ثامنا ـ الأدب
في اليوم الثامن.. خرجت إلى المطبعة التي يطبع فيها الكتاب المقدس، وقد كنت أود من خلال زيارتي هذه التعرف على حال العمال الذين كلفوا بهذه المهمة الخطيرة.. مهمة إخراج الكتاب المقدس للناس.
كانت المطبعة في غاية النظافة والتنظيم، وكان الهدوء يملأ أركانها، فلا تسمع فيها إلا صوت الآلات، وهي تؤدي وظائفها بغاية الإتقان والجودة.
اقتربت من بعض العمال، وقلت له: مبارك لكم هذا العمل العظيم.. لقد انتدبكم الله لنشر الكتاب المقدس.. أنتم الآن تقومون بنفس الدور الذي قام به الأنبياء.
نظر إلي بعين حزينة، وقال: شكرا.. سيدي..
انصرفت لأتحدث مع عامل آخر، فاستوقفني، وقال: هل تأذن لي ـ سيدي ـ في أن أقول لك شيئا؟
قلت: أنا طوع أمرك.. ما الذي تريده.. لا تستح.. إن كنت تريد مالا، فسنعطيك ما يسد حاجتك؟
قال: لا.. أنتم تعطونني فوق حاجتي.. ولكني أريد شيئا آخر.. لا أجرؤ على قوله.
قلت: لا حرج عليك.. فلن ترى مني إلا الرحمة.. ألسنا أتباع المسيح؟
قال: بلى.. وأبارك لك هذا الخلق الرفيع.. ولكن الكلام الذي أريد أن أقوله لك له علاقة بالكتاب المقدس.
خشيت أن يكون قد فطن لما قام به أخي من حذف للأقواس، وخشيت أن ينكر ذلك علينا، وقد ينشر ذلك الإنكار، فنفتضح به، فقلت: لقد جعل الله الكتاب المقدس منارة تهتدي بها الأجيال، فلذلك قد يعرض للأجيال في أطوارهم المختلفة ما يستدعي بعض التصرفات.. هي ليست تحديثات، ولكنها توضيحات.
إلتفت إليه، فرأيته واجما، وكأنه لم يع ما قلت، فقلت: ألست ترى القوانين تغير كل حين، أو تبعث معها مذكرات تفسيرية تبين معانيها المرادة حتى لا يتيه الناس في الجدل حولها.
قال: فأنت ترى حاجة الكتاب المقدس الدائمة للرعاية، ولو ببعض التحويرات البسيطة التي لا تؤثر على معانيه السامية؟
قلت: أجل.. ذلك صحيح.. وذلك ما جئت أنا وأخي لأجله.
رأيت وجهه، وقد انطلق بابتسامة عريضة، مسحت ذلك الحزن الذي كان يملأ وجهه، وقال: لقد أزحت عن كاهلي ثقلا عظيما كان ينوء به.. وكان يمنعني من التصريح بما أريد أن أصارحك به.
قلت ـ وأنا لا أزال أتصور أنه يتحدث عما فعله أخي ـ: إن الحوار يقرب المفاهيم كثيرا.. فلذلك لو لجأ الخلق إليه، لكفوا عن أنفسهم كثيرا من أعباء الحروب التي تقتل السلام بينهم.
قال: صدقت.. وقد فتحت لي الباب على مصراعيه لأحدثك عما ظللت طول عمري أفكر فيه.
تعجبت من قوله هذا، وقلت: طول عمرك!؟.. إن ما فعله أخي لم يكن إلا هذا الأسبوع.. فكيف ظللت تفكر فيه طول عمرك؟
قال: وماذا فعل أخوك؟.. لم أسمع بهذا.
قلت: دعنا منه.. وحدثني عما تريد أن تصارحني به أنت.
قال: أخبرك أولا بأني مسيحي.. بل مسيحي متدين.. ولهذا، فأنا أحرص الناس على هذا الكتاب.. على هذه الثروة الإلهية العظيمة.. ولكني مع ذلك أشعر أن هذه الثروة تبتذل من بعض السفهاء، أو هم يسيئون فهمها، فلذلك رأيت أن نحذف من الكتاب المقدس ما يؤدي إلى هذا.. ألم تخبرني بأن الكتاب المقدس قد وضع بين أيدي أهل الله ليتصرفوا فيه وفق ما يتطلبه واقعهم.
لم أدر كيف أجيبه، ولكني تعمدت أن أواصل الحديث معه، لأعرف تفاصيل ما الذي يريد حذفه، قلت: أنا معك فيما تقول.. فما الكلمات التي تريد حذفها؟
قال: ليست كلمات فقط.. بل فقرات كثيرة.. بل أسفارا، لا أراها تختلف عن أي كتاب من تلك الكتب المنحرفة التي تنشر الرذيلة، وتسد أبواب الفضيلة.
قلت: ما تقول يا رجل!؟
قال: ما ذكرت لك.. فمع أني مسيحي.. بل مسيحي متدين.. إلا أني لا أضع في بيتي نسخة واحدة من الكتاب المقدس.
قلت: لم؟
قال: خشية على أولادي المراهقين من أن تؤثر فيهم تلك العبارات الخطيرة التي تفوح بروائح الرذيلة.
انتحيت به جانبا خشية أن يسمعنا أحد، وقلت: تعال معي إلى مكتبي، وسنتحدث بتفصيل عن خطة الحذف التي تريدها.
سر لما قلت له، وحمل معه نسخة من الكتاب المقدس، وقال: شكرا على هذا الكرم العظيم الذي قابلتني به..
ثم أشار إلى نسخة الكتاب المقدس التي كان يحملها، وقال: لقد وضعت في هذه النسخة نماذج لأكثر ما نحتاج إلى حذفه أو تعديله من الكتاب المقدس.
سرنا إلى مكتبي، وأخذنا مجالسنا فيه، وقلت له: تكلم الآن كما تشاء.. وأخبرني عما تريد حذفه.
قاطعني، وقال: أو تعديله.. ليس بالضرورة نحذف..
قلت: إن اضطررنا فلنحذف..
قال: لو فعلنا ذلك فإن الكتاب المقدس سيصغر حجمه كثيرا.. ولذلك أرى أن نستبدل الحذف بالتعديل.
قلت: لا بأس.. ما الذي تريد تعديله؟
1 ـ الأدب المكشوف
فتح الكتاب المقدس، وقال: فلنبدأ بسفر نشيد الإنشاد..
قلت: اقرأ علي النص.
قال: يبدأ الإصحاح الأول من هذا السفر بقوله:( ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر، لرائحة أدهانك الطيبة، اسمك دهن مهراق، لذلك أحبتك العذارى. اجذبني وراءك فنجري، أدخلني الملك إلى حجاله، نتبهج ونفرح بك، نذكر حبك أكثر من الخمر.. ما أجمل خديك بسموط، وعنقك بقلائد، نصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان من فضة.. حبيبي لي، بين ثديي يبيت.. ) ( نشيد 1/1 - 15 )
وبهذا الأسلوب الفاضح تستمر بقية إصحاحات السفر، بل تصل أحيانا إلى قمة السوء حين تنزع كل أثواب الحياء.. اسمع:( في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته.. حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته، ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي، وحجرة من حبلت بي.. قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه.. حبيبي مد يده من الكوة، فأنَّت عليه أحشائي.. )( نشيد 3/1 - 5 )
واسمع إلى هذا الأدب المكشوف الصريح في هذه الفقرات:( ما أجمل رجليكِ بالنعلين يا بنت الكريم. دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع. سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياك كخشفتين توأمي ظبية. عنقك كبرج من عاج.عيناك كالبرك.. ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذّات. قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد..وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة أنفك كالتفاح، وحنكك كأجود الخمر لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين، أنا لحبيبي، وإليّ اشتياقه. تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ولنبت في القرى. لنبكرنّ إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال؟ هل نور الرمان. هنالك أعطيك حبي.. ليتك كأخ لي، الراضع ثديي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك، ولا يخزونني. وأقودك وأدخل بك بيت أمي، وهي تعلمني، فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني، شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني ) (نشيد 7/1-13)
حاولت أن أجد مخرجا لما أوقعني فيه، فقلت: أولا .. هذا السفر يمكن أن يفهم فهما سليما، وسيبعد عنه ذلك الفهم السيئ الذي يبدو في ظاهر عباراته.
قال: فما هو هذا الفهم الذي يزيل عنا هذا الوهم؟
قلت: أولا.. يمكن أن يقبل ظاهره على أساس أنه يصف الحياة الزوجية بما فيها من متع جنسية.. ولا خطأ في الجنس الذي هو في إطار الزواج.
قال: فلنمنعه إذن عن غير المتزوجين.. إنهم يتضررون به كثيرا.. أو فلنكتب على هذا السفر عبارة تحذير حتى لا يقدم على قراءته المراهقون.
قلت: أو فلننشر بدل ذلك المعاني الرمزية الجميلة التي يفهمها القديسون من هذا السفر؟
قال: وما تلك المعاني الجميلة؟
قلت: لقد اعتبر علماء اللاهوت أسلوب هذا السفر أسلوبا رمزيا يعلن عن الحب المتبادل بين الله وكنيسته، أو بين الله والنفس البشرية كعضو فى الكنيسة، وهو لذلك يذكر مناجاة الكنيسة للسيد المسيح الذي هو عريسها، فتطلب قبلات فم الآب، أى تدابيره الخلاصية..
قال: ولكن أسلوب هذا السفر واضح في الدلالة على أن الخطاب من امرأة لعشيقها، والعشيق يرد.. إن الأسلوب الخطابي واضح لا يمكن أن يفهم منه إلا ظاهره.
قلت: فلنرفع وعينا لنفهم أسرار الكتاب المقدس.. فشخصيات السفر ـ على حسب فهم القديسين ـ هي العريس الذي هو السيد المسيح (شيبارد) الذى يخطب الكنيسة عروسا مقدسة له ( أف 5: 27 )، و يشبه السيد المسيح بالظبى ( الغزال )
والعروس هى الكنيسة الجامعة، أو المؤمن كعضو حى فيها، وتسمى (شولميث)
والعذارى هم المؤمنون الذين لم يبلغوا بعد العمق الروحى، لكنهم أحرزوا بعض التقدم فى طريق الخلاص.
وبنات أورشليم يمثلن الأمة اليهودية التى كان يليق بها أن تكرز بالمسيا المخلص.
وأصدقاء العريس هم الملائكة الذين بلغوا الأنسان الكامل ( أف 4: 13 ).
والأخت الصغيرة تمثل البشرية المحتاجة من يخدمها ويرعاها فى المسيح يسوع.
وبناء على هذا، فإن الكنيسة (شولميث) تطلب من اليسوع (شيبارد) أن يُقبلها من فمها، لأن فمه أطيب من الخمر ورائحة الطيب المنبعثة منه والتي من خلالها أحبه الذي آمنوا به..
والكنيسة (شولميث) مازالت تطلب من يسوع (شيبارد) أن تتعلق به من ورائه ويفرون إلى النعيم ويختلوا ببعض لتفرح الكنيسة بيسوع، ويتذكروا مع بعضهم حبه للكنيسة.
قال: أنا لا أجادلك في كل هذا، فهذا السفر يحوي معاني رمزية سامية.. ولكن هل تتصور أن هؤلاء العامة يفهمون هذه المعاني؟.. إن وعيهم لا يعدو ظواهر العبارات، فلذلك يتضررون بسماعها.
ولهذا أقترح أن نبدل هذه العبارات الفاضحة بمعانيها الرمزية.. وبذلك نيسر على الناس فهم الكتاب المقدس من جهة، ونقي كتابنا المقدس من أيادي الابتذال من جهة أخرى.
صمت قليلا، ثم قلت: أهذا هو النص الذي تريد حذفه؟
قال: أنا أطالب بتعديله فقط.. فأنا لا أجرؤ على حذف هذا النص بالذات.
قلت: هل لديك نصوص أخرى؟
قال: أجل.. وهي للأسف كثيرة.
قلت: فاذكر لي بعضها.
قال: أرى أن نعدل النصوص الكثيرة التي تصف المرأة وصفا مكشوفا، فتصف ثدييها وحلقات فخذيها، وترائب عذرتها، وما خلف ذلك وما أمامه، وما أعلاه وما أدناه.
قلت: اذكر لي هذه النصوص.
قال: هي كثيرة.. ولا شك أنك تعلمها.. ولكن ـ بناء على طلبك ـ سأذكر لك منها غرام الكتاب المقدس بوصف الثديين.. ولست أدري لماذا الثديين خاصة!؟
ففي سفر الأمثال (5 / 19):( الظبية المحبوبة والوعلة الزهية.ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما )
وفي (نشيد1 /13):( صرة المرّ حبيبي لي.بين ثديي يبيت )
وفيه:( قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد قلت إني اصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها.وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة انفك كالتفاح )(نشيد 7 عدد7-8 )
وفيه أيضا:( لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان.فماذا نصنع لأختنا في يوم تخطب) (نشيد8 عدد8 )
وفيه:( انا سور وثدياي كبرجين.حينئذ كنت في عينيه كواجدة سلامة)( نشيد8 عدد10)
وفي (إشعياء32 عدد12):( لاطمات على الثدي من اجل الحقول المشتهاة ومن اجل الكرمة المثمرة )
وفيه:( وترضعين لبن الامم وترضعين ثدي ملوك وتعرفين اني انا الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب ) (إشعياء60 عدد16)
وفيه:( لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزياتها.لكي تعصروا وتتلذذوا من درة مجدها )(إشعياء66 عدد11)
وفي (أيوب3 عدد12):( لماذا أعانتني الركب ولم الثدي حتى أرضع )
أما حزقيال.. فأنت تعرف ما فيه.. وفيه من الحديث عن الثديين:( جعلتك ربوة كنبات الحقل فربوت وكبرت وبلغت زينة الازيان.نهد ثدياك ونبت شعرك وقد كنت عريانة وعارية )(حزقيال16 عدد7)
وفيه ( وزنتا بمصر.في صباهما زنتا.هناك دغدغت ثديّهما وهناك تزغزغت ترائب عذرتهما )( حزقيال23 عدد3)
وفيه:( وافتقدت رذيلة صباك بزغزغة المصريين ترائبك لأجل ثدي صباك ) (حزقيال23 عدد21)
وينقل حزقيال كلام الرب فيقول:( فتشربينها وتمتصينها وتقضمين شقفها وتجتثّين ثدييك لأني تكلمت يقول السيد الرب )( حزقيال23 عدد34)
أما هوشع الذي كان أول ما كلمه الرب أن قال له: اذهب واتخذ لنفسك امرأة زنا.. ثم بعد أن تزوجها قرر أن يفضحها كما في (هوشع 2 عدد2 ):( حاكموا أمكم حاكموا لأنها ليست امرأتي، وأنا لست رجلها لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها )
وفيه هذا الدعاء الغريب:( أعطهم يا رب.ماذا تعطي. أعطهم رحما مسقطا وثديين يبسين )(هوشع9 عدد14)
وفي (يوئيل 2 عدد16):( اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الاطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها )
وغيرها من النصوص الكثيرة التي تتحدث عن الثديين لحاجة وغير حاجة.
قلت: فهل ترى استبدال هذه النصوص بنصوص أخرى؟
قال: نعم.. نرى من الأصلح أن نستبدل النصوص الفاضحة بما ترمز إليه من رمز حتى نحفظ أولادنا وأنفسنا من آثار هذا الكلام.
أتعلم.. لقد رأيت بعض المسلمين يتهكم من هذه النصوص.. وهو يجمعها ليرميها في وجوهنا بعد ذلك، ويسبنا بها؟
هل ترضى أن يصبح الكتاب المقدس لعبة بأيدي هؤلاء؟
قلت: فتعلموا كيف تواجهون هؤلاء.. اقرأوا عليهم فضائح كتابهم المقدس ليحذروا من الكلام في كتابكم المقدس.
قال: وتحسب أنا لم نفعل.. ولكنا لم نجد في كتابهم ما يرضينا.. لقد قرأنا كتابهم المقدس مرات ومرات.. فلم نجد شيئا يستحق أن يلمزوا بسببه.
لقد بحثت عن الثدي في كتابهم المقدس.. كما بحثت عنه في كتابنا، فلم أجد له أي وجود.. فرحت أبحث عن الرضاعة.. لعلي أجد فيها ما يمكن أن ينهرهم، فوجدت هذا اللفظ في خمسة مواضع.
قلت: فواجههم بها.. نعم خمسة أقل بكثير مما عندنا.. ولكن مع ذلك، فإن حجم كتابنا المقدس أكبر من حجم قرآنهم.
تنفس الصعداء، وقال: بماذا أواجههم ـ يا سيدي ـ ليس في هذه المواضع الخمسة أي شيء يخدش الحياء، أو يسيء إلى الأدب..
لقد ذكرت الآية الأولى أحكام الرضاعة، ومدتها، وحق المرأة فيها، وواجب الرجل.. وهي أحكام غاية في السمو، جاءت بألفاظ غاية في الأدب.. اسمع ما تقول:) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ((البقرة:233)
وفي سورة النساء وردت عند ذكر المحرمات من النساء معتبرة المرأة المرضع بمثابة الأم، وابنتها بمثابة الأخت، لقد جاء فيها عند عد المحرمات:) وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ((النساء: من الآية23)
وفي سورة الحج ذكر لذهول المرضع عن ابنها نتيجة الأهوال التي تعاينها:) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ((الحج: من الآية2)
وفي سورة القصص ذكر لأم موسى:) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ((القصص:7)
وفي سورة الطلاق ذكر لوجوب إعطاء المطلقة المرضع أجرة رضاعها:)أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى((الطلاق:6)
ليس في هذه النصوص جميعا ـ حضرة الحبر ـ أي نص تستحيي من قراءته مع أولادك.. بالإضافة إلى أن كل ذلك وضع في موضعه السليم.. فهي أحكام غاية في السمو.. بالإضافة إلى كل ذلك، فهي معان ظاهرة بألفاظ ظاهرة لا تحتاج إي تفسيرات تحل رموزها، وتوضح معانيها.
قلت: لقد ورد في كتابهم ذكر ملاعبة الرجل لزوجته.. أليس كذلك؟
قال: بلى..
قلت: فواجهوهم بتلك النصوص؟
قال: لقد بحثت في هذا أيضا.. لكني لم أجد إلا الأدب الصرف.. والتعبير الجميل.. لقد ذكر القرآن ذلك عند ذكر أحكام الصوم، فقال:) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ((البقرة:187)
قلت: فقد ذكرت هذه الآية الرفث.. والرفث هو مقدمات المباشرة، أو هو المباشرة ذاتها.
قال: أجل.. ولكن القرآن لم يفصل في ذكر شيء من هذه الملاعبات، كما نرى الكتاب المقدس.. ولو كان الأمر يتعلق بالزوجين.. لأن هذه من الخصوصيات التي لا تحتاج تعليمات إلهية تبين كيفيتها.
بالإضافة إلى هذا، فإن القرآن يرفع من هذه المباشرة ليملأها بالمعاني الإنسانية الرفيعة، فيعتبر المرأة لباسا للرجل، والرجل لباس للمرأة.. واللباس لا يوحي إلا بالستر والصيانة والأدب..
لا كما رأينا في الكتاب المقدس من الحديث عن العري..
لقد بحثت في هذا.. بحثت في النصوص التي تتحدث عن العري، فرأيتها لا تقل عن النصوص التي تتحدث عن الأثداء.. ففي (سفر حزقيال: 16 / 35 ):( لِذَلِكَ اسْمَعِي أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ قَضَاءَ الرَّبِّ: مِنْ حَيْثُ أَنَّكِ أَنْفَقْتِ مَالَكِ وَكَشَفْتِ عَنْ عُرْيِكِ فِي فَوَاحِشِكِ لِعُشَّاقِكِ.. هَا أَنَا أَحْشِدُ جَمِيعَ عُشَّاقِكِ الَّذِينَ تَلَذَّذْتِ بِهِمْ، وَجَمِيعَ محبيك مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَكْشِفُ عورتك لهم لينظروا كل عورتك.. وَأُسَلِّمُكِ لأَيْدِيهِمْ فَيَهْدِمُونَ قبتك وَمُرْتَفَعَةَ نُصُبِكِ، وَينزعون عنك ثيابك وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى جَوَاهِرِ زِينَتِكِ وَيَتْرُكُونَكِ عريانة وعارية )
ومن النصوص التي تجعل الله بكشف العورات ما جاء في سفر ( إشعيا: 3: 16):( وَيَقُولُ الرَّبُّ: لأَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ مُتَغَطْرِسَاتٌ، يَمْشِينَ بِأَعْنَاقٍ مُشْرَئِبَّةٍ مُتَغَزِّلاَتٍ بِعُيُونِهِنَّ، مُتَخَطِّرَاتٍ فِي سَيْرِهِنَّ، مُجَلْجِلاَتٍ بِخَلاَخِيلِ أَقْدَامِهِنَّ. سَيُصِيبُهُنَّ الرَّبُّ بِالصَّلَعِ، وَيُعَرِّي عَوْرَاتِهِنَّ )
بل إن النصوص المقدسة لا تكتفي بذكر العري المرتبط بالزانيات، بل تتعداهن، فتذكر عري الأنبياء.. بل تغرم بذكر هذا:
لقد ذكرت عن نوح:( وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه )(تكوين 9: 20)
وذكرت عن داود:( ورجع داود ليبارك بيته فخرجت ميكال بنت شاول لاستقبال داود وقالت: ما كان أكرم ملك اسرائيل اليوم حيث تكشّف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشّف احد السفهاء )( صموئيل الثاني: 6: 20)
وذكرت عن إشعيا:( في ذلك الوقت تكلم الرب عن يد اشعياء بن آموص قائلا. اذهب وحلّ المسح عن حقويك واخلع حذاءك عن رجليك. ففعل هكذا ومشى معرّى وحافيا.فقال الرب كما مشى عبدي اشعياء معرّى وحافيا ثلاث سنين آية واعجوبة على مصر وعلى كوش )(إشعيا: 20: 3 _ 5)
وذكرت عن شاول:( فخلع هو أيضا ثيابه وتنبأ هو أيضا امام صموئيل وانطرح عريانا ذلك النهار كله وكل الليل )( صموئيل الأول: 19: 24 )
وذكرت عن ميخا:( لِهَذَا أَنُوحُ وَأُوَلْوِلُ وَأَمْشِي حَافِياً عُرْيَاناً )(سفر ميخا: 2: 8)
وذكرت عن المسيح:( قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا ) (يوحنا 13: 4-5)
قلت: لقد ذكر القرآن عين العملية الجنسية في قوله:) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ((البقرة:223).. وفي قوله:) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ((لأعراف:189)
قال: لقد قرأت هذه الآية.. ولكنها لا تصلح لمواجهتهم بها.
قلت: لماذا؟.. إنها تتكلم عن هذه العملية بكل صراحة.
قال: ولكنها تتكلم عنها بأدب.. إنها تعلمهم الغاية من العملية، وآدابها، ومثل ذلك ما ورد في اعتزال الحائض، فقد جاء فيها:) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ((البقرة:222)
إن هذه الآية كالتي قبلها تتحدث بأدب رفيع عن آداب العملية الجنسية حتى لا يجاوز بها حدها المؤذي.. إنها تضع الضوابط التي تقي هذه العملية من كل شذوذ.
قارن هذه النصوص التي تمتلئ بالأدب بما ورد في كتابنا المقدس..
لقد ورد في سفر حزقيال هذه العبارة المملوءة بالبذاءة:( وعشقت معشوقيهم الذين لحمهــم كلحــم الحمير ومنيهم كمني الخيـل )(حزقيال: 23: 20 )
قلت: أجل.. هذه عبارة لا تصلح.. وهي تحتاج إلى تغيير ترجمتها.
قال: أتعلم ـ حضرة الحبر ـ أن هذه العبارة هي أصلح العبارات المهذبة؟
قلت: كيف ذلك؟.. ألم تذكر لي أنها عبارة لا تصلح في الكتاب المقدس؟
قال: هي عبارة مهذبة مقارنة بالعبارة الأصلية التي وردت في الكتاب المقدس المكتوب بالإنجليزية.. والتي منها ترجم إلى العربية، فقد وردت هذه العبارة في الأصل الإنجليزي بطبعة New World هكذا:( ولقد دفع بك شبق العاهرات بائعات إلي أعضاء الذكورة للأجانب الشبيهة بأعضاء الذكور لدى الحمير التي تنزل منياً كمني الخيول )
شعرت ببعض الغثاء، فلاحظ علي ذلك، فقال: نحن نشعر بذلك جميعا.. فلماذا لا نضع حدا لمثل هذا الكلام.. إنه كلام يتناقض مع الذوق العام.. تصور لو أن رجلا أراد أن يربي أولاده، ففتح الكتاب المقدس على هذا الموضع ماذا عساه يقرأ لهم.
سكت قليلا، ثم قال: إن السلطات في كثير من دول العالم تحظر طبع ونشر بعض الكتب لورود الكلام الفاحش الخارج عن الذوق العام فيها، وهو أقل فحشاً من مثل هذا الكلام المطبوع المنشور على صفحات الكتاب المقدس.. فكيف نرضى إبقاءه.. بل كيف نجعله مواعظ نعظ بها الناس؟
هل ترى أن نسلم الكتاب المقدس لهؤلاء الذين ملأت الشوارع نفوسهم شهوات ونزوات حيوانية ليتخلصوا بالكتاب المقدس من تلك النزوات؟
ألا نخاف على هؤلاء أن يجعلوا من الكتاب المقدس كتابا يمد شهوات بالغرائز الحيوانية الآثمة؟
سكت قليلا، ثم قال: لقد تعجب ول ديورانت في (قصة الحضارة)، وحق له أن يتعجب، لقد قال:( مهما يكن من أمر هذه الكتابات الغرامية فإن وجودها في العهد القديم سر خفي.. ولسنا ندرى كيف غفل أو تغافل رجال الدين عما في هذه الأغاني من عواطف شهوانية وأجازوا وضعها في الكتاب المقدس )
ولهذا جاء في مقدمة الآباء اليسوعيين:( لا يقرأ نشيد الإنشاد إلا القليل من المؤمنين، لأنه لا يلائمهم كثيراً )
2 ـ أدب الرذيلة
قلت: لا بأس.. ما دام الأمر يرتبط بمجموعة ألفاظ تجرح الحياء العام.. فسنفكر في السبيل الذي نعدل به كتابنا المقدس ليتناسب مع هذا الذوق.. خاصة، وأن ذوق هذا العصر ذوق ناقد، لا يسلم كما سلمت سائر العصور.
قال: ليس هذا فقط، حضرة الحبر.
قلت: أهناك شيء آخر؟
قال: ليس الأمر قاصرا على ألفاظ يمكن تبديلها، بل هو أخطر من ذلك.
قلت: ما تقصد؟
قال: ألم يرد في (تيموثاوس):( كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر ) ( تيموثاوس (2) 3/16 )
قلت: أجل.. صدق بولس فيما قال، وما كان له إلا أن يصدق.. أليس هو رسول الأمم؟
قال: فهل تحقق هذا في الكتاب المقدس؟
رأى في وجهي بعض التغير، فقال: لا أقصد ما فهمت.. أنا مسيحي كما ذكرت لك.. ولم يدفعني إلى التكلم معك في هذا إلا حبي للمسيحية، وتعصبي لها، وتعصبي للكتاب المقدس.
إنني مثل والد يحب ولده، ويحرص عليه، ويحرص على سمعته، فلذلك اعذرني إن كان في كلامي أي إساءة.
قلت: لا.. تكلم.. يظهر عليك الصدق.. تكلم كما تشاء، ولن تجد مني إلا الآذان الصاغية.. بل إني أحاول خدمتك بقدر الإمكان.
قال: لقد امتلأت أسفار الكتاب المقدس ـ بكل أسف ـ بالحديث عن رذائل مارسها بنو إسرائيل وغيرهم، وحكت طويلاً عن سكرهم وزناهم ووثنيتهم.
قلت: نعم.. إن الكتاب المقدس كتاب واقعي.. يذكر الواقع كما هو.. ثم ينثني ليصلحه.
قال: أما الشطر الأول من كلامك فصحيح.. فهو يذكر الواقع بصفة مفضوحة تماما.. لكني لا أرى أنه ينثني عليه ليصلحه.
قلت: كيف ذلك؟
قال: لقد ذكر العهد القديم أمثلة كثيرة من هذا الأدب الواقعي المكشوف، وقد بحثت في كل هذه الأمثلة عن عقوبة للمجرم فلم أجد.. إذ لم يخبرنا أن حد الزنا المذكور في سفر اللاويين (20/17) قد طبق مرة واحدة.
قلت: لقد ورد في سفر صموئيل عن عالي رئيس الكهنة وقاضي بني إسرائيل هذا النص الذي يفيد إنكار مثل هذه الرذائل:( وشاخ عالي جداً، وسمع بكل ما عمله بنوه بجميع إسرائيل، وبأنهم كانوا يضاجعون النساء المجتمعات في باب خيمة الاجتماع. فقال لهم: لماذا تعملون مثل هذه الأمور؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب، لا يا بني لأنه ليس حسناً الخبر الذي أسمع ) ( صموئيل (2) 2/22 - 24 )
التفت إليه، فرأيته يبتسم، فقلت: ما الذي يضحكك؟
قال: يضحكني هذا الرجل.. بل هذا القاضي الذي هو رئيس الكهنة.. أهذا كل ما استطاع قوله لهم.. وهو رجل الدين وهو القاضي في نفس الوقت، أهذا كل ما صنعه مع أولئك الذين يزنون في خيمة الاجتماع!؟
صمت، فقال: ليت الأمر كان قاصرا على هذا.. إن كثيرا من نصوص الكتاب المقدس لا تكتفي بعدم النهي عن الرذيلة، بل هي تكاد تحث عليها.
قلت: ماذا تقول؟
قال: سأقرأ عليك بعض النصوص التي أقترح التصرف فيها.. فهي خطيرة جدا على مراهقينا وعلى كتابنا المقدس.
فتح الكتاب المقدس، وقال: اسمع..:( وَأَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلاً: (يَاابْنَ آدَمَ، كَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَتَانِ، ابْنَتَا أُمٍّ وَاحِدَةٍ، زَنَتَا فِي صِبَاهُمَا فِي مِصْرَ حَيْثُ دُوعِبَتْ ثُدِيُّهُمَا، وَعُبِثَ بِتَرَائِبِ عِذْرَتِهِمَا. اسْمُ الْكُبْرَى أُهُولَةُ وَاسْمُ أُخْتِهَا أُهُولِيبَةُ، وَكَانَتَا لِي وَأَنَجْبَتَا أَبْنَاءَ وَبَنَاتٍ، أَمَّا السَّامِرَةُ فَهِيَ أُهُولَةُ، وَأُورُشَلِيمُ هِيَ أُهُولِيبَةُ. وَزَنَتْ أُهُولَةُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ لِي، وَعَشِقَتْ مُحِبِّيهَا الأَشُّورِيِّينَ الأَبْطَالَ. الْلاَّبِسِينَ فِي الأَرْدِيَةَ الأُرْجُوَانِيَّةِ مِنْ وُلاَةٍ وَقَادَةٍ. وَكُلُّهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ، وَفُرْسَانُ خَيْلٍ. فَأَغْدَقَتْ عَلَى نُخْبَةِ أَبْنَاءِ أَشُورَ زِنَاهَا، وَتَنَجَّسَتْ بِكُلِّ مَنْ عَشِقَتْهُمْ وَبِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْ زِنَاهَا مُنْذُ أَيَّامِ مِصْرَ لأَنَّهُمْ ضَاجَعُوهَا مُنْذُ حَدَاثَتِهَا، وَعَبَثُوا بِتَرَائِبِ عِذْرَتِهَا وَسَكَبُوا عَلَيْهَا شَهَوَاتِهِمْ، لِذَلِكَ سَلَّمْتُهَا لِيَدِ عُشَّاقِهَا أَبْنَاءِ أَشُورَ الَّذِينَ أُوْلِعَتْ بِهِمْ. فَفَضَحُوا عَوْرَتَهَا، وَأَسَرُوا أَبْنَاءَهَا وَبَنَاتِهَا، وَذَبَحُوهَا بِالسَّيْفِ، فَصَارَتْ عِبْرَةً لِلنِّسَاءِ وَنَفَّذُوا فِيهَا قَضَاءً.وَمَعَ أَنَّ أُخْتَهَا أُهُولِيبَةَ شَهِدَتْ هَذَا، فَإِنَّهَا أَوْغَلَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي عِشْقِهَا وَزِنَاهَا، إِذْ عَشِقَتْ أَبْنَاءَ أَشُّورَ مِنْ وُلاَةٍ وَقَادَةٍ الْمُرْتَدِينَ أَفْخَرَ اللِّبَاسِ، فُرْسَانَ خَيْلٍ وَجَمِيعُهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ. فَرَأَيْتُ أَنَّهَا قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَسَلَكَتَا كِلْتَاهُمَا فِي ذَاتِ الطَّرِيقِ. غَيْرَ أَنَّ أُهُولِيبَةَ تَفَوَّقَتْ فِي زِنَاهَا، إِذْ حِينَ نَظَرَتْ إِلَى صُوَرِ رِجَالِ الْكَلْدَانِيِّينَ الْمَرْسُومَةِ عَلَى الْحَائِطِ بِالْمُغْرَةِ، مُتَحَزِّمِينَ بِمَنَاطِقَ عَلَى خُصُورِهِمْ، وَعَمَائِمُهُمْ مَسْدُولَةٌ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَكُلُّهُمْ بَدَوْا كَرُؤَسَاءِ مَرْكَبَاتٍ مُمَاثِلِينَ تَمَاماً لأَبْنَاءِ الْكَلْدَانِيِّينَ فِي بَابِلَ أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، عَشِقَتْهُمْ وَبَعَثَتْ إِلَيْهِمْ رُسُلاً إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا أَبْنَاءُ بَابِلَ وَعَاشَرُوهَا فِي مَضْجَعِ الْحُبِّ وَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ. وَبَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ بِهِمْ كَرِهَتْهُمْ. وَإِذْ وَاظَبَتْ عَلَى زِنَاهَا عَلاَنِيَةً، وَتَبَاهَتْ بِعَرْضِ عُرْيِهَا، كَرِهْتُهَا كَمَا كَرِهْتُ أُخْتَهَا. وَمَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَتْ مِنْ فُحْشِهَا، ذَاكِرَةً أَيَّامَ حَدَاثَتِهَا حَيْثُ زَنَتْ فِي دِيَارِ مِصْرَ. فَأُوْلِعَتْ بِعُشَّاقِهَا هُنَاكَ، الَّذِينَ عَوْرَتُهُمْ كَعَوْرَة ِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ. وَتُقْتِ إِلَى فُجُورِ حَدَاثَتِكِ حِينَ كَانَ الْمِصْرِيُّونَ يُدَاعِبُونَ تَرَائِبَ عِذْرَتِكِ طَمَعاً فِي نَهْدِ صباك ) (حزقيال: 23: 1 -21)
أغلق الكتاب، وقال: ما فائدة جميع هذه التفاصيل التي ليس لها من أثر إلا تهييج الشهوات والحث على الرذيلة!؟
قلت: إن التقصير ليس في الكتاب المقدس.
قال: فيم إذن؟
قلت: في تفسير رجال الكنيسة للكتاب المقدس.. لو أنهم شرحوا للناس المعاني الرمزية العميقة التي تتضمنها هذه النصوص لذهب عنهم كل ذلك الوهم الذي ساقته إليهم غرائزهم.
قال: لقد فعلوا.. ولكنهم لم يزيدوا الطين إلا بلة.. لقد جعلوا الدعارة رمزا للكنيسة.. بل إن الكنيسة عندهم لو تجسدت، فلن تتجسد إلا في عاهرة..
سأذكر لك مثالا على ذلك.. من تفسير رؤساء ديننا لسفر راعوث جدة المسيح.
ساقرأ عليك النص أولا لتتذكره..
فتح الكتاب المقدس، وقال: راعوث هي تلك الأرملة التي نصحتها كنتها بإغراء بوعز كما جاء في السفر الذي يحمل اسمها.. اسمع بما نصحتها:( فَاغْتَسِلِي وَتَطَيَّبِي وَارْتَدِي أَجْمَلَ ثِيَابِكِ وَاذْهَبِي إِلَى الْبَيْدَرِ، وَلاَ تَدَعِي الرَّجُلَ يَكْتَشِفُ وُجُودَكِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَعِنْدَمَا يَضْطَجِعُ عَايِنِي مَوْضِعَ اضْطِجَاعِهِ، ثُمَّ ادْخُلِي إِلَيْهِ وَارْفَعِي الْغِطَاءَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَارْقُدِي هُنَاكَ، وَهُوَ يُطْلِعُكِ عَمَّا تَفْعَلِينَ) فَأَجَابَتْهَا: (سَأَفْعَلُ كُلَّ مَا تَقُولِينَ )( راعوت 3:3-5 )
وذهبت راعوث ليباركها بوعز.. اسمع:( فَبَعْدَ أَنْ أَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَمَضَى لِيَرْقُدَ عِنْدَ الطَّرَفِ الْقَصِيِّ مِنْ كُومَةِ الشَّعِيرِ، تَسَلَّلَتْ رَاعُوثُ وَرَفَعَتِ الْغِطَاءَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَنَامَتْ وَعِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ تَقَلَّبَ الرَّجُلُ فِي نَوْمِهِ مُضْطَرِباً، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَالْتَفَتَ حَوْلَهُ وَإِذَا بِهِ يَجِدُ امْرَأَةً رَاقِدَةً عِنْدَ قَدَمَيْهِ، فَتَسَاءَلَ: (مَنْ أَنْتِ؟) فَأَجَابَتْ: (أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ، فَابْسُطْ هُدْبَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ قَرِيبٌ وَوَلِيٌّ) فَقَالَ: (لِيُبَارِكْكِ الرَّبُّ يَابِنْتِي لأَنَّ مَا أَظْهَرْتِهِ مِنْ إِحْسَانٍ الآنَ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا أَظْهَرْتِهِ سَابِقاً، فَأَنْتِ لَمْ تَتَهَافَتِي عَلَى الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ )( راعوت 7:3-10 )
هذا هو النص.. أما تفسير رجال ديننا له، فسأسوق لك بعضه..
يقول أحد مفسرينا:( سفر راعوث هو السفر الوحيد الذى سمى بإسم امرأة أممية فى الكتاب المقدس نظرا ًللرتبة الفائقة التى بلغت إليها راعوث، التى صارت أماً للمسيح الأمر الذى كانت المؤمنات ً جميعا يشتهين إياه، كما حسبت رمزا لكنيسة الأمم عروس المسيح القادمة من ًموآب إلى بيت لحم، لقد جرى دمها وهى أممية فى عروق مخلص العالم )
ثم يقول هذا المفسر:( ورمزيا:- فراعوث تشير لكنيسة الأمم التى التصقت بنعمى (كنيسة اليهود) ونعمى كانت ذا ًقرابة بالجسد مع بوعز أى أن المسيح جاء بالجسد من كنيسة اليهود، وراعوث أتت إلى حقل بوعز لتلتقط سنابل هذا يشير للكنيسة التى جاءت فى أواخر الأزمنة تجمع ما قد سبق وتعب فيه الأباء والآنبياء كما في ( يوحنا: 4 38،37 )، ولاحظ أنها جاءت إلى بيت لحم أى بيت الخبز لتصير راعوث هى أيضا ليست ذات قرابة لبوعز بل عروسا له.. ونحن الكنيسة عروس المسيح ً ًجبار البأس الذى بعز وقوة يسند نفوس عروسته الخائرة ويرفعها فوق الضيق والألم. وراء من أجد نعمة فى عينيه.. لاحظ أن راعوث تركت تدبير الأمر كله لله والله دبر عجبا )
إن هذا المفسر يقول كلاما خطيرا.. إنه يريد أن يقول: إن علاقة راعوث ببوعز علاقة ترمز إلى ضم الأمميين الي الكنيسة، وبذلك تكون تلك العلاقة غير الشرعية رمزا للكنيسة..
والأخطر من ذلك كله أن يقال: إن ما حدث في تلك الليلة تدبير رباني مبارك.. أي تدبير هذا ـ حضرة الحبر ـ ومن دبر هذا التدبير العجيب؟.. أرملة شابة تزينت وتعطرت، ثم اجتمعت مع رجل سكران علي سرير واحد، تحت ثوب واحد في مكان بعيد عن أعين الناس.. أهذا هو التدبير؟
وبعد كل هذا الفحش, تسمي هذه العاهرة (امرأة فاضلة ):( والآن يا بنتي لا تخافي.كل ما تقولين افعل لك.لان جميع ابواب شعبي تعلم انك امرأة فاضلة ) ( راعوث 3:11 )
سكت قليلا، ثم قال: سأذكر لك مثلا آخر.. يرتبط هو الآخر بجدة من جدات المسيح.. وهي راحاب المذكورة في سفر يشوع.
لقد ورد في هذا السفر:( فأرسل يشوع بن نون من شطّيم رجلين جاسوسين سرّا قائلا: اذهبا انظرا الأرض وأريحا فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك ) ( يشوع 2:1 )
يقول أحد رجال ديننا:( امرأة زانية اسمها راحاب كانت صاحبة خان (فندق) لذلك نزل الجاسوسين عندها، وكلمة صاحبة خان وكلمة زانية تقريبا هما نفس الكلمة، فقديما كانت صاحبة الخان ليست بعيدة عن ًالشبهات في نظر الناس، ولعل سلمون زوجها كان أحد الجاسوسين (متى:5/1)[1] وعموما فسلمون زوجها هو شخص من سبط يهوذا، وهو أبو بوعز زوج راعوث )
وكما اعتبر رجال ديننا راعوث رمزا للكنيسة كذلك فعلوا مع راحاب.. لقد قال بعضهم:( وراحاب هذه بإيمانها صارت رمزاً لدخول الأمم للإيمان، بل صارت أما للمسيح )
ويضيف قائلا:( وإن كان يشوع يرمز للمسيح، فالجاسوسان يرمزان لتلاميذ المسيح، وهم اثنين رمز لإرسال المسيح رسله لليهود والأمم )
سكت قليلا، ثم قال: سأذكر لك مثلا آخر.. يرتبط هو الآخر بجدة من جدات المسيح.. وهي زوجة أوريا التي وردت قصتها في سفر صموئيل الثاني.. اسمع..
فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( وكان في وقت المساء، أن داود قام عن سريره، وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأةً تستحم. وكانت المرأةُ جميلةَ المنظر جداً. فأرسل داود، وسأل عن المرأة، فقال واحدٌ: أليست هذه بثشبع بنت أليعام، امرأة أوريا الحثي؟ فأرسل داود رسلاً، وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها.. ثم رجعت إلى بيتها. وحَبِلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود، وقالت: إني حُبلى) (2صموئيل2:11-5)
أنت تعرف نهاية القصة.. وأنا لم أسقها لك إلا لأسوق لك معها ما يقول رجالنا المباركون.. إنهم يزيدون الطين بلة.. لقد شرح بعضهم هذا النص، فراح يقول:( إن بثشبع قصدت هذا أن تجذب أنظار الملك، هى رأت أنه فخر لها أن تكون زوجة الملك فهى تعلم أن سـطوح الملك يكشفها )
أترى داود في الكتاب المقدس كيف صار رمزا للرذيلة.. إن هذا الحدث الذي ورد في صمويل كان في الوقت الذي كان جيشه يحارب فيه؟
وفي الوقت الذي كان أوريا يضحي بنفسه كان عرضه ينتهك.. ثم ينسى أوريا ليمجد داود، ويتشرف بأن يكون أبا للمسيح.. أليس في هذا تمجيدا للرذيلة؟
سكت قليلا، ثم قال: ليست جدات المسيح فقط هن الفاضلات اللاتي مارسن هذه المهنة الخسيسة.. لقد ذكر الكتاب المقدس نساء أخريات.. مجدهن، وخلدهن.. ليكن رمزا للفضيلة.. سأقص عليك قصص بعضهن.. لترى هل يمكن أن تكون مثل هذه النصوص وسيلة للتربية أم قنطرة للغواية.
سأبدا بامرأة خلدها العهد القديم فى سفر كامل أفرد لها، و باسمها، ليحكى قصتها.. لا شك أنك تعرفها.. إنها يهوديت.. تلك المرأة اليهودية التى يردد ملايين اليهود والمسيحيين قصتها فى قراءتهم لكتبهم المقدسة.. ويتعبدون بتلك القراءة، لينطبع في نفوسهم ما ما رسته من سلوك.
ولنبدأ بأول قصتها من السفر المسمى باسمها.. يصفها هذا السفر قائلا:( وكانت يهوديت قد بقيت أرملة منذ ثلاث سنين وستة أشهر.. وكانت قد هيأت لها في أعلى بيتها غرفة سرية، وكانت تقيم فيها مع جواريها وتغلقها.. وكان على حقويها مسح وكانت تصوم جميع أيام حياتها ما خلا السبوت ورؤوس الشهور وأعياد إسرائيل.. وكانت لها شهرة بين جميع الناس من أجل انها كانت تتقي الرب جدا ولم يكن أحد يقول عليها كلمة سوء.. وكانت جميلة المنظر جدا وقد ترك لها بعلها ثروة واسعة وحشما كثيرين وأملاكا مملوءة باصورة البقر وقطعان الغنم )(يهوديت:4 -7)
لا شك أن هذه أوصاف طيبة، لو اكتفى الكتاب المقدس بها لكفت، ولكانت هذه المرأة نموذجا صالحا لأي امرأة مؤمنة.
ولكن الكتاب المقدس لم يذكرها لأجل هذا.. ولو اكتفت هذه المرأة بهذا النوع من السلوك، فلن تحظى بذكر اسمها في الكتاب المقدس، فكيف بأن يكون لها سفر باسمها.
إن ما دفع الكتبة ليخصوا سفرا باسمها هو ما نص عليه الكتاب المقدس من تمجيد لسلوك سلكته، وكأنه يدعو بذلك إلى سلوكه.
لقد ظهرت يهوديت فى ظروف قرر فيها اليهود تسليم مدينتهم إلى الأشوريين.. فغضبت و قررت التدخل لمحاولة منع هذه الهزيمة من الحلول بقومها.. فلنسمع لما يقول الكتاب المقدس:( ودعت وصيفتها و نزلت الى بيتها و ألقت عنها المسح و نزعت عنها ثياب إرمالها.. واستحمت و ادهنت بأطياب نفيسة وفرقت شعرها وجعلت تاجا على رأسها ولبست ثياب فرحها واحتذت بحذاء، ولبست الدمالج والسواسن والقرطة والخواتم، وتزينت بكل زينتها.. وزادها الرب أيضا بهاء من أجل أن تزينها هذا لم يكن عن شهوة، بل عن فضيلة ولذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يمثل.. وحملت وصيفتها زق خمر وإناء زيت ودقيقا وتينا يابسا وخبزا وجبنا وانطلقت، فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا وشيوخ المدينة منتظرين، فلما رأوها اندهشوا وتعجبوا جدا من جمالها، غير أنهم لم يسألوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين إله آبائنا يمنحك نعمة ويؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك أورشليم ويكون اسمك محصى في عداد القديسين و الابرار )(يهوديت:2 -8)
ألا ترى هؤلاء الشيوخ الأجلاء كيف يرون هذه المرأة الصالحة الجميلة تذهب إلى عدوهم الذي لن يقصر في انتهاك عرضها، ومع ذلك يدعون لها، ولا يمنعونها، بل إن في كلامهم هذا تشجيعا ظاهرا لها.. أين الغيرة والرجولة في نفوس هؤلاء؟.. إن الكتاب المقدس بهذا لا يكتفي بتزيين الرذيلة، بل يوفر البيئة الصالحة لتقبلها وتشجيعها.
لا يكتفي السفر بهذه التفاصيل.. بل هو مغرم بتفاصيل الرذيلة حتى تمتلئ العين بمشاهدتها.. اسمع ما يقول السفر:( فدخل حينئذ بوغا على يهوديت وقال: لا تحتشمي أيتها الفتاة الصالحة أن تدخلي على سيدي و تكرمي أمام وجهه و تأكلي معه وتشربي خمرا بفرح.. فأجابته يهوديت من أنا حتى أخالف سيدي، كل ما حسن وجاد في عينيه فأنا أصنعه وكل ما يرضى به فهو عندي حسن جدا كل أيام حياتي.. ثم قامت و تزينت بملابسها و دخلت فوقفت أمامه، فاضطرب قلب أليفانا لأنه كان قد اشتدت شهوته، وقال لها أليفانا: اشربي الآن واتكئي بفرح فإنك قد ظفرت أمامي بحظوة، فقالت يهوديت: اشرب يا سيدي من أجل أنها قد عظمت نفسي اليوم أكثر من جميع أيام حياتي، ثم أخذت و أكلت و شربت بحضرته مما كانت قد هيأته لها جاريتها، ففرح أليفانا بازائها وشرب من الخمر شيئا كثيرا جدا أكثر مما شرب في جميع حياته (يهوديت: 12-20)
وهكذا يستمر هذه السفر في إعطاء المرأة هذه الوسيلة.. وسيلة الإغواء.. لتستعملها بعد ذلك في كل ما تريد تحقيقه.
ليست يهوديت وحدها من مجدت لأجل هذا السلوك.. توجد أخرى نجحت فى أن يكون لها سفر هي الأخرى باسمها.. إنها استير.. تلك المرأة التى نجحت فى انقاذ شعب الله المختار من أعدائه مستفيدة من سلوك يهوديت.
سكت قليلا، ثم قال: لقد بحثت في آثار هذه الكلمات في تاريخ الكنيسة القديم والحديث فوجدت العجب العجاب..
لقد علمت من مصادر مطلعة في أمريكا أن أربعة من كل مئة من القساوسة متهم بالاغتصاب.. فإن أضفت إلى هذه النسبة تلك الحالات التي تتم عن تراض.. وأضفت إليها حالات الاغتصاب التي لم يكشف عنها، فماذا ستجد حضرة الحبر؟
لقد ذكرت مجلة أخبار الكنيسة الالكترونية مستندة الي أبحاث هيئات أمريكية أن عدد المتهمين وصل الي 4392 بينما عدد الضحايا يصل الي 10 667 وبلغت قيمة التعويضات التي دفعتها الكنيسة 573 مليون دولار[2].
وأكدت أبرشية أمريكية أن نحو 4440 قسيسا اتهموا بالإساءة الجنسية أي حوالي 4 بالمئة من إجمالي القساوسة الذين ينتمون لهذه الأبرشية [3].
والعجيب في كل هذا أن الكنيسة تنتهج أسلوب الكتاب المقدس في التوقي من الرذيلة، أو في العقوبة عليها.
إنها لا تفعل شيئا سوى نقل القس من كنيسة الي أخري.. ولهذا عندما اتهمت فتاة نصرانية القمص (.. )[4] بأنه اعتدي عليها بحجة مباركتها لم تفعل الكنيسة شيئا إلى أن كثرت الشكاوى من النساء المسيحيات ضده بأنه كان يجبرهن على التعري ويداعب أعضاءهن الحساسة، ويطلب منهن الاستجابة له بحجة أنه (أبوهم)، ومن واجبهن طاعته[5].
وكل ما فعلته الكنيسة مع هذا الرجل هي نقله إلى أستراليا ليعيد الكرة هناك، فينقل من جديد إلى مدينة (برايتون) في انجلترا.
والأخطر من ذلك أن الكثير من رجال الدين يمارسون أسلوب التغاضي الذي لا يدل إلا على تشجيع الجناة على حساب الضحايا.
يذكر أحد الضحايا أنه عندما طلب المساعدة الروحية من أسقف سيدني بعد أن اعتدى عليه جنسيا عمه القس كان رد أسقف سيدني:( كم تأخذ وتسكت!؟ )
وقد اعترف هذا الأسقف أنه عرض أمولا علي ضحايا الاعتداء الجنسي بعد أن اضطر إلى ذلك اضطرارا.. بل لم يعترف إلا بعد أن ووجه بالمستندات التي تدينه.
قلت: أنت تحدثني عن عامة تلبسوا بلباس رجال الدين.. الدين يمثله الخاصة لا العامة.
قال: أي خاصة تقصد؟
هل تقصد البابا إسكندر السادس الذي اتخذ له عشيقة اسمها (جيلبا فارنيس) التي كانت باهرة الجمال، صغيرة السن، اغتصبها من خطيبها ـ اقتداءا بما فعله داود ـ واحتفظ بها بعد ارتقائه كرسي البابوية!؟
أم تقصد البابا يوحنا الثاني الذي كان خليعاً ماجناً اتُّهِمَ من قِبَل أربعين أسقفا وسبعة عشر كاردينالاً بأنه وقع في الفاحشة مع عدة نساء.. وأنه ـ فوق ذلك ـ قلَّدَ مطرانية (طودى) لغلام لم يتجاوز عشر سنوات، ثم قُتِلَ، وهو متلبس بجريمة الزنا مع امرأة، وكان القاتل له زوجها!؟
أم تقصد البابا اكليمنضوس الخامس عشر الذي كان يجول فيينا وليون لجمع المال مع عشيقته!؟
أم تقصد البابا يوحنا الثالث والعشرين الذي اتهم بأنه سمَّم سلفه، وأنه باع الوظائف الكنسية، وأنه كان كافرا لوطياً!؟
أم تقصد البابا اينوسنت الرابع الذي كان متهماً بالرشوة والفساد!؟
في اليوم الثامن.. خرجت إلى المطبعة التي يطبع فيها الكتاب المقدس، وقد كنت أود من خلال زيارتي هذه التعرف على حال العمال الذين كلفوا بهذه المهمة الخطيرة.. مهمة إخراج الكتاب المقدس للناس.
كانت المطبعة في غاية النظافة والتنظيم، وكان الهدوء يملأ أركانها، فلا تسمع فيها إلا صوت الآلات، وهي تؤدي وظائفها بغاية الإتقان والجودة.
اقتربت من بعض العمال، وقلت له: مبارك لكم هذا العمل العظيم.. لقد انتدبكم الله لنشر الكتاب المقدس.. أنتم الآن تقومون بنفس الدور الذي قام به الأنبياء.
نظر إلي بعين حزينة، وقال: شكرا.. سيدي..
انصرفت لأتحدث مع عامل آخر، فاستوقفني، وقال: هل تأذن لي ـ سيدي ـ في أن أقول لك شيئا؟
قلت: أنا طوع أمرك.. ما الذي تريده.. لا تستح.. إن كنت تريد مالا، فسنعطيك ما يسد حاجتك؟
قال: لا.. أنتم تعطونني فوق حاجتي.. ولكني أريد شيئا آخر.. لا أجرؤ على قوله.
قلت: لا حرج عليك.. فلن ترى مني إلا الرحمة.. ألسنا أتباع المسيح؟
قال: بلى.. وأبارك لك هذا الخلق الرفيع.. ولكن الكلام الذي أريد أن أقوله لك له علاقة بالكتاب المقدس.
خشيت أن يكون قد فطن لما قام به أخي من حذف للأقواس، وخشيت أن ينكر ذلك علينا، وقد ينشر ذلك الإنكار، فنفتضح به، فقلت: لقد جعل الله الكتاب المقدس منارة تهتدي بها الأجيال، فلذلك قد يعرض للأجيال في أطوارهم المختلفة ما يستدعي بعض التصرفات.. هي ليست تحديثات، ولكنها توضيحات.
إلتفت إليه، فرأيته واجما، وكأنه لم يع ما قلت، فقلت: ألست ترى القوانين تغير كل حين، أو تبعث معها مذكرات تفسيرية تبين معانيها المرادة حتى لا يتيه الناس في الجدل حولها.
قال: فأنت ترى حاجة الكتاب المقدس الدائمة للرعاية، ولو ببعض التحويرات البسيطة التي لا تؤثر على معانيه السامية؟
قلت: أجل.. ذلك صحيح.. وذلك ما جئت أنا وأخي لأجله.
رأيت وجهه، وقد انطلق بابتسامة عريضة، مسحت ذلك الحزن الذي كان يملأ وجهه، وقال: لقد أزحت عن كاهلي ثقلا عظيما كان ينوء به.. وكان يمنعني من التصريح بما أريد أن أصارحك به.
قلت ـ وأنا لا أزال أتصور أنه يتحدث عما فعله أخي ـ: إن الحوار يقرب المفاهيم كثيرا.. فلذلك لو لجأ الخلق إليه، لكفوا عن أنفسهم كثيرا من أعباء الحروب التي تقتل السلام بينهم.
قال: صدقت.. وقد فتحت لي الباب على مصراعيه لأحدثك عما ظللت طول عمري أفكر فيه.
تعجبت من قوله هذا، وقلت: طول عمرك!؟.. إن ما فعله أخي لم يكن إلا هذا الأسبوع.. فكيف ظللت تفكر فيه طول عمرك؟
قال: وماذا فعل أخوك؟.. لم أسمع بهذا.
قلت: دعنا منه.. وحدثني عما تريد أن تصارحني به أنت.
قال: أخبرك أولا بأني مسيحي.. بل مسيحي متدين.. ولهذا، فأنا أحرص الناس على هذا الكتاب.. على هذه الثروة الإلهية العظيمة.. ولكني مع ذلك أشعر أن هذه الثروة تبتذل من بعض السفهاء، أو هم يسيئون فهمها، فلذلك رأيت أن نحذف من الكتاب المقدس ما يؤدي إلى هذا.. ألم تخبرني بأن الكتاب المقدس قد وضع بين أيدي أهل الله ليتصرفوا فيه وفق ما يتطلبه واقعهم.
لم أدر كيف أجيبه، ولكني تعمدت أن أواصل الحديث معه، لأعرف تفاصيل ما الذي يريد حذفه، قلت: أنا معك فيما تقول.. فما الكلمات التي تريد حذفها؟
قال: ليست كلمات فقط.. بل فقرات كثيرة.. بل أسفارا، لا أراها تختلف عن أي كتاب من تلك الكتب المنحرفة التي تنشر الرذيلة، وتسد أبواب الفضيلة.
قلت: ما تقول يا رجل!؟
قال: ما ذكرت لك.. فمع أني مسيحي.. بل مسيحي متدين.. إلا أني لا أضع في بيتي نسخة واحدة من الكتاب المقدس.
قلت: لم؟
قال: خشية على أولادي المراهقين من أن تؤثر فيهم تلك العبارات الخطيرة التي تفوح بروائح الرذيلة.
انتحيت به جانبا خشية أن يسمعنا أحد، وقلت: تعال معي إلى مكتبي، وسنتحدث بتفصيل عن خطة الحذف التي تريدها.
سر لما قلت له، وحمل معه نسخة من الكتاب المقدس، وقال: شكرا على هذا الكرم العظيم الذي قابلتني به..
ثم أشار إلى نسخة الكتاب المقدس التي كان يحملها، وقال: لقد وضعت في هذه النسخة نماذج لأكثر ما نحتاج إلى حذفه أو تعديله من الكتاب المقدس.
سرنا إلى مكتبي، وأخذنا مجالسنا فيه، وقلت له: تكلم الآن كما تشاء.. وأخبرني عما تريد حذفه.
قاطعني، وقال: أو تعديله.. ليس بالضرورة نحذف..
قلت: إن اضطررنا فلنحذف..
قال: لو فعلنا ذلك فإن الكتاب المقدس سيصغر حجمه كثيرا.. ولذلك أرى أن نستبدل الحذف بالتعديل.
قلت: لا بأس.. ما الذي تريد تعديله؟
1 ـ الأدب المكشوف
فتح الكتاب المقدس، وقال: فلنبدأ بسفر نشيد الإنشاد..
قلت: اقرأ علي النص.
قال: يبدأ الإصحاح الأول من هذا السفر بقوله:( ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر، لرائحة أدهانك الطيبة، اسمك دهن مهراق، لذلك أحبتك العذارى. اجذبني وراءك فنجري، أدخلني الملك إلى حجاله، نتبهج ونفرح بك، نذكر حبك أكثر من الخمر.. ما أجمل خديك بسموط، وعنقك بقلائد، نصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان من فضة.. حبيبي لي، بين ثديي يبيت.. ) ( نشيد 1/1 - 15 )
وبهذا الأسلوب الفاضح تستمر بقية إصحاحات السفر، بل تصل أحيانا إلى قمة السوء حين تنزع كل أثواب الحياء.. اسمع:( في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته.. حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته، ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي، وحجرة من حبلت بي.. قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه.. حبيبي مد يده من الكوة، فأنَّت عليه أحشائي.. )( نشيد 3/1 - 5 )
واسمع إلى هذا الأدب المكشوف الصريح في هذه الفقرات:( ما أجمل رجليكِ بالنعلين يا بنت الكريم. دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع. سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياك كخشفتين توأمي ظبية. عنقك كبرج من عاج.عيناك كالبرك.. ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذّات. قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد..وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة أنفك كالتفاح، وحنكك كأجود الخمر لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين، أنا لحبيبي، وإليّ اشتياقه. تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ولنبت في القرى. لنبكرنّ إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال؟ هل نور الرمان. هنالك أعطيك حبي.. ليتك كأخ لي، الراضع ثديي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك، ولا يخزونني. وأقودك وأدخل بك بيت أمي، وهي تعلمني، فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني، شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني ) (نشيد 7/1-13)
حاولت أن أجد مخرجا لما أوقعني فيه، فقلت: أولا .. هذا السفر يمكن أن يفهم فهما سليما، وسيبعد عنه ذلك الفهم السيئ الذي يبدو في ظاهر عباراته.
قال: فما هو هذا الفهم الذي يزيل عنا هذا الوهم؟
قلت: أولا.. يمكن أن يقبل ظاهره على أساس أنه يصف الحياة الزوجية بما فيها من متع جنسية.. ولا خطأ في الجنس الذي هو في إطار الزواج.
قال: فلنمنعه إذن عن غير المتزوجين.. إنهم يتضررون به كثيرا.. أو فلنكتب على هذا السفر عبارة تحذير حتى لا يقدم على قراءته المراهقون.
قلت: أو فلننشر بدل ذلك المعاني الرمزية الجميلة التي يفهمها القديسون من هذا السفر؟
قال: وما تلك المعاني الجميلة؟
قلت: لقد اعتبر علماء اللاهوت أسلوب هذا السفر أسلوبا رمزيا يعلن عن الحب المتبادل بين الله وكنيسته، أو بين الله والنفس البشرية كعضو فى الكنيسة، وهو لذلك يذكر مناجاة الكنيسة للسيد المسيح الذي هو عريسها، فتطلب قبلات فم الآب، أى تدابيره الخلاصية..
قال: ولكن أسلوب هذا السفر واضح في الدلالة على أن الخطاب من امرأة لعشيقها، والعشيق يرد.. إن الأسلوب الخطابي واضح لا يمكن أن يفهم منه إلا ظاهره.
قلت: فلنرفع وعينا لنفهم أسرار الكتاب المقدس.. فشخصيات السفر ـ على حسب فهم القديسين ـ هي العريس الذي هو السيد المسيح (شيبارد) الذى يخطب الكنيسة عروسا مقدسة له ( أف 5: 27 )، و يشبه السيد المسيح بالظبى ( الغزال )
والعروس هى الكنيسة الجامعة، أو المؤمن كعضو حى فيها، وتسمى (شولميث)
والعذارى هم المؤمنون الذين لم يبلغوا بعد العمق الروحى، لكنهم أحرزوا بعض التقدم فى طريق الخلاص.
وبنات أورشليم يمثلن الأمة اليهودية التى كان يليق بها أن تكرز بالمسيا المخلص.
وأصدقاء العريس هم الملائكة الذين بلغوا الأنسان الكامل ( أف 4: 13 ).
والأخت الصغيرة تمثل البشرية المحتاجة من يخدمها ويرعاها فى المسيح يسوع.
وبناء على هذا، فإن الكنيسة (شولميث) تطلب من اليسوع (شيبارد) أن يُقبلها من فمها، لأن فمه أطيب من الخمر ورائحة الطيب المنبعثة منه والتي من خلالها أحبه الذي آمنوا به..
والكنيسة (شولميث) مازالت تطلب من يسوع (شيبارد) أن تتعلق به من ورائه ويفرون إلى النعيم ويختلوا ببعض لتفرح الكنيسة بيسوع، ويتذكروا مع بعضهم حبه للكنيسة.
قال: أنا لا أجادلك في كل هذا، فهذا السفر يحوي معاني رمزية سامية.. ولكن هل تتصور أن هؤلاء العامة يفهمون هذه المعاني؟.. إن وعيهم لا يعدو ظواهر العبارات، فلذلك يتضررون بسماعها.
ولهذا أقترح أن نبدل هذه العبارات الفاضحة بمعانيها الرمزية.. وبذلك نيسر على الناس فهم الكتاب المقدس من جهة، ونقي كتابنا المقدس من أيادي الابتذال من جهة أخرى.
صمت قليلا، ثم قلت: أهذا هو النص الذي تريد حذفه؟
قال: أنا أطالب بتعديله فقط.. فأنا لا أجرؤ على حذف هذا النص بالذات.
قلت: هل لديك نصوص أخرى؟
قال: أجل.. وهي للأسف كثيرة.
قلت: فاذكر لي بعضها.
قال: أرى أن نعدل النصوص الكثيرة التي تصف المرأة وصفا مكشوفا، فتصف ثدييها وحلقات فخذيها، وترائب عذرتها، وما خلف ذلك وما أمامه، وما أعلاه وما أدناه.
قلت: اذكر لي هذه النصوص.
قال: هي كثيرة.. ولا شك أنك تعلمها.. ولكن ـ بناء على طلبك ـ سأذكر لك منها غرام الكتاب المقدس بوصف الثديين.. ولست أدري لماذا الثديين خاصة!؟
ففي سفر الأمثال (5 / 19):( الظبية المحبوبة والوعلة الزهية.ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما )
وفي (نشيد1 /13):( صرة المرّ حبيبي لي.بين ثديي يبيت )
وفيه:( قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد قلت إني اصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها.وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة انفك كالتفاح )(نشيد 7 عدد7-8 )
وفيه أيضا:( لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان.فماذا نصنع لأختنا في يوم تخطب) (نشيد8 عدد8 )
وفيه:( انا سور وثدياي كبرجين.حينئذ كنت في عينيه كواجدة سلامة)( نشيد8 عدد10)
وفي (إشعياء32 عدد12):( لاطمات على الثدي من اجل الحقول المشتهاة ومن اجل الكرمة المثمرة )
وفيه:( وترضعين لبن الامم وترضعين ثدي ملوك وتعرفين اني انا الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب ) (إشعياء60 عدد16)
وفيه:( لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزياتها.لكي تعصروا وتتلذذوا من درة مجدها )(إشعياء66 عدد11)
وفي (أيوب3 عدد12):( لماذا أعانتني الركب ولم الثدي حتى أرضع )
أما حزقيال.. فأنت تعرف ما فيه.. وفيه من الحديث عن الثديين:( جعلتك ربوة كنبات الحقل فربوت وكبرت وبلغت زينة الازيان.نهد ثدياك ونبت شعرك وقد كنت عريانة وعارية )(حزقيال16 عدد7)
وفيه ( وزنتا بمصر.في صباهما زنتا.هناك دغدغت ثديّهما وهناك تزغزغت ترائب عذرتهما )( حزقيال23 عدد3)
وفيه:( وافتقدت رذيلة صباك بزغزغة المصريين ترائبك لأجل ثدي صباك ) (حزقيال23 عدد21)
وينقل حزقيال كلام الرب فيقول:( فتشربينها وتمتصينها وتقضمين شقفها وتجتثّين ثدييك لأني تكلمت يقول السيد الرب )( حزقيال23 عدد34)
أما هوشع الذي كان أول ما كلمه الرب أن قال له: اذهب واتخذ لنفسك امرأة زنا.. ثم بعد أن تزوجها قرر أن يفضحها كما في (هوشع 2 عدد2 ):( حاكموا أمكم حاكموا لأنها ليست امرأتي، وأنا لست رجلها لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها )
وفيه هذا الدعاء الغريب:( أعطهم يا رب.ماذا تعطي. أعطهم رحما مسقطا وثديين يبسين )(هوشع9 عدد14)
وفي (يوئيل 2 عدد16):( اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الاطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها )
وغيرها من النصوص الكثيرة التي تتحدث عن الثديين لحاجة وغير حاجة.
قلت: فهل ترى استبدال هذه النصوص بنصوص أخرى؟
قال: نعم.. نرى من الأصلح أن نستبدل النصوص الفاضحة بما ترمز إليه من رمز حتى نحفظ أولادنا وأنفسنا من آثار هذا الكلام.
أتعلم.. لقد رأيت بعض المسلمين يتهكم من هذه النصوص.. وهو يجمعها ليرميها في وجوهنا بعد ذلك، ويسبنا بها؟
هل ترضى أن يصبح الكتاب المقدس لعبة بأيدي هؤلاء؟
قلت: فتعلموا كيف تواجهون هؤلاء.. اقرأوا عليهم فضائح كتابهم المقدس ليحذروا من الكلام في كتابكم المقدس.
قال: وتحسب أنا لم نفعل.. ولكنا لم نجد في كتابهم ما يرضينا.. لقد قرأنا كتابهم المقدس مرات ومرات.. فلم نجد شيئا يستحق أن يلمزوا بسببه.
لقد بحثت عن الثدي في كتابهم المقدس.. كما بحثت عنه في كتابنا، فلم أجد له أي وجود.. فرحت أبحث عن الرضاعة.. لعلي أجد فيها ما يمكن أن ينهرهم، فوجدت هذا اللفظ في خمسة مواضع.
قلت: فواجههم بها.. نعم خمسة أقل بكثير مما عندنا.. ولكن مع ذلك، فإن حجم كتابنا المقدس أكبر من حجم قرآنهم.
تنفس الصعداء، وقال: بماذا أواجههم ـ يا سيدي ـ ليس في هذه المواضع الخمسة أي شيء يخدش الحياء، أو يسيء إلى الأدب..
لقد ذكرت الآية الأولى أحكام الرضاعة، ومدتها، وحق المرأة فيها، وواجب الرجل.. وهي أحكام غاية في السمو، جاءت بألفاظ غاية في الأدب.. اسمع ما تقول:) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ((البقرة:233)
وفي سورة النساء وردت عند ذكر المحرمات من النساء معتبرة المرأة المرضع بمثابة الأم، وابنتها بمثابة الأخت، لقد جاء فيها عند عد المحرمات:) وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ((النساء: من الآية23)
وفي سورة الحج ذكر لذهول المرضع عن ابنها نتيجة الأهوال التي تعاينها:) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ((الحج: من الآية2)
وفي سورة القصص ذكر لأم موسى:) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ((القصص:7)
وفي سورة الطلاق ذكر لوجوب إعطاء المطلقة المرضع أجرة رضاعها:)أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى((الطلاق:6)
ليس في هذه النصوص جميعا ـ حضرة الحبر ـ أي نص تستحيي من قراءته مع أولادك.. بالإضافة إلى أن كل ذلك وضع في موضعه السليم.. فهي أحكام غاية في السمو.. بالإضافة إلى كل ذلك، فهي معان ظاهرة بألفاظ ظاهرة لا تحتاج إي تفسيرات تحل رموزها، وتوضح معانيها.
قلت: لقد ورد في كتابهم ذكر ملاعبة الرجل لزوجته.. أليس كذلك؟
قال: بلى..
قلت: فواجهوهم بتلك النصوص؟
قال: لقد بحثت في هذا أيضا.. لكني لم أجد إلا الأدب الصرف.. والتعبير الجميل.. لقد ذكر القرآن ذلك عند ذكر أحكام الصوم، فقال:) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ((البقرة:187)
قلت: فقد ذكرت هذه الآية الرفث.. والرفث هو مقدمات المباشرة، أو هو المباشرة ذاتها.
قال: أجل.. ولكن القرآن لم يفصل في ذكر شيء من هذه الملاعبات، كما نرى الكتاب المقدس.. ولو كان الأمر يتعلق بالزوجين.. لأن هذه من الخصوصيات التي لا تحتاج تعليمات إلهية تبين كيفيتها.
بالإضافة إلى هذا، فإن القرآن يرفع من هذه المباشرة ليملأها بالمعاني الإنسانية الرفيعة، فيعتبر المرأة لباسا للرجل، والرجل لباس للمرأة.. واللباس لا يوحي إلا بالستر والصيانة والأدب..
لا كما رأينا في الكتاب المقدس من الحديث عن العري..
لقد بحثت في هذا.. بحثت في النصوص التي تتحدث عن العري، فرأيتها لا تقل عن النصوص التي تتحدث عن الأثداء.. ففي (سفر حزقيال: 16 / 35 ):( لِذَلِكَ اسْمَعِي أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ قَضَاءَ الرَّبِّ: مِنْ حَيْثُ أَنَّكِ أَنْفَقْتِ مَالَكِ وَكَشَفْتِ عَنْ عُرْيِكِ فِي فَوَاحِشِكِ لِعُشَّاقِكِ.. هَا أَنَا أَحْشِدُ جَمِيعَ عُشَّاقِكِ الَّذِينَ تَلَذَّذْتِ بِهِمْ، وَجَمِيعَ محبيك مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَكْشِفُ عورتك لهم لينظروا كل عورتك.. وَأُسَلِّمُكِ لأَيْدِيهِمْ فَيَهْدِمُونَ قبتك وَمُرْتَفَعَةَ نُصُبِكِ، وَينزعون عنك ثيابك وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى جَوَاهِرِ زِينَتِكِ وَيَتْرُكُونَكِ عريانة وعارية )
ومن النصوص التي تجعل الله بكشف العورات ما جاء في سفر ( إشعيا: 3: 16):( وَيَقُولُ الرَّبُّ: لأَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ مُتَغَطْرِسَاتٌ، يَمْشِينَ بِأَعْنَاقٍ مُشْرَئِبَّةٍ مُتَغَزِّلاَتٍ بِعُيُونِهِنَّ، مُتَخَطِّرَاتٍ فِي سَيْرِهِنَّ، مُجَلْجِلاَتٍ بِخَلاَخِيلِ أَقْدَامِهِنَّ. سَيُصِيبُهُنَّ الرَّبُّ بِالصَّلَعِ، وَيُعَرِّي عَوْرَاتِهِنَّ )
بل إن النصوص المقدسة لا تكتفي بذكر العري المرتبط بالزانيات، بل تتعداهن، فتذكر عري الأنبياء.. بل تغرم بذكر هذا:
لقد ذكرت عن نوح:( وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه )(تكوين 9: 20)
وذكرت عن داود:( ورجع داود ليبارك بيته فخرجت ميكال بنت شاول لاستقبال داود وقالت: ما كان أكرم ملك اسرائيل اليوم حيث تكشّف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشّف احد السفهاء )( صموئيل الثاني: 6: 20)
وذكرت عن إشعيا:( في ذلك الوقت تكلم الرب عن يد اشعياء بن آموص قائلا. اذهب وحلّ المسح عن حقويك واخلع حذاءك عن رجليك. ففعل هكذا ومشى معرّى وحافيا.فقال الرب كما مشى عبدي اشعياء معرّى وحافيا ثلاث سنين آية واعجوبة على مصر وعلى كوش )(إشعيا: 20: 3 _ 5)
وذكرت عن شاول:( فخلع هو أيضا ثيابه وتنبأ هو أيضا امام صموئيل وانطرح عريانا ذلك النهار كله وكل الليل )( صموئيل الأول: 19: 24 )
وذكرت عن ميخا:( لِهَذَا أَنُوحُ وَأُوَلْوِلُ وَأَمْشِي حَافِياً عُرْيَاناً )(سفر ميخا: 2: 8)
وذكرت عن المسيح:( قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا ) (يوحنا 13: 4-5)
قلت: لقد ذكر القرآن عين العملية الجنسية في قوله:) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ((البقرة:223).. وفي قوله:) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ((لأعراف:189)
قال: لقد قرأت هذه الآية.. ولكنها لا تصلح لمواجهتهم بها.
قلت: لماذا؟.. إنها تتكلم عن هذه العملية بكل صراحة.
قال: ولكنها تتكلم عنها بأدب.. إنها تعلمهم الغاية من العملية، وآدابها، ومثل ذلك ما ورد في اعتزال الحائض، فقد جاء فيها:) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ((البقرة:222)
إن هذه الآية كالتي قبلها تتحدث بأدب رفيع عن آداب العملية الجنسية حتى لا يجاوز بها حدها المؤذي.. إنها تضع الضوابط التي تقي هذه العملية من كل شذوذ.
قارن هذه النصوص التي تمتلئ بالأدب بما ورد في كتابنا المقدس..
لقد ورد في سفر حزقيال هذه العبارة المملوءة بالبذاءة:( وعشقت معشوقيهم الذين لحمهــم كلحــم الحمير ومنيهم كمني الخيـل )(حزقيال: 23: 20 )
قلت: أجل.. هذه عبارة لا تصلح.. وهي تحتاج إلى تغيير ترجمتها.
قال: أتعلم ـ حضرة الحبر ـ أن هذه العبارة هي أصلح العبارات المهذبة؟
قلت: كيف ذلك؟.. ألم تذكر لي أنها عبارة لا تصلح في الكتاب المقدس؟
قال: هي عبارة مهذبة مقارنة بالعبارة الأصلية التي وردت في الكتاب المقدس المكتوب بالإنجليزية.. والتي منها ترجم إلى العربية، فقد وردت هذه العبارة في الأصل الإنجليزي بطبعة New World هكذا:( ولقد دفع بك شبق العاهرات بائعات إلي أعضاء الذكورة للأجانب الشبيهة بأعضاء الذكور لدى الحمير التي تنزل منياً كمني الخيول )
شعرت ببعض الغثاء، فلاحظ علي ذلك، فقال: نحن نشعر بذلك جميعا.. فلماذا لا نضع حدا لمثل هذا الكلام.. إنه كلام يتناقض مع الذوق العام.. تصور لو أن رجلا أراد أن يربي أولاده، ففتح الكتاب المقدس على هذا الموضع ماذا عساه يقرأ لهم.
سكت قليلا، ثم قال: إن السلطات في كثير من دول العالم تحظر طبع ونشر بعض الكتب لورود الكلام الفاحش الخارج عن الذوق العام فيها، وهو أقل فحشاً من مثل هذا الكلام المطبوع المنشور على صفحات الكتاب المقدس.. فكيف نرضى إبقاءه.. بل كيف نجعله مواعظ نعظ بها الناس؟
هل ترى أن نسلم الكتاب المقدس لهؤلاء الذين ملأت الشوارع نفوسهم شهوات ونزوات حيوانية ليتخلصوا بالكتاب المقدس من تلك النزوات؟
ألا نخاف على هؤلاء أن يجعلوا من الكتاب المقدس كتابا يمد شهوات بالغرائز الحيوانية الآثمة؟
سكت قليلا، ثم قال: لقد تعجب ول ديورانت في (قصة الحضارة)، وحق له أن يتعجب، لقد قال:( مهما يكن من أمر هذه الكتابات الغرامية فإن وجودها في العهد القديم سر خفي.. ولسنا ندرى كيف غفل أو تغافل رجال الدين عما في هذه الأغاني من عواطف شهوانية وأجازوا وضعها في الكتاب المقدس )
ولهذا جاء في مقدمة الآباء اليسوعيين:( لا يقرأ نشيد الإنشاد إلا القليل من المؤمنين، لأنه لا يلائمهم كثيراً )
2 ـ أدب الرذيلة
قلت: لا بأس.. ما دام الأمر يرتبط بمجموعة ألفاظ تجرح الحياء العام.. فسنفكر في السبيل الذي نعدل به كتابنا المقدس ليتناسب مع هذا الذوق.. خاصة، وأن ذوق هذا العصر ذوق ناقد، لا يسلم كما سلمت سائر العصور.
قال: ليس هذا فقط، حضرة الحبر.
قلت: أهناك شيء آخر؟
قال: ليس الأمر قاصرا على ألفاظ يمكن تبديلها، بل هو أخطر من ذلك.
قلت: ما تقصد؟
قال: ألم يرد في (تيموثاوس):( كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر ) ( تيموثاوس (2) 3/16 )
قلت: أجل.. صدق بولس فيما قال، وما كان له إلا أن يصدق.. أليس هو رسول الأمم؟
قال: فهل تحقق هذا في الكتاب المقدس؟
رأى في وجهي بعض التغير، فقال: لا أقصد ما فهمت.. أنا مسيحي كما ذكرت لك.. ولم يدفعني إلى التكلم معك في هذا إلا حبي للمسيحية، وتعصبي لها، وتعصبي للكتاب المقدس.
إنني مثل والد يحب ولده، ويحرص عليه، ويحرص على سمعته، فلذلك اعذرني إن كان في كلامي أي إساءة.
قلت: لا.. تكلم.. يظهر عليك الصدق.. تكلم كما تشاء، ولن تجد مني إلا الآذان الصاغية.. بل إني أحاول خدمتك بقدر الإمكان.
قال: لقد امتلأت أسفار الكتاب المقدس ـ بكل أسف ـ بالحديث عن رذائل مارسها بنو إسرائيل وغيرهم، وحكت طويلاً عن سكرهم وزناهم ووثنيتهم.
قلت: نعم.. إن الكتاب المقدس كتاب واقعي.. يذكر الواقع كما هو.. ثم ينثني ليصلحه.
قال: أما الشطر الأول من كلامك فصحيح.. فهو يذكر الواقع بصفة مفضوحة تماما.. لكني لا أرى أنه ينثني عليه ليصلحه.
قلت: كيف ذلك؟
قال: لقد ذكر العهد القديم أمثلة كثيرة من هذا الأدب الواقعي المكشوف، وقد بحثت في كل هذه الأمثلة عن عقوبة للمجرم فلم أجد.. إذ لم يخبرنا أن حد الزنا المذكور في سفر اللاويين (20/17) قد طبق مرة واحدة.
قلت: لقد ورد في سفر صموئيل عن عالي رئيس الكهنة وقاضي بني إسرائيل هذا النص الذي يفيد إنكار مثل هذه الرذائل:( وشاخ عالي جداً، وسمع بكل ما عمله بنوه بجميع إسرائيل، وبأنهم كانوا يضاجعون النساء المجتمعات في باب خيمة الاجتماع. فقال لهم: لماذا تعملون مثل هذه الأمور؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب، لا يا بني لأنه ليس حسناً الخبر الذي أسمع ) ( صموئيل (2) 2/22 - 24 )
التفت إليه، فرأيته يبتسم، فقلت: ما الذي يضحكك؟
قال: يضحكني هذا الرجل.. بل هذا القاضي الذي هو رئيس الكهنة.. أهذا كل ما استطاع قوله لهم.. وهو رجل الدين وهو القاضي في نفس الوقت، أهذا كل ما صنعه مع أولئك الذين يزنون في خيمة الاجتماع!؟
صمت، فقال: ليت الأمر كان قاصرا على هذا.. إن كثيرا من نصوص الكتاب المقدس لا تكتفي بعدم النهي عن الرذيلة، بل هي تكاد تحث عليها.
قلت: ماذا تقول؟
قال: سأقرأ عليك بعض النصوص التي أقترح التصرف فيها.. فهي خطيرة جدا على مراهقينا وعلى كتابنا المقدس.
فتح الكتاب المقدس، وقال: اسمع..:( وَأَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلاً: (يَاابْنَ آدَمَ، كَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَتَانِ، ابْنَتَا أُمٍّ وَاحِدَةٍ، زَنَتَا فِي صِبَاهُمَا فِي مِصْرَ حَيْثُ دُوعِبَتْ ثُدِيُّهُمَا، وَعُبِثَ بِتَرَائِبِ عِذْرَتِهِمَا. اسْمُ الْكُبْرَى أُهُولَةُ وَاسْمُ أُخْتِهَا أُهُولِيبَةُ، وَكَانَتَا لِي وَأَنَجْبَتَا أَبْنَاءَ وَبَنَاتٍ، أَمَّا السَّامِرَةُ فَهِيَ أُهُولَةُ، وَأُورُشَلِيمُ هِيَ أُهُولِيبَةُ. وَزَنَتْ أُهُولَةُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ لِي، وَعَشِقَتْ مُحِبِّيهَا الأَشُّورِيِّينَ الأَبْطَالَ. الْلاَّبِسِينَ فِي الأَرْدِيَةَ الأُرْجُوَانِيَّةِ مِنْ وُلاَةٍ وَقَادَةٍ. وَكُلُّهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ، وَفُرْسَانُ خَيْلٍ. فَأَغْدَقَتْ عَلَى نُخْبَةِ أَبْنَاءِ أَشُورَ زِنَاهَا، وَتَنَجَّسَتْ بِكُلِّ مَنْ عَشِقَتْهُمْ وَبِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْ زِنَاهَا مُنْذُ أَيَّامِ مِصْرَ لأَنَّهُمْ ضَاجَعُوهَا مُنْذُ حَدَاثَتِهَا، وَعَبَثُوا بِتَرَائِبِ عِذْرَتِهَا وَسَكَبُوا عَلَيْهَا شَهَوَاتِهِمْ، لِذَلِكَ سَلَّمْتُهَا لِيَدِ عُشَّاقِهَا أَبْنَاءِ أَشُورَ الَّذِينَ أُوْلِعَتْ بِهِمْ. فَفَضَحُوا عَوْرَتَهَا، وَأَسَرُوا أَبْنَاءَهَا وَبَنَاتِهَا، وَذَبَحُوهَا بِالسَّيْفِ، فَصَارَتْ عِبْرَةً لِلنِّسَاءِ وَنَفَّذُوا فِيهَا قَضَاءً.وَمَعَ أَنَّ أُخْتَهَا أُهُولِيبَةَ شَهِدَتْ هَذَا، فَإِنَّهَا أَوْغَلَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي عِشْقِهَا وَزِنَاهَا، إِذْ عَشِقَتْ أَبْنَاءَ أَشُّورَ مِنْ وُلاَةٍ وَقَادَةٍ الْمُرْتَدِينَ أَفْخَرَ اللِّبَاسِ، فُرْسَانَ خَيْلٍ وَجَمِيعُهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ. فَرَأَيْتُ أَنَّهَا قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَسَلَكَتَا كِلْتَاهُمَا فِي ذَاتِ الطَّرِيقِ. غَيْرَ أَنَّ أُهُولِيبَةَ تَفَوَّقَتْ فِي زِنَاهَا، إِذْ حِينَ نَظَرَتْ إِلَى صُوَرِ رِجَالِ الْكَلْدَانِيِّينَ الْمَرْسُومَةِ عَلَى الْحَائِطِ بِالْمُغْرَةِ، مُتَحَزِّمِينَ بِمَنَاطِقَ عَلَى خُصُورِهِمْ، وَعَمَائِمُهُمْ مَسْدُولَةٌ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَكُلُّهُمْ بَدَوْا كَرُؤَسَاءِ مَرْكَبَاتٍ مُمَاثِلِينَ تَمَاماً لأَبْنَاءِ الْكَلْدَانِيِّينَ فِي بَابِلَ أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، عَشِقَتْهُمْ وَبَعَثَتْ إِلَيْهِمْ رُسُلاً إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا أَبْنَاءُ بَابِلَ وَعَاشَرُوهَا فِي مَضْجَعِ الْحُبِّ وَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ. وَبَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ بِهِمْ كَرِهَتْهُمْ. وَإِذْ وَاظَبَتْ عَلَى زِنَاهَا عَلاَنِيَةً، وَتَبَاهَتْ بِعَرْضِ عُرْيِهَا، كَرِهْتُهَا كَمَا كَرِهْتُ أُخْتَهَا. وَمَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَتْ مِنْ فُحْشِهَا، ذَاكِرَةً أَيَّامَ حَدَاثَتِهَا حَيْثُ زَنَتْ فِي دِيَارِ مِصْرَ. فَأُوْلِعَتْ بِعُشَّاقِهَا هُنَاكَ، الَّذِينَ عَوْرَتُهُمْ كَعَوْرَة ِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ. وَتُقْتِ إِلَى فُجُورِ حَدَاثَتِكِ حِينَ كَانَ الْمِصْرِيُّونَ يُدَاعِبُونَ تَرَائِبَ عِذْرَتِكِ طَمَعاً فِي نَهْدِ صباك ) (حزقيال: 23: 1 -21)
أغلق الكتاب، وقال: ما فائدة جميع هذه التفاصيل التي ليس لها من أثر إلا تهييج الشهوات والحث على الرذيلة!؟
قلت: إن التقصير ليس في الكتاب المقدس.
قال: فيم إذن؟
قلت: في تفسير رجال الكنيسة للكتاب المقدس.. لو أنهم شرحوا للناس المعاني الرمزية العميقة التي تتضمنها هذه النصوص لذهب عنهم كل ذلك الوهم الذي ساقته إليهم غرائزهم.
قال: لقد فعلوا.. ولكنهم لم يزيدوا الطين إلا بلة.. لقد جعلوا الدعارة رمزا للكنيسة.. بل إن الكنيسة عندهم لو تجسدت، فلن تتجسد إلا في عاهرة..
سأذكر لك مثالا على ذلك.. من تفسير رؤساء ديننا لسفر راعوث جدة المسيح.
ساقرأ عليك النص أولا لتتذكره..
فتح الكتاب المقدس، وقال: راعوث هي تلك الأرملة التي نصحتها كنتها بإغراء بوعز كما جاء في السفر الذي يحمل اسمها.. اسمع بما نصحتها:( فَاغْتَسِلِي وَتَطَيَّبِي وَارْتَدِي أَجْمَلَ ثِيَابِكِ وَاذْهَبِي إِلَى الْبَيْدَرِ، وَلاَ تَدَعِي الرَّجُلَ يَكْتَشِفُ وُجُودَكِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَعِنْدَمَا يَضْطَجِعُ عَايِنِي مَوْضِعَ اضْطِجَاعِهِ، ثُمَّ ادْخُلِي إِلَيْهِ وَارْفَعِي الْغِطَاءَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَارْقُدِي هُنَاكَ، وَهُوَ يُطْلِعُكِ عَمَّا تَفْعَلِينَ) فَأَجَابَتْهَا: (سَأَفْعَلُ كُلَّ مَا تَقُولِينَ )( راعوت 3:3-5 )
وذهبت راعوث ليباركها بوعز.. اسمع:( فَبَعْدَ أَنْ أَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَمَضَى لِيَرْقُدَ عِنْدَ الطَّرَفِ الْقَصِيِّ مِنْ كُومَةِ الشَّعِيرِ، تَسَلَّلَتْ رَاعُوثُ وَرَفَعَتِ الْغِطَاءَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَنَامَتْ وَعِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ تَقَلَّبَ الرَّجُلُ فِي نَوْمِهِ مُضْطَرِباً، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَالْتَفَتَ حَوْلَهُ وَإِذَا بِهِ يَجِدُ امْرَأَةً رَاقِدَةً عِنْدَ قَدَمَيْهِ، فَتَسَاءَلَ: (مَنْ أَنْتِ؟) فَأَجَابَتْ: (أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ، فَابْسُطْ هُدْبَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ قَرِيبٌ وَوَلِيٌّ) فَقَالَ: (لِيُبَارِكْكِ الرَّبُّ يَابِنْتِي لأَنَّ مَا أَظْهَرْتِهِ مِنْ إِحْسَانٍ الآنَ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا أَظْهَرْتِهِ سَابِقاً، فَأَنْتِ لَمْ تَتَهَافَتِي عَلَى الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ )( راعوت 7:3-10 )
هذا هو النص.. أما تفسير رجال ديننا له، فسأسوق لك بعضه..
يقول أحد مفسرينا:( سفر راعوث هو السفر الوحيد الذى سمى بإسم امرأة أممية فى الكتاب المقدس نظرا ًللرتبة الفائقة التى بلغت إليها راعوث، التى صارت أماً للمسيح الأمر الذى كانت المؤمنات ً جميعا يشتهين إياه، كما حسبت رمزا لكنيسة الأمم عروس المسيح القادمة من ًموآب إلى بيت لحم، لقد جرى دمها وهى أممية فى عروق مخلص العالم )
ثم يقول هذا المفسر:( ورمزيا:- فراعوث تشير لكنيسة الأمم التى التصقت بنعمى (كنيسة اليهود) ونعمى كانت ذا ًقرابة بالجسد مع بوعز أى أن المسيح جاء بالجسد من كنيسة اليهود، وراعوث أتت إلى حقل بوعز لتلتقط سنابل هذا يشير للكنيسة التى جاءت فى أواخر الأزمنة تجمع ما قد سبق وتعب فيه الأباء والآنبياء كما في ( يوحنا: 4 38،37 )، ولاحظ أنها جاءت إلى بيت لحم أى بيت الخبز لتصير راعوث هى أيضا ليست ذات قرابة لبوعز بل عروسا له.. ونحن الكنيسة عروس المسيح ً ًجبار البأس الذى بعز وقوة يسند نفوس عروسته الخائرة ويرفعها فوق الضيق والألم. وراء من أجد نعمة فى عينيه.. لاحظ أن راعوث تركت تدبير الأمر كله لله والله دبر عجبا )
إن هذا المفسر يقول كلاما خطيرا.. إنه يريد أن يقول: إن علاقة راعوث ببوعز علاقة ترمز إلى ضم الأمميين الي الكنيسة، وبذلك تكون تلك العلاقة غير الشرعية رمزا للكنيسة..
والأخطر من ذلك كله أن يقال: إن ما حدث في تلك الليلة تدبير رباني مبارك.. أي تدبير هذا ـ حضرة الحبر ـ ومن دبر هذا التدبير العجيب؟.. أرملة شابة تزينت وتعطرت، ثم اجتمعت مع رجل سكران علي سرير واحد، تحت ثوب واحد في مكان بعيد عن أعين الناس.. أهذا هو التدبير؟
وبعد كل هذا الفحش, تسمي هذه العاهرة (امرأة فاضلة ):( والآن يا بنتي لا تخافي.كل ما تقولين افعل لك.لان جميع ابواب شعبي تعلم انك امرأة فاضلة ) ( راعوث 3:11 )
سكت قليلا، ثم قال: سأذكر لك مثلا آخر.. يرتبط هو الآخر بجدة من جدات المسيح.. وهي راحاب المذكورة في سفر يشوع.
لقد ورد في هذا السفر:( فأرسل يشوع بن نون من شطّيم رجلين جاسوسين سرّا قائلا: اذهبا انظرا الأرض وأريحا فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك ) ( يشوع 2:1 )
يقول أحد رجال ديننا:( امرأة زانية اسمها راحاب كانت صاحبة خان (فندق) لذلك نزل الجاسوسين عندها، وكلمة صاحبة خان وكلمة زانية تقريبا هما نفس الكلمة، فقديما كانت صاحبة الخان ليست بعيدة عن ًالشبهات في نظر الناس، ولعل سلمون زوجها كان أحد الجاسوسين (متى:5/1)[1] وعموما فسلمون زوجها هو شخص من سبط يهوذا، وهو أبو بوعز زوج راعوث )
وكما اعتبر رجال ديننا راعوث رمزا للكنيسة كذلك فعلوا مع راحاب.. لقد قال بعضهم:( وراحاب هذه بإيمانها صارت رمزاً لدخول الأمم للإيمان، بل صارت أما للمسيح )
ويضيف قائلا:( وإن كان يشوع يرمز للمسيح، فالجاسوسان يرمزان لتلاميذ المسيح، وهم اثنين رمز لإرسال المسيح رسله لليهود والأمم )
سكت قليلا، ثم قال: سأذكر لك مثلا آخر.. يرتبط هو الآخر بجدة من جدات المسيح.. وهي زوجة أوريا التي وردت قصتها في سفر صموئيل الثاني.. اسمع..
فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ:( وكان في وقت المساء، أن داود قام عن سريره، وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأةً تستحم. وكانت المرأةُ جميلةَ المنظر جداً. فأرسل داود، وسأل عن المرأة، فقال واحدٌ: أليست هذه بثشبع بنت أليعام، امرأة أوريا الحثي؟ فأرسل داود رسلاً، وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها.. ثم رجعت إلى بيتها. وحَبِلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود، وقالت: إني حُبلى) (2صموئيل2:11-5)
أنت تعرف نهاية القصة.. وأنا لم أسقها لك إلا لأسوق لك معها ما يقول رجالنا المباركون.. إنهم يزيدون الطين بلة.. لقد شرح بعضهم هذا النص، فراح يقول:( إن بثشبع قصدت هذا أن تجذب أنظار الملك، هى رأت أنه فخر لها أن تكون زوجة الملك فهى تعلم أن سـطوح الملك يكشفها )
أترى داود في الكتاب المقدس كيف صار رمزا للرذيلة.. إن هذا الحدث الذي ورد في صمويل كان في الوقت الذي كان جيشه يحارب فيه؟
وفي الوقت الذي كان أوريا يضحي بنفسه كان عرضه ينتهك.. ثم ينسى أوريا ليمجد داود، ويتشرف بأن يكون أبا للمسيح.. أليس في هذا تمجيدا للرذيلة؟
سكت قليلا، ثم قال: ليست جدات المسيح فقط هن الفاضلات اللاتي مارسن هذه المهنة الخسيسة.. لقد ذكر الكتاب المقدس نساء أخريات.. مجدهن، وخلدهن.. ليكن رمزا للفضيلة.. سأقص عليك قصص بعضهن.. لترى هل يمكن أن تكون مثل هذه النصوص وسيلة للتربية أم قنطرة للغواية.
سأبدا بامرأة خلدها العهد القديم فى سفر كامل أفرد لها، و باسمها، ليحكى قصتها.. لا شك أنك تعرفها.. إنها يهوديت.. تلك المرأة اليهودية التى يردد ملايين اليهود والمسيحيين قصتها فى قراءتهم لكتبهم المقدسة.. ويتعبدون بتلك القراءة، لينطبع في نفوسهم ما ما رسته من سلوك.
ولنبدأ بأول قصتها من السفر المسمى باسمها.. يصفها هذا السفر قائلا:( وكانت يهوديت قد بقيت أرملة منذ ثلاث سنين وستة أشهر.. وكانت قد هيأت لها في أعلى بيتها غرفة سرية، وكانت تقيم فيها مع جواريها وتغلقها.. وكان على حقويها مسح وكانت تصوم جميع أيام حياتها ما خلا السبوت ورؤوس الشهور وأعياد إسرائيل.. وكانت لها شهرة بين جميع الناس من أجل انها كانت تتقي الرب جدا ولم يكن أحد يقول عليها كلمة سوء.. وكانت جميلة المنظر جدا وقد ترك لها بعلها ثروة واسعة وحشما كثيرين وأملاكا مملوءة باصورة البقر وقطعان الغنم )(يهوديت:4 -7)
لا شك أن هذه أوصاف طيبة، لو اكتفى الكتاب المقدس بها لكفت، ولكانت هذه المرأة نموذجا صالحا لأي امرأة مؤمنة.
ولكن الكتاب المقدس لم يذكرها لأجل هذا.. ولو اكتفت هذه المرأة بهذا النوع من السلوك، فلن تحظى بذكر اسمها في الكتاب المقدس، فكيف بأن يكون لها سفر باسمها.
إن ما دفع الكتبة ليخصوا سفرا باسمها هو ما نص عليه الكتاب المقدس من تمجيد لسلوك سلكته، وكأنه يدعو بذلك إلى سلوكه.
لقد ظهرت يهوديت فى ظروف قرر فيها اليهود تسليم مدينتهم إلى الأشوريين.. فغضبت و قررت التدخل لمحاولة منع هذه الهزيمة من الحلول بقومها.. فلنسمع لما يقول الكتاب المقدس:( ودعت وصيفتها و نزلت الى بيتها و ألقت عنها المسح و نزعت عنها ثياب إرمالها.. واستحمت و ادهنت بأطياب نفيسة وفرقت شعرها وجعلت تاجا على رأسها ولبست ثياب فرحها واحتذت بحذاء، ولبست الدمالج والسواسن والقرطة والخواتم، وتزينت بكل زينتها.. وزادها الرب أيضا بهاء من أجل أن تزينها هذا لم يكن عن شهوة، بل عن فضيلة ولذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يمثل.. وحملت وصيفتها زق خمر وإناء زيت ودقيقا وتينا يابسا وخبزا وجبنا وانطلقت، فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا وشيوخ المدينة منتظرين، فلما رأوها اندهشوا وتعجبوا جدا من جمالها، غير أنهم لم يسألوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين إله آبائنا يمنحك نعمة ويؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك أورشليم ويكون اسمك محصى في عداد القديسين و الابرار )(يهوديت:2 -8)
ألا ترى هؤلاء الشيوخ الأجلاء كيف يرون هذه المرأة الصالحة الجميلة تذهب إلى عدوهم الذي لن يقصر في انتهاك عرضها، ومع ذلك يدعون لها، ولا يمنعونها، بل إن في كلامهم هذا تشجيعا ظاهرا لها.. أين الغيرة والرجولة في نفوس هؤلاء؟.. إن الكتاب المقدس بهذا لا يكتفي بتزيين الرذيلة، بل يوفر البيئة الصالحة لتقبلها وتشجيعها.
لا يكتفي السفر بهذه التفاصيل.. بل هو مغرم بتفاصيل الرذيلة حتى تمتلئ العين بمشاهدتها.. اسمع ما يقول السفر:( فدخل حينئذ بوغا على يهوديت وقال: لا تحتشمي أيتها الفتاة الصالحة أن تدخلي على سيدي و تكرمي أمام وجهه و تأكلي معه وتشربي خمرا بفرح.. فأجابته يهوديت من أنا حتى أخالف سيدي، كل ما حسن وجاد في عينيه فأنا أصنعه وكل ما يرضى به فهو عندي حسن جدا كل أيام حياتي.. ثم قامت و تزينت بملابسها و دخلت فوقفت أمامه، فاضطرب قلب أليفانا لأنه كان قد اشتدت شهوته، وقال لها أليفانا: اشربي الآن واتكئي بفرح فإنك قد ظفرت أمامي بحظوة، فقالت يهوديت: اشرب يا سيدي من أجل أنها قد عظمت نفسي اليوم أكثر من جميع أيام حياتي، ثم أخذت و أكلت و شربت بحضرته مما كانت قد هيأته لها جاريتها، ففرح أليفانا بازائها وشرب من الخمر شيئا كثيرا جدا أكثر مما شرب في جميع حياته (يهوديت: 12-20)
وهكذا يستمر هذه السفر في إعطاء المرأة هذه الوسيلة.. وسيلة الإغواء.. لتستعملها بعد ذلك في كل ما تريد تحقيقه.
ليست يهوديت وحدها من مجدت لأجل هذا السلوك.. توجد أخرى نجحت فى أن يكون لها سفر هي الأخرى باسمها.. إنها استير.. تلك المرأة التى نجحت فى انقاذ شعب الله المختار من أعدائه مستفيدة من سلوك يهوديت.
سكت قليلا، ثم قال: لقد بحثت في آثار هذه الكلمات في تاريخ الكنيسة القديم والحديث فوجدت العجب العجاب..
لقد علمت من مصادر مطلعة في أمريكا أن أربعة من كل مئة من القساوسة متهم بالاغتصاب.. فإن أضفت إلى هذه النسبة تلك الحالات التي تتم عن تراض.. وأضفت إليها حالات الاغتصاب التي لم يكشف عنها، فماذا ستجد حضرة الحبر؟
لقد ذكرت مجلة أخبار الكنيسة الالكترونية مستندة الي أبحاث هيئات أمريكية أن عدد المتهمين وصل الي 4392 بينما عدد الضحايا يصل الي 10 667 وبلغت قيمة التعويضات التي دفعتها الكنيسة 573 مليون دولار[2].
وأكدت أبرشية أمريكية أن نحو 4440 قسيسا اتهموا بالإساءة الجنسية أي حوالي 4 بالمئة من إجمالي القساوسة الذين ينتمون لهذه الأبرشية [3].
والعجيب في كل هذا أن الكنيسة تنتهج أسلوب الكتاب المقدس في التوقي من الرذيلة، أو في العقوبة عليها.
إنها لا تفعل شيئا سوى نقل القس من كنيسة الي أخري.. ولهذا عندما اتهمت فتاة نصرانية القمص (.. )[4] بأنه اعتدي عليها بحجة مباركتها لم تفعل الكنيسة شيئا إلى أن كثرت الشكاوى من النساء المسيحيات ضده بأنه كان يجبرهن على التعري ويداعب أعضاءهن الحساسة، ويطلب منهن الاستجابة له بحجة أنه (أبوهم)، ومن واجبهن طاعته[5].
وكل ما فعلته الكنيسة مع هذا الرجل هي نقله إلى أستراليا ليعيد الكرة هناك، فينقل من جديد إلى مدينة (برايتون) في انجلترا.
والأخطر من ذلك أن الكثير من رجال الدين يمارسون أسلوب التغاضي الذي لا يدل إلا على تشجيع الجناة على حساب الضحايا.
يذكر أحد الضحايا أنه عندما طلب المساعدة الروحية من أسقف سيدني بعد أن اعتدى عليه جنسيا عمه القس كان رد أسقف سيدني:( كم تأخذ وتسكت!؟ )
وقد اعترف هذا الأسقف أنه عرض أمولا علي ضحايا الاعتداء الجنسي بعد أن اضطر إلى ذلك اضطرارا.. بل لم يعترف إلا بعد أن ووجه بالمستندات التي تدينه.
قلت: أنت تحدثني عن عامة تلبسوا بلباس رجال الدين.. الدين يمثله الخاصة لا العامة.
قال: أي خاصة تقصد؟
هل تقصد البابا إسكندر السادس الذي اتخذ له عشيقة اسمها (جيلبا فارنيس) التي كانت باهرة الجمال، صغيرة السن، اغتصبها من خطيبها ـ اقتداءا بما فعله داود ـ واحتفظ بها بعد ارتقائه كرسي البابوية!؟
أم تقصد البابا يوحنا الثاني الذي كان خليعاً ماجناً اتُّهِمَ من قِبَل أربعين أسقفا وسبعة عشر كاردينالاً بأنه وقع في الفاحشة مع عدة نساء.. وأنه ـ فوق ذلك ـ قلَّدَ مطرانية (طودى) لغلام لم يتجاوز عشر سنوات، ثم قُتِلَ، وهو متلبس بجريمة الزنا مع امرأة، وكان القاتل له زوجها!؟
أم تقصد البابا اكليمنضوس الخامس عشر الذي كان يجول فيينا وليون لجمع المال مع عشيقته!؟
أم تقصد البابا يوحنا الثالث والعشرين الذي اتهم بأنه سمَّم سلفه، وأنه باع الوظائف الكنسية، وأنه كان كافرا لوطياً!؟
أم تقصد البابا اينوسنت الرابع الذي كان متهماً بالرشوة والفساد!؟
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin