..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:41

    أولا ـ السماء

    في اليوم الأول.. بدأ المؤتمر باحتفال رسمي شارك فيه سلطات البلدة المحليين، بالإضافة إلى الوجهاء فيها، وخلالها قدم بعض المشايخ دروسا عن اهتمام القرآن الكريم بآيات الله في الآفاق والأنفس.. وكانت محاضرات رائعة لولا ما امتلأت به من أسانيد ونقول عن المفسرين المختلفين، جعلت أكثر كلامهم إطنابا لا حاجة له بالنسبة لي.. وإن كان الكثير استساغ ذلك الأسلوب.

    بعدها قدم صاحبي الفلكي محاضرته.. وكانت محاضرة علمية بحتة.. لكنها جافة غاية الجفاف.. ولم أجد لها أي صلة بالقرآن.. فكل ما ذكره هو حديثه عن عظمة الكون وسعته وكثرة أجرامه.. وقد ضم كلامه أرقاما كثيرة لم أر الكثير يهتم لها، ولا بها.

    كان يتحدث عن الكون، وكأنه يتحدث عن مصنع مهجور لا صاحب له.. يتحدث عن آلاته وعماله من غير أن يبرز أي صلة تجمع بين هذه المكونات جميعا.

    كانت معلومات صاحبي ضخمة.. ولكنها مشوشة لعدم الرابط الذي يربط بين محتوياتها.

    وقد أحسست بذلك التشويش على سمات وجهه..

    لقد كان الرجل ملحدا في الحقيقة.. ولم تكن له من صلة بالكنيسة غير صلة الانتماء الوراثي.. وقد جره إلى الإلحاد ـ على حسب ما ذكر لي ـ سببان:

    الأول: هو ما احتواه الكتاب المقدس من أمور تعتبر أخطاء في الموازين العلمية.. لقد قرأ علي في أول لقاء لي معه ما جاء في التوراة من شرح لأحداث أيام الخلق[1]، ثم قال بكل حسرة: إن هذا النص الطويل هو السبب فيما حصل لي من ابتعاد عن الله، أنا أشعر بالله.. وأشعر أنه يستحيل أن ينبني هذا الكون من غير أن يكون له صانع يصنعه ويبدعه.. ولكني في نفس الوقت أشعر بأن الإله الذي قال هذا الكلام إله لا يستحق أي احترام.. لأنه يجهل أبسط المبادئ العلمية..

    إن هذا النص القصير بموازين ما ورد في الكتاب المقدس من نصوص مطولة عن الأنساب والمطاعم والمشارب [2] يحوي أخطاء كثيرة جدا لا يمكن أن تغتفر[3]:

    لقد ذكر هذا النص أنه في اليوم الأول خلق الله الليل والنهار، وفي اليوم الثاني خلق الله السماء، وفي اليوم الثالث خلق الله البر والبحر والنباتات، وفي اليوم الرابع خلق الله الشمس والقمر والنجوم، وفي اليوم الخامس خلق الله أسماك البحر والزواحف وطيور السماء، وفي اليوم السادس خلق الحيوانات الأليفة والمفترسة والإنسان[4].

    كل هذه المخلوقات موجودة.. ولا جدل في وجودها.. ولكن الجدل في الترتيب الذي رتبت به.. إنها كمن يرتب أحداث التاريخ، فيجعل عصرنا قبل العصور الوسطى، بل كمن يجعل عصرنا مقدمة للعصور الحجرية..

    ألا ترى كيف يقدم خلق الليل والنهار على خلق الشمس مع أن ظاهرة اليل والنهار مرتبطة بوجود الشمس.. بل إن النص ذاته أشار في أحداث اليوم الرابع إلى هذه الحقيقة فقال:( لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ )

    ليس ذلك فقط.. وإن كان ذلك كافيا.. فالأخطاء لا تزال تتسلسل كما تتسلسل إجابة طالب بليد اختلطت عليه دروسه:

    لقد ذكر ذلك النص تقديم خلق النباتات بجميع أنواعها على خلق الشمس مع العلم بأنه لا يمكن للنباتات بأي حال من الأحوال أن تعيش بدون الطاقة الشمسية التي تحتاجها في عملية التركيب الضوئي.

    ومن أشنع الأخطاء أن كاتب هذا النص الذي زعم لنفسه الإلهام افترض أن الأرض موجودة منذ بداية أيام الخلق، ولم يبين المدة التي استغرقها خلق هذه الأرض الخربة والخالية.

    ومن أشنعها ما ذكره من أن الشمس والقمر والنجوم قد تم خلقها في اليوم الرابع، بينما تم خلق الأرض في اليوم الأول.. وهذا ما لا يقبله العقل، فلا يمكن أن توجد الأرض بدون الشمس.

    ومن أشنعها أن هذا النص أشار إلى أن الله خلق السماوات والأرض منذ البداية ( فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )، ثم أشار إلى أنه خلق سماء واحدة، وليس سماوات في أحداث اليوم الثاني.. ومثل ذلك اختلط عليه الأمر في الطريقة التي تم من خلالها خلق هذه السماء.. حيث أن هذه السماء فصلت المياه عن بعضها البعض فأصبح قسم منها فوق السماء، وآخر تحتها، ومن هذا القسم الأخير تكونت مياه الأرض.. اسمع ما تقول التوراة:( وَقَالَ اللهُ:( لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ ) فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا )

    لم أجد حينها بما أجيبه، ولم أجد إلى الآن ما يمكن أن يجاب عن هذا..

    لقد صارحني الرجل في خلوة بيني وبينه بما يعانيه من تشويش بسبب هذا النص الذي تكلف فيه كاتبه كل هذا التكلف.. وكأنه أراد أن يحطم الكتاب المقدس من أول إطلالة عليه[5].. أو كأنه أراد أن يصرف العلماء عن النظر في الكتاب المقدس، ليخلو الجو بعدها للأحبار والرهبان.

    هذا هو السبب الأول..

    أما الثاني فتاريخي يرجع إلى سلوك الكنيسة مع رجال العلم الذين تبنوا نظريات علمية تتناقض مع ما تبنته الكنيسة من معارف:

    لقد ذكر لي بكل ألم ما حصل للمجتمع المسيحي بعد تسلط رجال الكنيسة عليه، وكان من أعظم أخطائهم ما دسوه في كتبهم من معلومات بشرية ومسلمات ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر، وكانت حقائق راهنة لا يشك فيها رجال ذلك العصر، ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم الإنساني.

    لقد فعلوا ذلك بنية حسنة، ولكن ذلك كان أكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين، فإن ذلك كان سبباً للكفاح المشئوم بين الدين والعقل والعلم، والذي انهزم فيه في الأخير ذلك الدين المختلط بعلم البشر ـ الدين الذي اختلط فيه الحق بالباطل والخالص بالزائف ـ هزيمة منكرة، وسقط رجال الدين سقوطاً لم ينهضوا بعده، وشر من ذلك كله وأشأم أن أوربا كلها أصبحت لا دينية.

    ولم يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة، بل قدسوا كل ما تناقلته الألسن واشتهر بين الناس، وذكره شراح الكتاب المقدس ومفسريه من معلومات، وصبغوها صبغة دينية وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها ونبذ كل ما يعارضها، وألفوا في ذلك كتباً وتآليف، وسموا هذه الجغرافية التي ما أنزل الله بها من سلطان الجغرافية المسيحية(Christian Topography ) وعضوا عليها بالنواجذ، وكفروا كل من لم يدن بها[6].

    لقد ذكر لي بكل ألم ما فعل رجال الدين عندما انفجر بركان العقلية في أوربا، وحطم علماء الطبيعة والعلوم سلاسل التقليد الديني فزيفوا هذه النظريات العلمية التي اشتملت عليها هذه الكتب، وانتقدوها في صرامة وصراحة، واعتذروا عن عدم اعتقادها والإيمان بها بالغيب، وأعلنوا اكتشافاتهم العلمية واختباراتهم، فقامت قيامة الكنيسة، وقام رجالها المتصرفون بزمام الأمور في أوربا وكفروهم واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي.

    وأنشأوا في سبيل ذلك محاكم التفتيش التي تعاقب ـ كما يقول البابا ـ أولئك الملحدين والزنادقة الذين هم منتشرون في المدن وفي البيوت والأسراب والغابات والمغارات والحقول، فجدت واجتهدت وسهرت على عملها، واجتهدت أن لا تدع في العالم النصراني عرقاً نابضاً ضد الكنيسة، وانبثت عيونها في طول البلاد وعرضها، وأحصت على الناس الأنفاس، وناقشت عليهم الخواطر حتى يقول في ذلك عالم نصراني:( لا يمكن لرجل أن يكون مسيحياً ويموت حتف أنفه )

    لقد قدر المؤرخون من عاقبت هذه المحاكم بهذه الأسباب وغيرها، فبلغ عددهم ثلثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفاً أحياء، كان منهم العالم الطبيعي المعروف برونو، نقمت منه الكنيسة آراء من أشدها قوله بتعدد العوالم، وحكمت عليه بالقتل، واقترحت بأن لا تراق قطرة من دمه، وكان ذلك يعني أن يحرق حياً، وذلك ما حصل.

    ومثله عوقب العالم الطبيعي الشهير غاليليو (Galilio) بالقتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس.

    ولكن المجددين أصحاب العقول المتحركة الحية لم يرضهم سلوك الكنيسة، فثاروا، وأصبحوا حرباً على رجال الدين وممثلي الكنيسة والمحافظين على القديم، ومقتوا كل ما يتصل بهم ويعزى إليهم من عقيدة وثقافة وعلم وأخلاق وآداب، وعادوا الدين المسيحي أولاً والدين المطلق ثانياً، واستحالت الحروب بين زعماء العلم والعقلية، وزعماء الدين المسيحي حرباً بين العلم والدين مطلقاً.

    لقد قرر الثائرون أن العلم والدين ضرتان لا تتصالحان، وأن العقل والنظام الديني ضدان لا يجتمعان، فمن استقبل أحدهما استدبر الآخر، ومن آمن بالأول كفر بالثاني، وإذا ذكروا الدين، ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم، وتمثل لأعينهم وجوه كالحة عابسة، وجباه مقطبة، وعيون ترمي بالشرر، وصدور ضيقة حرجة، وعقول سخيفة بليدة، فاشمأزت قلوبهم وآلوا على أنفسهم كراهة هؤلاء وكل ما يمثلونه، وتواصوا به وجعلوه كلمة باقية في أعقابهم[7].

    كان هذان السببان هما الأصلان اللذان اعتمدت عليهما العقيدة الإلحادية التي لجأ إليها صاحبي الفلكي.. لجأ إليها مكرها لا مختارا.

    ولكني مع ذلك كنت أشعر أنه ـ في قرارة نفسه ـ يؤمن بالله، بل يحن للتعرف عليه والاتصال به.. ولولا اصطدامه بما في الكتاب المقدس، وبما مارسته الكنيسة لكان من أول المسارعين له، المؤمنين به.

    1 ـ ولادة السماء

    بعد انتهاء المحاضرات أرسلت إلى علي مع صديقه حذيفة بأنا سنسير إلى مرصد فلكي موجود على جبل من جبال تلك المدينة، وأخبرته عن حال صديقي النفسية وموقفه من الدين، والتي ذكرتها لك، ونبهته إلى ما شرطته عليه.

    وفي ذلك المساء امتطيت مع أصدقائي الخبراء سيارة خاصة حملتنا إلى ذلك المرصد، وكنا نقصد منه أن نستفيد من معلومات صديقنا الفلكي.

    دخلنا قاعة المرصد المجهزة بأحدث الأجهزة.. كان هناك خلق كثير في القاعة، وفي المرصد جميعا، لكني لم أر من بينهم عليا، ولا حذيفة.. حتى خاب ظني في حضورهما.

    لست أدري لماذا شعرت بأسف على عدم حضورهما..

    لكني مع ذلك حاولت أن أستفيد من خبرة صديقي الفلكي، فرحت أسأله عن تلك الأرقام التي ذكرها، فقال: لقد كنت أشرح نظرية هي من أحدث النظريات العلمية..هي نظرية الانفجار العظيم.. أو (Big Bang) [8]

    الانفجار العظيم:

    قلت: وما الانفجار العظيم؟.. ما(Big Bang)؟

    قال: الانفجار العظيم.. أو الضربة الكبرى.. أو (Big bang) هي التعبير المعاصر عن حادثة بداية الكون.

    قلت: ما معنى ذلك؟

    قال: سأبدأ لك من الأول..

    لقد كانت البشرية منذ أطوارها الأولى تتساءل عن بداية الكون، وعن كيفية حصول ذلك.. وكيف كان شكله حين بدأ؟ ومتى بدأ؟ وإلى أين يسير؟

    هذه الأسئلة وغيرها طرحها الإنسان منذ القديم، ولكنه أجاب عنها إجابات خاطئة كثيرة.. بل لم تكن هناك إجابة واحدة صحيحة، ما عدا الإجابة التي جاء بها العلم الحديث بأجهزته المتطورة.. وذلك منذ بداية القرن العشرين.

    فمنذ نصف قرن تقريباً بدأ العلماء يرصدون الأمواج الكهرطيسية القادمة إلى الأرض، وقاموا بتحليل هذه الأمواج، وتبين أنها تعود لآلاف الملايين من السنين.

    ومعظم العلماء الذين درسوا هذه الظاهرة أجمعوا على أن هذا النوع من الأشعة ناتج عن بقايا انفجار عظيم.. كان ذلك الانفجار هو بداية نشوء الكون وتوسُّعه.. لقد اكتشفوا أن الكون كله قد بدأ من نقطة واحدة.

    قلت: وكيف عرفوا ذلك.. هل هو مجرد استنتاج منطقي؟

    قال: أولا.. هذا شيء منطقي في الأصل، فبما أن الكون اليوم يتوسع باستمرار، فلا بد أن حجمه كان أصغر حتى نعود لنقطة البداية.. ومن هنا برزت للوجود نظرية الانفجار العظيم التي تفسِّر نشوء الكون من كتلة ذات وزن عظيم جداً، انفجرت وشكلت هذه المجرات، ولا يزال الانفجار مستمراً حتى يومنا هذا.

    قلت: ولكن لم لا نقول بأن الكون وجد هكذا، ثم أخذ في التوسع.. أليس هذا احتمالا ممكنا؟

    قال: ما ذكرته لك هو الحقيقة العلمية التي أجمع عليها جميع الفلكيين بناء على أدلة كثيرة لا يمكن حصرها.. سأذكر لك منها ما قد يقنعك.

    حاولت أن أجمع كل تركيزي في صديقي الفلكي الذي راح يذكر الأدلة على حصول الانفجار العظيم في بداية تشكل الكون.

    قال: من أهم الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى(Big bang) لنشأة الكون اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك[9].

    فقد اكتشفت هذه الأشعة على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية الخواص‏,‏ قادمة من كافة الاتجاهات في السماء‏,‏ وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير‏.

    ولم يتمكن العلماء من تفسير تلك الإشارات الراديوية‏,‏ المنتظمة‏,‏ السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم‏,‏ وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة‏[10].

    وفي نفس الوقت كان مجموعة من الباحثين في جامعة برنستون[11] تتوقع حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير‏,‏ وإمكانية العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية.

    وذلك بناء على الاستنتاج بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار قد صاحب عملية التوسع الكوني‏,‏ وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في فسحة الكون‏,‏ ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون لابد أن تكون سوية الخواص‏,‏ ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات‏,‏ ومستمرة ومتصلة بلا أدني انقطاع.

    وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم‏,‏ بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة‏,‏ وأن هذه الحرارة التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين على الأقل‏,‏ إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق‏.‏

    وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني‏,‏ وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره.

    التفت إلي الفلكي، وقال: هل أقنعك هذا الدليل؟

    قلت: هو دليل.. ولكن هذه مجرد ملاحظات فلكية ونظرية.. أريد دليلا ملموسا.

    ابتسم الفلكي، وقال: أنت مثلي.. لا يقنعك إلا الملموس..

    نعم هناك ما يمكن أن يسمى ملموسا.. في سنة‏1989‏ م أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا(NASA)‏ مركبة فضائية[12]وذلك لدراسة الخلفية الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض‏,‏ وقد قاست تلك المركبة درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من ثلاث درجات مطلقة‏ (أي بحوالي‏2,735+0,06‏ من الدرجات المطلقة‏)

    وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده، أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم‏,‏ وانتشار الإشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف باسم المادة الداكنة (DarkMatter)‏ بعد ذلك.

    ومثل ذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون ‏.. أي على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية [13].. وأثبتت هذه الصور أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض[14].

    قلت: هذه أدلة قوية جدا..

    قال: سأزيدك أدلة أخرى تنفي عنك كل شبهة.. هناك ما يسمى عملية الاندماج النووي وتأصل العناصر.. وهذه العملية زادت من تأكيد هذه الحقيقة العلمية.

    قلت: ما ذا تعني هذه العملية؟

    قال: ‏بهذه العملية يحدث ما نراه من إشعاعات في الشمس والنجوم..

    قلت: ماذا تعني بالضبط، وما وجه دلالتها؟

    قال: تتم عملية الاندماج النووي داخل الشمس، داخل جميع نجوم السماء بين نوى ذرات الإيدروجين لتكوين نوى ذرات أثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة،‏ وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج الصحيح بتأصيل العناصر.

    قلت: ما معنى هذا أيضا؟

    قال: تأصيل العناصر يعني أن جميع العناصر المعروفة لنا، والتي يبلغ عددها أكثر من مائة عنصر، قد تخلقت كلها في الأصل من غاز الإيدروجين بعملية الاندماج النووي‏.

    فإذا تحول لب النجم المستعر إلى حديد انفجر النجم وتناثرت أشلاؤه في صفحة السماء حيث يمكن لنوى الحديد تلقي اللبنات الأساسية للمادة من صفحة السماء فتتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد.

    وقد جمعت هذه الملاحظات الدقيقة من جزيئات الجسيمات الأولية للمادة، وعلم الكون،‏ وأيدت نظرية الانفجار العظيم التي بدأت بتخلق المادة وأضدادها مع اتساع الكون‏ وتخلق كل من المكان والزمان‏‏، ثم تخلق نوى كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم،‏ ثم تخلق بقية العناصر المعروفة لنا.

    ولذا يعتقد الفلكيون في أن تخلق تلك العناصر قد تم على مرحلتين:‏ نتج في المرحلة الأولى منهما العناصر الخفيفة‏.. وفي المرحلة الثانية العناصر الثقيلة.

    قلت: وما دلالة هذا على الانفجار العظيم؟

    قال: لقد رأى العلماء في التدرج في تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي ـ في داخل النجوم أو أثناء انفجارها على هيئة فوق المستعرات ـ صورة مبسطة لعملية الخلق الأول.

    وهذا يدعم نظرية الانفجار العظيم، ويعين الإنسان على فهم آلياتها.

    قلت: وهل تأكدوا حقيقة من هذه النظريات؟

    قال: أجل.. فالحسابات النظرية لتخليق العناصر بعملية الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبرية على معدلات تفاعل الجسيمات الأولية للمادة مع نوى بعض العناصر[15].

    سكت قليلا، ثم قال: وأزيدك بعد هذا من الأدلة على ما ذكرت لك من الانفجار العظيم التوزيع الحالي للعناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون.

    قلت: ما تعني بذلك؟

    قال: تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن غاز الإيدروجين يكون أكثر قليلا من‏74 بالمائة من مادته‏,‏ ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي‏24بالمائة من تلك المادة‏,‏ ومعنى ذلك أن أخف عنصرين معروفين لنا يكونان معا أكثر من‏98 بالمائة من مادة الكون المنظور‏,‏ وأن ما بقي ‏ من العناصر المعروفة لنا يكون أقل من‏ 2 بالمائة,‏ مما يشير إلى تأصل العناصر‏,‏ ويدعم نظرية الانفجار العظيم.

    قلت: لم أفهم وجه الدلالة في هذا.

    قال: إن معظم النماذج المقترحة لنظرية الانفجار العظيم تعطي حوالي‏75 بالمائة من التركيب الكيميائي لسحابة الدخان الناتجة من ذلك الانفجار غاز الإيدروجين‏, و25 بالمائة من تركيبة غاز الهيليوم‏,‏ وهي أرقام قريبة جدًا من التركيب الكيميائي الحالي للكون المدرك[16].

    التفت الفلكي إلي، وقال: أرى أن كل هذه الأدلة تكفي لإقناعك بنظرية الانفجار الكوني العظيم.. أم تريد غيرها من الأدلة..

    قلت: تكفيني هذه الأدلة.

    قال الفلكي: إن هذه الأدلة هي التي جعلت هذه النظرية أكثر النظريات المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم.

    ما وصل من حديثه إلى هذا الموضع حتى سمعنا صوت رقيقا يقرأ قوله تعالى:﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ (الانبياء:104)

    انتفض صاحبي الفلكي من مكانه، وقال: من يقرأ هذا؟.. وما الذي يقرأ؟

    التفت، فرأيت عليا واقفا قريبا منا، وأنه هو الذي يقرأ الآية.. أسرع إليه صاحبي، وقال: أعد ما كنت تقرأ.

    أعاد علي قراءة الآية، فقال صاحبي: أليس هذا قرآنكم الذي تقرؤونه؟

    قال علي: أجل.. وقد كنت أتأمل في هذه الآية ومعانيها العميقة.

    قال الفلكي: وما الذي فهمته منها.. وأرجو أن لا تسرد علي ما سرده علينا صباحا إخوانك من المسلمين من النصوص الطويلة عن مفسريكم.

    قال علي: ليس بالضرورة نرجع إلى مفسرينا.. نرجع فقط فيما يلتبس علينا من الألفاظ أو المعاني.. لقد أمرنا الله بتدبر القرآن، فقال:﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ (النساء:82)

    بل اعتبر من لم يتدبر القرآن مقفل القلب، فقال:﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد:24)

    قال الفلكي: فما الذي أداك إليه تفكيرك؟

    قال علي: هذه آية تحمل ألفاظا كثيرة.. وكل لفظ له تدبره الخاص، فما الذي تريده منها؟

    قال الفلكي: ما تفهم من عموم الآية.

    قال علي: إن الآية تتحدث عن نهاية الكون، وأنه سيطوى كما يطوى السجل.

    قال الفلكي: ليس عن هذا أسألك.

    قال علي: فعم تسألني؟

    قال الفلكي: عما ورد في الآية.. عن قول قول القرآن:﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾

    قال علي: لقد جمع الله تعالى في هذه الآية الكريمة بين ذكره لنهاية الكون، وبدايته، فبدايته فتح للسجل، ونهايته إغلاق له.

    قال الفلكي: أتعني ما تقول؟

    قال علي: ما الذي تقصد؟

    قال الفلكي: هل تقصد أن الكون كان مغلقا، ثم فتح؟

    قال علي: أجل.. وقد بين القرآن ذلك بصراحة في موضع آخر..

    قال الفلكي متعجبا: في القرآن نص آخر ينص على هذا أيضا؟

    قال علي: أجل..

    فتح المصحف، وراح يقرأ:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ﴾ (الانبياء:30)

    قال الفلكي: أرني الآية.

    قال علي: لقد ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية (أي: كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصقا متراكما بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه )

    قال الفلكي: أنا أعرف اللغة العربية، ولا أحتاج أن تفسرها لي.. إن هذه الآية آية عجيبة..

    التفت إلي، وقال: إنها لم تذكر فقط ما فصلته لك من الانفجار العظيم.. بل أضافت إليه اختيار اللغة المناسبة، والتركيب المناسب..

    إن كل كلمة في الآية التي قرأها هذا الرجل تحمل معاني عميقة لها دلالتها العلمية.

    العلم الحديث يسمى بداية الكون (كتلة).. وهذه تسمية غير صحيحة علمياً، فالكتلة لا تشير إلى أي نوع من أنواع البناء أو الحركة.

    وهم يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً، إذ كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية تتركز فيها كتلة الكون.

    بينما هذه الآية تعطينا مصطلحاً دقيقاً، وهو (الرتق).. وفي هذه الكلمة إشارة إلى البنية النسيجية للكون.. وفيها إشارة إلى وجود النظام منذ بداية الخلق، وليس كما نذكر نحن بأن الكتلة الابتدائية التي خُلِق منها الكون كانت تعجّ بالفوضى.

    وفي كلمة (فَفَتَقْنَاهُمَا) يتجلّى كل النظام في عملية فتق الكون، وتشكيل هذه المجرات التي نراها.. العلم يسمي هذه العملية بالانفجار، وكلمة (انفجار) لا تفيد إلا الفوضى، فلا يمكن للانفجار أن يكون منظماً أبداً.. بينما الكلمات التي يستخدمها القرآن كلمات واقعية: (الرَّتق) و(الفتق)[17]، فالنسيج الكوني كان رتقاً ففتق.

    بالإضافة إلى هذا، فإن كلمة (فَفَتَقْنَاهُمَا) تعبر عن الطاقة والقدرة العظيمة التي بدأ بها خلق الكون..

    التفت إلى علي، وقال: إن الكلمات التي يستخدمها العلماء لتعجز فعلاً عن وصف حقيقة الأمر..

    سكت قليلا، ثم قال لعلي: أعد علي الآية.

    أعادها علي عليه، فراح يكرر قوله تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ، ثم قال: لكأني بهذه الآية تشير إلى أن هذا سيعرف.. بل سترى دلائله.. وأن الذي يكتشفه لا علاقة لهم بالقرآن.. إنها تسميهم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.. وهي تعبر عن ذلك بالرؤية.. صدقت الآية، فقد رأينا ذلك فعلا.

    ارتسمت سحابة ألم على وجه صاحبي الفلكي، وكأنه يتذكر ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يتدين، ففتح الكتاب المقدس على سفر التكوين، فوجد تلك الأخطاء، فأغلق الكتاب، ثم لم يعد إليه.

    التفت إلي علي، وقال: لم ذكر القرآن هذه الحقيقة العلمية؟

    قال علي: لقد سبق هذه الآية التي تقرر هذه الحقائق قوله تعالى:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) ﴾(الأنبياء).. ثم جاءت هذه الآية.

    قال الفلكي: فالآية ترد إذن على من يقولون بأن لله ولد؟

    قال علي: أجل.. فهي ترد على المسيحيين ومن يقول بقولهم.. وهي تخاطب في نفس الوقت المشركين الذي يعتقدون أن هناك آلهة مع الله.. وهي تخاطب في نفس الوقت الملحدين الذين ينكرون الإله.

    قال الفلكي: هذا إعجاز آخر للآية.. إن توجيه مثل هذا الخطاب للملحدين إعجاز عظيم..

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: لذلك قصة طويلة.. سأختصرها لك اختصارا[18].

    قبل قرن مضى كان البحث في بداية خلق الكون شيئا مهملاً لدى الفلكيين، والسبب في ذلك هو قبول أكثرهم لفكرة كون الكون موجودا منذ زمن لا نهائي.

    وبفحص علماء ذلك العصر للكون افترضوا أنه كان مزيجاً من مادة ما، ويظن أنها لم تكن ذات بداية، كما أنه لا توجد لحظة خلق، تلك اللحظة التي أتى فيها الكون وكل شيء للوجود.

    وهذه الفكرة.. أي سرمدية الوجود وأزليته.. تتناسب تماماً مع الأفكار الأوربية المقتبسة من الفلسفة المادية، والتي نمت وتقدمت أصلاً في العالم الإغريقي القديم.

    وهي تنص على أن المادة كانت الشيء الوحيد الموجود في الكون، وأن الكون وجد في الزمن اللانهائي، وسوف يبقى إلى الأبد.

    وهذه الفلسفة عاشت في أشكال مختلفة خلال الأزمنة الرومانية، لكن في فترة الإمبراطورية الرومانية القريبة والعصور الوسطى صارت المادية تنحدر نتيجة تأثير الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة المسيحية علي يد رينايسانس، ثم بدأت تجد قبولاً واسعاً بين علماء أوروبا ومثقفيها، وكان سبب ذلك الاتساع هو الحب الشديد للفلسفة الإغريقية القديمة.

    ثم ما لبث الفيلسوف (إيمانويل كانت) في عصر النهضة الأوربية أن أعاد مزاعم المادية ودافع عنها، وأعلن أن الكون موجود في كل الأزمان، وأن كل احتمالية (إن كانت موجودة ) فسوف ينظر إليها على أنها ممكنة.

    واستمر أتباع ( كانت ) في الدفاع عن فكرته في أن الكون لا نهائي ومتماشٍ مع النظرية المادية، ومع بداية القرن التاسع عشر صارت فكرة أزلية الكون وعدم وجود لحظة لبدايته مقبولة بشكل واسع، وتم نقل تلك الفكرة إلى القرن العشرين من خلال أعمال الماديين الجدليين من أمثال ( كارل ماركس) و( فريدريك أنجلز)

    قال علي: لم كل هذا الاهتمام بهذه الفكرة.. وما علاقتها بالمادية والإلحاد؟

    قال الفلكي: هذه الفكرة عن الكون اللامتناهي تتلاءم تماماً مع الإلحاد.. وليس من الصعب معرفة السبب.. لأن فكرة أن للكون بداية تقتضي أنه مخلوق، وهذا يتطلب الإقرار بوجود خالق، لذلك كان من المريح جداً، ومن الأكثر سلامة بأن يدار العرض بطريقة خادعة، فتوضع أولاً فكرة أن (الكون موجود سرمدي) حتى ولو لم يكن هناك قاعدة علمية ولو كانت ضعيفة لتأكيد تلك الفكرة.

    أعتنق ( جورج بوليتزر ) تلك الفكرة ودافع عنها في كتبة المنشورة في أوائل القرن العشرين، وكان النصير الغيور لكلا النظريتين الماركسية والمادية، وآمن بفكرة الكون اللامتناهي، وعارض بولتزر فكرة الخلق في كتابه (المبادئ الأساسية في الفلسفة)

    في هذا الكتاب يقول:( الكون ليس شيئاً مخلوقاً، فإذا كان كذلك، فهذا يقتضي أنه خلق في لحظة ما من قبل إله، وبالتالي ظهر إلى الوجود من لا شيء، ولقبول الخلق يجب على الإنسان أن يقبل في المقام الأول أنه كانت توجد لحظة لم يكن فيها الكون موجوداً، ثم انبثق شيء من العدم، وهذا أمر لا يمكن للعلم أن يقبل به )

    كان بوليتزر يتصور أن العلم يقف إلى جانبه في رفضه لفكرة الخلق، ودفاعه عن فكرة الكون السرمدي، بيد أنه لم يمض زمن طويل حتى أثبت العلم الحقيقة التي افترضها بوليتزر بقوله:(.. وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي القبول بفكرة الخالق.. ) بمعنى أنه أثبت حقيقة أن للكون بداية.

    قلت: كيف وصل العلم إلى ذلك.. ومتى؟

    قال: كانت الأعوام التي تلت 1920 هامة في تطور علم الفلك الحديث، ففي عام 1922 كشف الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمان حسابات بين فيها أن تركيب الكون ليس ساكناً، حتى أن أصغر اندفاع فيه ربما كان كافياً ليسبب تمدد التركيب بأكمله أو لتقلصه، وذلك طبقاً لنظرية أينشتاين في النسبية.

    وكان جورج لوميتر أول من أدرك أهمية الأعمال التي كان فريدمان يقوم بها وبناء على تلك الحسابات أعلن الفلكي البلجيكي لوميتر أن للكون بداية، وأنه في تمدد متواصل، وصرح أيضاً أن معدل الإشعاع يمكن استخدامه كمقياس عقب حدوث ذلك الشيء.

    لم تحض التأملات النظرية لهذين العالمين في تلك الفترة باهتمام يذكر، غير أن الأدلة التي نتجت عن الملاحظات العلمية في عام 1929كان لها وقع الصاعقة في دنيا العلم، ففي ذلك العام توصل الفكي الأمريكي الذي يعمل في مرصد جبل ويلسون في كاليفورنيا إلى واحد من أعظم الاكتشافات في تاريخ علم الفلك.

    فمن رصده لعدد من النجوم من خلال تلسكوبه العملاق اكتشف أن ضوءها كان منحرفاً نحو الطرف الأحمر من الطيف، وبشكل حاسم، وأن ذلك الانحراف كان مرتبطاً مباشرة مع بعد النجوم عن الأرض، وهذا الاكتشاف هز قواعد المفهوم الذي كان شائعاً للكون [19]..

    وقد أظهرت أرصاد هابل وفق هذا المبدأ أن الأجرام السماوية تتحرك بعيداً عنا، وبعد فترة وجيزة توصل هابل إلى اكتشاف آخر مهم، وهو أن النجوم لم تكن تتباعد عن الأرض، بل كانت تتباعد عن بعضها البعض أيضاً، والاستنتاج الوحيد لتلك الظاهرة هو أن كل شيء في الكون يتحرك بعيداً عن كل شيء فيه، وبالتالي فالكون يتمدد بانتظام وتؤدة.

    وهكذا تحققت استنتاجات فريدمان ولوميتر..

    لقد قاد اكتشاف هابل لحقيقة الكون المتمدد لانبثاق نموذج آخر كان ضرورياً لكي لا يكون هناك عبث، ولكي يجعل نتائج معادلاته صحيحة، فإذا كان الكون يتضخم ويكبر مع مرور الوقت فهذا يعني أن العودة إلى الخلف تقودنا نحو كون أصغر، ثم إذا عدنا إلى الخلف أكثر لمدى بعيد، فإن كل شيء سوف ينكمش ويتقارب نحو نقطة واحدة، والنتيجة الممكن التوصل إليها من ذلك هو أنه في وقت ما كانت كل مادة الكون مضغوطة في كتلة نقطية واحدة لها حجم صفر بسبب قوة النقطية ذات الحجم الصفر، وهذا الانفجار هو الانفجار الكبير.

    توجد حقيقة أخرى مهمة تكشفها نظرية الانفجار الكبير، فلكي نقول أن شيئاً ما له حجم صفر فهذا يكافئ القول بأنه لم يكن هناك شيء، وأن كل الكون خلق من ذلك اللاشيء، والأكثر من ذلك أن للكون بداية وهذا عكس ما ذهبت إليه المادية من أن الكون لا أول له ولا آخر.

    قال علي: فقد قضت هذه النظرية إذن على النظريات التي كان يتبناها الملحدون؟

    قال الفلكي: أجل.. لقد شكلت الأدلة على صحة نظرية (الانفتاق الكوني) ضربة قاصمة للإلحاد الذي يزعم أزلية مادة الكون.

    فهذا (ستيفن هوكنج) العالم الفيزيائي الشهير، والذي يدعى نيوتن العصر الحديث، يقول:( لم تكن المادة هي وحدها التي خلقت أثناء الانفجار العظيم، بل إن الزمان والمكان أيضاً خلقا.. إن للمكان بداية، إذن: للزمان بداية)[20]

    بعد ظهور نظرية الانفتاق الكوني ضاق الملحدون بها ذرعاً[21].. فحتى آينشتاين قال:( إن مسألة كون متمدد تقلقني ) وفي رسالة بعَثها إلى صديقه (دي ستر) قال له:( فكرة الكون الذي ينفجر تزعجني، لأن لازمها أن يكون للكون بداية)[22]

    ويقول (وتكر):( ليس من أساس لافتراض أن المادة والطاقة كانت موجودة ثم أثيرت فجأة.. بل الأبسط من هذا أن نفترض الخلق من العدم، والإرادة الإلهية هي التي تفعل ذلك )

    ويقول جون تيلر:( تقتضي نظرية الانفجار العظيم، أنه في وقت ما من الزمان الماضي، خلق الكون فجأة، ثم إنه تمدد بعد ذلك بطريقة يمكن استكشافها بالتفصيل، لكن قبل ذلك الوقت لم يكن هنالك وقت ولم يكن هنالك زمان. من الوسائل التي يمكن أن نتفادى بها المشكلات العظيمة التي يأتي بها هذا الانفجار العظيم، أن ندَّعي أنه لم يحدث قط )[23]

    قال علي: فهل سكت الملحدون بعدها؟

    قال الفلكي: مع ما اكتسبته نظرية الانفجار الكبير من قبول في الأوساط العلمية بسبب الدليل الواضح القاطع لها إلا أن الفلكيين الذين تشيعوا لفكرة الكون اللامتناهي صاروا يحملون على حقيقة الانفجار الكبير، ويناضلون ضدها ليدعموا العقيدة الأساسية لمذاهبهم الفكرية.

    وقد أوضح الفلكي الإنكليزي آرثر أدينغتون سبب ذلك، فقال:( فلسفياً: إن فكرة البداية المفاجئة (المكتشفة) في النظام الحالي للطبيعة هي بغيضة لي)

    قال علي: فهل هناك معارضات علمية تستند إلى أدلة علمية؟

    قال الفلكي: حصل ذلك.. فقد عارض نظرية الانفجار الكبير فريد هويل.. وذلك في منتصف القرن العشرين.. فقد أتى هذا الفلكي ينموذج جديد، دعاه بالحالة الثابتة.

    وهذه النظرية امتداد لحقيقة تمدد الكون، ومحاولة لتفسيرها بطريقة مخالفة تنسجم مع الفكر المادي..

    لقد افترض هويل وفق هذا النموذج أن الكون كان لامتناه في البعد والزمن، وأثناء التمدد تنبثق فيه مادة جديدة باستمرار من تلقاء نفسها بكمية مضبوطة تجعل الكون في حالة ثابتة.

    قال علي: فهل لقيت هذه النظرية قبولا لدى العلماء؟

    قال الفلكي: من الواضح أن هدف هذه النظرية لم يكن علميا.. فلم يكن نتيجة بحوث علمية دقيقة، وإنما كانت مجرد دعم لعقيدة وجود مادة سرمدية في زمن لامتناه، والتي هي أساس فلسفة الماديين.

    ونظرية تنبني على هذا الأساس الهش لا يمكن أن يستمر لها وجود.. ذلك لأن الباحث العلمي ينطلق من المخبر، لا من الفلسفة.

    قال علي: فكيف انتصرت نظرية الانفجار الكبير على غيرها؟

    قال الفلكي: تطول تفاصيل ذلك.. وقد كنا نتحدث فيه عند ذكرنا لأدلة الانفجار الكبير.

    قال علي: أريد سرد الأمر تاريخيا.

    قال الفلكي: في عام 1948 طور العالم جورج غاموف حسابات جورج لوميتر عدة مراحل، وتوصل إلى فكرة جديدة تتعلق بالانفجار الكبير، مفادها أنه إذا كان الكون قد تشكل فجأة فإن الانفجار كان عظيماً، ويفترض أن تكون هناك كمية قليلة محددة من الإشعاع تخلفت عن هذا الانفجار والأكثر من ذلك يجب أن يكون متجانساً عبر الكون كله.

    وخلال عقدين من الزمن كان هناك برهان رصدي قريب لحدس غاموف، ففي عام 1965 قام باحثان هما آرنوبنزياس وروبرت ويلسون بإجراء تجربة تتعلق بالاتصال اللاسلكي وبالصدفة عثرا على نوع من الإشعاع لم يلاحظه أحد قبل ذلك وحتى الآن، وسمي ذلك بالإشعاع الخلفي الكوني، وهو لا يشبه أي شيء ويأتي من كل مكان من الكون وتلك صفة غريبة لا طبيعية، فهو لم يكن موجوداً في مكان محدد.

    و بدلاً من ذلك كان متوزعاً بالتساوي في كل مكان، وعرف فيما بعد أن ذلك الإشعاع هو صدى الانفجار الكبير، والذي مازال يتردد منذ اللحظات الأولى لذلك الانفجار الكبير.

    و بحث غاموف عن تردد ذلك الإشعاع فوجد أنه قريب، وله القمية نفسها التي تنبأ بها العلماء، ومنح بنزياس وويلسون جائزة نوبل لاكتشافهم هذا.

    وفي عام 1989 أرسل جورج سموت وفريق عمله في ناسا تابعاً اصطناعياً للفضاء، وسموه مستكشف الإشعاع الخلفي الكوني (cobe) وكانت ثمانية دقائق كافية للتأكد من النتائج التي توصل إليها ك لمن بنزياس وويلسون، وتلك النتائج النهائية الحاسمة قررت وجود شيء ما له شكل كثيف وساخن بقي من الانفجار الذي أتى منه الكون إلى الوجود، وقد قرر العلماء أن ذلك التابع استطاع التقاط وأسر بقايا الانفجار الكبير بنجاح.

    وإلى جانب نظرية الانفجار الكبير، فثمة دليل آخر مهم يتمثل في كمية غازي الهيدروجين والهليوم في الكون، فقد أشارت الأرصاد أن مزج هذين العنصرين في الكون أتى مطابقاً للحسابات النظرية لما يمكن أن يكون قد بقي منهما بعد الانفجار الكبير، مما أدى لدق إسفين قي قلب نظرية الحالة الثابتة، لأن إذا كان الكون موجوداً وخالداً ولم يكن له بداية فمعنى ذلك أن كل غاز الهيدروجين يجب أن يكون قد احترق وتحول إلى غاز الهليوم.

    و بفضل جميع هذه الأدلة كسبت نظرية الانفجار الكبير قبولا شبه الكامل من قبل الأوساط العلمية، وفي مقالة صدرت في عام ( 1994) في مجلة (الأمريكية العلمية) ذكر أن نموذج الانفجار الكبير هو الوحيد القادر على تعليل تمدد الكون بانتظام، كما أنه يفسر النتائج المشاهدة.

    قال علي: فهل اعترف القائلون بالحالة الثابتة بنظرية الانفجار الكبير بعد كل هذه الأدلة؟

    قال الفلكي: لقد خلف (دنيس سياما) (فريد هويل) صاحب نظرية الحالة الثابتة، وظل مدافعا عنها أمدا طويلاً.. لكنه عندما واجه دليل الانفجار الكبير وصف الخطأ الذي وقع فيه صاحبه بقوله:( في البداية كان لي موقف مع هويل لكن عندما بدأ الدليل بالتعاظم كان يجب عليّ أن أقبل بأن المباراة انتهت، وأن نظرية الحالة الثابتة يجب أن تلغي)

    قال علي: فقد كانت هذه النظرية إذن ضربة قاصمة على الإلحاد؟

    قال الفلكي: بانتصار الانفجار الكبير، فإن دعوى الكون اللامتناهي الذي يشكل أساس العقيدة المادية أصبحت في مهب الريح.

    لكن أصحاب الفكر المادي لم يسلموا.. لقد أثاروا سؤالين اثنين، هما: ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير؟.. وما هي القوة التي سببت الانفجار الأعظم الذي وقع في الكون ولم تكن موجودة قبلاً؟

    هذه التساؤلات طبعا ستؤدي إلى قطع دابر الإلحاد لا محالة.. ولكنهم رفضوا أن يسلموا.. لقد علق الفيلسوف الملحد ( أنطوني فلو) على هذا بقوله:( الاعتراض جيد للروح، وهذا قول مشهور، لذلك سأبدأ بالاعتراف بأنه على الملحد مهما كانت طبقته أن يرتبك من هذا التوافق العلمي الكوني المعاصر، لأنه على ما يبدو أن علماء الكون اليوم يقدمون برهاناً علمياً لما ناضل من أجله ( السير توماس ) ولم يستطع البرهان عليه فلسفياً، وبالتحديد الاسمى هو أن للكون بداية، وطالماً أن الفكرية مريحة في عدم وجود بداية أو نهاية للكون.

    فيبقى هذا الأمر بشكله الوحشي أسهل للمناقشة، ومهما كانت مظاهر الأساسية فيجب قبولها على أنها قمة التفسيرات، ومع اعتقادي بأن فكرة أن للكون بداية ستبقى صحيحة مع ذلك فهي ليست سهلة ولا مريحة، ونحن بالتأكيد سنحافظ على موقفنا في مواجهة قصة الانفجار الكبير )

    قال علي: فهل ظهرت نظريات أخرى إلحادية تحاول تفسير الانفجار العظيم بما يتناسب مع إلحادها؟

    قال الفلكي: أجل.. ظهرت نماذج تحاول أن تفسر ذلك ماديا.. منها نموذج الكون الهزاز[24].. ومنها نموذج (الكون ذو النموذج الكوانتي)[25].. ولكن كل هذه النماذج لم تقف أمام الحقائق التي يبشر بها الانفجار العظيم [26].. حقيقة احتياج الكون إلى مكون.

    توسع السماء:

    انتهزت فرصة ساد فيها بعض الصمت، وقلت لصديقي الفلكي: أرى أن كل هذه الحقائق التي ذكرتها تعتمد على ما سميته تمدد الكون وتوسعه[27].. فهل ترى أن هذا الكون الذي نراه ثابتا يتمدد، ويتسع؟

    قال: أجل.. فقد أعلن عالم الفلك المشهور (هابل) عام 1929 بأن المجرات تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، وأنها تخضع لعلاقة طردية مباشرة بين المسافة والزحزحة الطيفية نحو الأحمر، واستنتج وفقاً لظاهرة دوبلر [28] أن الكون يتمدد.

    بل قد تمكن هابل في عام 1930من إيجاد هذه العلاقة وسميت باسمه وهي تنص بأن ( سرعة ابتعاد المجرات الخارجية تتناسب طردياً مع بعدها عنا)

    وقانون هابل يدل على أن الأجرام السماوية في الكون تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، أي أن الكون في حالة تمدد أينما كان موقعنا في الكون[29].

    قلت: ألم أطلب منك سابقا أن تكف عن هذا الأسلوب الجاف.. أنت لا تتحدث مع زميل لك في العلم أو المهنة.. أنت تتحدث مع رجل دين ثقافته بسيطة من هذه الناحية.. فلذلك بسط لعقلي حتى يعي ما تقول.

    قال: أعتذر لك.. إن انشغالي المفرط بتخصصي يجعلني لا أتحدث معك فقط بهذا الأسلوب.. بل إني أتحدث مع أهلي وأولادي به.. وكأني أتصور أن كل الناس يجب أن يتعلموا ما تعلمته، أويعلموا ما علمته.

    قلت: فبسط لي كما تبسط لأصغر أولادك.

    قال: لا بأس.. سأحاول أن أفعل ذلك.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:45

    كانت البشرية منذ القديم.. وحتى بداية القرن العشرين تعتقد أن هذا الكون ثابت لا يتغيَّر، وُجد هكذا وسيستمر إلى مالا نهاية على ما هو عليه.. فالشمس تطلع كل يوم من الشرق وتغيب من الغرب، والقمر أيضاً له منازل محددة طيلة الشهر، وفصول السنة من شتاء وصيف وربيع وخريف تتعاقب باستمرار، والنجوم كما هي.

    لقد كان الكون في مخيلاتهم يشبه قصرا جميلا اكتمل بناؤه، ولم يبق إلا التمتع به والاستفادة من من مرافقه.

    لم يكن هناك من كان يتخيَّل بأن حجم الكون يكبر ويتوسع باستمرار؟

    قلت: فبأي منطق عقلي عرف ذلك.. مع أن الحس يرى سكونه وثباته؟

    قال: بالطبع.. لا يمكن أن يعرف ذلك عن طريق المنطق العقلي.

    قلت: فهل عرف ذلك عن طريق الكشف الوجداني؟

    ضحك، وقال: ذلك أبعد من أن يعرف شيئا.. وإذا عرف شيئا، فهو لن يعرف غير الخرافة.

    قلت: فكيف عرفتم ـ معشر الفلكيين ـ هذه الحقيقة.. ثم كيف اتفقتم عليها؟

    قال: عرفناها بالحس.. أليست مدارك الحس مدارك معتبرة لدى العقول؟

    قلت: أجل.. ولكن البصر قاصر على رؤية مثل هذه الأمور.. إنه لا يكاد يرى من حوله.. فكيف يدرك الكون.. ثم كيف يدرك توسع الكون؟

    قال: لقد من على البشرية بفتوح تقنية خدمت البصر والسمع وجميع مدارك الإنسان، فصارت ترى ما لم تكن ترى، وتسمع ما لم تكن تسمع.

    في النصف الأول من القرن العشرين تم اختراع أجهزة دقيقة قادرة على تحليل الضوء القادم من النجوم البعيدة، وكانت المفاجأة التي أذهلت العالم هي انحراف هذا الضوء نحو اللون الأحمر.

    قلت: وما في ذلك؟

    قال: سأبسط لك هذه النظرية التي تعتمد عليها هذه الحقيقة العلمية:

    أنت تعلم أن الضوء يتألف من سبعة ألوان رئيسة.

    قلت: كيف أعلم ذلك؟

    قال: عندما يخترق ضوء الشمس ـ وهي نجم كما تعلم ـ زجاجة مثلثة تسمى الموشور، يتحلل إلى سبعة ألوان مرئية تبدأ بالأحمر وتنتهي بالبنفجسي، فاللون الأحمر هو ضوء موجته طويلة، أما اللون البنفسجي فهو ضوء موجته قصيرة.

    وفي عالم الضوء كلما كان طول الموجة أقصر كلما كانت الأشعة أكثر خطراً، ولذلك نسمع بالأشعة فوق البنفسجية وهي أشعة غير مرئية، وخطيرة.. ولكننا نحتمي منها بالغلاف الجوي الذي يمتص كثيرا من هذه الأشعة القادمة من الشمس.

    أما الأشعة تحت الحمراء فهي أشعة غير مرئية أيضاً، وقليلة الخطر لأن موجتها طويلة.

    قلت: أعلم كل هذا.. ولكن ما علاقته بتمدد الكون؟

    قال: عندما نحلل ضوء أي نجم كان يجب في الأصل أن يبدو كضوء الشمس، أي سبعة ألوان.

    قلت: فهل وجدتم غير ذلك؟

    قال: أجل لقد رأينا أن الطيف الضوئي للمجرات ظهر مختلفاً، أي أن عرض اللون الأحمر كان أكبر مما هو عليه، وهذه الظاهرة تتكرر مع معظم المجرات.

    قلت: فما يعني ذلك؟

    قال: هذا يعني أن الطيف الضوئي للمجرة لا ينحرف إلا في حالة واحدة وهي الحركة.

    قلت: فكيف عرفتم اتجاه الحركة؟ ألا يمكن أن يكون الكون ينقبض؟

    قال: إذا نظرنا إلى نجم عبر التلسكوب المكبِّر، وقمنا بتحليل الطيف الضوئي الصادر عنه، فإنا نجد ثلاثة احتمالات:

    أما الأول، فهو أنه إذا كانت المسافة التي تفصلنا عن نجم ما ثابتة، فإنا نرى ألوان الطيف الضوئي القادم منه كما هي.

    وأما الثاني، فهو أنه إذا كان النجم يقترب منا فإن الطيف الضوئي في هذه الحالة يعاني انحرافاً نحو اللون الأزرق باتجاه الأمواج القصيرة للضوء، وكأن هذه الأمواج تنضغط.

    وأما الثالث، فهو أنه إذا كان النجم يبتعد عنا، فإن طيفه الضوئي ينحرف نحو اللون الأحمر باتجاه الأمواج الطويلة للضوء، وكأن هذه الأمواج تتمدد.

    قلت: فهمت الآن.. لقد رأيتم إذن أن ضوء المجرات والنجوم ينحرف نحو اللون الأحمر.. واستدللتم بذلك على ابتعادها عنا.

    قال: تماماً مثل صوت صفارة القطار أثناء حركته بعيداً عن الرصد، فإن ذلك الصوت يكون خشناً غليظاً، أما إذا كان القطار مقترباً، فإن الصوت المسموع يكون حاداً ورفيعاً.

    قلت: أهذا ما رأيتموه إذن؟

    قال: أجل.. لقد رأى علماء الفلك أن معظم المجرات البعيدة عنا تهرب مبتعدة بسرعات كبيرة قد تبلغ آلاف الكيلومترات في الثانية الواحدة.. لذلك نرى ضوءها منحرفاً نحو اللون الأحمر.

    قلت: ألا يمكن أن يكون ذلك بسبب خداع بصري؟

    ابتسم، وقال: وهل تتصور أننا نرى كل ذلك بأبصارنا.. إننا نستعمل أجهزة قياس وتحليل وبرامج كمبيوتر غاية في الدقة.. ولذلك تم تأكيد هذه الحقيقة العلمية، حتى إننا نجد اليوم أي بحث كوني ينطلق من هذه الحقيقة اليقينية.

    ما وصل من حديثه إلى هذا الموضع حتى راح علي يقرأ بصوته الخاشع الجميل قوله تعالى:﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ (الذريات:47)[30]

    انتفض صاحبي الفلكي من مكانه، وقال لعلي: أهذا أيضا من القرآن؟

    قال علي: أجل..

    قال الفلكي: فما فهمتم ـ معشر المسلمين ـ من هذه الآية؟

    قال علي: هذه آية تحمل ألفاظا كثيرة.. وكل لفظ له تدبره الخاص، فما الذي تريده منها؟

    قال الفلكي: اذكر لي ما وعيته من قولك:﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ (الذريات:47)

    قال علي: كلمة (لموسعون) واضحة، وهي من (وسَّعه توسيعاً) ضدّ ضيَّقه، وهذا يدل على توسع الكون وتمدده باستمرار.. لأن الجملة الإسمية تفيد الاستمرار.

    قال الفلكي: أفي القرآن هذه الآية؟

    قال علي: أجل.. وها هو المصحف.. خذ، واقرأها فيه.

    قال الفلكي: في أي سنة طبع هذا المصحف؟

    كان علي يحمل مخطوطا قديما، فابتسم، وقال: ما بك يا صاحبي.. أنت تراني أحمل مصحفا مخطوطا، لا مصحفا مطبوعا.

    هذا مصحف توراثته عائلتنا كابرا عن كابرا.. هذا مصحف عمره عشرة قرون.. حمله أجدادي واحدا واحدا.

    قال الفلكي: ألم تضف هذه الآية فيه؟

    قال علي: لو أضيف حرف واحدا في المصحف لما بقيت، ولما بقي واحد من أجدادي.. لاشك أنك لا تعرف حرص المسملين على قرآنهم.

    قال الفلكي: أتعلم.. لقد كنت أنتقد المصطلح الذي اختاره زملائي لهذه الظاهرة، لقد سموا هذه الظاهرة (تمدد الكون) مع أن الكون في الحقيقة لا يتمدد.

    قلت: ما تقول يا رجل.. لقد ظللت تقنعني بذلك حتى اقتنعت.

    قال الفلكي: يستخدم العلماء اليوم مصطلح (اتساع الكون) أي أنهم يقررون حقيقة علمية وهي أن الكون يتوسع Universe Expanding، ولكن الحقيقة عكس ذلك.

    فالكون لا يتوسع بأكمله، بل الذي يتوسع هو المكان بين المجرات، فالمجرات عندما تتباعد بسرعات مذهلة لا يتوسع حجمها، ولا تكبر النجوم فيها، بل هذه المجرات تسير موسِّعة المكان من حولها[31].

    لهذا قلت لزملائي: لابد أن نستخدم مصطلحاً جديداً بدل (اتساع الكون)، هو (اتساع المكان)، ولكن هذا المصطلح أيضا غير دقيق، ذلك لأنه لا يوجد فضاء كما كان يُظن في الماضي! بل إن كل جزء من أجزاء الكون مملوء بالمادة والطاقة، وهذا ما كشفه العلماء حديثاً وقرروه بعد اكتشافهم المادة المظلمة منذ سنوات قليلة.

    التفت إلى علي، وقال: لقد ظللت أحتار في المصطلح الذي يعبر عن هذه الظاهرة حتى نطقت به الآن.. إن الذي يتمدد هو السماء.. لذلك، فالمصطلح المعبر عن الظاهرة هو (اتساع السماء)، فالسماء تعني المكان بين النجوم والمجرات، وهي تحيط بها من كل جانب، وهذا المكان الذي سمَّاه القرآن (السماء) ليس فارغاً بل هو مملوء بالمادة والطاقة والمادة المظلمة والطاقة المظلمة.

    وهذا المكان الذي يعبر عنه القرآن بمصطلح (السماء) هو الذي يتمدد ويتّسع باستمرار.

    قال ذلك، ثم تساءل بينه وبين نفسه: لكن من أخبر محمدا بهذه الحقيقة العظيمة؟.. وكيف عبر عنها بهذه الدقة؟

    لكنه عاد، فقال: أحيانا تأتي المصادفات بالعجائب..

    تركه علي يقول ما يقول دون أن يناقشه، بل راح يقول له: لاشك أنك عالم فلكي.

    قال الفلكي: أجل.. وقد استدعيت لحضور مؤتمر علمي أقامته بلادكم.

    قال علي: مرحبا بك في بلدنا.. ويشرفني أن أجلس معك لأسألك عن بعض الأمور.. فإن لي اهتماما بهذا العلم الجليل دعاني إليه حرصي على فهم كتاب ربي.

    قال الفلكي: تفضل.. اجلس.. لاشك أنك متدين.

    قال علي: متدين تدينا عاقلا.. عقلي هو الذي هداني إلى الدين.

    قال الفلكي بينه وبين نفسه: عجبا.. كيف يهدي العقل إلى الدين.. العقل يفر من الدين؟

    لم يجبه علي، بل قال له: دعنا من هذه الأحاديث.. وحدثني عن اختصاصك..

    قال الفلكي: ما الذي تريد منه؟

    قال علي: لقد ذكرت أن الكون يتوسع.. فهل سيتوسع الكون إلى ما لا نهاية؟

    قال الفلكي: تؤكد الأبحاث الجديدة في علم الفلك أن الكون يتوسع بسرعة أكبر مما نتوقع، وهذا التوسع سيستمر إلى مرحلة لن يعود الكون قادراً على التوسع بعدها، لأن هذا التوسع يحتاج إلى طاقة محركة، وطاقة الكون محدودة حسب قانون مصونية المادة والطاقة، والذي يقضي بأن الطاقة لا تفنى، وإنما تتحول من شكل لآخر.

    قال علي: وفي هذه الحالة ماذا سيحصل للكون.. عندما تنفذ طاقته بعد نهاية توسعه؟

    قال الفلكي: عندما يصل الكون إلى نقطة حرجة في توسعه، وتنفذ طاقته يبدأ بالانطواء على نفسه، ويعود من حيث بدأ.

    هذا ليس مجرد تخمين نظري.. بل لدينا شواهد عليه.. فهناك مجرات تبعد عنا بلايين السنين.. حصل لها التفاف وانطواء على نفسها.. وهذا الانطواء صورة مصغرة لانطواء الكون على نفسه.

    قال علي: تقصد انكماشه بعد توسعه، وطيه بعد انتشاره.

    قال الفلكي: أجل.. كل الدلائل تدل على هذا.

    قال علي: لقد ذكرتني بآيات من القرآن تشير إلى هذا.

    قال الفلكي: أفي القرآن أيضا إشارة إلى هذا؟

    قال علي: سأقرأ عليك من هذا المصحف العتيق لتحكم بنفسك.

    فتح علي المصحف، وراح يقرأ بخشوع قوله تعالى:﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾(الأنبياء: 104)

    قال الفلكي: ما معنى هذه الآية؟

    قال علي: الله تعالى يخاطب عباده في هذه الآية، ويقول لهم: انتظروا يوماً ينطوي فيه الكون بسماواته وأرضه تماماً كما يطوي الكاتب الصحف والكتب ليعود الكون بالانسحاق العظيم إلى حيث بدأ.

    انتفض الفلكي من مكانه، وقال: أرني محل هذه الآية من المصحف.

    أراه علي إياها، فتأمل فيها جيدا، وقال: هذه آية عظيمة.. تحوي حقائق كثيرة جدا لم نكتشفها إلا بعد أن شابت رؤوس الأجيال، وهي تبحث عنها.

    أولا في هذه الآية دقة عظيمة في التعبير.. بل دقة محيرة.. إنها دقة فائقة في تحديد نهاية الكون.. إن القرآن يستعمل مصطلحات علمية دقيقة.

    إنها فعلاً عملية طيّ لأجزاء الكون، هذا ما تقوله آخر الأبحاث الكونية.

    جميع علماء الكون يصرِّحون بأن الخطوط المستقيمة لا وجود لها في هذا الكون، بل كل شيء منحنٍ.. جميع أجزاء الكون من كواكب ونجوم ومجرات ونيازك ومذنبات وإشعاعات وثقوب سوداء..

    جميعها تتحرك بأفلاك منحنية.. لذلك من المنطقي أن تكون نهاية الكون منحنية تماماً كما تُطوى الورقة.

    قال علي: كنت أتصور أن الكون كروي..

    قال الفلكي: إن العلماء اليوم يتصورون الكون على أنه مسطح وليس كروياً، والسبب في هذا التصور الظواهر الكونية التي يشاهدونها، والتي تدل على ذلك.. فالمجرة التي نعيش فيها، والتي تُعتبر الشمس أحد نجومها، ليست كروية الشكل، بل هي على شكل قرص قطره أكثر من مئة ألف سنة ضوئية، وسماكته بحدود ثلاثين ألف سنة ضوئية.

    وهكذا جميع المجرات تأخذ أشكالاً حلزونية أو إهليليجية.. ولكنها تبقى قريبة من الشكل المسطَّح.

    ثم قال بينه وبين نفسه: عجبا.. كيف يصرح القرآن بهذا.. فالسِّجِلّ هو الورقة المكتوب عليها، وعندما تُطوى هذه الورقة، فإنها تطوي بداخلها الكلمات المكتوبة وتلفّها لفّاً.

    وهذا ما سيحدث فعلاً للمجرات عند نهاية الكون، حيث ستلتفّ حول بعضها كما تُلَفّ الورقة.

    الدخان الكوني:

    قال علي: سمعتك تتحدث عن الدخان الكوني[32].

    قال الفلكي: أجل.. فهو حقيقة علمية لا جدال فيها.. وهي مبنية على ما سبق ذكره من توسع الكون والانفجار العظيم..

    الدخان الكوني هو مرحلة من مراحل الكون تلت مرحلة الانفجار العظيم..

    حيث تشير دراسات الفيزياء النظرية في أواخر القرن العشرين إلى أن جرما بمواصفات الجرم الابتدائي للكون عندما ينفجر سيتحول لا محالة إلى غلالة من الدخان..

    وذلك الدخان هو الذي تخلقت منه الأرض، وكل أجرام السماء.

    ولم يكتف العلماء بهذه الاستدلالات النظرية، بل حصل في الثامن من نوفمبر سنة ‏1989‏م أن أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية مركبة باسم مكتشف الخلفية الإشعاعية للكون كما ذكرت لك سابقا.. وقد ارتفعت هذه المركبة إلى مدار حول الأرض يبلغ ارتفاعه ستمائة كيلومتر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وذلك لقياس درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون‏,‏ وقياس كل من الكثافة المادية والضوئية والموجات الدقيقة في الكون المدرك‏,‏ بعيدا عن تأثير كل من السحب والملوثات في النطق الدنيا من الغلاف الغازي للأرض‏.

    وقام هذا القمر الصناعي المستكشف بإرسال قدر هائل من المعلومات وملايين الصور لآثار الدخان الكوني الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم للكون‏,‏ من علي بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية.

    وقد أثبتت تلك الصور أن هذا الدخان الكوني في حالة معتمة تماما تمثل حالة الإظلام التي سادت الكون في مراحله الأولى.. وقد قدر العلماء كتلة هذا الدخان المعتم بحوالي‏90 بالمائة‏ من كتلة المادة في الكون المنظور.

    وقد كتب جورج سموت أحد المسئولين عن رحلة المستكشف تقريرا نشره سنة ‏1992‏ م بالنتائج المستقاة من هذا العدد الهائل من الصور الكونية كان من أهمها الحالة الدخانية المتجانسة التي سادت الوجود عقب الانفجار الكوني العظيم‏,‏ وكذلك درجة الحرارة المتبقية علي هيئة خلفية إشعاعية أكدت حدوث ذلك الانفجار الكبير‏,‏ وكان في تلك الكشوف أبلغ الرد علي النظريات الخاطئة التي ذكرتها لك سابقا عن تجاوز الخلق‏,‏ والجحود بالخالق[33].

    قال علي: لقد شوقتني بهذا الحديث عن معرفة التفاصيل المرتبطة بهذا الدخان، كيف كان، وكيف تحول؟

    قال الفلكي: بعد الانفجار العظيم تحول الكون الى غلالة من الدخان الذى تشكلت منه النجوم والكواكب، وكل ما يتركب منه الكون.

    وتشير الحسابات الفيزيائية إلى أن حجم الكون قبل الانفجار العظيم كاد يقترب من الصفر‏,‏ وكان في حالة غريبة من تكدس كل من المادة والطاقة‏,‏ وتلاشي كل من المكان والزمان‏,‏ تتوقف عندها كل قوانين الفيزياء المعروفة.

    ثم انفجر هذا الجرم الابتدائي الأولي ـ كما ذكرنا سابقا ـ وبانفجاره تحول إلى كرة من الإشعاع والجسيمات الأولية أخذت في التمدد والتبرد بسرعات فائقة حتي تحولت إلى غلالة من الدخان‏.‏

    فبعد ثانية واحدة من واقعة الانفجار العظيم تقدر الحسابات الفيزيائية انخفاض درجة حرارة الكون من تريليونات الدرجات المطلقة إلى عشرة بلايين من الدرجات المطلقة.

    وقد كان التمدد عند بدء الانفجار بمعدلات فائقة التصور أدت إلى زيادة قطر الكون بمعدل‏2910‏ مرة في جزء من الثانية.

    وعندها تحول الكون إلى غلالة من الدخان المكون من الفوتونات والإلكترونات والنيوترينوات وأضداد هذه الجسيمات مع قليل من البروتونات والنيوترونات..

    قال علي: نعلم أنه في مثل ذلك الوضع من الحرارة والضغط يمكن أن تفني الجسيمات الأولية للمادة وأضدادها بعضها بعضا‏,‏ وينتهي بذلك الكون.. فكيف حفظ الكون؟

    قال الفلكي: إن استمرار الكون في التوسع والتبرد بمعدلات منضبطة بدقة فائقة هو الذي حفظ الكون من قضاء بعضه على بعض[34]..

    فحسابات الفيزياء النظرية تشير إلى الاستمرار في انخفاض درجة حرارة الكون إلى بليون درجة مطلقة بعد ذلك بقليل‏,‏ وعند تلك الدرجة اتحدت البروتونات والنيوترونات لتكوين نوي ذرات الإيدروجين الثقيل التي تحللت إلى الإيدروجين، أو اتحدت مع مزيد من البروتونات والنيوترونات لتكون نوي ذرات الهيليوم والقليل من نوي ذرات عناصر أعلي مثل نوي ذرات الليثيوم ونوي ذرات البريليوم، ولكن بقيت النسبة الغالبة لنوي ذرات غازي الأيدروجين والهيليوم.

    وتشير الحسابات النظرية إلى أنه بعد ذلك بقليل توقف إنتاج كل من الهيليوم والعناصر التالية له‏,‏ واستمر الكون في الاتساع والتمدد والتبرد لفترة زمنية طويلة‏,‏ ومع التبرد انخفضت درجة حرارة الكون إلى آلاف قليلة من الدرجات المطلقة حين بدأت ذرات العناصر في التكون والتجمع، وبدأ الدخان الكوني في التكدس علي هيئة أعداد من السدم الكونية الهائلة‏.‏

    ومع استمرار عملية الاتساع والتبرد في الكون بدأت أجزاء من تلك السدم في التكثف علي ذاتها بفعل الجاذبية وبالدوران حول نفسها بسرعات متزايدة بالتدريج حتي تخلقت بداخلها كتل من الغازات المتكثفة.

    ومع استمرار دوران تلك الكتل الكثيفة في داخل السدم بدأت كميات من غازي الإيدروجين والهيليوم الموجودة بداخلها في التكدس علي ذاتها بمعدلات أكبر‏,‏ مما أدي إلى مزيد من الارتفاع في درجات حرارتها حتي وصلت إلى الدرجات اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي، فتكونت النجوم المنتجة للضوء والحرارة‏.‏

    وفي النجوم كبيرة الكتلة استمرت عملية الاندماج النووي لتخليق العناصر الأعلي في وزنها الذري بالتدريج مثل الكربون والأوكسيجين وما يليهما حتي يتحول لب النجم بالكامل إلى الحديد فينفجر هذا النجم المستعر‏(Nova)‏ علي هيئة فوق المستعر وتتناثر أشلاء فوق المستعرات وما بها من عناصر ثقيلة في داخل المجرة لتتكون منها الكواكب والكويكبات‏,‏ بينما يبقي منها في غازات المجرة ما يمكن أن يدخل في بناء نجم آخر[35].

    وعلي الرغم من تكدس كل من المادة والطاقة في أجرام السماء‏ (مثل النجوم وتوابعها‏)‏ فان الكون المدرك يبدو لنا متجانسا علي نطاق واسع‏,‏ في كل الاتجاهات‏,‏ وتحده خلفية إشعاعية متساوية حيثما نظر الراصد‏.‏

    قال علي: لقد ذكرت لي علمك باللغة العربية..

    ابتسم الفلكي، وقال: ولكن لا تسألني عن نحوها وصرفها.

    قال علي: سأسألك عن الاصطلاح الذي استعملته في التعبير عن الدخان الكوني.. هل هو مصطلح صحيح ودال؟

    قال الفلكي: ما تقصد؟

    قال علي: سأشرح لك المسألة.. في القرآن الكريم ذكر لحالة تلبس بها الكون قبل حالته هذه سماها القرآن الدخان..

    انتفض الفلكي من مكانه، وقال: أهذا صحيح؟

    فتح علي المصحف، وراح يقرأ:﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ (فصلت:11)

    قام الفلكي، وأخذ يصيح به: أرني محل الآية من المصحف.

    أراه علي الآية، فبقي يتأملها واجما، فقال له علي: أجبني عن سؤالي..

    قال الفلكي: عم تسأل.. إن هذه الآية تحيرني.. من أعلم محمدا بكل هذه العلوم؟

    قال علي: إن نفرا من الناس ذكروا أن القرآن أخطأ حين عبر عن تلك الحالة للكون بهذه كلمة (دخان)[36]

    قال الفلكي: وبم يجب أن يعبر عنها؟

    قال علي: ذكروا أن التعريف العلمي للدخان لا يتطابق مع الحالة السائدة في بداية الكون، حيث كان الكون وقتها يتألف من عنصرين هما غاز الهيدروجين وغاز الهليوم..

    ولذلك فإن التعبير الأنسب في رأي هؤلاء كلمة (غاز).. ويذكر هؤلاء أن محمداً هو من كتب هذه الآية وأخطأ في وصفه للكون المبكر بكلمة (دخان)!

    ضحك الفلكي ملء فيه، وقال: من المجنون الذي ذكر هذا؟

    أولا.. هؤلاء حمقى ومغفلون.. وكان الأجدر بابن الجوزي الذي ألف كتابا عن الحمقى والمغفلين أن يذكر حكايتهم هذه.

    قال علي: لم؟

    قال الفلكي: ألا يعلمون أن الغاز لم يكن معروفا في ذلك الوقت.. وكان أقرب ما يدل عليه هو كلمة (الدخان)؟

    ثم ألم يكفهم أن يشير القرآن هذه الإشارة المعجزة حتى يطالبوه بتفاصيلها؟

    إن هؤلاء الأغبياء لا ينقصهم إلا أن يطلبوا منه أن يسمي لهم تلك الغازات، وأن يذكر لهم بروتوناتها ونيوتروناتها، بل يبعث لهم صورا عنها.

    قال علي: فكلمة ( دخان) كلمة مقربة للمعنى إذن.. وليست تامة الدلالة على المراد.

    قال الفلكي: لقد ذكرت ذلك فقط لأولئك الحمقى الذين انتقدوا مثل هذا النقد.

    أما الحقيقة التي تدل عليها كل الدلائل فهي أن كلمة (الدخان) هي أنسب كلمة تعبر عن تلك الفترة التي مر بها الكون بعد الانفجار العظيم.

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: لقد اكتشف العلماء أن الكون في مراحله الأولى امتلأ بالغاز، وخاصة غاز الهيدروجين وغاز الهيليوم، ولكنهم اكتشفوا بعد ذلك غباراً كونياً cosmic dust ينتشر بين النجوم، ويقولون إنه من مخلفات الإنفجارات النجمية.

    قال علي: الغاز يختلف عن الغبار.. وكلاهما يختلف عن الدخان، فكيف يمكن التوفيق بين العلم والقرآن في هذا؟

    قال الفلكي: هذه مجرد تعبيرات.. ولكن الحقيقة هي ما ذكره القرآن.. فقد أتى بالمصطلح الصالح الدال على المعنى.. فالعلماء الآن يعترفون بأن ما كشفوه من غبار كوني لا يمتُّ بصلة للغبار الذي نعرفه ولا يشبهه أبداً، وأن هذا الغبار أشبه ما يكون بدخان السيجارة..

    ذكر ذلك الدكتور دوغلاس بيرس الذي قال في مقالة له:( الغبار الكوني ـ والذي لايشبه الغبار المنزلي ـ في الحقيقة يتألف من حبيبات صلبة دقيقة (وغالباً من الكربون والسيليكون) تسبح في الفضاء بين النجوم، وحجمها مشابه لحجم دخان السيجارة )[37]

    ولو رجعت إلى الأبحاث الصادرة حديثاً لوجدتها كلها تؤكد على هذه التسمية، بل هنالك من العلماء من يصرح بأن أفضل وصف لحقيقة الكون المبكر هي كلمة (دخان).

    فهذا بعضهم يقول:( ذرات الغبار الممزوج بالغاز دقيقة، وحجمها يساوي جزء من الميكرون[38]فقط، ولذلك فإن أفضل وصف لها (دخان))[39]

    قال علي: ولكن كيف تأكد العلماء من كونه دخانا لا غازا أو غبارا؟

    قال الفلكي: لقد استطاع العلماء مؤخرا التقاط بعض ذرات الدخان الكوني من الفضاء، وتحديداً على حدود كوكب المشتري.. وقاموا بتحليله بأجهزتهم ورؤيته وتصويره ومعرفة كل شيء عنه بدقة مذهلة.

    وقد جاء في نتيجة التحليل المخبري لهذا الغبار:( حبيبات الغبار بين النجوم والكواكب يتراوح حجمها بين 0,6 ميكرون و1،4 ميكرون، وهي ملتقطة من الغلاف الجوي للمشتري، أو من منطقة التأثير المغناطيسي وفقاً للدراسة. حبيبات كهذه أصغر من قطر شعرة الإنسان، وهي بحجم ذرات الدخان )[40]

    حديث الكون:

    قال ذلك، ثم عاد إلى المصحف يتأمل الآية، ويستغرق فيها، ثم فجأة انتفض،وقال: إن في الآية إعجازا آخر لا يقل عن هذا الإعجاز.. من أعلم محمدا بكل هذا؟

    قال علي: ما هو هذا الإعجاز الجديد الذي تراه؟

    قال الفلكي: إن هذه الآية تتحدث عن حديث السماء والأرض في حالتهما الدخانية..:﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ (فصلت:11)

    قال علي: وما في ذلك؟.. إن البعض يعتبر هذا على سبيل المجاز.

    قال الفلكي: لا.. لا تدعهم يدخلوا عقولهم في القرآن.. وفي هذه الآية بالذات.. إنها تتحدث عن حقيقة علمية عظمى وجميلة.

    قال علي: وما تلك الحقيقة؟

    نظر الفلكي إلى السماء، وقال: كلام السماء.. كلام ذلك الدخان الذي مرت عليه السماء..

    قال علي: عجبا.. هل اكتشف العلم حديث الدخان[41]؟

    قال الفلكي: أجل.. صاحب هذا الاكتشاف الجديد هو أحد علماء الفضاء، وهو البروفيسور (مارك ويتل) من جامعة فيرجينيا.

    وقد تحدث هذا العالم عن الأمواج الصوتية التي أطلقها الكون عندما كان عمره 380 ألف سنة، واستمر هذا الصوت الناتج عن تمدد وتوسع الكون حتى أصبح عمر الكون مليون سنة، عندها بدأت النجوم الأولى بالتشكل.

    وقد ساعد على انتشار هذه الأمواج وجود الغاز الكثيف الذي يملأ الكون، والذي عمل كوسط مناسب لانتشار هذه الأصوات.

    وهذا الاكتشاف هو نتيجة لدراسة الإشعاع الميكرويفي لخلفية الكون في مراحله الأولى بعد الانفجار الكبير.

    قال علي: أأنت متأكد من هذا؟

    قال الفلكي: أتعرف مع من تتكلم.. أنا خبير فلكي.. لي بحوثي واكتشافاتي الكثيرة.. وإن لم تصدقني فسأقرأ عليك هذا الخبر العلمي الذي نشرته العديد من المجلات المتخصصة والمواقع العلمية والذي يقول بالحرف الواحد[42]:( لقد توسّع الكون بسرعة بعد الانفجار الكبير، خلال فترة تدعى التضخم. فيما بعد، تابع الكون توسُّعه بشكل أبطأ مما أدى إلى تبرد الغاز وتكثـفه وتشكيله للنجوم. كل هذا الوقت، ساهمت تغيرات الكثافة في تشكيل خصائص الصوت المحدد من قبل فريق ويتل )

    ونرى من خلال تصريحات العلماء واكتشافهم أن الكون في مراحله المبكرة أي عندما كان في مرحلة الغاز الحار، وعندما بدأت النجوم بالتشكل من هذا الغاز الكوني، أصدر الكون صوتاً استمرّ حتى أصبح عمر الكون مليون سنة، وقد أمكن تحديد مواصفات هذا الصوت واتضح بأنه هادئ ومطيع، وبعد ذلك بدأت النجوم بالتشكل.

    قال علي: أرجو أن تتثبت حضرة الأستاذ المحترم من هذا الذي تقولونه، فنحن المسلمين نخشى أن نفسر كتابنا بما لا تدل عليه الحقائق..

    إن هذا الكتاب لا يفسر بالظنون، بل يفسر بالحقائق.

    قال الفلكي: أنا متأكد منها كتأكدي من وجودك أمامي.. وهي حقيقة ثابتة ليس بالمقالات الصحفية.. ولا بما ذكرته وسائل الإعلام الغربية التي تناولت هذا الخبر، ولم يعارضه أحد من العلماء.

    وإنما هي مدعومه قبل ذلك وبعده بالمنطق العلمي والعملي.

    قال علي: أفي إمكان المنطق العلمي والعملي أن يتنبأ بمثل هذا؟

    قال الفلكي: أجل.. فمن يتأمل القوانين الرياضية المودعة في الدخان أو الغاز يجد ـ ومن خلال ما يسمى بهندسة ميكانيك السوائل ـ أن أي غاز عندما يتمدد ويكبر حجمه يصدر عن هذا التمدد موجات قد تكون صوتية.. وذلك بسبب التغير في كثافة الغاز وحركة جزيئاته واحتكاكها ببعض مما يولد هذه الأمواج.

    وهذا ما حدث فعلاً في بداية نشوء الكون عندما كان دخاناً، فالتوسع والتمدد أدى إلى احتكاك وتصادم مكونات هذا الحساء الكوني الحار، وإطلاق هذه الأصوات التي تشبه حفيف الشجر.

    حتى إن بعض العلماء رسموا خطاً بيانياً يمثل هذه الذبذبات الكونية.. وقد كانت هادئة غير عنيفة.. بل كانت أشبه بالفحيح.

    إنها تكاد تعبر عن إعلان الطاعة الذي ذكرته الآية.

    2ـ بناء السماء

    نظر الفلكي إلى السماء، وكأنه ينظر إلى كائن جديد لم يره من قبل، ثم قال: عد بنا إلى الآية التي تتحدث عن توسع السماء.

    قال علي: تقصد قوله تعالى:﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾(الذريات:47)

    قال الفلكي: أجل.. فهذه آية عظيمة.. إنها تتحدث عن الكون المبني، لا الكون الخاوي الذي نسميه فضاء..

    قال علي: لها نظيرات في القرآن الكريم.. فهذه حقيقة من الحقائق القرآنية التي كثر ورودها فيه [43]..

    لقد جاءت في سورة الشمس القسم ببناء السماء، فقال تعالى:﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)﴾(الشمس)

    انتفض الفلكي، وقال: أرني المصحف..

    تأمل سورة الشمس جيدا، ثم قال: عجبا.. كل حرف من حروف هذه الآيات يحمل إعجازا.. هذه حقائق كبرى تحملها هذه السورة تنقضي الأنفاس دون شرحها.

    من أدرى محمدا بكل هذا!؟

    قال علي: عد بنا إلى بناء الكون.. لقد ورد في القرآن الكثير عنه.. فالله تعالى يقول في آية أخرى:﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ (قّ:6)

    انتفض الفلكي، وقال: أرني المصحف..

    تأمل الآية.. ثم قال: لا يمكنني أن أمر على هذه الآية مرور الكرام.. هذه الآية تلخيص لحقائق كونية كبرى.

    قال علي: فهلا تفضلت.. فشرحتها لي.

    قال الفلكي: بكل سرور.. ولك الشكر الجزيل على أن أتحت لي سماع مثل هذه النصوص العجيبة.

    قال علي: أرجو أن تبسط لي في شرحك قدر ما استطعت، فليس لي من الخبرة في الفلك ما يمكنني من فهم كل المصطلحات التي تطرحها.

    قال الفلكي: علي ذلك.. فالقرآن قد تناول هذه الحقائق الكبرى بكل بساطة.. أنا أذهب هذا المذهب مع طلابي.. لا أحب التعقيد.. ولا أحب المعقدين.

    في البداية أحب أن أبشرك بأن علماء الفلك حديثاً بدأوا باستخدام كلمة (بناء) building بدلا عن كلمة (فضاء) أي space.

    قال علي: ما الفرق بينهما؟

    قال الفلكي: عندما بدأ العلماء اكتشاف الكون أطلقوا عليه كلمة (فضاء)، وذلك لظنّهم بأن الكون مليء بالفراغ.. ولكن بعدما تطورت معرفتهم بالكون واستطاعوا رؤية بنيته بدقة مذهلة، ورأوا نسيجاً كونياً cosmic web محكماً ومترابطاً، بدأوا بإطلاق هذا المصطلح القرآني (بناء) أي building .

    لقد رأوا بالفعل بناء هندسيا مُحكما.. تشكل المجرات وتجمعاتها لبنات هذا البناء.. بل إنهم أصبحوا يتحدثون عن هندسة بناء الكون، ويطلقون مصطلحات جديدة لها علاقة بذلك، مثل الجسور الكونية، والجدران الكونية، وأن هنالك مادة غير مرئية سمّوها بالمادة المظلمة أي dark matter، وهذه المادة تملأ الكون، وتسيطر على توزع المجرات فيه، وتشكل جسوراً تربط هذه المجرات بعضها ببعض[44].

    وفي أحد الأبحاث التي أطلقها المرصد الأوروبي الجنوبي يصرح مجموعة من العلماء بأنهم يفضلون استخدام كلمة (لبنات بناء من المجرات) بدلاً من كلمة (المجرات)، ويؤكدون أن الكون مزيَّن بهذه الأبنية تماماً كالخرز المصفوفة على العقد أو الخيط.

    في هذا البحث يقول بول ميلر وزملاؤه:( إن المجرات الأولى، أو بالأحرى لبنات البناء الأولى من المجرات، سوف تتشكل في خيوط النسيج. وعندما تبدأ ببث الضوء، سوف تُرى وهي تحدّد مختلف الخيوط غير المرئية، وتشبه إلى حد كبير الخرز على العقد)[45]

    ليس هؤلاء وحدهم من قال هذا، بل جميع العلماء يؤكدون حقيقة البناء الكوني، ولا تكاد تخلو مقالة أو بحث من استخدام مصطلح بنية الكون structure of universe.

    وهذا يدل على أن العلماء متفقون اليوم على هذه الحقيقة العلمية، أي حقيقة البناء.

    فالسماء بناء متكامل.. هذا أحسن وأدق وصف علمي لها.

    قال علي: لقد وردت آيات من القرآن الكريم تصف الكون بهذه الصفات.

    فتح المصحف، وراح يقرأ قوله تعالى:﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة:22).. وقوله تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ (غافر:64)

    ازداد عجب الفلكي.. وقال: هذه كلمات غريبة.. كل كلمة منها معجزة من المعجزات.. بل كل حرف منها معجزة من المعجزات.. من أدرى محمدا بكل هذا؟

    قال علي: والقرآن يصف بالسماء بالإضافة إلى هذا إلى تزيينها، فهي بناء مزين.. فالله تعالى يقول:﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ (الحجر:16)، وهو يقول:﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ (قّ:6)

    قال الفلكي: هذه آيات عجيبة.. إن العلم انقطعت أنفاسه قبل أن يتعرف عليها.. فكيف وصل محمد إلى كل ذلك؟.. ولم اهتم محمد كل ذلك الاهتمام بالسماء مع أن الكتاب المقدس لا يكاد يذكرها!؟

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة مواضع[46].‏

    وهو يقصد بالسماء كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلى نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله‏.

    ويشير القرآن الكريم إلى أن الله تعالى قد قسم السماء إلى سبع سماوات‏,‏ كما قسم الأرض إلى سبع أرضين فقال تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ (الطلاق:12)، وقال:﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ (الملك:3)، وقال:﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ﴾ (نوح:15)[47]

    ويشير القرآن الكريم إلى أن النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا، فيقول:﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ (الصافات:6)، وقال:﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ (فصلت:12)، وقال:﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴾ (الملك:5)

    قال الفلكي: هذه حقائق عظيمة عن البناء الكوني.. إن القرآن يذكر طوابق الكون، ويصفها كما نصف نحن البروج والعمارات.

    قال علي: لقد وصف القرآن السماء بكونها ذات البروج، فقال:﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ (البروج:1)

    قال الفلكي: مع أنا لم نصل بعد إلى كثير مما ذكرت هذه الآيات.. فإن المنطق السليم.. وما توصلنا إليه من العلوم في هذا الميدان لا يؤدي إلا إلى هذا..

    التفت إلى المصحف، وقال: إن العلم يحتاج إلى أن تنقطع أنفاسه ليعلم ما يورده الكتاب الذي تحمله.

    قال علي: إن هناك من يسخر منا إذا ذكرنا أن في القرآن الكريم حقائق فلكية.

    قال الفلكي: ليست هذه حقائق فلكية فقط.. إنها علم الفلك نفسه.. إن كل تلك المجلدات الضخمة التي لهثت البشرية خلفها آلاف السنين لا تعدل آية واحدة يقولها هذا الكتاب.

    قال علي: هم ينظرون إلى حجم تلك الكتب.. ويقارنوه بحجم القرآن، فيمتلئون سخرية.

    قال الفلكي: سأضرب لك مثالا يرد كيدهم في نحورهم..

    أرأيت لو أن محققين تتبعوا خيوطا كثيرة، واستشهدوا آلاف الشهود، وكتبوا في القضية ألف كتاب.. أيعدل كل هذا الجهد.. وهذه الكتب إقرار المتهم بتهمته؟

    قال علي: لا.. فالإقرار سيد الأدلة.. وكل تلك الكتب يمكن أن تملأ بسخف كثير لا حقيقة فيه.. وقد رأينا ذلك كثيرا.

    قال الفلكي: فالعبرة إذن بالحقيقة.. لا بالطريق إلى الحقيقة؟

    قال علي: أجل..

    قال الفلكي: وهذا ما فعله القرآن في هذه الآيات التي ذكرتها.. إنه يصف لك الحقيقة كما هي، بينما نحن نتيه في التفاصيل الباحثة عنها.

    ثم التفت إلى علي، وقال: هل تعلم التصورات الهزيلة التي كان يعتقدها أهل عصر محمد نحو السماء؟

    قال علي: وما كانوا يعتقدون؟

    ابتسم الفلكي، وقال: في القرن السابع الميلادي، أي في العصر الذي وجد فيه محمد، كان الاعتقاد السائد عند الناس أن الأرض هي مركز الكون، وأن النجوم والكواكب تدور حولها..لم يكن لأحد في ذلك الوقت يعلم بنية الكون، أو نشوءه أو تطوره.. لم يكن أحد يتخيل الأعداد الضخمة للمجرات..بل لم يكن أحد يعرف شيئاً عن المجرات.

    وبقي الوضع كما هو حتى جاءت النهضة العلمية الحديثة، عندما بدأ العلماء بالنظر إلى السماء عبر التليسكوبات المكبرة..وتطور علم الفضاء أكثر عندما استخدم العلماء وسائل التحليل الطيفي لضوء المجرات البعيدة..ثم بدأ عصر جديد عندما بدأ هؤلاء الباحثين استخدام تقنيات المعالجة بالحاسوب للحصول على المعلومات الكونية.

    وفي مطلع الألفية الثالثة، دخل علم الفضاء عصراً جديداً باستخدام السوبر كومبيوتر، عندما قام العلماء برسم مخطط للكون ثلاثي الأبعاد، وقد كانت النتيجة اليقينية التي توصل إليها العلماء هي حقيقة أن كل شيء في هذه الكون يمثل بناءً محكماً.

    سكت قليلا، ثم قال: كيف استطاع محمد أن يعرف كل هذا، مع أنه لم يكن له مرقاب واحد.

    ثم التفت إلى علي، وقال: أتدري قدرات السوبر كومبيوتر الذي استطاع أن يرسم صورة لبعض الكون المرئي؟

    قال علي: لا.. إلا أني أعلم أنه قد طور حديثاً في العام 2000.. وأنه يسمى الكمبيوتر العملاق supercomputer وذلك لاستخدامه في عمليات المحاكاة.

    قال الفلكي: لقد بلغت سرعة هذا الجهاز أكثر من 12 تريليون عملية حسابية في الثانية الواحدة، ويزن هذا الجهاز أكثر من مئة ألف كيلو غرام، ويستهلك من الطاقة الكهربائية 1.2 ميغا واط، ويبلغ حجمه حجم ملعبي تنس، وكان حجم ذاكرة هذا الجهاز 6 مليون مليون بايت.

    ويقول مدير الشركة IBM الصانعة للجهاز:( إن العمليات التي ينجزها هذا الجهاز في ثانية واحدة، يحتاج الإنسان لإنجازها بواسطة الآلة الحاسبة العادية لمدة 10 مليون سنة )

    وقد قام بعض العلماء من بريطانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة قريبة بأضخم عملية حاسوبية لرسم صورة مصغرة للكون، وتم إدخال عشرة آلاف مليون معلومة في السوبر كمبيوتر، حول عدد ضخم من المجرات يزيد على 20 مليون مجرة! وعلى الرغم من السرعة الفائقة لهذا الجهاز إلا أنه بقي يعمل في معالجة هذه البيانات مدة 28 يوماً حتى تمكن من رسم صورة مصغرة للكون.

    لقد تم إدخال معلومات عن توسع الكون، وعن سلوك النجوم والتجمعات المجرية، وعن المادة المظلمة في الكون، وكذلك تم إدخال معلومات عن الغاز والغبار الكوني، بهدف تقليد الكون في توسعه، وتحديد الطرق التي تسلكها المجرات والنجوم.

    وقد قال البروفسور Carlos Frenk من جامعة درهام ببريطانيا ومدير هذا البرنامج :( إنه أعظم شيء قمنا به حتى الآن، ربما يكون الأكبر على الإطلاق في الفيزياء الحاسوبية. إننا وللمرة الأولى نملك نسخة طبق الأصل عن الكون، والتي تبدو تماماً كالكون الحقيقي، ولذلك يمكننا، وللمرة الأولى أن نبدأ التجارب على الكون )

    التفت إلى علي، وقال: هذا تصريح من عالم ومكتشف كبير بأنها المرة الأولى في التاريخ التي يستطيع فيها العلماء رؤية حقائق يقينية عن شكل الكون، وتوزع المجرات فيه.

    أتدري.. لقد كانت الصورة التي رسمها الكمبيوتر للكون تشبه إلى حد كبير نسيج العنكبوت، ولذلك فقد أطلق عليها العلماء مصطلح (النسيج الكوني)[48]

    لقد تبين أن كل خيط من خيوط هذا النسيج يتألف من آلاف المجرات، وهذه المجرات قد رصفت بطريقة شديدة الإحكام، أي أن هذا النسيج محكم إحكاماً شديداً. ولذلك قال عنه هذا العالم:( هذه المجموعات من آلاف المجرات شديدة اللمعان قد رُصّت بإحكام شديد )

    قال علي: لماذا اختاروا هذه التسمية؟

    قال الفلكي: إن مصطلح (النسيج الكوني) هو مصطلح حديث جداً، وقد أطلقه العلماء للتعبير عن بنية الكون لأنهم رأوا المجرات تصطف على خيوط دقيقة.

    فلو تأملنا أي خيط كوني، فسوف نجده خيطاً دقيقاً جداً بالمقاييس الكونية، فإذا علمنا بأن النجم الواحد يمتد في الفضاء لمسافة تساوي عدة ثوان ضوئية، فإن الخيط الكوني يمتد لعدة بلايين من السنوات الضوئية!

    ولو قمنا مثلاً بتصغير خيط كوني حتى يصبح قطره ميليمتراً واحداً، فإن طول هذا الخيط سيبلغ عدة مئات من الأمتار.. فتأمل دقة هذا الخيط الكوني، فهو رفيع جداً وطويل جداً، وعلى الرغم من ذلك نجده محكماً ومشدوداً بقوى كونية عظيمة.

    ألا يدلك هذا على عظمة هذه الخيوط ودقة صنعها وإتقانها؟

    قال علي: لقد ذكرتني بآية من القرآن تستعمل مصطلحا له علاقة بالنسيج.. فيها قسم بالسماء ذات الحبك..

    انتفض الفلكي، وقال: أهناك آية تتحدث عن هذا.. اقرأها علي.

    قال علي: هي آية قصيرة.. هي قسم.. والله لا يقسم إلا بما له قيمة وعظمة.. تقول هذه الآية:﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾ (الذريات:7)

    قال الفلكي: هذه آية عظيمة تصور حقائق فلكية كثيرة.. إنها لا تعبر عن هذا فقط.. إنها تعبر عن أشياء كثيرة.. لقد عرف القرآن كيف يختار المصطلحات الفلكية.. إنه ينتقيها انتقاء[49].

    قال علي: لقد احترت في معنى الحبك لأني وجدت خلافا فيها.. ففي اللغة لها دلالات كثيرة..

    قال الفلكي: وهذا ما جعلني أتعجب من هذه الدقة العجيبة في اختيار المصطلحات.. فكل المعاني التي قيلت في اللغة عن (الحبك) تصلح لوصف السماء.

    أورد لي ما قال اللغويون في الكلمة.. وسأورد لك ما قال الفلكيون عنها.

    قال علي: لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ مستمدة من الفعل‏(‏ حبك‏),‏ بمعني شد وأحكم يقال‏:(‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏ ﴾ (‏ حبكا‏),‏ كما يقال‏:(‏ أحبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏) (‏ حبكا‏)‏ و‏(‏إحباكا‏)‏ أي شده وأحكمه‏.‏

    ويقال‏:(‏ حبك‏)‏ النساج الثوب‏,‏ أي أجاد نسجه‏,‏ و‏(‏حبك‏)‏ الحائك الثوب أي أجاد صنعه‏,‏ وضبط أبعاده‏,‏ فالأمر‏(‏ المحبوك‏)‏ المحكم الصنعة‏,‏ وكذلك‏(‏ الحبيك‏)‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ أي‏(‏ المحبوك‏)‏ و‏(‏المحبوكة‏),‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ أحبكته‏).‏

    ويقال في اللغة‏:(‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏ ) (‏ تحبيكا‏),‏ أي وثقه وشدده ويقال‏:(‏ تحبك‏)‏ ثوبه أي التف به وشد‏(‏ الحبكة‏),‏ و‏(‏احتبك‏)‏ الثوب أي‏(‏ حبكه‏)‏ حول جسده‏,‏ و‏(‏احتبك‏)‏ بالإزار أي احتزم به‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط‏,‏ و‏(‏المحبك‏)‏ هو مكان شد الإزار من الجسم‏,‏ و‏(‏الاحتباك‏)‏ شد الإزار‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة‏,‏ والجمع‏(‏ حباك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ و‏(‏حبائك‏),‏ فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي‏(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏حبائك‏)‏ ومفردها‏(‏ حبيكة‏)‏ ودرع الحديد لها حبك‏.‏

    و‏(‏الحبيكة‏)‏ وجمعها‏(‏ حبائك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ هي الطريق من خصل الشعر ونحوه‏,‏ فالشعرة الجعدة تكسرها‏(‏ حبك‏),‏ وفي حديث الدجال أن شعره‏(‏ حبك‏),‏ وعلي ذلك يقال‏:‏ فلان رأسه‏(‏ حبك‏)‏ أي شعر رأسه متكسر من الجعودة‏.‏

    قال الفلكي: من الاستعراض اللغوي الذي ذكرته‏,‏ ومن ربط السماء بالحبك نجد المعاني التالية:

    ‏1‏ ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق‏.‏

    ‏2‏ ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم‏.‏

    ‏3‏ ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها‏.‏

    ‏4‏ ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها‏.‏

    قال علي: فهل علم الفلك يدل على هذه جميعا؟

    قال الفلكي: أجل.. كلها حقائق نطق بها العلم.. ونطق بها قبله القرآن.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:47

    قال علي: فلنرجع إلى بناء الكون.. لقد عرفنا أن الكون منسوج نسجا محكما، وكل نسج يحتاج إلى خيوط، أو هو مبنيا بناء دقيقا، وكل بناء يحتاج إلى لبنات.. فما لبنات الكون؟

    قال الفلكي: بعد إطلاق القمر الصناعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة ‏1989‏م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون‏: أولها ما يسمى بنطاق الانفجار العظيم، أو نطاق كرة النار الأولي، ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم‏.‏

    يليه النطاق الغامض، وهو يضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل إلى بليوني سنة ضوئية‏.‏

    يلي ذلك النطاق بعد النطاق الغامض، وهو يضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين إلى ثلاثة بلايين من السنين الضوئية‏.‏

    يلي ذلك نطاق أشباه النجوم السحيقة، وهو يضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق‏.‏

    يلي ذلك نطاق أشباه النجوم القديمة، وهو يضم أقرب أشباه النجوم إلينا‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة‏.‏

    يلي ذلك كله نطاق المجرات، وهو يحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية‏.

    ونتيجة لهذا.. فإن قطر الجزء المدرك من السماء يقدر بحوالي‏23‏ بليون سنة ضوئية علي الأقل‏.

    1 ـ المجرات:

    قال علي: هذه السماء.. فحدثني عن العالم الذي ننتمي إليه.. حدثني عن المجرات [50]؟

    قال الفلكي: المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين ‏(‏ الدخان الكوني‏)‏ بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة‏، وقد تضم المجرة الواحدة عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم‏.

    وقد أحصى علماء الفلك في الجزء المدرك وحده من السماء مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا‏,‏ وبعضها أصغر قليلا‏.

    قال علي: فهل تتشابه هذه المجرات؟

    قال الفلكي: ألم تعرف أن معاني الحبك التباين والاختلاف؟

    قال علي: أجل..

    قال الفلكي: فكذلك هذه المجرات تتباين في أشكالها كما تتباين في أحجامها‏,‏ وفي شدة إضاءتها‏,‏ فمنها الحلزوني‏,‏ والإهليلجي),‏ وما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو شديد الاضاءة‏,‏ وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة.

    وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا،‏ وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها‏,‏ في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير‏,‏ وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك‏1910‏ ذرة‏/‏سم‏3‏ في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر‏.‏

    قال علي: فحدثني عن المجموعة التي تنتمي إليها مجرتنا.

    قال الفلكي: مجرتنا ‏(‏ درب اللبانة‏)‏ تنتمي إلى مجموعة فيها أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات ‏(The Local Group of Galaxies)‏، يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي ‏(One Million Parsec).. وذلك يساوي‏3,261,500‏ سنة ضوئية)

    وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية، وأربع مجرات غير محددة الشكل‏,‏ وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة‏,‏ وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا، ومن هنا تصعب رؤيتها‏.‏

    قال علي: إن المجموعة التي تنتمي إليها مجرتنا مجموعة عملاقة إذن؟

    قال الفلكي: هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل‏ حشد مجرات برج العذراء ‏(The Virgo Cluster of Galaxies)‏، فهو يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع‏,‏ ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية‏ (6,523,000‏ سنة ضوئية‏),‏ ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة ‏(‏ أي عشرين مليون فرسخ فلكي‏)

    وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة‏,‏ وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري‏,‏ وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة‏,‏ ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد ‏(بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا‏)‏ مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد ‏(المستعرات وما فوقها‏).‏

    وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة‏,‏ ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية‏,‏ التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي ‏(Galactic Super clusters).‏

    قال علي: فحدثني عن مجرتنا.

    قال الفلكي: مجرتنا تسمى سكة التبانة، أو درب اللبانة، أو الطريق اللبني، وهي‏ تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء.

    قال علي: ما شكلها، ومم تتكون؟

    قال الفلكي: هي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية‏,‏ ويضم ما بين مائة بليون إلى تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم في مراحل مختلفة من العمر.. منها نجوم النسق العادي كشمسنا‏,‏ ومنها العماليق الحمر‏,‏ والعماليق الكبار‏,‏ ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة‏,‏ ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا‏,‏ ومنها النجوم النيوترونية‏,‏ ومنها النجوم الخانسة الكانسة ‏(‏ الثقوب السود‏)‏ ومنها أشباه النجوم وغيرها‏.‏

    وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية‏,‏ فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به‏.‏

    وتقدر كتلة مجرتنا‏(‏ سكة التبانة‏)‏ بحوالي مائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا ‏(والمقدرة بحوالي ‏333,000‏ مرة قدر كتلة الأرض، والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏)‏

    وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي ‏250‏ مليون سنة من سنيننا‏,‏ وهذا هو يومها‏.‏

    والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة‏,‏ وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة‏.‏

    ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم‏,‏ وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله‏,‏ ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة‏,‏ والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير إلى وجود (ثقب أسود‏)‏ في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري‏,‏ كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل إلى ستين ألف سنة ضوئية‏,‏ ويتكون من نجوم وغازات وأتربة‏(‏ دخان‏)‏ تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة‏.

    وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية‏,‏ وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية‏,‏ وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية‏ (‏ شمس‏+‏ تسع كواكب علي الأقل‏+61‏ قمرا‏+‏ عدد من الكويكبات والمذنبات‏)‏ حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية‏,‏ لتتم دورتها في مائتي مليون سنة.

    ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها‏2600‏ من السنين الضوئية‏,‏ ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد إلى مائتي ألف سنة ضوئية طولا‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا‏.‏

    وهالة مجرتنا تنقسم إلى نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض‏,‏ ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة وغازات منخفضة الكثافة‏,‏ ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد إلى مسافات شاسعة‏.‏

    وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة‏,‏ دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة‏.‏

    وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء ـ من أجرام تلك السماء إلى دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام.

    فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء، فتنكمش تلك السحب الكثيفة‏,‏ وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف‏,‏ ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة‏,‏ فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص‏,‏ وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد‏,‏ حتى تصل إلى الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية‏,‏ فيولد النجم‏.‏

    وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجمية ‏(Stellar populations)‏ هي جمهرة القرص الرقيق، وتقع علي مستوي‏1155‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة، وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة.. ومنها ‏جمهرة القرص السميك‏;‏ وتقع علي ارتفاع‏3300‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة‏,‏ وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة‏.. ومنها جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع‏11.550‏ سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة‏.‏

    وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم ‏(Interstellar Matter)‏، التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها‏,‏ ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من‏15%‏ من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية‏.‏

    2 ـ النجوم:

    قال علي: لقد ذكرت أن المجرات تتكون من النجوم.. فحدثني عنها.

    قال الفلكي: النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا‏,‏ كروية أو شبه كروية‏,‏ غازية‏,‏ ملتهبة‏,‏ مضيئة بذاتها‏,‏ متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي‏,‏ هائلة الكتلة‏,‏ عظيمة الحجم‏,‏ عالية الحرارة بدرجة مذهلة‏,‏ وتشع كلاً من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته‏.‏

    قال علي: أنا محتار في كيفية تعرف الفلكيين على خصائص النجوم بالرغم من بعدها الساحق عنا.

    قال الفلكي: إن ضوء النجم الواصل إلينا يمكننا من التعرف على العديد من صفات النجم الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه‏,‏ وشدة إضاءته‏,‏ ودرجة حرارته‏,‏ وحجمه‏,‏ وكتلته‏,‏ وموقعه منا‏,‏ وسرعة دورانه حول محوره‏,‏ وسرعة جريه في مداره‏,‏ وتركيبه الكيميائي‏,‏ ومستوي التفاعلات النووية فيه.. إلى غير ذلك من صفات‏.‏

    قال علي: أسمع العلماء يصنفون النجوم كما يصنفون المجرات.

    قال الفلكي: أجل.. وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء ‏(3200‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أقلها حرارة‏,‏ وإلى نجوم برتقالية‏,‏ وصفراء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الصفرة‏,‏ وبيضاء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الزرقة‏,‏ وزرقاء ‏(30,000‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أشدها حرارة‏,‏ وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏.‏

    والغالبية الساحقة من النجوم ‏(90 بالمائة) تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي (Main Sequence Srars).

    والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار والتلاشي‏,‏ من مثل الأقزام البيضاء‏,‏ والنجوم النيوترونية ‏(النابضة وغير النابضة‏)‏، والثقوب السود في المجموعة الأولي‏,‏ والعمالقة الحمر‏,‏ والعمالقة العظام‏,‏ والنجوم المستعرة‏,‏ وفوق المستعرات في المجموعة الثانية‏.‏

    وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة‏,‏ وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس‏,‏ وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات‏، وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(Red Dwarfs),‏ وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس‏.‏

    وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو‏8 بالمائة من كتلة الشمس ‏(‏ المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏),‏ والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة‏,‏ نسبيا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (Brown Dwarfs)

    قال علي: أرى من خلال حديثك أن النجوم تمر بمراحل مختلفة من الميلاد والشباب والشيخوخة.

    قال الفلكي: أجل.. فهي تمر بجميع هذه المراحل قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتطمس طمساً كاملا‏:

    فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته، وبفعل الجاذبية فتتكون نجوم ابتدائية,‏ ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية,‏ ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر,‏ فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية,‏ ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض,‏ وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر، ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات‏,‏ وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة فوق مستعر من الطراز الأول.

    أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة ‏(عدة مرات قدر كتلة الشمس‏)‏ فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار, ثم ينفجر على هيئة فوق مستعر من الطراز الثاني، فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية النابضة,‏ وغير النابضة ، أو الثقوب السود‏، وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏

    والنجوم العادية منها المفرد‏(‏ مثل شمسنا‏)‏ والمزدوج،‏ ومنها المتعدد، وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة‏,‏ والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهما، ومن النجوم المزدوجة ما يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي ، ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي احدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي‏.‏

    والنجوم أفران كونية يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي، وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الإيدروجين‏(‏ أخف العناصر المعروفة‏)‏ لتكون نوي الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر ‏والعملاق الأحمر، أو النجم العملاق الأعظم، وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم‏,‏ وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه‏,‏ وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم ابيض‏,‏ أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب أسود حسب كتلته الابتدائية فينكدر النجم أو يطمس ضوؤه طمساً كاملاً‏.‏

    وعند انفجار النجوم تتناثر اشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء‏,‏ فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج‏.‏

    مواقع النجوم:

    قال علي: لقد ذكرني حديثك هذا عن النجوم وعظمتها بآية من القرآن.. هي قوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾(الواقعة)

    قال الفلكي: هذه آية عظيمة.. إنها تبين أن الإنسان بنظرته القاصرة لا يمكن أن يعرف حقيقة عظمة النجوم [51]..

    وفوق ذلك ذكرت مواقع النجوم بدل النجوم.. وفي ذلك إشارات جليلة.. سأذكر لك بعض ما توصلنا إليه منها:

    الإشارة الأولى التي تشير إليها تلك الكلمة القرآنية.. وهي إشارة لها أهميتها العظمى.. هي أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا‏,‏ فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا‏,‏ ولا بأية وسيلة مادية‏,‏ وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها، ثم غادرتها‏,‏ إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة‏,‏ أو بالانفجار والاندثار‏,‏ أو بالانكدار والطمس‏.‏

    فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر‏,‏ فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا‏,‏ بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر، فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء‏.‏

    وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس، وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوؤه بعد‏4,3 ‏ سنة من انطلاقه من النجم‏,‏ أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات‏,‏ بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء‏,‏ وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا‏,‏ ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها‏,‏ وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره‏,‏ ومعدلات توسع الكون‏,‏ وتباعد المجرات عنا‏,‏ والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء.

    وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم‏,‏ بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين‏.

    وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون‏,‏ ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين‏,‏ لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد‏,‏ والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين‏.‏

    قال علي: هذه إشارة مهمة.. فالقرآن يخاطب البشر.. وهم لا يرون إلا المواقع، فلذلك حدثهم بما يرون.

    قال الفلكي: هناك إشارة أخرى.. وهي أنه ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون‏,‏ وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء في خطوط منحنية.

    وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض، فإن الناظر من الأرض يري موقعا للنجم على استقامة بصره‏,‏ وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء‏,‏ مما يؤكد مرة أخري أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا‏.‏

    قال علي: هذه إشارة جليلة، وهي تذكرني بآيات قرآنية يذكر الله تعالى فيها المعارج.. والمعارج هي الخطوط المنحنية.. ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ (المعارج:3)

    بل يصف الحركة ذاتها بالعروج‏,‏ وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم‏,‏ كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف‏,‏ كما قال تعالى:﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ (المعارج:4)

    ولهذا كان وصف رحلة رسول الله r في السماوات العلا بالعروج‏,‏ وسميت الليلة باسم المعراج.

    قال الفلكي: وهناك إشارة ثالثة.. وهي أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها‏,‏ والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها‏.

    فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم‏.

    قال علي: هذه إشارة جليلة، تؤكد ما ورد في القرآن من تماسك الكون[52].

    قال الفلكي: وهناك إشارة رابعة لاختيار القرآن لكلمة المواقع.. فقد أثبتت دراسات الفلك‏,‏ ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان‏,‏ ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم‏,‏ والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا‏,‏ بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين على أقل تقدير.

    ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه‏,‏ وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين‏.‏

    فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون‏,‏ أو أن الشمس هي مركز الكون‏,‏ وأن كليهما ثابت لا يتحرك‏,‏ غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس‏.

    وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم‏,‏ وما بها من صور المادة والطاقة‏,‏ بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء‏,‏ وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض‏,‏ وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك‏,‏ ومكون من عناصر أربعة هي التراب‏,‏ والماء‏,‏ والهواء والنار وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات.

    سكت الفلكي قليلا، ثم قال: أنا إلى الآن لا أزال محتارا فيمن علم محمدا كل هذه العلوم.. إن هذه العلوم لا يطيق بشر أن يعرفها.. فليست هي بالحدس العقلي، ولا العرفان الوجداني، ولا المدارك الحسية.. إنها من مصدر يعرف الكون حق المعرفة.. فهل استطاع محمد أن يتصل بذلك المصدر؟

    سكت علي.. فلم يجبه.. لقد كان كصاحبك ـ معلم السلام ـ يوصل الحقائق، ثم يترك الآخرين يصلون إلى النتائج المرتبطة بها..

    النجم الثاقب:

    قال علي: في القرآن آية أخرى تتعلق بالنجوم.. احتار المفسرون في تحديد الفهم المناسب لها.

    قال الفلكي: اقرأها علي.

    أخذ علي يقرأ من سورة الطارق:﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)﴾ (الطارق)

    قال الفلكي: أعد علي قراءة الآيات.. أو أرني المصحف لأقرأها بنفسي.

    أراه علي الآية، فراح يتأمل فيها.. وفجأة صاح: نعم.. هو ذلك.. الآية تقصد ذلك بدليل جواب القسم ﴿ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ (الطارق:4)

    قال علي: ما تقصد بذلك؟

    قال الفلكي: هذه الآية تشير إلى أنواع من النجوم تتناسب مع وصفها، كما تتناسب مع جواب القسم الذي جاء بعدها[53].

    قال علي: وضح لي ذلك.. وأرجو أن لا يكون إلا بحقائق العلم.. فالقرآن لا يفسر بظنيه.

    قال الفلكي: بل بحقائقه.. ولن تجد عند صاحبك إلا الحقائق.. أنا مثلك كثير الشك.. ولا يقنعني إلا اليقين الصرف.

    قال علي: فما هذا اليقين العلمي الذي تشرف بالارتباط بهذه الآية؟

    قال الفلكي: من الواضح من هذه الآيات أن القسم جاء فيها بنجم خاص بذاته سمي بالطارق‏,‏ ووصف بكونه النجم الثاقب.

    قال علي: هذا متفق عليه.. لكن الخلاف في حقيقة هذا النجم وتحديده.

    قال الفلكي: أجل.. هذا هو سر الإعجاز في الآية.. فالقسم في العادة لا يكون إلا تنبيها على أهمية الأمر المقسوم به‏.

    قال علي: أجل.. فالقسم في القرآن لا يذكر إلا لضرورة المقسوم به، لاستقامة الكون ومكوناته‏,‏ أو لاستقامة الحياة فيه‏,‏ أو لكليهما معا.. ذلك لأن الله تعالى غني عن القسم لعباده‏.

    قال الفلكي: ولهذا، فإن معني الطارق الذي هو النجم الثاقب لا يتحدد إلا بمعرفة دقيقة لطبيعة النجوم وأنواعها ومراحل تكونها‏.

    قال علي: ولذلك قصدتك بهذا السؤال.. فهذه قضية علمية صرفة‏,‏ ولابد من توظيف المعارف العلمية لفهم دلالاتها.. فلا يمكن لتلك الدلالات أن تتضح في الإطار اللغوي وحده‏.‏

    قال الفلكي: ولكن الدلالات اللغوية هي التي تحدد لنا خصائص المذكور لنعرف من خلالها من تنطبق عليه تلك الخصائص.

    قال علي: أجل.. وسأوضح لك ذلك.. فكلمة (الطارق) اسم فاعل من الطرق بمعني الضرب بشدة‏,‏ وأصل الطرق الدق‏,‏ ومنه سميت المطرقة التي يطرق بها‏,‏ وهذا هو الأصل‏,‏ ولكن الكلمة مع ذلك استخدمت من باب المجاز لتدل علي الطريق، أي السبيل‏,‏ لأن السابلة تطرقها بأقدامها‏,‏ ثم صارت اسما لسالك الطريق‏,‏ باعتبار أنه يطرقها بقدميه‏.

    واستخدم لفظ الطارق كذلك علي سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل‏,‏ فسمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه إلي طرق الأبواب المغلقة.

    ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل‏,‏ ثم زيد في توسيعه حتي أطلق علي الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل‏.‏

    أما الثاقب الذي هو وصف للنجم.. فلم يرد إلا في هذا الموضع من القرآن الكريم.. مع أن النجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة‏,‏ أربع منها بالإفراد ‏(‏ النجم‏),‏ وتسع بالجمع‏(‏ النجوم‏)

    ولم يوصف أي منها بالطارق النجم الثاقب‏,‏ إلا في هذه الآيات‏,‏ والتي حملت اسم الطارق تأكيدا على أن الطارق نجم محدد بذاته.

    قال الفلكي: إن ما ذكرته الآيات من الأوصاف ينطبق تماما على مجموعة من النجوم في مراحل معينة من عمرها..

    هذه النجوم هي مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء، ومن أهمها النجوم النيوترونية شديدة التضاغط ‏(Theultra-compact Neutronstars) والمعروفة باسم النجوم النابضة ‏(Pulsating Stars) أو النابضات أو النوابض ‏(Pulsars)..

    وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة مع كونها ذات حجم صغير‏,‏ ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة كميات هائلة من الموجات الراديوية، ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)، لأنها ترسل نبضات منتظمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها‏,‏ وحسب سرعة دورانها حول محورها.

    وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلي ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة‏,‏ ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره‏,‏ وتسجل المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة‏.

    ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا أشباه النحوم ‏(Quasars)، وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا‏,‏ ضعيفة الإضاءة,‏ ومنها مايطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء‏,‏ ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية ‏(Radio Sources Quasars)‏ تمييزا لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لاتصدر موجات راديوية ‏(Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs) وعلي الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة‏,‏ وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا‏,‏ وتبدو وكأنها علي أطراف السماء تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا‏.‏

    وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا‏,‏ وتقدر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏,‏ وهو قليل الكثافة جدا إذ تقدر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏(1510/1‏ جم‏/‏سم‏3),‏ وتقدر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس‏,‏ وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم علي أطراف الجزء المدرك من الكون‏,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخري منها لم تكتشف بعد‏.‏

    وكلتا المرحلتين من مراحل حياة النجوم‏:‏ النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)‏ وأشباه النجوم الراديوية ‏(Radio Quasars) يعتبر من أهم المصادر الراديوية ‏(Radio Sources) في السماء ‏,‏ وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس والخنوس‏,‏ كما في حالة النوابض‏,‏ أو من مراحل التحول إلي دخان السماء اللاحقة علي مرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم‏.

    قال علي: ما الذي جعلك ترى أن هذه الأنواع من النجوم هي المقصودة في القسم في الآيات الكريمة[54]؟

    قال الفلكي: أولا هذه النجوم تطرق صفحة السماء، وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد‏,‏ وموجاتها الراديوية الخاطفة.

    وثانيا، هذه النوابض خطيرة جدا.. وهي تتناسب مع جواب القسم، فقد ربط ذكر هذا النوع من النجوم بالحفظ.. وقد حصل هذا بالفعل، فأقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية.. ولولا هذا البعد لكان لنبضاتها المتسارعة أثر مدمر لكل حياة علي الأرض‏.‏

    والنجم إذا هوى:

    قال علي: في القرآن آية أخرى استعصت على المفسرين[55]، فأرجو أن تبين لي كيف يفهمها العلم الحديث.

    قال الفلكي: اقرأها علي.. لقد أصبحت موقنا الآن أن كل ما ذكره القرآن صحيح.. فيستحيل على من يلم بكل تلك المعارف أن يقع في أي خطأ.

    قال علي: هي الآية التي أقسم الله تعالى فيها بالنجم إذا هوى، فقال:﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ (لنجم:1)

    قال الفلكي: هذا يحتاج إلى معرفة أطوار الحياة التي يمر بها النجم[56].. وقد سبق لي أن تحدثت عنها باختصار.. ولو تأملت في طريقة تطور النجم، فإنك سترى أن الميكانيكية الأساسية التي تلعب دوراً مهما في تطور النجم من مرحلة إلى أخرى هي عملية انكماشه نحو مركزه.

    فالنجم يبدأ حياته من انكماش سحابة نحو مركزها، وبعد استقراره فترة طويلة من حياته ينتفخ ليصبح عملاقاً أحمر، ولكنه يعاني من انكماش يستمر في لبه ينقله من مرحلة لأخرى في التفاعلات النووية.

    ثم إنه بعد ذلك يعاني من انكماش رهيب قبل موته يؤدي إلى طمسه وتكويره على بعضه، وقبل أن ينفجر النجم الكبير (كسوبرنوفا هائلة)، فإنه يكون قد مر بانكماش رهيب لمادته نحو مركزه.

    وهكذا فإن تهاوي مادة النجم وانكماشه نحو مركزه تعد بحق ميكانيكية أساسية يتحرك بها النجم من مرحلة إلى أخرى.

    ولعل هذا الذي ذكرته لك مظهر من المظاهر المفسرة لهذه الآية..، فهذا قسم بآية عظيمة تصور حدثاً مهما في حياة النجوم، وهي إشارة ميكانيكية أساسية تتكرر مرات ومرات في حياة النجوم.

    الخنس الكنس:

    قال علي: سمعتك تذكر الثقوب السوداء[57]، وأنها جزء من بناء السماء، فما خبرها؟

    قال الفلكي: خبرها عظيم، وشأنها جليل، ودورها خطير.

    قال علي: من هي التي استحقت كل هذا التعظيم؟

    قال الفلكي: هي بعبارة مختصرة عبارة عن نجوم ثقيلة جداً، وهي آخر مرحلة من عمر النجم.

    أنت تعلم أن النجوم تمر بمرحلة الولادة، ثم تكبر وتتطور، ثم تأتي مرحلة الانهيار والموت، والثقب الأسود يمثل المرحلة الأخيرة.. فعندما يكبر حجم النجم لدرجة هائلة تزداد الجاذبية لحدود عظيمة جداً، فيجذب إليه كل شيء حتى الضوء لا يستطيع الإفلات من حقل جاذبيته الفائقة.

    ولكي نأخذ فكرة عن ضخامة أوزان هذه الثقوب، فإن ثقباً أسود بوزن الأرض يكون قطره أقل من سنتمتر واحد فقط، وثقبا أسود بوزن الشمس سيكون قطره 3 كيلو متراً.

    أما وزن الثقب الأسود وسطياً، فهو عشر مرات وزن الشمس.. أي:1 وبجانبه 31 صفراً من الكيلوغرامات.. أما قطر هذا الثقب فلا يتجاوز حدود 30 كيلو متر فقط.

    هذه الثقوب السوداء في الحالة العادية.. أما الثقوب السوداء الضخمة، فتتواجد في قلب مجرتنا والمجرات الأخرى، ويزن الواحد منها مليون مرة وزن الشمس.

    قال علي: لقد ذكرت أن الضوء لا يستطيع الإفلات من حقل جاذبية الثقوب السوداء.

    قال الفلكي: أجل.. نتجة لسرعتها الهائلة، وكثافتها العالية.

    قال علي: فلا يمكن رؤيتها في السماء إذن كما نرى سائر النجوم؟

    قال الفلكي: أجل.. لا يمكن رؤية هذه الأجسام أبداً، لأنها شديدة الاختفاء، وهذا سبب تسميتها بالثقوب السوداء.. زيادة على ذلك فهذه الأجسام تسير، بل تجري في الكون بسرعات عالية، وتجذب إليها كل جسم يقترب منها.

    قال علي: فكيف استطاع العلماء رؤية هذه الأجسام مع اختفائها وسرعتها؟

    قال الفلكي: أثناء مراقبة العلماء الطويلة لمجموعة من النجوم، إذا بهم يرون بعض هذه النجوم يختفي ضوؤه فجأة ثم يظهر بعد ذلك، وعندما عرضت هذه الصورة على علماء الفلك أجمعوا على أن ضوء هذه النجوم قد اختفى بسبب مرور ثقب أسود مما أدّى إلى حجب الأشعة الضوئية الصادرة من ذلك النجم، وذلك لفترة من الزمن ثم عودة النجم للظهور من جديد.

    إن ذلك يشبه ما يحدث أثناء مرور القمر أمام الشمس، فيحجب عنا ضوءها.

    هذا ما يمكنني أن أشرحه لك.. وهناك أمور قد لا تطيق فهمها.. المهم أن العلماء الآن كلهم متفقون على وجود الثقوب السوداء.

    قال علي: لقد فهمت من خلال شرحك لهذا أن الثقوب السوداء تتميز بالخصائص التالية:

    الأول: أنها نجوم ثقيلة وشديدة الاختفاء، فلا يمكن رؤيتها أبداً.

    والثاني: أنها تسير.. بل تجري بسرعات كبيرة جداً تبلغ آلاف الكيلومترات في الثانية الواحدة.

    والثالث: أنها تجذب وتبتلع وتكنس كل ما تجده في طريقها كنساً.

    قال الفلكي: بورك فيك.. لقد ذكرت كل خصائصها بغاية الإتقان.. أنت بارع في التحليل.. ولك قدرة عقلية ممتازة ليتك توظفها في العلم.

    قال الفلكي: أشكرك على هذا الثناء.. ولكني لم أذكر هذه الخصائص من تلقاء نفسي.

    قال علي: فأين وجدتها؟

    قال علي: في القرآن الكريم.

    انتفض الفلكي، وقال: هل يمكن أن يذكر القرآن مثل هذا.. إن هذا غريب.. إن هذه الثقوب لا ترى بالمراقب.. ولا يمكن للعقل مهما بلغ من الذكاء أن يتصور وجودها، فكيف بتصور خصائصها؟

    قال علي: لقد وردت آيتان في القرآن الكريم لطالما حيرت المفسرين، فذهبوا في تفسيرها كل مذهب، لا أرى أنها تنطبق بكل دقة إلا على ما ذكرته من هذه الثقوب.

    قال الفلكي: اذكرهما لي.. أنت تعرف علمي باللغة العربية.

    قال علي: هما في سورة التكوير.. في قوله تعالى:﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ(15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ(16)﴾(التكوير)

    قال الفلكي: أرني الآية في المصحف.

    أراه عليا إياها، فراح يتأمل فيها، ويقول بينه وبين نفسه: القسم بالخنس.. هذه الكلمة من فعل (خَنَسَ)، أي اختفى ولذلك سُمِّي الشيطان بـ (الخنَّاس) أي الذي لا يُرى.. فـ (الخُنّس) هي الأشياء التي لا تُرى أبداً.. وهذا ينطبق تمام الانطباق على الثقوب السوداء.. بل لأجلها سميت ثقوبا سوداء.

    و(الجوارِ) التي هي صفة الخنس مشتقة من الجري.. أي هي التي تجري وتسير بحركة محددة.. وهذا أيضا وصف صحيح ودقيق للثقوب السوداء.

    و(الكُنّس): من فعل (كَنَسَ) وهي تدل على معنيين: أحدهما يدل علي سفر شئ عن وجه شئ وهو كشفه، والأصل الآخر يدل علي الاستخفاء‏,‏ فالأول كنس البيت‏,‏ وهو سفر التراب عن وجه أرضه‏,‏ والمكنسه آلة الكنس‏,‏ والكناسة ما كنس‏.‏

    والأصل الآخر‏:‏ الكناس‏:‏ بيت الظبي‏,‏ والكانس‏:‏ الظبي يدخل كناسه.

    وقد يكون الكنس جمع كانس‏ (أي قائم بالكنس‏)‏.. أو مختف من كنس الظبي أي دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر‏.. وسمي كذلك لأنه يكنس الرمل حتى يصل إليه‏.‏

    فالكنس إذن يدل على الاختفاء، ويدل على القائم بعملية الكنس.

    وهذا معنى صحيح.. بل دقيق جدا، فهذه الثقوب تكنس السماء.. تكنس كل ما تمر به، أو يمر بها.. إنها تجذبه كما تجذب المكنسة الأوساخ.

    سكت قليلا، ثم قال: هذه الصفات لا تنطبق بكمالها إلا على الثقوب السواد.. بل على الخنس الجواري الكنس.. هذا مصطلح أفضل من مصطلح (الثقوب السوداء).. إن القرآن يعلمنا كيف نعبر..

    قال علي: هل ترى في اصطلاح (الثقوب السوداء) تقصيرا حتى رضيت هذا المصطلح القرآني بدلا عنه؟

    قال الفلكي: أجل.. فالعلم عندما يسمي هذه الكائنات بالثقوب السوداء يخطئ خطأ كبيرا.. فهذه التسمية غير دقيقة.. فكلمة (ثقب) تعني الفراغ، والأمر ليس كذلك، فهذه النجوم ذات أوزان ثقيلة جداً.. وكلمة (أسود) أيضاً غير صحيحة علميّاً، فهذه النجوم لا لون لها لأنها لا تُصدر أي أشعة مرئية.

    لذلك فإن كلمة (الخُنَّسْ) هي الكلمة المعبِّرة تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه الكائنات.

    بل إن كلمة (الكُنَّس) التي عبَّر بها القرآن عن حقيقة هذه النجوم، نجدها في آخر المقالات العلمية عن هذه المخلوقات.. حتى أن العلماء يقولون عنها:( إنها تكنُسُ صفحة السماء )

    سكت قليلا، ثم قال: هذا إعجاز لا يطيق معرفته بشر.. لو لم يكن في القرآن من علم الفلك إلا هذا لكفى.

    3 ـ الشمس:

    قال علي: فلنقترب قليلا من الكائنات المحيطة بنا.. حدثني عن الشمس.. ذلك النجم الذي أفاض القرآن الكريم في ذكره.

    قال الفلكي: الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا، فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية‏,‏ وتدور معها حول مركز المجرة‏,‏ وهي أقرب نجوم السماء إلينا‏,‏ ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلو مترات‏,‏ ويقدر نصف قطرها بحوالي سببعمائة ألف كيلو متر، وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن، ومتوسط كثافتها1.41‏ جرام للسنتيمتر المكعب، أي أعلى قليلا من كثافة الماء.

    والشمس تبدو لنا قرصا صغيرا في السماء مع أن حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض نظرا لبعدها الشاسع عنا‏.‏

    وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ ودرجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة، بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس إلى مليوني درجة مطلقة.

    وهذه الدرجات العالية من الحرارة‏,‏ والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة‏,‏ ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere)‏ احتجاباً كاملا بالكسوف الكلي لها أو بالطرق المختبرية المختلفة‏,‏ والكثافة في مركز الشمس تصل الي‏90‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب‏.‏

    وتنتج الطاقة في الشمس أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي‏,‏ وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة‏70 بالمائة إيدروجين‏, و28 بالمائة هيليوم‏, و2 بالمائة عناصر أخري‏,‏ والشمس هي مصدر كافة صور الطاقة الأرضية‏.‏

    ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة للشمس فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية‏,‏ قلب الشمس ‏(حوالي ثلث قطرها‏)‏ يدور كجسم صلب يتم دورته في‏36.5‏ يوم من أيام الأرض تقريبا‏,‏ بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب ‏(وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس‏)‏ يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي‏24‏ يوما من أيام الأرض‏,‏ وعلى ذلك فإن متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي ‏27‏ وثلث يوم من أيامنا‏.‏

    جري الشمس:

    قال علي: لقد ورد في القرآن آيات عن حركة الشمس وجريها طعن فيها بعض الناس.. فأرجوا أن تنبئني من علمها.

    قال الفلكي: اقرأها علي..

    قال علي: لقد أخبر القرآن أن الشمس تجري لمستقر لها، فقال تعالى:﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾(يس: 38)

    وذكر ذلك في آيات أخرى، فقال:﴿ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ (يّـس:40)، وقال:﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ (الرعد:2)، وقال:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ (لقمان:29)، وقال:﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾ (فاطر:13)

    قال الفلكي: هذه آيات عظيمة كل آية تتحدث عن معجزات علمية لم يفطن العلم الحديث ـ مع ما أوتي من وسائل ـ إلا لبعض ما تدل عليه.

    ولكني سأكتفي هنا بالحديث عما طلبته مني.

    نعم صدق القرآن فيما تحدث به عن جري الشمس.. فالشمس في حالة جري مستمر حتى تصل إلى مستقرها المقدّر لها، وهذه الحقيقة القرآنية لم يصل إليها العلم الحديث إلا في القرن التاسع عشر، حيث كشف العالم الفلكي (ريتشارد كارينغتون) أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بها وفق نظام ومعادلات خاصة[58].

    قال علي: فهل استطاع العلم الحديث التوصل إلى بعض ما يرتبط بحركتها هذه؟

    قال الفلكي: أجل.. فالشمس تجري بسرعة 220كلم/ثانية (140 ميل/الثانية) حول مركز المجرة اللبنية ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها، بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مائتين وخمسين مليون سنة.

    فمنذ ولادتها التي ترجع إلى 4.6 مليار سنة، أكملت الشمس وتوابعها 18 دورة حول المجرة اللبنية التي تجري بدورها نحو تجمع من المجرات، وهذا التجمع يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات، وكدس المجرات يجري نحو تجمع هو كدس المجرات العملاق، فكل جرم في الكون يجري ويدور ويسبح.

    لقد صدق القرآن.. بل عبر أحسن تعبير عندما قال في الآيات التي تلوتها علي:﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾(يس: 40)

    قال علي: لقد ذكر القرآن أن للشمس مقرا تنتهي إليه، فهل وصل العلم إلى معرفة هذا المقر؟

    قال الفلكي: إن علماء الفلك يقدّرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفد فيه وقودها فتنطفىء.. أنت تعلم أن النجوم ـ كسائر المخلوقات ـ تنمو وتشيخ، ثم تموت، وقد ذكر علماء الفلك في وكالة الفضاء الأميركية (NASA) أن الشمس عندما تستنفذ طاقتها تدخل في فئة النجوم الأقزام، ثم تموت وبموتها تضمحل إمكانية الحياة في كوكب الأرض.

    وقد ذكرت هذه الوكالة الفضاء أن ( الذي يظهر أن الشمس قد كانت نشطة منذ 4.6 بليون سنة وأنه عندها الطاقة الكافية لتكمل خمسة بليون سنة أخرى من الآن )

    التفت إلى علي، وقال: هذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس، وهو قاصر كثيرا عن مراد القرآن.. فما ذكر في القرآن يدل على أن هذا المستقر الذي تنتهي عنده معلوم التفاصيل.. وهو ما لم ندركه لحد الآن.

    ثم قال بينه وبين نفسه: ولكن من أدرى محمدا بهذه الحقائق.. إنها حقائق عظيمة لم يدركها العلم الحديث إلا بعد أن استعمل كل الوسائل، وبذل كل الجهود.

    حتى أنه في عام 1543 نشر العالم (كوبرنيكوس) كتابه عن الفلك والكواكب وأرسى في كتابه نظرية دوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر أن الشمس ثابتة.

    ثم بدأت تتحول هذه النظرية إلى حقيقة بعد اختراع التلسكوب، وبدأ العلماء يميلون إلى هذه النظرية تدريجياً إلى أن استطاع العالم الفلكي (غاليليو) أن يصل إلى هذه الحقيقة عبر مشاهداته الدائمة وتعقّبه لحركة الكواكب والنجوم، وكان ذلك في القرن السابع عشر، وفي القرن نفسه توصّل (كابلر) إلى أن الكواكب لا تدور حول الأرض فحسب بل تسبح في مدارات خاصة بها إهليجية الشكل حول مركز هو الشمس.

    وبقي الأمر على ما هو عليه إلى أن كشف (ريتشارد كارينغتون) في منتصف القرن التاسع عشر أن الشمس تدور حول نفسها خلال فترة زمنية قدرها بثمانية وعشرين يوماً وست ساعات وثلاث وأربعين دقيقة وذلك من خلال تتبّعه للبقع السوداء التي اكتشفها في الشمس كما جاء في وكالة الفضاء الأميركية.

    الشمس سراج:

    قال علي: لقد وصف الله تعالى الشمس بكونها سراجا، بل سماها كذلك، فقال تعالى:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُر
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:49

    كسوف الشمس:

    قال علي: لقد ورد حديث لرسول الله r عن كسوف الشمس.. أرجو أن توضحه لي.. لقد روي أن الشمس انكسفت يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله r:( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها، فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي )

    قال الفلكي: أهذا حديث صحيح عن نبيكم؟

    قال علي: أجل.. هو صحيح.. وقد رواه الثقاة عن الثقاة.

    قال الفلكي: هذا الحديث لا يقل روعة ولا عظمة ولا علما عما سبق ذكره.

    قال علي: كيف ذلك.. وأنا لا أراه يتحدث عن أي جديد يتعلق بعلم الفلك، فالكسوف والخسوف ظاهرتان معروفتان من قديم[59].

    قال الفلكي: ولكن محمدا تحدث عنها بطريقة مخالفة.. مخالفة تماما لما اشتهر في زمانه:

    لقد كان الكثير من الناس قبل آلاف السنين يعتقدون أن الكسوف هو نتيجة لتصارع الآلهة، وكانت بعض الشعوب في الصين يرمزون للشمس بأنها طائر ذهبي، ويرمزون للقمر بضفدع وعند حدوث الكسوف فإن معركة ما تدور بين هذين الرمزين.

    أما قبائل الأمازون فكانوا يعتقدون أن القمر أثناء الخسوف قد رماه أحد الأطفال بسهم في عينه مما أدى إلى نزيف في هذا القمر، ثم يُشفى القمر بعد ذلك ويعود لوضعه الطبيعي.

    وكان الصينيون يفسرون ظاهرة كسوف الشمس على أن تنّيناً يحاول أن يبتلع قرص الشمس، لذلك كانوا يضربون بالطبول، ويقذفون بالسهام لأعلى محاولة منهم إخافة التنين وإعادة الشمس لهم من فمه.

    وفي الهند كان الناس يغمرون أنفسهم بالماء عند رؤيتهم هذه الظاهرة لكي لا يسقط عليهم شيء منه..

    ولغاية قرون قليلة، وفي عام 1230 م حدث كسوف في أوروبا الغربية في الصباح مما اضطر العمال للرجوع إلى منازلهم لظنهم أن الليل قد خيم.. لكن في غضون ساعة استعادت الشمس سطوعها مما أدهش الجميع.

    وحتى يومنا هذا يعتقد الإسكيمو أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أثناء ظاهرة كسوف الشمس ثم تعود من جديد.

    وفي ظل هذه الأساطير كان العرب ينظرون إلى كسوف الشمس على أنه يمثل موت إنسان عظيم، أو خسارة معركة عظيمة.

    ولكن محمدا نظر إلى هذه الظاهرة نظرة علمية محضة، لقد أخبرهم أن الشمس والقمر مخلوقات وآيات مسخرة لله، ولا علاقة لهما بما يحدث على الأرض من ولادة أو موت أو غير ذلك.

    وفي هذه العبارة وضع محمد أساساً للبحث العلمي في الظواهر الكونية على اعتبار أنها آيات من عند الله ومخلوقات تخضع لإرادة خالقها.

    زيادة على ذلك، فإن هنالك شيئا مهما يثبت أن محمداً لم يكن من الصنف الذي يريد الشهرة أو المال.. فقد جاءه من يمدحه ويجعل من كسوف الشمس مناسبة لموت ابنه، وكان في إمكانه أن يسكت عن هذا الأمر، وأن يترك الناس يقدسونه ويرفعون من شأنه.

    لو كان محمد يحب المديح والثناء لتركهم يتحدثون عن كسوف الشمس، وأنها انكسفت بسبب موت ابنه إبراهيم، وهذا سيزيده علوّاً عند قومه.. ولكنه لم يفعل كل ذلك.. إن هذا يجعلني أصدق في البحث عن محمد.. وعن حقيقة محمد التي أساء قومنا تصويرها.

    قال علي: ألا ترى في الأمر بالصلاة عند الكسوف شيئا.. لكأن رسول الله r بهذا ينهى المسلمين عن رؤية كسوفها.. فصلاة الكسوف هي أطول صلاة في الإسلام، ولها هيئة تستدعي طولها، بل إن النبي r أمر أن لا ينصرف من الصلاة حتى يرتفع الكسوف.

    قال الفلكي: وهذا إعجاز آخر.. إن محمدا بهذا التشريع قد أفاد فوائد جمة:

    أولا.. في انصراف المسلمين للصلاة وقاية لأعينهم من الأشعة تحت الحمراء الخطيرة الناتجة عن الرؤية المباشرة للشمس، والتي قد تسبب العمى الدائم.

    وثاينا.. أراد محمد أن يقي الناس من كل تلك الخرافات التي تجعلهم ينظرون إلى الظاهرة بعين الخرافة الشعوذة.

    وفوق ذلك كله، فإن محمدا يقرب الخلق إلى ربهم.. ويستعمل هذا الحادث وسيلة لذلك.

    إن هذا الحديث آية من آيات الإعجاز.. وتصرف محمد تصرف ينبئ عن الحكمة والعلم والعبودية.

    قال علي: لقد ورد في الحديث قوله:( حتى ينجلي ) ألا يحمل هذا اللفظ أي إشارة علمية؟

    قال الفلكي: بلى.. هو يشير إلى جلاء القمر أي ذهابه من أمام الشمس؟

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: ظاهرة الكسوف تتعلق بثلاثة أجرام هي الشمس والقمر والأرض، فالقمر يدور حول الأرض بفلك محدد، والأرض تدور مع قمرها بفلك محدد حول الشمس، وهذه المدارات تتشابك مع بعضها.

    قال علي: لقد أشار القرآن الكريم على هذا، فقال:﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ (الانبياء:33)

    قال الفلكي: وعلى الرغم من ذلك يبقى كل جرم من هذه الأجرام محافظاً على مداره، ولا يحدث أي صدام في هذه المنظومة الكونية العجيبة.

    قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، فقد قال تعالى:﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يس: 40)

    قال الفلكي: ولكن الذي يحدث أحياناً أن القمر يمرّ من أمام الشمس فيحجب ضوءها عنا، وهذا ما يسمى بكسوف الشمس.. وإذا مرّ القمر بشكل كامل أمام الشمس، فإن الشمس تختفي بشكل كامل.. وهنا يحدث الكسوف الكلي، أما إذا مرّ القمر بشكل يحجب قسماً من ضوء الشمس، فهذا ما يسميه العلماء بالكسوف الجزئي.

    قال علي: فكيف يحدث خسوف القمر؟

    قال الفلكي: هذا واضح أيضا من خلال ما سبق.. فاختفاء القمر لفترة من الزمن ناتج عن وقوع الأرض بين الشمس والقمر، فتحجب الأشعة المنعكسة عن القمر، فنظن أن القمر اختفى ولا يُرى منه إلا آثار بسيطة.. ولذلك، فإن الذي يجلس على القمر في هذه اللحظة أي لحظة خسوف القمر، فإنه يرى كسوف الأرض، أي أنه لن يرى الأرض، ولكن يرى ظلها لأن الشمس تقع خلفها، وسوف تظهر الأرض من على القمر محاطة بحلقة حمراء رائعة.

    وخسوف القمر يحدث مرة على الأقل في كل عام، وعند حدوث الكسوف الكلي للقمر يمكن رؤيته بسهولة من أي مكان على الأرض بشرط أن يكون في الجهة المقابلة للقمر.

    4 ـ المجموعة الشمسية:

    قال علي: فحدثني عن مجموعتنا الشمسية‏.. تلك المجموعة التي ننتمي إليها [60].

    قال الفلكي: تضم مجموعتنا الشمسية بالإضافة إلى الشمس كواكب تسعة، هذا ترتيبها بحسب قربها من الشمس: عطارد‏,‏ والزهرة‏,‏ والأرض‏,‏ والمريخ‏,‏ والمشتري‏,‏ وزحل‏,‏ ويورانوس‏,‏ ونبتيون‏,‏ وبلوتو‏,‏ ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود.

    وهذا بالإضافة إلى عدد من التوابع‏ (الأقمار‏)‏ التي يقدر عددها بواحد وستين تابعا تدور حول بعض من هذه الكواكب‏.

    بالإضافة إلى هذا هناك آلاف الكويكبات المنتشرة بين كل من المريخ والمشتري، والتي يعتقد بأنها بقايا لكوكب منفجر.. وآلاف الشهب والنيازك‏.. وكميات من الدخان‏(‏ الغاز الحار والغبار‏)

    وتتباين هذه الكواكب في طبيعتها وكثافتها كما نصت الآية، أما الكواكب الأربعة الداخلية ‏(عطارد‏,‏ والزهرة‏,‏ والأرض‏,‏ والمريخ‏)‏ فهي كواكب صخرية‏.. وأما الكواكب الخارجية ‏(من المشتري إلى بلوتو‏)‏ فهي كواكب غازية تتكون من عدد من الغازات المتجمدة علي هيئة جليد ‏(مثل بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون‏,‏ والأمونيا‏,‏ والايدروجين، والهيليوم‏)‏ حول لب صخري ضئيل‏.‏

    وكواكب المجموعة الشمسية تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد‏,‏ وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو‏,‏ وذلك في مدارات شبه دائرية ‏(‏إهليلجية‏)‏ بحيث تقع الشمس في إحدى بؤرتيه.

    وأبعد نقطة علي المدار يصل إليها الكوكب تسمي الأوج‏,‏ وأقرب نقطة تسمي الحضيض، ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس‏.

    وتزداد سرعة الكوكب بقربه من الشمس، وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساوية في وحدة الزمن‏.‏

    وتقدر المسافة بين الأرض والشمس بنحو المائة والخمسين مليون كيلو متر ‏(149.6‏ مليون كم‏)‏، وقد اعتبرت هذه المسافة وحدة فلكية دولية واحدة‏.‏

    وتقدر المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها ‏(عطارد‏)‏ بنحو الثمانية والخمسين مليونا من الكيلومترات ‏(57.9‏ مليون كم‏),‏ كما تقدر المسافة بين الشمس وأبعد الكواكب المعروفة عنها‏(‏ بلوتو‏)‏ بنحو ستة بلايين من الكيلومترات‏5913.5‏ مليون كم‏)

    ويلي مدار بلوتو إلى الخارج سحابة ضخمة من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس بأربعين ألف وحدة فلكية ‏(أي نحو ستة تريليونات من الكيلومترات‏)

    ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس أبعد من ذلك، ولكنها لم تكتشف بعد‏,‏ وإذا كان امتداد المجموعة الشمسية يعبر عنه بأبعد مسافة نعرفها حول الشمس تتم فيها حركة مدارية حول هذا النجم، فإن مدار بلوتو لا يمكن أن يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسية‏,‏ وعليه فإننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسية‏.‏

    5 ـ القمر:

    قال علي: فحدثني عن أقرب لبنة يتكون منها بنيان السماء.

    قال الفلكي: تقصد القمر[61].

    قال علي: أجل.. فقد تحدث عنه القرآن الكريم كثيرا باعتباره من نعم الله على هذه الأرض، وعلى أهلها.. فقد ورد ذكره سبعا وعشرين مرة في القرآن الكريم، كفاه بذلك شرفا.

    وقد اعتبره ـ كجميع الكون ـ يسبح في الفلك، مسخرا، يسير بقدرة الله إلى أجله المسمى، قال تعالى:﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(لأعراف: من الآية54)، وقال تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد:2)، وقال تعالى:﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) (ابراهيم:33)، وقال تعالى:﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12)

    قال الفلكي: القمر تابع صغير للأرض يبعد عنها بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي‏384,400‏ كيلومتر‏,‏ وهو علي هيئة شبه كرة من الصخر غير كاملة الاستدارة إذ لها شكل البيضة التي تتجه بنهايتها الصغيرة تجاه الأرض‏,‏ وتقدر كتلة القمر بحوالي‏735‏ مليون مليون مليون طن ‏(أي حوالي‏81/1‏ من كتلة الأرض‏),‏ ويقدر حجمه بحوالي‏22‏ مليون مليون كيلو متر مكعب‏(‏ أي حوالي‏50/1)‏ من حجم الأرض‏),‏ ويقدر متوسط كثافته بحوالي‏3,34‏ جرام للسنتيمترالمكعب‏(‏ أي حوالي ثلثي متوسط كثافة الأرض‏),‏ ويقدر قطره بحوالي‏3474‏ كيلو مترا ‏(أي حوالي ربع قطر الأرض تقريبا‏)‏، وتقدر مساحة سطحه بحوالي ‏38 مليون كيلو متر مربع‏ (أي حوالي‏13,42بالمائة‏ من مساحة سطح الأرض‏)‏ وتقدر جاذبيته بحوالي سدس جاذبية الأرض‏.‏

    ويدور القمر حول الأرض في مدار شبه دائري يقدر بحوالي‏2,4‏ مليون كيلو متر بسرعة متوسطة تقدر بحوالي كيلومتر واحد في الثانية‏,‏ ويدور حول محوره الذي يميل علي مستوي مداره بزاوية تتراوح بين‏(18,3‏ و‏28,6)‏ درجة بنفس السرعة ليتم دورته الاقترانية حول الأرض في حوالي‏29,5‏ يوم من أيام الأرض‏,‏ ولا يظهر لسكان الأرض من القمر إلا وجه واحد، ولكن نظرا لترنح القمر، فإننا نستطيع رؤية حوالي‏59 بالمائة‏ من مساحة سطحه تقريبا،‏ لأنه يدور حول الأرض في نفس الزمن الذي يكمل فيه دورته حول محوره‏,‏ وبذلك يطول كل من الليل والنهار علي سطح القمر إلي حوالي‏14,5‏ يوم من أيام الأرض،‏ ويصعب إدراك الغلاف الغازي للقمر لقلة كثافته‏..‏ حيث تقدر كثافة غلافه الغازي بحوالي الواحد من ألف‏(0,001)‏ من كثافة الغلاف الغازي للأرض،.‏ وتتراوح درجة حرارة سطح القمر في نصفه المواجه للشمس بين‏110‏ درجات مئوية نهارا و‏120‏ درجة مئوية تحت الصفر ليلا‏.‏

    ونظرا لقلة كثافة الغلاف الغازي للقمر، فقد أصبح عرضة للرجم المستمر بواسطة كل من النيازك والتيارات الترابية وموجات الطاقة التي تصاحب الانفجارات الشمسية‏,‏ ولذلك أصبح سطح القمر مليئا بالحفر الدائرية العميقة والتي يصل قطر الواحدة منها الي خمسة كيلو مترات، والناتجة عن اصطدام النيازك الضخمة بسطحه، وقد كان يظن قديما أنها فوهات براكين‏,‏ ولكن ثبت بعد ذلك أنها نشأت بواسطة تكرار اصطدام النيازك بنفس النقاط علي سطح القمر مما أدي إلي تعميق بعضها إلي ما يقرب من عشرين كيلو مترا‏.‏

    ولا ينفي ذلك وجود فوهات بركانية علي سطح القمر يعتقد أن بعضها لايزال نشيطا نظرا لاكتشاف عدة نقاط ساخنة في بعض ما يعتقد بأنه فوهات بركانية علي سطح القمر‏.‏

    القمر والحساب:

    قال علي: لقد ربط القرآن الكريم القمر بالحساب، فمن نعم الله علينا، والتي كان القمر وسيلتها هو اعتباره كالشمس وسيلة لحساب الزمن، قال تعالى:﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (الأنعام:96)، وقال تعالى:﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (الرحمن:5)

    وقد أخبر القرآن الكريم عن ارتباط حسابها ببعض العبادات، فقال:﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(البقرة: من الآية189)

    قال علي: ليحدث ذلك، يتحرك القمر ـ باعتباره تابعاً للأرض ـ حول الأرض فيتم دورته حولها في مدة تقارب 29.5يوماً، وهو ما يسمى بالشهر القمري أو العربي، لتفريقه عن الشهر الشمس أو الغربي، الذي مدته حوالي 30.5يوماً، وهو مشتق من حركة الأرض حول الشمس ، التي تتم في اثني عشر شهراً شمسياً ، وتقدر بحوالي 365يوماً، وهي السنة الشمسية، أما السنة القمرية التي تعادل اثني عشر شهراً قمرياً فتقدر بحوالي 354 يوماً.

    و لو كانت الأرض لا تدور حول نفسها ، لرأينا القمر يسير ببطء زائد ، حتى أنه يدور دورة واحدة فقط حول الأرض في مدة 29.5 يوماً، ولكن حركة الأرض حول نفسها تجعلنا لا نلحظ مقدار حركة القمر الصحيحة إلا إذا راقبناه يومياً في نفس الوقت، مثلاً عند الغروب، فبمقدار ما يكون قد علا على الأفق يكون مقدار مسيره الحقيقي.

    وبما أنه يتم دورته الكاملة في حوالي 30يوماً، وهي تعادل على الأرض 24ساعة ، إذن يتأخر غروب القمر كل يوم عن اليوم السابق بمقدار 30/24من الساعة أي 5/4 الساعة، أي نحو 48دقيقة ، أي بمعدل ثلاثة أرباع الساعة كل يوم تقريباً.

    وهذا الارتفاع التدريجي للقمر نحو كبد السماء باتجاه الشرق يوماً بعد يوم يسمح له باظهار نصفه المضيء بالتدريج، الذي يستمد نوره من الشمس بالنسبة للأرض، والأرض بينهما تقريباً، ويظهر بدراً كاملاً يطلع من الشرق عند المغرب، ثم بعد نصف الشهر ينتابه النقصان من جديد حتى يعود إلى المحاق، حيث يقع بين الشمس والأرض، ويكون وجهه المضيء تجاه الشمس، ووجهه العاتم تجاه الأرض.

    قال علي: لقد ذكر الله منازل القمر، فقال:﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّـس:39)، والعرجون القديم هو عرق النخل الذي تشكل منذ عام أو أكثر، فالهلال يكون مقوساً مثله.

    قال الفلكي: ذلك صحيح.. وهو تشبيه رائع.. فالقمر ـ أثناء دورانه ـ حول لأرض يمر بوضعية ينطبق فيها ظاهرياً على الشمس، وهذا يوافق المحاق، فإذا علا قليلاً عنها بالنسبة للناظر من الأرض يقال عنه إنه ولد، لأن الجزء السفلي من وجهة المضيء يبدأ بالظهور.. ويكون شكل الهلال عندها مثل الحرف (ر).

    بيد أن العين البشرية لا تستطيع رؤية القمر بعد ولادته إذا كان عمره أقل من ثماني ساعات، وذلك لشدة قربه من الشمس وتأثير ضوئها على وضوحه.

    وبما أن القمر يكتمل نوره في 16 يوما تقريباً، فإن إضاءة نصفه تعادل 8 أيام تقريباً وإضاءة ربعه تعادل 4 أيام تقريباً وهكذا.. فمن نظرة سريعة إلى الجزء المضيء من القمر نستطيع معرفة التأريخ الشهري القمري بخطأ لا يتجاوز اليوم الواحد.

    قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية في قوبه تعالى:﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (الكهف:25)، فإذا حسبنا المدة على حساب السنة الشمسية تكون 300 سنة ، وإذا حسبنا ها على السنة القمرية تكون 309 أي بفارق تسع سنين.

    قال الفلكي: ذلك صحيح .. فقد عرفنا أن السنة الشمسية تعادل 365 يوماً ، وأن السنة القمرية تعادل 354 يوماً، الفرق بينهما 365 – 354 = 11 يوماً.

    ويتراكم هذا الفرق مع توالي السنين ( كل سنة 11يوماً )، فيصبح كل ثلاثة سنوات شهراً تقريباً، فإذا وقع أول المحرم في أول نيسان مثلاً، فبعد ثلاث سنوات يصبح أول المحرم في أول آذار، وبعد ثلاثة سنوات في أول شباط.. وهكذا يتراجع إلى الوراء شهراً كل ثلاث سنوات.

    ويعود التطابق بين التقويمين الشمسي والقمري كل 33 سنة حيث أن كل 32 سنة شمسية تعادل 33 سنة قمرية، بفرق يومين فقط، أي يعود الوضع النسبي بين الشمس والقمر والأرض متماثلاً كل 33 سنة.

    وبذلك، فإنه كلما مضى مائة سنة شمسية تمضي 103 سنة قمرية ، أي بزيادة ثلاثة سنوات كل مائة سنة.

    القمر المنير:

    قال علي: لقد وصف القرآن الكريم ـ في معرض حديث الله عن نعمه على عباده ـ بأنه جعل القمر منيرا ، فقال تعالى:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً﴾(الفرقان:61)

    وكلمة منير في اللغة اسم فاعل، وهذا يعني أن القمر فيه شيء من خصائص الإنارة، لأن اسم الفاعل يشير إلى من قام بالفعل، أي ليست الشمس فقط هي التي تنير، بل القمر فيه هذه الميزة.

    ومع ذلك، فإن القمر ـ كما ينص القرآن الكريم ـ ليس جسماً متوهجاً مثل الشمس، والتي سماها القرآن بالسراج، ففرق بين السراج والقمر المنير، وأعطى لكل منهما الصفة الحقيقية التي تناسبه.

    فهل وجد في العلم ما يمكن أن يدل على هذه الخصائص التي يتمتع بها القمر ليصبح قادرا على الإنارة؟

    قال الفلكي: أجل.. وذكر القرآن لذلك من العجائب.. فقد قام فريق من الباحثين بأخذ عينة من تربة القمر التي تم إحضارها بواسطة رواد مركبة الفضاء (أبولو)، ومعالجتها في الفراغ بطرق هندسية متطورة لاستخدامها في تصنيع خلايا للطاقة الشمسية.

    قال علي: ما علاقة تراب القمر بالطاقة الشمسية؟

    قال الفلكي: أنت تعلم أن مهمة الخلية الشمسية هي تحويل الضوء أوالإنارة القادمة عليها إلى تيار من الإلكترونات، أو بكلمة أخرى تحويل النور إلى كهرباء.

    قال علي: ولكن كيف تتم هذه العملية، ونحن جميعاً نعلم بأن القمر كوكب جامد لا ينتج أي إنارة، بل كل ما يقوم به هو عكس الأشعة القادمة إليه من الشمس ليصلنا النور المعكوس من على سطحه إلى الأرض؟

    قال الفلكي: كانت هذه المعلومة هي السائدة قبل صعود الإنسان إلى القمر.. ولكن عندما صعد الإنسان لأول مرة إلى القمر تغيرت هذه المعلومة.

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: لقد أحضر رواد الفضاء معهم عينات من تراب القمر وصخوره، وقام بفحصها بالمجاهر الإلكترونية وتحليل مادتها بالأجهزة الكيميائية، وكانت النتيجة أن تراب القمر المأخوذ من على سطحه، أي الطبقة الظاهرة لنا يتألف من 50 بالمئة من مادة أكسيد السيليكون silicon dioxide وأكاسيد معدنية أخرى مثل أكسيد الألمنيوم وأكسيد الحديد.

    وأكسيد السيليكون هو الذي تم استخدامه في العقود الماضية لصناعة العناصر الإلكترونية، وعنصر السيليكون هو من العناصر شبه أو نصف الناقلة للكهرباء، وله مزايا تجعله العنصر الأساسي في التكنولوجيا الرقمية اليوم.

    فهذا الاكتشاف العلمي يؤكد أن سطح القمر لا يعكس النور فحسب، بل هنالك خصائص في ترابه تجعله يكتسب خاصية الإنارة، وتحويل النور لتيار كهربائي، وقد يحوي هذا التراب على خاصية تحويل الكهرباء إلى نور.

    قال علي: كيف يكون ذلك؟

    قال الفلكي: هاتان العمليتان متعاكستان، وملخصهما ـ كما نراهما في التجارب الحديثة ـ هو أنه عندما يسقط الشعاع الضوئي على التربة القمرية، فإن الفوتونات الضوئية الآتية من خلال هذا الشعاع تصطدم بذرات التراب، وتؤدي لحركة منظمة في الإلكترونات وانتقال هذه الإلكترونات عبر المادة نصف الناقلة (السيليكون) مما ينتج تياراً كهربائياً يمكن الاستفادة منه.

    أما العملية المعاكسة، فتتلخص بأننا إذا حرضنا تياراً كهربائياً في ذرات هذا التراب، فإنه سيحرك الإلكترونات ويجعلها تقفز في مداراتها حول الذرات مما ينتج الفوتونات الضوئية أو النور، وهذه العملية قد يتمكن العلماء من تحقيقها مستقبلاً.

    سكت قليلا، ثم قال: لقد ذكرني حديثك هذا بكتاب في الخيال العلمي.. فقد كتب أحد كتاب الخيال العلمي رواية منذ نصف قرن، وهو جون كامبل، ذكر فيها أن رجالاً صعدوا للقمر بمركبة فضائية، وعندما نفد وقودهم وأشرفوا على الهلاك خطرت ببال أحدهم فكرة تصنيع خلايا ضوئية من تراب القمر، مما مكنهم من الحصول على بعض الطاقة وعادوا إلى الأرض سالمين.

    قال علي: ما أوسع خيال هذا الرجل..

    قال الفلكي: لقد أذهلت هذه الرواية المنشورة عام 1951 القراء لسعة خيال هذا الكاتب، فكيف استطاع التنبؤ ـ في ذلك الوقت ـ بإمكانية استخدام تراب القمر لصناعة خلية شمسية.. مع أن هذا التنبؤ جاء منذ قرابة نصف قرن فقط، وعلى يد أحد كبار الأدباء والذي استفاد من العلوم المتوفرة له، ومن الاكتشافات الكثيرة التي تمت في عصره الذي انتشرت فيه علوم الإلكترونيات والذرة ومهدت لعصر الفضاء.

    ولكن محمدا.. ذلك الرجل الأمي البسيط.. في تلك المنطقة النائية من العالم.. وفي ذلك الزمن الغابر من التاريخ.. كيف عرف كل هذا؟

    محو القمر:

    لقد أشار القرآن الكريم إلى أن القمر كان مشتعلا، ثم انطفأ في قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ (الاسراء:12)، فآية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس، وقد قال ابن عباس في الآية:( لقد كان القمر يضيء كالشمس فطمسنا ضوءه )

    قال الفلكي: ذلك صحيح [62].. فالقمر والأرض والمريخ وكل كواكب المجموعة الشمسية عندما بدأت كانت كلها مشتعلة، وسبب ذلك هو أن المواد عندما أخذت تتجمع مع بعضها بعد انفجار الشمس الأم لتكوِّن محيطاً فتندفع إليها القطع الباقية حولها بسرعة جبارة بسبب الجذب ويزداد ارتطام هذه القطع على الكوكب المتكون فتزيد من حرارته زيادة كبيرة حتى تصل إلى درجة انصهار سطحه كله، وهذا الانصهار يصح أن يمتد إلى سمك حوالي 300 كيلومتر في عمق الكوكب المتكون مع جميع الجهات.

    وهذا الصهير لونه أحمر مثل النار والصخور تكون منصهرة وسائلة، وهذا يعني أن درجة الحرارة أكبر بكثير من درجة حارة النار التي نعرفها.

    وفي هذا الصهر الصخري أو الصخور السائلة تبدأ عمليات انفصال المعادن، فتأخذ المعادن الثقيلة في الغوص إلى تحت، وتطفوا العناصر الخفيفة إلى فوق، ونحن نعلم أن هذا قد حدث في قشرة القمر.









    3 ـ موازين السماء

    قال علي: لقد ذكر القرآن الكريم في مواضع كثيرة دقة الصنع الإلهي للكون، وأنه مبني على حسابات دقيقة، فلهذا ﴿ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ (يّـس:40)

    بل إن الله تعالى يعبر عن الموازين التي تضبط الكون، لئلا يختل اتزانه، فيقول:﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ (الرحمن:7)

    قال الفلكي: إن القرآن يشير بهذه النصوص إلى أعظم مظاهر الكون، فالكون مؤسس على أنظمة دقيقة متوازنة، لا يمكن أن يتصور عقل بشري مدى الضبط الذي ضبطت به.

    قال علي: الله تعالى يخبرنا في القرآن عن علم الله بتفاصيل الأشياء التي قد لا نلقي لها بالا، فهو يقول:﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ (الأنعام:59)

    ومثل ذلك قدرة الله التي لا يعجزها شيء دق أو جل، قال تعالى على لسان لقمان، وهو يعظ ابنه:﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ (لقمان:16)

    قال الفلكي: إن القرآن يضع الأمور في محالها.. فلا يمكن لخالق هذا الكون الدقيق إلا أن يكون بهذه الأوصاف.

    لقد قرأت الكتاب المقدس في بداية حياتي، وكان في عقلي وقلبي شوق كبير للتدين، ولكني حجبت بما فيه.. إن الله ـ على حسب ما في الكتاب المقدس ـ أميل إلى الجهل والطيش والغفلة منه إلى العلم والعدل والنظام.

    لقد قرأت هذه النصوص وغيرها، ثم ذهبت إلى الكون أتلمس ذراته ومجراته وأفلاكه، فوجدت أنه يستحيل على خالق هذا الكون أن يكون بتلك الأوصاف التي يطلقها عليه الكتاب المقدس.

    إن كثيرا ممن هم مثلي لم ينحجبوا عن الدين.. لأنه دين.. ولم ينحجبوا عن الله، لأن علمهم أبعدهم عن الله.. وإنما حجبوا لأن الله الذي تصوره الأديان لا يتناسب مع الله الذي تصوره الأكوان[63].

    قال علي: ولكن الله الذي يصوره الإسلام خلاف الله الذي يصوره الكتاب المقدس، فالله في القرآن عليم قدير منزه عن كل نقص، بل منزه عن كل كمال تفرزه تصوراتنا القاصرة.. فالله ليس له كفو ولا شبيه ولا نظير.

    والله يخبر عما وصفته عن العلماء، فيقول:﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ (فاطر: من الآية28).. هذه الآية لا تتحدث عن علماء الدين، بل هي تتحدث عن علماء الكون، فقد سبقت بالحديث عن الظواهر الكونية، فالله تعالى يقول قبلها:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾(فاطر)

    بل إن الله تعالى يعتبر العلماء من أكابر الشهود الدالين على الله، فيقول:﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (آل عمران:18)

    كان الفلكي يسمع حديث علي بانتباه شديد، وكأنه قد وجد عنده ما ظل يبحث عنه طول حياته.

    قال علي: حدثني عن تفاصيل ما ذكره القرآن عن نظام الكون واتزانه ودقته.

    قال الفلكي: كي تدرك النظام الدقيق الذي بني به الكون تحتاج إلى معرفة القانون الثاني في الترموديناميك[64].

    قال علي: أعرف هذا القانون.. إنه ينص على أن جميع الأنظمة في الكون إذا تركت للظروف الطبيعية، فإنها مع الزمن سوف تدخل في حالة من الفوضى وعدم الانتظام[65].. وهذا القانون يدعى أيضاً بقانون (الانتروبي )

    وقد ضرب لنا أستاذنا الذي درسنا هذا القانون مثالا عنه بأننا إذا تركنا سيارة وهجرناها لمدة سنة أو حتى لمدة شهرين، من المحتمل أننا سنلاحظ أن الإطارات فارغة ومسواة بالأرض والنوافذ محطمة وأجزاء الجسم والمحرك متآكلة صدئة.

    وبطريقة مماثلة إذا أهملنا العناية بالبيت لبضعة أيام، فسوف نجده مغبراً وأكثر فوضى مع مرور الوقت..

    قال الفلكي: هذا نوع من الأنتروبي.

    وهو يقرب لك صورة الكون، ودلالة النظام فيه على وجود المنظم.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:50

    قال علي: لقد صرح القرآن بهذا.. فقال:﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ (الانبياء: من الآية22)

    قال الفلكي: صدق القرآن.. لقد اتفق كل العلماء على هذا.. فالقانون الثاني في الترموديناميك مقبول بشكل واسع.

    لقد كان (أينشتاين ) يقول عنه:( إن ذلك القانون هو أول قانون في جميع العلوم)

    كما أن العالم الأمريكي (جيرمي زفنك ) علق في كتاب (الإنتروبي، نظرة العالم الجديد)، فقال:( قانون الأنتروبي سوف يسيطر كقانون نموذجي في الفترة التاريخية التالية)

    أما السير (آرثر أدينغتون ) فقد أرجع ذلك القانون إلى كونه قانوناً ميتافيزقياً أسمى لكل الكون.

    إن قانون الأنتروبي يعالج كثيراً من قضايا المادية غير الصالحة من البداية، لأنه إذا كان يوجد تصميم ونظام في الكون، فإن القانون ينص على أنه مع مرور الوقت فإن هذه الحالة سوف تزول من قبل الكون ذاته.

    قال علي: لقد نص القرآن على هذا عندما ذكر قيام الله بحفظ الأشياء، وذلك في نصوص كثيرة من القرآن الكريم:

    فالله تعالى يقول في آية الكرسي، المعرفة بالله، وعلاقته بالكون:﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ (البقرة:255)

    فاسم القيوم الذي هو من أسماء الله الحسنى يدل على قيام الله العظيم بشؤون كل مخلوقاته.

    بل إن الله أخبر أنه لولا إمساكه السموات والأرض لزالتا، فقال:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ (فاطر:41)

    قال الفلكي: أجل.. كل ذلك صحيح.. والنظام الكوني يدل على كل ذلك.. لا بد أن يكون إله هذا الكون كما ينص القرآن.. هكذا تنطق قوانين الكون..

    فيستحيل على الكون إذا ترك وحده أن يبقى إلى الأبد، والقانون الثاني يقول أنه بدون تدخل خارجي من نوع ما، فالأنتروبي أخيراً سوف يتعاظم عبر الكون مسبباً حالة متجانسة كلياً.

    أما الادعاء بأن النظام والترتيب اللذين نشاهدهما في الكون ليسا نتيجة لتدخل خارجي فهو غير صحيح، فعقب الانفجار العظيم كان الكون في حالة فوضى تامة والتي كانت ستبقى لو أن الأنتروبي تعاظم، ولكن ذلك تغير لأننا نستطيع أن نرى ذلك بوضوح بالنظر فيما حولنا، وذلك التغير حدث بالخروج عن واحد من القوانين الأساسية في الطبيعة وهو قانون الأنتروبي.

    ولا توجد طريقة لتعليل وتفسير ذلك التغير ما عدا افتراض وجود نوع من الخلق الفوق طبيعي (الخارق للطبيعة )

    سأذكر لك مثالاً ربما يجعل النقطة الثانية أكثر وضوحاً، تخيل أن الكون عبارة عن كهف هائل مملوء بخليط من الماء والصخور والوحل، فإذا تركنا ذلك الكهف وحيداً لبضع بلايين من السنين، ثم عدنا إليه فإننا سنلاحظ أن بعض الصخور صار أصغر حجماً وبعضها اختفى، وأن مستوى الوحل صار أعلى، وأنه صار فيه طين أكثر..

    وهكذا صارت الأشياء أكثر فوضوية وبالضبط هذا ما كنا نتوقعه، ولكن إذا وجدت بعد بلايين السنين لاحقاً أن الصخور منحوتة بنعومة ولطافة وبشكل تماثيل، فأنت بالتحديد ستقرر أن هذا الترتيب لا يمكن تفسيره بقوانين طبيعية، والتفسير المعقول لذلك هو أنه من تدبير عقل مدرك واع، وهو الذي أراد لتلك الأشياء أن تكون على هذا النحو.

    وقد فسر الفيزيائي الألماني الحائز على جائزة نوبل (ماكس بلانك ) الترتيب في الكون، فقال:( إجمالاً نقول أنه وفق كل شيء تعلمناه بالعلوم القطعية عن المملكة الضخمة للطبيعة والتي يلعب فيها كوكبنا الصغير دوراً تافهاً، أنه يسود نوع من الترتيب والنظام في كل الحوادث لا يستطيع عقل إنسان أن يستوعبه، وفوق ذلك فنحن من خلال شعورنا نستطيع أن نؤكد أن ذلك الترتيب والنظام لا يمكن أن يصاغ إلا من قبل فعالية هادفة وثمة دليل يؤكد وجود ترتيب في هذا الكون )[66]

    وقد فسر (باول ديفز) انتصار التوازن الرائع والتناسق على المادية، فقال:( أينما نظرنا في الكون من المجرات المندفعة بعيداً وإلى أعمق أعماق الذرة فإننا نواجه الترتيب والنظام.. والفكرة الرئيسية لشيء خاص حقيقي مثل الكون المنظم، وهذا بدوره يحتاج إلى معلومات كثيرة لوصفه، وبديلاً عن ذلك ربما نقول أن ذلك النظام يحتوي كثيراً من المعلومات.

    ويحضرنا الآن سؤال فضولي وهو إذا كانت المعلومات والنظام لهما دوماً ميل نحو الاختفاء، فمن أين أتت أصلاً كل هذه المعلومات التي جعلت العالم في هذه المكانة الخاصة؟

    الكون مثل الساعة يجري ببطء شديد والسؤال الآن هو كيف أمكن لتلك الساعة أن يعبأ دورانها؟)[67]

    وقد عبر أينشتاين أن النظام الموجود في الكون لا يمكن تخيله، ويمكن وصفه بالمعجزة، فقال:( حسناً، وفق المبدأ الأسبق في الكون (البرهان على الناشئ من السبب إلى الأثر ) كان الإنسان يتوقع أن العالم يعالج بالقوانين، وأنه طيع مذعن للقانون والنظام، وحدود ذلك المبدأ هو المدى الذي يتدخل فيه ذكاؤنا الإنساني المنظم … لكن بدلاً من ذلك فنحن نجد أن العالم المادي على درجة عالية من الترتيب لم نكن نتوقعه، كما لا توجد لدينا طريقة مسبقة تقر به أو تجيزه، وتلك هي معجزة تقوى أكثر فأكثر مع نمو معلوماتنا )[68]

    الدقة:

    قال علي: إن أول ما يتطلبه النظام أن يوضع كل شيء في محله المناسب له.

    قال الفلكي: هذا يعبر عنه بالدقة التي خطط بها الكون، والتي بها حفظ وجوده واستقراره.. فالكون مبني على حسابات في غاية الدقة.

    قال علي: حدثنا عن هذا.. فقد أشار القرآن إلى دقة تخطيط الله لمقاديره، فقال:﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ (الحجر:21)، وقال:﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ (القمر:49)

    قال الفلكي: سأضرب لك مثالا يبين دور دقة الأبعاد بين النجوم في حفظ الكون..

    خلال ليل الرابع من تموز من عام 1054 شاهد الفلكيون الصينيون حادثاً غير طبيعي.. لقد ظهر نجم ساطع فجأة بالقرب من برج الثور، وكان سطوعه شديداً بحيث كان يرى بسهولة أثناء النهار، وكان في الليل أكثر سطوعاً من القمر.

    لقد عرف العلماء أن الذي شاهده الصينيون كان أحد أعظم الظواهر الفلكية الكارثية المثيرة للاهتمام في كوننا.. لقد كان (سوبر نوفا).

    أنت تعرف (السوبر نوفا).. إنها نجم يتفتت بالانفجار، وهو نجم هائل يفجر نفسه انفجاراً ضخماً، وتتبعثر مادته في كل الاتجاهات، والضوء الناتج خلال تلك الحادثة هو أشد بآلاف المرات من الضوء الطبيعي.

    على الرغم من أن (السوبرنوفا) قد يبدو انفجاراً عادياً لكن هذه الانفجارات في الحقيقة مكونة بتفاصيلها من دقائق صغيرة جداً.

    لقد كتب ميشيل دنتون في كتابه (قدر الطبيعة) يقول:( المسافة بين (السوبرنوفات)، وفي الحقيقة بين كل النجوم هي مسافات حرجة لأسباب أخرى، والمسافة بين نجوم مجرتنا هي حوالي ثلاثين مليون ميل، فإذا كانت تلك المسافة بمقدار أقل فالمدارات الكوكبية ستكون غير مستقرة (أي فاقدة للاستقرار)، وإذا كانت أكثر من ذلك فإن الشظايا المقذوفة من انفجار (السوبرنوفا) ستكون موزعة ومنتشرة جداً بحيث أن أي نظام كوكبي مثل نظامنا سوف لن يتشكل في كل الاحتمالات وعلى جميع المستويات.

    فإذا أريد للكون أن يكون مكاناً للحياة عندئذ يجب أن تحدث الضربة السريعة (السوبرنوفا) بمعدل دقيق جداً، ويجب أن يكون متوسط المسافة بينهما (وفي الحقيقة بين كل النجوم ) قريباً جداً من الرقم المشاهد فعلاً في الكون )[69]

    هذا مجرد مثال عن الدقة التي صممت بها أبعاد النجوم، بحيث تحميها من مخاطر الانفجارات من جهة، وتحفظ لها كيانها ليستمر وجودها من جهة أخرى.

    لنترك هذا.. ولنضرب مثالا آخر..

    لنضرب مثالا على محافظة الكون على وجوده مع اتساعه العظيم..

    لتدرك دقة التنظيم الذي بني به الكون، وما يحتاج إليه من دقة الصنع، وما يحتاج إليه كل ذلك من صفات العلم والقدرة تحتاج إلى التعرف على سعة الكون.

    الكون واسع بما لا يستطيع خيالك أن يتصوره..

    سأحاول أن أقرب لك بعض ذلك لتدرك من خلاله تلك الدقة التي أشار إليها القرآن، بل صرح بها:

    كوكب الأرض هو جزء من النظام الشمسي، ففي هذا النظام يوجد تسعة كواكب أساسية مع أربعة وخمسين تابعاً (قمرا) وعدد غير معروف من النجميات (كويكبات صغيرة كالجبال مختلفة الأحجام، وتسبح في الفضاء ) تدور حول نجم واحد يدعى الشمس.. والشمس هي نجم متوسط الحجم بالمقارنة مع غيره في الكون.. والأرض هي الكوكب الثالث بعداً عن الشمس.

    ولتعرف حجم هذا النظام.. فإن قطر الشمس أكبر بمئة وثلاث مرات من قطر الأرض، ولكي نتخيل ذلك نقول إن قطر الأرض هو 12.200كيلومتر، فإذا خفضناه سلمياً (عددياً) لأبعاد كرة زجاجية، فالشمس سوف تكون بحجم ملعب كرة القدم.. ولكن الشيء العجيب في ذلك هي المسافة بينهما.. وبالاحتفاظ بمقاييس هذا السلم المخفض، فالمسافة الفاصلة بين الكرتين هي 280 متراً.

    وبعض الأجرام التي تمثل الكواكب الخارجية ستكون لها أبعاد قد تصل عدة كيلومترات بعيداً عن الشمس.

    قد يبدو ذلك ضخماً جداً، ومع ذلك فالنظام الشمسي ضئيل جداً في الحجم إذا قورن بالطريق اللبني والذي هو مجرة تسبح فيه تلك الهباءة.. ويوجد في تلك المجرة أكثر من 250 بليون نجم بعضها يشبه شمسنا، والبعض الآخر أكبر من ذلك، وبعضها أصغر.

    وأقرب نجم لشمسنا هو نجم (ألفاسنتوري) ـ وبمراجعة المثال التقريبي السابق ـ فإن ذلك النجم سيكون موجوداً على بعد 640كيلومتراً عن شمسنا.

    وتحتوي مجرة الطريق اللبني على حوالي 250 بليون نجم مع مسافات بينهما محيرة للعقل من ناحية اتساعها، والشمس أقرب إلى طرف المجرة والتي لها شكل الحلزون أكثر من مركزها.

    حتى ولو كانت مجرة الطريق اللبني مقزمة بالمقارنة بالاتساع الهائل لكل الكون، فهي واحد من عديد المجرات التي ربما بلغ عددها 300 بليون مجرة، وذلك وفق الحسابات الحالية، وأن المسافات بين المجرات هي ملايين المرات أكبر من تلك التي بين الشمس والنجم (ألفاسنتوري).

    لقد علق (جورج غرينشاين )في كتاب (الكون التكافلي) على هذا الاتساع الذي لا يمكن تخيلة بقوله:( لو كانت النجوم أكثر بعداً من بعضها البعض مما هي عليه بقليل لما كانت الفيزياء الفلكية أكثر اختلافاً عما هي عليه، ولن يكون هناك أي تغير، مهما كان بسيطاً، في النجوم والسدم وفي بقية الأجسام السماوية، وعند النظر إلى مجراتنا من نقطة بعيدة فإن هذه المجرة سوف تكون كما هي عليه الآن والفرق الوحيد، هو أنني عندما أستلقي على العشب ليلاً وأنظر إلى السماء فإنني سوف أبصر عدداً أكبر من النجوم ،عفواً ثمة اختلاف آخر: إن الذي يتابع ذلك المشهد سوف لن أكون (أنا) فالفضاء الشاسع الموجود في السماء هو شرط أساسي لوجودنا )[70]

    لقد فسر (غرينشاين) سبب ذلك الاتساع الفضائي من وجهة نظره بأن المسافات الهائلة في الفضاء تجعله ممكناً، لأن تترتب فيه بعض المتحولات الفيزيائية كي تكون ملائمة تماماً لحياة الإنسان، كما أنه لاحظ أهمية هذا الاتساع الفضائي في السماح للأرض كي تبقى موجودة، وذلك بتخفيض أخطار التصادم مع النجوم الأخرى.

    باختصار، إن توزع الأجرام السماوية في الفضاء هو بالضبط ما يلزم لحياة الإنسان كي تبقى قائمة على سطح كوكبنا، وسبب تلك المسافات الشاسعة الهائلة هو أنها نتيجة تصميم مقصود لغرض ما، وليس نتيجة للمصادفة.

    سكت قليلا، ثم قال: سأضرب لك مثالا آخر عن دقة الأبعاد.. وهو مرتبط بالأرض.. أنت تعلم أن متوسط المسافة بين الأرض والشمس تقدر بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلو مترات‏,‏ وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون‏,‏ ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها‏,‏ بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها‏(‏ وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس‏),‏ اتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس‏,‏ فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع علي سطحها بحوالي عشرة أحصنه ميكانيكية‏,‏ ولا يصل الأرض سوي جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة‏,‏ وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية‏,‏ ولتنشيط القوي الخارجية التي تعمل علي تسوية سطح الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتحريك دورة المياه حول الأرض‏,‏ وغير ذلك من الأنشطة الأرضية‏.‏

    ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها الضوء الأبيض‏,‏ والحرارة‏ (الأشعة تحت الحمراء‏),‏ والأشعة السينية‏,‏ والأشعة فوق البنفسجية‏,‏ ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها‏,‏ وإن اختلفت كمية الإشعاع الساقط علي أجزاء الأرض المختلفة باختلاف كل من الزمان والمكان‏.‏

    وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة، وتقدر نسبتها في الأشعة الشمسية التي تصل إلي الأرض بحوالي ‏38 بالمائة,‏ ولها أهمية بالغة في حياة كل من النبات والحيوان والإنسان‏,‏ وتبلغ أقصي مدي عند منتصف النهار عموما‏,‏ وعند منتصف نهار الصيف خصوصا‏,‏ لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء‏.‏

    أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها في أشعة الشمس التي تصل إلي الأرض بحوالي‏53 بالمائة,‏ ولها دورها المهم في تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة‏,‏ وفي كافة العمليات الكيميائية التي تتم علي سطح الأرض وفي غلافها الجوي‏,‏ الذي يرد عنا قدرا هائلا من حرارة الشمس‏,‏ فكثافة الإشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي‏2‏ سعر حراري علي كل سنتيمتر مربع من جو الأرض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء‏,‏ وقطرات الماء‏,‏ وهباءات الغبار السابحة في جو الأرض‏,‏ ويمتص جزء آخر بواسطة كل من غاز الأوزون وبخار الماء‏,‏ ومتوسط درجة الحرارة علي سطح الأرض يقدر بحوالي عشرين درجة مئوية، وإن تراوحت بين حوالي‏74‏ درجة مئوية تحت الصفر في المناطق القطبية المتجمدة و‏55‏ درجة مئوية في الظل في أشد المناطق والأيام قيظا‏.‏

    أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالي‏9 بالمائة‏ من مجموع أشعة الشمس التي تصل إلي الأرض، وذلك لأن غالبيتها تمتص أو ترد بفعل كل من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذي جعلا من نطق الحماية للحياة علي الأرض.

    ويقدر ما يصل إلي الأرض من طاقة الشمس بحوالي ثلاثة عشر مليون حصانا ميكانيكيا علي كل كيلو متر مربع من سطح الأرض في كل ثانية، وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله.

    ولو كانت الأرض أقرب قليلا إلي الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة علي سطحها‏,‏ ولتبخير مياهها‏,‏ ولخلخلة غلافها الغازي‏.‏

    فكوكب عطارد الذي يقع علي مسافة تقدر بحوالي ‏0,39‏ من بعد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين‏220‏ درجة مئوية في وجهه المضيء و‏27‏ درجة مئوية في وجهه المظلم‏,‏ وكوكب الزهرة الذي يقع علي مسافة تقدر بحوالي‏0,72‏ من بعد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة علي سطحه إلى ‏457‏ درجة مئوية‏(730‏ درجة مطلقة‏).‏

    وعلي النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض‏(‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏)‏ لا يصلها قدر كاف من حرارة الشمس، فتعيش في برودة قاتلة لا تقوي الحياة الأرضية علي تحملها‏.‏

    ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدر بدقة بالغة تسمح للأرض بتلقي قدر من طاقة الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحية علي سطحها‏,‏ وفي كل من مياهها‏,‏ وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا في الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية في مختلف فصول السنة‏.‏

    فلو كانت الأرض علي مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كمية الطاقة التي تتلقاها أرضنا منها إلي أربعة أمثال كميتها الحالية ولأدي ذلك إلي تبخير الماء وخلخلة الهواء واحتراق جميع صور الحياة علي سطحها‏.‏

    ولو كانت الأرض علي ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الطاقة التي تتلقاها إلي ربع كميتها الحالية‏,‏ وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياة واندثرت بالكامل‏.‏

    وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قربا أو بعدا يختلف طول السنة‏,‏ وطول كل فصل من الفصول نقصا أو زيادة مما يؤدي إلي اختلال ميزان الحياة علي سطحها.

    بالإضافة إلى هذا فإن حجم الأرض يقدر بحوالي مليون كيلو متر مكعب‏,‏ ويقدر متوسط كثافتها بحوالي‏5.52 جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وعلي ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددت بدقة وحكمة بالغتين‏,‏ فلو كانت الأرض أصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ بأغلفتها الغازية‏,‏ والمائية‏,‏ وبالتالي لاستحالت الحياة الأرضية‏,‏ ولبلغت درجة الحرارة علي سطحها مبلغا يحول دون وجود أي شكل من أشكال الحياة الأرضية.

    وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد في غيبتها‏,‏ فهو يرد عنها جزءا كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة‏,‏ كما يرد عنها قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة‏,‏ وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك‏,‏ وهي تهطل علي الأرض كحبات المطر في كل يوم‏.‏

    ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة‏,‏ ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي علي سطحها إن وجد‏,‏ وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض‏,‏ كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض‏,‏ كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة، فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية علي سطحها‏.‏

    ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها‏,‏ بكل من بعد الأرض عن الشمس‏,‏ وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره‏,‏ ويجري في مدار ثابت حولها‏.‏

    فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلي من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي ‏(بنهاره وليله‏)‏ قصرا مخلا‏,‏ ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولا مخلا‏,‏ وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلي إفناء الحياة علي سطح الأرض بالكامل‏,‏ إن لم يكن قد أدي إلي إفناء الأرض ككوكب إفناء تاما.

    وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته‏ (بنهاره وليله‏)‏ يخل إخلالا كبيرا بتوزيع طاقة الشمس علي المساحة المحددة من الأرض‏,‏ وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة‏,‏ والتنفس والنتح‏,‏ وغيرها‏,‏ كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة‏,‏ والجفاف والرطوبة‏,‏ وحركة الرياح والأعاصير والأمواج‏,‏ وعمليات التعرية المختلفة‏,‏ ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة‏.‏

    كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول‏,‏ وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة علي الأرض‏.‏

    التوازن:

    قال علي: النظام يحتاج إلى التوازن.. وقد أشار القرآن إلى هذا عندما عبر عن وضعه للموازين، والموازين تعني عدم طغيان شيء على شيء، فالله يقول في الآية التي فسرت الكون:﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ (الرحمن:7)

    وقد بنى القرآن على هذا الأمر بحفظ الموازين، فقال بعد هذه الآية:﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ (الرحمن:8)

    قال الفلكي: إن في هذه الآيات إشارات عظيمة لأمرين كلاهما له أهميته:

    الأول هو أن الكون قد خلق بموازين دقيقة.

    والثاني أن هذه الموازين يمكن التأثير فيها بالظلم والطغيان.. لا من جانب الكون، بل من جانب الإنسان.

    سأضرب لك مثالا عن الأول.. عن أن الكون قد خلق بموازين دقيقة:

    ولنأخذ المثال من أقرب نظام إلينا، وهو النظام الشمسي.. فالنظام الشمس واحد من أروع الأمثلة للتناسق الجميل الذي يمكن مشاهدته .. ففيه تسعة كواكب مع أربعة وخمسين تابعاً، وعددا غير معروف من الأجسام الصغيرة.

    في تركيب المجموعة الشمسية نواجه مثالاً جميلاً من التوازن، وهو التوازن بين القوى النابذة، والتي يقابلها التجاذب الثقالي من أوليتها[71]، وبدون ذلك التوازن فسوف يقذف كل شيء في هذا النظام بعيداً في الأعماق الباردة للفضاء الخارجي.

    والمدارات هي المسارات التي ترسمها الكواكب أو الأجسام أثناء دورانها حول أوليتها، فإذا تحرك جسم بسرعة بطيئة جداً فسوف يسقط على الأولية ويغوص فيها، أما إذا تحرك بسرعة أكبر، فالأولية سوف لن تتمكن من الإمساك به، وسوف يطير ذلك الجسم بعيداً في الفضاء، وبدلاً من ذلك لابد أن يتحرك كل جسم بالسرعة الصحيحة تماماً كي يحتفظ بمداره، والأكثر من ذلك هو أن التوازن يجب أن يختلف من جسم إلى آخر بسبب أن المسافة للكوكب مختلفة بحيث لا تغوص في الشمس ولا تقذف بعيداً عنها وتطير في أعماق الفضاء.

    يعتبر الفلكيون من أمثال (كبلر وغاليليو ) من أوائل الذين اهتموا باكتشاف ذلك التوازن الأمثل، وقد اعترف هؤلاء أن تصميمه تم بتأن وتؤدة ،و أن هناك إشارة للتدخل الإلهي في كل الكون.

    وقد قال (إسحاق نيوتن ) يذكر هذا التوازن ( النظام الرائع للشموس والكواكب والمذنبات يمكن أن تشرق من هذف وغرض لسلطة عليا لكائن قدير وعبقري.. وهو يحكمها كلها ليس كروح بل كسيد مالك لكل الأشياء وبسبب سلطته العليا الغالبة فهو يدعى بالسيد الإله القدير )

    بالإضافة إلى ذلك التوازن الرائع فإن موقع الأرض في النظام الشمسي وفي الكون هو أيضاً آية أخرى على كمال العمل الإلهي في الخلق.

    فقد بينت آخر الاكتشافات أهمية وجود الكواكب الأخرى للأرض، فحجم المشتري وموضعه مثلاً أتيا على نحو كانا فيه حديان، كما بينت الحسابات الفلكية ذلك، فأكبر كوكب في المجموعة الشمسية، وهو المشتري يقدم الثبات لمدارات الأرض، وكل الكواكب الأخرى.

    وقد قال (جورج ويذرك)يفسر دور المشتري في حماية الأرض في كتابه (كيف يكون المشتري المميز ):( بدون وجود كوكب ضخم متوقع بدقة حيث المشتري موجود، فإن الأرض كانت ستصطدم في الماضي ألوف المرات وبشكل تكراري بالمذنبات والشهب وغيرها من الحطام بين الكوكبية، فإذا لم يكن المشتري موجوداً فلن نكون موجودين لندرس أصل النظام الشمسي )[72]

    السلامة:

    قال علي: لقد وصف الله السماء بأنها خالية من الفروج، فقال تعالى:﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ (قّ:6)

    وقد قال المفسرون في معنى ﴿ وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ أن المراد منها (ما لها من شقوق وصدوع)‏

    وقد أجمع المفسرون الذين تعرضوا لتفسير هذه الآية علي اعتبار الحرف‏(‏ ما‏)‏ في في هذه الآية حرف نفي[73] أي ان السماء خالية من الفروج التي قد تنبيء بخلل ما في بنائها.

    وقد ورد في آية أخرى الأمر بالتثبت وإرجاع البصر للتأكد من عدم وجود فطور في الكون، فقال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ (الملك:3)

    وفي آيات أخرى أخبر الله تعالى أن انفراج السماء وانفطارها وانشقاقها علامة من علامات الآخرة.

    فمن علاماتها كما يذكر الله تعالى في القرآن الكريم هذا الانشاق والانفطار:

    قال تعالى:﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ﴾ (المرسلات:9)، وقال:) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً ﴾ (الفرقان:25)، وقال:) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾ (الرحمن:37)، وقال:) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً ﴾ (الطور:9)، وقال:﴿ )وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴾ (الحاقة:16)، وقال:﴿ )يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ﴾ (المعارج:8)، وقال:﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴾ (المزمل:18)، وقال:﴿ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ (النبأ:19)، وقال:﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ (التكوير:11)، وقال:﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ (الانشقاق:1)

    وهذه الآيات كلها تشير الي الآخرة‏,‏ وتصور القيامة وأهوالها‏,‏ وتؤكد سلامة سماء الدنيا من كل هذه الأوصاف‏.‏

    قال الفلكي: هذه آيات عظيمة تشير إلى حقائق فلكية كثيرة.. فالسماء ليس بها فروج تنبيء بضعف بنائها[74].

    قال علي: ولكني أسمعهم يذكرون الفراغات في الكون أو الفجوات.

    قال الفلكي: هذه تسمية مجازية جرهم إليها وجود مناطق مظلمة إظلاما تاما في السماء نظرا لخلوها من النجوم وتجمعاتها.. وقد سماها علماء الفلك مجازا بالفراغات أو الفجوات نسبة إلي خلوها من الأجرام المضيئة.

    ومما دفع الدراسات الفلكية والفيزيائية إلى نفي إمكانية وجود فراغات في الجزء المدرك من الكون أسباب كثيرة:

    منها أنه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين قام عدد من الفلكيين بعملية مسح للجزء المدرك من السماء لعمل خرائط جديدة له، ثلاثية الأبعاد‏,‏ وفي أثناء ذلك لاحظوا وجود العديد من المناطق المظلمة التي لا تحتوي نجوما مضيئة بين المجرات‏,‏ وسموها مجازا‏(‏ بالفجوات‏)‏ أو‏(‏ الفقاعات‏)‏ وانطلقوا من ذلك الي الاستنتاج بأن الكون المدرك يشبه قطعة الإسفنج المليئة بالفجوات‏,‏ وتمثل المجرات فيها خيوط الاسفنج المنسوجة بإحكام حول تلك الفجوات‏,‏ واعتبروا تلك الفجوات خيوطا كونية عملاقة.

    ولما كانت فجوات الإسفنج ليست فراغا لامتلائها بالهواء أو بالماء‏,‏ فإن المناطق المظلمة بالكون المدرك ليست فراغا لامتلائها بالدخان الكوني‏,‏ وبمختلف صور الأشعة الكونية‏,‏ بل قد يكون فيها من صور المادة والأجرام الخفية ما يفوق كتل المجرات المحيطة بها مجتمعة.

    ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين أن هذه المناطق المظلمة تتكون أساسا من المواد الداكنة الباردة‏ التي تمثل الكتلة المفقودة في الكون المدرك‏,‏ وقد تحتوي علي أعداد من الثقوب السود‏,‏ وأن هذه المادة الداكنة الخفية والثقوب السوداء التي أمكن إدراكها بطرق غير مباشرة‏,‏ أمكن حساب كتلتها بما يزيد علي تسعين بالمئة من كتلة الجزء المدرك من الكون‏.‏

    ففي سنة‏1981 اكتشف عدد من الفلكيين تلك المناطق المظلمة من الكون المدرك في كوكبة العواء، أو كوكبة راعي الشتاء التي تقع في نصف الكرة الشمالي‏,‏ وظنوها فراغات هائلة أو فقاعات عظيمة‏,‏ ثم تبين لهم بعد ذلك أن أمثال تلك المناطق المظلمة منتشرة في مختلف أرجاء الكون المنظور‏,‏ وحتي في داخل مجرتنا‏,‏ وأنها من أساسيات النظام الكوني‏,‏ ومن أسرار بنائه‏,‏ وأن لها دورا مهما في تماسك ذلك البناء‏.‏

    وفي سنة‏1989‏ تم اكتشاف مايسمي باسم (الحائط العظيم)، وهو عبارة عن حشد هائل من تجمعات المجرات يبلغ طوله نحو مائتين وخمسين مليونا من السنين الضوئية‏,‏ وعرضه نحو مائتي مليون‏,‏ وسمكه نحو خمسة عشر مليونا من السنين الضوئية‏,‏ وقد اكتشف الفلكيون في داخل هذا الحائط العظيم العديد من المناطق المظلمة الشاسعة الأبعاد‏,‏ التي تفصل بين كل من المجرات والتجمعات المجرية بمختلف مستوياتها‏,‏ وتبدو هذه المناطق المظلمة وكأنها مناطق جذب فائقة الشدة‏,‏ مرتبة ترتيبا دقيقا، وبأشكال هندسية محددة‏,‏ وتتوزع المجرات حولها‏,‏ وكأنها خلايا عظيمة البناء متصلة بشكل هندسي بديع حول المناطق المظلمة التي يبدو أنها مشدودة إلي مراكز تلك المناطق بقوي فائقة للغاية إلي ما قد أشرنا إليه باسم (المادة الداكنة) التي يراها البعض أربطة كونية فائقة علي هيئة جسيمات فائقة الكتلة لم يمكن اكتشافها بعد‏,‏ أو علي هيئة قوة كهرومغناطيسية ذات موجات غير معروفة تؤثر في المادة التي تنتشر حولها، وقد تكون ناتجة عن الحركة الدورانية الشديدة في كل أجرام السماء‏.‏

    وهذه الكتل المظلمة أو الفقاعات الدخانية الضخمة التي لاتحوي أية أجرام منظورة‏,‏ قد تضم بجوار المادة الداكنة والأجرام غير المنظورة أعدادا هائلة من الجسيمات المادية والإشعاعات الكونية‏,‏ وربما بعض الغازات المتأينة المعروفة باسم البلازما، ويبدو أنها من أسرار بناء السماء‏,‏ ومن ضرورات قيامها واتزانها‏,‏ ومن لوازم انتشار كل من المادة والطاقة في مختلف أرجائها‏,‏ وأن لها دورا مهما في بناء التجمعات المجرية العظمي يفوق دور تجاذب المجرات فيما بينها.

    ويعتقد بأن هذه الفقاعات الدخانية قد تكونت عقب عملية الانفجارالعظيم بعد فترة كافية من الزمن لتجمع اللبنات الأولية للمادة الناشئة عن ذلك الانفجار علي هيئة ذرات‏,‏ ويعتقد كذلك بأن المجرات قد تكونت بتكدس عدد من تلك الفقاعات الدخانية علي ذاتها بفعل الجاذبية‏,‏ كما يعتقد بأن تفكك المجرات في مراحلها النهائية قد يؤدي إلي تكون مثل هذه الفقاعات الدخانية‏,‏ ويمكن بذلك أن يفسر نشأة أشباه النجوم التي تنتشر اليوم علي أطراف الجزء المدرك من الكون‏.‏

    ففي يناير سنة ‏1988‏ تم اكتشاف شبيه نجم علي مسافة تقدر بنحو‏(16850)‏ سنة ضوئية منا‏,‏ وفي أغسطس من نفس السنة تم اكتشاف مجرة راديوية تبعد عنا خمسة عشر بليونا من السنين الضوئية‏,‏ وفي نهاية سنة‏1989‏ تم اكتشاف شبيه نجم يبعد عنا بمسافة ‏(17400)‏ مليون سنة ضوئية‏,‏ ويعتبر بعده أقصي حد وصل إليه علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون الذي يتسع باستمرار‏.‏

    قال علي: هذا دليل كاف لنفي وجود الفجوات في الكون.

    قال الفلكي: ليس ذلك فقط.. فهناك أدلة أخرى غير هذا تثبت صدق ما ذكره القرآن من عدم وجود الفروج في السماء.

    منها ما عرفناه سابقا من اتساع الكون.. فاتساع الكون ينفي وجود فراغات فيه.

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: لقد ثبت لنا ـ كما عرفنا سابقا ـ أن كوننا دائم الاتساع وأن هذا الاتساع ناشيء عن تباعد المجرات عنا، وعن بعضها البعض‏,‏ وبهذا التباعد تتخلق المادة والطاقة.

    قال علي: لم أفهم.. كيف يكون التباعد وسيلة لتخلق المادة والطاقة؟

    قال الفلكي: أنت تعرف أن كلا من المكان والزمان والمادة والطاقة قد تم خلقه بعملية الانفجار العظيم‏,‏ ويتجدد خلقه بتمدد الكون واتساعه‏,‏ فلايوجد مكان بغير زمان‏,‏ ولازمان بغير مكان‏,‏ ولايوجد مكان وزمان بغير مادة وطاقة‏.

    قال علي: أعرف ذلك.

    قال الفلكي: انطلاقا من ذلك.. فإن تباعد المجرات يؤدي إلي اتساع أفق الكون بالنسبة لموقعنا منه‏,‏ ونحن لانستطيع أن نرى من هذا الموقع ماوراء الأفق‏.

    ومن المفروض أنه باتساع الكون وتباعد الأفق الكوني عنا في كل لحظة أنه يمكن لنا أن نرى أجراما سماوية جديدة علي حافة ذلك الأفق باستمرار‏,‏ وأن تختفي عن رؤيتنا أجرام قديمة، وتخرج عن مجال رؤيتنا.

    ولكن أجهزتنا الفلكية الحالية لاتتيح لنا التحقق من ذلك علي الرغم من تطورها المذهل‏,‏ وذلك لأن أفق الكون يبتعد عنا بتمدده بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء‏ (‏نحو‏92 بالمائة من سرعة الضوء‏),‏ وعلي الرغم من ذلك فإنه انطلاقا من وحدة البناء في الجزء المدرك لنا من السماء، فإننا نعتقد بأن القوانين الحاكمة للكون واحدة وسارية في كل أجزائه علي الرغم من أن النقطة التي بدأت منها عملية الانفجار العظيم لم يتم تحديد موقعها بعد‏,‏ وهي بالتأكيد أبعد بكثير من الحافة المدركة للجزء المرئي من السماء‏,‏ الذي يقدر قطره بنحو‏19‏ ـ‏23‏ بليون سنة ضوئية‏.‏

    قال علي: هذا دليل قوي.. ولكنه يفتقر إلى الإثبات العلمي الحسي.

    قال الفلكي: ليس بالضرورة أن نعرف كل شيء عن طريق الدليل الحسي.. هناك مدارك أخرى في العلوم لها أهميتها وقيمتها.

    ولكن مع ذلك فهناك أدلة أخرى على هذا يمكن الاستئناس بها.. منها أن المادة المضادة في الكون تنفي وجود فراغات فيه.

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: في سنة‏1924‏ أثبت العالم الفرنسي دي بروجلي أن الإلكترون يتصرف أحيانا في ظروف معينة علي أنه موجة إشعاعية غير مادية.. وما ينطبق علي الإلكترون ينطبق علي أي لبنة أخري من اللبنات الأولية للمادة‏.‏

    وفي سنة‏1925‏ وضع كل من هايسنبرج الألماني، وشرودنجر النمساوي منفردين القواعد الأساسية لميكانيكا الكم وللميكانيكا الموجية، وكلاهما يبحث في الأسباب التي تؤدي بالكم الضوئي أو الفوتون لأن يتصرف أحيانا علي هيئة جسيم مادي وأحيانا أخري علي هيئة موجة اشعاعية‏.‏

    وفي نفس السنة (‏1925) أعلن باولي مبدأ الاستبعاد الذي يؤكد أن زوجين من الإلكترونات داخل الذرة الواحدة لايمكن أن يكون لهما نفس العدد الكمي‏,‏ وبالتالي لايمكن أن يكون لهما نفس المدار حول النواة‏,‏ ونفس السرعة‏,‏ وينطبق هذا القانون فقط علي الجسيمات الأساسية التي تدخل في تركيب الذرة‏.‏

    وفي سنة‏1931‏ أعلن ديراك النظرية المتناسبة للالكترون التي أشار فيها إلي وجود الكترون بشحنة وطاقة مختلفتين تم اكتشافه بعد ذلك بسنة واحدة ‏(1932‏‏)‏ في الأشعة الكونية بواسطة كارل أندرسون وسمي باسم البوزيترون.

    وتسلسل بعد ذلك اكتشاف نقائض لباقي الجسيمات الأولية للمادة من مثل نقيض البروتون، واعتبرت نقائض المادة في مواجهة المادة حقيقة من حقائق كوننا المدرك.

    حيث ثبت أن لكل جسيم مادي نقيضه أي جسيما يماثله تماما في الكتلة والحجم والسرعة، ولكن له شحنة مضادة، ويدور بطريقة معاكسة‏,‏ وثبت انه إذا التقي الضدان فإنهما يفنيان فناء تاما‏.‏

    وقد تساءل العلماء عن كيفية بقاء عالمنا المادي مع وجود كل من المادة وأضدادها، وكلاهما يفني بلقاء الآخر..

    وقد فسر ذلك بان كلا من المادة والمادة المضادة قد تجمع علي ذاته لتكوين تجمعات سماوية خاصة به، بمعني وجود عوالم من المادة المضادة مغايرة لعالمنا المادي لانراها ولا نعلم عنها شيئا.

    قال علي: وعيت هذا الدليل، واقتنعت به، بل إن القرآن قد أشار إلى أن أشياء كثيرة لا نبصرها من الكون، فقال تعالى:﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ(39)﴾(الحاقة)

    فلذلك ليس كل ما لا ندركه غير موجود.

    قال الفلكي: ومع ذلك.. فهناك أدلة أخرى على هذا.. منها أن مراحل خلق الكون المدرك تنفي وجود أي فراغات في السماء.

    فالدراسات الفيزيائية والفلكية تنص على أنه نتيجة لواقعة الانفجار العظيم.. أو فتق الرتق كما يعبر القرآن.. تم خلق كل من المكان والزمان والمادة والطاقة في فترة تقدر بحوالي ثلاثين مليون سنة تقريبا بعد الانفجار العظيم‏ مر فيها الكون بمراحل متتالية تؤكد ان المادة والطاقة ملأتا المكان والزمان منذ اللحظة الأولي للانفجار العظيم، وظلا يملآنه مع استمرار تمدد الكون، وأن كان ذلك يتم بتباين واضح في تركيز وجودهما من نقطة الي أخري في الجزء المدرك من الكون [75] ‏.‏

    ومنها أن المادة بين الكواكب والنجوم والمجرات تنفي وجود فراغات في الجزء المدرك من الكون.

    فإلى عهد قريب كان علماء الفلك يعتقدون أن اجرام السماء تسبح في فراغ تام، ولكن البحوث المتأخرة أثبتت أن المسافات بين كل من النجوم وتجمعاتها المختلفة تنتشر فيها الاشعة الكونية وما تحمله من جسيمات اولية والدخان الكوني ومايحمله من هباءات الرماد بالاضافة إلى ما يعرف باسم المادة الداكنة، والتي اقترح وجودها الفلكي السويسري فريتز زفيكي في سنة‏1933‏ م حين اكتشف أن الكتلة الكلية المحسوبة في كوكبة العذراء تفوق بكثير مجموع كتل المجرات المكونة لها.

    وفي سنة‏1992‏ م أعلن علماء الفلك والفيزياء الفلكية الاحتمال الكبير لوجود تلك المادة الداكنة والتي لا ترى، والتي يقترحون أنها تتركب من جسيمات ذرية جديدة لم تكتشف بعد، وتسمي الويمبات أو الجسيمات الثقيلة التي تمثل نوعا من الخيوط الكونية التي تربط اجرام السماء وتحمل الأوامر الكونية كما تحملها لبنات الشفرة الوراثية في أجساد الكائنات الحية، وربما تفسر المادة الداكنة الكتلة المفقودة في الكون كالتي أدركها زفيكي في الثلث الأول من القرن العشرين، وكذلك يمكن أن تفسر طبيعة مناطق الجاذبية العملاقة التي تربط التجمعات المجرية العظمي مع بعضها البعض‏.‏

    قال الفلكي ذلك، ثم قال: كل هذه الجهود التي بذلها هؤلاء العلماء.. وبذلتها معهم أجهزتهم الكثيرة.. تثبت ما نصت عليه تلك الآيات العظيمة..

    إني أشعر بأن القرآن يتحدى كل هؤلاء عندما قال:﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ (الملك:3)

    التماسك:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم تماسك الكون، وأنه لولا إمساك الله لزال..

    قال الفلكي: أيوجد هذا في القرآن؟

    قال علي: أجل.. فقد قال الله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ (فاطر:41)

    ويقول:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ (الحج:65)

    ويقول:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ (لقمان:10)

    ويقول:﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ (الرعد:2)

    قال الفلكي: هذه آيات عظيمة.. فيها إشارات للقوى التي يتماسك بها الكون.

    قال علي: فحدثني عنها، واختصر لي الكلام اختصارا أفهم به كلام ربي.

    قال الفلكي: لقد أشرنا من قبل إلى أن قوانين الفيزياء في الكون لم تنشأ إلا بعد الانفجار العظيم..

    وقد عد العلماء في في الفيزياء الحديثة أربع قوى أساسية لتماسك الكون على ما هو عليه [76].. وقد تكونت هذه القوى مع تكون أول جسيمات دون ذرية في أزمنة محددة بدقة بعد الانفجار العظيم مباشرة، لكي تشكل كل ترتيبات الكون ونظمه.

    وهذه القوى الأربعة هي: قوة جذب الكتل المعروفة باسم القوة التجاذبية gravitational force، والقوة الكهرومغناطيسيةelectromagnetic force ، والقوة النووية الشديدة strong nuclear force، والقوة النووية الضعيفة weak nuclear force.

    وتتسم كل واحدة من هذه القوى بشدة مميزة ومجال مؤثر.. أما القوى النووية الشديدة والضعيفة فلا تعملان إلا عند النطاق دون الذري.. وأما القوتان المتبقيتان ـ القوة التجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية ـ فتقومان بالتحكم في تجمعات الذرات، أو بتعبير آخر في (المادة)

    التفت إلى علي، وقال: إن ما تراه من نظام الأرض الخالي من العيوب ناتج عن التناسب بالغ الدقة لهذه القوى.

    ليس ذلك فقط.. بل إنك بإجراء مقارنة بين هذه القوى، فإنه ستظهر لك نتيجة مثيرة للغاية، وهي أن كل المادة التي نشأت وتشتت عبر الكون بعد الانفجار العظيم تشكلت نتيجة لتأثير هذه القوى التي تختلف فيما بينها اختلافات شاسعة.

    قال علي: فحدثني عن هذه القوى..
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:52

    1 ـ القوة النووية الضعيفة:

    قال الفلكي: فلنبدأ بأضعف قوة.. وهي ما يمكن اعتبارها حزام أمان الذرة.. إنها القوة النووية الضعيفة[77].. إن هذه القوة هي أحد أهم عوامل استمرار النظام على الأرض.. ذلك أن استمرار النظام على الأرض مرتبط بالتوازن الموجود داخل الذرة، فذلك التوازن هو الذي يضمن عدم انهيار الأشياء فجأة، وعدم انبعاث أشعة ضارة منها.

    قال علي: فصل لي بعض هذا الإجمال.. أو كيف تقوم هذه القوة بهذا الدور بالضبط؟

    قال الفلكي: القوة النووية الضعيفة هي القوة المسؤولة على الحفاظ على التوازن بين البروتونات والنيوترونات داخل نواة الذرة.. وهي بذلك تؤدي دوراً مهما في الحفاظ على توازن النوى التي تحتوي على أعداد عالية من النيوترونات والبروتونات.

    وإذا تمت المحافظة على هذا التوازن، يمكن أن يتحول النيوترون، إذا لزم الأمر، إلى بروتون..

    وبما أن عدد البروتونات في النواة يتغير في نهاية هذه العملية، فإن الذرة تتغير معه أيضا، وتصبح ذرة مختلفة دون أن تتفتت.. بل تستمر في الحفاظ على وجودها.

    قال علي: فهذه القوة حزام أمان إذن يحمي الكائنات من الأخطار التي قد تنشأ من جراء تحرر الجسيمات بشكل غير قابل للسيطرة.

    قال الفلكي: أجل.. وهي بذلك تؤدي دورا مهما في الحفاظ على تماسك الكون.

    2 ـ القوة النووية الشديدة:

    قال علي: فحدثني عن النوع الثاني من القوى الماسكة.. حدثني عن القوة النووية الشديدة.

    قال الفلكي: هي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة من مثل البروتونات والنيوترونات، وهي تقوم علي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي‏ والتي تتم داخل النجوم.

    قال علي: فصل لي الحديث عنها بما يوضح دورها في تماسك الكائنات.

    قال الفلكي: أنت تعلم أن كل شيء حولنا، بما في ذلك أنفسنا، يتكون من ذرات.. وأن هذه الذرات مؤلفة من جسيمات عديدة.

    قال علي: أعلم ذلك.. وهو من مبادئ العلم الأولية.

    قال الفلكي: فهذه القوة.. القوة الشديدة في النواة.. هي التي تحافظ على تماسك كل هذه الجسيمات المكونة لنواة الذرة.

    إن هذه القوة هي التي تحافظ على سلامة النواة.. وهي ذلك تعتبر أشد قوة عرفتها قوانين الفيزياء.

    وتضمن هذه القوة بقاء البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض في نواة الذرة دون أن تتطاير بعيداً، وتتكون نواة الذرة بهذه الطريقة.

    وهذه القوة من الشدة بمكان، بحيث إنها تكاد تجعل البروتونات والنيوترونات تلتصق ببعضها البعض داخل النواة، وإن أردت أن تتأكد من هذا، فانظر ما فعلت تفجيرات هيروشيما وناكازاكي لترى كيف يمكن أن تصبح القوة النووية الشديدة مصدراً للتدمير بمجرد تحريرها.. وهو والسبب الذي يجعل القنابل الذرية من أخطر القنابل في تاريخ السلاح البشري.

    ولهذا السبب يطلق على الجسيمات الدقيقة التي تمتلك هذه القوة اسم (gluon) وهي تعني (اللصق) باللاتينية.

    قال علي: فكيف لا تنسحق الذرة في نفسها بسبب هذه القوة الشديدة؟

    قال الفلكي: لقد ضبطت هذه القوة بدقة بالغة، إذ تم ترتيب شدة هذه القوة بشكل دقيق للإبقاء على مسافة معينة بين البروتونات والنيوترونات.. فلو كانت هذه القوة أشد قليلاً، لتصادمت البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض.. ولو كانت هذه القوة أضعف قليلاً، لتشتت البروتونات والنيوترونات.

    زيادة على ذلك، فإن هذه القوة بلغت القدر المناسب اللازم لتكوين نواة الذرة بعد الثواني الأولى من الانفجار العظيم.

    3 ـ القوة الكهرومغناطيسية:

    قال علي: فحدثني عن النوع الثالث من القوى الماسكة.. حدثني عن القوة الكهرومغناطيسية[78].

    قال الفلكي: القوة الكهرومغناطيسية هي القوة التي تُبقي الإلكترونات في المدار.. ذلك أن كل جسيم يحمل (شحنة كهربائية) وفقاً لخصائصه التركيبية، وهناك قوة بين هذه الشحنات الكهربائية تجعل الجسيمات ذات الشحنات الكهربائية المتناقضة تنجذب نحو بعضها البعض، وتجعل الجسيمات ذات الشحنات المتشابهة تتنافر عن بعضها البعض.

    وذلك ما يجعل البروتونات الموجودة في نواة الذرة والإلكترونات التي تتحرك في المدارات حولها تنجذب نحو بعضها البعض.

    قال علي: وما دور هذا الانجذاب في التماسك الذي نتحدث عنه؟

    قال الفلكي: دوره خطير.. بل لولاه لما تماسك شيء.. بهذا التجاذب تبقى (النواة) و(الإلكترونات)، وهما العنصران الأساسيان في الذرة، مع بعضهما البعض.

    لذلك، فإن أدنى تغيير في شدة هذه القوة من شأنه أن يؤدي إلى انطلاق الإلكترونات بعيداً عن النواة أو إلى وقوعها داخلها.. وفي كلتا الحالتين، سيؤدي ذلك إلى استحالة وجود الذرة، وبالتالي، استحالة وجود الكون المادي.

    ومع ذلك، فمنذ اللحظة الأولى التي تكونت فيها هذه القوة، قامت البروتونات الموجودة داخل النواة بجذب الإلكترونات بالقوة المطلوبة بالضبط لتكوين الذرة بفضل قيمة هذه القوة.

    4 ـ القوة التجاذبية:

    قال علي: فحدثني عن النوع الرابع من القوى الماسكة.. حدثني عن القوة التجاذبية.

    قال الفلكي: هذه القوة هي القوة التي نطلق عليها في العادة اسم الجاذبية، في حين أنها تسمى في الواقع (قوة جذب الكتل) (mass attraction force)

    قال علي: ما الفرق بين التعبيرين؟

    قال الفلكي: تسمى قوة جذب الكتل، لأن الكتل الكبيرة جدا تنجذب بواسطتها نحو بعضها البعض، وهي بذلك أقل القوى شدة مقارنة بالقوى الأخرى.

    قال علي: ومادور هذه القوة في تماسك الكون؟

    قال الفلكي: هذه القوة هي المسؤولة عن تماسك الكون وقيامه على ما هو عليه.. فهي السبب في بقاء المجرات والنجوم الموجودة بالكون في مدارات بعضها البعض، ولهذا تظل الأرض والكواكب الأخرى تدور في مدار معين حول الشمس بمساعدة هذه القوة.. كما أننا بواسطتها نتمكن من المشي على الأرض.

    ولو حدث انخفاض في قيمة هذه القوة، لسقطت النجوم، ولانتزعت الأرض من مدارها، ولتشتتنا نحن عن الأرض في الفضاء.

    وفي حال حدوث أدنى زيادة في قيمة هذه القوة تتصادم النجوم ببعضها البعض، وتصطدم الأرض بالشمس، وننجذب نحن نحو القشرة الأرضية.

    التفت إلى علي، وقال: وقد يبدو لك أن احتمال حدوث ذلك بعيدة جداً الآن، ولكنها ستكون حتمية لو انحرفت هذه القوة عن قيمتها الحالية ولو لفترة قصيرة جدا من الوقت.

    ولهذا يعترف كل العلماء الذين يجرون بحوثاً حول هذا الموضوع أن القيم المحددة بدقة لهذه القوى الأساسية تعتبر من العوامل الحاسمة في وجود الكون.

    وعندما تناول هذه النقطة عالم البيولوجيا الجزيئية الشهير مايكل دنتون أشار في كتابه (قدر الطبيعة: كيف تكشف قوانين البيولوجيا الغاية من الكون ) أو (How the Laws of Biology Reveal Purpose in the Universe Nature's Destiny ( إلى أنه ( لو كانت، على سبيل المثال، القوة التجاذبية أقوى تريليون مرة، لكان الكون أصغر بكثير، ولكان تاريخ حياته أقصر بكثير، ولكانت كتلة أي نجم عادي أقل تريليون مرة من الشمس، ولبلغت دورة حياته نحو سنة واحدة، ومن ناحية أخرى، لو كانت الجاذبية أقل قوة، لم تكن أية نجوم أو مجرات لتتكون على الإطلاق )

    قال علي: فهذه القوة هي أخطر القوى إذن.

    قال الفلكي: كلها خطيرة.. سأكمل لك مقالة مايكل دنتون.. لترى مدى خطورة جميع هذه القوى الماسكة.. قال بعد كلامه السابق:( وليست العلاقات والقيم الأخرى أقل خطراً، فلو كانت القوة الشديدة أضعف قليلاً، لكان الهيدروجين هو العنصر الوحيد المستقر، ولما تمكنت أية ذرات أخرى من الوجود، ولو كانت القوة الشديدة أقوى قليلاً مقارنة بالقوة الكهرومغناطيسية، لأصبحت النواة الذرية المكونة من بروتونين فقط سمة ثابتة في الكون ـ ويعني ذلك انعدام وجود الهيدروجين ـ وإذا نشأت أية نجوم أو مجرات، ستكون مختلفة جداً عن شكلها الحالي، ومن الواضح أنه لو لم تكن لهذه القوى والثوابت المختلفة قيمها الحالية بالضبط، لما كانت هناك أية نجوم، أو نجوم متفجرة فائقة الوهج supernova، أو كواكب، أو ذرات، أو حياة )

    وقد عبر الفيزيائي المعروف بول ديفيز Paul Davies عن إعجابه بالقيم المقدرة سلفاً لقوانين الفيزياء في الكون، فقال:( عندما يلجأ المرء لدراسة علم الكونيات، يزداد لديه الميل إلى الشك· ولكن الاكتشافات الأخيرة فيما يتعلق بالكون البدائي تضطرنا إلى القبول بأن الكون المتمدد قد بدأ في حركته بتعاون يتسم بدقة مثيرة للدهشة )

    سكت قليلا، ثم قال: من عجائب ما قرأت من آيات أنها ربطت بين الجري وتماسك هذه القوى..

    قال علي: وما في ذلك؟

    قال الفلكي: في ذلك إشارة جليلة إلى ما يسمى (القوة المركزية الطاردة).. أي أن أي جسم يدور بسرعة في مسار على شكل محيط دائرة حول مركز هذه الدائرة، فإنه تؤثر عليه قوة تعمل على طرده بعيداً عن هذا المركز، وتسمى بالقوة المركزية الطاردة.

    أنت تعلم أن جميع الأجرام السماوية من نجوم وكواكب وأقمار في حركة دائبة، ففي المجموعة الشمسية نجد أن الأرض تدور في فلكها حول الشمس بسرعة 30 كم / ث في أحد التقديرات.. والشمس ذاتها تدور في فلكها حول مركز مجرة سكة التبانة بسرعة 220 كم/ ث.

    لذلك نجد أن هناك قوة طاردة على إبعاد الأرض عن الشمس، وقوة جاذبة تعمل على جذب الأرض نحو الشمس، ولا بد أن تتعادل هاتان القوتان لتبقى الأرض في موقعها النسبي من الشمس.

    وقد عبر بعض العلماء عن هذه الحقيقة العلمية بأن بينهما (عمودا غير مادي) ثابتا ناتجا من التوازن بين قوتي الجذب والطرد.

    وذلك يصدق على ما أشارت إليه الآية التي كنت تقرؤها:﴿:﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

    سكت قليلا، ثم قال: شيء آخر له علاقة بهذه الآيات[79].. وله ـ على الأخص ـ علاقة بهذه الآية:﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ (الحج: من الآية65)

    أنت تعلم أن أقرب أجرام السماء إلينا هو القمر الذي يبعد عنا في المتوسط بمسافة ‏(383942‏ كيلومترا‏),‏ وتقدر كتلته بنحو سبعين مليون مليون مليون طن‏,‏ ويدور في مدار حول الأرض يقدر طوله بنحو‏2.4‏ مليون كيلومتر، بسرعة متوسطة تقدر بنحو كيلومتر واحد في الثانية‏,‏ وهي نفس سرعة دورانه حول محوره‏,‏ ولذلك يري منه وجه واحد لأهل الأرض‏.‏

    ومدار القمر حول الأرض‏,‏ وكذلك مدار الأرض حول الشمس بيضاوي الشكل ‏(أي أنه علي شكل قطع ناقص‏).

    ومن قوانين الحركة في المدار البيضاوي أن السرعة المحيطية فيه تخضع لقانون تكافؤ المساحات مع الزمن‏;‏ وهذا القانون يقتضي اختلاف مقدار السرعة علي طول المحيط‏,‏ فتزداد نسبيا بالاقتراب النسبي من الأرض‏,‏ وتزداد بزيادتها قوة الطرد المركزي‏ علي القمر فتدفعه بعيدا عن الأرض‏,‏ وإلا اصطدم القمر بالأرض فدمرها ودمرته‏;‏ وتقل السرعة المحيطية للقمر كلما بعد نسبيا عن الأرض‏,‏ فتقل القوة الطاردة المركزية علي القمر لئلا يخرج عن نطاق جاذبية الأرض‏,‏ فينطلق إلي فسحة السماء أو تبتلعه الشمس‏,‏ وأعلي مقدار لسرعة سبح القمر في مداره حول الأرض يقدر بما قيمته‏3888‏ كيلومترا في الساعة‏;‏ وأقل مقدار لتك السرعة يقدر بنحو‏3483‏ كيلومترا في الساعة‏,‏ وهذا يجعل السرعة المتوسطة لسبح القمر في مداره حول الأرض تقدر بنحو‏3675‏ كيلومترا في الساعة‏.‏

    ونفس القانون ‏(قانون الجري في القطع الناقص‏)‏ ينطبق علي سبح الأرض حول الشمس‏,‏ وسبح باقي أجرام السماء كل في مداره حول الجرم الأكبر‏,‏ أو التجمع الأكبر‏.‏

    ويؤكد علماء الفلك أن أبعد كواكب مجموعتنا الشمسية يبعد عن الشمس بمسافة متوسطة تقدر بنحو ستة آلاف مليون كيلومتر‏,‏ وأن مجرتنا تحوي قرابة تريليون نجم‏.‏

    كذلك يحصي علماء الفلك أن بالجزء المدرك من الكون أكثر من مائتي بليون مجرة تتفاوت في أشكالها‏,‏ وأحجامها‏,‏ وكتلها‏,‏ وسرعة دوران كل منها حول محورها‏,‏ وسرعة جريها في مدارها‏;‏ وسرعة تباعدها عنا وعن بعضها البعض‏,‏ كما تتباين في أعداد نجومها‏,‏ وفي مراحل تطور تلك النجوم‏.‏

    وفي كل الأحوال يدور الصغير حول الكبير في مدار بيضاوي علي هيئة قطع ناقص‏,‏ تحكمه في ذلك قوانين الحركة في مثل هذا المدار‏.‏

    سكت الفلكي، ثم قال: أتعلم أن القوى الأربعة التي ذكرتها لك ليست سوى حالة من الحالات التي مرت بها هذه القوى.. أما أصلها في الحقيقة، فهو قوة واحدة.

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الفلكي: بما أنه تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية‏,‏ فإن العلماء يحاولون جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة‏,‏ حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا‏,‏ كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبرى، وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي..

    ويعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق‏,‏ ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا اليوم‏,‏ والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة‏,‏ التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏.‏

    وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية‏,‏ ما يعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود‏10‏ ـ‏35‏ من المتر‏,‏ تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر‏,‏ وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية‏.‏

    وبهذا يتضح لك سر جديد من أسرار وصف القرآن للسماء‏,‏ بأنها ذات حبك، أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏,‏ من أدق دقائقها، وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏,‏ إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي، إلى كل الكون‏.‏













    4 ـ تسخير السماء

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أنه سخر ما في الكون للإنسان في آيات كثيرة في معرض الامتان على عباده، فقال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ (الحج:65)، وقال:﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ (لقمان: من الآية20)، وقال:﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ (لأعراف:54)، وقال:﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (النحل:12)

    إن من الناس من يعتريهم العجب من هذه الآيات.. فكيف تكون النجوم مسخرات، وهن بذلك البعد عنا.. بل أرضنا لا تساوي شيئا أمام سعتها؟

    ابتسم الفلكي، وقال: لقد ذكرتني هذه الآيات العظيمة بما يسميه قومنا (حرب النجوم).. إن قومنا من الوثنيين تستهويهم الحروب، ويستهويهم الصراع، فلذلك يتصورون الكون مصارعا لا ينال ما فيه إلا بالصراع.. بينما أرى القرآن يجنح جهة أخرى، إنه يرى الكون كونا مسالما يخدم بعضه بعضا، ويسخر بعضه لبعض.

    وهذا ما أثبته العلم.. وما سأشرحه لك.

    قال علي: قبل أن تشرح لي ما يؤكد هذا اسمح لي أن أذكر لك نصا جليلا لتلميذ في مدرسة القرآن الكريم.. إنه الإمام بديع الزمان، فقد قال، وهو يعبر عن خطاب الشمس لنا، وترحيبها بنا:( يا اخوتي لا تستوحشوا مني ولا تضجروا! فأهلاً وسهلاً بكم. فقد حللتم أهلاً ونزلتم سهلاً. انتم اصحاب المنزل، وانا المأمور المكلف بالاضاءة لكم. انا مثلكم خادم مطيع سخرّني الأحد الصمد للاضاءة لكم، بمحض رحمته وفضله. فعليّ الاضاءة والحرارة وعليكم الدعاء والصلاة )

    وهكذا يخاطبنا كل شيء بلسان حاله، ( فيا هذا هلاّ نظرت الى القمر.. الى النجوم.. الى البحار.. كل يرحب بلسانه الخاص ويقول: حياكم وبياكم. فأهلاً وسهلاً بكم )

    وقد عقد النوسي مقارنة بين التعبير القرآني في وصف الشمس في قوله U:) وَجَعَلَ الشمسَ سراجاً( (نوح:16)، وبين التعبير العلمي الحديث الجاف، فقال عن التعبير القرآني:( في تعبير السراج تصوير العالم بصورة قصر، وتصوير الأشياء الموجودة فيه في صورة لوازم ذلك القصر، ومزيّناته، ومطعوماته لسكان القصر ومسافريه، واحساسٌ أنه قد أحضَرتها لضيوفه وخدّامه يدُ كريمٍ رحيم، وما الشمسُ إلاّ مأمور مسخَّر وسراج منوَّر. ففي تعبير السراج تنبيه الى رحمة الخالق في عظمة ربوبيته، وافهامُ إحسانه في سعة رحمته، واحساسُ كرمه في عظمة سلطنته)

    أما العلم الحديث فيعرف الشمس بأنها ( كتلة عظيمة من المائع الناري تدور حول نفسها في مستقرها، تطايرت منها شرارات وهي أرضنا وسيارات أخرى فتدور هذه الاجرام العظيمة المختلفة في الجسامة.. ضخامتها كذا.. ماهيتها كذا..)).

    وعقب على هذه المقارنة بقوله:( فانظر ماذا أفادتك هذه المسألة غيرَ الحيرة المدهشة والدهشة الموحشة، فلم تُفِدْك كمالاً علمياً ولا ذوقاً روحياً ولا غاية إنسانية ولا فائدة دينية)

    وعلى هذا تقاس جميع التعبيرات القرآنية المتعلقة بالكون المسخر، ولذلك من الجهل العظيم ما أنكره بعضهم من أن القرآن الكريم لا يتكلم عن الكائنات من الزاوية التي يسمونها علما، ويقصرون العلم عليها، قال النورسي:( فقس على هذا لتقدّر قيمة المسائل الفلسفية التي ظاهرُها مزخرفة وباطنُها جهالة فارغة. فلا يغرّنك تشعشع ظاهرها وتُعرِض عن بيان القرآن المعجز)

    وهكذا تخاطبنا كل الأشياء رافعة ألوية السلام، فتسخير الله للكون تسخير مصحوب بالسلام.

    وبمثل ذلك ورد القرآن الكريم، وهو يصور النعم المستسخرة بصورة الهدايا المقدمة على أطباق، ومعها ختم المهدي، فالله تعالى صور ـ مثلا ـ الأرض بصورة المركب الذلول، المحتوية على كل المنافع، فقال:) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ (الملك:15)

    قال الفلكي: ما أجمل هذا الوصف الذي وصف به القرآن الأرض.. إنه وصفها بكونها ذلولا، وهو يطلق على الدابة، ليصور في الأذهان أن هذه الأرض التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، هي دابة متحركة.. بل رامحة راكضة مهطعة، ولكنها مع ذلك ـ وبسبب تسخيرها للإنسان ـ ذلول لا تلقي براكبها على ظهرها، ولا تخضه كالدابة غير الذلول.

    هذا هو تصوير القرآن الجميل، وهو تصوير يتوافق مع العلم.. أما الجاحدون من قومي، فيصورونها في صورة الدابة الرامحة الراكضة التي تحتاج فارسا قويا مثل فرسان رعاة البقر ليقوم بترويض جماحها على نغمات تصفيق المعجبين.

    الاهتداء:

    قال علي: لقد ذكر القرآن الكريم من وجوه تسخير الكون للإنسان ما جعل في النجوم من خاصية الهداية في ظلمات البر والبحر[80]، فقال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ (الأنعام:97)

    قال الفلكي: هذه الآية تشير إلى منفعة من أهم منافع النجوم، والتي استفادت منها البشرية في جميع أحقابها.

    فقد رتبت النجوم في مجموعات من الكوكبات ‏(البروج‏)‏ يمكن بواسطتها تحديد الاتجاهات الأربع الأصلية، كما هو الحال مع النجم القطبي المعروف باسم نجم القطبية أو نجم الجدي أو كوكبة الشمال أو مسمار الفلك كما يحلو لعدد من الفلكيين أن يسموه ‏(Polaris Pole Staror Polar Star)‏

    وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام، ويعتبر ألمع نجم في كوكبة الدب الأصغر، وهو يبعد عنا مسافة‏650‏ سنة ضوئية، ويقدر قطره بمائة مرة قدر قطر الشمس‏,‏ وتقدر قوة إشعاعه بخمسة آلاف ضعف إشعاع الشمس‏,‏ وقد أعطي هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي ‏(الذي لا يبعد عنه إلا بأقل من درجة واحدة‏),‏ وتبلغ دورته حول محوره حوالي أربعة أيام‏ (3,97‏ يوم‏)،‏ ولذلك فإنه يصنع دائرة صغيرة جدا حول القطب الشمالي لقبة السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها‏.‏

    ونظرا لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق تبدو القبة السماوية وكأنها تدور من الشرق إلي الغرب في حركة ظاهرية بكافة نجومها فيما عدا النجم القطبي الذي يقع علي الامتداد الشمالي لمحور دوران الأرض، فيبدو لنا ساكنا‏,‏ ويحدد بموقعه اتجاه الشمال الحقيقي‏,‏ ومن ثم يعين علي تحديد الجهات الأربع الأصلية علي الأرض وفي صفحة السماء مما يساعد علي التوجه الصحيح في ظلمات البر والبحر‏,‏ وفي تحديد القبلة‏,‏ وفي تحديد غيرها من المواقع والاتجاهات‏.‏

    ويحدد موقع النجم القطبي في قبة السماء بواسطة العربة الكبري ‏(المغرفة‏)‏ في كوكبة الدب الأكبر وذلك بمد الخط الواصل بين خلفيتي العربة الكبري ‏(أي الدليلتين اللتين تسبقان في أثناء الحركة اليومية الظاهرية‏)‏ حوالي خمس مرات قدر المسافة بينهما‏,‏ ولولا وجود النجم القطبي ما استطاع الانسان التوجه في ظلمات البر والبحر‏.‏

    الجمال:

    قال علي: لقد ورد ذكر تزيين السماء في مواضع من القرآن الكريم، فالله تعالى يقول:﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ (الصافات:6)

    بل سمى القرآن النجوم التي تزين السماء مصابيح فقال تعالى:﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ (فصلت: من الآية12)، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ (الملك:5)

    قال الفلكي: أتدري يا صاحبي.. العلم الآن يقول هذا.. لا يقوله فقط.. بل يصوره تصويرا.. لقد التقط العلماء صوراً رائعة للنجوم شديدة اللمعان أو الكوازرات، وأدركوا أن هذه النجوم تضيء الطريق الذي يصل بيننا وبينها.. لذلك أطلقوا عليها اسماًَ جديداً هو (المصابيح الكاشفة)

    بل إن العلماء صاروا عندما يتحدثون عن البناء الكوني نجدهم يتحدثون أيضاً عن تشبيه جديد وهو أن المجرات وتجمعاتها تشكل منظراً رائعاً يزهو بمختلف الألوان من الأزرق والأصفر والأخضر مثل الخرز على العقد، أو مثل اللآلئ المصفوفة على خيط.

    ففي إحدى المقالات العلمية نجد كبار علماء الفلك في العالم يصرحون بعدما رأوا بأعينهم هذه الزينة بهذا.. يقول أحدهم:(يقول العلماء: إن المادة في الكون تشكل نسيجاً كونياً، تتشكل فيه المجرات على طول الخيوط للمادة العادية والمادة المظلمة مثل اللآلئ على العقد)[81]

    الحفظ:

    قال علي: لقد ورد في القرآن الكريم كذلك وصف السماء بكونها سقفا محفوظا.. فقال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ (الأنبياء:32)

    بل جمع القرآن الكريم بين خاصيتي الزينة والحفظ، فقال:﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ (فصلت: من الآية12)

    قال الفلكي: هذه خاصية مهمة لبناء السماء أثبتتها الأبحاث العلمية الحديثة.. لا يمكنني أن أحدثك عنها بالتفصيل.. ولكني سأحدثك فقط على ناحية منها لها علاقة بالأرض التي نعيش فيها.. سأذكرها لك فقط كنموذج على هذه الخاصية.

    لقد ذكرت لي بأن القرآن يعتبر السماء كل ما علا الإنسان.

    قال علي: أجل .. فقد قال تعالى:﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (البقرة: من الآية164)

    قال الفلكي: أنت تعلم أن الأرض تحاط بغلاف جوي يؤدي وظائف ضرورية لاستمرار الحياة، فهو يدمر الكثير من النيازك الكبيرة والصغيرة، ويمنعها من السقوط على سطح الأرض وإيذاء الكائنات الحية.

    فلولا وجود الغلاف الجوي لسقطت ملايين النيازك على الأرض جاعلة منها مكاناً غير قابل للعيش، ولكن خاصية الحماية التي يتمتع بها هذا الغلاف سمحت للكائنات بالبقاء آمنة على قيد الحياة.

    ليس ذلك فقط.. فالغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية.

    والملفت للنظر، والجالب للدهشة أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية، وموجات الراديوا بالمرور.. وكل هذه الإشعاعات أساسية للحياة.

    فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرورها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي ضرورية جداً لعملية التمثيل في النباتات، ولبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة.

    أما غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة، فيتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، ولا تصل إلا كمية محدودة وضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.

    وهذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد، بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر.

    قال علي: فحماية الأرض مرتبطة إذن بالغلاف الجوي؟

    قال الفلكي: ليس الغلاف الجوي وحده هو الذي يقوم بهذه العملية الخطيرة.. فهناك ما يعرف بحزام فان ألن.. وهو طبقة ناتجة عن حقول الأرض المغناطيسية، وهي تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا.

    فلولا وجود حزام فان ألن، لكانت الانفجاريات العظيمة للطاقة المسماة التموجات أو الانفجارات الشمسية، والتي تحدث بشكل دائم في الشمس قد دمرت الأرض.

    وقد قال الدكتور (هوغ روس) عن أهمية حزام فان آلن:( في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي، وهذا القلب الغظيم للأرض المكون من الحديد والنيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير، وهذا الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الإنفجارات الإشعاعية، ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض، ولا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض وكوكب المريخ الصخري، ولكن قوة حقله المغناطيسي أقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي.. إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض )

    المواقيت:

    قال علي: وقد ذكر القرآن من أنواع تسخير الكون لنا أنه جعل لنا ساعة كونية تبزغ في سمائنا كل يوم متزايدة في نورها، لتعطينا تأريخا شهرياً منتظماً، فقال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾(يونس:5)

    قال الفلكي: صدق القرآن.. فبما أن القمر يكتمل نوره في 16 يوما تقريباً، فإن إضاءة نصفه تعادل 8 أيام تقريباً وإضاءة ربعه تعادل 4 أيام تقريباً وهكذا.. فمن نظرة سريعة إلى الجزء المضيء من القمر نستطيع معرفة التأريخ القمري بخطأ لا يتجاوز اليوم الواحد.. وقد عرفنا ذلك من قبل.

    ***
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ أولا ـ السماء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 16:53


    سالت دموع حارة من عين علي، وهو يسمع هذه العظمة التي يضمها الكون بين جنباته، وقال للفلكي: جزاك الله خيرا.. وملأك بالبركات.. فإن ما ذكرته لي من علم خير تفسير سمعته لتلك الآيات من القرآن الكريم.

    إن ما ذكرته من عظمة خلق السماء، يدل على أنها لم تخلق عبثا كما قال تعالى:﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ (صّ:27)، وقال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ (الأنعام:73)

    بل أخبر أنها آيات للدلالة على الله وعظمة الله، وأنه لا يفقه سرها هذا إلا العقلاء من الناس، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (البقرة:164).. وقال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ (آل عمران:190)

    بل دعا أولي العقول إلى إعمال فكرهم في السماء.. ليعرفوا الله من خلالها، فقال تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾ (الروم:8)

    وأخبر الجاحدين الذين يجحدون قدرة الله على بعث مخلوقاته بعظمة خلق الكون، فقال:﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ (غافر:57)

    قال الفلكي بتأثر شديد: أكل هذه الآيات في القرآن.. إنها تخاطبني أنا بالذات.. أنا الذي أرى كل هذا.. وأنا الذي أعلم أن قدرة الذي خلق كل هذا الكون الواسع لن يعجز عن شيء..

    ثم التفت إلى علي، وقال: أين تباع مصاحف القرآن؟.. أريد مصحفا.. لعلي لم أزر بلادكم إلا لأشتريه.

    قال علي: لن تحتاج لشرائه .. أنا أحمل دائما معي مصاحف من القرآن.. ولكني لا أسلمها إلا لمن أتوسم فيه استعدادا لقراءتها والبحث فيها عن الحقيقة..

    أخرج من محفظته مصحفا، ثم قال: هذا هدية مني لك.. وهو مكتوب باللغتين.. باللغة العربية.. وهي أدق وأحكم في الدلالة على معانيه.. ومكتوب بلغتك.. وهي أقصر من أن تعبر عن معانيه.. فلذلك إذا شككت في معنى من المعاني.. فاذهب إلى لغته الأصلية.

    أخذ المصحف، وقال: هذا أكبر تكريم كرمت به في حياتي.

    أحسست بأنوار عظيمة بدأت تنزل على صاحبي الفلكي.. وبمثله شعرت بأن بصيصا من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.




    ([1])وهو ما جاء في الإصحاح الأول من سفرالتكوين، وهذا نصه:« فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.

    وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.

    وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بِزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا.

    وَقَالَ اللهُ:« لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ. وَجَعَلَهَا اللهُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلِتَحْكُمَ عَلَى النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَلِتَفْصِلَ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا رَابِعًا.

    وَقَالَ اللهُ:« لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ السَّمَاءِ». فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الْتِى فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: «أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا خَامِسًا.

    وَقَالَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا». وَكَانَ كَذلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا » وَكَانَ كَذلِكَ. وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا.

    فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا.

    ([2]) انظر فصل (الحق) من (الكلمات المقدسة)

    ([3])طبعا.. فإن هذا النقد الموجه هنا للتوراة ليس للتوراة التي أنزلها الله على موسى u، وإنما هو نقد للتوراة المحرفة، وإبراز للتحريف الذي نص القرآن الكريم على حصوله لها.

    أما التوراة الحقيقية فقد ورد في فضلها النصوص الكثيرة كقوله تعالى:﴿ )إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ )(المائدة: من الآية44)، وقوله تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (المائدة:66)

    انظر تفاصيل ذلك في الجزء السابق (الكلمات المقدسة)

    ([4])ولا يصح ما روي من تأييد ذلك في كتب الحديث، من مثل حديث أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله r بيدي فقال:« خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل » (تفسير ابن أبي حاتم (1/103) وصحيح مسلم برقم (2789) وسنن النسائي الكبرى برقم (11010)

    وقد قال ابن كثير في هذا الحديث:« وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي »

    انظر: تفسير ابن كثير: 1/215، وأنظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص276)

    ([5]) من المعلوم أن ذلك الإصحاح هو أول ما يبدأ به الكتاب المقدس.

    ([6]) انظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، لأبي الحسن الندوي.

    ([7]) انظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، لأبي الحسن الندوي، وسنعود إلى تفاصيل وافية عن هذا في رسالة (ثمار من شجرة النبوة) من هذه السلسلة.

    ([8]) انظر حقيقة هذه النظرية وأدلتها وعلاقتها بالقرآن الكريم في:

    1. إنهم يرون فَتْق الرّتق حقا..أفلا يؤمنون ، بقلم: د. حسنى حمدان، أستاذ الجيولوجيا المساعد-جامعة المنصورة، عضو المجلس الأعلى للسئون الإسلامية ، من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    2. خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير، بقلم الكاتب التركي هارون يحيى.

    3. الانفجار الكبير بين العلم والقرآن، بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل.

    ومن المواقع العلمية التي أشار إليها هذا الأخير كمراجع في هذا الموضوع:

    http://www.historyoftheuniverse.com/

    http://www.damtp.cam.ac.uk/user/gr/public/gal_home.html

    http://www.damtp.cam.ac.uk/user/gr/public/bb_home.html

    http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101bbtest3.html

    http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101bb1.html

    http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101bbtest1.html

    http://cassfos02.ucsd.edu/public/tutorial/BB.html

    http://csep10.phys.utk.edu/astr162/lect/cosmology/hotbb.html

    http://www.321books.co.uk/reviews/big-bang-simon-singh.htm

    http://www.pbs.org/deepspace/timeline/

    http://news.bbc.co.uk/1/hi/sci/tech/1270726.stm

    http://rst.gsfc.nasa.gov/Sect20/A10.html

    ([9])اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة (بل) للتليفونات بمدينة نيوجرسي هما أرنو أ‏.‏بنزياس(ArnoA.Penzias)‏وزميله روبرت و‏.‏ ويلسون (RobertW.Wilson)‏ في سنة‏1965‏ م

    ([10])أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ‏273‏ درجة مئوية‏.

    ([11])لم تكن مجموعة جامعة برنستون بقيادة كل من روبرت دايك(RobertDicke),‏ ب‏.‏ج‏.‏ إ‏.‏ بيبلز(P.J.E.Peebles)،‏ ديفيد رول(DavidRoll)‏ وديفيد ولكنسون (DavidWilkinson)‏هي أول من توقع وجود الخلفية الاشعاعية للكون‏,‏ فقد سبقهم إلى توقع ذلك كل من رالف ألفر ‏(RalphAlpher)‏ وروبرت هيرمان (RobertHerman)‏ في سنة‏1948‏ م وجورج جامو(GeogeGamow)‏ في سنة‏1953‏ م ولكن استنتاجاتهم أهملت ولم تتابع بشيء من الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان‏.‏

    ([12])باسم مستكشف الخلفية الكونية أو‏كوبي‏Cosmic Background Explorer أو COBE‏

    ([13]) طبقاً لبيان المؤتمر الدولي للمعايير الذي انعقد في باريس سنة 1983 فإن سرعة الضوء في الفراغ تقدّر بـ 299792.458 كم/ثانية.

    وقد استنبط بعض الباحثين من المسلمين، وهو الدكتور محمد دودح من خلال قوله تعالى:﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة:5) وجود إشارة إلى سرعة الضوء في القرآن الكريم، وقد لقي بحثه الموافقة من اللجان العلمية والشرعية المكلفة بمراقبة مدى موافقة البحوث للقرآن والعلم.

    فالأمر المقصود به في الآية هو الأمر الكوني الفيزيائي في حياتنا الدنيا، وقد قال بهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقد روي عنه قوله في تفسير الأمر الذي ذكرته الآية:« هذا في الدنيا ولسرعة سيره (أي الأمر الكوني) يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم »

    وأما عن قوله تعالى:﴿ مما تعدون﴾ فقد ذكر كل المفسرين أن السنة مبنية على سير القمر، لأن العرب كانت تعتمد في حساب الزمن على الحساب القمري، كما كانوا يعبرون عن المسافة بالزمن كأن يقولوا: مسافة ثلاثة أيام، والقرآن نزل بلغة العرب فقال ﴿مما تعدون ﴾

    وانطلاق من هذا فهم أن الآية الكريمة اعتبرت الحد الأقصى للسرعة الكونية في الفراغ تعادل دوران القمر حول مداره اثنتي عشرة ألف دورة، ومن ثم فإن الرقم القرآني ينطبق تماماً مع الرقم الذي أعلنه المؤتمر الدولي للمعايير في باريس سنة 1983 وهو 299792.458 كم/ثانية.

    فمسافة شهر وفق ما يعدون (الحساب القمري)= 5152612.269 كم

    ومسافة الألف سنة= 25.83134723 بليون كم

    وبما أن السنة القمرية قائمة على حركة القمر حول الأرض، فإن المسافة المجردة التي يقطعها القمر حول الأرض في كل شهر (طول المدار القمري المعزول) = 2152612.269 كم

    والسرعة الوسطية للقمر = 86164.09966 كم/ثانية

    والشهر النجمي = 27.32166 يوماً

    وطول المدار المرصود = 2414406.35 كم

    ونسبة مركبة السرعة = (جتا هـ) = 0.89157

    وانطلاقا من هذه المقاييس، فقد قام الباحث بحساب متوسط السرعة المدارية للقمر كما لو كانت الأرض ساكنة، مما يعني ضرب متوسط السرعة المدارية للقمر حول الأرض المتحركة × جيب تمام الزاوية التي تدورها الأرض حول الشمس خلال شهر قمري واحد.

    وقد تم عرض هذا البحث على علماء متخصصين في الفيزياء بكلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية، وصدر تقرير بالموافقة عليه من الناحية العلمية، كما تمت الموافقة عليه أيضاً من ناحية اللغة وتفسير الآيات من طرف جامعة أم القرى قسم اللغة والتفسير بمكة المكرمة (المملكة العربية السعودية)، وبذلك اكتسب البحث الموافقة التامة من كل جوانبه.

    ([14])سبق القرآن الكريم بوصف تلك الحالة الدخانية في قوله تعالى:﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)، وسنتحدث عنها في مبحث لاحق من هذا الفصل.

    ([15])وقد بدأ هذه الحسابات هانز بيته‏ (HansBethe) في الثلاثينات من القرن العشرين‏ وأتمها وليام فاولر ‏(WilliamFowler)‏ الذي منح جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع آخرين في سنة‏1983‏ تقديرا لجهوده في شرح عملية الاندماج النووي‏ ودورها في تخليق العناصر المعروفة‏,‏ ومن ثم المناداة بتأصل العناصر‏,‏ وهي صورة مصغرة لعملية الخلق الأول‏.

    ([16])وذلك كما لخصها عدد من العلماء من مثل‏:

    ‏Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler Hoyle,Schramm, Olive, Walker, Steigman, Rang,etc

    ([17]) حتى الجرس الموسيقي لكلا اللفظتين (رتق فتق) يشبه المصلح المختار للتعبير عن الانفجار العظيم (Big Bang)

    ([18]) اقتبسنا الكثير من المادة العلمية في هذا من كتاب (خلق الكون ) لهارون يحيى.



    ([19]) سنشرح هذا المعنى ودلالته العلمية عند ذكرنا لتوسع الكون.

    ([20])انظر: الكون، بوزلو، ص46.

    ([21])انظر تفصيله في كتاب: الخالق والفلكيون، جاسترو، ص15 وما بعدها.

    ([22])الخالق والفلكيون، جاسترو، ،ص29.

    ([23])عندما دقت الساعة صفراً، جون تيلر، ص103.

    ([24])وقد طور هذا النموذج من قبل الفلكيين الذين لم تعجبهم فكرة أن الانفجار الكبير كانت بداية الكون، ويقضي ذلك النموذج بأن التمدد الحالي للكون سوف ينعكس أخيراً عند نقطة معينة ويبدأ بالانكماش والتقلص.

    وهذا الانكماش سوف يسبب انهيار واندماجاً لكل شيء في نقطة واحدة ،ومن ثم تعود تلك النقطة لتنفجر ثانية مستهلة جولة جديدة من التمدد، وكما يقولون فهذه العلمية تتكرر بشكل لا محدود مع الزمن، ويفترض هذا النموذج أن الكون عانى لغاية الآن هذا التحول عدداً لا نهائياَ من المرات، وأن تلك العملية سوف تستمر إلى الأبد، وبكلمة أخرى سيقى الكون سرمدياً خالداً رغم أنه يتمدد وينهار خلال فواصل زمنية مختلفة مع حدوث انفجار هائل يختم كل دورة، والكون الذي نحن فيه هو واحد فقط من هذه الأكوان اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها.

    ([25])وقد بنى الداعمون لهذا النموذج محاولتهم تلك على المشاهدات الكوانتية للفيزياء ما دون الذرية، ففي الفيزياء الكوانتية تمت مشاهدة جسيمات ما دون ذرية، وهي تظهر وتختفي تلقائياً في الخلاء، وتعليل تلك المشاهدة هو أن المادة تنشأ عند سوية كوانتية مميزة تخص المادة وتلائمها.

    وقد حاول بعض الفيزيائيين تفسير أصل المادة من العدم خلال خلق الكون بطريقة مماثلة وعلى أنها حالة مميزة وتخص المادة، وتمثيلها على أنها جزء من قوانين الطبيعة ،ووفق هذا النموذج يفسر كوننا على أنه جسيم ما دون ذري لكنه أكبر حجماً على كل حال.

    ([26]) فنموذج الكون الهزاز مثلا لم يتم دعمه بنتائج الأبحاث العلمية التي جرت خلال الـ15 ـ 20 سنة مضت والتي تشير إلى أنه ليس من الممكن لفكرة الكون الهزاز أن تظهر للوجود، والأبعد من ذلك هو أن قوانين الفيزياء لا تقدم أي سبب معقول يدعو لانفجار الكون المتقلص ثانية بعد انهياره في نقطة واحدة؟ ولماذا لا يجب أن يبقى على ما هو عليه بالضبط بعد الانهيار؟ كما أنهم لم يقدموا أي تفسير أو سبب يوضح لماذا يجب على الكون أن يبدأ بالتقلص في المكان نفسه.

    حتى إذا قبلنا بذلك فإنه يوجد بعض من الآليات والتي تقوم بعملها خلال دورة الانكماش والانفجار والتمدد وهي غير واضحة في هذا النموذج والنقطة الحاسمة في تلك الدورة هو أنها لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد كما يتطلبه هذا النموذج، فقد بينت الحسابات وفقه بأن الكون بأسره سوف ينقل كمية من الأنتروبي إلى وريثه، وبكلمات أخرى فأن كمية الطاقة المفيدة ستصبح أقل من كل مرة، وسيكون كل فتح تالٍ للكون ( الانفجار) أكثر بطأً ومن نقطة أكبر قطراً، وهذا سيولد كوناً أصغر ثم تبدأ المرحلة التالية.. وهكذا، وأخيراً يتلاشى في اللاشيء وحتى لو كانت الأكوان المفتوحة أو المغلقة تستطيع أن تكون موجودة، فإنهم غير قادرين على التحمل حتى يصلوا إلى الخلود والسرمدية، وعند نقطة ما يصبح من الضرورة أن يخلق الشيء من لا شيء.

    ومثل ذلك لم ينجح هذا النموذج في تفسير كيف أتى الكون إلى الوجود، والكاتب (وليام كرايج) مؤلف كتاب (الانفجار الكبير، الإيمان والإلحاد)(The big bang:Theism and Atheism) يفسر ذلك بقوله:« الخلاء الكوانتي الميكانيكي والذي يقصد به الخلاء الذي يتم فيه توليد الجسيمات المادية هو معنى بعيد عن الفكرة العادية للخلاء (والذي يعني هنا اللاشيء)، والأغلب أن الخلاء الكوانتي هو بحر لتشكل وانحلال مستمر للجسيمات والتي تستعير بدورها طاقة منه لتنجز وجودها الكوني المختصر، وطبعاً هذا ليس (لا شيء)، وبالتالي فالجسيمات المادية لا تأتي إلى الوجود من لا شيء.

    إذن في الفيزياء الكوانتية لا توجد المادة إذا لم تكن موجودة قبلاً، وما يحدث هو أن طاقة مختفية تصبح فجأة مادة، وكما اختفت تلك الطاقة فجأة تعود طاقة ثانية وهكذا، وباختصار لا يوجد شرط (للوجود من العدم) كما هو مطلوب وفق هذا النموذج.

    ([27]) انظر في هذا الموضوع وعلاقته بالإعجاز القرآني:

    اتساع السماء: حقيقة قرآنية وعلمية، لعبد الدائم الكحيل، من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة..

    الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار، الأهرام: 41846 ‏السنة 125-2 يوليو 2001 .

    Matts Roos, Introduction to Cosmology, John Wiley and Sons, 2003.

    Michael Rowan-Robinson, Cosmology, Oxford University Press, 1996.

    David Wands, A brief history of cosmology, www-history.mcs.st-andrews.ac.uk, March 1997

    ([28]) ظاهرة دوبلر: وتنسب إلى عالم الفيزياء (كريستيان دوبلر) في عام 1842.. فقد قام بتعريض ضوء لموشور زجاجي ، فتحلل الضوء الأبيض عند اختراقه هذا الموشور الزجاجي إلى أطياف سبعة ( الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي ) وإذا تحرك مصدر الضوء متباعداً عن المشاهد تنحاز هذه الحزمة إلى الطيف الأحمر لأنه أقصر الأطياف، وإذا كان مصدر الضوء ثابتاً تأتي هذه الحزمة متماثلة الأطياف السبعة، وإذا كان مصدر الضوء يتحرك إلينا تنحاز إلى الطيف الأزرق البنفسجي لأنه أطول الأطياف.

    وسنبسط هذه النظرية في هذا المبحث، ونرى علاقتها بالموضوع.

    ([29])كتاب الكون وأسراره في آيات القرآن الكريم: أ. د حميد مجول النعيمي.

    ([30])في هذه الآية الكريمة معجزتان علميتان، سنشير إلى إحداهما، وهي توسع السماء في هذا المبحث، أما المعجزة الثانية، وهي حقيقة البناء الكوني المذكورة في قوله تعالى:﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا﴾(الذاريات: 47)، فسنشير إليها في المبحث التالي لهذا المبحث.

    والمذكورة في آيات أخرى، كقوله تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءًوَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾(غافر: 64) وغيرها من الآيات.. فسنتحدث عنها في مبحث لاحق من هذا الفصل.

    ([31]) هذه الفكرة نبه إليها الدكتور حسني حمدان أستاذ علوم الأرض في جامعة المنصورة، وملخصها أن الذي يتمدد هو السماء وليس الكون، لأن الكون يتألف من مجرات ونجوم وغير ذلك، وهذه لا تتمدد، لذلك الكلمة القرآنية هي الأدق. انظر موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([32])انظر: مقالة للدكتور زغلول النجار حول هذا الموضوع نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 4 /6/2001م

    مواقع تتحدث عن الغبار الكوني أو الدخان كما ذكره القرآن:

    http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap980806.html

    www.upload.wikimedia.org

    www.uccs.edu

    http://www.whyevolution.com/nothing.html

    ([33])‏ مثل نظرية الكون المستمر التي سبق أن أعلنها ودافع عنها كل من هيرمان بوندي ‏ وفريد هويل في سنة‏1949‏ م‏,‏ ونظرية الكون المتذبذب‏ التي نادي بها ريتشارد تولمان من قبل‏..‏ وقد سبق شرحهما، والرد عليهما في المبحث السابق.

    ([34]) بالإضافة إلى ذلك هناك عوامل أخرى ترتبط بدقة الكون الفائقة.. فعلي سبيل المثال يذكر علماء الفيزياء أنه إذا تغيرت الشحنة الكهربائية للإلكترون قليلا‏,‏ ما استطاعت النجوم القيام بعملية الاندماج النووي‏,‏ ولعجزت عن الانفجار علي هيئة ما يسمي بفوق المستعر إذا تمكنت فرضا من القيام بعملية الاندماج النووي‏.‏

    زيادة على ذلك، فإن المعدل المتوسط لعملية اتساع الكون قد اختير بحكمة بالغة، لأن معدله الحالي لا يزال قريبا من الحد الحرج اللازم لمنع الكون من الانهيار علي ذاته‏.‏

    ([35]) تحتوي شمسنا علي نحو‏2 بالمائة من كتلتها من العناصر الأثقل في أوزانها الذرية من غازي الإيدروجين والهيليوم‏,‏ وهما المكونان الأساسيان لها‏,‏ وهذه العناصر الثقيلة لم تتكون كلها بالقطع في داخل الشمس بل جاءت إليها من بقايا انفجار بعض من فوق المستعرات‏.‏

    ( ) انظر في الرد على هذه الشبهة مقالا بعنوان (السماء كانت دخاناً ـ حقائق جديدة تؤكد صدق القرآن الكريم » بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل، موقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([37])المقالة بعنوان: )الانفجارات النجمية الدخانية تحل سرّاً عمره 10 بليون سنة)، وهي متوفرة على الرابط:

    http://outreach.jach.hawaii.edu/pressroom/2003_casa/

    ([38])الميكرون هو واحد من الألف من الميليمتر، أي هو جزء من مليون من المتر.

    ([39])المقالة متوفرة على الرابط:

    http://www.chl.chalmers.se/~numa/astrophysics/molecules/molecules.html

    ([40])جاء في مقالة بعنوان: Dust ring around Jupiter على الرابط:

    http://www.xs4all.nl/~carlkop/dustring.html

    ([41])انظر: السماء تتكلّم! حقائق كونية حديثة جداً تتجلّى في القرآن، بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل، من موقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([42]) هذا هو النص بالإنجليزية:

    The universe expanded rapidly after the Big Bang, during a period called inflation. Later, it continued to expand at a slower rate as it cooled enough for gas to condense and form stars. All this time, density variations contributed characteristics to the sound that Whittle's team has determined.

    وهو منشور بمقالة بعنوان (الكون الناشئ يتكلم)، وهي موجودة على موقع الفضاء على الرابط التالي:

    http://www.space.com/scienceastronomy/big_bang_sound_040601.html

    ([43]) انظر:

    مقالة للدكتور زغلول النجار منشورة على العديد من المواقع ومنها موقع جريدة الأهرام في العدد الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 2001 بعنوان: من أسرار القرآن - الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ). انظر النص الكامل على موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    النسيج الكوني بين العلم والقرآن، أحدث الحقائق الكونية تتجلى في كتاب الله تعالى، بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([44]) المادة المظلمة هي مادة تملأ أكثر من 95 % من الكون، وهي لا تُرى أبداً ولكن هنالك دلائل كثيرة تؤكد وجودها. لمزيد من الاطلاع هنالك مئات المقالات العلمية والاكتشافات حول هذه المادة، انظر مقالة بعنوان (المادة المظلمة في قلب المجرّات) على موقع الكون اليوم:

    http://www.universetoday.com/am/publish/dark_matter_concentrated.html

    ([45]) انظر في هذا مقالة بعنوان (لمحة عن النسيج الكوني) لثلاثة من علماء الغرب الأكثر شهرة في هذا المجال وهم:عالم الفلك بول ميلر من معهد الفيزياء الفلكية بألمانيا، وجون فينبو من نفس المعهد، وبارن تومسون من معهد الفيزياء والفلك بالدانمارك.

    ولتفاصيل أكثر انظر موقع المرصد الأوروبي الجنوبي بألمانيا على الرابط:

    http://www.eso.org/outreach/press-rel/pr-2001/pr-11-01.html

    ([46]) وجاءت الاشارة إلى السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع‏(‏ المائدة‏:18,17),(‏ الحجر‏:85), (‏ مريم‏:65), (‏ طه‏:6),(‏ الأنبياء‏:16), (‏ الفرقان‏:59),(‏ الشعراء‏:24), (‏ الروم‏:8), (‏ السجدة‏:4),(‏ الصافات‏:5), (‏ ص‏:66,27,10), (‏ الزخرف‏:85), (‏ الدخان‏:38,7), (‏ الأحقاف‏:3), (‏ ق‏:38), (‏ النبأ‏:37).‏

    وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد من الآية رقم‏164‏ في سورة البقرة‏,‏ والتي تشير إلى أن القرآن الكريم يفصل بين السماء والأرض بنطاق يضم السحاب‏,‏ وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدى سمكه‏16‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ ويحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض‏(75%‏ بالكتلة‏).‏

    وعلي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلى نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله‏.

    ([47])جاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة هي‏:(‏ الإسراء‏:44),(‏ المؤمنون‏:86),(‏ فصلت‏:12),(‏ الطلاق‏:12),(‏ الملك‏:3),(‏ نوح‏:16,15),(‏ النبأ‏:12).‏

    كذلك جاءت الإشارة القرآنية إلى سبع طرائق في الآية‏(17)‏ من سورة‏(‏ المؤمنون‏),‏ واعتبرها عدد من المفسرين إشارة إلى السماوات السبع‏,‏ وإن كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك‏.‏

    ([48]) N Katherine Hayles, Cosmic Web, Cornell University Press, 1984.

    ([49])انظر: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، ‏والســماء ذات الحبك‏، الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار، الأهرام: 41909 ‏السنة 126-3 سبتمبر 2001.

    ([50]) ذكر بعض المهتمين بالإعجاز العلمي أن الإشارة للمجرات هي في قوله تعالى:﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) (البروج:1)، فكل مجرة من المجرات برج من البروج التي تتشكل منها السماء.

    وسنتحدث عن هذه الآية في المبحث التالي لهذا المبحث.

    ([51]) انظر: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، فلا أقسم بمواقع النجوم‏، الدكتور‏:‏ زغـلول النجـارن الأهرام: 41860 ‏السنة 125- 16 يوليو 2001.

    ([52]) سنتحدث عن تماسك الكون في مبحث لاحق.

    ([53])انظر: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، ‏والسماء والطارق، د. ‏زغـلول النجـار، الأهرام: 41895 ‏السنة 126-20 أغسطس 2001.

    ([54]) هناك من ذهب إلى أن المقصود بالطارق النجم الثاقب (الثقوب السوداء )

    والقولان متقاربان، لأن النجم النيوتروني هو الذي يتحول إلى ثقب أسود، ولا يستغرق ذلك منه سوى فترة زمنية قصيرة.. فهو يحتاج إلى أقل من ثانية واحدة.

    فقد ترى نجماً نابضاً، وفجأة تراه وكأنه قد انطفأ، وحقيقة أمره أنه يمكن أن يكون قد تحول إلى ثقب أسود.

    وليس كل نجم نيتروني نابض يتحول إلى ثقب أسود، فذلك متعلق بكتلة النجم وهو في مرحلة النجم النابض، فلو كانت هذه الكتلة كبيرة بدرجة يمكنها أن تتغلب بقوة جاذبيتها على القوى التي بين النيوترونات، فإن النجم سيتحول في لحظة خاطفة إلى ثقب أسود.

    وهذه النوعية من النجوم (التي تصل إلى مرحلة النجم النيوتروني) نادرة بين النجوم، فأغلب النجوم (التي تشبه شمسنا في كتلتها أو حتى تلك التي تكبرها قليلاً) ستنتهي حياتها كأقزام بيضاء.

    أما تلك النجوم التي تزيد كتلتها في بداية حياتها عن 12كتلة شمسية، فهي التي يمكن أن تنتهي حياتها كنجوم نيوترونية نابضة، وهذه نادرة في السماء، لعظم كتلتها وندرة الظروف التي يمكن أن تساعد على تكون تلك النجوم الكبيرة جداً.

    وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للنجوم النابضة، فإن عدد النجوم التي تتحول إلى نجوم نابضة، ثم إلى ثقوب سوداء سيكون أقل بكثير، لأن كتلتها ستكون أكبر بكثير من تلك التي تنتهي في حياتها كنجوم نيوترونية نابضة.

    انظر: تأملات فى سورة الطارق، د. ســلامه عبد الهادي، أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([55]) انظر الخلاف الوارد فيها في تفسير ابن كثير: 7/443.

    ([56])انظر: حياة النجوم بين العلم والقرآن الكريم ، د /محمد صالح النواوي، الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة، رئيس مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي في القرآن، موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([57])انظر حول الثقوب السوداء والقرآن الكريم المراجع التالية:

    بحث للدكتور زغلول النجار حول الثقوب السوداء.

    الثقوب السوداء والقرآن الكريم، بقلم المهندس: عبد الدائم الكحيل.

    مجموعة من المقالات حول الثقوب السوداء على الروابط التالية:

    http://spaceflightnow.com/news/n0508/18swift

    http://cosmology.berkeley.edu/Education/BHfaq.html

    http://www.space.com/news/hawking_bet_040716.html

    http://www.space.com/scienceastronomy/050711_blackhole_looks.html

    ([58])ذكرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن الشمس تدور بنفس اتجاه دوران الأرض، و(دوران كارنغتون) سمي نسبة للعالِم (ريتشارد كارنغتون)، العالم الفلكي الذي كان أول من لاحظ دوران البقع الشمسية مرة كل 27.28 يوماً.

    ([59])انظر: كسوف الشمس.. آية من آيات الله ، بقلم المهندس: عبد الدائم الكحيل، باحث في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية.

    وانظر: مقالات مرتبطة بالكسوف على هذا الموقع المختص بالكسوف:

    http://www.eclipse.org/articles/index.html

    ([60]) ذكر بعض المهتمين بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم أن في القرآن إشارة للمجموعة الشمسية في قوله تعالى:﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف:4)

    وقد دعم هذا القول بما اكتشفه العلماء حديثاً من كواكب المجموعة الشمسية، وسموه كوكب زينا، فمنذ فترة وجيزة اكتشف العلماء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا كوكباً جديداً رأوه للمرة الأولى بواسطة تليسكوب الفضاء هابل، وقد سمى العلماء هذا الكوكب البعيد باسم Xena. وقطر هذا الكوكب بحدود 2400 كيلو متر، ويقع على أطراف المجموعة الشمسية حيث يبعد عنا 135 بليون كيلو متر، أي 900 مرة بعد الأرض عن الشمس، وهو يدور حول الشمس دورة كاملة كل 10500 سنة.

    وبما أن الكواكب المكتشفة عشرة كواكب ـ بما فيها الأرض ـ فأين الكوكب الحادي عشر؟

    لقد ذهب بعضهم إلى أنه يوجد حزام من الكويكبات يمكن اعتباره الكوكب الحادي عشر، وبالتالي تتحقق المعجزة القرآنية في الحديث عن الكواكب الإحدى عشرة قبل أن يكتشفها العلماء.

    وعلى العموم يبقى هذا في حيز العلم الظني.. أو يبقى من باب الإشارة العلمية، ولا يمكن إثباته في باب الإعجاز في هذا الوقت.. وربما يأتي في المستقبل من الكشوف ما يؤكد هذه الإشارة.

    ([61]) انظر: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، والقمــر إذا تلاها،زغـلول النجـار، الأهرام: 42245 ‏السنة 126- 5 أغسطس 2002.

    ([62])انظر: ندوة بين الشيخ عبد المجيد الزنداني، والدكتور فاروق البارز مدرب رواد الفضاء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([63]) انظر تفاصيل ذلك في رسالة ( الله جل جلاله) من هذه السلسلة.

    ([64]) اقتبسنا المعلومات الواردة هنا والنصوص من كتاب (خلق الكون) تأليف الكاتب التركي هارون يحيى.

    ([65]) في الفيزياء تعني الانتروبي كمية عدم الانتظام (الفوضى) في جملة، وانتقال الجملة من حالة مستقرة إلى حالة أخرى غير مستقرة هو ذاته كزيادة في الانتروبي لها.. وعدم الاستقرار يتعلق مباشرة بالانتروبي لتلك الجملة.

    )[66]( Max planck ,May1937 address,quoted in a.barth ,The creation (1968),p.144.

    ([67])Paul Davies, the Accidental Universe,(1982) cambridge:cambridge University press.preface

    ([68])Albert einstein ,Letters to Maurice Solovine,1956,p.114-115.

    ([69](Michael Denton ,Nature,Destiny,p.11

    )[70]( George Greenstein ,The Symbiotic Universe,p21.

    ([71]) يقصد بالأولية في علم الفلك بأنه شيء يدور حول جسم آخر، فالأولية للأرض هي الشمس، والأولية للقمر هي الأرض.

    ([72]) G.W.wetherrill,”how Specialis Jupiter?,Nature ,vol.373,1995,p.470.

    ([73]) ذكر الأستاذ زغلول النجار أن هناك نفرا من العلماء الي رأوا أن‏(‏ ما‏)‏ في هذه الآية الكريمة قد تكون اسما موصولا بمعني‏(‏ الذي‏)‏ وليست‏(‏ ما‏)‏ النافية‏,‏ وذلك في محاولة لإثبات وجود فروج في السماء‏,‏ وتصوروا ان هذا الاستنتاج يجعل الآية كلها تقرأ في الصيغة التعجبية الاستفهامية التي بدأت بها الآية بمعني‏:‏ أفلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها؟ وأفلم ينظروا ما للسماء من فروج؟‏.‏

    وقد رد على الاستنتاج بمخالفته لنصوص القرآن الكريم التي تجمع علي غير ذلك‏,‏ وعلي ان انفراج السماء وانفطارها وانشقاقها هو من علامات الآخرة‏,‏ ولا وجود لها‏,‏ في سماء الدنيا.

    وقد جرهم إلى هذا القول توهمهم بوجود الفراغ في الكون.. وفي هذا المطلب رد على هذا الرأي المخالف للنصوص الصريحة.

    ([74]) استقينا المعلومات المحضة في هذا المطلب من بحث مهم للدكتور زغلول النجار، تحت عنوان (الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية) (أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج)، وقد نشرته الأهرام: العدد 41930 ‏السنة 126/ 24 سبتمبر 2001.

    ([75])وهذه المراحل هي ـ حسبما يتصورها علماء الفيزياء الفلكية ـ ‏:‏

    ‏(1)‏ عصر الكواركات والجليونات: وتقدر له الومضة من‏10‏ ـ‏43‏ ثانية إلي‏10‏ ـ‏32‏ ثانية وتتميز بحالات كثيفة للمادة واضدادها وان كانت نسبة الكواركات تفوق اضدادها كما تميزت بالتضخم والتوسع الانفجاريين وبانفصال كل من قوة الجاذبية والقوة النووية الشديدة كقوتين متميزتين‏.‏

    ‏(2)‏ عصر اللبتونات: ويقدر له الومضة من‏10‏ ـ‏32‏ ثانية إلي‏10‏ ـ‏6‏ ثانية بعد الانفجار العظيم وفيها تمايزت اللبتونات من الكواركات وظهرت البوزونات ‏bosons‏ وكانت فيه كل من القوة النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية متحدتين علي هيئة القوة الكهربية الضعيفة‏.‏

    (‏3) عصر النيوكليونات وأضدادها تقدر له الفترة بين‏10‏ ثانية الي‏225‏ ثانية بعد الانفجار العظيم وفيها اتحدت الكواركات لتكوين النيوكيلونات واضدادها‏، وانفصلت القوي الاربع المعروفة‏(‏ الجاذبية‏,‏ النووية الشديدة‏,‏ النووية الضعيفة والكهرومغناطيسية‏).‏

    (‏4) عصر تخليق نووي الذرات: وتقدر له الفترة من‏225‏ ثانية الي ألف ثانية بعد الانفجار العظيم وفيها تخلقت نوي ذرات الايدروجين‏(74%)‏ والهيليوم‏(25%)‏ وبعض النوي الأثقل قليلا‏(1%)‏ وفيه سادت المادة‏.‏

    (‏5) عصر الايونات: وتقدر له الفترة من‏310‏ ثانية الي‏1310‏ ثانية بعد الانفجار العظيم وفيه تكونت غازات من ايونات كل من الايدروجين والهيليوم واخذ الكون في الاتساع والتبرد التدريجي‏.‏

    (‏6) عصر تخلق الذرات: وتقدر له الفترة من‏1310‏ ثانية الي‏1510‏ ثانية وفيه تخلقت الذرات المتعادلة وارتبطت بالجاذبية واصبح الكون شفافا لمعظم موجات الضوء‏.‏

    (‏7) عصر تخلق النجوم والمجرات: تقدر له الفترة من‏1510 ثانية الي اليوم والي أن يشاء الله‏,‏ ويتميز ببدء عملية الاندماج النووي لتكوين نوي ذرات اثقل من الايدروجين‏.‏

    ([76]) انظر: موقع هارون يحيى http://www.harunyahya.com

    ([77]) وهي تساوي‏10‏ ـ‏13‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة‏,‏ كما يحدث في تحلل العناصر المشعة‏,‏ وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات ‏(Bosons)‏ وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة‏.‏

    ([78]) وتساوي‏137/1‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتؤدي إلى حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية‏.‏

    ([79]) الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار، من أسرار القرآن، الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه‏، الأهرام: 42315 ‏السنة 126- 14/10/2002.

    ([80])انظر: من أسرار القرآن، الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية‏ ـ 17 ـ، ‏والســماء ذات البروج‏، بقلم الدكتور‏:‏زغـلول النجـار، الأهرام: 41916، ‏السنة 126 / يوم:10/09/2001.

    ([81])انظر هذه المقالة عن كيفية تشكل الكون وبنائه على الرابط:

    http://www.govertschilling.nl/nieuws/archief/2001/0105/010518_eso.htm

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 18:39