..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:06

    ثالثا ـ الحياة

    في اليوم الثالث.. واصل المؤتمر أعماله بمحاضرات ترتبط بالحياة كما ورد الحديث عنها في القرآن الكريم، وقد كان الحديث في تلك المحاضرات لا يختلف عن الحديث في المرات السابقة، حيث غلب الجانب البياني والتوثيقي على الجانب العلمي والعقلي، فلذلك لم يكد يفهم أصحابي من العلماء شيئا مما قيل.

    ثم قدم صاحبي عالم الحياة محاضرته، وقد كانت في وصف مظاهر الحياة وجمالها ودقة صنعها.

    وصاحبي هذا من خلال تعرفي عليه رجل لا علاقة له بالدين من الأساس.

    وسر ذلك يرجع إلى تصوره المادي للكون من جهة، وقد وجد من النظريات المادية ما يدعم هذا الاعتقاد، ووجد في نظرية التطور ما يدعم اعتقادة بالنشأة المادية للحياة..

    وهو لذلك لا يجد مبررا لوجود خالق للكون..

    ولكني ـ مع ذلك ـ لاحظت عليه من خلال سماعه لعلي في اليومين السابقين بعض التأثر، فقد كان يسمع ما يدور من حوار، بل كان يتنصت بلهفة، وكأنه يريد من النور ما يقضي به على الظلمات التي تملأ جوانب نفسه.

    لقد صارحني بالاكتئاب الذي يعانيه.. وصارحني أكثر بأن للصورة المادية التي يتصورها للكون تأثيرها الكبير في ذلك الاكتئاب..

    فالحياة تولد.. ثم تعيش فترة قصيرة جدا.. ثم لا تلبث حتى يضمها الفناء، ليلقيها في صحراء العدم الأبدي.

    كان يبكي بكل كيانه، وهو يعبر عن هذا العبث الذي امتلأت به الحياة.

    ***

    في مساء ذلك اليوم.. التقينا مع علي ـ بعد الاتصال به عن طريق صديقه حذيفة ـ في محمية طبيعية تعج بجميع مظاهر الحياة..

    كانت المحمية غاية في الجمال.. وكأنها تضاريس للأرض جميعا بصحرائها وجبالها وبحارها.. بل شملت المحمية الأزمنة المختلفة.. وعبرت عنها خير تعبير.

    كان الحديث هذا المساء ـ حسبما اتفقنا ـ مع عالم الحياة الذي كان يحب أن يسمى ( داروين)، ولذلك كنا ندعوه به.. وكان يفرح لذلك.

    لقد كان (داروين) صاحب نظرية التطور هو مثله الأعلى.. فلذلك كان يحفظ أقواله وأقوال أنصاره.. ولا يمل من تردادها.

    لست أدري هل كان يستشعر صدقها.. أم كان يفر من التساؤلات الخطيرة التي يفرزها كذبها؟

    وهو نفسه لم يكن يعلم هل كان يعتقد بتلك النظرية لكونها علما، أم لكونها فكرة وضعها بعض الناس ليفروا بها من الله.

    ولذلك كله كان يتألم.. كما كان يتألم جميع أصدقائي من العلماء.

    1 ـ أصل الحياة

    أمام قفص ضم مجموعة من القرود وقفت مع أصحابي العلماء ننظر لتلك الحركات المدهشة التي تقوم بها القرود.

    لست أدري كيف خطر على بالي أن أسأل صاحبي عالم الحياة (داروين) عن سر هذه التصرفات والحركات التي تتميز بها الحيوانات.. فكل حيوان من الحيوانات يحمل من الذكاء ما يستطيع أن يحفظ به وجوده فترة من الزمن.. بل له من الذكاء ما يحفظ به استمرار نسله من بعده.

    كنت أعلم رأيه في المسألة.. ولكني لم أكن أعلم مدى ما يحمله تصوره من موضوعية علمية، فلهذا أردت أن أستوضحها منه، وفي نفس الوقت كان لي أمل أن يظهر علي.. ليذكر ما يمكن أن يرد به عليه، وعلى هذه النظرية التي يتخذها بعض الملحدين مطية لإنكار صانع الحياة.

    لقد كان المسيحيون ـ ولا زالوا ـ يتفقون مع المسلمين في إنكار هذه النظرية[1] ورفضها، لأنها لا تخالف مبدأ الخلق كما نعتقده فقط، بل تخالف أيضا ما ورد في الكتاب المقدس من كون البشر الأول كان سوي الخلق، ولم يتناسل من أي نوع من الأنواع.

    فقد ورد في الكتاب المقدس:( وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حيّة )(تكوين: 7)

    وورد فيه أنه فقد ضلعا خُلقت منه امرأته مباشرة:( فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم ) (تكوين: 21و22)

    ولذا اختارت الكنيسة رفض التطور بحزم، ولكنها مع ذلك قصرت كثيرا في رفضه، مقارنة بما قابلت به العلماء الذين خالفوها في القضايا الكونية.

    ولهذا نجد هذه النظرية تدرس بحرية تامة من غير أن تثار عليها أي زوبعة.

    سألت (داروين): كيف تفسر هذه الحركات العجيبة التي تقوم بها القرود، ومثلها كل الكائنات الحية التي تتمتع بذكاء خاص يضمن لها البقاء؟

    ابتسم داروين، وقال: أنا لست محتاجا لادعاء صانع للحياة وللغرائز التي تقتضها الحياة[2].. لأن الحل العلمي وفر لي الإجابة المنطقية التي تجيبني عن سؤالك، بل تجيبني عن تأسيس الحياة من أولها.

    أنا أعلم أن هذا يخالف الدين.. ولكني وجدت العلم والعقل يخالف الدين، فآثرت العلم والعقل.. اعذرني عن هذه الصراحة الوقحة التي أبدو بها.. ولكن ذلك هو الواقع.. ولو أني وجدت في الدين من القوة ما يقنع عقلي لآثرت ما يقوله الدين على ما تقوله الحقائق التي أعتقدها..

    ذلك أن الدين يجيب عن هذه الأسئلة إجابات أجمل بكثير من تلك الإجابات التي يجيب عنها العلم.

    قلت: فلم لم تتبعه، وتكتفي به؟

    قال داروين: وكيف أتبع ما لا أقتنع به.. إني بذلك أخون عقلي ونفسي.. بل إني بذلك أتحول إلى منافق لا إلى متدين.. فكيف يكون عقلي في واد وقلبي في واد آخر؟

    قلت: فكيف تفسر الحياة؟.. وهذا التنوع في الحياة؟

    قال داروين: ذلك بسيط.. سأقص عليك القصة من أولها.. وسترى أن السيناريو الذي أطرحه صالح لتفسير الحياة.. وعدم حاجتها لمصدر خارجي..

    تبدأ القصة بعدما بردت الارض وتكونت بحارها وجبالها وسهولها وغلافها الجوى واستعدت لاستقبال الحياة عليها، وذلك بعد تعرضها خلال ملايين السنين للتطور من حال إلى حال[3].

    وكان أول ظهور للحياة على الأرض فوق سطح الماء والمحيطات والمستنقعات وعلى شواطئ المسطحات المائية التى تكونت عندها مادة الطين، حيث اختلط الماء بالتراب.

    ومن عفن الطين المنتن نشأت أبسط وأصغر أنواع الحياة التى نراها ممثلة في بعض أنواع البكتيريا وبعض الكائنات وحيدة الخلية التى لم تتميز بعد على أنها نبات أو حيوان.

    ومن هذا الأصل المشترك لجميع الكائنات نبت فرعان من الخلايا المجهرية ـ أى التى لا ترى إلا بواسطة المجاهر المكبرة ـ تولد من أحدهما النبات، ومن الآخر الحيوان.

    أما فرع الحلايا المكونة للنباتات، فسرعان ما استحدثت طريقة عجيبة لتركيب مادة الكلوروفيل الخضراء في هيكلها لتكسب بها الطاقة من ضوء الشمس، وتستعين بها على استخلاص الكربون من غاز ثانى أكسيد الكربون الموجود في الجو، ثم تحويله إلى مواد سكرية ونشوية، وكان هذا بدء ممارسة عملية التمثيل الضوئى لنمو النبات.

    ثم إن الخلايا أخذت تحيط أجسامها الدقيقة بجدران من هذه المواد الكربونية في هيئة السليولوز، وكانت تستعمل الطاقة التى تنبعث في أجسامها نتيجه التمثيل الضوئى داخل هذه الجدران في التحرك.

    ثم إن هذه الخلايا كانت كائنات متناهية في الدقة تعيش في غير جلبة أو ضوضاء، ويأتيها رزقها رغدا من الهواء وماء البحر وأملاحه.

    وبعد زمن طويل مضى على هذه الخلايا، وهى تنمو وتتطور نشأت في البحار كائنات كثيرة لا عدد لها.

    وكانت  هذه العضويات الأولى هي الأصل في جميع أعضاء مملكة النبات التى تكاثرت وغطت الارض بأعشابها وأشجارها وغاباتها الضخمة الكثيفة.

    ومثل ذلك حصل لعالم الحيوان، فقد انقسمت الخلايا الحيوانية، وكونت الحيوانات التى عاشت على النبات وغيره، وصارت أنواعا مختلفة من الأحياء على الأرض.

    الغرائز والوحي الإلهي:

    قلت: هذا تفسيرك للحياة.. فما تفسيرك لهذه السلوكات العجيبة التي تبديها الحيوانات.. بل حتى النباتات؟

    قال داروين: إنها الغريزة.. فالغريزة هي التفسير العلمي لتلك السلوكيات.. إنها التفسير الصحيح لقابلية الحيوان للقيام بسلوك معين منذ الولادة.

    قلت: فكيف اكتسبت الحيوانات هذه الغريزة؟.. وكيف كان ظهور أول سلوك غريزي لديها؟.. وكيف تم انتقال هذه الغريزة كابراً عن كابر؟

    سكت داروين قليلا، وكأنه يتأمل سؤالي، ثم قال: إن شئت الحقيقة.. هناك أجوبة كثيرة عن هذا.. ولكنها تكاد تكون أسئلة هي الأخرى، لا أجوبة.. فكل سؤال منها سيستدعي منك أسئلة أخرى.. ولو بقينا هنا إلى آخر الدهر مع مثل هذه الأسئلة، فلن نخرج أبدا.

    ثم أضاف: هناك اختصاصي في علم الجينات، وأحد أصحابنا من دعاة نظرية التطور، يدعى Gordon Taylor Rottary ذكر في كتابه (The great evolution Myster ) (سر التطور العظيم) اعترافاً يعجز النظرية عن الإجابة عن التساؤلات الخاصة بالغريزة، فقال:( لو تساءلنا عن كيفية ظهور أول سلوك غريزي، وعن كيفية توارث هذا السلوك الغريزي لما وجدنا أية إجابة)[4]

    هناك آخرون من أصحابنا على شاكلة Gordon Taylor، يؤمنون بنظرية التطور، ولكنهم لا يودون الاعتراف بهذه الحقيقة، وبدلاً من ذلك يحاولون التمسك بإجابة غامضة تحتاج هي الأخرى إلى إجابة.

    بالنسبة لهؤلاء، فإن الغرائز تعتبر جينات موجودة لدى الحيوانات، تظهر على شكل أنماط سلوكية، واستناداً إلى هذا التعريف يقوم نحل العسل ببناء الخلية على الشكل المنتظم المعروف بوحدات بنائية هندسية مسدسة وفق الغريزة الحيوانية، وبمعنى آخر يوجد جين خاص في أجسام كل أنواع نحل العسل يجعل هذه الأنواع تبني خلاياها غريزياً وفق الشكل المعروف.

    قلت: وهل تؤمن بهذا؟

    قال داروين: لقد ذكرت لك أن هذا نفسه سيحتاج إلى أسئلة جديدة، بل أسئلة كثيرة.

    أولها ستقول لي: لو كانت الكائنات الحية مبرمجة على أن تسلك هذا السلوك المعين فمن الذي برمج هذا السلوك؟

    أنا أعلم أنه لا يوجد أي برنامج مبرمج من تلقاء نفسه.. وأنه لا بد لكل برنامج من مبرمج.

    قلت: نعم.. كنت سأسألك هذه الأسئلة.. فما الإجابة التي أعددتها لها؟

    قال داروين: لقد وفر أصحابنا العناء على أنفسهم.. فذكروا إجابة ربما ستستدعي منك أسئلة أخرى.

    قلت: فما قالوا؟

    قال داروين: هم يقولون.. أو بالأحرى نحن نقول بأن الطبيعة الأم ـ التي تتشكل من البحيرات والجبال والأشجار والظواهر المختلفة ـ لها القدرة على الخلق، إنها بديل علمي منطقي عن الخالق..

    قلت: إن الطبيعة كيان متعدد الأنواع.. فأي نوع منها لديه القدرة على إكساب الحيوانات المختلفة أنماطها السلوكية المختلفة؟

    قال داروين: كنت أعلم أنك ستسأل هذا السؤال.

    قلت: لست أنا وحدي الذي يسأله.. بل عقلك أيضا يسأله، أنا أشعر أن عقلك يحتاج إلى إجابة منطقية على هذا السؤال.

    إن الطبيعة تتألف من الحجر والتراب والأشجار والنباتات..

    من من هذه العناصر تكون له القدرة على إكساب الكائنات الحية هذا السلوك المبرمج؟

    أي جزء من الطبيعة لديه القدرة والعقل على فعل ذلك؟

    هل ترى أنه يمكن للإنسان العاقل أن يقول، وهو يرى لوحة زيتية جميلة:( ما أحلى الأصباغ التي رسمت هذه اللوحة )؟.. بلا شك فإن كلامه لن يكون منطقيا.

    إذن فإن ادعاء كون المخلوق خالقاً للأشياء هو بلا شك ادعاء غير منطقي.

    ما وصلت إلى هذا الموضع حتى قدم علي، فشعرت بالمدد ينزل علي من جهة لا أعرفها..

    لقد ظهر هذه المرة بصورة عالم جليل له دوره البارز في الرد على نظرية التطور من جهة، وبيان نواحي الإعجاز القرآني من جهة أخرى.. وهو العالم التركي المسلم هارون يحي[5].

    وليجذب انتباه صديقنا (داروين)، فقد لبس لباس سائح جاب الأرض، وهو يبحث فيها عن أسرار الحياة.. لعله لبس ثياب داروين نفسه.. ولكن لا ليثبت نظرية التطور، وإنما ليثبت نظرية الخلق.

    لقد مر، وهو يقرأ قوله تعالى:﴿ وَأَوحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُختَلِفٌ أَلوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 68 –69)[6]

    تقدم منا، وقال بكل أدب كعادته: اسمحوا لي أن أخوض معكم في هذا الموضوع.. فأنا مثلكم باحث عن الحقيقة.. وقد كنت أتنصت لما تقولون.. وبما أني أتصور أني قد وجدت الأجوبة عن كل الأسئلة المحيرة التي طرحتموها.. فأذنوا لي أن أتكلم بينكم عنها.. لتقبلوها، أو لتجعلوني أنضم إليكم في حيرتكم.

    شعر الفلكي بأنه يعرف هذا الصوت.. لقد كان هو الصوت الذي اكتشف به أشياء كثيرة كانت تملؤه بالحيرة.. ومثل ذلك الجيولوجي..

    قام كلاهما، وقالا: تفضل.. يسرنا أن نسمع منك.

    قال علي: سأبدأ من هذه الآية التي كنت أتلوها عليكم.. إنها من القرآن الكريم، كتاب المسلمين المقدس.. نحن نستلهم منه عقائدنا، وسلوكنا، ونهتدي به في علمنا وعملنا.. إنه كتاب محيط.. وهو كلام ربنا لنا ولكم ولكل البشرية.

    ابتسم داروين، وقال: أجئت لتعظنا أم لتطرح علينا الإجابة العلمية على تساؤلاتنا.

    قال علي: بل جئت لأسألكم ولأجيبكم.. ولأطرح علكيم الوجهة التي أرى أنها صحيحة.

    قال داروين: فاطرح رأيك بعيدا عن دينك.

    قال علي: لا بأس.. ولو أني لم أكن لأهتدي إليه لولا ديني.. ومن الأمانة أن نكل الأمور إلى أهلها.

    ومع ذلك.. فلن أخاطبك إلا بما تعرفه.. بما يعرفه عقلك.. وما يعرفه أصحابك.

    أنتم ـ دعاة نظرية التطور، أو دعاة التفسير المادي للحياة ـ تعرفون عجز نظرية التطور عن التفسير المنطقي للحياة، ولسلوك الحياة..

    لقد سمعت بعضكم.. وهو من كباركم.. يقول ـ وهو يتحدث عن سلوك دودة القز ـ لعلك تعرفه.. إنه هيرمان فون ديثفورت (Haimar Von Dithfurth ).. لقد سمعته يقول:( إن فكرة اتخاذ الأوراق الثابتة المتعددة كوسيلة للتمويه فكرة باهرة، ترى من يكون صاحب هذه الفكرة؟ من صاحب هذه الفكرة الذكية التي تقلل من احتمال عثور الطير على الفريسة التي يبحث عنها؟ ولا بد للدودة أن تكون قد تعلمت بالوراثة من صاحب هذه الفكرة الذكية…كل هذه الظواهر لا بد أن تتوفر لدى إنسان ذكي للغاية يحاول أن يظل على قيد الحياة، ولا بد لنا أن نقبل بهذه الحقيقة، علماً أن لدودة القز جهازاً عصبياً بسيطاً للغاية فضلاً عن بدائية سلوكها الحياتي، وتفتقر هذه الدودة إلى القدرة على قابلية تحديد هدف معين والتحرك باتجاه هذا الهدف )

    ثم يتساءل متعجبا:( ولكن كيف يتسنى لهذه الدودة أن تخترع هذه الوسيلة للدفاع عن نفسها، وهي بهذا الضعف من التكوين؟. وعندما جابه علماء الطبيعة الأقدمون مثل هذه الظواهر لم يجدوا لها تفسيراً إلا بالمعجزة؛ أي تبنوا فكرة وجود قوة غير طبيعية خلاقة، أي أنهم آمنوا بوجود الله الذي يعطي مخلوقاته آليات معينة للدفاع عن النفس. وبالنسبة إلى هذه الطريقة في التفكير تعتبر بمثابة انتحار لعالم أو باحث في الطبيعة، ومن جانب آخر يقوم العلم الحديث بتفسير هذه الظواهر تفسيراً خالياً من أي معنى عبر التمسك بمفهوم الغريزة، لأنه على عكس ما يعتقده أغلبنا، فإن تفسير السلوك بالغريزة يعني اكتساب الحيوان لهذه الأنماط السلوكية بالولادة، وهذا التفسير لا يقدم ولا يؤخر في تساؤلنا بل يعيق بحثنا عن إجابة محدودة وواضحة، ولا يمكن الحديث عن السلوك العقلاني لدودة القز التي تفتقد وجود مثل هذا العقل )

    ثم قال:( هناك تفسير وحيد لظاهرة رعاية الكائنات الحية غير العاقلة لصغارها بهذه الشفقة والحنان وذودها عنها، وهو انقيادها للإلهام الإلهي، ومثال على ذلك هذا الطائر الغطاس الذي يرعى صغيره بوحي إلهام إلهي.

    ومرة أخرى نعود إلى الحديث حول السلوك المعين للحيوانات، فإن هناك ما يفرض نفسه أمام أعيننا وهو الترتيب العقلاني لهذه الأنماط السلوكية، ولو لم يكن هذا السلوك المعين مثل تحديد الهدف أو التحسب للمستقبل أو توقع ما يمكن أن يقدم عليه أي حيوان آخر وحساب رد الفعل اللازم إبداءه تجاهه كعلامة على وجود عقل مدبر ومفكر، فإذن ما هو تفسير هذا السلوك؟ )[7]

    هذا الكلام يقوله هذا المتبني لنظرية التطور، وهو يحلل أو يحاول أن يصل إلى تحليل منطقي لسلوك دودة القز، هذا السلوك العقلاني المدروس.

    أنت لا ترى في إجابته ـ كما في كل الكتب والإصدارات التي تصدرها هذه النظرية ـ  إلا أسئلة بدون ردود واضحة، أو تناقضات فكرية لا تؤدي إلا إلى طريق مسدود.

    حتى صاحب النظرية تشارلز داروين قد اعترف بهذه الحقيقة، فذكر أن سلوك الحيوانات وغرائزها تشكل تهديداً واضحاً لصحة نظريته.. لقد ذكر ذلك في كتابه (أصل الأنواع) عدة مرات وبصورة واضحة لا لبس فيها.. اسمع ما يقول مثلا:( أغلب الغرائز تمتاز بتأثير بالغ، وتثير درجة كبيرة من الحيرة، وكيفية نشوئها وتطورها ربما تبدو لقارئ نظريتي كافية لهدم نظريتي من الأساس )[8]

    أما نجل تشارلز داروين المدعو فرانسيس داروين، فقد قام بتحليل وشرح رسائل أبيه في كتابه (الحياة ورسائل تشارلز داروين ) أو (The Life And Letters Of Darwin)، وذكر فيه مدى الصعوبات التي واجهها داروين في تفسيره للغرائز قائلاً في الكتاب (يعني أصل الأنواع):( وفي الباب الثالث منه يتحدث في القسم الأول عن العادات الحيوانية والغرائز والاختلاف الحاصل فيها، والسبب في إدخال هذا الموضوع في بداية الباب تشريد فكر القراء عن إمكانية رفضهم لفكرة تطور الغرائز بالانتخاب الطبيعي، ويعتبر باب الغرائز من أصعب المواضيع التي احتواها كتاب (أصل الأنواع))[9]

    قال داروين: لداروين ولنجل داروين أن يقولا ما يشاءان.. ولكن النظرية لا تقتصر عليهما.. نعم ربما تكون قد بدأت منهما، لكنها لم تنتهي عندهما.

    بالإضافة إلى هذا، فإن لدينا الجواب على ما طرحته من تساؤلات، فنحن نعتقد أن الحيوانات تكسب أنماطاً سلوكية عن طريق التجربة، ويتم انتقاء الأقوى بواسطة الانتخاب الطبيعي، وفي مرحلة لاحقة يتم توارث هذه الأنماط السلوكية الناجحة عبر الأجيال المتعاقبة.

    ابتسم علي، وقال: كلامك هذا يحوي معنين.. ثانيهما يبنى على أولهما.. ففسر لي أولهما، لأبين لك وجهة نظري حوله.

    قال داروين: المقدمة الأولى التي تعتمد عليها نظريتنا لتفسير الغرائز هي ما نسميه (الانتخاب الطبيعي).. إنه الحجر الأساس لنظرية التطور.

    قال علي: فما تعنون بالانتخاب الطبيعي؟

    قال داروين: هو يعني بكل بساطة اختيار أي تغيير مفيد وصالح للكائن الحي (قد يكون هذا التغيير هيكلياً أو سلوكياً)، ثم اختيار ذلك الكائن الحي لتوريث ذلك التغيير للأجيال اللاحقة.

    قال علي: فأنت بقولك هذا تجعل الطبيعة هي المحك لتمييز المفيد من الضار، وأنها  القوة المؤثرة والعاقلة في الوجود.

    قال داروين: أجل.. قولي يستلزم ما ذكرته.

    قال علي: ولكن، أنت ترى أنه لا يوجد في الطبيعة من يميز بين الضار والمفيد كقوة مؤثرة حيث لا يوجد بين الحيوانات أو غير الحيوانات ذاك الذي يملك قرار ذلك أو القابلية على اتخاذ هذا القرار.

    لقد اعترف داروين نفسه باستحالة اكتساب السلوكيات المفيدة عن طريق الانتخاب الطبيعي إلا أنه يعود ويدافع عن وجهة نظره التي هي محض خيال واستمر في الدفاع عن رأيه على الرغم من كونه هذراً وغير منطقي حيث يقول:( في النهاية يمكن اعتبار أنّ الغرائز التي تجعل زغلول الحمام يطرد إخوانه غير الأشقاء من العش، وتجعل مملكة النحل مقسمة إلى خدم وملكة ليست غرائز موهوبة أو مخلوقة بل تفاصيل حية وصغيرة لدستور عام لعالم الأحياء، وهذه التفاصيل الصغيرة تتولى مهمة التكثير والتغيير عبر انتقاء الأصلح من الأضعف. ولكن هذا الاعتبار لا يبدو لي منطقياً ولكنه قريب إلى الأفكار التي تدور في مخيلتي )[10]

    ويعترف داعية آخر لنظرية التطور.. لا شك أنك تعرفه.. إنه من تركيا.. وهو البروفيسور جمال يلدرم.. هو يعترف بأن عاطفة الأمومة لدى الأم لا يمكن تفسيرها بواسطة الانتخاب الطبيعي.. لقد سمعته يقول:( هل توجد إمكانية لتفسير عاطفة الأمومة تجاه الأبناء بواسطة نظام أعمى يفتقر إلى مشاعر روحية مثل نظام الانتخاب الطبيعي؟.. وبلا شك فشل علماء الأحياء، ومنهم مؤيدو داروين في إيراد جواب مقنع لهذا السؤال. وهنالك صفات معنوية لدى الكائنات الحية غير العاقلة وبما أنها لا تستطيع أن تكتسب هذه الصفات بإرادتها، فإذن يجب أن يكون هناك من منحها هذه الصفات، وحيث إن الطبيعة وقانون الانتخاب الطبيعي عاجزان عن إكساب الأحياء هذه الطبيعة المعنوية بسبب كونهما يفتقدان للصفات المعنوية فإنّ الحقيقة الساطعة كالشمس تتمثل بوجود كافة الأحياء تحت العناية الإلهية وتدبيره المحكم، ولهذه الأسباب المتقدمة نستطيع أن نشاهد في الطبيعة أنماطاً سلوكية لبعض الحيوانات تثير الحيرة والاستغراب وتجعلنا نتساءل: كيف تسنى لهذا الحيوان الاهتداء إلى هذا السلوك؟ وكيف يستطيع هذا الحيوان أو ذاك التفكير بهذه الطريقة؟)            

    هذه هي المقدمة الأولى.. وذاك ما يبين تهافتها، فما المقدمة الثانية؟

    قال داروين: أنا لم أسلم لك بكل ما ذكرته في الرد على المقدمة الأولى.. ومع ذلك، فالمقدمة الثانية هي أنا نرى أن السلوكيات المفيدة والمنتخبة عبر الانتخاب الطبيعي يتم توارثها عبر الأجيال.

    قال علي:  هل حقا بقي من العلماء من يقول هذا.. إن أي عقل يعلم أن أي سلوك جديد يكتسبه الحيوان عن طريق التجربة لا يمكن توريثه لجيل لاحق بأي حال من الأحوال، لأن التجربة المكتسبة تخص ذاك الجيل وحده، ولا يمكن إدخال هذه التجربة السلوكية الجديدة المكتسبة في البناء الجيني للحيوان إطلاقاً.

    يقول Gordon Rtaylor في الرد على الذين يدعون توارث الأنماط السلوكية عبر الأجيال المتعاقبة:( يدعي علماء الأحياء أن هناك إمكانية لتوارث الأنماط السلوكية عبر الأجيال المتعاقبة، ويمكن مشاهدة هذه الظاهرة في الطبيعة فمثلاً Dobzhansky يدعي أن جميع وظائف جسم الكائن الحي ما هي إلا نتاج التوارث الناتج بتأثير العناصر والعوامل المتوفرة في المحيط الخارجي، وفي هذه الحالة يكون الأمر مقبولاً بصورته النهائية بالنسبة لجميع أنواع الأنماط السلوكية، ولكن هذا غير صحيح أبداً ويعتبر أمراً محزناً أن يكون هذا رأي عالم له مكانته مثل Dobzhansky ويمكن القول: إنّ هنالك بعض الأنماط السلوكية لبعض الأحياء يتم توارثها عبر الأجيال اللاحقة ولكن لا يمكن تعميم الأمر على جميع الأنماط السلوكية )

    ويضيف:( إن الحقيقة الظاهرة للعيان هي عدم وجود أي دليل علمي يمكن بواسطته إثبات توارث بعض الأنماط السلوكية بواسطة الخريطة الجينية للكائن الحي.

    لأن المعروف علميا أن الجينات مسؤولة فقط عن بناء البروتينات حيث يتم بناؤها أكثر من إفراز بعض الهرمونات لتتم السيطرة على سلوك الكائن الحي بصورة عامة.

    فمثلا يكون الحيوان نشيطاً أو بالعكس خاملاً أو أن يكون الوليد أكثر ارتباطاً بأمه، ولكن لا يوجد أي دليل يثبت توارث السلوك الخاص الذي يجعل الحيوان يبني عشه بالترتيب والتزامن والانتظام المعروف.

    ولو كان الأمر كذلك، فإذن ما هي الوحدات الوراثية المسؤولة عن عملية التوريث؟ لأن هناك فرضيات تثبت وجودها، ولم يستطع أحد الإجابة عن هذا السؤال[11])

    التفت إلى داروين، ثم قال: كما أفاد به Gordon Rtaylor فإن الادعاء بكون الأنماط قابلة للتوارث أمر غير مقبول علمياً، فبناء الطيور لأعشاشها وإنشاء القندس للسدود وإفراز عاملات نحل العسل للشمع يقتضي وجود نوع من الأنماط السلوكية المعقدة، كالتصميم والتخطيط للمستقبل، وهذه لا يمكن توارثها عبر الأجيال.

    دعنا من كل هذا.. هناك مثال آخر يفرض نفسه بشدة.. وهو المتعلق بسلوك العاملات القاصرات في مملكة النمل.

    فهذه العاملات لها سلوك خاص تتميز به يتطلب منها أن تكون على دراية تامة بالحساب وذات خبرة واسعة، قد ترجع الأمر إلى الوراثة.. ولكنك تصطدم بأن هذه الأنماط السلوكية لعاملات النمل لا يمكن أن تكتسب بالتوارث لسبب وحيد هو كونها قاصرات، ولا  يمكن لها التكاثر لذا لا تستطيع توريث هذه الأنماط السلوكية لأجيال لاحقة.

    وما دام الأمر بهذه الصورة كيف تسنى لأول نملة عاملة قاصرة أن تورث هذه الأنماط السلوكية لأجيال لاحقة من العاملات القاصرات وهي بالتأكيد لا تستطيع التكاثر؟

    وما تزال هذه العاملات سواء أكانت نملاً أو نحلاً أو أي حيوان آخر تعمل ـ منذ أحقاب طويلة من السنين ـ بهذا السلوك الذي يعكس مدى العقلانية والقابلية والتكافل والانتظام وتوزيع الأدوار بدقة إضافة إلى روح التضحية إلا أن هذه المخلوقات لم تستطع البتة أن تورث هذه الأنماط السلوكية منذ خلقت لأول مرة.

    ولا يمكننا القول بأن هذه المخلوقات قد بذلت جهداً في اكتساب هذه الأنماط السلوكية لأنها تبدأ في اتباع هذا السلوك منذ اللحظات الأولى لوجودها على وجه الأرض بأكمل صورة.

    ولا تصادف في أي طور من أطوار حياتها أية مرحلة للتعليم وجميع سلوكها مكتسب بالفطرة، وهذا الأمر جائز مع جميع الكائنات الحية. إذن فمن الذي علم الكائنات الحية تلك الأنماط السلوكية؟

    هذا السؤال هو نفسه الذي طرحه داروين قبل أكثر من 150 سنة ولم يستطع دعاة نظرية التطور الإجابة عنه، وهناك تناقض عبر عنه داروين نفسه قائلاً:( إنه لخطأ كبير أن نتحدث عن فرضية اكتساب الأنماط السلوكية الغريزية بالتطبع وتوريثها إلى أجيال لاحقة، لأنّه كما نعلم هناك غرائز محيرة للغاية كتلك التي عند النمل أو النحل ولا يمكن البتة اكتسابها بالتطبع )

    فلو افترضنا أن النملة العاملة أو أية حشرة أخرى قد اكتسبت جميع صفاتها المتميزة عبر الانتخاب الطبيعي وبالتدرج، أي افترضنا أنها عملية انتخاب للصفات الصالحة ثم يتمّ توريثها بعد ذلك إلى أجيال لاحقة وبصورة متعاقبة وفي كل مرة يتم انتخاب صفات مفيدة تورث إلى جيل لاحق وهكذا، لو افترضنا ذلك لأصبحت فرضيتنا مستحيلة لسبب وحيد هو عدم تشابه النملة العاملة مع أبويها إلى حد كبير إضافة إلى كونها عقيمة، ولهذا فهي لا تستطيع توريث الصفات والأنماط السلوكية الجديدة المكتسبة إلى الأجيال اللاحقة. وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن تفسير هذه الحالة بواسطة الانتخاب الطبيعي؟

    ألا يتبين لك من خلال هذا.. ومن خلال اعترافات العلماء وأقوالهم.. استحالة تفسير الأنماط السلوكية المحيرة لهذه الكائنات الحية بواسطة نظرية التطور، بسبب بسيط، وهو أن هذه الأنماط السلوكية لم تكتسب عبر الانتخاب الطبيعي، ولا يمكن توريثها بالتالي إلى أجيال لاحقة.

    سكت قليلا، ثم قال: والأمر الأخطر من ذلك كله هو زعمكم بأن الغرائز تتطور بتطور الأحياء، فأنتم تزعمون بأن الكائنات قد نشأت عن بعضها البعض عبر التطور.

    ووفقاً لهذه النظرية تكون الزواحف قد نشأت من الأسماك، والطيور من الزواحف… مع  أن النوع الواحد يختلف تماماً من حيث السلوك، حيث تختلف السمكة عن الزواحف اختلافاً كلياً.

    تعقيد الحياة:

    قال علي: هذا أولا.. والثاني وهو أعظم خطرا من الأول.. هو تصوركم لبداية الحياة.. كيف يفسر أصحابك بداية الحياة.. أو بداية أول خلية؟

    قال داروين: طبعا يفسرونها بالصدفة، أو نتيجة اجتماع ظروف معينة.

    قال علي: اسمح لي قبل أن أرد على هذا أن أذكر لك بأن هذه النظرية في أصلها نشأت في غمرة الانبهار بالعلم.. لقد تصور أهل تلك الفترة.. الفترة التي تملص فيها العلم من الكنيسة.. أنه بإمكانهم أن يفسروا كل شيء بالعلم.

    فلذلك ذهبوا إلى أن الكون ولد صدفة.. كما أن الحياة ولدت صدفة.. وأنها نشأت من تلقاء نفسها نتيجة ظروف طبيعية.

    ولكن العلم بجيمع فروعه ـ اليوم ـ ينص بحاله ومقاله على خلاف هذه النظرية، فقد أثبتت فروع علمية كثيرة مثل علم الحفريات، والوراثة، والكيمياء الحيوية، والأحياء الجزيئية استحالة أن تكون الحياة قد نشأت بالمصادفة، أو أن تكون قد ظهرت من تلقاء نفسها نتيجة ظروف طبيعية.

    هناك ـ اليوم ـ اتفاق سائد في الأوساط العلمية على أن الخلية الحية تشكل أعقد تركيب واجهته البشرية حتى الآن..

    لقد كشف العلم الحديث أن التعقيد الموجود في تركيب خلية حية واحدة، وفي ترابط نظمها يفوق ذلك الموجود في أي مدينة كبرى.. ولا يمكن أن يعمل هذا التركيب المعقد إلا إذا نشأت كل أجزائه المتفرقة في وقت واحد، وفي حالة عمل على أكمل وجه، وإلا فسيكون هذا التركيب بلا جدوى، وسينهار بمرور الوقت ويختفي.

    ولا يمكننا أن نتوقع ظهور أجزاء هذا التركيب بمحض المصادفة على مدى ملايين السنين كما تدعي نظرية التطور.

    لقد برهنت التجارب العلمية في الواقع استحالة أن تكون أول خلية حية، أو حتى جزيء واحد من ملايين جزيئات البروتين في تلك الخلية، قد نشأت بالمصادفة، ولم يثبت ذلك من خلال التجارب والملاحظات فحسب، بل أيضا من خلال حسابات الاحتمالية الرياضية.

    فيستحيل أن تكون الخلية، وهي أصغر وحدة للحياة، قد ظهرت مصادفة في الظروف البدائية غير الخاضعة لأي ضوابط في الأيام الأولى لتكوين الأرض، كما يريد أنصار التطور.

    ولا تقتصر الاستحالة على هذا الفرض فحسب، ذلك أن تصنيع هذه الخلية غير ممكن حتى في أكثر معامل القرن العشرين تقدما.. فالأحماض الأمينية، التي تمثل وحدات بناء البروتينات المكوِنة للخلية الحية، تعجز عن تكوين الجزيئات العضوية organelles في الخلية مثل الفتيلات الخيطية mitochondria، أو الريبوسومات ribosomes، أو أغشية الخلايا cell membranes، أو شبكة الخلية الباطنية endoplasmic reticulum، ناهيك عن تكوين خلية كاملة.

    بالإضافة إلى هذه العقد الكثيرة التي تواجه هذه النظرية، فإن هناك عقبة كؤودا تقف في وجه هذه النظرية، وهي جزيء (د ن أ) الموجود في نواة الخلية الحية، فهو عبارة عن نظام تشفير يتكون من 3.5 بليون وحدة تتضمن كل تفاصيل الحياة.

    وفي أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، تم اكتشاف جزيء (د ن أ) لأول مرة عند دراسة البلّورات بالأشعة السينية، وهو عبارة عن جزيء ضخم يتسم بقدر عال من التميز من ناحيتي التخطيط والتصميم.

    فعلى سبيل المثال، بفضل (مشروع الجينوم البشري) أصبح بإمكان الجميع الآن إدراك التصميم العجيب ومحتوى المعلومات الهائل الموجود في الجينات البشرية.

    وفي إطار هذا المشروع، عمل علماء من بلدان كثيرة، من الولايات المتحدة إلى الصين، لمدة 10 سنوات من أجل فك شفرة الثلاثة بلايين شفرة كيميائية الموجودة في جزيء (د ن أ) الواحدة تلو الأخرى. ونتيجة لذلك، تم ترتيب كل المعلومات الموجودة تقريبا في الجينات البشرية في وضعها الصحيح.

    وبالرغم من أن هذا تطور مثير ومهم للغاية، ولكنه مع ذلك ليس سوى الخطوة الأولى في فك شفرة المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ).

    ولفهم السبب وراء مضي 10 سنوات والاستعانة بجهود مئات العلماء للكشف عن الشفرات المكوِّنة لهذه المعلومات، يجب أن نفهم ضخامة المعلومات المحتواة في جزيء (د ن أ).

    ذلك أن المعلومات المحتواة في جزيء (د ن أ) الخاص بخلية بشرية واحدة تكفي لملء موسوعة مكوَّنة من مليون صفحة، مما يجعل من المستحيل قراءتها كلها في عمر واحد.

    فإذا شرع شخص ما في قراءة شفرة (د ن أ) واحدة كل ثانية، دون توقف، طوال اليوم، وكل يوم، فسيستغرق ذلك منه 100 سنة.

    ذلك أن الموسوعة تضم ثلاثة بلايين شفرة مختلفة، وإذا دوَّنا كل المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ) على ورق، فسيمتد هذا الورق من القطب الشمالي إلى خط الاستواء، وهو ما يوازي نحو 1000 مجلد كبير – وهو أكثر مما يلزم لملء مكتبة كبيرة.

    والأهم من ذلك هو أن جميع تلك المعلومات محتواة في نواة كل خلية، وبما أن كل فرد يتكون من نحو 100 تريليون خلية، فإن هناك 100 تريليون نسخة من نفس المكتبة.

    وإذا أردنا أن نقارن خزانة المعلومات هذه بمستوى المعرفة الذي وصل إليه الإنسان حتى الآن، سيستحيل علينا أن نقدم أي مثال بنفس الحجم، ذلك أن الصورة التي تقدم نفسها هنا لا يمكن تصديقها: 100 تريليون × 1000 كتاب! سيفوق الناتج عدد حبات الرمل الموجودة في العالم.

    وفضلا عن ذلك، إذا ضربنا هذا العدد في الستة بلايين شخص الذين يعيشون على الأرض حاليا، وبلايين الأشخاص الذين عاشوا عليها في أي وقت سابق، عندئذ سيفوق العدد قدرتنا الإدراكية، وستمتد كمية المعلومات إلى ما لا نهاية.

    وتعتبر هذه الأمثلة مؤشرا على ضخامة المعلومات الملازمة لنا. فنحن نملك أجهزة كمبيوتر متقدمة تستطيع أن تخزن كميات وافرة من المعلومات. ومع ذلك، عندما نقارن جزيء (د ن أ) بأجهزة الكمبيوتر هذه، سنندهش عندما نرى أن أحدث وسائل التكنولوجيا ـ التي هي نتاج لجهد ومعرفة بشرية تراكمية على مدار القرون ـ لا تمتلك حتى الطاقة التخزينية لخلية واحدة.

    وقد قال جين مايرز، وهو أحد أبرز خبراء سيليرا جينومكس، الشركة المنفِّذة لمشروع الجينوم البشري:( ما أذهلني حقا هو أسلوب بناء الحياة.. فنظامها معقد للغاية، وكأنه مُصمَّم.. إذ يوجد به قدر هائل من الذكاء )

    وهناك جانب آخر مثير، ألا وهو أن كل أشكال الحياة على الكوكب قد نتجت عن أوصاف مُشفرة مكتوبة بنفس هذه اللغة، إذ لا يتكون بكتير، أو نبات، أو حيوان بدون جزيء (د ن أ) الخاص به.

    ومن الجلي للغاية أن كل أشكال الحياة نشأت نتيجة أوصاف تستخدم نفس اللغة وتنبع من نفس مصدر المعرفة.

    قال داروين: بمناسبة ذكرك لجزيء (د ن أ) كيف تفسر التشابه الكبير بين جينوم البشر وجينوم الشمبانزيات، فقد وصلت نسبة التشابه بينهما إلى 99 في المائة.. ألا ترى هذا وحده كافيا لأن يثبت لك الأصل الذي جاء منه الإنسان؟

    ابتسم علي، وقال: لقد قرأت هذا كثيرا.. ففي كل أدبية من أدبيات التطور، يمكنك أن تقرأ جملا مثل ( نحن نتطابق مع الشمبانزيات بنسبة 99 في المائة ) أو (لا يوجد إلا واحد في المائة من جزيء (د ن أ) يجعلنا بشرا )

    ولكني أتعجب كيف يستطيع أحد مقارنة خريطة الجينات الإنسانية مع خريطة جينات قرد الشمبانزي التي لم تسجل ولم تكتشف بعد!؟

    ألا يجب من أجل إجراء مثل هذه المقارنة اكتشاف خريطة جينات الشمبانزي وتثبيتها بعد دراسات ستستغرق أيضًا سنوات عديدة؟

    أما ادعاء وجود تشابه بنسبة 99% بين جينات الإنسان وجينات الشمبانزي فيستند في الحقيقة إلى شيء آخر، فقد لوحظ وجود تشابه في شكل التراص لجزيئات D.N.A. في أربعين جزيئة من جزيئات البروتين في الإنسان مع ما هو موجود لدى القرود[12].

    فالإنسان يملك 100 ألف بروتين، والادعاء بأن الإنسان تطور من القرد من مجرد تشابه 40 بروتينًا فقط ادعاء غريب وغير علمي.

    بالإضافة إلى ذلك، فمن الطبيعي وجود مثل هذا الشبه بين جميع المخلوقات، وليس بين الإنسان والقرد فقط، فالأحياء جميعًا تتكون من الجزيئات نفسها.

    ولكن هل وجود العجلة في الدراجة وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار وفي الحاصدة الزراعية وفي آلات وأجهزة أخرى كثيرة يدل على أن السيارة تطورت آليًّا من الدراجة ثم تطورت إلى الطائرة أو إلى القطار.

    ولكن يدل على أن هذه المكائن كلها من تصميم الإنسان، أي يرجع إلى مصمم واحد هو الإنسان. والأبنية بمختلف أشكالها وأنواعها ووظائفها ترجع إلى وحدات أساسية في الأصل هي الطوب أو الخرسانة ولا يمكن لأحد الادعاء بأن بعضها تطور عن البعض الآخر استنادًا إلى تشابه لَبِنَات البناء.

    والدليل على أن هذا التشابه المحدود والضئيل ليس دليلاً على تطور الإنسان من القرد هو أن أبحاثًا كثيرة جرت على أنواع عديدة من البروتينات مثل بروتين (ريلاكسين Relaxin) وبروتين (الأنسولين Insulin)، فظهر أن الإنسان ـ لو أخذنا بمنطق تشابه جزيئات هذه البروتينات ـ قريب من الدجاج ومن الخنزير ومن السلحفاة أكثر من قربه من الأحياء الأخرى.

    إذن فوجود مثل هذا الشبه لا يعني شيئًا حول القرابة بين الأحياء، ففي أحد الأبحاث ظهر أن بين الإنسان ودودة Nematod تشابهًا بنسبة 75 بالمائة [13] بالمائة.

    وقد كشفت إحدى الدراسات في تشرين أول 2002، أن الدعاية التي ينشرها أنصار التطور حول هذا الموضوع زائفة تماما.. ذلك أن البشر والشمبانزيات لا يتشابهان بنسبة 99% كما يقول أنصار التطور.. إذ تبين أن التشابه الوراثي بينهما أقل من 95% فقد جاء في قصة إخبارية نقلها موقع CNN.com بعنوان (البشر والشمبانزيات أكثر اختلافا مما نعتقد)“Human, chimps more different than thought”، ورد:( وفقا لدراسة وراثية جديدة، تبين أن الاختلافات بين الشمبانزي والإنسان أكثر مما كنا نعتقد في الماضي، فلطالما اعتقد علماء الأحياء أن جينات الشمبانزيات والبشر متطابقة بنسبة 98.5 في المائة تقريبا. ولكن روي بريتن Roy Britten، عالم الأحياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ذكر في دراسة نشرت هذا الأسبوع أن هناك طريقة جديدة لمقارنة الجينات أظهرت أن التشابه الوراثي بين الإنسان والشمبانزي لا يتعدى نسبة 95 في المائة تقريبا.

    وقد استند بريتن في دراسته تلك إلى برنامج كمبيوتر قارن من خلاله 780.000 زوج من بين الثلاثة بلايين زوج الأساسية base pairs الموجودة في حلزون جزيء (د ن أ) البشري بتلك الخاصة بالشمبانزي. واكتشف فروقا أكثر من تلك التي اكتشفها الباحثون السابقون، واستخلص أن 3.9 في المائة على الأقل من أزواج جزيء (د ن أ) الأساسية مختلفة.

    ودعاه ذلك إلى الاستنتاج بوجود اختلاف وراثي جوهري بين النوعين يبلغ 5 في المائة )

    وفي مجلة نيو ساينتست New Scientist، وهي إحدى المجلات العلمية الرائدة الداعمة بقوة للداروينية، نشرت حول هذا الموضوع مقالة بعنوان (الاختلاف بين جزيء (د ن أ) في الإنسان والشمبانزي يزداد ثلاثة أضعاف)Human-chimps DNA difference trebled”، جاء فيها:( نحن أكثر تفردا مما اعتقدنا في السابق، وذلك وفقا لمقارنات جديدة أجريت على جزيء (د ن أ) في الإنسان والشمبانزي، فلطالما كان هناك اعتقاد بأننا نشترك في 98.5 في المائة من مادتنا الوراثية مع أقرب أقربائنا. ولكن يبدو الآن أن هذا خطأ. وفي الواقع، نحن نشترك في أقل من 95 في المائة من مادتنا الوراثية مع الشمبانزي، وهو ما يعني أن التغاير بيننا وبين الشمبانزيات ازداد ثلاثة أضعاف)

    قال داروين: ولكن هذه النسبة مع ذلك تظل عالية.

    قال علي: ولو.. ومع ذلك فإن الفرق يظل بعيدا.. أليست هذه الجينات هي الحروف التي يتشكل على أساسها الكائن؟

    قال داروين: بلى.. الجينات هي الحروف التي تتشكل منها كلمة الكائن.

    قال علي: فاسمك هذا الذي تفرح به لو بدلنا منه حرفا واحدا أو حركة واحدة لتغير تماما.. فهكذا هذه الجينات بتبدل جين واحد يتغير تغيرا تاما.. كما تتغير الذرات بتغيير بروتوناتها وإلكتروناتها.

    بالإضافة إلى هذا فإن جزيء (د ن أ) البشري مشابه كذلك لنظيره في الديدان، والبعوض، والدجاج.

    فالبروتينات الأساسية عبارة عن جزيئات حيوية شائعة لا توجد فقط في الشمبانزيات، بل إنها توجد أيضا في كائنات حية كثيرة مختلفة كل الاختلاف عن بعضها البعض. كما أن تركيب البروتينات في كل هذه الأنواع مشابه جدا لتركيب البروتين البشري.

    قال داروين: نحن نرى أن هذا التشابه يدل على الأصل الواحد.. فكيف تفسره أنت؟

    قال علي: ليس من المستغرب أن يكون في الجسم البشري بعض أوجه الشبه الجزيئي بالكائنات الحية الأخرى؛ لأنها جميعا مكونة من نفس الجزيئات، وكلها تستخدم نفس المياه والهواء، وكلها تستهلك أطعمة مكونة من نفس الجزيئات. ولا ريب في أن يكون تكوينها الجيني، متشابها، ومع ذلك، لا يعد ذلك دليلا على أنها تطورت من سلف مشترك، ذلك أن هذه المادة المشتركة ليست نتاجا لتطور، بل لتصميم مشترك، أي، لكونها خُلقت وفقا لنفس الخطة.

    سأضرب لك مثالا يوضح هذا.. تستخدم كل الإنشاءات في العالم مواد متشابهة (قرميد، وحديد، وإسمنت، وغيرها)، ومع ذلك، لا يعني ذلك أن تلك المباني تطورت من بعضها البعض، فقد أُنشئ كل منها بشكل منفصل باستخدام مواد بناء مشتركة، وينطبق ذات الشيء على الكائنات الحية أيضا، مع فارق عظيم بين الكائنات الحية وهذه المباني.


    عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 17:12 عدل 1 مرات
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:10

    الحفريات:

    سكت علي قليلا، ثم قال: لا شك أنكم تعتبرون الحفريات أكبر دليل على ما تذهبون إليه.

    قال داروين: أجل.. فالحفريات هي الدليل العلمي الذي نستند إليه، وهو الذي لا يقف في وجهه أي دليل.

    قال علي: ولكن الحفريات التي اعتمد عليها داروين ومن تلاه أصبحت هي الحجة الدامغة التي تحط هذه النظرية.

    قال داروين: كيف ذلك؟

    قال علي: من وجوه متعددة، سأكتفي بوجهين منها.

    أما أولهما، فهو أنه من بين كل الحفريات التي اكتشفت على مدار السنين، لا يوجد أي أثر لأي أشكال وسيطة لا بد من توافرها لو كانت الكائنات الحية قد تطورت من طور إلى آخر من أنواع بسيطة إلى كائنات أكثر تعقيدا، كما تدعي نظرية التطور.

    ولو كانت هذه الكائنات قد وُجدت في الحقيقة، لكانت هناك الملايين، بل البلايين، منها، والأهم من ذلك، كان يجب أن تكون بقايا هذه الكائنات موجودة في سجل الحفريات.

    ولو كانت هذه الأشكال الوسيطة قد وجدت حقا، لكانت أعدادها أكبر بكثير من أعداد أنواع الحيوانات التي نعرفها اليوم، ولَما خَلا مكان في العالم من بقاياها الحفرية.

    ويبحث أنصار التطور عن هذه الأشكال الوسيطة في كل البحوث المحمومة التي أجريت على الحفريات منذ القرن التاسع عشر. ومع ذلك، لم يجدوا أي أثر لهذه الأشكال الوسيطة، على الرغم من سعيهم الحثيث لإيجادها طوال المائة والخمسين سنة الماضية.

    فسجل الحفريات يبين أن أنواع الأحياء ظهرت فجأة وبكامل تكوينها، ولم تتطور من أشكال بدائية إلى أشكال متقدمة كما تدعي نظرية التطور.

    قال داروين: والثاني؟

    قال علي: ألستم ترون أن الحياة قد نشأت عن سلف واحد مشترك، واتخذت كل أشكالها المتنوعة من خلال سلسلة من التغييرات الطفيفة.

    قال داروين: أجل..

    قال علي: وفي هذه الحالة، لا بد أن تكون الحياة قد نشأت أولا في أشكال متشابهة وبسيطة للغاية، ولا بد أن تكون الاختلافات بين الكائنات الحية والتعقيدات المتزايدة فيها قد حدثت بالتوازي مع مرور الوقت.

    قال داروين: أجل.. ولهذا نرى أن الحياة مثل الشجرة، لها جذر مشترك يتفرع لاحقا إلى غصون مختلفة.. ولهذا ترى مصادرنا تستخدم مبدأ (شجرة الحياة)

    قال علي: وفقا لمبدأ الشجرة هذا، لا بد أولا أن تنشأ شعبة ما، ثم تظهر شعبة أخرى ببطء مع حدوث تغييرات دقيقة على مدار فترات زمنية طويلة جدا.

    قال داروين: ذلك صحيح، وهو ما نقوله.

    قال علي: هذا ما تقولونه.. ولكن هل هذه هي الحقيقة؟

    قال داروين: نحن نرى أن هذه هي الحقيقة.

    قال علي: الحقيقة لا أراها أنا ولا أنت.. الحقيقة يبرزها الواقع، وتظهرها الأدلة.. والمنطق العقلي السليم هو الذي يجعلك تستسلم لما تقول الأدلة.

    والأدلة التي أسستم عليها نظريتكم، وهي الحفريات، تثبت عكس ما تقول تماما، فهي تنص على أن الحيوانات كانت شديدة الاختلاف والتعقيد منذ اللحظة الأولى لنشأتها.

    فقد ظهرت كل شعب الحيوانات المعروفة اليوم في نفس الوقت، في منتصف الحقبة الجيولوجية المعروفة باسم العصر الكمبري[14].

    والظهور المفاجئ لمجموعات الحيوانات الرئيسية قد استغرق فترة زمنية قصيرة من العصر الكمبري، وتعرف هذه الفترة غالبا باسم (الانفجار الكمبري)، وهي لم تدم أكثر من 5 ملايين سنة.

    وقبل ذلك، لم يكن هناك أي أثر في سجل الحفريات لأي شيء باستثناء الكائنات وحيدة الخلية، وبضع كائنات بدائية للغاية من متعددات الخلايا. ونشأت كل الشعب الحيوانية في أكمل شكل وعلى نحو فجائي خلال فترة زمنية قصيرة للغاية تعرف بالانفجار الكمبري..

    وترجع الحفريات المكتشفة في الصخور الكمبرية لكائنات شديدة التنوع مثل القواقع، وثلاثيات الفصوص، والإسفنجيات، وقناديل البحر، ونجوم البحر، والمحار، وغيرها.

    وتتميز معظم الكائنات الموجودة في تلك الطبقة بأجهزة معقدة وتراكيب متقدمة، مثل الأعين، والخياشيم، وأجهزة دوران الدم، تماما مثل تلك الموجودة في النماذج العصرية. وتتميز هذه التراكيب في ذات الوقت بقدر عال من التقدم والاختلاف.

    ***

    ما وصل علي من حديثه إلى هذا الموضع حتى قال لداروين: اسمح لي يا صاحبي داروين..

    قاطعه داروين، وقال: هذا في الحقيقة ليس اسمي.. بل هو اسم اختاره لي بعض أصحابي..

    قال علي: اسمح لي أن أذكر لك بأن كل ما ذكرته لك أنت تعلمه وتوقن به وتسلم له في قرارة قلبك.

    قال داروين: كيف عرفت ذلك.. أم أن دينكم يعلمكمم كيف تجولون في بواطن الناس؟

    قال علي: إن رجلا في مثل عقلك وعلمك يستحيل أن يتقبل عقله تلك الشطحات التي تستلزمها تلك النظرية.

    قال داروين: فلنفرض صحة ما تقول.. ولكن ما الذي يمنعني من التصريح بتهاتفها؟

    قال علي: يمنعك من ذلك عامل خطير، مارسه بكل عنف دعاة التطور.

    قال داروين: ما الذي تقصد؟

    قال علي: إن أخطر الادعاءات التي يكثر أنصار التطور ترديدها كل حين، تلك الكذبة القائلة بأن نظرية التطور هي الأساس لعلم الأحياء.. بل ينشر هؤلاء أن علم الأحياء لا يمكن أن يتطور، بل حتى أن يوجد، بدون نظرية التطور.

    لقد قال الأستاذ الفيلسوف أردا دينكل Arda Denkel، يرد على هذا قائلا:( على سبيل المثال، من الخطأ الفادح أن يقترح المرء أن (رفض نظرية التطور يعني رفض العلوم الحيوية والجيولوجية والاكتشافات الفيزيائية والكيميائية) ذلك أنه للوصول إلى مثل هذا الاستدلال (استدلال تخييري هنا)، لا بد أن توجد بعض الافتراضات حول الاكتشافات الكيميائية، والفيزيائية، والجيولوجية، والحيوية تلمح إلى نظرية التطور. ومع ذلك، نجد أن الاكتشافات، أو لسان حالها، لا تلمح إلى النظرية. ومن ثم، فإنها لا تثبتها )

    التفت إلى داروين، وقال: أنت لا تحتاج إلى هذا القول.. بل يكفي أن تتأمل في تاريخ العلم حتى تدرك مدى بطلان وعدم منطقية الادعاء القائل بأن (نظرية التطور هي الأساس لعلم الأحياء)

    ولو صح هذا الادعاء، لكان معنى ذلك أن العالم لم يعرف العلوم الحيوية إلا بعد ظهور نظرية التطور، وأن كل هذه العلوم وليدة تلك النظرية. ومع ذلك، فالكثير من فروع علم الأحياء، مثل علوم التشريح، ووظائف الأعضاء، والحفريات، نشأت وتطورت قبل نظرية التطور.

    ومن ناحية أخرى، فنظرية التطور فرضية نشأت بعد هذه العلوم، يحاول الداروينيون فرضها عليها بالقوة.

    سكت قليلا، ثم قال: أتدري ما الأسلوب الذي استخدمه أنصار التطور ليبثوا الرعب في نفوس العلماء حتى يستسلموا لها؟

    قال داروين: ما هو هذا الأسلوب؟

    قال علي: إنهم يستخدمون أسلوبا مشابها لذلك الذي حصل في الاتحاد السوفييتي إبان عهد ستالين.. ففي تلك الفترة، اعتبرت الشيوعية، الأيديولوجية الرسمية للاتحاد السوفييتي أن فلسفة (المادية الجدلية) هي الأساس لكل العلوم.. ولذلك أمر ستالين بأن تتمشى كل البحوث العلمية مع المادية الجدلية.

    وبهذه الطريقة، كانت كل كتب علم الأحياء، والكيمياء، والفيزياء، والتاريخ، والسياسة، بل حتى الفنون تحتوي على أقسام تمهيدية مفادها أن كل هذه العلوم تستند إلى المادية الجدلية وآراء ماركس، وإنجلز، ولينين.

    ومع ذلك، تم رفع هذا الالتزام عند انهيار الاتحاد السوفييتي، وعادت الكتب إلى كونها نصوصا علمية فنية عادية تحتوي على نفس المعلومات.

    بل إن التخلي عن سخافات مثل المادية الجدلية لم يتسبب في تخلف العلم، بل أزال عن كاهله الضغوط والالتزامات المفروضة عليه.

    وفي الوقت الحاضر، لا يوجد سبب يدعو إلى ربط العلم بنظرية التطور، فالعلم يقوم على الملاحظة والتجريب، بينما تعبر نظرية التطور، من ناحية أخرى، عن فرضية متصلة بماض لا يمكن إخضاعه للملاحظة.

    وفضلا عن ذلك، فالعلم وقوانين المنطق يدحضان دائما ادعاءات النظرية وافتراضاتها. ولن يتكبد العلم، بالطبع، أي خسارة عند تخليه عن هذه الفرضية. وقد عبر عالم الأحياء الأمريكي جي. دبليو. هاربر G. W. Harper عن رأيه حول هذا الموضوع قائلا:(كثيرا ما يدعي البعض أن الداروينية محورية بالنسبة لعلم الأحياء الحديث. ولكن على العكس، إذا اختفت فجأة كل الإحالات إلى الداروينية، سيظل علم الأحياء دون أي تغيير يذكر)

    وفي الواقع، سيحدث العكس تماما، إذ سيتقدم العلم على نحو أسرع وأسلم بكثير عندما يتحرر من إلحاح نظرية مليئة بالدوغماتية، والتحيز، والسخافة، والتلفيق.

    قال داروين: فلنفرض أن نظرية التطور انهارت[15].. فما البديل العلمي الذي تراه؟

    قال علي: كل الأدلة العلمية تشهد لله بأنه مصمم الحياة.. ولذلك فالبديل العلمي بكل بساطة هو أن كل حي من الأحياء خلقه الله عالما قائما بذاته ليؤدي دورا معينا في هذه الحياة..

    ولهذا فإن الله يعبر عما نراه من أشياء بأنها عوالم قائمة بذاتها.. لكل عالم طبيعته وخصائصه، ففي أول سورة من القرآن الكريم نجد قوله تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2)

    بل إن الله يعتبر كل حي من الأحياء أمة قائمة بذاتها، كما قال تعالى:﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38)

    والله تعالى يعتبر التنوع مقصودا من أول الخلق، فهو يقول:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (النور:45)

    وقال تعالى:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ (لقمان:10)

    وقال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ (الشورى:29)

    وقال تعالى:﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ (الجاثـية:4)

    2 ـ امتداد الحياة

    بدا على وجه داروين بعض التأثر لسماعه تلك الآيات القرآنية، وقد تعجبت عندما سمعته يتخلى عن كبريائه التي عرفته بها، ليقول لعلي بكل تواضع: هل في قرآنكم شيء عن الحياة، غير أصل الحياة؟

    قال علي: أجل.. القرآن الكريم كله حديث عن الحياة وأركانها وأسرارها وأنواعها[16] وامتدادها في الزمان والمكان..

    قال داروين: امتدادها في الزمان والمكان!؟.. ما الذي تقصد بذلك؟

    قال علي: علوم الحياة التي تعرفونها تعطي الحياة صورة واحدة لا تتصور إمكانية الحياة فيما عداها.

    قال داروين: أجل.. علم الحياة كله يقوم على هذا.

    قال علي: ولكن هذا العلم بهذه الصورة ينطوي على كبر عظيم..

    قال داروين: العلم هو الحقيقة.. والحقيقة لا ينبغي أن تحمل أي كبر.

    قال علي: الكبر ليس في العلم.. وإنما فيمن يدعيه.

    قال داروين: ما الذي تقصد؟

    قال علي: لو تأملت جميع فترات التاريخ البشري، فإنك تجد كل فرد من الأفراد، بل كل أمة من الأمم تتصور أن ما عندها من العلم هو الحقائق التي لا تقاوم، فلذلك تفرح بها، وتتيه، وتقاوم كل من يقف في وجهها.

    القرآن الكريم يذكر هذا، فهو يذكر أن تلك القرى التي جاءتها أنبياؤها بالعلم الإلهي الذي لا يعتريه التغيير والتبديل رفضت العلم الإلهي مستغنية بعلمها، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (غافر:83)

    مع أن عملهم ليس إلا مرحلة بسيطة في التطور العلمي، كما قال تعالى:﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) (لنجم:30)

    قال داروين: ما الذي تقصد من كل هذا؟

    قال علي: أقصد أن من العلم ما لا نستطيع إثباته في المخابر.

    قال داروين: كيف ذلك؟

    قال علي: لأن المخابر تعتمد على عقولنا، وعلى ما وصلت إليه عقولنا من مكتشفات، فلذلك تعجز هذه المخابر عن التعرف على حقائق كثيرة يمتلئ بها الكون.

    قال داروين: فمن أين نستقي تلك المعلومات إذن؟

    قال علي: من الله.. أليس هو مبدع كل شيء؟

    قال داروين: فلنفرض صحة ذلك.. فما علاقته بهذا؟

    قال علي: إن المبدع دلنا على أسرار إبداعه وأنواع مبدعاته.

    قال داروين: ولكن كلام المبدع دين.. ونحن نتحدث عن العلم.. وشتان بين العلم والدين.

    قال علي: لا.. الدين مصدر من مصادر العلم.. بل هو المصدر الأعلى للعلم.. فالله تعالى يقول:﴿ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الملك:26)

    فالله هو مصدر العلم.. وخزائن العلوم بيد الله.. وهو يفيض علينا منها كل حين بحسب استعداداتنا.

    قال داروين: فلنفرض صحة هذه المقدمات التي ذكرتها.. ما الذي ترمي من خلالها.

    قال علي: أرمي إلى ما طلبت مني الحديث عنه.

    قال داروين: تقصد (امتداد الحياة)!؟

    قال علي: أجل.. لأن العلم بامتداد الحياة الزماني والمكاني يقتضي التسليم لله بالعلم..

    قال داروين: لم؟

    قال علي: لأن هذه المعلومات لن نستطيع إثباتها في المخابر.

    قال داروين: ولكن عقولنا لن تستطيع التسليم لما لم نستطع إثباته.

    قال علي: بل تستطع التسليم بكل سهولة بشرط واحد.

    قال داروين: ما هو هذا الشرط؟

    قال علي: الثقة..

    قال داروين: ما معنى ذلك؟

    قال علي: إذا وثقت في مصدر المعلومة سلمت لها.. فلذلك إذا وثقت في الله وفي كتاب الله سلمت له ما يذكر لك من الحقائق، ولو لم تره بعينك.

    قال داروين: لا أرى أني أستطيع التسليم لشيء لا يلمسه عقلي..

    قال علي: بل أنت تسلم للكثير.. بل إنه لا يمكن أن يتعلم أحد من الناس ما لم ينطلق من التسليم لمن يتعلم على أيديهم..

    وكمثال بسيط أنت تسلم لجميع أصدقائك من العلماء في كل ما يذكرونه من العلم مع أنه لم تتوفر لديك الأدوات الكافية لتقتنع بما يقولون.. أليس ذلك صحيحا؟

    قال داروين: أجل.. وإلا فإن ذلك سيتطلب مني أن أدرس كل العلوم.. والعمر يفنى دون ذلك.

    قال علي: أنت تسلم لصديقك الفلكي ما يذكره عن الأفلاك الواسعة مع أنك لم ترها مرة واحدة في حياتك، وتسلم لصديقك الجيولوجي ما يذكره عن تاريخ الأرض مع أنك لم تعش تلك الأزمان التي يذكرها.

    قال داروين: أجل..

    قال علي: فكيف سلمت لهم؟

    قال داروين: ثقة فيهم وفيما لديهم من العلم.

    قال علي: وكيف وثقت فيهم؟

    قال داروين: رأيتهم يجيبوني عن الأسئلة التي تحيرني بأدلة منطقية يتقبلها عقلي.

    قال علي: فاعتبر الله أستاذا من أساتذتك.

    انتفض الفلكي، ومثله الجيولوجي.. وقال داروين: ما الذي تقوله؟.. الله رب.. وليس أستاذا؟

    قال علي: أتنزه الله عن الأستاذية.. أم تنزه الأستاذية عن الله؟

    سكت داروين، فقال علي: الله هو المعلم.. القرآن الكريم يذكر ذلك كل حين ففي أول ما نزل من القرآن الكريم هذه الآية:﴿ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5)

    والله يمن على المؤمنين أنه علمهم ذكره، فقال تعالى:﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة:239)

    ويمن على الكتبة أنه علمهم الكتابة، فقال:﴿ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ )(البقرة: من الآية282)

    ويمن على نبيه أنه علم ما لم يكن يعلم، فقال:﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(النساء: من الآية113)

    ويذكر يعقوب u لابنه يوسف u ما من الله به عليه من العلوم، فيقول:﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:6)

    ولذلك فإن كل ما نراه من علوم من تعليم الله، قال تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: من الآية68)، وقال تعالى:﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف:65) ،وقال تعالى:﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (الانبياء:80)، وقال تعالى:﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾(يّـس:69)

    قال داروين: فلنفرض أني أسلم لك بكل هذا.. فهل ترى أن الله علمنا من علوم الحياة ما لم نصل إليه؟

    قال علي: أجل.. كما علمنا الله أصل الحياة.. فهو يعلمنا امتدادها.

    قال داروين: ما الذي تقصد بامتدادها؟

    قال علي: الحياة أعمق من أن تنحصر فيما تخبرنا به المخابر.. هي أعمق مكانا، وأعمق زمانا.

    الامتداد المكاني:

    قال داروين: ما الذي تريده بالعمق أو الامتداد المكاني.. فإني أراك قدمت كل تلك المقدمات لأجل إثباته.

    قال علي: أنتم تتساءلون كثيرا، وبلهفة كل حين قائلين:( هل توجد حياة في الفضاء؟)

    قال داروين: لا أنكر ذلك.. وأنا شخصيا أميل إلى وجود حياة في الفضاء الخارجي.. وقد سألني أحدهم مرة قائلا: أليس غريباً أنكم تتحدثون عن وجود حياة خارج الأرض في الكون؟ فأجبت على الفور: إن الغريب ألا نتحدث عن وجود مخلوقات في الكون، لأننا لسنا الوحيدين في هذا العالم.

    ولست الوحيد في ذلك، فمنذ صعود الإنسان إلى الفضاء الخارجي، وهو يحاول جاهداً اكتشاف حياة جديدة على كوكب غير الأرض.

    وعلماء الفلك ـ اليوم ـ يؤكدون وجود هذه الحياة، فلدينا في الكون أكثر من عشرة آلاف مليون مليون مليون نجم، وهذه النجوم منها ما هو بحجم الشمس ومنها ما هو أكبر من الشمس وما هو أصغر منها. فاحتمال وجود مجموعات شمسية كشمسنا هو احتمال كبير وكبير جداً أمام هذا العدد الضخم من النجوم أو الشموس.

    ومع بداية القرن الواحد والعشرين ازداد شيئاً فشيئاً اعتقاد العلماء بوجود حياة خارج الأرض في الفضاء، فلهذا تراهم يرسلون المراكب الفضائية محاولة منهم لكشف أي آثار للحياة في هذا الكون الواسع.

    ومن آخر الرحلات رحلة باتجاه كوكب المريخ تكلفت أكثر من (800) مليون دولار.. وكان الهدف الأصلي منها البحث عن وجود حياة في ذلك الكوكب.

    وقد بدأ العلماء منذ السبعينات من القرن العشرين بمحاولات للاتصال مع الفضاء الخارجي من خلال بث رسائل تتضمن معلومات عن كوكب الأرض.

    ثم تطورت المحاولات في التسعينات من القرن العشرين من خلال ابتكار مراصد ضخمة يتم زرعها في الفضاء الخارجي لرصد الكواكب الشبيهة بالأرض.

    لقد أصبحت مسألة وجود كواكب تدور حول نجوم شبه حقيقة، وذلك بعدما أمكن تطوير أجهزة الرصد الفضائي.

    بل أصبحت مسألة كشف حياة وكائنات حيَّة على كواكب أخرى مسألة وقت، ولولا تأكد العلماء وإحساسهم القوي بوجود مخلوقات أخرى في الكون لما عملوا بجدّ للبحث عن هذه المخلوقات.

    قال علي: فأنتم متأكدون من وجود الحياة في غير الأرض، ولكنه لم تتوفر لديكم الوسائل الكافية لإثبات ذلك.

    قال داروين: أجل.. ذلك صحيح.. وأنا وأكثر العلماء نؤمن بذلك.

    قال علي: إن هذه الحقيقة التي تؤمنون بها من غير أن تستطيعوا إثباتها هي حقيقة مثبتة لدينا نحن المسلمين.

    قال داروين: كيف ذلك؟

    قال علي: لقد أخبرنا معلمنا العليم الخبير بها، بل أخبرنا بسجودها لله، فقال:﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل:49)

    بل اعتبرها من آياته الدالة على عظمته وقدرته ولطفه، فقال:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) (الشورى:29)

    إن هذه الآية الكريمة تخاطبنا وتخاطب المستقبل.. وهي تدل على أنه يمكن أن يتعرف البشر على تلك العوالم..

    وأنا من خلال هذه الآية الكريمة أوقن تماما أن الجهود التي تبذلها البشرية في هذا الميدان لن تذهب هدرا.. لأن هذه الآية لابد أن يقع تأويلها كما وقع تأويل جميع آيات الله.

    لقد حلمت البشرية طويلا بالصعود إلى الفضاء الخارجي.. واستعملت كل الوسائل لأجل ذلك[17].

    قال داروين: وقد تحقق هذا الحلم في نهاية القرن العشرين عندما بدأت رحلة البحث العلمي، وبدأ آلاف العلماء في مشارق الأرض ومغاربها بكتابة أبحاثهم وإجراء تجاربهم حول آلية الخروج من الأرض، وما هي الخطوات التي يجب سلوكها لتحقيق ذلك.

    قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك.. بل أشار فوق ذلك إلى الآلية التي يتم بموجبها ذلك الصعود.

    تعجب العلماء، فقال علي: لو سألنا العلماء المختصين بإطلاق المراكب الفضائية وتصميمها عن أهم شيء يصادفهم حتى تكون الرحلة ناجحة فسيجيبون بأمرين:

    أولهما أن خروج المركبة الفضائية من نطاق جاذبية الأرض يجب أن يتم من أبواب أو منافذ محددة للغلاف الجوي.

    والأمر الثاني هو أن حركة المركبة في الفضاء يجب أن تكون حركة منحنية تعرجيه وليست مستقيمة.

    قال داروين: ولكن لماذا هذين الاعتبارين؟

    قال علي: لأن الغلاف الجوي مُحَاط بحقول جاذبية ومغنطيسية، وإذا لم يتم إطلاق المركبة من نقطة محددة، فسوف تنحرف عن مسارها بفعل هذه الحقول وتفشل الرحلة، لذلك يقوم العلماء بدراسة النقاط المحددة للغلاف الجوي، والتي يمكن أن تنطلق منها المركبة الفضائية.

    ثم على هذه المركبة أن تسير في طريق متعرج لتحاشي حقول الجاذبية التي تمارسها الشمس والقمر وبقية كواكب المجموعة، فحركة المركبة الفضائية في الفضاء حساسة جداً لدرجة أن العلماء قد يضطرون لتغيير مسار المركبة وإطالة طريقها ملايين الكيلومترات تحاشياً لحقل جاذبية ما، أو للاستفادة من حقل آخر في تحريك المركبة.

    ثم إن منافذ الغلاف الجوي ليست دائماً مفتوحة، بل تتغير مع حركة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، وكأنها بوابات تُفتح وتُغلق.

    قال داروين: ما الذي ترمي إليه من كل هذه التفاصيل.. ألا ترى أننا خرجنا عن الموضوع؟

    قال علي: لا.. لم نخرج.. لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة.. حقيقة إمكانية الصعود.. بل وصف آلية ذلك، فقال:﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ (الحجر:14-15)

    إن هذه الآية تشير إلى ما ذكرنا من آلية الصعود، فقد ذكرت أبواب الغلاف الجوي، التي هي أبواب السماء، وذكرت الحركة التعرجية في الفضاء.

    وفوق ذلك أخبرت بما عساه يقول من وفق لهذه الرحلة، لقد ذكرت أنهم يقولون:﴿ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ﴾.. وقد حصل هذا.. لقد أخبرنا به رواد الفضاء الذين صعدوا إلى القمر أن أول ما يصادفهم عند تجاوزهم الغلاف الجوي هو الظلام الشديد الذي يظن معه المرء أن بصره قد توقف.

    حتى إن الأطباء المشرفين على سلامة هؤلاء الروَّاد وجدوا بأن الإنسان عندما يتحرر من الجاذبية الأرضية يتعطل العصب البصري لديه بشكل مؤقت، فلا يعود يرى شيئاً وكأن بصره قد أغلق، وهذا يحدث بسبب انعدام الجاذبية والذي يؤدي إلى خلل في الدورة الدموية والتفاعلات الحيوية في جسم الإنسان.

    قال داروين: أسلم للقرآن بهذا.. فهل تستنتج منه حقيقة ما ذكره القرآن من إمكانية اطلاع الإنسان على أنواع الحياة المبثوثة في العالم الخارجي؟

    قال علي: أجل.. فثقتنا في كتابنا تستدعي ذلك.. فهو لم يتنبأ بشيء إلا حصل كما تنبأ به.

    قال داروين: أهذا ما تقصد من امتداد الحياة المكاني؟

    قال علي: ليس هذا فقط.. أو بالأحرى هذا ما تفهمه أنت وغيرك من العلماء فقط.

    قال داروين: فهل هناك غيره مما لا نفهمه؟

    قال علي: لا أقصد رميكم بالقصور.. ولكن العلم الآخر الذي يرتبط بالحياة وأعماقها يستدعي ثقة في المعلم..

    قال داروين: فلنفرض أنا وثقنا في معلمك هذا.. فما الذي دلنا عليه من أنواع الحياة وامتدادها.

    قال علي: أنتم تبحثون عن وجود حياة في الكون؟

    قال داروين: أجل..

    قال علي: لكن الحقائق الكبرى ـ التي تبينها الوثيقة الإلهية التي تنطوي على حقائق الوجود وأسراره ـ تخبر أن هذا الكون لا يحوي أحياء فقط، بل هو نفسه حي، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني.

    أما ما نتصوره نحن من حياة فهو صورة فقط من صور الحياة، وهي صورة ارتباطات مادية حيوية بعضها ببعض.

    وكما أن العلم الحديث يقر بوجود حياة في الخلية الواحدة، سواء كانت ضمن نسيج واحد أو كانت مستقلة منفردة، فكذلك تنبئنا النصوص الشرعية أن الكون كله حي جملة وتفصيلا، وكل ذرة فيه أو ما دونها كائن حي له حقيقته التي استدعت وجوده، كما أن له صورته التي نعرفه من خلالها.

    وقد قال النورسي مبينا هذه الحقيقة وأثرها النفسي:( فالكونُ بجميع عوالمه حيّ ومشع مضئ بذلك التجلي، وِالاّ لأصبح كل من العوالم - كما تراه عين الضلالة - جنازة هائلة مخيفة تحت هذه الدنيا المؤقتة الظاهرة، وعالماً خرباً مظلماً)[18]

    قال داروين: أتقصد أن كل ما نراه من جمادات حي.. له حياة يعي بها؟

    قال علي: أجل.. هذا ما تنبئنا عنه النصوص المقدسة..

    قال داروين: ولكن الحياة تقتضي أشياء كثيرة..

    قال علي: تلك الحياة التي نعرفها نحن.. أما الحياة في صورتها الحقيقية، فلا تستدعي ذلك.

    قال داروين: كيف ذلك؟

    قال علي: أنتم مثلا تلتزمون بأنه لا يمكن أن تكون هناك حياة من دون الأوكسجين؟

    قال داروين: أجل.. فهو ضروري للطاقة التي يحتاجها الكائن الحي ليستمر وجوده.

    قال علي: هذا بحسب وعينا.. ولكن الحقيقة غير ذلك.

    قال داروين: كيف ذلك؟

    قال علي: سأقرب لك الأمر.. ألا ترى أن الآلة الجامدة يمكن أن تتصرف تصرفات كثيرة.. بل قد تؤدي من الخدمات ما نعجز نحن عن أدائه، ولكنها مع ذلك لا تستنشق أوكسجينا، ولا تزفر كاربونا.

    قال داروين: ولكنها مع ذلك لا تتصرف إلا في ضوء ما نوحي لها نحن به.

    قال علي: إذا كنا نحن البسطاء الضعفاء استطعنا أن نحول من الآلة الجامدة متكلما بارعا، وشاشة رائعة، وذاكرة حية، بل معالجا ذكيا.. أفلا يستطيع مصمم هذا الكون أن يفعل ذلك؟

    سكت داروين، فقال علي: ولذا.. فإن النصوص تخبرنا عن حياة الأشياء ووعيها.. بل ومشاعرها الفياضة..

    فحياة الكون ـ كما تدلنا النصوص المقدسة ـ حياة عاقلة ، فلذلك تمارس ما يمارسه العقلاء من صنوف التعبير عن المشاعر ، فالحجر يعبر عن مودته لرسول الله r ، فيلقي عليه التحية ، قال رسول الله r:( إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن )[19]

    وهذه الحياة العاقلة المدركة للعواقب هي التي منعت هذا الكون من قبول أمانة التكليف ، كما قال تعالى:) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72)

    فلولا ما في الكون من طاقة الإدراك والاختيار ما عرض عليه هذا العرض الخطير، ولولاها ما أجاب هذه الإجابة الواعية.

    وللحجارة من الوعي ـ كما يعبر القرآن الكريم ـ ما يجعلها تهبط من خشية الله ، قال تعالى:﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه﴾ (البقرة: من الآية74)

    والجبل يخشع لنزول القرآن، قال تعالى:﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21)

    بل يندك لتجلي الله ، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً )(لأعراف: من الآية143)

    بل ينهد لسماع شرك المشركين ، قال تعالى:﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً) (مريم:90 ـ91)

    وقد ورد في النصوص ما يدل على سرور الأشياء، والذي قد يسري إلى الناظرين ليشعرهم بالأنس والسعادة، فقد روي أن الجبل يفخر إن مر عليه ذاكر لله تعالى، فعن ابن مسعود t قال:( إن الجبل ليقول للجبل: هل مرَّ بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال: نعم، سُرَّ به) ثم قرأ عبد الله قوله تعالى:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) (البقرة:116) قال:( أفتراهن يسمعن الزور ولايسمعن الخير )[20]

    وعن أنس بن مالك t قال:( ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا، يا جاره هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك ، فمن قائلة لا، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت نعم رأت لها بذلك فضلا عليها )

    والرسول r يخبر عن حياة الأشياء الكثيرة من السماء والأرض والرياح والجبال، بل يخبر عن عقلها الفطري المليء بالمشاعر المختلفة:

    ومنها شعور الشفقة هيبة من الله وإجلالا له ، قال r:( إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر فيه خمس خلال خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض وفيه توفى الله آدم وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراما وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة)[21]

    والذراع المسمومة تشفق على رسول الله r ، فتخبره عن سميتها[22].

    والجبل يشفق على رسول الله r ، كما روي أن النبي r قال:( قال لي ثبير اهبط فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله. فناداه حراء: إلي يا رسول الله )[23]

    والجذع يحن لفقد رسول الله r ، فلا يسكن حتى يضمه r ، فعن أبي سعيد t قال: كان رسول الله rيخطب إلى لزق جذع فأتاه رجل رومي فقال: أصنع لك منبرا تخطب عليه فصنع له منبرا هذا الذي ترون، قال فلما قام عليه النبي r يخطب حن الجذع حنين الناقة إلى ولدها ، فنزل إليه رسول الله rفضمه إليه فسكن فأمر به أن يحفر له ويدفن )[24]

    وقد كان r يبادل هذه الأشياء مشاعرها ، فكان يقول عن أحد:( هذا جبل يحبنا ونحبه )[25]

    وهو يخاطبه كما يخاطب الأحياء، فعن أنس بن مالك t قال:( صعد النبي r أحدا ، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فضربه برجله ، وقال:( اثبت أحد، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان)[26]

    وذكر رسول الله r للنبوة والصديقية والشهادة في خطابه للجبل يدل على إدراك الجبل لمعانيها وسموها ، وإلا لما خاطبه بذلك.

    وقدرة الجبل على إدراك هذه الدرجات الرفيعة يرفعه إلى مستويات أعلى من مستوى الإنسان المستعلي الجاهل بمثل هذه الحقائق.

    وقد ذكرت النصوص المعصومة المشاعر الفائضة من قلوب الأشياء دموعا رحمة للمؤمن ، وهو ما يشير إليه قوله U:) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:29)

    الامتداد الزماني:

    قال داروين: وعيت مرادك بالامتداد المكاني، والعلم في الحقيقة لا يتكلم في هذا.. وإن شئت الصراحة، فإن العلم يكاد يسير نحو إثبات هذا..

    فقد وجد في ذكاء الكائنات ابتداء من ذراتها ما يكاد يثبت لها من القدرات ما نجهله جهلا مطبقا.. ولذلك فإن المنطق العلمي السليم هو الذي يتوقف في هذا الموضع.

    قال علي: والمنطق الأسلم منه هو الذي يجد مصدرا موثوقا يستلهم منه الحقائق.

    قال داروين: من وجد مثل هذا المصدر، فليعض عليه بالنواجذ.

    قال علي: حدثتك عن الامتداد المكاني الذي أوحت لنا به النصوص المقدسة.. ولعلك في انتظار المراد من الامتداد الزماني.

    قال داروين: أجل.. وأصدقك في هذا كما صدقتك في ذلك.. ولعل الجميع يشاركني في هذا.. فإن في كل في نفس شوقا لهذا الامتداد الزماني الذي تتحدث عنه.. إن كل نفس ترغب في حياة دائمة مستقرة لا ينتابها الموت، ولا يقطعها الفناء.

    قال علي: لقد دلتنا مصادرنا الموثوقة على هذا.. فهي تبشرنا، كما تبشر كل النفوس بأن الحياة ليست لحظات تمر وتنقضي ليلف العدم بعدها الوجود.. بل هي دائمة ثابتة مستقرة، قد تتغير بعض صورها، ولكنها تبقى ولا تفنى[27].

    قال داروين: والموت.

    قال علي: هو انقضاء لصورة من صور الحياة لتولد منها صورة جديدة من صورها.

    قال داروين: ألا ترى أن مثل هذا ادعاء عظيم يكاد يكون أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة العلمية؟

    نعم إن أي عقل يحب وجود حياة بعد الموت.. ولكن العلم لا يدل على شيء من ذلك.

    قال ذلك، ثم أخذ يقول بنوع من الهستيرية: لا... لا حياة بعد الموت ، لأن الحياة التي أعرفها لا توجد إلا في ظروف معينة من تركيب العناصر المادية.. وهذا التركيب الكيماوي لا يوجد بعد الموت ، إذن فلا حياة بعد الموت.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ ثالثا ـ الحياة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:11

    لقد ذكر (ت. ر. مايلز) بأن: (البعث بعد الموت حقيقة تمثيلية ، وليس بحقيقة لفظية)، ثم أضاف يقول:( إنها قضية قوية عندي أن الإنسان يبقي حيا بعد الموت، وهذه القضية من الممكن-لفظيا- أن تكون حقيقة ، وهي قابلة لاختبار صحتها أو بطلانها بالتجربة ، ولكن المسألة الرئيسية في طريقنا هي أننا لا نملك وسيلة لمعرفة الإجابة القطعية عن هذا السؤال إلا بعد الموت ، ولذلك يمكننا أن نقيس )

    وبناء علي علم الأعصاب(Neurology) لا يمكن معرفة العالم الخارجي والاتصال به إلا عندما يعمل الذهن الإنساني في حالته العادية ، وأما بعد الموت فهذا الإدراك مستحيل ، نظرا إلي بعثرة تركيب النظام الذهني.

    قال علي بهدائه المعتاد: ولكن هناك قياسات أخري أقوى من هذا القياس؛ وهي تؤكد أن بعثرة الذرات المادية في الجسم الإنساني لا تقضي علي الحياة؛ لأن (الحياة) شيء آخر، وهي مستقلة بذاتها باقية بعد فناء الذرات المادية وتغيرها.

    أنت تعلم أن الجسم الإنساني يتألف من خلايا كثيرة جدا ومعقدة، يزيد عددها في الجسم الإنساني العادي علي 260.000.000.000.000.000 خلية، وهذه الخلايا مثل الطوب الصغير، ينبني منه هيكل أجسامنا.

    ولكن الفرق بين طوب أجسامنا والطوب الطيني شاسع جدا، فطوب الطين الذي يستخدم في العمارات يبقي كما هو، نفس الطوب الذي صنع في المصنع، واستخدم في البناء للمرة الأولى، بينما يتغير طوب هياكلنا في كل دقيقة، بل في كل ثانية.

    إن خلايا أجسامنا تنقص بسرعة، كالآلات التي تتآكل باحتكاكها واستهلاكها، ولكن هذا النقص يعوضه الغذاء، فهو يهيئ للجسم قوالب الطوب التي يحتاج إليها بعد نقص خلاياه واستهلاكها.

    فالجسم الإنساني يغير نفسه بنفسه بصفة مستمرة.. ولذلك، فهو كالنهر الجاري المملوء دائما بالمياه، لا يمكن أن نجد به نفس الماء الذي كان يجري فيه منذ برهة، لأنه لا يستقر، فالنهر يغير نفسه بنفسه دائما، ومع ذلك فهو نفس النهر الذي وجد منذ زمن طويل ولكن الماء لا يبقي، بل يتغير.

    وجسمنا مثل النهر الجاري ، يخضع لعملية مستمرة حني إنه يأتي وقت لا تبقي فيه أية خلية قديمة في الجسم، لأن الخلايا أخذت مكانها.

    وهذه العملية تتكرر في الطفولة والشباب بسرعة، ثم تستمر بهدوء ملحوظ في الكهولة، ولو حسبنا معدل التجدد في هذه العملية فسوف نخرج بأنها تحدث مرة كل عشر سنين.

    إن عملية فناء الجسم المادي الظاهري تستمر، ولكن الإنسان في الداخل لا يتغير، بل يبقي كما كان علمه وعاداته وحافظته وأمانيه وأفكاره، تبقي كلها كما كانت.

    إنه يشعر في جميع مراحل حياته بأنه هو (الإنسان السابق)، الذي وجد منذ عشرات السنين، ولكنه لا يحس بأن شيئا من أعضائه قد تغير، ابتداء من أظافر رجليه حتى شعر رأسه.

    ولو كان الإنسان يعني الجسم لكان لازما أن يتأثر علي الأقل بفناء الخلايا وتغيرها الكامل، ولكننا نعرف جيدا أن هذا لا يحدث؛ وهذا الواقع يؤكد أن (الإنسان) أو (الحياة الإنسانية) شيء آخر غير الجسم، وهي باقية رغم تغير الجسم وفنائه، وهو كنهر مستمر فيه سفر الخلايا بصفة دائمة.

    ولو كان الموت فناء للإنسان، فمن الممكن أن نقول، بعد كل مرحلة من مراحل حدوث هذا التغير الكيماوي الذي يجري في الجسم: إن الإنسان قد مات ، وإنه يعيش حياة أخري جديدة بعد موته، ومعناه أن الرجل الذي أراه في الخمسين من عمره، وهو يمشي في الشارع علي رجليه، قد مات خمس مرات في هذه الحياة القصيرة؛ فإذا لم يمت هذا الإنسان بعد فناء أجزاء جسمه المادية خمس مرات، فكيف أستطيع أن أعتقد بأنه مات في المرة السادسة علي وجه اليقين، ولا سبيل له الآن إلي الحياة.

    كان على وجه داروين كثير من السرور بكلام علي، ولكنه ـ ونتيجة لما لقنه من ثقافة لم يستطع الجمع بينها وبين ما يقول علي ـ راح يدافع عن أفكاره بكل ما أوتي من قوة، قال: لا يمكن التسليم بهذا الاستدلال، فالعقل، أو الوجود الداخلي الذي نسميه (إنسانا) ليس بشيء آخر، ولم يوجد إلا نتيجة علاقة الجسم بالعالم الخارجي، أما الأفكار والأماني فلا توجد خلال العمل المادي إلا كالحرارة التي توجد نتيجة احتكاك قطعتين من حديد.

    إن العقل والمنطق ينكران (الروح) بشدة، و(الشعور) لا يوجد كوحدة، وإنما هو وظيفة، وتفاعل وتنسيق.

    وقد أصر الكثيرون من فلاسفتنا المحدثين علي أن (الشعور) في ذاته ليس إلا التفاعل والرد العصبي لما يحدث من حركة ونشاط في العالم الخارجي، وبناء علي هذه النظرية لا مجال للتساؤل عن إمكان الحياة بعد الموت، نظرا لتحلل النظام الجسماني، ولأن المركز العصبي في الجسم لم يعد له وجود، وهو الذي كان يتفاعل وينسق مع العالم الجسماني الخارجي؛ وبناءا علي هذا، فإن نظرية الحياة بعد الموت غير ذات أساس عقلي أو واقعي.

    قال علي: ما دمت تقول هذا، وما دمت تعتبر أن هذه هي حقيقة الإنسان، فلنجرب أن نخلق إنسانا حيا ذا شعور، ونحن ـ اليوم ـ نعرف بكل وضوح جميع العناصر التي يتألف منها جسم الإنسان، وهذه العناصر توجد في الأرض وفي الفضاء الخارجي، بحيث يمكننا الحصول عليها.

    وقد علمنا دقائق بناء النظام الجسماني، وعرفنا هيكله وأنسجته، ولدينا فنانون مهرة يستطيعون أن يصنعوا أجسامنا كجسم الإنسان، بكل مواصفاتها، فلنجرب، ولنصنع مئات من أمثال هذه الأجسام، ولنضعها في شتي الميادين في بقعة الأرض الفسيحة، ثم لننتظر ذلك الوقت الذي تمشي فيه هذه الأجسام وتتكلم وتأكل بناء علي تأثيرات العالم الخارجي.

    سكت داروين، فقال علي: دعنا من هذا.. وربما سترى في مستقبل أيامك من يثبت لك وجود الروح بالمنطق الذي تفهمه.. أما نحن الذين من الله علينا بالثقة فيه، فنعلم أن لنا أرواحا تبقى بعد اختلاط أجسادنا بالتراب.. ونعلم كذلك أن هذه الروح من أمر الله:﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:85)

    إن الله يخاطبنا في هذه الآية بالمنطق العقلي.. فالعالم لن يكون عالما حتى يعلم أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا.. بل لولا هذا العلم ما استمر العلماء في الوجود والاستمرار.

    الجاهل فقط هو الذي يتصور الأشياء من زاوية واحدة.. أما العالم فيعلم أن الكون أعمق من أن يحده بتصوراته المحدودة.

    دعنا من هذا.. ولنتحدث عن شيء آخر.. العقل السليم يعتبره من الأدلة المنطقية على امتداد الحياة.

    إن الحياة ـ في منطق الكون، وفي منطقنا نحن المؤمنين ـ ليست غدوا ورواحا فقط كما صورها فيلسوفكم (نيتشه)، والتي تمتلئ وتخلو كالساعة، ولا هدف لها أكثر من ذلك.

    إن الحياة (الآخرة) ذات هدف عظيم هو المجازاة علي أعمال الدنيا، خيرا أو شرا، سواء كان نية أو قولا أو فعلا.

    لم يملك صديقنا الفلكي إلا أن يتدخل هنا، فراح يقول: نعم.. إن كل ما تذكره من هذا صحيح.. والعلم الآن يسير نحو إثبات هذا.

    فأعمال كل إنسان تحفظ وتسجل بصفة دائمة، وبغير توقف، بأبعادها الثلاثة، من النية، والقول، والعمل.

    فهذه الأبعاد الثلاثة تسجل بأكملها، فكل حرف يخرج من لساننا، وكل عمل يصدر عن أي عضو من أعضائنا يسجل في الأثير؛ ويمكن عرضه في أي وقت من الأوقات بكل تفاصيله، لنعرف- إذا شئنا- كل ما قاله أو فعله أي إنسان في هذه الحياة.

    إن الأفكار تخطر علي بالنا، وسرعان ما ننساها، ويبدو لنا أنها انتهت ، فلم يعد لها وجود ولكنا ، بعد فترة طويلة ، نراها رؤى خلال النوم ، أو نذهب نتكلم عنها في حالات الهستريا أو الجنون، دون أن ندري شيئا مما نقول.

    وهذه الوقائع تثبت قطعيا أن العقل أو الحافظة ليست تلك التي نشعر ونحس بها فحسب، وإنما هناك أطراف أخرى من هذه الحافظة لا نشعر بها، وهي ذات وجود مستقل ، وذات كيان قائم بنفسه.

    قال ألكسيس ـ وهو صديقنا عالم النفس ـ: أجل.. لقد أثبتت التجارب العلمية أن جميع أفكارنا تحفظ في شكلها الكامل، ولسنا قادرين علي محوها أبدا.

    وأثبتت هذه التجارب أيضا أن الشخصية الإنسانية لا تنحصر فيما نسميه (الشعور)، بل هناك أجزاء أخري من الشخصية الإنسانية تبقي وراء الشعور، يسميها فرويد: (ما تحت الشعور) ، أو (اللاشعور). وهذه الأجزاء تشكل جانبا كبيرا من شخصيتنا ، بل هي الجانب الأكبر منها ؛ ومثلها كمثل جبل من الجليد في أعالي البحار، أجزاؤه الثمانية مسكنة تحت الماء ، علي حين لا يطفو منه إلا الجزء التاسع، وتلك هي ما نسميه: (تحت الشعور) ، الذي يسجل ويحفظ كل ما نفكر فيه ، أو ننتويه.

    لقد قال (فرويد) في محاضرته الحادية والثلاثين:(إن قوانين المنطق ، بل أصول الأضداد أيضا ، لا تحول دون عمل (اللاشعور) وإن الأماني المتناقضة موجودة فيه جنبا إلي جنب ، دون أن تقتضي واحدة منها علي الأخرى ، ولا شيء في اللاشعور يشبه أن يكون (رفضا) لشيء من هذه المتناقضات، إننا نتحير لما نشاهده من أن اللاشعور يبطل رأي فلاسفتنا القائلين بأن جميع أفعالنا العقلية الشعورية تتم في زمن محدد، ولكن لا شيء في اللاشعور يطابق الفكر الزمني، ولا يوجد فيه أي رمز لمضي الوقت وسريانه، وهي حقيقة محيرة، ولم يحاول الفلاسفة أن يتأملوا حقيقة ، هي أن مضي الزمن لا يحدث أي تغيير في العمل الذهني ؛ إن الدوافع الحبيسة التي لم تخرج قط عن اللاشعور، وحتى التأملات الخيالية التي دفنت في اللاشعور-تكون أزلية في الحقيقة والواقع ، وتبقي محفوظة لعشرات السنين وكأنها لم تحدث إلا بالأمس )

    لقد سلم علماء النفس بهذه النظرية بصفة عامة اليوم ، ومعناها أن كل ما يخطر علي بال الإنسان من الخير والشر، ينقش في صفحة اللاشعور، فلا يزول إلي الأبد، ولا يؤثر فيه تغير الزمان وتقلب الحدثان، ويحدث هذا علي رغم الإرادة الإنسانية-طوعا أو كرها.

    قال علي: ولكن (فرويد) لم يستطع أن يدرك ما يكمن خلف هذه العملية من أسباب وعلل، وأية خدمة تؤديها في مصنع الكون؟ ولهذا نراه يدعو الفلاسفة إلى التفكير والتأمل.

    ولكنا لو قارنا هذا الواقع مقرونا إلي نظرية الآخرة لاستطعنا أن نصل إلى حقيقتها بسرعة، إن هذا الواقع يؤكد بكل صراحة إمكان وجود سجل كامل لأعمال الإنسان في حيازته، وعندما يبدأ حياته الأخرى، فإن وجوده نفسه سوف يشهد علي الأعمال والنيات التي عاشها.

    لقد نص القرآن الكريم على هذه الحقيقة، قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16)

    والأقوال مثل النيات، فجميع ما نلفظه من كلام، حسنا كان أو قبيحا، حمدا أو سخطا؛ سواء استعملنا اللسان في إبلاغ رسالة الحق ، أو استعملناه في إبلاغ رسالة الشيطان، كل ذلك يحفظ في سجل كامل، قال تعالى:﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18)، وهذا السجل سوف يعرض أمام محكمة ليتم حساب الإنسان.

    قال الفلكي: إن إمكان وقوع هذا لا ينافي العلم الحديث، فنحن نعرف قطعا أن أحدا عندما يحرك لسانه ليتكلم ، يحرك بالتالي موجات في الهواء، كالتي توجد في الماء الساكن عندما نرمي فيه بقطعة من الحجر.

    إنك لو وضعت جرسا كهر بائيا في زجاج محكم الإغلاق من كل جانب، ثم تضغط عليه، فلن تسمع صوته، رغم أن الجرس علي مرأى منك، لأنه لا يرسل الموجات إلي الخارج، فهو مكتوم داخل الزجاج، وهذه الموجات في الظروف العادية تصطدم بطبلة الأذن، التي تقوم آليا بإرسال هذه الموجات إلي العقل، فما نفهمه من المعني، يسمي (سماعا!)

    وقد ثبت قطعيا أن هذه الموجات تبقي كما هي في (الأثير) إلي الأبد، بعد حدوثها للمرة الأولى، ومن الممكن سماعها مرة أخرى، ولكن علمنا الحديث عاجز حتى الآن عن إعادة هذه الأصوات ، أو بعبارة أصح: عن أن يضبط هذه الموجات مرة أخري ،مع أنها لا تزال تتحرك في الفضاء من زمن بعيد.

    ولم يبد العلماء اهتماما خاصا بهذا المجال حتى الآن ، بعد أن سلموا من الناحية النظرية بإمكان إيجاد آلة لالتقاط أصوات الزمن الغابر،كما يلتقط المذياع الأصوات التي تذيعها محطات الإرسال، علي أن المسألة الكبرى التي نواجهها في هذا الصدد ، ليست هي التقاط الأصوات القديمة، وإنما التمييز بين الأصوات الكثيرة حتي نتمكن من سماع كل صوت علي حدة.

    وهذه هي مسألة الإذاعة التي وصلنا فيها إلي حل؛ فإن آلاف المحطات الفضائية في العالم تذيع برامج كثيرة ليل نهار، وتمر موجات هذه البرامج في الفضاء، بسرعة 186.000 ميلا في الثانية، وكان من المعقول جدا عندما نفتح المذياع أن نسمع خليطا هائلا من الأصوات لا نفهم منه شيئا، ولكن هذا لا يحدث، لأن جميع محطات الإذاعة ترسل برامجها علي موجات يختلف طولها، فمنها ما يرسل برامجه علي موجات طويلة؛ ومنها ما يرسل موجات قصيرة، ومتوسطة.

    وهكذا تمر هذه البرامج في الفضاء بموجات مختلفة طولا، فتستطيع أن تسمع أية موجة من المذياع، بمجرد أن تدير عقربه إلي المكان المطلوب.

    إن علمائنا لم ينجحوا في اختراع آلة تفرق بين أصوات الزمن القديم، ولولا ذلك لكنا قد سمعنا تاريخ كل عصر وزمان بأصواته، وبناء علي هذا يثبت إمكان سماع الأصوات القديمة في المستقبل، فيما لو نجحنا في اختراع الآلة المطلوبة؛ ومن ثم لا تبقي نظرية الآخرة بعيدة عن القياس، وهي القائلة بأن كل ما ينطق به الإنسان يسجل، وهو محاسب عليه يوم الحساب.

    إن مناقشتنا لجوانب المسألة لا تنفي وجود مسجلين غير مرئيين ، ينقشون علي صفحة الفضاء كل ما ننطق به من الكلام، وهو ما يصدق قول الله تعالى:﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (قّ:18)

    قال داروين: لم يبق لك إلا أن تبرهن لنا على حفظ العلم كما برهنت على حفظ النية والقول.. فهل تراك ستستدل لهذا من القرآن، أم من العلم الحديث.

    قال علي: بل من كليهما.. فالقرآن كلام الله.. والعلم هو الحقائق التي ينطق بها الوجود.. ويستحيل على الوجود أن يخالف في كلامه ما يقوله بارئه.

    قال الفلكي: صدقت في ثقتك بكلام ربك.. فمعلوماتنا الكونية في هذا الصدد تصدق بصورة مدهشة إمكان ما تذكره من ذلك.. فالعلم الحديث يؤكد بأن جميع أعمالنا، سواء أباشرناها في الضوء ، أم في الظلام ، فرادي ، أم مع الناس، كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور، ومن الممكن في أي لحظة تجميع هذه الصور ، حتى نعرف كل ما جاء به إنسان من أعمال الخير والشر طيلة حياته.

    فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء حدث في الظلام أو في النور، جامدا كان أو متحركا، تصدر عنه (حرارة) بصفة دائمة، في كل مكان، وفي كل حال، وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما ، كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان ، وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج عن أي كائن ، وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية.

    قال علي: لقد عبر القرآن الكريم عن هذا التسجيل العجيب، فقال على لسان الذين يناقشون الحساب يوم القيامة:﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف:49)

    ولا كبيرة إلا أحصاها(87)؟)

    قال داروين: فأنتم ترون أن كل ما نراه في الكون أجهزة تقوم بتسجيل كامل لكل أعمال الإنسان.

    قال علي: أجل.. فكل ما يدور في أذهاننا يحفظ إلى الأبد ، وكل ما ننطق به من الكلمات يسجل بدقة فائقة ، فنحن نعيش أمام كاميرات تشتغل دائما ، ولا تفرق بين الليل والنهار.

    لقد ذكر القرآن الكريم هذا، فالله تعالى أخبرنا أنه ما من صوت من الأصوات، ولا عمل من الأعمال، ولا حركة من الحركات، إلا وهي مسجلة في سجل الكون، ومدونة في كتاب الوجود ، فليس شيء منها ضائعاً ولا يمكن لشيء منها أن يزول، يقول الله تعالى:﴿ إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾(سورة الزلزلة)

    يقول رسول الله r مفسرا معنى ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾:( أتدرون ما أخبارها؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:( فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها: أن تقول: عمل كذا وكذا قال: فهذه أخبارها )

    وإذا كان الباحثون في هذا الزمان قد اكتشفوا أن كل عمل محفوظ مسجل على صفحة الوجود، فلماذا سجلت الأعمال إذن؟ ألا تجد العقول جواباً إلا أن تقول سجلت الأعمال لإعادة عرضها.. ولكنا لا نرى الإعادة في الدنيا، إذاً لا بد أن العرض سيكون بعد هذه الحياة كما نطق الكتاب وقال المرسلون.

    ولا يسعنا ـ أمام هذا ـ إلا أن نسلم بأن قضية كل منا سوف تقدم أمام محكمة إلهية، وبأن هذه المحكمة هي التي قامت بإعداد هذا النظام العظيم لتحضير الشهادات التي لا يمكن تزويرها.

    قال داروين: كل ما تذكره من هذا جميل.. ولكن الفطرة التي نتلمسها في نفوسنا تصيح بأن الحياة التي نعيشها هي الحياة الوحيدة والنهائية..

    قال علي: أتتحدث عن فطرتك.. أم تتحدث عن الفطر البشرية؟

    قال داروين: الفطرة البشرية واحدة.. وفطرتي هي فطرة جميع الناس من جميع الأجناس..

    قال علي: ولكن البشرية جميعا بحضاراتها المختلفة، وفي أزمانها المختلفة تكاد تتفق على هذا.. فجميع الحضارات الإنسانية بما فيها الفرعونية المصرية القديمة والبابلية والآشورية والصينية والزرداشتية والهندية واليونانية واليهودية والنصرانية والإسلام تتفق في أن الموت ليس هو نهاية الحياة.

    قال داروين: ولكنهم يختلفون بعد ذلك.. يختلفون كثيرا.. هل تعود الروح إلى هذا الجسد، أم تعود إلى جسد آخر كما تختلف في كيفية خروجها وخلوصها من هذا البدن.. فالبوذيون والهنادكة والشنتو يعتقدون أن الروح تظل حبيسة في الجسد وبالذات في الجمجمة عند الموت، وأنها لا تنطلق إلا بعد حرق الجثة وانفجار الجمجمة ولذا تراهم يحرقون جثث موتاهم.. والهنادكة والبوذيون يعتقدون بتناسخ الأرواح، وأن الروح الشريرة تعاد في جسد حقير مثل الكلب والخنزير، وتظل في تلك الدورات حتى تتطهر، وأن الروح الصالحة الخيرة تظل تنتقل في الأجساد الخيرة حتى تصل مرحلة النرفانا، وهي السعادة الأبدية المطلقة في الروح المتصلة بالأبد والأزل كما يزعمون.

    قال علي: لا يهم ذلك الاختلاف.. نحن نبحث فقط في اتفاقهم رغم اختلافهم وتنوعهم على امتداد الحياة، وهذا يظهر من ملاحمهم وأشعارهم وأساطيرهم.

    بل وجد في المجتمعات البدائية من يقوم بدفن ألوان الطعام وسائر الحاجات حتى لا يعود الميت من جديد فيصب عليه لعنته، بل كان أحياناً يترك للميت الدار التي جاءه فيها الموت وينتقل هو إلى دار أخرى، وفي بعض البلدان كان الإنسان البدائي يُخرج الجثة من الدار من خلال ثقب في الحائط، ثم يدور بها حول الدار ثلاث دورات سريعة لكي تنسى الروح أين المدخل إلى تلك الدار فلا تعاودها أبداً.. وهذا يتناسب ولا شك مع الدليل الفطري الذي يعتبره العلماء أقوى الأدلة.

    وهكذا نرى أن امتداد الحياة أمر طارئ على البشرية، بل هو استثناء دخيل على الحضارات الانسانية، فلم يخالف في هذا إلا شرذمة في آخر الزمان ونزر لا يعتد برأيهم إذا ما قورن بإجماع الأمم.

    قال داروين: لقد ذكرت مذاهب الأمم في هذا، ولم تذكر رأي الإسلام فيها.. أتراك تستحيي من ذكره؟

    قال علي: لا.. بل إن الحقائق التي جاء بها الإسلام في هذا هي الحقائق المنطقية التي تنسجم مع العقول السليمة [28]..

    إن نصوصنا المقدسة تتحدث عن هذه المسألة الخطيرة التي تتوقف عليها سعادة البشر بكل عقلانية.. إنها لا تخاطبنا فقط بما يملأ نفوسنا من الرغبة والرهبة، وإنما تخاطب محال التحليل الواعي فينا.

    ولن يكفي هذا المقام لذكر كل ما ورد في نصوصنا من ذلك، ولكني أكتفي ببعض ما ترشد إليه من الأدلة العقلية على امتداد الحياة، لأن وعينا بهذا الامتداد هو الذي يجعلنا نتقبل بعد ذلك كل ما جاءت به النصوص من الأحداث التي تحصل فيه.

    لعل أول ما نراه في القرآن الكريم من الأدلة العقلية على ذلك ما يمكن تسميته ببرهان المماثلة، فالعالم المماثل لهذا العالم ممكن الوجود، لأن هذا العالم ممكن الوجود، وحكم المثلين واحد، فلمّا كان هذا العالم ممكناً وجب الحكم على الآخر بالإمكان.

    هذا دليل عقلي لا شك فيه.. ونحن نستخدمه كثيرا في حياتنا، فإذا سمعنا بأن شركة ما أنتجت منتوجا حسنا لا نستغرب أن تنتج مثله أو ما هو أحسن منه.

    ولهذا، فإن القرآن الكريم يستدل بالمساواة بين الإحياء في الدنيا والإحياء في الآخرة، وذلك من خلال نمطين في المماثلة.

    أولهما: مماثلة النشأة الاُولى من العدم بالنشأة الآخرة، كما قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27)

    وثانيهما: مماثلة إحياء الأرض بعد موتها بالإحياء في الآخرة ، كما قال تعالى:﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الروم:50)، فهذه الآية الكريمة تقرّر أن حُكم الأمثال واحد، فإذا تحقّق الإحياء في الأرض بعد موتها، أمكن تحققه في الإنسان بعد موته ، وفي غيره من الأحياء.

    فتبين إذن أن العقل يحكم بتساوي الأمثال في الحكم، ومنه يتبيّن أن القادر على الإحياء الأول قادر على الإحياء الآخر ؛ لأنهما مثلان.

    هذا برهان المماثلة..

    هناك برهان آخر يستدل به القرآن الكريم يمكن تسميته بـ (برهان القدرة)، فكل شيء في الكون يدل على قدرة الخالق العظيم غير متناهية، وما دامت كذلك ، فيجوز في العقل أن تتعلق بكل شيءٍ مقدور، يستوي في ذلك السهل والصعب على السواء، نرى ذكر هذا كثيرا في القرآن الكريم.. فكثيرا ما نقرأ هذه الفاصلة ﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، ولهذا أشارت الآيات القرآنية إلى صورتين من الاستدلال على المعاد، بذكر عموم القدرة الإلهية وعدم تناهيها:

    تتمثل أولاهما في بيان قدرته تعالى على المعاد في الآخرة مرتباً على ذكر المبدأ في الاُولى في آيات كثيرة ، إشارة إلى أن القادر على الإيجاد من العدم ابتداءً قادر على إعادة الموجود.. بل هو أقدر على ذلك، قال تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:19-20)

    وقال تعالى:﴿ وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)﴾ (الإسراء)

    وقد بيّن تعالى أن قدرته على الخلق الأول والخلق الجديد من حيث الامكان والتأتّي، كخلق نفسٍ واحدةٍ، فقال تعالى:﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (لقمان:28)

    وتتمثل الثانية في بيان قدرته تعالى على المعاد في الآخرة مرتّباً على ذكر خلق السماوات والأرض، قال تعالى:﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاََْرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُون﴾ (يّـس:81-82)، فالتأمل في خلق السماوات والأرض يقودنا إلى الإيمان بعالم الآخرة، ذلك لأنّ الذي خلق عوالم السماوات والأرض بما فيها من سعة الخلقة البديعة وعجيب النظام العام المتضمّن لما لا يُحصى من الأنظمة الجزئية المدهشة للعقول والمحيرة للألباب، والعالم الإنساني جزء يسير منها فكيف لا يقدر أن يخلق الناس خلقاً جديداً في يوم القيامة.. فخلق الإنسان في نفسه أسهل وأهون من خلق السماوات والأرض ، قال تعالى:﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (غافر:57)

    هذا برهان القدرة..

    هناك برهان آخر يستدل به القرآن الكريم يمكن تسميته بـ (برهان الحكمة)، فالله تعالى حكيم في أفعاله.. وكل الكون يدل على ذلك.. فالمنظومة الكونية في نظامها العجيب تسير بكل جزئياتها وفق حركة هادفة، وتتّجه صوب نهاية مرسومة بدقة وإحكام، يقول الله تعالى في تقرير هذا الدليل:﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115)، وقال تعالى:﴿ أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36)

    فلو كان الإنسان ينعدم بالموت ، دون أن تكون هناك نشأة اُخرى يعيش فيها بما له من سعادة أو شقاء ، لكان خلقه في هذا العالم عبثاً وباطلاً ، لأن الفعل لا يخرج عن العبثية إلاّ إذا ترتّب عليه فائدة أو غاية عقلائية ، وترتب الفائدة أو الغاية موقوف على وجود المعاد ، لأنّه إذا انعدم الإنسان بالموت ، فذلك يعني أنه ليس ثمّة غاية من خلقه غير هذه الحياة المحدودة التي تعجّ بالمتضادات ، والمحفوفة بأنواع المصائب والبلايا والفتن والفجائع ، ويعني أيضاً أن الله تعالى قد اقتصر في خلقه على الإيجاد ثم الاعدام ، ثم الإيجاد ثم الاعدام ، وهكذا دون أي هدف ، وذلك ما لا نقبله على الإنسان العاقل ، فكيف نقبله على فعل الخالق ، جلّت حكمته ، الذي لا يعتريه الباطل، ولا يتجافى عن الحكمة.

    هذا برهان الحكمة..

    هناك برهان آخر يستدل به القرآن الكريم يمكن تسميته بـ (برهان العدالة)، فالله تعالى ـ على حسب ما تدل نصوصنا المقدسة ـ جعل الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء للإنسان ، ووهبه النوازع الخيّرة إلى جنب النوازع الشريرة ، لتتمّ بذلك حقيقة الابتلاء ، وأعطاه العقل الذي يميّز بين الخير والشر ، وبعث له الأنبياء والرسل ليحدّدوا له طريق الخير وطريق الشرّ ، ثم كلّفه باتباع سبيل الخير والحق ، وتجنّب سبيل الشرّ والباطل ، وأعطاه الإرادة والاختيار ليستحقّ الثواب أو العقاب ، قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (هود:7)، وقال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)، وقال تعالى:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبياء:35)

    وعلى هذا فإن واقع الحياة الدنيا بما يحمل من متناقضات هو امتحان وابتلاء ، وليس فيه ما يصلح للمكافأة والجزاء، وبما أن ضرورة التكليف تقتضي ضرورة المكافأة ، لذا يجب المعاد ليجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وإلاّ لبطلت فائدة التكليف ، ولكان عبثاً ولغواً.

    والله على حسب ما تدل عليه صنعته هو العدل الذي لا حدود لعدله.. ولذلك فإن الله يستدل بعدله على امتداد الحياة ليجازى المحسن بإحسان، ويجازى المسيء بإساءته، قال تعالى:﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾(الجاثية:21)، وقال تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى(134)قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى﴾(طه: 134-135)

    هذا برهان العدالة..

    هناك برهان آخر يستدل به القرآن الكريم يمكن تسميته بـ (برهان الرحمة)

    إن الرحمة تقتضي أن يكرم الله خلقه بما تتطلبه حاجاتهم.. وأنت ترى هذا في الحياة، فالله أعطى لكل شيء خلقه الكامل، ووفر له حاجاته بكرم عظيم.. لقد خلق الله كل جزء من أجزاء الإنسان، وخلق له ما يكفيه: خلق القلب وخلق له من الدماء ما تكفيه، وخلق المعدة وخلق لها من الطعام ما يكفيها، وخلق العين ، وخلق لها من الضوء ما يكفيها وهكذا.

    ولا نجد شيئاً في الإنسان ليس له ما يكفيه إلا تلك الآمال الواسعة، فإنه لا يكفيها من العمر إلا الخلود، ولا يكفيها من الحاجات إلا أن تحصل على كل ما تشتهي.

    وإذا رأينا الحياة الدنيا لم نجد فيها الكفاية لهذا الجانب الهام من كيان الإنسان، فلماذا خلقت الآمال والواسعة في الإنسان إذن وما يكفيها؟!

    إذا رأيت آلة من الآلات قد جهزت مستلزماتها، ثم وجدت فتحة كبيرة في هذه الآلة، فلا شك أنك ستقول: إن صانع هذه الآلة صانع حكيم، ولا يمكن أن يكون قد صنع هذه الفتحة عبثاً، وإذا كنت شاهداً أنها بحاجة إلى غطاء، فلا شك أن الصانع قد صنع لها غطاء وإذا كان غير موجود الآن فربما كان في مكان آخر ، وإذا لم يأت من الصانع إلا هذا فالراجع عقلاً أن الغطاء سوف يأتي وربما تأخر في الطريق.

    وهل يبقى لك شك إذا وصلتك رسالة من الصانع تخبرك بالغطاء، وأنه سيأتي إليك؟ هل يبقى في قلبك شك؟

    قال تعالى معبرا عن هذا البرهان:﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾(الكهف:46)، وقال تعالى:﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾(الأنبياء:102)[29]

    ***

    ما وصل علي من حديثه إلى هذا الموضع حتى ارتفع آذان المغرب.. فأحسست بقشعريرة روحية عالية.. لقد أدركت أن هذا الصوت الذي يتكرر كل حين لا يتكرر عبثا..

    ولكني ـ لجبني الشديد ـ لم أستطع أن أتجاوب تماما مع تلك اللذة الروحية العالية.

    لست أدري لم.. ولكن ربما يكون ذلك الخزان الكبير من الشبهات التي تمتلئ بها نفسي هي السبب في ذلك الإعراض.. لقد كنت أبحث عن أشعة أكثر، فلن يرفع ظلامي إلا الشمس نفسها.. بنورها ودفئها وجمالها وكمالها.

    التفت علي إلينا، وقال: اعذروني.. إن ربي يدعوني للاتصال به.. ولا بد لي أن أجيبه.

    قال ذلك، ثم أخذ من محفظته مصحفا، وسلمه لصديقنا (داروين)، وهو يقول: تقبل هذه الهدية العظيمة.. إنها كلام الله.. اقرأ هذا الكتاب، وأعد قراءته.. فعساك تظفر بين حروفه على الحقيقة التي لم يطق لساني أن يبلغها لك.

    أخذ (داروين) المصحف، وقال: شكرا لك .. لئن صح ما ذكرت، فإن هذا أكبر تكريم كرمت به في حياتي جميعا.

    ما أمسك (داروين) بالمصحف حتى أحسست بأنوار عظيمة بدأت تنزل عليه.. وبمثله شعرت بأن بصيصا من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.






    ([1]) التّطور في عرف علماء التطور يعني ( التحول من نوع حي إلى نوع حي آخر)

    ويقصدون بذلك ارتقاء الحياة من جهاز عضوي ذي خلية واحدة إلى أعلى درجات الارتقاء، وهو بالتالي: التغير الذي طرأ على الإنسان نتيجة حلقات من التغيرات العضوية خلال ملايين السنين.

    وهي ترتكز على ثلاث قواعد رئيسية كما حددتها (الموسوعة العالمية):

    1. أنّ الكائنات الحيّة تتبدل أشكالها جيلاً بعد جيل تبدلاً بطيئاً، وتنتج في النهاية أنسالاً تتمتع بصفات غير صفات أسلافها.

    2. أن هذا التّطور قديم وُجد يوم وُجدت الكائنات، وهو السّبب في وجود كلّ الكائنات الحيّة من حيوان ونبات في هذا الكون وتلك التي انقرضت.

    3.إنّ جميع الكائنات الحية من حيوان ونبات مرتبط بعضه ببعض ارتباط صلة وقرابة، وكلها تجتمع عند الجد الأعلى للكائنات جميعا.

    ([2]) يتصور الكثير من دعاة نظرية التطور بأن ما في نظريتهم بديل علمي عن حاجة الحياة إلى الخالق، وهم بهذا يصرحون بأن نشأة الحياة تحتمل أحد أمرين:

    الأول: هو أن الكائنات الحية نشأت من خلال (نظرية التطور)، التي تتبنى أن الحياة بدأت مع أول خلية تكونت هي ذاتها بمحض المصادفة أو وفقا لقوانين طبيعية افتراضية قائمة على (التنظيم الذاتي).. ونتيجة للمصادفة والقوانين الطبيعية، نمت هذه الخلية الحية وتطورت، وعن طريق اتخاذها أشكالا مختلفة نشأ على الأرض ملايين الأنواع من الأحياء.

    الثاني: أن الكائنات الحية نشأت من خلال (نظرية الخلق)، والتي تنص على أن كل الكائنات الحية خرجت إلى حيز الوجود بعد أن خلقها خالق مبدع.

    وعندما خُلقت لأول مرة الحياة وملايين الأشكال التي تتخذها، كان لها نفس التصميم الكامل المتميز الخالي من العيوب الذي يميزها اليوم.

    ويتفق العلماء الداعمون لنظرية التطور على عدم وجود بديل ثالث. وقد صدر عن أحد هؤلاء العلماء، وهو دوجلاس فوتويما Douglas Futuyma قوله:« إما أن تكون الكائنات الحية قد ظهرت على الأرض كاملة التطور وإما ألا تكون. وإذا لم تكن قد ظهرت كاملة التطور، فلابد أنها تطورت من خلال إحدى عمليات التحوير عن أنواع كانت موجودة من قبل. وإذا كانت قد ظهرت كاملة التطور، فلا بد أنها قد خُلقت بالفعل بواسطة قوة عاقلة غير محدودة القدرة »( دوجلاس جيه. فوتويما، محاكمة العلم، دار بانثِيون للكتب، نيويورك، 1983، صفحة 197)

    وبعيدا عن هذين البديلين، لا يوجد اليوم ادعاء أو فرضية ثالثة فيما يتصل بكيفية نشأة الحياة.

    ووفقا لقواعد المنطق، إذا ثبت خطأ إحدى إجابتين محتملتين بديلتين لسؤال ما، فلا بد أن تكون الإجابة الأخرى هي الإجابة الصحيحة. ويطلق على هذه القاعدة، التي تعتبر إحدى القواعد الأساسية في علم المنطق، اسم الاستدلال التخييري disjunctive inference (modus tollendo ponens

    وبعبارة أخرى، إذا ثبت أن أنواع الأحياء على الأرض لم تتطور بمحض المصادفة، كما تدعي نظرية التطور، فإن ذلك يعد دليلا واضحا على أنها تشكلت على يدي خالق (انظر:هدم نظرية التطور في عشرين سؤالا، بقلم الكاتب التركي:هارون يحيى)

    ولهذا ركزنا على تبيين تهافت هذه النظرية هنا، ونحن لا نرد بها على المتدينين، فهم لا يعتقدون بها.. ولكنها رد على اللادينين الذين يفرون إليها ليفسروا الحياة.

    ([3]) سبق ذكر التفاصيل المرتبطة بذلك في الفصل السابق (الأرض)

    ([4]( Francis Crick, Life Itself: Its Origin and Nature, New York, Simon & Schuster, 1981, p.88.



    ([5]) وُلد في أنقرة سنة 1956، وبعد أن أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في أنقرة، درس الآداب في كلية معمار سنان بإسطنبول، والفلسفة في جامعة إسطنبول، وقد نشر منذ الثمانينيات كتبا عديدة تتناول مسائل سياسية وإيمانية وعلمية.

    وهو معروف كمؤلف كتَب أعمالا مهمة للغاية تكشف دجل دعاة التطور، وزيف ادعاءاتهم، والعلاقات المظلمة بين الداروينية والأيديولوجيات الدموية مثل الفاشية والشيوعية كما أن للمؤلف عشرات الكتب الأخرى الهامة.

    ([6]) هذه الآية الكريمة هي التفسير العلمي لما يطلق عليه (الغريزة)

    )[7]( Ditfurth, Dinazorların Sessiz Gecesi 1, p. 12-19

    ([8](Charles Darwin, The Origin of Species (New York: The Modern Library), p. 184.

    ([9])Francis Darwin, The Life and Letters of Charles Darwin (New York: D. Appleton and Co., 1896), Letter of C. Darwin to J. D. Hooker, Down, March 1, 1854.

    )[10] ( Darwin, C., The Origin of Species, p. 208..

    )[11](Cemal Yildirim, Evrim Kurami ve Bagnazlik (The Theory of Evolution and Bigotry) (Ankara: Bilgi Publishing House, January 1998), p. 185.



    ([12]) انظر: المجلة العلمية Journal of Melecular Evolution العدد 26 صفحة 99 – 121.

    ([13])انظر: New Scientist بتاريخ 15/5/1999م صفحة 27.

    ([14])العصر الكمبري عبارة عن حقبة جيولوجية يُقدر أنها استمرت لنحو 65 مليون سنة، أي ما بين نحو 570 إلى 505 مليون سنة ماضية..

    ([15] )هذه النظرية في تدهور مستمر، وقد نشرت المجلة العلمية الأمريكية المعروفة (New Scientist) وهي من المجلات العلمية المعروفة بدفاعها عن نظرية التطور، في العدد رقم 2235 الصادرة في 22/حزيران/2000م ، تقييمًا للوضع الأخير لنظرية التطور ومقدار مصداقيتها الحالية في العالم.

    فنراها تقول بأن هذه النظرية في تراجع مستمر في العالم، حتى أنها وضعت على غلافها عنوان (حرق دارون Burning Darwin)، وأدرجت داخل العدد خريطة للعالم بينت فيها البلدان التي تتراجع فيها نظرية دارون بسرعة وتتقدم فيها (فكرة الخلق Creationsm).

    وأعطت العديد من المعلومات والأرقام المفيدة، فذكرت أن في كوريا حاليًا ألفين من رجال العلم من أنصار فكرة الخلق في (وحدة أبحاث الخلق) هناك، وفي روسيا مائة من رجال العلم في (جمعية أبحاث الخلق) في موسكو، وفي إنجلترا هناك ألفان من رجال العلم من أعضاء (حركة علم الخلق). كما ذكرت وجود علماء عديدين في الدانمارك وكندا وأستراليا ونيوزيلندا يتبنون فكرة الخلق ويردون نظرية دارون.

    هذا طبعًا إضافة إلى وجود أشهر مركز في العالم لرد نظرية التطور وهو (معهد علوم الخلق) الموجود في كاليفورنيا.

    وذكرت وجود علماء مشهورين آخرين في الولايات المتحدة الأمريكية غير منتسبين إلى هذا المعهد أو غيره من المعاهد، ولكنهم يعارضون نظرية التطور ويحاربونها، ومن أشهرهم البروفيسور (ميشيل باه Michael Behe) أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة لاهاي المعروف عنه أنه العالم الذي سدد ضربات مميتة إلى نظرية التطور بكتابه (العلبة السوداء لدارون).

    وأشارت بنوع خاص إلى تركيا وإلى نشاط (مؤسسة البحث العلمي) في إسطنبول، وإلى جهود ونشاط العالم الفاضل (هارون يحيى) في نقض نظرية التطور بالكتب العلمية العديدة التي ألفها في هذا الخصوص. وهذه المجلة تطلق صفارة الإنذار وتقول لأنصار هذه النظرية:« إن العلماء على وشك أن يحرقوا دارون » انظر موقع: www.islamonline.com

    ([16]) سنتحدث عن التفاصيل المرتبطة بحديث القرآن الكريم عن هذه الجوانب في الفصول القادمة.

    ([17]) انظر: القرآن يتنبأ بعصر الفضاء، عبد الدائم الكحيل، في موقعه الخاص بالإعجاز القرآني.

    ([18]) انظر رسالة (أكوان الله) من مجموعة (عيون الحقائق)

    ([19]) رواه مسلم: 4/1782 ، الترمذي: 5/592 ، ابن حبان: 14/402.

    ([20]) رواه ابن أببي شيبة: 7/110.

    ([21]) رواه أحمد: 3/430، ابن ماجة: 1/344.

    ([22]) انظر: شعب الإيمان: 1/160.

    ([23])أورده القرطبي: 1/466. ولا نعلم درجته.

    ([24])الترمذي: 2/379 ، الدارمي: 29.

    ([25])البخاري: 2/539 ، مسلم: 2/993.

    ([26])البخاري: 3/1348 ، ابن حبان: 15/348 ، الترمذي: 5/624.

    ([27]) انظر (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان.

    ([28]) انظر هذه الأدلة في (توحيد الخالق) للزنداني.

    ([29]) هناك تفاصيل كثيرة أخرى ترتبط بالحياة الآخرة، وما يتعلق بالبرهنة عليها من أدلة، وما يميز العقيدة الإسلامية في هذا الجانب، وسنتحدث بتفصيل عن ذلك في آخر جزء من هذه السلسلة (الحياة)

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 18:53