..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ سادسا ـ الروحانية

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Empty كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ سادسا ـ الروحانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:18

    سادسا ـ الروحانية

    اليوم السادس، كان يوم أحد، وقد كلفوني بإجراء الطقوس الدينية، وقراءة الموعظة، لكني أبيت، وطلبت من أخي أن يقوم بدلا مني بذلك.. لقد كان يتقن فن التأثير في مثل هذه المجامع إتقانا عظيما.. وبسبب هذا الإتقان ترقينا في مراتب الكنيسة إلى الكرسي الذي كنا نحلم به جميعا.

    جلست أنا مع المصلين في كرسي من الكراسي، وقعدت أسمع كما يسمع سائر المصلين، وأتحرك كما يتحركون.

    كان بجواري رجل.. كان يفعل مثلما أفعل.. ولا يبدو عليه أي تأثر مثلما لا يبدو علي.. لقد كانت النغمات جميلة تهز الجبال بجمالها، ولكني في نفس الوقت كنت أفتقد المعنى الذي يهز نفسي لجمالها.

    لقد كان الكلام الذي يردد في هذه المجالس التي نسميها صلاة هو نفس الكلام الذي أسمعه في بلادي.. إنه نوع من النواح على المسيح وصلب المسيح.. وهو في نفس الوقت نوع من العزاء.. فالمسيح الذي صلب لم يكن إلا جسدا.. أما المسيح الإله.. فهو إله دائما.

    كان هذا أكثر ما نسمعه، ولم يكن هذا يكفي لملأ روحي التي لا تقل عن عقلي شوقا لعالم الحقائق.. العالم الذي يجتمع فيه المنطق العقلي مع الأشواق الروحية.

    بعدما خرجنا من الكنيسة فوجئنا بصوت الآذان يرتفع من مآذن الإسكندرية.. لقد كان صوتا حانيا قويا عميقا.. لكأنه يأتي من السماء، ولا يرتفع من الأرض.. لقد كان هناك فرق كبير بين الأجراس التي ندقها.. وبين الآذان الذي ينادي به المسلمون.

    بقيت مستغرقا أتأمل ألفاظ الآذان ومدى انسجامها مع العقل.. ومدى صلاحها لإرواء الروح.. ومدى اتفاقها مع الدعوة إلى الصلاة.

    بينما أنا كذلك إذ أمسك بيدي من كان يجاورني في الصلاة في الكنيسة، وقال: مرحبا بك في بلدك.. أنا من أبناء الإسكندرية.. وقد تشرفت اليوم بالصلاة بجانبك.

    قلت: شكرا على هذا الأدب.

    قال: إذا سمحت لي تجولت بك في بعض شوارع الإسكندرية العتيقة.. لعلك ترى فيها ما لم تره في الإسكندرية الجديدة.

    قلت: بورك فيك.. أنا أحب زيارة المدن القديمة.. فهيا سر بي.. فليس لي اليوم أي عمل عدا التجوال.

    امتطينا سيارة نزلت بنا بعض الشوارع، وتركتنا فيها لنسير معا في حي من الأحياء القديمة.

    ما سرنا قليلا حتى صادفنا مسجد بسيط.. والناس يدخلون إليه لأداء الصلاة.

    قال لي، وقد رآني أنظر إليه بنوع من اللهفة والشوق: هذا مسجد قديم من مساجد الإسكندرية.. لقد ظل يحتفظ بكسوته هذه منذ قرون طويلة.

    منذ قرون طويلة.. والمصلون يدخلون من هذا الباب.. والمؤذن يؤذن من تلك الزاوية.

    أنا أعرف إمام هذا المسجد.. فإن شئت دخلنا جميعا لترى عمرانه الداخلي فعلت.

    قلت: ولكني سمعت أن المسلمين لا يأذنون لمن ليس من دينهم بدخول مساجدهم، أو بلمس مصاحفهم.

    قال: ذلك قول بعض فقهائهم.. ولكن إمام هذا المسجد يخالفهم.. ويأخذ بأقوال فقهية أخرى[1].. وهو يرى أنها هي الأقوال الصحيحة لأنها تنسجم مع ما فعله محمد مع وفد زار مدينته من المسيحيين.

    لقد روى ابن إسحق وهو يؤرخ حياة نبيهم أن وفد نجران ـ وهم من المسيحيين ـ لما قدموا على محمد بالمدينة، دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال محمد:( دعوهم ) فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.

    وقد عقب الفقيه ابن القيم على هذه القصة فذكر مما فيها من الفقه ( جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وتمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين، وفي مساجدهم أيضًا، إذا كان ذلك عارضًا، ولا يمكنون من اعتياد ذلك )

    قلت: فهم مختلفون في هذه المسألة إذن.

    قال: أجل.. وإمام هذا المسجد يرى هذا الرأي.. ولهذا كثيرا ما تجد المسيحيين، بل وغيرهم من أهل الديانات المختلفة يزورون هذا المسجد ليروا كيفية أداء المسلمين شعائرهم الدينية.

    وقد وضع إمام المسجد لأجل هذا محلا خاصا بهؤلاء حتى لا يحصل أي تشويش على المصلين.

    قلت: فلم لم يصدر رؤساء دينهم قرارات ترفع هذه الخلافات؟

    قال: لا.. الأمر مختلف عند المسلمين.. هم يتصورون أن الوحدة في التعدد، وأن الفرقة في جبر الناس على التوحد.

    قلت: كيف ذلك؟.. كيف تصبح الوحدة فرقة؟

    قال: أنت تعلم قيمة العقل في الإسلام.. وتعرف أن بناء الأحكام الشرعية ينطلق من النصوص، ولكنه لا يفهم إلا بالعقل.. ولذلك قد تختلف العقول أحيانا.. ولا يصح لعقل أن يسلم لعقل آخر.

    لكأن الإسلام قصد هذا الاختلاف حتى يكون توسعة للناس..

    تصور.. لولا أن هناك خلافا في المسألة لما وجدنا مثل هذا المسجد، ولا إماما كإمامه.

    قلت: هيا ندخل.

    دخلنا مع المصلين.. وجلسنا في الركن المخصص للضيوف من غير المسلمين.

    ما لبثنا حتى قامت الصلاة، وقام المسلمون يسوون صفوفهم خلف الإمام، وقد استووا جميعا يصلي غنيهم بجنب فقيرهم، وقويهم بجنب ضعيفهم، فليس هناك في مساجد المسلمين أي طبقية توزع محال المسجد بين المصلين.

    كان الإمام يصلي بهم رافعا صوته بالتكبير والتسميع.. وهم يقتدون به في جميع حركاته.

    كانت صورة الصلاة غريبة بالنسبة لي.. ولكني كنت أشعر أن هذه الحركات تحتوي رموزا عميقة لن يصعب على العقل إدراكها.

    انتهت الصلاة.. وتفرق المصلون بعدها.. منهم من قام مسرعا إلى حذائه ينتعله، ويخرج بعد أن أدى واجبه.. ومنهم من بقي في المسجد يصلي أو يذكر أو يقرأ القرآن.. وقد كان منظرا جميلا.. منظر الحرية الشخصية في التعبد في المسجد.

    شد انتباهي رجل لم يكن بعيدا عني.. كان يقرأ القرآن..وعيناه تفيضان من الدموع.. كان الخشوع باديا على وجهه، وكانت الأنوار تكسوه بهالة من الوقار لم أرها في أحد طيلة حياتي.

    استأذنت صاحبي في أن أقترب من ذلك القارئ، فأذن لي.. فاقتربت منه، وحييته بتحية الإسلام احتراما للمحل الذي أجلس فيه، فرد علي السلام.

    لم أرد أن أظهر أمامه باعتباري مسلما، فلذلك قلت: أنا مسيحي.. زرت هذه البلاد في مهمة خاصة..

    نظر إلي، وهو يبتسم، وقال: جئت لأجل الإشراف على طباعة طبعة خاصة من الكتاب المقدس.

    قلت: أجل.. وما أدراك بذلك؟

    قال: أنا أعمل في تلك المطبعة منذ سنوات طويلة.

    قلت: لم أكن أعلم أن تلك المطبعة توظف مسلمين.

    قال: ومن قال لك بأني مسلم.. أنا مسيحي.

    ازداد عجبي، وقلت: أأنت مسيحي؟.. وتجلس في المسجد كما يجلس المسلمون، وتقرأ القرآن كما يقرؤون، بل وتبكي كما يبكي خاصة المسلمين.

    قال: لذلك قصة قد لا تهمك تفاصيلها.. ولكني سأذكر لك منها ما قد ينفعك في يوم من الأيام، فتجلس مثلي في مثل هذا المجلس.

    قلت: قصها علي.. فإني أرى تصرفك تصرفا غريبا.

    قال: لقد ذكرت لك أني مسيحي.. بل من عائلة عريقة في مسيحيتها.. وقد هداني حبي لعالم الروح إلى العمل في مطبعة الكتاب المقدس مع أنه قد أتيح لي وظائف كثيرة في غيرها.. إلا أني آثرت الارتباط بالدين، وبرجال الدين.

    قلت: هذه علاقتك بالكتاب المقدس.. فكيف تحولت إلى القرآن؟

    قال: لقد كان الكتاب المقدس هو مقدمتي للقرآن.. أو قل هو دليلي إلى القرآن.

    قلت: لم أفهم ذلك.

    قال: لقد ذكرت لك أني أبحث عن أشواق روحي الفائضة..

    أنا أشعر أننا ـ معشر البشر ـ من عالم آخر.. عالم مليء بالجمال، له صلة عميقة بخالق هذا الكون ومدبره.

    وقد بحثت عن جذور هذه الصلة وحقيقتها في الكتاب المقدس، فلم أجد إلا إشارات اهتديت بها إلى القرآن..

    فلذلك جئت إلى القرآن.. لأبحث فيه عنها.

    قلت: فهل وجدت في القرآن ما يروي ظمأ روحك؟

    قال: لم يمض لصحبتي للقرآن إلا أسابيع محدودة.. وأنا في كل يوم أكتشف أشياء كثيرة.. أشياء تملأ روحي بمشاعر لا أجدها عند قراءة الكتاب المقدس، ولا عند قراءة غيره.

    1 ـ الصلة بالله

    قلت: أريدك أن تصور لي بعض هذه المشاعر.

    فتح المصحف، وقال: اسمع هذه الآيات مثلا:) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)(آل عمران)

    رتلها بصوت خاشع كما يرتل المسلمون، ثم قال: في هذه الآيات تجتمع جميع أشواق الروح المنسجمة مع العقل..

    تبدأ الآيات بمنظر السموات والأرض، وهما ينزعان ثياب نظر الغفلة ليلبسا ثياب نظر الاعتبار.. ويبرز بعدها أولو الألباب الذين اكتحلت عيونهم بتلك النظرة المقدسة، فيهرعون إلى ذكر الله، والبحث عنه في ملكه وملكوته.

    ثم لا يلبثون أن يهتدوا إلى الله، فتحلق أرواحهم إليه، وتجلس بين يديه، وتمد يدها إليه بالدعاء.. وتنتهي الآيات بذكر استجابة الله لدعواتهم وتبشيره لهم.

    إنه مشهد حي يمكن أن يفعله أي مسلم في أي محل ومن غير حاجة إلى أي واسطة.

    تحكي عائشة زوج محمد أثر هذه الآيات على محمد عندما نزلت عليه، فتقول لمن سألها عن أعجب شيء رأته من محمد، فَبَكَتْ، وقالت: كُلُّ أمره كان عجبا، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي، قالت: فقلت: والله إني لأحب قربك، وإني أحب  أن تَعبد لربك. فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي، فبكى حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بَل الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يُؤذنه بصلاة الصبح قالت: فقال: يا رسول الله، ما يُبكيك؟ وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر، فقال:( ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل عليّ في هذه الليلة:) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ (، ثم قال:( ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )[2]

    ذرف بعض الدموع، ثم قال: بالقرآن تعيش أجواء روحية عالية تفتقد مثلها، وأنت تقرأ الكتاب المقدس.

    لقد قارنت بين الدعاء في القرآن، والدعاء في الكتاب المقدس، فوجدت فرقا كبيرا:

    الدعاء في القرآن ينبئ عن علاقة روحية عميقة للداعي بالله، فهو يستشعر قربه وحضوره، وكرمه، فهو لا يدعوه فقط ليحقق مطالبه، وإنما يشعر بأنه يتقرب إليه، ويقترب منه.

    اسمع إخبار الله عن إجابة دعوات عباده:

    يقول القرآن:) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ((البقرة:186).. وفيه:) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ((غافر: من الآية60)

    ليس ذلك فقط، بل اعتبر عدم رفع الأيدي بالدعاء نوعا من أنواع الكبر، فقد جاء تتمة للآية التي ذكرتها:) إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ( (غافر: من الآية60)

    والقرآن يحكي دعوات المؤمنين ولجوءهم الدائم إلى الله:

    ففي الوقت الذي يهتم فيه الكتاب المقدس بتفاصيل بنيان الهيكل، وما وضع فيه من الذهب الخالص، وفي الوقت الذي يذكر الصفحات الكثيرة في صفة التابوت.. يقتصر القرآن عند إخباره عن بناء إبراهيم للكعبة، هو وابنه إسماعيل على دعاء الله والتوجه إليه.. اسمع ما يقول القرآن:) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)(البقرة)

    وهكذا تجد في المواقف المختلفة إبراهيم، وهو دائم الصلة بالله، يلجأ إليه كل حين داعيا، أو مناجيا.. اسمع هذه الدعوات الرقيقة التي صاحت بها روح إبراهيم بعد أن ترك زوجه وابنها في تلك البرية التي لا تنبت زرعا، ولا تمطر غيثا:) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)(إبراهيم)

    وفي موقف آخر يقول لقومه، وهو يمزج خطابه لهم بدعاء الله:) أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)(الشعراء)

    اسمع هذه الدعوات الرقيقة الخاشعة الحامدة لله والمنيبة له، وقارنها بما ذكرته أناجيلنا عن المسيح، فقد كتب متى في الباب السابع والعشرين:( ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي إيلي لما شبقتني. أي إلهي إلهي لماذا تركتني )، وفي الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس:( الوى الوى لما شبقتني. الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني )

    قارن تلك الدعوات المتوجهة لله المسلمة له بهذه الشكوى.

    القرآن يذكر لجوء الأنبياء الدائم إلى الله في الوقت الذي يظهر الكتاب المقدس هؤلاء الأنبياء بصورة مشوهة تجعل كل هممهم متوجهة لمكاسب بسيطة لا تعدو المجتمع الإسرائيلي البسيط الذي كانوا يعيشون فيه.

    فموسى الذي شوهت صورته في الكتاب المقدس يظهر في القرآن بصورة مختلفة تماما.. يظهر بصورة الأواب اللاجئ إلى الله في كل حين:

    اسمع قصة موسى في القرآن وقارنها بمثيلتها في الكتاب المقدس.. القرآن يخبر عن صلة موسى الدائمة بالله.. اسمع:) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ((القصص:21)

    ثم سار إلى مدين هربا من المصريين، القرآن يخبر عن ذلك، فيقول:) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)((القصص)

    هذه القصة نجد مثلها تماما في العهد القديم، ولكنها نجدها تفتقد أهم شيء.. تفتقد تلك الروحانية العميقة التي تفيض بها روح موسى.. إن التوراة تقصها كما تقص قصة أي رجل قتل قتيلا، ثم هرب خوفا من أن يقتلوه.

    اسمع ما ورد في التوراة:( وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى أنه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم. فرأى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيا من إخوته فالتفت الى هنا وهناك ورأى ان ليس احد فقتل المصري وطمره في الرمل ) (الخروج:2/11 -12)

    لاحظ.. إن التوراة تجعل موسى متعمدا للقتل.. وتعتبره عنصريا، فهو لم يقتله إلا لأنه مصري، بينما القرآن يصور هذا بصورة مختلفة تماما.. لقد جاء في القرآن:) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ (19)(القصص)

    موسى في القرآن يظهر بمظهر المنيب التائب بينما تصوره التوراة بصورة المجرم الذي يتلفت ذات اليمين وذات الشمال ليمارس جريمته.

    لا زال الخلاف بين القرآن والتوراة عميقا في سيرة موسى.. اسمع ما تقول التوراة في مقابلة ما قرأناه من القرآن:( ثم خرج في اليوم الثاني واذا رجلان عبرانيان يتخاصمان. فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك. فقال من جعلك رئيسا وقاضيا علينا. أمفتكر انت بقتلي كما قتلت المصري. فخاف موسى وقال حقا قد عرف الامر فسمع فرعون هذا الامر فطلب ان يقتل موسى. فهرب موسى من وجه فرعون وسكن في ارض مديان وجلس عند البئر وكان لكاهن مديان سبع بنات. فاتين واستقين وملأن الاجران ليسقين غنم ابيهنّ فاتى الرعاة وطردوهنّ فنهض موسى وانجدهنّ وسقى غنمهنّ. فلما اتين الى رعوئيل ابيهنّ قال ما بالكنّ اسرعتنّ في المجيء اليوم. فقلن رجل مصري انقذنا من ايدي الرعاة وانه استقى لنا ايضا وسقى الغنم. فقال لبناته واين هو. لماذا تركتنّ الرجل. ادعونه لياكل طعاما. فارتضى موسى ان يسكن مع الرجل. فاعطى موسى صفورة ابنته. فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم. لانه قال كنت نزيلا في ارض غريبة) (الخروج:2/13-22)

    وعندما تريد أن ترسم التوراة صلة الله بعباده في هذا النص تعود لتشوه الله ورحمة الله.. اسمع ما ورد بعد ذلك النص كتمهيد لنبوة موسى:( وحدث في تلك الايام الكثيرة ان ملك مصر مات. وتنهّد بنو اسرائيل من العبودية وصرخوا. فصعد صراخهم الى الله من اجل العبودية. فسمع الله انينهم فتذّكر الله ميثاقه مع ابراهيم واسحق ويعقوب. ونظر الله بني اسرائيل وعلم الله ) (الخروج:2/23-25)

    القرآن لا يقصر هذا اللجوء على أنبيائه.. بل هو يعممه على كل الصالحين الذين يرجعون إلى الله في كل حين، ولكل سبب.

    اسمع ما يقول القرآن عن الجيش الذي قاتل مع طالوت الذي ندعوه شاول:) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ((البقرة:250)

    واسمع هذه الدعوات الفائضة من حناجر المؤمنين:) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)(البقرة)

    واسمع هذا اللجوء إلى الله:) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)(آل عمران)

    واسمع هؤلاء الداعين وصفاتهم:) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)((آل عمران)

    واسمع القرآن وهو يصف قومنا حين يسمعون آيات القرآن:) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)((المائدة)

    واسمع إليه، وهو يردد أوصاف عباد الرحمن، ويذكر دعواتهم:) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)((الفرقان)

    واسمع إليه، وهو يردد دعوات الأجيال المؤمنة لبعضها بعضا على امتداد التاريخ:) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ((الحشر:10)

    2 ـ عبودية الروح

    صمت قليلا، ثم قال: ليس ذلك فقط.. الكتاب المقدس يركز كثيرا على الطقوس.. ويتصور الطهارة ـ التي هي في عمومها طهارة حسية ـ قمة قمم الرقي الإنساني.

    بينما القرآن يعتبر الطهارة هي بداية الرقي.. فالروح تبدأ من الطهارة لترتقي في درجات الكمال التي لا تنتهي..

    ودرجات الكمال في القرآن تبدأ من القلب.. بتطهيره من كل الأوزار التي تحول بينه وبين صحبة الله.. فالله لا يحب إلا الطاهرين، ولا يصحبه إلا الطاهرون، ولذلك لا ينجو عند الله إلا أصحاب القلوب السليمة:) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ((الشعراء:89)، وقد أثنى القرآن على إبراهيم أعظم الثناء، ففيه:) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ((الصافات:84)

    فإذا تطهر القلب نال من الكمال الروحي بحسب سيره..

    والقرآن يذكر هذا السير القلبي، ويركز عليه، ويعتبره حقيقة الإيمان، فالإيمان لا يعبر عنه اللسان بل يعبر عنه القلب، ولهذا يقول القرآن في أوصاف المؤمنين:) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ((المجادلة:22)

    هذه الآية تتحدث عن هذا السير القلبي.. فالولاء القلبي لله، والرضى التام عن الله، هو الذي يجعل المؤمن من حزب الله المفلحين.

    ونتيجة لكون السير الروحي لله هو الأساس في علاقة المؤمن بالله، فالله ينفي الإيمان عمن تمسك بالطقوس، ولم تكن تلك الطقوس نابعة من القلب، اسمع:) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ((الحجرات: من الآية14)

    فالإيمان لا يصح.. ولا يكمل.. والسير إلى الله لا يبدأ إلا إذا انطلق من القلب.. القلب التي هي روح الإنسان الواعية.

    فالقلب ـ لا الجسد ـ هو الذي يؤمن، وهو الذي يكفر، ولذلك يركز القرآن كثيرا على القلب، فيربط كل سلوك به:

    فالكافر إنما يكفر لأنه ختم على قلبه، وطبع عليه، فصار لا يعي الحقائق التي يشرق بها الوجود:) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ((البقرة:7)

    والله لا يطبع على قلوب عباده، ولا يختم عليها إلا بعد أن تمارس من الرذائل ما يعميها عن الحقائق.. فالختم من الله، ولكن المتسبب هي القلوب نفسها، كما ورد في القرآن عن بني إسرائيل:) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً((النساء:155)

    وقال عنهم وعن غيرهم:) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ((محمد:16)

    وأخبر أن أساس التحريف الذي حصل للكتب المقدسة هو قساوة القلوب.. فلولا قساوة القلوب ما جرأت الأيدي على تغيير كلام الله:) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ((المائدة:13)

    واسمع الآية الأخرى التي تقسم الإيمان إلى إيمان قلبي وإيمان شفوي:) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ((المائدة:41)

    ولهذا فإن القرآن يرجع كل سلوك ظاهري إلى منبعه الباطني سواء كان سلوكا طيبا، أو سلوكا خبيثا:

    فالقرآن يرجع سر عدم التضرع إلى الله، وعدم اللجوء إليه إلى قساوة القلوب:) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ((الأنعام:43)

    وهو يرجع كل سلوك طيب إلى منبعه القلبي:) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ((لأنفال:2).. ) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ((لأنفال:63).. ) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ((الرعد:28)


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 15:23 عدل 1 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ  سادسا ـ الروحانية Empty رد: كتاب: عنوان الكتاب: الكلمات المقدسة ـ نور الدين أبو لحية ـ سادسا ـ الروحانية

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 15:18


    انطلاقا من أهمية الباطن والقلب في التوجيه الروحي للقرآن نجد القرآن هو المنبع الذي استقى منه علماء السلوك من المسلمين جميع مقامات الدين ومنازله:

    فمنزلة الإرادة التي هي نقطة بداية السالكين نص عليها في قوله:) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ((الأنعام:52)، وقوله:) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً((الكهف:28)

    ومنزلة التوكل التي تدل على ثقة المؤمن في الله ثقة تجعله يسلم كل أمرو إليه، نجد أصولها ومبادئها وكيفية التحقق بها في القرآن.. اسمع لما تبثه هذه الآيات من أصول التوكل:) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38)

    إن هذا التوكل هو الذي ملأ نفوس المؤمنين بالسعادة والسكينة في الوقت الذي تنخلع فيه القلوب..:) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)

    لقد أخبر القرآن عن موقف موسى المتوكل على الله عندما صار البحر أمامهم، والعدو خلفهم، فقال:) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)((الشعراء)

    لقد نصت التوراة على هذه الحادثة، ولكن البون شاسع بين كلا التعبيرين.. التعبير الذي تمتلئ به الروح شفافية، والتعبير الغارق في الحس والكثافة.. اسمع لما تقول التوراة في هذا، واعذرني لطول النص، فهذا هو كتابنا المقدس:( فلما أخبر ملك مصر ان الشعب قد هرب تغيّر قلب فرعون وعبيده على الشعب. فقالوا ماذا فعلنا حتى اطلقنا اسرائيل من خدمتنا. فشدّ مركبته واخذ قومه معه. واخذ ست مئة مركبة منتخبة وسائر مركبات مصر وجنودا مركبيّة على جميعها. وشدّد الرب قلب فرعون ملك مصر حتى سعى وراء بني اسرائيل وبنو اسرائيل خارجون بيد رفيعة. فسعى المصريون وراءهم وادركوهم. جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه وهم نازلون عند البحر عند فم الحيروث امام بعل صفون فلما اقترب فرعون رفع بنو اسرائيل عيونهم واذ المصريون راحلون وراءهم. ففزعوا جدا وصرخ بنو اسرائيل الى الرب وقالوا لموسى هل لانه ليست قبور في مصر اخذتنا لنموت في البرية. ماذا صنعت بنا حتى اخرجتنا من مصر. أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين كف عنا فنخدم المصريين. لانه خير لنا ان نخدم المصريين من ان نموت في البرية. فقال موسى للشعب لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فانه كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم ايضا الى الابد. الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون فقال الرب لموسى مالك تصرخ اليّ. قل لبني اسرائيل ان يرحلوا. وارفع انت عصاك ومدّ يدك على البحر وشقّه. فيدخل بنو اسرائيل في وسط البحر على اليابسة )(خروج:14/5-16)

    والقرآن لا يكتفي بكل هذا، بل يعتبر التوكل عبادة من العبادات، فلهذا يأمر به كما يأمر بسائر العبادات:) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:122).. )فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران: من الآية159) )إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160).. )وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) (النساء:81).. ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (لأنفال:2)

    وهكذا في مقام يسميه العلماء مقام الخشية، وهو هيبة مختلطة بحب.. نعم.. قومنا يضحكون من هذا، ويسخرون منه.. ولكن لابد من هذا المقام.. فالنفس الغارقة في الأوحال لا بد لها من سياط تنبهها، وتعيد إليها توازنها.

    قلت: فلم لا نعيد لها توازنها بالمحبة؟.. لماذا يكثر القرآن من الحديث عن العذاب المولد للخشية.. لماذا لم يسلك في التربية والإصلاح مسالك أخرى تطغى فيها اللذة على الألم، والترغيب على الترهيب، والحب على الخوف؟

    قال: كلاهما علاج.. ولا ينبغي للعاقل أن يترك دواء من الأدوية لأنه يتناول دواء آخر.

    صمت قليلا، ثم قال: ألا ترى الطبيب يحذر مريضه من أنواع كثير من الشهوات، وقد يبين له آثارها الخطيرة على مستقبل قالبه الطيني.

    ومثله الشرطي الذي يحذر المدني من كل سلوك لا ينسجم مع القوانين التي كلف برعايتها، ويفتح له أبواب السجون أو ينصب له حبال المشانق إن خالف تلك القوانين.

    ومثلهما الأستاذ الذي يحذر طلبته من كل تهاون في مذاكرتهم ويحذرهم من الرسوب وعواقبه عند مخالفته لأوامره.

    وهكذا.. كل شخص يمارس كل أساليب الترهيب مع غيره ويمارسها معه غيره، وقد تتحقق بعض المصالح في ذلك وقد تتخلف، وقد يفي هؤلاء بوعيدهم وقد يتخلفون.

    وهكذا الأمر إذا تعلق بإخبارات الله ووعيده، فالله كما نرجوا وعده نخاف وعيده، وكما نطلب رحمته نفر من عذابه.

    والخطأ الذي يقع فيه من لم يجمع بين هاتين المعرفتين هو أنه رسم صورة خاطئة في ذهنه عن ربه، بل هو يراه من زاوية أهوائه ومصالحه لا من الزاوية الحقيقية التي تدل عليها كل الدلائل.

    قلت: ولكن المسيحية تركز على المحبة.

    قال: هذه المعرفة المتكاملة هي الطريق للمحبة، لأن المحبة المبنية على بعض المعرفة محبة ناقصة، قد يؤثر فيها ما ينكشف لصاحبها من جهله المركب بربه.

    والدلائل تدل على إمكانية وجود العذاب في الكون، فالآلام نراها من حولنا، ونعيشها في أنفسنا، ونذوقها بين الحين والآخر بصور مختلفة محتملة، وهي تنبيه لما هو أكبر منها، لنعبر إلى ما لانراه بما نراه.

    وكما أن لنعيم الجنة بعض المظاهر الدنيوية الدالة عليه، والتي تقرب صورته للذهن، وتملأ القلب بالرجاء له والشوق إليه، فكذلك لعذاب الله مظاهره الدنيوية الدالة عليه، والتي تملأ القلب مخافة منه، وحذرا من أسبابه.

    ولهذا لا حجة لمن ينكر العذاب الذي تطفح الدلائل على إثباته، ولهذا أخبر القرآن أن المكذبين بعذاب الله، أو المنكرين لكون الله قادرا على تعذيبهم، والمعللين ذلك بعلل مختلفة هي من وحي الشياطين لا من وحي رب العالمين، بأنهم يوم القيامة يكتشفون هذه الحقيقة بعد أن يفوت الأوان اسمع ما يقول القرآن:) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة:20).. ) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) (سـبأ:42)

    فلذلك..فإن الأفكار الإرجائية التي توضع في غير محلها هي وحي من الشياطين، وإن ألبسها بعضهم لباس المعرفة، وقد أشار القرآن إلى هذا الوحي الشيطاني عند ذكره لخطبة الشيطان في أهل حهنم، فقال:) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (ابراهيم:22)

    وأخبر القرآن عن بعض نماذج الإضلال الشيطاني بهذه الدعاوى وأمثالها، فذكر مثالا عن إضلال أهل العلم الذين لم يقدروه حق قدره، فقال:) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:175 ـ 176)

    وذكر مثالا عن الذين آتاهم الله النعيم بأجمل مظاهره، فلم يقدروه حتى فقدوه، فقال U عن قوم سبأ:) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سـبأ:20)

    وذكر مثالا عن الذين أوتو القوة، ولم يحموها بالتواضع لله:) وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (العنكبوت:38)، فالآية تخبر أن الشيطان أغواهم مع أنهم كانوا ذوي بصيرة ونظر.

    ولهذا فإن القرآن يذكر عن أهل الله الذين هم النموذج الذي يحتذى به في أي سلوك، وهم المثل السامي الذي تتطلع إليه الأرواح الطاهرة، فيصفهم بقوله:) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة:201)، وهذا الدعاء يبين حقيقة تصور المؤمن للحياة مقارنة مع دعاء الغافلين الجاهلين الذين أخبر الله U عنه بأنهم يقتصرون في دعائهم على حاضرهم المشهود:) فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(البقرة: من الآية200)

    عندما أقرأ هذه الآية أتذكر صلاتنا عندما نقول:( أبانا الذى فى السماوات ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا فى تجربة،لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين )

    قلت: هذه الصلاة ينبغي أن نفخر بها لا أن نتألم لها.. حتى أننا نقول فيها:( خبزنا كفافنا أعطنا اليوم )، فالمؤمن يعتمد على الله حتى فى حاجاته الضرورية. وهذه الطلبة تمثل طلبنا لكافة الحاجات الخاصة بالجسد.

    ثم لاحظ أننا لا نطلب شيئا للترفيه والتنعم، بل نطلب الحاجة الضرورية فقط (خبزنا كفافنا). كما أننا لا نطلب لكى نكنز، بل لاحتياج اليوم فحسب.

    ابتسم وقال: قارن هذه الصلاة بسورة الفاتحة التي يقرؤها المؤمنون في كل صلاة، وبالمعاني السامية التي تحملها مقارنة بهذه الصلاة، وسترى ما رأيت من العجائب.

    قلت: والمحبة؟

    قال: القرآن هو كتاب المحبة.. ليس هناك كتاب في العالم يحبب الله إلى عباده مثل القرآن..

    ولذلك لم تقم أمة في الأرض على أساس محبة الله كما قامت أمة محمد..

    لقد بنى محمد كل بنائه على المحبة.. حتى عبر القرآن عن علاقة المؤمنين بالله، فقال:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)، وقال:) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)(البقرة: من الآية165)

    المحبة هي المعراج الذي يعرج به المؤمن من خلال القرآن إلى الله.. فلذلك لا ينبغي أن نفخر على المسلمين بمحبتنا لله، فليس هناك من يحب الله صادقا في محبته غير المسلمين، لأنه ليس هناك كتاب يلقن متبعيه محبة الله الحقيقية مثل القرآن.



    3 ـ عبودية الجسد

    قلت: ولكني أرى المسلمين يمارسون من الطقوس ما نمارس.. إنهم يغرقون في عبودية الظاهر، وفي الاشتغال بالرسوم.

    قال: صدقت.. وقد تأملت في هذه الظواهر السلوكية، وحاولت أن أبحث في علاقتها بالباطن الذي يعبد الله به، فوجدت تلازما كبيرا بين السلوك الظاهر والترقي الباطن.

    لقد تصور بولس أن السلوك الظاهر حجاب عن السلوك الباطن فوقع في الزندقة.. نعم أنا مسيحي.. وأقول ذلك.

    ذلك أن الله يعبد بالظاهر ويعبد بالباطن، ولا يمكن للباطن أن يصلح إلا بأسلحة الظاهر، ولهذا نص القرآن على الاستعانة على التحقق بالإيمان الباطني بالسلوط الظاهري، فهو يقول:) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ((البقرة:45)، ويقول:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( (البقرة:153)

    والقرآن يضع لتحقيق ذلك من العبادات الظاهرة ما يملأ النفس بالمعاني الباطنة:

    وأولها الصلاة، فالصلاة تشكل ركنا أساسيا من أركان الإسلام، وهي لذلك يكثر الأمر بها في القرآن.. ويكثر الأمر بها بصيغة الإقامة المعبرة عن الأداء الحقيقي الكامل، والقرآن يخبر أن مثل هذه الصلاة سوف توفر لصاحبها الاستقامة على منهج الله:) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ((العنكبوت:45)

    والقرآن يأمر بالصلاة الخاشعة التي يجتمع فيها الجسد والقلب على التوجه لله، ففي القرآن في صفة المفلحين:) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ((المؤمنون:2).. بل هو يخبر أنه لا ينتفع بالصلاة إلا الخاشعون الذين تخف عليهم حركاتهم لإدراكهم لرموزها:) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ((البقرة:45)

    سكت قليلا، ثم قال: لقد تأملت في جميع حركات الصلاة وأقوالها، فوجدتها كلها تنهض لترسيخ معاني العبودية لله.. كل حركة منها سلم يرتقي فيه القلب إلى الله..

    لقد ذهبت أبحث في كتابنا المقدس عن الصلاة التي نؤديها الآن في كنائسنا، فلم أجد لها وجودا.. بل وجدت أن الصلاة التي في الكتاب المقدس تشبه كثيرا الصلاة التي يصليها المسلمون:

    لقد ورد في أعمال الرسل(20/36):( ولما قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلّى )، وفيها (9/40):( فأخرج بطرس الجميع خارجا وجثا على ركبتيه وصلّى ثم التفت الى الجسد وقال يا طابيثا قومي. ففتحت عينيها. ولما ابصرت بطرس جلست )

    وفي (2صموائيل: 1/ 12 ):( وندبوا وبكوا وصاموا الى المساء على شاول وعلى يوناثان ابنه وعلى شعب الرب وعلى بيت اسرائيل لأنهم سقطوا بالسيف )

    وفي (تكوين:22:5: 5):( فقال ابراهيم لغلاميه اجلسا انتما ههنا مع الحمار.وأما انا والغلام فنذهب الى هناك ونسجد ثم نرجع اليكما )

    وفي (1ملوك 18/ 39):( فلما رأى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا الرب هو الله الرب هو الله )

    وفي (2أخبار:20/ 18):( فخرّ يهوشافاط لوجهه على الارض وكل يهوذا وسكان اورشليم سقطوا امام الرب سجودا للرب)

    وفي (تكوين: 33/ 3: وأما هو فاجتاز قدامهم وسجد الى الارض سبع مرات حتى اقترب الى اخيه)

    وفي (2ملوك: 4/ 37):( فاتت وسقطت على رجليه وسجدت الى الارض ثم حملت ابنها وخرجت )

    وفي (تكوين: 18/ 2):( فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه.فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد الى الارض)

    وفي (متى: 18/ 26):( فخر العبد وسجد له قائلا يا سيد تمهل عليّ فاوفيك الجميع)، وفيه (20/ 20):( حينئذ تقدمت اليه ام ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا)

    وفي (لوقا 4/ 8):( فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد)، وفيه (24/ 52):( فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم)

    وفي (يوحنا4:/ 21):( قال لها يسوع يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في اورشليم تسجدون للآب. (22) انتم تسجدون لما لستم تعلمون.اما نحن فنسجد لما نعلم.لان الخلاص هو من اليهود. (23)ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق.لان الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له)

    هذه هي الصلاة كما بقيت أصولها في الكتاب المقدس، ولكنا لا نجد لها في واقعنا أي أثر.. لأنا اقتفينا آثار المضللين المبتدعين.

    4 ـ الروحانية الاجتماعية

    سكت قليلا، ثم قال: في القرآن اكتشفت نوعا جميلا من الروحانية لم أجده في كتابنا المقدس.

    قلت: ما هو؟

    قال: يمكنك أن تسميها (الروحانية الاجتماعية)

    قلت: لم أسمع بهذا المصطلح من قبل.

    قال: لأنا تعودنا على أن العلاقات الاجتماعية ترتبط بروابط مادية، أو روابط ألفة طبعية شكلية.. ولكن القرآن يؤسس لروابط روحية.. تبدأ من محبة الله لتنطلق إلى محبة خلقه.

    في سورة الفاتحة التي هي صلاة المؤمنين تتجلى هذه الروحانية في أعمق صورها، فالمؤمن فيها لا يكتفي بالدعاء لنفسه، بل هو يدعو للمؤمنين الذين يرتبط بهم في عالم الروح:) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)((الفاتحة)

    وهو يفسر الصراط المستقيم بأنه صراط المنعم عليهم:) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:7)، وكأن المؤمن بذلك يطلب من الله أن يلحقه بأولئك الذين أنعم عليهم.

    لقد نص القرآن على ذلك، فقال:) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69)

    حتى أن الله يخبر أن روح المؤمن إذا قبضت تدخل في عباده الصالحين.. اسمع:) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)(الفجر)

    وفي الجنة يلتقي الإخوان المؤمنون بعضهم ببعض.. اسمع:) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ( (الحجر:47)

    قلت: لم أفهم سر هذا النوع من الروحانية وما آثاره.

    قال: القرآن يؤسس لتوحد اجتماعي في عبادة الله وفي معرفته.

    قلت: ما تقصد؟

    قال: أن يصبح هم المجتمع جميعا التعرف على الله ومحبته.. ولذلك يكون اللقاء بينهم على هذا الأساس.. وتصير الألفة بينهم على هذا الأساس.

    قلت: سألتك عن ثمرة هذا.

    قال: عندما تصل القلوب إلى هذه الحالة يتأسس بنيان اجتماعي وروحي عظيم.. لن تبقى هناك طبقية اجتماعية.. لأن الكل متوجه لله بالعبودية..

    لقد أمر الله محمدا وكل الأمة أن لا تميل إلى الدنيا، وتنسى صحبة أولئك الطيبين الذين لا يريدون إلا وجه الله:) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28)

    بل نزلت آيات من القرآن تعاتب محمدا لأنه مال إلى بعض المشركين ممن له الجاه يدعوه إلى الله، وترك رجلا أعمى جاء يتعلم على يديه، لا شك أنك تعرف الآيات التي وردت فيها.. فأنتم خبراء في مثل هذه النصوص[3].

    ابتسمت، فقال: تلك الآيات تشير إلى العلاقة الروحية التي ينبغي أن تكون بين المؤمنين.

    قلت: فهل أسس القرآن لهذه الروحانية الاجتماعية.. أم اكتفى بالإشادة بها؟

    قال: بل وضع أسسها التشريعية والأخلاقية.. وأنا ما جلست هذا المجلس اليوم إلا لأبحث عن التفاصيل المرتبطة بها.

    قلت: فما وجدت؟

    قال: القرآن الكريم جميعا إذا قرئ من هذه الزاوية كان أساسا لهذه الروحانية الاجتماعية.. ابتداء من أول آياته.. وانتهاء بآخرها.. إن أرواح المؤمنين تمتزج فيه لا يحول بينها أي حائل.. لا الزمان، ولا المكان.

    فالمؤمن يشعر بوحدة روحية عميقة مع المؤمنين في كل الأزمنة وفي كل الأماكن.

    فهو مع إبراهيم الخليل، ومع موسى الكليم، ومع المسيح روح الله وكلمته.

    ومع آدم أبي البشر، ومع صالح.. ومع هود..

    وهو مع كل النبيين والصديقين يعيش نماذجهم وروحانيتهم ويذوب فيها.

    لقد عبر سيد قطب.. وهو ممن أوتي فهما في القرآن.. عن هذا المعنى، فقال في مقدمة ظلاله:( والمؤمن ذو نسب عريق، ضارب في شعاب الزمان. إنه واحد من ذلك الموكب الكريم، الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم:نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ويوسف، وموسى وعيسى، ومحمد.. عليهم الصلاة والسلام ) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:92)

    هذا الموكب الكريم، الممتد في شعاب الزمان من قديم، يواجه - كما يتجلى في ظلال القرآن - مواقف متشابهة، وأزمات متشابهة، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور، وتغير المكان، وتعدد الأقوام. يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى، والاضطهاد والبغي، والتهديد والتشريد. ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو، مطمئن الضمير، واثقا من نصر الله، متعلقا بالرجاء فيه، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد: )وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)(إبراهيم).. موقف واحد وتجربة واحدة. وتهديد واحد. ويقين واحد. ووعد واحد للموكب الكريم.. وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف. وهم يتلقون الاضطهاد والتهديد والوعيد )

    ولهذا يمزج القرآن بين الروحانية المتوجهة لله، والروحانية التي تربط بين المؤمنين في علاقاتهم الاجتماعية، في مواضع كثيرة من القرآن.. اسمع هذه الآية الجامعة لأوصاف كل من صحب محمدا على امتداد الأزمنة:) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح:29)

    قرأ هذه الآيات بخشوع.. ثم قال: أتسمح لي ـ أخي المحترم ـ أن أكمل جلستي مع القرآن.. فقد ملكت علي هذه الآيات قلبي وعقلي.. ولا أراني أستطيع أن أفيدك غير ما أفدت.. فإني لا أزال في أول طريقي في البحث عن شمس محمد.

    قال ذلك، ثم انصرف إلى مصحفه يقرأ فيه، وعينيه تغرورقان بدموع لا يكاد يستطيع حبسها.

    تركته.. وفي عيني قلبي ما في عيني رأسه.. لقد عدت بحيرة جديدة.. ومعها بصيص من نور محمد.

    عندما عدت آخر المساء إلى البيت، مددت يدي إلى محفظتي، فامتدت إلى الورقة التي سلمها لي صاحبك، فعدت أقرأ فيها..

    لقد أيقنت حينها أن هذا السور السادس من أسوار الكلمات المقدسة لم يتحقق به أي كتاب في الدنيا غير القرآن الكريم.

    ([1]) انتصرنا لهذه الأقوال في سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية) في الجزء الخاص بـ (الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد)

    ([2])رواه ابن مردويه، وعَبْد بن حُمَيد.

    ([3]) انظر في المعاني السامية التي تحملها تلك الآيات في رسالة (كنوز الفقراء) من (رسائل السلام)، وانظر في رد الشبه المرتبطة بها رسالة (النبي المعصوم) من هذه السلسلة.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 12:26