسر وجودهم.. وهم يتعذبون قبل موتهم.. لأنه لا لذة بلا عقل.

    قلت: هل جئت تحدثني عن العقل.. أم عن الكتاب المقدس؟

    قال: عن كليهما.. عن إخضاع العقل للكتاب المقدس؟ أو إخضاع الكتاب المقدس للعقل؟

    قلت: الكمال في إخضاع العقل للكتاب المقدس.

    قال: أجل.. العقل لا بد أن يخضع لشيء في النهاية.. لأنه مثل مسافر يبحث عن مستقر يستقر فيه.. ويلقي عصا الترحال.

    قلت: وذلك المستقر هو الكتاب المقدس.. وحقائق الكتاب المقدس.. وشرائع الكتاب المقدس.

    قال: نعم.. لابد من وجود مقدس يخضع له العقل.. ولكن لا بد أن يرضى العقل عن هذا المقدس أولا.. وإلا عاش في عناء.

    قلت: كيف ذلك؟

    قال: عندما يئوب المسافر إلى مستقره، فإنه يختار دارا صالحة ليعيش فيها طول عمره.. أليس كذلك؟.. أم تراه يكتفي بأي دار.. يعيش فيها، وهو لا يرضى عنها.

    قلت: قد يضطر إلى أن يعيش في دار لا يرضى عنها.

    قال: وسيتألم بذلك طول عمره.

    قلت: وقد يتعود.

    قال: أنت تتحدث عن مضطر.. فلماذا لا تنزع الاضطرار، وتلبس ثياب الغنى التي ألبستها.. العقل غني لأنه ممدود بنهر لا يجف.. فلماذا لا يرتضي من السكنى إلا ما يصلح له، ويسعد به؟

    قلت: ذلك صحيح.. فمن فتح الله عليه بفتوح المال لن يعيش إلا سعيدا بمستقر صالح.

    قال: ومن فتح عليه فتوح العقل كذلك.

    قلت: وهل ترى هؤلاء الخلق الكثيرون ضيعوا مفاتيح عقولهم؟

    قال: أكثرهم كذلك.. فلا تحزن عليهم..ولنبحث عن مفاتيح عقولنا.. فقد جئت إليك لأجل هذا.

    قلت: لم أفهم ما الذي تقصد.

    أخرج من محفظته نسخة من الكتاب المقدس، وقال: جئت لنخضع هذا الكتاب لموازين العقل.. لأنه لا يصح أن نسكن عقولنا بيوتا لا ترضاها.

    قلت: أتريد أن تنتقد الكتاب المقدس الذي هو وحي وإلهام.

    قال: نحن لا ننتقد الوحي والإلهام.. ولكنا نريد أن نبحث عن الحقيقة.. قد يكون كثير مما في هذا الكتاب وحيا أو إلهاما صادقا.. ولكن الكثير منه أيضا قد يكون هرطقات تلبست لباس الوحي.. أو خرافات تزينت بزينة الإلهام.

    قلت: فأنت تريد أن تنقي الكتاب المقدس مما يخالف العقل.

    قال: وأتقرب إلى الله بذلك.. ألسنا لا نزرع الزرع إلا بعد أن ننقي التربة؟

    قلت: أجل..

    قال: فكذلك لا يصح أن نعبد الله وفي عقولنا من بذور أشواك الكتاب المقدس ما قد يجرحنا في أي لحظة.

    قلت: فكيف ننقي الكتاب المقدس؟.. وهل لديك مشروع لذلك؟

    قال: أجل.. وقد جئت لأجله.. وأنا لا أمل من طرحه.

    قلت: فما يتضمن هذا المشروع؟

    قال: شيئان.. الإيمان والسلوك.. وإن شئت سميتهما العقيدة والشريعة.

    قلت: أترى في عقائد الكتاب المقدس وشرائعه ما يخالف العقل؟

    قال: فيه ما يخالف العقل، كما أن فيه ما يوافقه.. وسأطرح عليك كلا الأمرين لتميز بين الطيب والخبيث، والحكمة والخرافة.

    1 ـ العقيدة

    قلت: فلنبدأ بالعقيدة.

    قال: لقد رأيت في الكتاب المقدس نصوصا كثيرة تنسجم مع العقل انسجاما تاما، بل تنسجم مع الكون جميعا.. وقد اعتبرتها أصلا في الكتاب المقدس، واعتبرت كل ما خالفها هرطقات زجها الدجالون ليأكلوا بها الخبز.

    قلت: فما هي هذه النصوص المحكمة التي هي أم الكتاب المقدس وأصله؟

    قال: هي نصوص كثيرة تاه عنها المحرفون، أو كتبوها وهم غافلون.. هي ـ باختصار ـ كل النصوص التي توحد الله وتعظمه وتفرده بالعبادة:

    منها ما في (سفر التثنية: 6: 4 ):( الرب إلهنا رب واحد )، وفيه ( 4: 35 ): ( أن الرب هو الإله. ليس آخر سواه )

    ومنها ما في (سفر إشعياء: 44: 24 ):( أنا الرب صانع كل شيء ).. وفيه (45: 5 ):( أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي ).. وفيه( 46: 9 ):( لأني أنا الله وليس آخر.الإله وليس مثلي )

    ومنها ما في (سفر هوشع: 13: 4 ):( وإلهاً سواي لست تعرف )

    ومنها ما في (سفر حبقوق: 1: 12):( ألست أنت منذ الأزل يا ربُّ إلهي قدوسي لا تموت )

    ومنها ما في (إنجيل متى: 4: 10 ) من أقوال المسيح:( للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد )، وفيه:( ( 6: 24 ):( لا يقدر أحد أن يخدم سيدين )، وفيه (22: 37 - 38 )من أقوال المسيح:( تحب الرب إلهك من كل قلبك …..هذه هي الوصية الأولى والعظمى )، وفيه (23: 9 ) من أقوال المسيح:( لأن أباكم واحد الذي في السماء ) وفيه (19: 17 )، وفي (إنجيل مرقس: 10: 18) من أقوال المسيح:( ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله )

    ومنها ما في (إنجيل مرقس: 12: 29 ) من أقوال المسيح:( إن أول كل الوصايا… الرب إلهنا رب واحد )، وفيه (13: 32 ) من أقوال المسيح:( وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب )

    ومنها ما في (إنجيل يوحنا: 1: 18 ):(  الله لم يره أحد قط ) وفيه (17: 3 ) من أقوال المسيح:( أنت الإله الحقيقي وحدك ) وغيرها من النصوص المحكمة التي تنسجم مع العقل السليم.

    قلت: فما الذي تراه في الكتاب المقدس يخالف العقل من أمور العقيدة؟

    قال: نصوص كثيرة تصور الله في صورة حقيرة لا تليق بجلاله، ولا تليق بهذا الكون الذي خلقه.

    قلت: ومن الذي أخبرك بأن تلك صورة مشوهة؟.. ألا يمكن أن تكون هي الصورة الحقيقية؟

    قال: يستحيل ذلك.. فأحكام العقل والمنطق تحيل على مبدع هذا الكون أن يكون بتلك الصفة المشوهة التي رسمه بها أولئك الكتبة الأغبياء المشعوذون.

    لقد ذكر القرآن.. وهو كتاب المسلمين المقدس.. بعض التحريف الذي كان يمارسه الكتبة على صفات الله، فقد نص على أنهم ينسبون لله أوصافا لا تليق بكرمه ولطفه وجلاله.. اسمع لما يقول القرآن:) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ((المائدة: من الآية64)

    قلت: فكيف صدقت القرآن.. وكذبت اليهود؟

    قال: بالعقل.. العقل دلني على صدق القرآن.. وعلى كذب اليهود.

    قلت: فهل رأى عقلك يد ربك المبسوطة؟

    قال: أجل.. إن الكرم العظيم الذي وفر على مائدة الأرض لينعم به الكل من الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ما نعلمه وما لا نعلمه.. يحيل البخل على صاحب هذا الكون ومبدعه.

    قلت: ألا يمكن أن يكون ما نسبه محمد لليهود نوعا من الدعاية ضدهم؟.. لقد كان بينه وبينهم عداوة.

    قال: ولكن عداوته لهم، أو عداوتهم له.. لم تخرجه عن الحق.. لقد قرأت كتاب محمد بكل موضوعية وحياد، وعرضته على موازين العقل.. فرأيته ينسجم انسجاما تاما معها.. بل إني استفدت منه فوق ذلك موازين عقلية كبرى.. كانت عندي أدق من الموازين التي ذكرها أرسطو وغيره من الفلاسفة.

    إن القرآن ـ يا صاحبي ـ كتاب العقل.. ولا يفهمه إلا صاحب عقل.

    ليس هناك كتاب في الدنيا مجد العقل، ودعا لاستعماله كالقرآن.. أقول ذلك مع أني مسيحي.. ولكن مسيحيتي لن تحول بيني وبين الإقرار بالحق لأهله.

    اسمع ما يقول القرآن، وهو ينعى المقلدين الذين اكتفوا بما ورثوه عن آبائهم، ولم يعملوا عقولهم:) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ((البقرة:170)

    بل إنه يعتبر عدم سلوك سبيل العقل نوعا من العبودية للشياطين، فهو يقول:) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ((لقمان:21)

    ولهذا أخبر القرآن أن الحجاب الأكبر بين هؤلاء الذين حجبوا بأسلافهم عن عقولهم واتباع الحق هو عدم استعمال عقولهم.. لقد ورد فيه:) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ((هود:109)

    ولهذا يذم القرآن كثيرا من لا يعقلون.. ويقصد بهم من لا يستخدمون عقولهم، فهو يقول:)وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ((المؤمنون:80).. وقد ورد هذا التوبيخ (أفلا تعقلون) في القرآن أكثر من أربع عشرة مرة.

    والقرآن يخبر عن الأسف الكبير الذي يقع فيه هؤلاء عندما يكتشفون الأخطاء الكبرى التي وقعوا فيها بسبب حجب عقولهم، فيقول مخبرا عنهم:) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ((الملك:10)

    وانطلاقا من هذا نجد الأوامر القرآنية الكثيرة بالتثبت وإعمال العقل قبل الحكم على أي شيء، فهو يقول:) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً((الاسراء:36)، ويقول:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ((الحجرات:6)

    وهو يبين أن الغاية من إنزال القرآن هو عرضه على العقل ليستفيد منه، فهو يقول:) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ((الزخرف:3)، ويقول:) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ((يوسف:2)

    ويختم آيات الوصايا والأحكام بمثل هذه اللازمة ليدل على أهمية العقل في تعقل الأحكام وفهمها، فهو يقول:) قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ((الأنعام:151)

    ويقول في فاصلة أحكام أخرى:) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ((النور:61)

    وبما أن العلم الصحيح هو ثمرة العقل الصحيح، فقد مجد القرآن العلم، بل دعا إلى البحث عن الله بالعلم، فهو يقول:) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ((محمد: من الآية19)، وهو يعتبر أهل العلم شهودا ودلائل على الله، فيقول:) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ((آل عمران:18).. بل يعتبر الخشية من الله قاصرة على أهل العلم، فيقول في معرض ذكره لآيات الله الكونية:) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ((فاطر: من الآية28).. ولهذا فإن الرفعة والمكانة في الإسلام ليست بمراتب الناس في سلالم الكهنوت، بل بمراتبهم في درجات العلم.. لقد نص القرآن على هذا:) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ((المجادلة: من الآية11)

    والقرآن بسبب هذا.. بسبب خضوعه أحكامه للعقل المجرد.. لم يسر شيئا، ولم يكتم شيئا من الحقائق.. بل نهى أن يكتم شيء منه، فهو يقول:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ((البقرة:159)

    ولهذا لا يوجد في الإسلام أسرار.. وبناء على هذا لا يوجد في المسلمين (رجل دين) كما نعرفه عندنا.. بل حقائق الإسلام جميعا يتضمنها القرآن الذي يقرؤه الكل.. الصغار والكبار والنساء والرجال والعامة والخاصة سواء بسواء.

    قلت: أراك وقعت في استطراد طويل عما كنا فيه.

    قال: لا.. لم أقع في استطراد.. بل كان هذا من صلب ما جئت من أجله.

    قلت: حسبتك جئتك لأجل الكتاب المقدس.

    قال: نعم.. جئت لأجله.. ولكن الكتاب المقدس الذي يعرض في بلادكم ليس هو الكتاب المقدس الذي ينبغي أن يعرض في بلادنا.

    قلت: ما تقول؟

    قال: نحن في مجتمع يمجد العقل.. ويخضع جميع أحكامه للعقل، فكيف تريد منا أن نعرض عليهم الكتاب المقدس بما يمتلئ به من خرافات وأساطير.. أتريد أن يرموه في وجوهنا.

    قلت: ولكن مجتمعنا كذلك يمجد العقل.. وهل هناك فرق بين المجتمعات في هذا حتى يكون لكل مجتمع كتابه المقدس؟

    قال: نعم هناك فرق بين المجتمعات.. بل هناك فروق كبرى في المجتمعات في هذا.

    سكت قليلا، ثم قال: أنا لم أقل هذا لأسيء إلى مجتمعاتكم، ولا لأثني على مجتمعاتنا.

    فمجتمعاتكم تستعمل العقل.. بل قد تستعمله أكثر من مجتمعاتنا.. ولكنها تستعمله في الرياضيات والفيزياء والتكنولوجيا.. لذلك تفرغ طاقاتها العقلية في هذه المجالات.. فإذا جاءت لشؤون الدين استراح عقلها.. واكتفى بأن يسمع ويقلد ويخضع.

    هي تتصور ذلك كمالا.. لأنها تتصور قضايا الدين قضايا ثانوية.

    بينما في مجتمعاتنا التي يهيمن عليها الفكر القرآني تعتبر هذه القضايا قضايا أساسية، فلذلك تجادل وتناقش وتبحث.

    إن القرآن دعا إلى النظر والاعتبار.. فامتلأت به عقول الناس.. فصاروا يخضعون كل شيء لعقولهم.. بما فيها الدين نفسه:

    فالقرآن يقول لهم:) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ((آل عمران:137)

    لقد ورد الأمر بالنظر والبحث في مواضع كثيرة من القرآن.. فهو يقول:)  فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ((الحشر: من الآية2)، ويقول:) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ((يونس: من الآية101)، ويقول:) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ((البقرة: من الآية219)، ويقول:) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ((الأنعام: من الآية50)، ويقول:) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ((لأعراف:184)، ويقول:) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ((الروم:8)

    لقد ذكر القرآن التفكر في أكثر من سبعة عشر موضعاً.. فكيف تسوي بين مجتمع هذا فكره.. وبين مجتمعكم الذي حجر العقل على المادة وما يرتبط بالمادة.. وترك الدين لرجال الدين ليحتكروه لأنفسهم؟

    قلت: أتريد منا إذن أن نغير الكتاب المقدس الخاص بمجتمعاتكم؟

    قال: إذا أردتم أن تبقى المسيحية في مجتمعاتنا.. فعدلوا في الكتاب المقدس كما عدله أسلافنا وأسلافكم.

    قلت: اذكر لي أمثلة عن هذه التعديلات التي تريد إجراءها.

    قال: في العقيدة.. لا زلنا في العقيدة.

    قلت: أجل..

    قال: سأقرأ عليك نصوصا من الكتاب المقدس لترى هل يمكن أن تظل هذه النصوص نصوصا مقدسة نعتبرها وحيا لله ونتعبد الله بتلاوتها ونشرها.

    قلت: اقرأ..

    فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( لأجل ذلك يا أهوليبة، قال السّيّد الرّب: ها أنذا أهيج عليك عشاقك: ينزعون عنك ثيابك.. ويتركونك عريانة وعارية، فتنكشف عورة زناك ورذيلتك وزناك. تمتلئين سكرًا وحزنًا كأس التّحيّر والخراب.. فتشربينها وتمتصّينها وتقضمين شقفها. وتجتثّين ثدييك لأنّي تكلّمتُ. فهو ذا جاءوا. هم الذين لأجلهم استحممتِ. وكحّلتِ عينيك وتحلّيت بالحليّ. وجلستِ على سرير فاخر.. فقلت عن البالية في الزّنا الآن يزنون زنًا معها )(حزقيا23: 22)

    أغلق الكتاب المقدس، وقال: هكذا يتكلم السيد الرب في الكتاب المقدس.. قارن هذا الكلام بما في القرآن.. قارنه بما يتحدث به الله لعباده عندما يقول:) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ((الزمر: من الآية53)

    وقارنه بقوله:) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ((البقرة:186)

    وقارنه بقوله:)قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ((ابراهيم:31)

    وقارنه بقوله:) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ( (العنكبوت:56)

    قارن هذه النصوص القرآنية بما ورد مثلها من الكتاب المقدس من خطاب الرب لعباده.. اسمع..

    فتح الكتاب المقدس وراح يقرأ من مواضع متفرقة:

    اسمع من (عامو 7: 16):( وقال الرّبّ لمصيا: أنت تقول لا تتنبّأ على إسرائيل. لذلك قال الرّبّ: امرأتك تزني في المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسّيف )

    اسمع من (ارميا 8: 10):( قد رفضوا كلمة الرّبّ.. لذلك أعطي نساءهم لآخرين وحقولهم لمالكين. لأنّهم من الصّغير إلى الكبير. كلّ واحد منهم مولع بالرّبح من النَّبيِّ إلى الكاهن )

    اسمع من (إشعيا 3: 16):( قال الرّبّ: من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدوات الأعناق وغامزات بعيونهن وخاطرات في مشيهن ويخشخشن بأرجلهن يصلِع السّيّد هامة بنات صهيون ويعرّي الرّبّ عورتهن )

    اسمع من (إرميا 13: 22):( لأجل عظمَة إثمِكِ: هُتِكَ ذَيلاكِ وانكشف عقباك.. فسقك وصهيلك ورذالة زناك: فأنّا أرفع ذيليك على وجهك فيُرى خزيك )

    اسمع من (ناحوم 3: 4):( من أجل زنا الزّانية الحسنة الجمال صاحبة السّحر البائعة أممًا بزناها وقبائل بسحرها. ها أنذا عليك يقول ربّ الجنود: فأكشف أذيالك إلى فوق وجهك، وأُري الأممَ عورتك )

    اسمع من (تثنية 28: 15):( خاطب الرّبّ بني إسرائيل مهدّدًا إيّاهم: أن لم تسمع لصوت الرّب إلهك: تأتي عليك جميع اللعنات وتدركك.. تخطب امرأة، ورجل آخر يضطجع معها )

    اسمع من (هوشع 2: 2):( حاكموا أمّكم لأنّها ليست امرأتي وأنا لست رجلها لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها لئلا أجرّدها عارية ولا أرحم أولادها لأنّهم أولاد زنا.. والآن أكشف عورتها أمام عيون مُحبّيها )

    أغلق الكتاب، وقال: أهذا هو الرب الذي يدل على كل شيء.. أهذا هو الرب الرحيم الودود.. لماذا نفخر على المسلمين بأن ( الله محبة) بينما نحن ننجسه بهذه الهرطقات التي نملأ بها كتابنا المقدس.

    سكت قليلا، ثم قال: ألا ترى العقل يدل على العدل الإلهي، والرحمة الإلهية؟

    قلت: بلى..

    قال: لكن الكتاب المقدس يخبرنا عن رب عنصري.. رب مختص بإرضاء بني إسرائيل.. أما من عداهم فهم كلاب أبناء كلاب.

    اسمع بما يوصينا الرب في الكتاب المقدس:

    اسمع ما ورد في (تثنية 23: 19):( لا تقرض أخاك بربا.. للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرّبّ إلهك في كلّ ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها )

    واسمع (تثنية 15: 1):( هذا هو حكم الإبراء: يبرى كلّ صاحب دَيْن يده ممّا أقرض صاحبه. لا يطالب صاحبه ولا أخاه. لأنّه قد نودي بإبراء للرّبّ. الأجنبي تُطالب)

    واسمع ما جاء في سفر أشعيا (49/22-23) من أن الرب أمر كل أجنبي إذا لقي يهوديا أن يسجد له على الأرض، ويلحس غبار نعليه.. اسمع:( هكذا قال السيد الرب ها اني أرفع إلى الامم يدي و الى الشعوب اقيم رايتي فياتون باولادك في الاحضان و بناتك على الاكتاف يحملن 23 ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك بالوجوه الى الارض يسجدون لك و يلحسون غبار رجليك فتعلمين اني انا الرب الذي لا يخزي منتظروه )

    بل حتى المسيح قوله الكتاب المقدس عن الله وعن عنصرية الله ما لا يرضاه البشر لأنفسهم.. اسمع ما ورد في (متّى 15: 26ف) فَأَجَابَ: ( لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِجِرَاءِ الْكِلاَبِ )

    واسمع ما ورد في (مرقص 7/ 27):( وارْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيْهِ، 27وَلكِنَّهُ قَالَ لَهَا: (دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ! فَلَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ)

    بينما قرآن المسلمين ينطق بما ينطق به العقل حينما يقول:) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ((الحجرات:13).. وعندما يقول:) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً((النساء:123)

    بل إن القرآن يأمر بالعدل مع الأعداء.. اسمع هذه الآية التي نفتقد مثلها في كتابنا المقدس:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ((المائدة:8)

    بل إن القرآن يتنزل في الدفاع عن يهودي.. لا يزال قومه أعدى أعداء محمد.. اسمع:) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً((النساء:107)

    لقد نزلت هذه الآية وما بعدها دفاعا عن يهودي.. فالناس سواسية أمام الله.. العقل يقول هذا.. والقرآن يقول هذا.. ولكن كتابنا المقدس المشحون بالعنصرية الإسرائيلية يخالف هذا.. ليجعل من هذا الكون العريض دائرة محورها ومركزها شعب إسرائيل المدلل.

    فتح الكتاب المقدس، وقال: اسمع جمال تعبير الكتاب المقدس حينما يريد أن يعبر عن علم الله:( لأن جهالة الله احكم من الناس. وضعف الله اقوى من الناس )( كورنثوس 1:25 )

    بينما يعبر القرآن عن نفس المعنى، فيقول:) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ((الأنعام:59)

    ويقول على لسان لقمان، وهو يعظ ابنه:) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ((لقمان:16)

    ويعبر عن طلاقة قدرته، فيقول:) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً((فاطر:44)

    بينما يقول الكتاب المقدس عن هذا:( وكان الرب مع يهوذا فملك الجبل، ولكن لم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات حديد )(القضاة: 1: 19)

    فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الارض وولد لهم بنات أن ابناء الله رأوا بنات الناس أنهنّ حسنات. فاتّخذوا لانفسهم نساء من كل ما اختاروا. فقال الرب لا يدين روحي في الانسان الى الابد. لزيغانه هو بشر وتكون ايامه مئة وعشرين سنة. كان في الارض طغاة في تلك الايام. وبعد ذلك ايضا اذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم اولادا. هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر في الارض. وان كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم. فحزن الرب انه عمل الانسان في الارض. وتأسف في قلبه فقال الرب امحو عن وجه الارض الانسان الذي خلقته. الانسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لاني حزنت اني عملتهم وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب)(تكوين: 6/1-8)

    التفت إلي، وقال: وبعد أن محا الرب الحياة من على وجه الأرض بالطوفان ـ ماعدا نوح الذي كان من نسل أبناء الله وبنات الله ولم يكن من نسل بنات الناس  ـ ندم الرب مرة أخرى، ( وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضا من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت )( سفر التكوين: 8 / 20 - 22 )

    وحتى لاينسى الله عهده مع نوح بألا يُغرق الأرض مرة أخرى وضع قوسه في السحاب , فعندما يرى المطر هاطلا يضع قوس قزح، فيذكر أنه قد عقد عقدا مع نوح ألا يُغرق الأرض فيكف المطر.. اسمع هذا الخبر العلمي الذي يقوله الكتاب المقدس:( وقال الله: هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم الى أجيال الدهر. وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب , أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم فلا تكون أيضا المياه طوفانا.. فمتى كان القوس في السحاب أبصرهم لأذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض )( سفر التكوين:9/12-17)

    لم يندم الله في هذه المرات فقط.. بل له أيام ندم أخرى:

    اسمع ما ورد في سفر يونان (5:3-10) عندما نادى أهل نينوى بصوم لعل الله يندم عن حمو غضبه، فلما رأى الله أعمالهم:( ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم )

    أو اقرأ ما ورد في سفر العدد:( وقال الرب لموسى: حتى متى يهينني هذا الشعب!! حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليّ ).. ولكنه ما إن قدمت له قرابين اللحم المشوي حتى عفا عنهم وأعطاهم كل طلباتهم, وندم على مانوى أن يفعله بهم.. وفوق ذلك كتب ميثاقا جديدا ليعطيهم أرض كنعان.

    أو اقرأ ما ورد في سفر صموئيل الأول (: 15: 11-10 ) بعدما جعل الرب شاول ملكا على بني إسرائيل, وفعل شاول جميع الموبقات, ندم الرب أنه جعله ملكا.. اسمع ما جاء في الكتاب المقدس من هذا الاعتراف الإلهي:( وكان كلام الرب إلى صموئيل قائلا: ندمت على أني قد جعلت شاول ملكا , لأنه لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي. فاغتاظ صموئيل وصرخ إلى الرب الليل كله )

    وفيه:( ولم يعد صموئيل لرؤية شاول إلى يوم موته لأن صموئيل ناح على شاول والرب ندم لأنه ملّك شاول على إسرائيل )[1]

    أو اقرأ ما ورد في سفر صموئيل الثاني (24: 17- 24 ) من أن الرب غضب على بني إسرائيل، وجعل فيهم وباء، فقتل سبعين ألف رجل.. ولما بسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها:( ندم الرب عن الشر، وقال للملاك المهلل للشعب: كفى , الآن رويدك ).. وتقدم داوود، وقال للرب: ها أنا أخطأت، وأنا أذنب، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا , فلتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي.. وقام داود وصنع اللحم المشوي الذي يحبه الرب جدا وحسُن في عيني الرب ما فعل داود وتنسم نسيم الرضا عن الشعب.

    وندم الرب مرة عندما جعل سليمان ملكا , لأن سليمان حسب زعمهم عبد آلهة كثيرة وصنع لها المعابد وقرب لها القرابين ولم يكن مخلصا لله.

    أو اقرأ ما ورد في سفر الملوك الأول (: 21 و 22 ):( وقد غضب الرب على آخاب , وأرسل الروح القدس ليضله , ولكن آخاب تواضع للرب فندم الرب على إغوائه آخاب , ثم عاد آخاب وغضب الرب على إبن آخاب بدلا منه , وجعل الشر عليه بدلا من أبيه.. )

    أو اقرأ ما ورد في سفر عاموس ( 7: 1-3 ):( نشر الله الجراد في أرض إسرائيل عقوبة لها فكلمه عاموس قائلا: أيها السيد الرب أفصح كيف يقوم يعقوب - إسرائيل - فإنه صغير , فندم الرب على هذا , وعندما غضب الرب على الملك حزقيال وقرر أن يميته , بكى حزقيال وقام وصلى , فندم الرب ورجع عن قراره وزاده خمس عشرة سنة من العمر )( سفر الملوك الثاني 20: 6-1 ).

    أو اقرأ ما ورد في (سفر إرميا: 15: 6 ):( أنت تركتني يقول الرب. الى الوراء سرت فامدّ يدي عليك واهلكك. مللت من الندامة )

    والعجب كل العجب أن يثبت كل هذا الكلام المدنس بتشويه الرب بمثل هذا الكلام المقدس  الذي في سفر العدد (: 23: 19 ):( ليس الله إنسانا فيكذب ولا ابن إنسان فيندم, هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي )


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:24 عدل 1 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68501
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ خامسا ـ العقلانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:13

    إن هذا الكلام هو الذي يتوافق مع ما ورد في القرآن من وصف الله، فالله في القرآن فعال لما يشاء، لا يؤثر فيه شيء، ولا يتأثر لشيء.. وهو ما يتناسب مع صفات الله التي يدل عليها العقل.. فخالق هذا الكون له من العظمة والعلم والقدرة والإرادة ما لا يقهره أي قاهر.. والندم حالة من حالات الضعف لا يتصف بها الأقوياء من البشر، فكيف يتصف بها الله.

    إن الندم يدل على جهل النادم بعواقب عمله.. والأكياس من البشر بنظراتهم الثاقبة للمستقبل يتحرزون منه بتلك النظرات.. فكيف بالله العليم الخبير..

    اسمع ما يقول القرآن في وصف قرارات الله:) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ((الأنعام:115) وفيه:) لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ((يونس: من الآية64)، وفيه:) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ((يونس:82)، وفيه:) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً((الكهف:27)

    وسر ذلك هو أن الله خبير عليم بالأشياء وبتفاصيل الأشياء لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.

    العقل يدل على ذلك.. والقرآن يدل على ذلك.. فالله الذي خلق الإنسان، ويعلم خصائصه الظاهرة والباطنة،كيف لا يعلم مستقبل الإنسان.. ورد في القرآن في وصف الله:) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ((الملك:14)

    وذلك، كما أن صانع الآلة ومخترعها هو خبير بإمكانيتها، وبما يحصل لها من عطب، وبما يؤول إليه أمرها، فيتعامل معها، وكأنها جزء منه، بخلاف من يتعامل معها تعامل المستهلك الذي لا يرى منها إلا جانبها المنفعي المحدود.

    سكت قليلا، ثم قال: ليس هذا فقط ما ورد في الكتاب المقدس من تشويه لله.. الكتاب المقدس مليء بتشبيهات غريبة لا تليق بالله.. هل ترضى أن يشبهك بعضهم بصخرة؟.. لا شك أنك لا ترضى.. ولكن الله ربنا يشبهه الكتاب المقدس بالصخرة.. اسمع ما ورد في (1صموئيل1:2):( قالت حنة: ارتفع قرني بالرب. اتسع فمي على أعدائي. وليس صخرة مثل إلهنا. قسي الجبابرة انحطمت.. والضعفاء تمنطقوا بالبأس )

    ولكن هذه الصخرة تضعف أمام يعقوب.. اسمع ما ورد في سفر التكوين(: 32-23):( فبقى يعقوب وحده, وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه - أي لايقدر على يعقوب - ضرب حُق فخذه - أي فخذ يعقوب - فانخلع حُق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال الرب: أطلقني, لأنه قد طلع الفجر, فقال يعقوب: لا أطلقك إن لم تباركني, فقال له - الرب -: ما اسمك؟ فقال: يعقوب. فقال - الرب -: لايدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل إسرائيل لأنك جاهدت - أي صارعت - مع الله والناس فقدرت.. وقال يعقوب: أخبرني باسمك؟ فقال الرب: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فينئيل قائلا: لأني نظرب الله وجها لوجه ونجيت نفسي )

    أهكذا يكون الأدب في التعبير عن الله؟

    نعم نحن نتملص من الألفاظ ومن ظواهر الألفاظ..ولكن التشويهات التي يمتلئ بها الكتاب المقدس تغلبنا بل تصرعنا..

    قد نستطيع ببعض التكلف أن تؤول النص السابق.. ولكن ماذا عسانا نقول في هذا النص الذي ورد في سفر المزامير ( 78: 59 - 68 ):( 59 سمع الله فغضب ورذل اسرائيل جدا 60 ورفض مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس61 وسلم للسبي عزه وجلاله ليد العدو 62 ودفع الى السيف شعبه وغضب على ميراثه 63 مختاروه اكلتهم النار وعذاراه لم يحمدن 64 كهنته سقطوا بالسيف وارامله لم يبكين 65 فاستيقظ الرب كنائم كجبار معّيط من الخمر66 فضرب اعداءه الى الوراء. جعلهم عارا ابديا 67 ورفض خيمة يوسف ولم يختر سبط افرايم. 68 بل اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي احبه )

    ألا يظهر لك في هذا التشبيه أنه من كتابة فاسق سكير؟.. ألم يجد من التشبيهات ما يشبه به ربه سوى الجبار السكران؟

    إن أوصاف الكتاب المقدس لا تعدو وصف بشر.. هو إله بشر.. وليس إلها حقيقيا.. بل هو بشر إسرائيلي.. فنفسية الإنسان إسرائيلي تتجلى فيه أكثر مما تتجلى أي نفسية أخرى.

    هل تتصور أن الذي خلق كل هذا الكون الواسع يصيبه التعب.. الكتاب المقدس ينص على هذا.. اسمع ما ورد في سفر التكوين:( وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه إستراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا )

    وفي سفر الخروج (31:17):( هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلاَمَةٌ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ اسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ )

    هذا يناقض العقل.. ولذلك جاء القرآن ـ الذي نزعم أنه أخذ من الكتاب المقدس ـ ليرد عليه.. اسمع ما يقول القرآن:) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ((قّ:38)

    واسمع هذا الرد البليغ الذي ورد في آية أخرى:) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ((الأحقاف: 33)

    هذه هي صفات الإله الحقيقي التي يدل عليها العقل، وتنسجم مع الوجدان.

    سكت قليلا، ثم قال: هذه هي صفات الله.. أما أوامره فيعتريك منها العجب.. بل الجنون.

    اسمع ما قال الرب لبني إسرائيل حين أرادوا الخروج:( حين تمضون من أرض فرعون: لا تمضوا فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها أمتعة: فضة وذهب وثياباً. وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين ) (خروج3: 21).

    وتمكن بنو إسرائيل بهذا أن يسرقوا أموال المصريين. وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى:( اطلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهبا وثيابا. وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين) ( سفر الخروج 3: 12 )

    اسمع ما يقول القرآن في مقابل هذا الأمر:) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً((النساء:58)

    نعم.. هذا ما ينص عليه قرآن المسلمين.. إنها مواعظ.. بل نعم المواعظ.. وهذا ما يدل عليه العقل.. فالخالق المنعم الذي دبر هذا الكون يستحيل أن يأمر بمثل تلك الأوامر.

    ليست هذه فقط أوامر الرب في الكتاب المقدس.. له أوامر أخرى غاية في الغرابة:

    اسمع ما ورد في سفر هوشع ( 1: 1 ):( أول ماكلم الرب هوشع قال الرب لهوشع: اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى )

    واسمع ما ورد في (حزقيال 4: 12) قال الرّبّ لحزقيال: وتأكل كعكًا من الشّعير على الخراء الذي يخرج من الإنسان: تخبزه أمام عيونهم.. هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النّجس.. قلت: آه يا سيّد الرّبّ: ها نفسي لم تتنجّس ومن صباي إلى الآن لم آكل ميتة ولا فريسة ولا دخل فمي لحم نجس. فقال لي: انظر قد جعلت لك خثي البقر بدل خراء الإنسان. فتصنع خبزك عليه )

    أغلق الكتاب المقدس، وقال: هذه هي صفة الرب في الكتاب المقدس.. فهل تتصور هذا الكون الواسع العظيم البديع من صنع مثل هذا الإله.

    أصدقك القول: ليس هناك كتاب في الدنيا وصف الله فأقره العقل على وصفه مثل قرآن المسلمين[2].

    2 ـ الشريعة

    قال: هذه هي عقيدة كتابنا المقدس.. وسأحدثك عن الشق الثاني الذي جئت من أجله.. إنه الشريعة.. أنا لا يهمني ما ذكر من أحداث تاريخية مما لا يتوافق مع العقل، ذلك أن الدين لا يرتبط بالتاريخ.. بل يرتبط بالله.. وبالعقيدة نعرف الله.. وبالشريعة نعبده، ونتعرف على مراضيه.. بل بالشريعة نزداد حبا له، أو بغضا له.

    قلت: أفي شريعة الكتاب المقدس ما يسيء إلى الله؟

    قال: أرأيت لو نسبت إلى كنيستكم الموقرة قرارات مثل القرارات التي امتلأ بها الكتاب المقدس.. أكنت ترضى بذلك؟

    قلت: اضرب لي مثالا على هذه القرارات.

    قال: سأضرب لك مثالا بما ورد في الكتاب المقدس من أحكام ترتبط بمن أصيب بداء البرص.. وهو داء نادر على العموم، بالإضافة إلى أن عصرنا قد عرف الكثير من أسراره وعلاجه، ولكنه في الكتاب المقدس يحتل مساحة مهمة.

    اسمع ما سأقرؤه عليك، وقارنه بأي شريعة تشاء وردت في كتاب محمد..

    فتح الكتاب، وراح يقرأ:( وَعَلَى الْمُصَابِ بِدَاءِ الْبَرَصِ أَنْ يَشُقَّ ثِيَابَهُ وَيَكْشِفَ رَأْسَهُ وَيُغَطِّيَ شَارِبَيْهِ، وَيُنَادِيَ: (نَجِسٌ! نَجِسٌ!). وَيَظَلُّ طُولَ فَتْرَةِ مَرَضِهِ نَجِساً يُقِيمُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ مَعْزُولاً ) (سفر الللاويين: 13: 45 )

    والكتاب المقدس لا يكتفي بهذا، بل يدعي أن أثواب الصوف والحيطان تصاب هي الأخرى بالبرص، ولهذا إذ اشتبه أهل المنزل في مرض منزلهم بالبرص يأتون الكاهن.. سأقرأ عليك ما قال الكتاب المقدس في هذا:( يَأْتِي صَاحِبُ الْبَيْتِ وَيُخْبِرُ الْكَاهِنَ أَنَّ دَاءَ الْبَرَصِ قَدْ يَكُونُ مُتَفَشِّياً بِالْبَيْتِ، فَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِإِخْلاَءِ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ لِيَفْحَصَهُ. فَإِذَا عَايَنَ الإِصَابَةَ وَوَجَدَ أَنَّ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ نُقَراً لَوْنُهَا ضَارِبٌ إِلَى الْخُضْرَةِ أَوْ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَبَدَا مَنْظَرُهَا غَائِراً فِي الْحِيطَانِ، يُغَادِرُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ وَيُغْلِقُ بَابَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. فَإِذَا رَجَعَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَفَحَصَهُ، وَوَجَدَ أَنَّ الإِصَابَةَ قَدِ امْتَدَّتْ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ، يَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ الْمُصَابَةِ وَطَرْحِهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَتُكْشَطُ حِيطَانُ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيَّةُ، وَيَطْرَحُونَ التُّرَابَ الْمَكْشُوطَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ ) (اللاويين: 14: 35)

    تصور لو أن الكنيسة أصدرت مثل هذا القرار.. وأن هذا الحكم طولب بتطبيقه في مدننا التي تصاب بالبرص.. ما الذي سيحصل؟

    سكت، فقال: لم تنته أحكام البرص بعد.. فهناك برص الثياب، وهو الآخر يحتاج إلى الكثير من التفاصيل.. اسمع:( وَإِذَا بَدَا دَاءُ الْبَرَصِ الْمُعْدِي، فِي ثَوْبِ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ فِي قِطْعَةِ قُمَاشٍ مَنْسُوجَةٍ أَوْ مَحِيكَةٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ فِي جِلْدٍ، أَوْ فِي كُلِّ مَصْنُوعٍ مِنْ جِلْدٍ، وَكَانَتْ إِصَابَةُ الثَّوْبِ أَوِ الْجِلْدِ أَوْ قِطْعَةِ الْقُمَاشِ الْمَنْسُوجَةِ أَوِ الْمَحِيكَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مَصْنُوعٍ مِنْ جِلْدٍ، ضَارِبَةً إِلَى الْحُمْرَةِ أَوِ الْخُضْرَةِ، فَإِنَّهَا إِصَابَةُ بَرَصٍ تُعْرَضُ عَلَى الْكَاهِنِ. فَيَفْحَصُ الإِصَابَةَ وَيَحْجُزُ الشَّيْءَ الْمُصَابَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَفْحَصُهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. فَإِنْ وَجَدَهَا قَدِ امْتَدَّتْ فِي الثَّوْبِ أَوْ قِطْعَةِ الْقُمَاشِ، أَوْ فِي الْجِلْدِ أَوْ فِي كُلِّ مَا يُصْنَعُ مِنْ جِلْدٍ، وَيُسْتَخْدَمُ فِي عَمَلٍ مَا، فَإِنَّ الإِصَابَةَ تَكُونُ بَرَصاً مُعْدِياً وَتَكُونُ نَجِسَةً. فَيُحْرِقُ الْكَاهِنُ بِالنَّارِ الثَّوْبَ أَوْ قِطْعَةَ قُمَاشِ الصُّوفِ أَوِ الْكَتَّانِ أَوْ مَتَاعَ الْجِلْدِ الْمُصَابِ، لأَنَّهُ دَاءٌ مُعْدٍ. لَكِنْ إِنْ وَجَدَ الْكَاهِنُ أَنَّ الإِصَابَةَ لَمْ تَمْتَدَّ فِي الثَّوْبِ أَوْ فِي قِطْعَةِ الْقُمَاشِ الْمَنْسُوجَةِ أَوِ الْمَحِيكَةِ أَوْ فِي مَتَاعِ الْجِلْدِ، يَأْمُرُ بغَسْلِ الشَّيْءِ وَيَحْجُزُهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى) (اللاويين: 13: 47 -53)

    لم تنته أحكام البرص بعد.. فهناك أحكام أخرى ترتبط ببراءة الأبرص.. اسمع ما يقول الكتاب المقدس عن طهارة الأبرص:( وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: هَذِهِ هِيَ نُصُوصُ التَّعْلِيمَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأَبْرَصِ الْمُطَهَّرِ مِنْ بَرَصِهِ. يُحْضِرُونَهُ إِلَى الْكَاهِنِ فِي يَوْمِ شِفَائِهِ، فَيَخْرُجُ الْكَاهِنُ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ لِيَفْحَصَهُ فَإِنْ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ بَرِيءَ مِنْ دَاءِ الْبَرَصِ، يَأْمُرُ الْكَاهِنُ أَنْ يُؤْتَى لِلأَبْرَصِ الْمُبَرَّءِ بِعُصْفُورَيْنِ حَيَّيْنِ طَاهِرَيْنِ، وَخَشَبِ أَرْزٍ، وَخَيْطٍ أَحْمَرَ وَبَاقَةِ زُوفَا. فَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ بَذَبْحِ عُصْفُورٍ وَاحِدٍ فِي إِنَاءٍ خَزَفِيٍّ فَوْقَ مَاءٍ جَارٍ. أَمَّا الْعُصْفُورُ الْحَيُّ فَيَأْخُذُهُ مَعَ خَشَبِ الأَرْزِ وَالْخَيْطِ الأَحْمَرِ وَالزُّوفَا، وَيَغْمِسُهَا جَمِيعاً فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ فَوْقَ الْمَاءِ الْجَارِي، ثُمَّ يَرُشُّ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ مِنَ الْبَرَصِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيُطَهِّرُهُ، ثُمَّ يُطْلِقُ الْعُصْفُورَ الْحَيَّ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ. وَيَغْسِلُ الْمُتَطَهِّرُ ثِيَابَهُ، وَيَحْلِقُ كُلَّ رَأْسِهِ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ فَيَطْهُرُ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْمُخَيَّمَ. إِلاَّ أَنَّهُ يُقِيمُ خَارِجَ خَيْمَتِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يَحْلِقُ مَا نَمَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَكَذَلِكَ لِحْيَتَهُ وَحَوَاجِبَهُ، وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ فَيُصْبِحُ طَاهِراً. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُحْضِرُ إِلَى الْكَاهِنِ كَبْشَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَنَعْجَةً حَوْلِيَّةً سَلِيمَةً وَثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ (نَحْوَ سَبْعَةِ لِتْرَاتٍ) مِنَ الدَّقِيقِ الْمَعْجُونِ بِزَيْتٍ وَلُجَّ (نَحْوَ ثُلْثَ لِتْرٍ) زَيْتٍ. فَيُوْقِفُ الْكَاهِنُ الْقَائِمُ بِالتَّطْهِيرِ الأَبْرَصَ الْمُتَطَهِّرَ وَتَقْدِمَتَهُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ )( اللاويين: 14: 1-11)

    أهذا كلام يقرؤه مئات الملايين من المسيحيين في العالم، ويترجمونه إلى لغاتهم المختلفة!؟

    ألا تعلم أن هذا الكلام يقرؤه الأطباء والصيادلة والعلماء على اعتباره كلاما لله.. فأي فائدة سيجنونها من المعرفة بالله، وهم يرونه يحدثهم عن أمور يضحك منها أبسط شخص منهم!؟

    ألا ترى أن في هذا الكلام استغلالا خطيرا لا يختلف عن استغلال الكهان والعرافين والسحرة.. إن هذا الأبرص المسكين مكلف بكل التكاليف الثقيلة.. بالعصافير الحية.. وبالكبشين الصحيحين.. وبالنعجة الحولية.. وبالزيت.. وبالعجين.

    أي تعاليم هذه تحتاج كل هذه التفاصيل!؟

    سكت قليلا، ثم قال: هناك أحكام أخرى ترتبط بالطهارة لم أجد في العقل ما يبررها.

    لقد جمعت تعاليم الطهارة في القرآن في آية واحدة لخصت جميع أحكامها، وربطتها بحب الله للتوبة والطهارة لتربط في انسجام جميل بين الطهارة الحسية والطهارة المعنوية.

    اسمع ما يقول القرآن:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ((المائدة:6)

    في هذه الآية اجتمعت جميع أحكام الطهارة في الإسلام من الوضوء والغسل والتيمم، ولم تكتف بذلك.. بل ضمت إليها نواح إيمانية، ومقاصد أخلاقية عالية.

    قارن هذا بالنصوص الكثيرة التي لا تستطيع العقول تعقلها عن أحكام الطهارة في الكتاب المقدس.. اسمع..:( وَإِذَا عَاشَرَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ يَسْتَحِمَّانِ كِلاهُمَا بِمَاءٍ وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ ) (سفر اللاويين: 15: 18)

    لقد ظللت مدة أفكر في سر استمرار نجاستهما إلى المساء، مع كونهما اغتسلا، فلم أجد لذلك جوابا.

    اسمع:( أَمَّا سَائِرُ دَبِيبِ الطَّيْرِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ الأَرْجُلِ فَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّهَا تُنَجِّسُكُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ جُثَثَهَا يَتَنَجَّسُ حَتَّى الْمَسَاءِ. وَعَلَى كُلِّ مَنْ حَمَلَ جُثَثَهَا أَنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً حَتَّى الْمَسَاءِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْبَهَائِمِ ذَوَاتِ الأَظْلاَفِ غَيْرِ الْمَشْقُوقَةِ وَغَيْرِ الْمُجْتَرَّةِ تَكُونُ نَجِسَةً لَكُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَتَنَجَّسُ. وَأَيْضاً كُلُّ حَيَوَانٍ يَمْشِي عَلَى كُفُوفِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ الأَرْجُلِ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَمَسُّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِساً حَتَّى الْمَسَاءِ، وَمَنْ يَحْمِلُ جُثَثَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. جَمِيعُهَا مَحْظُورَةٌ عَلَيْكُم.. إِنْ وَقَعَتْ جُثَّةُ أَحَدِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ، سَوَاءٌ أَكَانَ آنِيَةً مِنْ خَشَبٍ أَمْ قُمَاشٍ أَمْ جِلْدٍ أَمْ مِسْحٍ، أَمْ أَيِّ شَيْءٍ يُسْتَخْدَمُ فِي عَمَلٍ مَا. يُوْضَعُ فِي مَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ، ثُمَّ يَطْهُرُ. أَمَّا إِنْ وَقَعَتْ جُثَّةُ أَحَدِهَا فِي إِنَاءٍ خَزَفِيٍّ، فَإِنَّ مَا فِي الإِنَاءِ يَتَنَجَّسُ، وَأَمَّا الإِنَاءُ فَيُكْسَرُ )( اللاويين:11: 23 )

    لست أدري لماذا تظل النجاسة حتى المساء؟.. ولماذا يكسر الوعاء الخزفي، ولا يغسل؟.. وما سبب نجاسة الحيوان الذي لا يؤكل؟

    بالإضافة إلى هذا.. فإن هناك أحكام تعجيزية غاية في الغرابة.. اسمع هذا الحكم الغريب الذي ورد في سفر العدد ( 19: 1 - 10 ):( وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَرُونَ: 2(هَذِهِ هِيَ مُتَطَلَّبَاتُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي آمُرُ بِهَا: قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْتُوكَ بِبَقَرَةٍ حَمْرَاءَ سَلِيمَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، لَمْ يَعْلُهَا نِيرٌ، 3فَتُعْطُونَهَا لأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ، لِيَأْخُذَهَا إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ وَتُذْبَحُ أَمَامَهُ. 4وَيَغْمِسُ الْكَاهِنُ إِصْبَعَهُ بِدَمِهَا وَيَرُشُّ مِنْهُ نَحْوَ وَجْهِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. 5وَتُحْرَقُ الْبَقَرَةُ بِجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَدَمِهَا مَعَ فَرْثِهَا عَلَى مَشْهَدٍ مِنْهُ، 6ثُمَّ يَأْخُذُ خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا، وَخَيْطاً أَحْمَرَ، وَيَطْرَحُهَا فِي وَسَطِ النِّيرَانِ. 7ثُمَّ يَغْسِلُ الْكَاهِنُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ الْمُخَيَّمَ، وَيَظَلُّ الْكَاهِنُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 8وَيَغْسِلُ الرَّجُلُ الَّذِي أَحْرَقَ الْبَقَرَةَ ثِيَابَهُ بِمَاءٍ وَيَسْتَحِمُّ، وَيَظَلُّ أَيْضاً نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 9وَيَجْمَعُ رَجُلٌ طَاهِرٌ رَمَادَ الْبَقَرَةِ وَيُلْقِيهِ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ، فَيَظَلُّ مَحْفُوظاً لِجَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ لاِسْتِخْدَامِهِ فِي مَاءِ التَّطْهِيرِ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ خَطِيئَةٍ. 10وَعَلَى مَنْ جَمَعَ رَمَادَ الْبَقَرَةِ أَنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ وَيَظَلَّ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ، فَتَكُونُ هَذِهِ فَرِيضَةً دَائِمَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ الْمُقِيمِ فِي وَسَطِهِمْ )

    قلت: إن شريعة التطهير بالبقرة الحمراء[3] هي شريعة موسى لا شريعتنا.. لأننا قد طهرنا بدماء المسيح.. ابن الله.

    قال: ذلك أغرب وأعجب.. ولن أجادلك فيه الآن.. ولعلك ستجد من يبحث معك فيه[4].

    فتح الكتاب المقدس، وقال: سأقرأ عليك أحكاما أخرى ترتبط بالطهارة ظللت طول عمري أبحث لها عن مناسبة عقلية، فلم أجد.

    اسمع من سفر العدد ( 19: 11-16):( 11مَنْ لَمَسَ جُثْمَانَ إِنْسَانٍ مَيْتٍ يَبْقَى نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ، 12وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِمَاءِ التَّطْهِيرِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يُصْبِحُ طَاهِراً. وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَلاَ يَكُونُ طَاهِراً فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. 13كُلُّ مَنْ لَمَسَ جُثْمَانَ إِنْسَانٍ مَيْتٍ وَلَمْ يَتَطَهَّرْ، يُنَجِّسُ مَسْكَنَ الرَّبِّ، وَيَجِبُ اسْتِئْصَالُهُ مِنَ الشَّعْبِ لأَنَّهُ نَجِسٌ، إِذْ إِنَّ مَاءَ التَّطْهِيرِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهِ. 14أَمَّا شَرِيعَةُ مَنْ مَاتَ فِي خَيْمَةٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الْخَيْمَةَ وَكُلَّ مَنْ كَانَ فِيهَا، يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 15وَكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ، لاَ غِطَاءَ عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِ مُحْكَمِ السَّدِّ، يُصْبِحُ نَجِساً. 16وَكُلُّ مَنْ لَمَسَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ قَتِيلاً بِسَيْفٍ أَوْ مَيْتاً، أَوْ عَظْمَ إِنْسَانٍ أَوْ قَبْراً، يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ )

    إن هذا النص يعتبر من لامس جثة إنسان يكون نجساً لسبعة أيام، وعليه أن يتطهر في اليوم الثالث، أما إذا امتنع فيقتل أو يقطع من بني اسرائيل لأنه يتسبب بنجاسته في تنجيس بيت الرب.

    ولسنا ندري ما مصير من لامس جثة أمه أو أبيه أو أحد أقاربه الأقربين، فنسي التطهر في اليوم الثالث هل يباد ويقتل كحال غيره من بني اسرائيل؟!

    بل إن الكتاب المقدس يقرر نجاسة الخيمة التي توضع فيها الجثة، ومن دخلها ومن فيها.. بل أنه يحكم بنجاسة ما فيها من أوان سواء تركت مفتوحة أو كانت عليها أغطية غير محكمة الاغلاق.. بل إنه يدعي أنه إذا كان أحدهم سائراً في الصحراء ولامس عن طريق الخطأ جثة أو عظم إنسان أو حتى قبراً يصبح نجساً ولمدة سبعة أيام.

    سكت قليلا، ثم ابتسم، وكأنه تذكر شيئا، ثم قال: أتدري ما حكم المرأة التي تتدخل لتنقذ زوجها من قبضة يد ضاربه؟

    قلت: أعلم ذلك..

    قال: وتستحي من ذكره.. أو يستحيي عقلك من قبوله.. ساقرأ النص نيابة عنك.. أحيانا نضطر لنرفع جلباب الحياء حتى نتعرف على الحقائق.. أخذ يقرأ من سفر التثنية ( 25: 11 ):( إِذَا تَعَارَكَ رَجُلاَنِ فَتَدَخَّلَتْ زَوْجَةُ أَحَدِهِمَا لِتُنْقِذَ زَوْجَهَا مِنْ قَبْضَةِ يَدِ ضَارِبِهِ وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِخِصْيَتِهِ، فَاقْطَعُوا يَدَهَا وَلاَ تُشْفِقُوا عَلَيْهَا)

    أتدري ماذا يفعل المحارب إذا ظفر بإمرأة جميلة؟

    سكت، فقال: لقد نص على ذلك في سفر التثنية، لقد ورد فيه ( 21: 10 – 15):( إِذَا ذَهَبْتُمْ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكُمْ، وَأَظْفَرَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ بِهِمْ، وَسَبَيْتُمْ مِنْهُمْ سَبْياً، وَشَاهَدَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ الأَسْرَى امْرَأَةً جَمِيلَةَ الصُّورَةِ فَأُولِعَ بِهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَحِينَ يُدْخِلُهَا إِلَى بَيْتِهِ يَدَعُهَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَهَا، ثُمَّ يَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا، وَيَتْرُكُهَا فِي بَيْتِهِ شَهْراً مِنَ الزَّمَانِ تَنْدُبُ أَبَاهَا وَأُمَّهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُعَاشِرُهَا وَتَكُونُ لَهُ زَوْجَهً. وإن لم تسر بها فأطلقها لنفسها )

    قلب بعض الصفحات من الكتاب المقدس، وقال: أتعلم.. لقد اكتشفت اكتشافا عجيببا في الكتاب المقدس له علاقة بالعقيدة، وعلاقة في نفس الوقت بالشريعة.

    لقد عرفت أن الرب يعشق المحارق، وأن أشهى الأشياء إليه اللحم المشوي.. فلا يكاد إصحاح واحد يخلو من ذكر هذه القرابين، ومن اللحم المشوي, بل في الإصحاح الواحد نجد ذكر القرابين عشرات المرات.

    وفي خضم هذه الروائح التي تفوح من ذبائح القرابين لا نجد الأنبياء من لدن آدم إلى آخر أنبياء بني إسرائيل يعبدون الله أو يدعون الناس إلى عبادة الإله الواحد الأحد.. ولا نراهم يأمرون بمعروف أو ينهون عن منكر.. بل نجدهم مع الكهنة مشغولون جدا ً باللحم المشوي , والذين يحصلون بروائحه على جميع طلباتهم من تعذيب الأمم, وقتلها، وحرقها , يدخل المعارك معهم في وسطهم داخل تابوت, ويقاتل معهم , ويعطيهم أراضي الغير.. ويجعل الكل عبيدا لهم , ولا يهم بعد ذلك إن عبدوا الأوثان أو سرقوا الأموال كما لا يهم أن يكون اللحم المشوي من عجول أغنام مسروقة , كما يزعمون أن يعقوب سرق أغنام خاله وقدم اللحم المشوي للرب فتنسم الرب نسيم الرضا، وأعطى يعقوب العهد له ولأولاده وأعطاهم أرض فلسطين، وأعطاهم الأرض حولها من النيل إلى الفرات.

    واسمح لي أن أذكر لك بعض النصوص التي لا ينبغي أن يكون لها أي محل في الكتاب المقدس.

    ولنبدأ قصة القرابين من أولها.. من هابيل حين قرب لحما سمينا, بينما قدم أخوه قابيل شيئا قليلا من ثمار الأرض:( فنظر الرب إلى هابيل وقربانه, ولكن إلى قابيل وقربانه لم ينظر , فأغتاظ قابيل جدا )( التكوين:4/ 6-3 ) وأدى ذلك إلى أن يقوم قابيل بقتل أخيه وارتكاب أول جريمة على الأرض.

    قلت: لقد ذكر هذا في القرآن.. فهو يقع إذن في نفس ما وقع فيه الكتاب المقدس..

    قال: لا.. القرآن لم يذكر هذا بهذا الأسلوب.. لقد صور القرآن صورة هابيل.. الرجل الصالح الطيب.. نعم كلاهما قرب قربانا، ولكن قربان هابيل كان مضمخا بروائح الإخلاص التي يحبها الله.. لقد قال القرآن في هذه المناسك:) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ((الحج: من الآية37)

    والآن.. فاسمع قصة قابيل وهابيل في القرآن.. وإن شئت قارنها بمثيلتها في الكتاب المقدس لترى الفرق بينهما.. اسمع:) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ( (المائدة:27) اسمع.. لقد ذكر هابيل علة القبول.. ليست هي اللحم، أو الزرع.. العلة هي التقوى.. فلذلك قد تتقرب بزرع، ويكون أزكى عند الله من جميع أبقار الدنيا وأغنامها.

    والقرآن يصور نفس هابيل خير تصوير حين يذكر الصراع الذي حصله بينه وبين أخيه، فيقول:) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ((المائدة:28 -29)

    هذا هو أول قربان ذكر في الكتاب المقدس.. يليه القربان الثاني.. بعد أن أغرق الله الأرض بالطوفان.. وما تكاد السفينة تستقر على جبل أراراط حتى يخرج نوح ويقدم قربانا للربن كما جاء في سفر التكوين:( وبني نوح مذبحا للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرّقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضا من أجل الإنسان ) (تكوين:8/20-21)

    ثم يأتي ابراهيم فلا نراه ـ كما نراه في القرآن ـ داعية إلى الله، ومعرفا به، وصاحب حجة يناضل بها الوثنيين وعبدة الكواكب وعبدة الملوك، بل نراه في الكتاب المقدس لا ينكر على قومه ما هم فيه من عبادة الأوثان, بل ولا ترد قصته مع النمرود ولا مجادلته له , ولا قصته مع أبيه. بل كل مايرد أن إبراهيم يقدم محرقات للرب فيتنسم الرب رائحة اللحم المشوي ( فيقول الرب لإبرام: اذهب من أرضك وعشيرتك ومن بيت أبيك الى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك )( سفر التكوين: 12 )

    وبعد رحلات طويلة يعود ابراهيم من مصر، وقد ملك أموالا ضخمة من الذهب والفضة والأغنام التي أعطاها له فرعون مصر عندما قدم ابراهيم زوجته سارة ليتزوجها فرعون حسب زعمهم.

    وقدم إبراهيم اللحم المشوي مرة أخرى ( في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام - أي إبراهيم - ميثاقا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والجرجاشيين واليبوسيين )( سفر التكوين: 15: 18-20 )

    قارن هذا كله وغيره كثير، بالعقل وبالقرآن.. ثم أخبرني ماذا ترى؟

    ***

    ما إن وصل من حديثه إلى هذا الموضع حتى قلت له: أرى لك تعلقا شديدا بالقرآن.

    قال: أجل.. أنا أقرؤه.. ولا أمل من قراءته.. أشعر أن جميع حقائق الأزل تختزن في كلماته..

    قلت: فلم نراك تنشر كتابنا المقدس.. ولا تنشر القرآن؟

    قال: كم وددت لو أتيح لي نشر مصحف واحد؟

    قلت: فما الذي يحول بينك وبين ذلك.. ألست ذا مال؟

    قال: بل ذو مال كثير.. ولكن لي أخا توأما يحول بيني وبين ما يتقبله عقلي..

    قلت: فلم رضي بنشرك للكتاب المقدس؟

    قال: هو لا يبالي إذا لم أنشر القرآن بنشري لغيره.

    قلت: فلم اخترت الكتاب المقدس؟.. ولم اخترت نشره بين طبقات المتعلمين؟

    قال: لقد وجدت أن خير ما يقرب من القرآن هو الكتاب المقدس.. يوشك كل من يملك نسخة من الكتاب المقدس أن يملك نسخة من القرآن.. فلذلك عمدت إلى الكتاب المقدس ليكون مقدمتهم إلى القرآن.

    قلت: أنت مسيحي وتقول هذا؟

    قال: أنا مسيحي.. ولولا أخي التوأم لضممت إلى مسيحيتي عقل محمد، ودين محمد، وشمس محمد.. ولن يكون ذلك بعيدا.

    قال ذلك بنبرة قوية، ثم انصرف ليتركني في حيرة جديدة، وببصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

    مددت يدي إلى محفظتي لأستخرج بعض ما أحتاجه منها، فامتدت إلى الورقة التي سلمها لي صاحبك، فعدت أقرأ فيها..

    لقد أيقنت حينها أن هذا السور الخامس من أسوار الكلمات المقدسة لم يتحقق به أي كتاب في الدنيا غير القرآن الكريم.




    ([1]) وفي القرآن ما يدل على تحريف هذه النصوص من الجهة التاريخية، ذلك أن بني إسرائيل لم يكونوا راضين على تمليكه، كما قال ':) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:247) .. وبالطبع لم يكن للإسرائليين أن يخضعوا بتلك السهولة .. لهذا سرعان ما لفقوا عليه ما لفقوا ليثبتوا أنهم أقوم رأيا من الله.



    ([2]) هناك جزء خاص من هذه السلسلة يتعلق بالمقارنة بين الله في عقيدة المسلمين، وعقيدة المسيحيين وغيرهم، وهو الجزء المسمى ( الله جل جلاله)

    ([3])لا تزال البقرة الصغيرة الحمراء Red Heifer (بالعبرية «باراه» أو «دوماه») موضع اهتمام كبير من اليهود.

    ذلك أن لهم شروطا تعجيزية فيها، ذلك أنها يجب أن تكون حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعل عليها نير (عدد 19/2). وقد جاء في التلمود أن البقرة لابد أن تكون حمراء تماماً، ليس بها أية تموجات، وحتى وجود شعرتين سوداوين على ظهرها يجعلها لا تصلح لأن تكون بقرة مقدَّسة تفي بهذا الغرض. ويبدو أن الأحمر رمز الخطيئة. والسفر الرابع من السدر السادس في التلمود (سدر طهوروت) يُدعى «باراه»، ويتناول الشعائر الخاصة بالبقرة الحمراء الصغيرة.

    وسر هذا الاهتمام بها أن جثة الميت من أهم مصادر النجاسة بالنسبة للكهنة، فأي كاهن يلامس جثة يهودي أو يتصل بها، حتى ولو بشكل غير مباشر (كأن يسير على مقبرة أو حتى يوجد في مستشفى أو منزل يضم جثة) فإنها تنجسه، على عكس جثث الأغيار فهي لا تسبِّب أية نجاسة لأنها لا قداسة لها.

    وإن دنس اليهودي، فهو يظل كذلك دائماً، إلا إذا تم تطهيره بالطريقة التي وردت في سفر العدد (الإصحاح 19)، والتي تم شرحها في التلمود، وهي طريقة استخدام رماد البقرة الحمراء الصغيرة. وكان هذا الأمر يحدث في الماضي حتى القرن السادس، حين فُقد رمـاد آخـر بقـرة حمـراء طاهرة. ومنذ ذلك الحين، واليهود جميعاً غير طاهرين. والأغيار على كل حال جميعاً مدَّنسون، ولا يوجد سبيل أمامهم للتطهر.

    ولأن أرض الهيكل (الموجودة في منطقة المسجد الأقصى) لا تزال طاهرة، فإن دخول أي يهودي إليها يُعَد خطيئة وأمراً محظوراً عليه وبالتالي الصلاة فيه.

    ولكن لماذا لا يضحي اليهود، إذن، ببقرة حمراء ويستخدمون رمادها في عملية التطهير؟

    هنا يتأزم الموقف، بل يقع في دائرة الاستحالة ذلك أنه لا يمكن أن يُضحي بالبقرة إلا الكهنة الطاهرون، ولكنهم بدون رمادها يظلون نجسين، ولا يوجد مخرج من هذه الورطة الدائرية.

    ولهذا يوجد الآن في إسرائيل معهد لدراسة البقرة الحمراء، وقد اقترحت إحدى المجلات العلمية الدينية في إسرائيل أن تُعزَل امرأة يهودية حامل من إحدى الأسر الكهنوتية داخل منزل يُبنى على أعمدة حتى يُعزَل المنزل نفسه عن أي جثث يهودية قد تكون موجودة تحته، ويقوم رجال آليون بتوليدها، ثم يقومون بعد ذلك على تنشئة الطفل بعيداً عن كل البشر، حتى يصل سنه الثالثة عشرة. ساعتها، يمكنه أن يصبح كاهناً طاهراً فيُضحي بالبقرة الحمراء، وتُحَل المشكلة.

    وقد اقترح آخرون القيام ببعض الحفائر حول بقايا الهيكل، فقد يُعثَر على زجاجة تضم بقايا رماد البقرة الحمراء، وتُحل بذلك المعضلة.

    لكن مجلة تايم نشرت في عدد 16 أكتوبر 1989 أنه تقرَّر أن يبدأ الكهنة في تطهير أجسادهم، وأن ممثلي الحاخامية الأساسية في إسرائيل قضوا أسبوعين في أوربا يبحثون عن جنين بقرة حمراء ليُزرَع في إحدى أبقار مزرعة في إسرائيل.

    وقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن الحاخام شمارياشور (أحد قادة إحدى الجماعات التي تعمل من أجل إعادة بناء الهيكل) أنه فحص بواسطة عدسة مكبرة بقرة حمراء في كفار حسيديم (يُعتقد أنها وُلدت نتيجة تلقيح اصطناعي لبقرة أمريكية وبقرة إسرائيلية لونها أسـود وأبيـض) فلم يجـد فيها شـعرة لونها أسود. ومن ثم فهي صالحة لأن يُضحى بها ويُستخدَم رمادها في عملية التطهير اللازمة لإقامة الطقوس التعبدية ودخول منطقة المسجد الأقصى، حيث يُفترض أن الهيكل كان قائماً من قبل. وقد استنكر بعض الحاخامات هذه المحاولة ووصفوها بأنها قد تؤدي إلى اندلاع الحرب.

    انظر: الموسوعة اليهودية لعبد الوهاب المسيري .. وانظر في الموسوعة نفسها عن غرائب أخرى ترتبط بالطهارة في الشريعة اليهودية.

    ([4]) انظر رسالة (الإنسان) من هذه السلسلة.

      الوقت/التاريخ الآن هو 12/11/2024, 00:49