تاسعا ـ التربية
في اليوم التاسع.. كلفني أخي بالذهاب إلى مدرسة من المدارس التابعة للكنيسة، وقد كانت هذه المدرسة في ضاحية من ضواحي الإسكندرية، وكانت تحتل موقعا رائعا، تحيط بها الأشجار، وتغمر ساحتها بساتين الورود بأشكالها.. ليعطي كل ذلك توافقا بين التعاليم التي تدرس، والجو الذي يدرس فيه.
زرت بعض الأقسام، فبهرت بمدى نظامها، وجمالها، ومدى انضباط طلبتها، لقد شجعني كل ذلك تشجيعا عظيما.. اكتفيت به لأعود إلى أخي لأبشره بما رأيت.
لكني لم أسر إلا قليلا في ساحة المدرسة حتى استوقفني رجل يظهر من شكله أنه معلم بالمدرسة.
وقفت، ورحبت به، وقلت: لا شك أنك معلم بهذه المدرسة المحترمة.
قال: أجل.. وأنت ضيفنا العزيز الذي قدم من بلاده البعيدة ليشرفنا بزيارته.
قلت: أجل.. لقد تعمدت أن تكون زيارة قصيرة لئلا أشغلكم عن وظائفكم النبيلة التي تقدمونها للبشرية.. أنتم ـ معشر المعلمين ـ خلفاء رسل المسيح، وحفظة الكتاب المقدس.. ولا ينبغي أن تضيع دقيقة من حياتكم في غير الرسالة التي وكلت لكم.
قال: شكرا على هذا التقدير.. وإن سمحت لي أن أجلس معك لأحدثك عن بعض العقبات التي تعترضنا من أجل الأداء الأمثل لوظيفتنا أكون لك شاكرا.
قلت: ما جئت إلا لأجل هذا.. لكني لم أسمع من زملائك من المعلمين إلا الثناء العطر على البرامج وعلى الإدارة وعلى الكنيسة الراعية.
قال: لقد منعهم حرصهم على مناصبهم من البوح بما أريد أن أبوح لك به.
قلت: حدثني.. ولا تتحرج من شيء.. فلا ينبغي أن يحول بيننا وبين مصالح متعلمينا أي حائل.
دعاني للجلوس على كرسي من كراسي الساحة المليئة بأنوع الزهور، وقال: أنت تعلم أن الوظيفة التربوية الكاملة تستدعي تحديد الغاية التي نريد أن نشكل بها شخصية من نربيه.
قلت: أجل ذلك صحيح..
قال: لقد وضعنا في صلب أهداف هذه المدرسة تشكيل شخصية تتوافق مع تعاليم الكتاب المقدس.
قلت: كل مدارس الكنيسة تضع هذا الهدف النبيل.
قال: هو هدف نعم.. ولكني ـ للأسف ـ أشك في نبله.
قلت: ما تقول؟.. أتشكك في الحقائق القطعية؟
قال: أنا لم أجلس إليك لأبوح لك بما أريد أن أبوح إلا لعلمي بعقلك ونزاهتك وحرصك على الحق الذي يهدي إليه المنطق السليم.
قلت: أجل.. أنا أحرص الناس على المنطق العقلي السليم.. فهل لديك أي إثباتات على ما تقول؟
قال: لو لم أتثبت من كل كلمة أقولها لما جلست معك هذا المجلس.
قلت: فحدثني عن زبدة ما جعلك تذهب إلى ما ذهبت إليه.
قال: لقد عرفت من خلال استقراء حاجات المتعلمين أنهم يحتاجون ـ لتشكيل شخصية سوية ـ إلى تحقيق ثلاثة أبعاد: البعد الإيماني، والبعد الأخلاقي، والبعد الاجتماعي.
البعد الإيماني:
قلت: فما تريد بالبعد الإيماني؟
قال: جميع المعارف الإيمانية العميقة التي تشكل قناعات المؤمن العقلية والروحية، والتي تبرمجه بعد ذلك ليسير في الحياة وفق ما تمليه حقيقة الكون والإنسان والحياة.
قلت: فقد جاء الكتاب المقدس ليقرر هذه المعارف الكبرى التي تنبني عليها القناعات.
قال: أجل.. وأنا لا أشك في ذلك.. لكني لا أرى للكتاب المقدس كبير اهتمام بهذه الناحية.
قلت: ما تقول؟
قال: مع أن القضايا الإيمانية هي المحور الأساسي للدين إلا أني أجد الكتاب المقدس يكاد يعتبرها قضايا ثانوية.. بل هو أحيانا يسيء إليها من خلال أشياء كثيرة.
قلت: هذا كلام مجمل.. هات تفاصيله.
قال: لو جمعنا جميع ما تحدث به الكتاب المقدس عن الله وصفات الله لم يشكل جميع ما جمعناه إصحاحا واحدا ذا صفحات محدودة.. إن ما ذكره الكتاب المقدس عن صفة الهيكل أو صفة التابوت أو وكلاء داود أكثر بكثير من حديثه عن الله وعن صفات الله وعن قضايا الإيمان.
فكيف تريد من هذه القضايا أن تتقرر في نفوس طلبة الكتاب المقدس، وهم يرون هذا الاحتقار للإيمان في كتابهم الذي ينهلون منه؟
سكت قليلا، وكأنه يريد أن يقول شيئا، ولكنه يتردد في قوله، فأردت أن أزيح تردده، فقلت: كلامك صحيح.. أنا ـ شخصيا ـ أشعر بهذا.. أفتح الكتاب المقدس لأتعرف على الله.. فأجدني أتيه عن الله بأنساب بني إسرائيل.
شعر ببعض الشجاعة، فراح يقول: أجل.. أحيانا يخيل إلي ـ أنا كذلك ـ أنه كتاب تاريخ.. بل تاريخ أسرة من الأسر البشرية..
والقصور ليس في هذه الناحية فقط.. حتى الأسفار التي تتحدث عن قضايا الإيمان تتحدث عنها بنوع من الإلغاز لا يفهمها إلا خاصتنا، ولا يفكونه إلا بضروب من التأويل المتكلف.
قلت: كل ما تقوله صحيح.. ولكن ما الحل؟
قال: لست أدري..
ولكني وجدت في كتاب المسلمين المقدس نموذجا صالحا للكتاب الذي يقرر قضايا الإيمان تقريرا منسجما مع الأهداف التربوية.
لم أكن أتصور أن يحدثني أحد في هذه المدرسة عن القرآن.. ولكن الله شاء أن أسمع هذا.. وأسمع معه مقارنة جديدة بين القرآن والكتاب المقدسن لأتعرض لبصيص جديد يقربني إلى محمد r.
فتح الرجل شهيتي للحديث، فقلت: وهل تتصور أن كتاب المسلمين كتاب ينسجم مع القواعد التربوية في تشكيل الشخصية السوية؟
قال: أجل.. لقد رأيته يركز على الإيمان.. بل ليس هناك كتاب في الدنيا يتحدث عن الإيمان كما يتحدث عنه القرآن.. إن كل صفحة من صفحاته، بل كل آية من آياته تعرف بالله، وتحبب العباد فيه.. حتى ما ارتبط منها بالقصص المحض، أو الأحكام المحضة:
اسمع في القصص مثلا، وقارن بين قصة يوسف كما هي في كتابنا المقدس، وبين قصة يوسف في القرآن، ولنقتصر منها على الفترة التي سجن فيها يوسف.
لقد وضع الكتاب المقدس إصحاحا كاملا لذلك.. فاسمع له لتقارن بينه وبين ما ورد في القرآن من نفس القصة..
أخرج الكتاب المقدس من محفظته، وراح يقرأ (تكوين: 40/1-23):( 1 وحدث بعد هذه الامور أن ساقي ملك مصر والخباز اذنبا الى سيدهما ملك مصر. 2 فسخط فرعون على خصيّيه رئيس السقاة ورئيس الخبازين. 3 فوضعهما في حبس بيت رئيس الشرط في بيت السجن المكان الذي كان يوسف محبوسا فيه. 4 فاقام رئيس الشرط يوسف عندهما فخدمهما. وكانا اياما في الحبس 5 وحلما كلاهما حلما في ليلة واحدة كل واحد حلمه كل واحد بحسب تعبير حلمه. ساقي ملك مصر وخبازه المحبوسان في بيت السجن. 6 فدخل يوسف اليهما في الصباح ونظرهما واذا هما مغتمّان. 7 فسأل خصيّي فرعون اللذين معه في حبس بيت سيده قائلا لماذا وجهاكما مكمّدان اليوم. 8 فقالا له حلمنا حلما وليس من يعبره. فقال لهما يوسف أليست لله التعابير. قصا عليّ 9 فقصّ رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له كنت في حلمي واذا كرمة امامي. 10 وفي الكرمة ثلاثة قضبان. وهي اذ أفرخت طلع زهرها وانضجت عناقيدها عنبا. 11 وكانت كاس فرعون في يدي. فاخذت العنب وعصرته في كاس فرعون واعطيت الكاس في يد فرعون. 12 فقال له يوسف هذا تعبيره. الثلاثة القضبان هي ثلاثة ايام. 13 في ثلاثة ايام ايضا يرفع فرعون راسك ويردك الى مقامك. فتعطي كاس فرعون في يده كالعادة الاولى حين كنت ساقيه. 14 وانما اذا ذكرتني عندك حينما يصير لك خير تصنع اليّ احسانا وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت. 15 لاني قد سرقت من ارض العبرانيين. وهنا ايضا لم افعل شيئا حتى وضعوني في السجن 16 فلما رأى رئيس الخبازين انه عبّر جيدا قال ليوسف كنت انا ايضا في حلمي واذا ثلاثة سلال حوّارى على راسي. 17 وفي السل الاعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز. والطيور تاكله من السل عن راسي. 18 فاجاب يوسف وقال هذا تعبيره. الثلاثة السلال هي ثلاثة ايام. 19 في ثلاثة ايام ايضا يرفع فرعون راسك عنك ويعلقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك عنك 20 فحدث في اليوم الثالث يوم ميلاد فرعون انه صنع وليمة لجميع عبيده ورفع راس رئيس السقاة وراس رئيس الخبازين بين عبيده. 21 ورد رئيس السقاة الى سقيه. فأعطى الكاس في يد فرعون. 22 واما رئيس الخبازين فعلقه كما عبّر لهما يوسف. 23 ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه )
أغلق الكتاب المقدس، وقال: القرآن يتناول نفس المشهد، ولكنه يتناوله بصورة مغايرة تماما.. فبينما يركز المشهد التوراة على الأحداث في حد ذاتها، فيفصل في ذكر الأحلام وأخبار الحالمين، وفي النتيجة النهائية التي تتوافق مع تعبير يوسف، ولا يذكر في كل هذا الزخم الله، وكأن القصة ليس لها من هدف إلا الأحداث التي تحملها.
بينما القرآن يخالف ذلك، فيملأ القصة بذكر الله، ليقرب القلوب منه، ويبني الشخصية السوية على التعرف عليه.. اسمع لما يقول القرآن.. أخرج مصحفا من محفظته، وراح يقرأ:) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ((يوسف:36)
نظر إلي، وقال: لقد اكتفى القرآن بهذا الموجز المختصر من ذكر الحلم ليترك الحصة الأكبر للإيمان.. اسمع ما ذكره يوسف إجابة لهما:) قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)(يوسف)
أرأيت.. أربع آيات تتحدث عن الله والتعريف به وتحبيب القلوب فيه، ليعود بعدها ليفسر الحلم في آية واحدة، ويكتفي بها عن كل تلك التفاصيل التي ساقها الكتاب المقدس.. اسمع:) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ( (يوسف:41)
سكت قليلا، ثم قال: في جميع قصص القرآن نجد هذا الأسلوب.. القرآن لا يقصص القصص لأجل القصص، وإنما لأجل تثبيت قضايا الإيمان.. هو يتخذ من القص الذي تشتهيه النفوس وسيلة لجذبها إلى الإيمان.
وفي الأحكام نجد نفس الأسلوب.. وتستطيع أن تجري مقارنة بسيطة بين النصوص التي وردت في أحكام الطلاق في الكتاب المقدس، وبين مثيلتها في القرآن.
ففي الكتاب المقدس، وفي (تثنية: 24/1-5):( 1 اذا اخذ رجل امرأة وتزوج بها فان لم تجد نعمة في عينيه لانه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه الى يدها واطلقها من بيته2 ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر 3 فان ابغضها الرجل الاخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه الى يدها واطلقها من بيته او اذا مات الرجل الاخير الذي اتخذها له زوجة 4 لا يقدر زوجها الاول الذي طلقها ان يعود ياخذها لتصير له زوجة بعد ان تنجست. لان ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الارض التي يعطيك الرب الهك نصيبا 5 اذا اتخذ رجل امرأة جديدة فلا يخرج في الجند ولا يحمل عليه امر ما. حرا يكون في بيته سنة واحدة ويسرّ امرأته التي اخذها )
أرأيت.. الكتاب المقدس ينص على الأحكام كما تنص عليها جميع قوانين الدنيا.. وإذا ذكر الله ذكره بعنصرية مقيتة:( لان ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الارض التي يعطيك الرب الهك نصيبا )
بينما القرآن يتناول مسائل الطلاق بتفصيل كثير، ويربطها بالإيمان ربطا وثيقا.. اسمع:) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)((البقرة)
هل رأيت الفرق.. لا يكاد يمر سطر من سطور هذه الآيات إلا وهو يذكر الله، ويذكر به، وهو يذكر بإله العالمين لا إله إسرائيل، وهو يصف الله بالأوصاف التي تحبب القلوب فيه، وتربط الشخصية به.
وهكذا في جميع أحكام القرآن.. وهكذا في جميع أحكام الكتاب المقدس.
القرآن يستغل كل مناسبة ليعرف بالله، ويكون الشخصية السوية على أساسه، بينما يتيه الكتاب المقدس في جزئيات الأحكام وتفاصيلها.
البعد الأخلاقي:
قلت: عرفت ما تريد من البعد الإيماني.. فما تريد من البعد الأخلاقي؟
قال: أنت تعلم أن الأخلاق هي تنظيم سلوك النفس بحيث تنسجم مع نفسها ومع العلاقات التي ترتبط بها.
قلت: أجل.. وقد أحسنت في ذكرك لانسجام النفس مع نفسها.. فأول الخلق يبدأ من النفس ومع النفس.. ومن لم يتخلق مع نفسه لم يتخلق مع غيرها.
قال: أجل.. ولكن الشأن ليس في تعريف الخلق، وإنما في تربية النفس عليه.
قلت: ألا ترى في الكتاب المقدس ما يكفي لهذه الناحية؟
قال: أصدقك في هذا البعد كما صدقتك في ذلك البعد.. لست أدري أي شخصية أخلاقية يمكن للكتاب المقدس أن يؤسسها؟
قلت: ما الذي تقصد؟
قال: في الكتاب المقدس نماذج متناقضة.. ولست أدري أيها يصلح لأن يكون محل قدوة.. فهناك العفيف الذي لا يمد حتى بصره، وهناك المنحرف الذي لا ينجو منه حتى محارمه.. وهناك المسالم.. وهناك المحارب الظالم..
قلت: هذه نماذج الناس.. ولا بد أن يتحدث الكتاب المقدس عنها جميعا.
قال: ليس العيب في أن يتحدث عنها.. ولكن العيب في أن يثني عليها.. بل يدعو لها.
سكت قليلا، وقال: إذا درسنا للطالب نموذج شمشون.. فما تراه يخرج لنا؟
لم أدر بما أجيبه، فقال: سيخرج لنا طلبة يمارسون ما يمارسه الفتوة.
قلت: فدرسوهم نماذج أخرى.
قال: كل نموذج ندرسه نجد فيه من العيوب ما يحول بيننا وبين اعتباره نموذجا مثاليا لصاحب الخلق الرفيع.. بالإضافة إلى ذلك لا نجد في الكتاب المقدس احتراما للأخلاق، ولا تعظيما لها، ولا تبينا لسبيل تحصيلها، ولا ذكرا لآحاد أفرادها مما يملأ النفس بها.
قلت: هذه الأمور مما يجتهد فيه العقل.. ولا علاقة للكتاب المقدس بمثل هذا.
قال: ولكني رأيت كتاب المسلمين.. القرآن.. وكأنه مدرسة متكاملة في الأخلاق.. فهو يعظمها، ويحترمها، ويصف بها المقربين الصالحين.
وهو لا يكتفي بذلك، بل يضم إليها التعريف بآحاد الأخلاق، وتبيين كيفية تحصيلها.
لقد قرأت القرآن من أوله إلى آخره، وأعدت قراءته مرات عديدة، فلم أجد فيه إلا تعليم الكمال الخلقي، بل تمرين النفس عليه.
لست أدري كيف قلت له من غير أن أشعر: حدثني عن الأخلاق في القرآن كما حدثتني عن الإيمان في القرآن.
قال: أول ما يشدك في القرآن من تعظيمه للخلق هو ما ورد فيه من الثناء على محمد بحسن الخلق.. إنك تجد فيه هذه الآية العظيمة التي تجعل من كل قلب متلهفا لتحصيل معناها:) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ( (القلم:4)
ولهذا صار مقياس الكمال عند المسلمين هو حسن الخلق.. فنبيهم يقول لهم:( خياركم أحاسنكم أخلاقا )[1]، ويقول لهم:( إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم )[2]، ويقول لهم:( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون ) قالوا:( يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ) قال:( المتكبرون )[3]
ويجعل الدرجات العليا والأجور العظيمة من نصيب من حسن خلقه، فيقول:( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء )[4]، ويقول:( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، ويبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )[5]، بل أخبر محمد أن ( المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )[6]
قلت: طلبت منك أت تحدثني عن القرآن لا عن أقوال محمد.
قال: أقوال محمد تفسير للقرآن وبيان له.. بل كان محمد بسلوكه ينهج نهج القرآن، ويحاول أن يكون النموذج المثالي الذي تطبق به تعاليم القرآن.
ومع ذلك سأذكر لك من القرآن ما تقر به عينك:
إن القرآن لا يتعامل مع الأخلاق كما يتعامل معها الفلاسفة وعلماء النفس ممن يهتمون بتأصيلها.. القرآن لا يهتم بالتأصيل بقدر ما يهتم بغرس بذور الأخلاق لتنمو بعد ذلك طيبة يانعة.. اسمع هذا النص الذي يريد أن يربي نموذج الإنسان المثالي الذي يفي بنذره وعهوده، والذي يبذل ماله في سبيل معونة غيره من غير أن ينتظر منهم جزاء ولا شكورا..
إن القرآن يلتف حول رغبات النفس ورهباتها ليربي فيها هذه الأخلاق الرفيعة.. اسمع الآيات وحاول أن تتخيلها، وتعيش معانيها:) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)(الإنسان)
لقد اكتنف تلك الأخلاق الرفيعة التي ذكرها القرآن ترغيب وترهيب لتنطلق النفس من نفسها، ومن قناعاتها الإيمانية لتمارس الخلق من غير أن تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا.
واسمع هذا النص الذي يحتل فيه الباذلون المضحون المؤثرون قمم الكمال الإنساني بالنظرة القرآن.. ) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)((الحشر)
فالصدق والفلاح ـ حسب هذه الآيات ـ محصور في أولئك الباذلين المضحين الذين ضحو برغباتهم الشخصية من أجل القيم التي يؤمنون بها.
وهكذا في كل القرآن..لا نجد الثناء إلا على النماذج الرفيعة التي تمثلت فيها الأخلاق بأكمل مظاهرها.. اسمع هذه الآية:) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب:35)
بل إن القرآن لا يكتفي بذلك الثناء على أصحاب الأخلاق الرفيعة، ولا بتلك الأجور التي يدخرها لهم.. بل يخبر أن محبة الله قاصرة على هؤلاء.
ففي القرآن الآيات الكثيرة الدالة على حب الله لعباده الصالحين، وذكر الأوصاف التي استحقوا بها تلك المحبة الشريفة، وفي ذلك أعظم ترغيب في تلك الأخلاق.
ويتربع عرش هذه الأوصاف صفة الإحسان الجامعة لجميع مجامع الخير.. ) وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195).. ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)..) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:148)..) فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة: من الآية13)..) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:93)
والسر في هذه المحبة ما وضحه محمد بقوله:( إن الله جميل يحب الجمال)[7]، والمحسن هو الذي اكتمل جمال روحه حتى صار مجلاة للحق، وصار بذلك أهلا لمحبة الحق، كما ورد في القرآن:) هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60)، وفيه:) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس:26)
ومن أوصاف المحبوبين التوبة والطهارة، لقد جاء في القرآن:) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: من الآية222).. ) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة:108)
ومن أوصاف المحبوبين صفة التقوى الحاجزة عن المعصية.. ) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76)..) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4)..) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:7)
في اليوم التاسع.. كلفني أخي بالذهاب إلى مدرسة من المدارس التابعة للكنيسة، وقد كانت هذه المدرسة في ضاحية من ضواحي الإسكندرية، وكانت تحتل موقعا رائعا، تحيط بها الأشجار، وتغمر ساحتها بساتين الورود بأشكالها.. ليعطي كل ذلك توافقا بين التعاليم التي تدرس، والجو الذي يدرس فيه.
زرت بعض الأقسام، فبهرت بمدى نظامها، وجمالها، ومدى انضباط طلبتها، لقد شجعني كل ذلك تشجيعا عظيما.. اكتفيت به لأعود إلى أخي لأبشره بما رأيت.
لكني لم أسر إلا قليلا في ساحة المدرسة حتى استوقفني رجل يظهر من شكله أنه معلم بالمدرسة.
وقفت، ورحبت به، وقلت: لا شك أنك معلم بهذه المدرسة المحترمة.
قال: أجل.. وأنت ضيفنا العزيز الذي قدم من بلاده البعيدة ليشرفنا بزيارته.
قلت: أجل.. لقد تعمدت أن تكون زيارة قصيرة لئلا أشغلكم عن وظائفكم النبيلة التي تقدمونها للبشرية.. أنتم ـ معشر المعلمين ـ خلفاء رسل المسيح، وحفظة الكتاب المقدس.. ولا ينبغي أن تضيع دقيقة من حياتكم في غير الرسالة التي وكلت لكم.
قال: شكرا على هذا التقدير.. وإن سمحت لي أن أجلس معك لأحدثك عن بعض العقبات التي تعترضنا من أجل الأداء الأمثل لوظيفتنا أكون لك شاكرا.
قلت: ما جئت إلا لأجل هذا.. لكني لم أسمع من زملائك من المعلمين إلا الثناء العطر على البرامج وعلى الإدارة وعلى الكنيسة الراعية.
قال: لقد منعهم حرصهم على مناصبهم من البوح بما أريد أن أبوح لك به.
قلت: حدثني.. ولا تتحرج من شيء.. فلا ينبغي أن يحول بيننا وبين مصالح متعلمينا أي حائل.
دعاني للجلوس على كرسي من كراسي الساحة المليئة بأنوع الزهور، وقال: أنت تعلم أن الوظيفة التربوية الكاملة تستدعي تحديد الغاية التي نريد أن نشكل بها شخصية من نربيه.
قلت: أجل ذلك صحيح..
قال: لقد وضعنا في صلب أهداف هذه المدرسة تشكيل شخصية تتوافق مع تعاليم الكتاب المقدس.
قلت: كل مدارس الكنيسة تضع هذا الهدف النبيل.
قال: هو هدف نعم.. ولكني ـ للأسف ـ أشك في نبله.
قلت: ما تقول؟.. أتشكك في الحقائق القطعية؟
قال: أنا لم أجلس إليك لأبوح لك بما أريد أن أبوح إلا لعلمي بعقلك ونزاهتك وحرصك على الحق الذي يهدي إليه المنطق السليم.
قلت: أجل.. أنا أحرص الناس على المنطق العقلي السليم.. فهل لديك أي إثباتات على ما تقول؟
قال: لو لم أتثبت من كل كلمة أقولها لما جلست معك هذا المجلس.
قلت: فحدثني عن زبدة ما جعلك تذهب إلى ما ذهبت إليه.
قال: لقد عرفت من خلال استقراء حاجات المتعلمين أنهم يحتاجون ـ لتشكيل شخصية سوية ـ إلى تحقيق ثلاثة أبعاد: البعد الإيماني، والبعد الأخلاقي، والبعد الاجتماعي.
البعد الإيماني:
قلت: فما تريد بالبعد الإيماني؟
قال: جميع المعارف الإيمانية العميقة التي تشكل قناعات المؤمن العقلية والروحية، والتي تبرمجه بعد ذلك ليسير في الحياة وفق ما تمليه حقيقة الكون والإنسان والحياة.
قلت: فقد جاء الكتاب المقدس ليقرر هذه المعارف الكبرى التي تنبني عليها القناعات.
قال: أجل.. وأنا لا أشك في ذلك.. لكني لا أرى للكتاب المقدس كبير اهتمام بهذه الناحية.
قلت: ما تقول؟
قال: مع أن القضايا الإيمانية هي المحور الأساسي للدين إلا أني أجد الكتاب المقدس يكاد يعتبرها قضايا ثانوية.. بل هو أحيانا يسيء إليها من خلال أشياء كثيرة.
قلت: هذا كلام مجمل.. هات تفاصيله.
قال: لو جمعنا جميع ما تحدث به الكتاب المقدس عن الله وصفات الله لم يشكل جميع ما جمعناه إصحاحا واحدا ذا صفحات محدودة.. إن ما ذكره الكتاب المقدس عن صفة الهيكل أو صفة التابوت أو وكلاء داود أكثر بكثير من حديثه عن الله وعن صفات الله وعن قضايا الإيمان.
فكيف تريد من هذه القضايا أن تتقرر في نفوس طلبة الكتاب المقدس، وهم يرون هذا الاحتقار للإيمان في كتابهم الذي ينهلون منه؟
سكت قليلا، وكأنه يريد أن يقول شيئا، ولكنه يتردد في قوله، فأردت أن أزيح تردده، فقلت: كلامك صحيح.. أنا ـ شخصيا ـ أشعر بهذا.. أفتح الكتاب المقدس لأتعرف على الله.. فأجدني أتيه عن الله بأنساب بني إسرائيل.
شعر ببعض الشجاعة، فراح يقول: أجل.. أحيانا يخيل إلي ـ أنا كذلك ـ أنه كتاب تاريخ.. بل تاريخ أسرة من الأسر البشرية..
والقصور ليس في هذه الناحية فقط.. حتى الأسفار التي تتحدث عن قضايا الإيمان تتحدث عنها بنوع من الإلغاز لا يفهمها إلا خاصتنا، ولا يفكونه إلا بضروب من التأويل المتكلف.
قلت: كل ما تقوله صحيح.. ولكن ما الحل؟
قال: لست أدري..
ولكني وجدت في كتاب المسلمين المقدس نموذجا صالحا للكتاب الذي يقرر قضايا الإيمان تقريرا منسجما مع الأهداف التربوية.
لم أكن أتصور أن يحدثني أحد في هذه المدرسة عن القرآن.. ولكن الله شاء أن أسمع هذا.. وأسمع معه مقارنة جديدة بين القرآن والكتاب المقدسن لأتعرض لبصيص جديد يقربني إلى محمد r.
فتح الرجل شهيتي للحديث، فقلت: وهل تتصور أن كتاب المسلمين كتاب ينسجم مع القواعد التربوية في تشكيل الشخصية السوية؟
قال: أجل.. لقد رأيته يركز على الإيمان.. بل ليس هناك كتاب في الدنيا يتحدث عن الإيمان كما يتحدث عنه القرآن.. إن كل صفحة من صفحاته، بل كل آية من آياته تعرف بالله، وتحبب العباد فيه.. حتى ما ارتبط منها بالقصص المحض، أو الأحكام المحضة:
اسمع في القصص مثلا، وقارن بين قصة يوسف كما هي في كتابنا المقدس، وبين قصة يوسف في القرآن، ولنقتصر منها على الفترة التي سجن فيها يوسف.
لقد وضع الكتاب المقدس إصحاحا كاملا لذلك.. فاسمع له لتقارن بينه وبين ما ورد في القرآن من نفس القصة..
أخرج الكتاب المقدس من محفظته، وراح يقرأ (تكوين: 40/1-23):( 1 وحدث بعد هذه الامور أن ساقي ملك مصر والخباز اذنبا الى سيدهما ملك مصر. 2 فسخط فرعون على خصيّيه رئيس السقاة ورئيس الخبازين. 3 فوضعهما في حبس بيت رئيس الشرط في بيت السجن المكان الذي كان يوسف محبوسا فيه. 4 فاقام رئيس الشرط يوسف عندهما فخدمهما. وكانا اياما في الحبس 5 وحلما كلاهما حلما في ليلة واحدة كل واحد حلمه كل واحد بحسب تعبير حلمه. ساقي ملك مصر وخبازه المحبوسان في بيت السجن. 6 فدخل يوسف اليهما في الصباح ونظرهما واذا هما مغتمّان. 7 فسأل خصيّي فرعون اللذين معه في حبس بيت سيده قائلا لماذا وجهاكما مكمّدان اليوم. 8 فقالا له حلمنا حلما وليس من يعبره. فقال لهما يوسف أليست لله التعابير. قصا عليّ 9 فقصّ رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له كنت في حلمي واذا كرمة امامي. 10 وفي الكرمة ثلاثة قضبان. وهي اذ أفرخت طلع زهرها وانضجت عناقيدها عنبا. 11 وكانت كاس فرعون في يدي. فاخذت العنب وعصرته في كاس فرعون واعطيت الكاس في يد فرعون. 12 فقال له يوسف هذا تعبيره. الثلاثة القضبان هي ثلاثة ايام. 13 في ثلاثة ايام ايضا يرفع فرعون راسك ويردك الى مقامك. فتعطي كاس فرعون في يده كالعادة الاولى حين كنت ساقيه. 14 وانما اذا ذكرتني عندك حينما يصير لك خير تصنع اليّ احسانا وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت. 15 لاني قد سرقت من ارض العبرانيين. وهنا ايضا لم افعل شيئا حتى وضعوني في السجن 16 فلما رأى رئيس الخبازين انه عبّر جيدا قال ليوسف كنت انا ايضا في حلمي واذا ثلاثة سلال حوّارى على راسي. 17 وفي السل الاعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز. والطيور تاكله من السل عن راسي. 18 فاجاب يوسف وقال هذا تعبيره. الثلاثة السلال هي ثلاثة ايام. 19 في ثلاثة ايام ايضا يرفع فرعون راسك عنك ويعلقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك عنك 20 فحدث في اليوم الثالث يوم ميلاد فرعون انه صنع وليمة لجميع عبيده ورفع راس رئيس السقاة وراس رئيس الخبازين بين عبيده. 21 ورد رئيس السقاة الى سقيه. فأعطى الكاس في يد فرعون. 22 واما رئيس الخبازين فعلقه كما عبّر لهما يوسف. 23 ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه )
أغلق الكتاب المقدس، وقال: القرآن يتناول نفس المشهد، ولكنه يتناوله بصورة مغايرة تماما.. فبينما يركز المشهد التوراة على الأحداث في حد ذاتها، فيفصل في ذكر الأحلام وأخبار الحالمين، وفي النتيجة النهائية التي تتوافق مع تعبير يوسف، ولا يذكر في كل هذا الزخم الله، وكأن القصة ليس لها من هدف إلا الأحداث التي تحملها.
بينما القرآن يخالف ذلك، فيملأ القصة بذكر الله، ليقرب القلوب منه، ويبني الشخصية السوية على التعرف عليه.. اسمع لما يقول القرآن.. أخرج مصحفا من محفظته، وراح يقرأ:) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ((يوسف:36)
نظر إلي، وقال: لقد اكتفى القرآن بهذا الموجز المختصر من ذكر الحلم ليترك الحصة الأكبر للإيمان.. اسمع ما ذكره يوسف إجابة لهما:) قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)(يوسف)
أرأيت.. أربع آيات تتحدث عن الله والتعريف به وتحبيب القلوب فيه، ليعود بعدها ليفسر الحلم في آية واحدة، ويكتفي بها عن كل تلك التفاصيل التي ساقها الكتاب المقدس.. اسمع:) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ( (يوسف:41)
سكت قليلا، ثم قال: في جميع قصص القرآن نجد هذا الأسلوب.. القرآن لا يقصص القصص لأجل القصص، وإنما لأجل تثبيت قضايا الإيمان.. هو يتخذ من القص الذي تشتهيه النفوس وسيلة لجذبها إلى الإيمان.
وفي الأحكام نجد نفس الأسلوب.. وتستطيع أن تجري مقارنة بسيطة بين النصوص التي وردت في أحكام الطلاق في الكتاب المقدس، وبين مثيلتها في القرآن.
ففي الكتاب المقدس، وفي (تثنية: 24/1-5):( 1 اذا اخذ رجل امرأة وتزوج بها فان لم تجد نعمة في عينيه لانه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه الى يدها واطلقها من بيته2 ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر 3 فان ابغضها الرجل الاخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه الى يدها واطلقها من بيته او اذا مات الرجل الاخير الذي اتخذها له زوجة 4 لا يقدر زوجها الاول الذي طلقها ان يعود ياخذها لتصير له زوجة بعد ان تنجست. لان ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الارض التي يعطيك الرب الهك نصيبا 5 اذا اتخذ رجل امرأة جديدة فلا يخرج في الجند ولا يحمل عليه امر ما. حرا يكون في بيته سنة واحدة ويسرّ امرأته التي اخذها )
أرأيت.. الكتاب المقدس ينص على الأحكام كما تنص عليها جميع قوانين الدنيا.. وإذا ذكر الله ذكره بعنصرية مقيتة:( لان ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الارض التي يعطيك الرب الهك نصيبا )
بينما القرآن يتناول مسائل الطلاق بتفصيل كثير، ويربطها بالإيمان ربطا وثيقا.. اسمع:) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)((البقرة)
هل رأيت الفرق.. لا يكاد يمر سطر من سطور هذه الآيات إلا وهو يذكر الله، ويذكر به، وهو يذكر بإله العالمين لا إله إسرائيل، وهو يصف الله بالأوصاف التي تحبب القلوب فيه، وتربط الشخصية به.
وهكذا في جميع أحكام القرآن.. وهكذا في جميع أحكام الكتاب المقدس.
القرآن يستغل كل مناسبة ليعرف بالله، ويكون الشخصية السوية على أساسه، بينما يتيه الكتاب المقدس في جزئيات الأحكام وتفاصيلها.
البعد الأخلاقي:
قلت: عرفت ما تريد من البعد الإيماني.. فما تريد من البعد الأخلاقي؟
قال: أنت تعلم أن الأخلاق هي تنظيم سلوك النفس بحيث تنسجم مع نفسها ومع العلاقات التي ترتبط بها.
قلت: أجل.. وقد أحسنت في ذكرك لانسجام النفس مع نفسها.. فأول الخلق يبدأ من النفس ومع النفس.. ومن لم يتخلق مع نفسه لم يتخلق مع غيرها.
قال: أجل.. ولكن الشأن ليس في تعريف الخلق، وإنما في تربية النفس عليه.
قلت: ألا ترى في الكتاب المقدس ما يكفي لهذه الناحية؟
قال: أصدقك في هذا البعد كما صدقتك في ذلك البعد.. لست أدري أي شخصية أخلاقية يمكن للكتاب المقدس أن يؤسسها؟
قلت: ما الذي تقصد؟
قال: في الكتاب المقدس نماذج متناقضة.. ولست أدري أيها يصلح لأن يكون محل قدوة.. فهناك العفيف الذي لا يمد حتى بصره، وهناك المنحرف الذي لا ينجو منه حتى محارمه.. وهناك المسالم.. وهناك المحارب الظالم..
قلت: هذه نماذج الناس.. ولا بد أن يتحدث الكتاب المقدس عنها جميعا.
قال: ليس العيب في أن يتحدث عنها.. ولكن العيب في أن يثني عليها.. بل يدعو لها.
سكت قليلا، وقال: إذا درسنا للطالب نموذج شمشون.. فما تراه يخرج لنا؟
لم أدر بما أجيبه، فقال: سيخرج لنا طلبة يمارسون ما يمارسه الفتوة.
قلت: فدرسوهم نماذج أخرى.
قال: كل نموذج ندرسه نجد فيه من العيوب ما يحول بيننا وبين اعتباره نموذجا مثاليا لصاحب الخلق الرفيع.. بالإضافة إلى ذلك لا نجد في الكتاب المقدس احتراما للأخلاق، ولا تعظيما لها، ولا تبينا لسبيل تحصيلها، ولا ذكرا لآحاد أفرادها مما يملأ النفس بها.
قلت: هذه الأمور مما يجتهد فيه العقل.. ولا علاقة للكتاب المقدس بمثل هذا.
قال: ولكني رأيت كتاب المسلمين.. القرآن.. وكأنه مدرسة متكاملة في الأخلاق.. فهو يعظمها، ويحترمها، ويصف بها المقربين الصالحين.
وهو لا يكتفي بذلك، بل يضم إليها التعريف بآحاد الأخلاق، وتبيين كيفية تحصيلها.
لقد قرأت القرآن من أوله إلى آخره، وأعدت قراءته مرات عديدة، فلم أجد فيه إلا تعليم الكمال الخلقي، بل تمرين النفس عليه.
لست أدري كيف قلت له من غير أن أشعر: حدثني عن الأخلاق في القرآن كما حدثتني عن الإيمان في القرآن.
قال: أول ما يشدك في القرآن من تعظيمه للخلق هو ما ورد فيه من الثناء على محمد بحسن الخلق.. إنك تجد فيه هذه الآية العظيمة التي تجعل من كل قلب متلهفا لتحصيل معناها:) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ( (القلم:4)
ولهذا صار مقياس الكمال عند المسلمين هو حسن الخلق.. فنبيهم يقول لهم:( خياركم أحاسنكم أخلاقا )[1]، ويقول لهم:( إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم )[2]، ويقول لهم:( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون ) قالوا:( يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ) قال:( المتكبرون )[3]
ويجعل الدرجات العليا والأجور العظيمة من نصيب من حسن خلقه، فيقول:( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء )[4]، ويقول:( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، ويبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )[5]، بل أخبر محمد أن ( المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )[6]
قلت: طلبت منك أت تحدثني عن القرآن لا عن أقوال محمد.
قال: أقوال محمد تفسير للقرآن وبيان له.. بل كان محمد بسلوكه ينهج نهج القرآن، ويحاول أن يكون النموذج المثالي الذي تطبق به تعاليم القرآن.
ومع ذلك سأذكر لك من القرآن ما تقر به عينك:
إن القرآن لا يتعامل مع الأخلاق كما يتعامل معها الفلاسفة وعلماء النفس ممن يهتمون بتأصيلها.. القرآن لا يهتم بالتأصيل بقدر ما يهتم بغرس بذور الأخلاق لتنمو بعد ذلك طيبة يانعة.. اسمع هذا النص الذي يريد أن يربي نموذج الإنسان المثالي الذي يفي بنذره وعهوده، والذي يبذل ماله في سبيل معونة غيره من غير أن ينتظر منهم جزاء ولا شكورا..
إن القرآن يلتف حول رغبات النفس ورهباتها ليربي فيها هذه الأخلاق الرفيعة.. اسمع الآيات وحاول أن تتخيلها، وتعيش معانيها:) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)(الإنسان)
لقد اكتنف تلك الأخلاق الرفيعة التي ذكرها القرآن ترغيب وترهيب لتنطلق النفس من نفسها، ومن قناعاتها الإيمانية لتمارس الخلق من غير أن تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا.
واسمع هذا النص الذي يحتل فيه الباذلون المضحون المؤثرون قمم الكمال الإنساني بالنظرة القرآن.. ) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)((الحشر)
فالصدق والفلاح ـ حسب هذه الآيات ـ محصور في أولئك الباذلين المضحين الذين ضحو برغباتهم الشخصية من أجل القيم التي يؤمنون بها.
وهكذا في كل القرآن..لا نجد الثناء إلا على النماذج الرفيعة التي تمثلت فيها الأخلاق بأكمل مظاهرها.. اسمع هذه الآية:) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب:35)
بل إن القرآن لا يكتفي بذلك الثناء على أصحاب الأخلاق الرفيعة، ولا بتلك الأجور التي يدخرها لهم.. بل يخبر أن محبة الله قاصرة على هؤلاء.
ففي القرآن الآيات الكثيرة الدالة على حب الله لعباده الصالحين، وذكر الأوصاف التي استحقوا بها تلك المحبة الشريفة، وفي ذلك أعظم ترغيب في تلك الأخلاق.
ويتربع عرش هذه الأوصاف صفة الإحسان الجامعة لجميع مجامع الخير.. ) وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195).. ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)..) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:148)..) فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة: من الآية13)..) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:93)
والسر في هذه المحبة ما وضحه محمد بقوله:( إن الله جميل يحب الجمال)[7]، والمحسن هو الذي اكتمل جمال روحه حتى صار مجلاة للحق، وصار بذلك أهلا لمحبة الحق، كما ورد في القرآن:) هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60)، وفيه:) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس:26)
ومن أوصاف المحبوبين التوبة والطهارة، لقد جاء في القرآن:) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: من الآية222).. ) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة:108)
ومن أوصاف المحبوبين صفة التقوى الحاجزة عن المعصية.. ) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76)..) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4)..) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:7)
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin