..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Empty كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:44

    سابعا ـ الإنسان

    في اليوم السابع.. كان موضوع المحاضرات يتناول الإنسان في القرآن الكريم.

    وخلافا للأيام السابقة، فقد لامست محاضرات هذا اليوم جوانب كثيرة قصرت فيها في الأيام السابقة.. فقد ذكرت ما تناوله القرآن الكريم من معارف عن الإنسان لم يوجد نظير لها في أي فلسفة من الفلسفات، ولا دين من الأديان.

    وقد أثرت تلك المحاضرات الجادة في صاحبي الذي وجد نفسه يلقي محاضرة هزيلة عن الإنسان بجانب تلك المحاضرات التي تحدثت عن الإنسان في القرآن.. مع أن محاضرته حازت إعجاب الجميع بما امتلأت به من معلومات علمية دقيقة، وإحصائات ميدانية كثيرة.

    لقد كان صاحبي في أصله طبيبا.. وكان مغرما بكتابات ألكسيس كاريل [1].. وخاصة بكتابه المشهور (الإنسان ذلك المجهول).. وكان أصحابه يدعونه لذلك ألكسيس.. وكان يحب هذه التسمية.. فلذلك كنت لا أناديه إلا بها.

    في أول يوم التقيته فيه كان يحمل معه كتاب ألكسيس كاريل.. وكان يحمل معه آلامه كذلك.

    قال لي: لم يزدد ألكسيس في هذا الكتاب على أن ناح على الإنسان، وجعلنا ننوح معه.

    قلت له: لكنه مع ذلك حرك في أجيال كثيرة ضرورة الاهتمام بالإنسان.

    قال لي: أحيانا أشعر أن الإنسان مثل ما نشتريه من الأجهزة والآلات يحتاج دفترا خاصا يشرح محتوياته، ويبين أسراره، ويحل عقده، ويعالج مشاكله.

    قلت له: نعم هو كذلك.. ونحن رجال الدين نعتقد أن الله أنزل لنا في كلماته المقدسة تفاصيل الإنسان.. وتفاصيل التعامل مع أجهزة الإنسان.

    ابتسم، وقال: نعم.. الدين في الأصل هو الذي يتولى هذا الجانب.. ولكني أرى الكتاب المقدس أقصر من أن يستطع التعريف بالإنسان وبمكنونات الإنسان.

    قلت: لم؟

    قال: أرأيت لو أنك وجدت كتابا في السوق يدعي أنه يشرح جهازا من الأجهزة الخطيرة غالية الثمن، ثم رأيت في هذا الكتاب جهلا بمبادئ بسيطة يستدعي معرفتها ذلك الجهاز.. هل كنت تثق فيه؟

    قلت: لا.. بالطبع.. وإلا عرضت جهازي للعطب.

    قال: فقد قرأت الكتاب المقدس قبل أن آتي إليك عشرات المرات.. وكنت كل مرة أقرؤه فيها لأبحث عن الإنسان أجد نفسي بعيدا عن الإنسان.. وبعيدا عن الله.. وبعيدا بعد ذلك عن الكتاب المقدس.

    في ذلك اليوم، اتفقت مع حذيفة على أن نلتقي عليا في قمة جبل مشهور قريب من تلك المدينة كان يطل على المدينة وضواحيها جميعا.. وكأنه شاشة لمن يريد أن يرقب حركات الناس ويدرسها.



    1 ـ حقيقة الإنسان

    عندما وصلنا إلى تلك القمة أحسست بشفافية عميقة.. فالجبل كان عاليا، والهواء كان نقيا، والسماء كانت قريبة، وكأننا في برزخ بين السماء والأرض.

    لست أدري كيف خطر على بالي أن أسأل صديقي ألكسيس عن حقيقة الإنسان على ضوء المعارف التي تعلمها.

    أطلق نفسا عميقا، ثم قال: هل أحدثك بلساني، أم بلسان ألكسيس؟

    قلت: كلاكما ألكسيس.. فحدثنا بأيهما شئت.

    قال: سأحدثك بلسانه ، فهو أفصح من لساني.

    قلت: حدثني بلسانكما جميعا.. فلا طاقة لي أن أفهم لسانه وحده[2].

    قال: لا بأس.. سأجعلك ـ كما كنت تفعل مرة ـ تشاركني ذلك الهم الذي شاركت فيه ألكسيس.

    لقد تعجب ألكسيس من ذلك التفاوت العجيب بين علوم الجماد وعلوم الحياة، فبينما نرى علوم الفلك والميكانيكا والطبيعة، تقوم على آراء يمكن التعبير عنها، بسداد وفصاحة، باللغة الحسابية، بل أنشأت هذه العلوم عالماً متناسقاً كتناسق آثار اليونان القديمة.

    ولكن موقفها من علوم الحياة ـ والتي نتعرف من خلالها على حقيقة الإنسان ـ يختلف عن ذلك كل الاختلاف، حتى ليبدو كأن الذين يدرسون الحياة قد ضلوا فى غاب متشابك الأشجار، أو أنهم فى قلب دغل سحرى، لا تكف أشجاره التى لا عداد لها عن تغيير أماكنها وأحجامها! فهم يرزحون تحت عبء أكداس من الحقائق، التى يستطيعون أن يصفوها، ولكنهم يعجزون عن تعريفها أو تحديدها فى معادلات جبرية.

    فمن الأشياء التى تراها العين فى عالم الماديات، سواء كانت ذرات أم نجوماً، صخوراً أم سحباً، صلباً أم ماء أمكن استخلاص خواص معينة هى مادة التفكير العلمى.

    ولكن علم الكائنات الحية بصفة عامة ـ والإنسان بصفة خاصة ـ لم يصب مثل هذا التقدم، بل إنه لا يزال فى المرحلة الوصفية، فالإنسان كل لا يتجزأ، بل هو فى غاية التعقيد، ومن غير الميسور الحصول على عرض بسيط له، وليست هناك طريقة لفهمه فى مجموعه، أو فى أجزائه فى وقت واحد، كما لا توجد طريقة لفهم علاقاته بالعالم الخارجى.

    ولكى نحلل أنفسنا فإننا مضطرون للاستعانة بفنون مختلفة، وإلى استخدام علوم عديدة، ومن الطبيعى أن تصل كل هذه العلوم إلى رأى مختلف فى غايتها المشتركة، فإنها تستخلص من الإنسان ما تمكنها وسائلها الخاصة من بلوغه فقط، وبعد أن تضاف هذه المستخلصات بعضها إلى بعض، فإنها تبقى أقل غناء من الحقيقة الصلبة.. إنها تخلف وراءها بقية عظيمة الأهمية، بحيث لا يمكن إهمالها.

    قلت: ولكن العلوم التي يمكن الاستفادة منها للتعرف على الإنسان كثيرة جدا.. فهناك التشريح والكيمياء، والفسيولوجيا. وعلم النفس، وفن التعليم، والتاريخ وعلم الاجتماع، والاقتصاد.. ألم تستطع كل هذه العلوم التوصل إلى حقيقة الإنسان؟

    قال: الإنسان أبعد من أن يكون الإنسان الجامد، فالإنسان الحقيقى لا يزيد أن يكون رسماً بيانياً، يتكون من رسوم بيانية أخرى أنشأتها فنون كل علم.

    وهو ـ فى الوقت نفسه ـ الجثة التى شرحها البيولوجيون، والشعور الذى لاحظه علماء النفس وكبار معلمى الحياة الروحية، والشخصية التى أظهر التأمل الباطنى لكل إنسان أنها كامنة فى أعماق ذاته.

    إنه عبارة عن المواد الكيماوية التى تؤلف الأنسجة وأخلاط أجسامنا.. إنه تلك الجمهرة المدهشة من الخلايا والعصارات المغذية التى درس الفسيولوجيون في علماء وظائف الأعضاء قوانينها العضوية.

    إنه ذلك المركب من الأنسجة والشعور الذى يحاول علماء الصحة والمعلمون أن يقودوه إلى الدرجات العليا اثناء نموه مع الزمن.

    إنه ذلك الكائن الحى العالمى الذى يجب أن يستهلك بلا انقطاع السلع التى تنتجها المصانع، حتى يمكن أن تظل الآلات ـ التى جعل لها عبداً ـ دائرة بلا توقف.

    ولكنه ـ مع ذلك ـ قد يكون شاعراً، وبطلاً أو قديساً.

    إنه ليس فقط ذلك المخلوق شديد التعقيد الذى تحلله فنوننا العلمية، ولكنه أيضاً تلك الميول والتكهنات، وكل ما تنشده الإنسانية من طموح.

    وكل آرائنا عنه مشربة بالفلسفة العقلية، وهذه الآراء جميعاً تنهض على فيض من المعلومات غير الدقيقة بحيث يراودنا إغراء عظيم لنختار من بينها ما يرضينا ويسرنا فقط.

    ومن ثم فإن فكرتنا عن الإنسان تختلف تبعاً لاحساساتنا ومعتقداتنا، فالشخص المادى والشخص الروحى يقبلان نفس التعريف الذى يطلق على بلورة من الكلوريد، ولكنهما لا يتفقان أحدهما مع الآخر فى تعريف الكائن الحى.

    قلت: فأنت ترى أن البشر قصروا في البحث عن أنفسهم وفي حقيقتهم؟

    قال: أنا وألكسيس وكل العقلاء الذين صعدوا قمة كقمة هذا الجبل الذي نعتليه يرون هذا.. نعم.. لقد بذل الجنس البشرى مجهوداً جباراً لكى يعرف نفسه، ولكن بالرغم من أننا نملك كنزاً من الملاحظة التى كدسها العلماء والفلاسفة والشعراء وكبار العلماء الروحانيين فى جميع الأزمان، فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من أنفسننا، إننا لا نفهم الإنسان ككل، إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء مختلفة، وحتى هذه الأجزاء ابتدعتها وسائلنا، فكل واحد منا مكون من موكب من الأشباح تسير فى وسطها حقيقة مجهولة.

    قلت: إن هناك من يزعم بأن معارفنا عميقة عن الإنسان.. فكيف تخالفه أنت في هذا؟

    قال: يمكن أن يقول هذا من يصف الأشياء بألوانها وأحجامها وأشكالها.. ولكن من يريد أن يعرف حقائق الأشياء وأسرارها وأعماقها، فسيقول ما قال ألكسيس، وقال كل العقلاء (إن جهلنا مطبق بالإنسان)

    فأغلب الأسئلة التى يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشرى تظل بلا جواب، لأن هناك مناطق غير محدودة فى دنيانا الباطنية ما زالت غير معروفة، فنحن لا نعرف حتى الآن الإجابة عن أسئلة كثيرة.

    نحن لا نعرف كيف تتحد جزئيات المواد الكيماوية لكى تكون المركب والأعضاء المؤقتة للخلية؟

    ولا نعرف كيف تقررالجينات (ناقلات الوراثة) فى نواة البيضة المقلحة، صفات الفرد المشتقة من هذه البويضة؟

    ولا نعرف كيف تنتظم الخلايا فى جماعات من تلقاء نفسها، مثل الأنسجة والأعضاء؟ فهى كالنمل والنحل تعرف مقدماً الدور الذى قدر لها أن تلعبه فى حياة المجموع، وتساعد العمليات الميكانيكية الخفية على بناء جسم بسيط ومعقد فى الوقت ذاته.

    ولا نعرف ما هى طبيعة تكويننا النفسانى والفسيولوجى؟ إننا نعرف أننا مركب من الأنسجة، والأعضاء، والسوائل والشعور، ولكن العلاقات بين الشعور والمخ مازالت لغزاً، إننا ما زلنا بحاجة إلى معلومات كاملة تقريباً عن فسيولوحية الخلايا العصبية.. إلى أى مدى تؤثر الإرادة فى الجسم؟ كيف يتأثر العقل بحالة الأعضاء؟ على أى وجه تستطيع الخصائص العضوية العقلية التى يرثها كل فرد أن تتغير بواسطة طريق الحياة والمواد الكيماوية الموجودة فى الطعام والمناخ، والنظم النفسية والأدبية؟

    إننا ما زلنا بعيدين جداً عن معرفة ماهية العلاقات الموجودة بين الهيكل العظمى والعضلات والأعضاء، ووجوه النشاط العقلى والروحى.. وما زلنا نجهل العوامل التى تحدث التوازن العصبى، ومقاومة التعب، والكفاح ضد الأمراض.

    إننا لا نعرف كيف يمكن أن يزداد الإحساس الأدبى، وقوة الحكم، والجرأة، ولا ما هى الأهمية النسبية للنشاط العقلى والأدبى والدينى.

    ولا نعرف أى شكل من أشكال النشاط مسئول عن تبادل الشعور أو الخواطر؟

    لا شك مطلقاً فى أن عوامل فسيولوجية وعقلية معينة هى التى تقرر السعادة أو التعاسة، النجاح أو الفشل، ولكننا لا نعرف ما هى هذه العوامل، إننا لا نستطيع أن نهب أى فرد ذلك الاستعداد لقبول السعادة بطريقة صناعية.

    وحتى الآن فإننا لا نعرف أى البيئات أكثر صلاحية لإنشاء الرجل المتمدين والمتقدم.

    هلا فى الإمكان كبت روح الكفاح والمجهود، وما قد نحس به من عناء بسبب تكويننا الفسيولوجى والروحى؟.

    كيف نستطيع أن نحول دون تدهور الإنسان وانحطاطه فى المدينة العصرية؟

    وهناك أسئلة أخرى لا عداد لها، يمكن أن تلقى فى موضوعات تعتبر فى غاية الأهمية بالنسبة لنا.. ولكنها ستظل جميعاً بلا جواب، فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة الإنسان، غير كاف، وأن معرفتنا بأنفسنا ما زالت بدائية فى الغالب.

    قلت: ولكن لماذا كان جهلنا مطبقاً بحقيقة الإنسان؟ ولماذا كانت الحقيقة تسير فى موكب من الأشباح، بحيث لا نستطيع رؤيتها بوضوح؟ ولماذا كان الذين يدرسون الحياة كمن ضلوا طريقهم فى غاب متشابك الأشجار، أو فى قلب دغل سحرى، لا تكف أشجاره التى لا عداد لها عن تغيير أماكنها وأحجامها؟

    هل كان ذلك لقصور الوسائل العلمية فى فترة من الفترات؟ أم لظروف وقتية من ظروف حياتنا الإنسانية؟ ومن ثم يكون هناك أمل كبير وفرص كثيرة لتكملة تلك الوسائل، وتغيير هذه الظروف، ثم الوصول إلى معرفة الحقيقة الإنسانية كاملة واضحة محددة؟

    أم أن هناك أسباباً ثابتة فى طبيعة الحقيقة الإنسانية من جهة، وفى طبيعة تفكيرنا وعقولنا من جهة أخرى، هى التى تنشئ تعذر الوصول إلى هذه الحقيقة بمثل الوضوح والدقة المعهودين فى عالم المادة؟

    قال: كل ما ذكرته صحيح.. فقد يعزى جهلنا إلى طريقة حياة أجدادنا، وفى الوقت ذاته إلى طبيعتنا المعقدة، وإلى تركيب عقلنا.

    فقد كان على الإنسان أن يعيش، وهذه الضرورة طالبته بقهر العالم الخارجى، وبما أنه لم يكن له مفر من الحصول على الغذاء والمأوى، كما لم يكن له مفر من قتال الحيوانات المتوحشة وغيره من بنى الإنسان.. ولآماد طويلة لم يفز أجدادنا الأوائل بوقت فراغ، كما لم يشعروا بأى ميل إلى دراسة أنفسهم، إذ كانوا يستخدمون عقولهم فى أمور أخرى كصناعة الأسلحة والأدوات، واكتشاف النار، وتدريب الماشية والجياد، واختراع المركبات، وزراعة الحبوب.

    وقبل أن يهتموا بتركيب أبدانهم وعقولهم بوقت طويل، فكروا فى الشمس والقمر والنجوم، والتيارات المائية، وتوالى الفصول الأربعة.

    ولهذا تقدم علم الفلك بخطى واسعة، فى عهد كان علم الفسيولوجيا لا يزال غير معروف بتاتاً، فقد قهر جاليلو الأرض، وهى مركز المجموعة الشمسية، وذلك على أنها تابع متواضع من توابع الشمس، بينما لم تكن لدى معاصريه أية فكرة، ولو أولية، عن تركيب ووظائف العقل والكبد، والغدة الدرقية.

    ونظراً لأن الجسم البشرى يؤدى وظائف بطريقة مرضية فى أحوال الحياة الطبيعية، ولا يحتاج لأى اهتمام، فقد تقدم العلم فى الاتجاه الذى وجهه إليه حب الاستطلاع البشري – أى فى اتجاه العالم الخارجي.

    وثم سبب آخر للبطء الذى اتسمت به معرفتنا لأنفسنا، وذلك أن تركيب عقولنا يجعلنا نبتهج بالتفكير فى الحقائق البسيطة، إذ أننا نشعر بضرب من النفور حين نضطر إلى تولى حل مشكلة معقدة مثل تركيب الكائنات الحية والإنسان

    فالعقل يتصف بعجز طبيعى عن فهم الحياة، وبالعكس فإننا نحب أن نكشف فى جميع العوالم، تلك الأشكال الهندسية الموجودة فى أعماق شعورنا.

    إن دقة النسب البادية فى تماثيلنا، وإتقان آلاتنا، يعبران عن صفة أساسية لعقلنا، فالهندسة غير موجودة فى دنيانا وإنما أنشأناها نحن، إذ أن وسائل الطبيعة لا تكون أبداً بالدقة التى تتصف بها وسائل الإنسان، فنحن لا نجد فى العالم ذلك الوضوح وتلك الدقة اللتين يتصف بهما تفكيرنا.. ومن ثم فإننا نحاول أن نستخلص من تعقد الظواهر، بعض النظم البسيطة التى تربط بعض عناصرها بالأخرى علاقات معينة، تكون قابلة للوصف حسابياً. وقدرة الاستخلاص هذه التى يتمتع بها العقل البشرى مسئولة عن ذلك التقدم الرائع الذى أحرزه علماء الطبيعة والكيمياء.

    وقد لقيت الدراسة الطبيعية ـ الكيماوية للكائنات الحية نجاحاً مماثلاً، فقوانين الطبيعة والكيمياء متماثلة فى عالم الكائنات الحية وعالم الجماد ـ كما خطر ببال كلود برنار منذ أمد بعيد.

    وهذه الحقيقة توضح لماذا اكتشف علم وظائف الأعضاء الحديثة مثلاً، أن استمرار قلوية الدم وماء المحيط تفسرها قوانين متماثلة، وأن النشاط الذى تستهلكه العضلات المتقلصة يقدمه تخمر السكر، وأن النواحى فى الأشياء الأخرى الموجودة فى العالم المادى، تلك هى المهمة التى نجح علم الوظائف العام فى تحقيقها.

    قلت: فأنت ترى أن سر التقدم البطىء فى معرفة الإنسان لنفسه إذا قورن بتفوقه الرائع فى علوم الطبيعة والفلك والكيمياء والميكانيكا يعزى إلى عدم تفرغ أسلافنا للبحث عن الإنسان، وإلى تعقد الموضوع، وإلى تركيب عقولنا.

    قال: وهذه العقبات أساسية، وليس هناك أمل فى تذليلها، وسيظل التغلب عليها شاقاً يستلزم جهوداً مضنية.. إن معرفة نفوسنا لن تصل أبداً إلى تلك المرتبة من البساطة المعبرة، والتجرد، الجمال، التى بلغها علم المادة، إذ ليس من المحتمل أن تختفى العناصر التى أخرت تقدم علم الإنسان.. فعلينا أن ندرك بوضوح أن علم الإنسان هو أصعب العلوم جميعاً.

    قال ذلك، ثم غاب في أحزان عميقة لا يجد ما يرفعها به.

    في ذلك الحين ظهر علي في صورة عالم كبير من علماء المسلمين، لا شك أنك تعرفه.. لقد ظهر في صورة الشيخ عبد المجيد الزنداني.. ذلك العالم الذي طاف الأرض يبشر بالعودة إلى الله.. ويجعل من علم الله الذي نرى آثاره في كتابه دليلا يجذب به العقول والقلوب.

    اقترب منا، وراح يقرأ بصوت خاشع قوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)﴾(البقرة)

    رأيت صاحبي ألكسيس يكاد يندمج فيما يسمع، التفت إلي، وقال: إن هذا الرجل يقرأ قصة آدم أبي البشر من القرآن.. أليس كذلك؟

    قلت: بلى.. هو كذلك.. أنت تعرف.. فإن المسلمين يقرأون القرآن بهذه الطريقة.. ونظم القرآن يساعدهم على ذلك.

    قال: أنا لم أرد طريقة الكلام.. بل أردت الكلمات.. الكلمات نفسها.

    قلت: الكلمات التي قرأها تشمل قصة آدم.. وهي تشبه تقريبا ما ورد في التوراة[3].

    انتفض، وقال: لا.. إنها تختلف عنها تماما.. لقد قرأت قصة آدم في التوراة.. لكني لم أشعر بالمشاعر التي أجدها الآن.. لكأن هذه الآيات تخاطبني.. بل لكأنها تجيبني عن تساؤلاتي وتساؤلات ألكسيس المحيرة..

    قال ذلك، ثم تحرك نحو علي، وهو يقول: هلموا بنا إلى هذا الرجل القارئ، فإني أرى له شأنا لا يقل عن شأن من لقينا في سائر الأيام من رجال.

    اقتربنا من علي، فعرفه ألكسيس بنفسه، وبجماعتنا، ثم قال: لقد سمعتك تقرأ آيات من القرآن.. آيات احترت فيها، وفي المعاني التي تحملها.. هل تراك كنت تدرك ما كنت تقرأ؟

    قال علي: إن كلام الله أعمق من أن يحاط به.. ونحن ـ ما دمنا في هذه الحياة ـ نجلس بين يديه كما يجلس التلميذ بين يدي أستاذه ليتعلم كل يوم جديدا.

    قال ألكسيس: فما تعلمت اليوم؟

    قال علي: في قمة هذا الجبل.. وفي هذا البرزخ الذي نقف فيه بين السماء والأرض ذكرت رجلا كنت أحبه كثيرا.. ومقدرا حبي له، لا يوازيه إلا مقدار أسفي عليه.

    قال ألكسيس: فمن هو هذا الرجل الذي أسرك.. وملأك حبا وأسفا.

    قال علي: اسمه يشبه اسمك الذي ذكرته لي.. إنه رجل من بلادكم التي تغرب منها الشمس.. إنه ألكسيس كاريل.

    تعجب ألكسيس من هذه المصادفات العجيبة، وقال: فأنت الآن بين يدي ألكسيس، فما الذي جعلك تتأسف عليه؟

    قال علي: أتأسف لأني لو لاقيته، وبثثت له ما قال قرآن ربنا عن الإنسان لعدل تسمية كتابه.

    قال ألكسيس: فما ترى أنه سيسميه؟

    قال علي: سيسميه (الإنسان ذلك المعلوم)

    قال ألكسيس: إن ما تقوله عجيب.. فالرجل لم يكن رجلا بسيطا.. لقد أتيحت من فرص التعلم ما حرم منه الكثير.. وقد كان يقول عن نفسه:( إننى مدين لفنون الحياة العصرية، لأنها مكنتنى من مشاهدة هذا المنظر العظيم، كما أتاحت لى فرصة توجيه انتباهى إلى عدة موضوعات فى وقت واحد.. إننى أعيش فى العالم الجديد والقديم أيضاً.. وأمتاز بأننى أقضى معظم وقتى فى (معهد روكفلر للبحث الطبى) كواحد من العلماء الذين جمعهم (سيمون فلكسنر) معاً فى هذا المعهد.. فهناك أفكر فى ظواهر الحياة حين يحللها الخبراء الذين لا يبارون، أمثال (ملتزر) و(جاك لويب) و(نجيوشى)، وكثيرون غيرهم )

    قال علي: لقد ذكر خبراء كثيرين التقى بهم، تتلمذوا هم أيضا على خبراء آخرين.. ولكنه لم يذكر رجلا واحدا تتلمذ على القرآن الكريم.

    قال ألكسيس: أرأيت لو أنه ظفر بمثل هذا التلميذ ماذا كان سيفعل؟

    قال علي: لقد ذكرت لك ما الذي كان سيفعله..أول ما يفعله أن يرفع هالة الحزن التي تكسو وجهه، ليبدلها بفرح سعيد..ثم يتوجه بعدها ليلبس لباس الإنسان الذي جاء القرآن ليعلمنا علمه.

    قال ألكسيس: فلنفرض أنني ألكسيس.. ولنفرض أنك تلميذ القرآن.. وهلم نتحاور لنرى كيف نخلص ألكسيس من ذلك الجهل المطبق بالإنسان.

    قال علي: مع أني لا أزعم شرف التلمذة على القرآن الكريم، ومع ذلك سأقبل هذا الدور.. وسأجيبك وأجيب سميك عن كل ما يخطر على بالكم.. ولن أجيبكم من عندي.. بل سيجيبكم ربي..

    قال ألكسيس: أنت واثق كثيرا من نفسك.

    قال علي: بل أنا واثق كثيرا في ربي.. إن ربي يقول:﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾(الملك)

    وهو يقول:﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)﴾(النجم)

    قال ألكسيس: هذه آية عظيمة.. إن الترابط بينها عجيب جدا.. فالقرآن يذكر سر مغفرة الله للخطايا لأنه يعلم تركيبة البشر الأرضية.. ويعلم استعداداتهم الوراثية التي تلقوها، وهم أجنة في بطون أمهاتهم.

    قال علي: ولهذا فإن القرآن يمسح آهات كاريل بأسلوب بسيط، ولكنه غاية في العمق..

    إنه يقول له: لا تلم الإنسان على جهله بالإنسان.. فإن الإنسان لن يعرف الإنسان.

    قال ألكسيس: فمن يعرف الإنسان؟

    قال علي: الله الذي خلقه هو الذي يعلمه.. أما الإنسان، فهو أقصر وأضعف من أن يعلم نفسه.

    إن الله تعالى يخبرنا بهذا.. إنه يقول:﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:85) ، ويقول:﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام:164)، ويقول:﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34)

    بل إنه يتحدانا، فيقول:﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾(النساء: من الآية11)

    ويعبر عن قصور مداركنا عن معرفة ما ينفعنا وما يضرنا، فيقول:﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216)

    بل إنه يعتبر الكثير من المعارف التي نتصور أنا نعرف أنفسنا من خلالها من الظنون التي لا تجلب لنا غير الوهم والجهل، فيقول:﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الأنعام:116)، ويقول:﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص:50)، ويقول:﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (لنجم:28)

    ليس ذلك فقط هو خطر معارفنا عن أنفسنا التي هي عين الجهل، بل إن خطرها يتعدى إلى الكون جميعا، فالله تعالى يقول:﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:71)

    قال ألكسيس: ولكن الإنسان تقدم في علوم كثيرة.. فكيف تقدم فيها، ثم تخلف في علمه بنفسه.. أليس ذلك عجيبا؟

    قال علي: لقد أجابت الآيات التي كنت أقرؤها عن ذلك.. فالله تعالى علم آدم أسماء الأشياء وخصائصها وأعطاه القدرة على تسخيرها، بل إنه سخرها له لينتفع بها.. ولا بد أن يرزقه من علمها ما يمكنه من ذلك الانتفاع.

    القرآن الكريم ذكر القدرات الممنوحة للإنسان في هذا المجال، واعترف بالعلم الذي أوتيه، ولكنه اعتبره علما قاصرا محدودا.. لقد بدأ الله تعالى فذكر جهل الإنسان، قال تعالى:﴿ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:6)، ثم استدرك عليك وعلي وعلى ألكسيس وعلى تلك العقول الكثيرة الحائرة، فقال:﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7)

    فنحن ـ مع ما أوتينا من علوم كثيرة في جميع المجالات ـ لم نؤت إلا علوم التسخير.

    فكل علومنا من هذا النوع..

    هي علوم تيسر لنا المأكل والمشرب والعافية والحياة الرخية التي توفر لنا بعض التفرغ للعمل الذي انتدبنا له.

    قال ألكسيس: ولكن كيف يعطينا الله علوم الأشياء، ثم يحرمنا من العلم بأنفسنا.

    قال علي: لا.. بل هو أعطانا العلم بأنفسنا، قبل أن يعطينا العلم بالأشياء.

    قال ألكسيس: أراك تقع في التناقض.. فهل قرآنكم هو الذي أوقعكم في هذا التناقض؟

    قال علي: لم أقع في التناقض.. لقد نفيت علم الإنسان بنفسه، وهو ما أثبته الله، ولكني لم أنف تعليم الله لنا حقيقة أنفسنا، وحقيقة وظيفتنا.. بل أعطانا الكثير من المعارف عنا.. والتي لن تتمكن عقولنا البسيطة من معرفتها.

    إن مثل ذلك مثل أجير استأجر على عمل.. فهل ترى صاحب العمل يقصر في تعريف الأجير حقيقة وظيفته، ونوع أجره، ومدة عمله..

    قال ألكسيس: لا.. بل سيشرح له ذلك بالتفصيل.

    قال علي: فإذا صادفت العامل في عمله بعض العقبات مما يتعلق بشؤون العمل.. فهل سيستدعي صاحب العمل ليفك له تلك العقبة.. أم يفكها بنفسه وخبرته؟

    قال ألكسيس: ذلك يختلف.. فإن كان لتلك العقبة علاقة بصاحب العمل طلب الاستيضاح منه، وأما إن لم تكن له علاقة بذلك اجتهد رأيه.

    تكريم الإنسان:

    قال علي: فهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بالخلافة.. وهذه هي حقيقة وظيفة الإنسان..

    فالإنسان مخلوق متفرد عن الكثير ممن حوله.. هذا ما نص عليه القرآن الكريم في تلك الآيات التي كنت أقرؤها.. ولذلك سخر له الكون، ولذلك علم من علوم الكون ما علم، لقد قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:7.)، وقال:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4)

    قال ألكسيس: صدق قرآنكم في هذا.. هذه حقيقة علمية.. فالإنسان كائن فذ فى هذا الكون.. إنه مخلوق غير مكرر فى جميع الخلائق التى عرفناها.

    وتميز الإنسان بخصائص لا توجد فى عالم الأحياء هو الذى جعل (جوليان هكسلى) فى (الداروينيه الحديثة) يتراجع عن الكثير من (الداروينية القديمة)، التى قررها(داروين)

    وهو لا يتراجع عنها إلا مضطراً أمام ضغط الحقائق الواقعية التى تحتم هذا التراجع، إذ يعترف بأن الإنسان (حيوان خاص) وأنه له (خصائص) لم تلاحظ فى أى حيوان آخر، وأن لهذه الخصائص آثاراً متفردة كذلك.

    لقد قال في كتابه: (الإنسان فى العالم الحديث):( لقد تأرجح رأى الإنسان كالخطار (البندول) فيما يتعلق بمركزه بالنسبة لبقية الحيوانات، بين إعجابه الشديد أو القليل بنفسه تفصل بينه وبين الحيوانات هوة سحيقة جداً وحيناً آخر هوة صغيرة جداً.

    وبظهور نظرية (داروين) بدأ الخطار (البندول) يتأرجح عكسياً، واعتبر الإنسان حيواناً مرة أخرى.. ووصل الخطار شيئاً فشيئاً إلى أقصى مدى تأرجحه، وظهر ما بدأ أنه النتائج المنطقية لفروض (داروين)، فالإنسان (حيوان) كغيره من الحيوانات، ولذلك فإن آراءه فى معنى ا لحياة الإنسانية، والمثل العليا، لا تستحق تقديراً أكثر من آراء الدودة الشريطية أو بكتريا الباشلس! والبقاء هو المقياس الوحيد للنجاح التطورى. ولذلك فكل الكائنات الحية متساوية القيمة. وليست فكرة التقدم إلا فكرة إنسانية. ومن المسلم به أن الإنسان فى الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطعة أو الفأر.

    ولم تصغر الهوة هنا بين الإنسان والحيوان، نتيجة المبالغة فى إعطاء الحيوان صفات الإنسان، وإنما نتيجة التقليل من الصفات الإنسانية فى الإنسان.. ومع ذلك فقد ظهر منذ عهد قريب اتجاه جديد، سببه فى الغالب زيادة المعرفة واتساع نطاق التحليل العلمى.

    إن الخطار يتأرجح ثانية: وتتسع الهوة بين الإنسان والحيوان مرة أخرى.. وبعد نظرية (داروين) لم يعد الإنسان يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً، ولكنه بدأ يرى نفسه حيواناً غريباً جداً وفى حالات كثيرة لا مثيل لها )

    وهو يذكر خصائص الإنسان الفذة التي تجعله متفردا ، فيقول:( وأول خصائص الإنسان الفذة، وأعظمها وضوحاً، قدرته على التفكير التصورى.. ولقد كان لهذه الخاصية الأساسية فى الإنسان نتائج كثيرة، وكان أهمها نمو التقاليد المتزايدة.. ومن أهم النتائج تزايد التقاليد ـ أو إذا شئت من أهم مظاهر الحقيقة ـ ما يقوم به الإنسان من تحسين فيما لديه من عدد وآلات.. وإن العدد والتقاليد لهى الخواص التى هيأت للإنسان مركز السيادة بين سائر الكائنات الحية.. وهذه السيادة (البيولوجية) ـ فى القوت الحاضر ـ من خاصية أخرى من خواص الإنسان الفذة.

    والإنسان لا مثيل له أيضاً كنوع مسيطر. إذ انقسمت كل الأنواع الأخرى المسيطرة على مئات وآلاف كثيرة من الأنواع المنفصلة، وتجمعت فى أجناس وفصائل عديدة، ومجموعات أكبر. أما الإنسان فقد حافظ على سيادته من غير انقسام. ولقد تم تنوع سلالات فى حدود نوع واحد.

    وأخيراً فإن الإنسان لا مثيل له بين الحيوانات الراقية فى طريقة تطوره[4].

    وللإنسان خاصية أخرى بيولوجية، وهى تفرد تاريخ تطوره، ونحن الآن فى مركز يسمح لنا بتعريف تفرد الإنسان فى تطوره.

    وأما خاصية الإنسان الجوهرية ككائن حى مسيطر فهى(التفكير المعنوى).

    ولقد كان بحثنا حتى الآن بطريقة عامة فى خصائص الإنسان من ناحية التطور والمقارنة. والآن نعود إليها، ونبحث فيها وفى نتائجها بشئ من الإسهاب.. فأولاً يجب أن يغرب عن بالنا، أن الفرق بين الإنسان والحيوان فى العقل أعظم بكثير مما نظن عادة.. وكلنا على علم بقوة الغريزة فى الحشرات.. ولكنها تبدو عاجزة عن معرفة طرق جديدة. وليست الثدييات بأفضل من ذلك.. بينما للتفكير عند الإنسان أهمية بيولوجية كبرى حتى عندما تسود تفكيره العادة والمحاولة والخطأ.

    ولابد أن يكون سلوك الحيوانات عرفياً- أى أنه ثابت فى حدود ضيقة- أما الإنسان فقد أصبح فى سلوكه حراً نسبياً.. حراً فى الأخذ والعطاء على حد سواء.. ولهذه الزيادة فى المرونة نتائج أخرى سيكولوجية يتناساها رجال الفلسفة العقلية.. والإنسان أيضاً فريد فى بعضها. فقد أدت هذه المرونة مثلاً إلى كون الإنسان هو الكائن الحى الوحيد، الذى لابد له أن يتعرض للصراع النفسى.. ومع ذلك فطبقاً للآراء الحديثة توجد فى(الإنسان) أجهزة لتقليل النزاع إلى أقصى حد، وهى التى يعرفها علماء النفس بالكبت والقمع.

    ومثله يقول العالم الأمريكى (أ. كريسى موريسون) فى كتابه (العلم يدعو إلى الإيمان):( إن القائلين بنظرية التطور(النشوء والارتفاء) لم يكونوا يعلمون شيئاً عن وحدات الوراثة(الجينات)..

    لقد رأينا أن (الجينات) متفق على كونها تنظيمات أصغر من الميكروسكوبية للذرات فى خلايا الوراثة بجميع الكائنات الحية. وهى تحفظ التصميم، وسجل السلف، والخواص التى لكل شئ حى. وهى تتحكم تفصيلاً فى الجذر والجذع والورق والزهر والثمر لكل نبات، تماما كما تقرر الشكل والقشر والشعر والأجنحة لكل حيوان بما فيه الإنسان.

    ويلاحظ أن جميع الكائنات الحية، منفصل بعضها عن بعض بهوات كثيفة لا يمكن عبورها. حتى إن الحيوانات المتقاربة ينفصل بعضها عن بعض كذلك.

    والإنسان حيوان من رتبة الطليعة، وتكوينه يشبه فصائل (السيميا) (الأورانجتان والغوريلا والشمبانزى) ولكن هذا الشبه الهيكلى ليس بالضرورة برهاناً على أننا من نسل أسلاف سينمائية (من القرود) أو أن تلك القرود هى ذرية منحطة للإنسان. ولا يمكن أحد أن يزعم أن سمك القد قد تطور من سمك الحساس وإن يكن كلاهما يسكن المياه نفسها، ويأكل الطعام نفسه، ولهما عظام تكاد تكون متشابهة.

    إن ارتقاء الإنسان الحيوانى إلى درجة كائن مفكر شاعر بوجوده هو خطوة أعظم من أن تتم عن طريق التطور المادى، ودون قصد ابتداعى.

    وإذا قبلت واقعية القصد، فإن الإنسان بوصفه هذا قد يكون جهازاً. ولكن ما الذى يدير هذا الجهاز؟ لأنه بدون أن يدار، لا فائدة منه. والعلم لا يعلل من يتولى إدارته. وكذلك لا يزعم أنه مادى.

    لقد بلغنا من التقدم درجة تكفى لأن نوقن بأن الله قد منح الإنسان قبساً من نور، ولا يزال الإنسان فى طور طفولته من وجهة الخلق، وقد بدأ يشعر بوجود ما يسميه بـ (الروح) وهو يرقى فى بطء ليدرك هذه الهبة، ويشعر بغريزته أنها خالدة.

    وإذا صح هذا التعليل- ويبدو أن المنطق الذى يسنده لا يمكن دحضه- فإن هذه الكرة الأرضية الصغيرة التى لنا، وربما غيرها كذلك، تكسب أهمية لم يحلم بها أحد من قبل. فعلى قدر ما نعلم قد تولد عن عالمنا الصغير هذا، أول جهاز مادى أضيف إليه قبس من نور الله. وهذا يرفع الإنسان من مرتبة الغريزة الحيوانية إلى درجة القدرة على التفكير، التى يمكن بها الآن أن يدرك عظمة الكون فى اشتباكاته، ويشعر شعوراً غامضاً بعظمة الله ماثلة فى خلقه.

    وهو يقول:( إن أية ذرة أو جزئية لم يكن لها فكرة قط، وأى اتحاد للعناصر لم يتولد عنه رأى أبداً وأى قانون طبيعى لم يستطع بناء كاتدرائية. ولكن كائنات حية معينة قد خلقت تبعاً لحوافز معينة للحياة، وهذه الكائنات تنتظم شيئاً تطيعه جزئيات المادة بدورها. ونتيجة هذا وذاك كل ما نراه من عجائب العالم. فما هو هذا الكائن الحى؟ هل هو عبارة عن ذرات وجزئيات؟ أجل. وماذا أيضاً؟ شئ غير ملموس، أعلى كثيراً من المادة لدرجة أنه يسيطر على كل شئ. ومختلف جداً عن كل ما هو مادى مما صنع منه العالم، لدرجة أنه لا يمكن رؤيته ولا وزنه ولا قياسه. وهو ـ فيما نعلم ـ ليست له قوانين تحكمه.

    إن(روح الإنسان هى سيدة مصيره) ولكنها تشعر بصلتها بالمصدر الأعلى لوجودها. وقد أوجدت للإنسان قانوناً للأخلاق لا يملكه أى حيوان آخر، ولا يحتاج إليه. فإذا سمى أحد ذلك الكيان بأنه فضلة لتكوينات المادة، لا لشئ سوى أنه لا يعرف كنهه بأنبوبة الاختبار، فهو إنما يزعم زعماً لا يقوم عليه برهان.. إنه شئ موجود، يظهر نفسه بأعماله، وبتضحياته، وبسيطرته على المادة،وبالأخص على رفع الإنسان المادى من ضعف البشر وخطئهم إلى الإنسجام مع إرادة الله.. هذه هى خلاصة القصد الربانى. وفيها تفسير للاشتياق الكامن فى نفس الإنسان، للاتصال بأشياء أعلى من نفسه. وفيها كشف عن أساس حافزه الدينى.. هذه هو الدين.

    الطبيعة المزدوجة:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى سر هذا التفرد الذي تمتع به الإنسان، فقال:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)﴾(الحجر)

    فالإنسان ـ بحسب هذه الآية الكريمة، وبحسب آيات أخرى كثيرة ـ حقيقتان: تراب، وروح.. هو تراب من الأرض.. وروح من الملأ الأعلى..

    وهذا هو سر جهلنا بالإنسان.. وهذا هو سر عدم إمكانية علم الإنسان بالإنسان.

    قال ألكسيس: كيف ذلك؟

    قال علي: أنت طبيب يأتيك المرضى كما كانوا يأتون ألكسيس.. أليس كذلك؟

    قال ألكسيس: بلى..

    قال علي: فهل يمكن لأنصاف المعلومات أن تؤدي إلى معلومات كاملة؟

    قال ألكسيس: لم أفهم.

    قال علي: إذا جاءك مريض بنصفه فقط.. بل بجزء بسيط منه.. وترك جزأه الأهم لم يأتك به.. فهل يمكن أن تعرفه، أو تعرف ما أصابه.

    قال ألكسيس: فهمت قصدك.. طبعا.. ومن الناحية العلمية لا تعتبر المعلومة معلومة إلا إذا اكتملت جميع أركانها.. ولهذا ترانا في الطب نبحث في كل الأعضاء، ولو لم يكن لها صلة مباشرة بالمرض.. لاحتمال علاقتها بها.

    قال علي: فانطلق من هذا لتفهم حقيقة الإنسان.

    فالإنسان كائن روحي عال من الملأ الأعلى لا نعرفه.. وليس لدينا من الأدوات ما يمكننا من معرفته.

    وهو في نفس الوقت كائن ترابي.. يتغير كل حين.. قد ندركه، ولكن لن ندركه إدراكا كاملا.. لأن هذا التراب عند ارتباطه بالروح صار كائنا آخر.

    وهذا هو سر جهلنا بالإنسان..

    وهذا هو سر حاجتنا إلى الله لنعلم علم الإنسان.

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:44

    1 ـ التراب:

    بدت على وجه ألكسيس علامات الاقتناع بما قال علي، فقد سأله قائلا: هل احتقر ربكم الإنسان الترابي؟

    قال علي: الله الخالق لا يحتقر ما خلقه.. لقد ذكر الله تعالى منته على عباده بأن خلقهم من تراب.. وهي منة مقرونة بالدعوة إلى التواضع والعبودية.. قال تعالى:﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59)، وقال تعالى:﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37)، وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج:5)، وقال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم:20)، وقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (فاطر:11)، وقال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر:67)

    تعجب ألكسيس من قراءة علي لكل هذه الآيات، وقال: أكل هذه الحقائق يذكرها قرآنكم عن الإنسان.. إنها حقائق كثيرة عظيمة تستحق الوقوف عندها..

    إن هذه الحقائق تصدق الآية التي ذكرتها من قبل.. فالله عالم بخلقه.

    لقد كان الجهل في الزمن الذي جاء فيه محمد مطبقا بالإنسان الترابي.. فكيف تسنت لمحمد كل هذه المعلومات؟

    لم أدر كيف ثارت في نفسي نوازع الشبهات، فرحت أقاطعهما بقولي: لقد ذكر القرآن أن الإنسان خلق ﴿ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ)(الحجر: من الآية26)

    قال علي: أجل.. وصدق ربي في ذلك.

    قلت: ولكن علم الكيمياء يخالف ذلك.

    قال علي: فيم يخالفه؟

    الطين والحمأ:

    قلت: الطين هو سليكات الألمونيوم، وهي مادة لا تذوب في الماء، ومن ثم لا يمكن أن تدخل في تركيب جسم الإنسان.

    قال علي: أولا.. أنت تعلم أن لحبيبات سطوحاً تحمل كاتيونات، وأن بينها مسافات تحتوي هواء، وتمسك بماء تذوب فيه مواد.

    بالإضافة إلى ذلك، فخلق الإنسان من طين لا يستلزم خلقه من كل الطين، وإنما يكفي أنه يخلق من أحد محتويات الطين.

    إن ذلك يشبه قول أحدنا بأنه يسكن هذه المدينة مع أنه لا يسكن إلا في حي منها، بل في شارع، بل في منزل واحد.

    بالإضافة إلى هذا، فقد ذكر الله تعالى أنه خلق الإنسان ﴿ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(المؤمنون: من الآية12)، أي من مواد تتسلل من الطين، فهي محتواة فيه.. فالتسلل هو الحركة الخفيفة، واللص المتسلل هو الذي يتحرك فلا يراه أحد، وصيغة (فعالة) تدل على الشيء يفعل فيه فعل ما، فالسلالة ما يسل ويخرج في خفاء، والسلالة ما يسلت من شيء آخر ويفصل عنه.

    والخلاصة هي ما يستخلصه وينقي مما يختلط به الطين الذي تتكون حبيباته من سيلكات الألومونيوم فيه مسافات تحتوي ما يمكن أن يحرك ويستخلص، وهو (السلالة) التي عرفنا بالوسائل العلمية أنها ماء ذابت فيه غازات وأيونات وجزيئات صغيرة من أصل عضوي وبعض الأملاح.

    ولأهمية المسافات البينية والمسام الموجودة في الطين وصف القرآن هذا الطين بقوله:﴿ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن:14)، فمن لا يعرف أن الإناء الفخاري يتسلل الماء من داخله إلى خارجه، فيبخر ليبرد الإناء وما فيه.

    وإذا كان الماء محتوياً على ملح أو سكر مذاب ترسبت بعض بلوراته على السطح الخارجي بعد تسللها من داخله، وقيل حينئذ إن الإناء نضح بما فيه، وفي الأمثال (كل إناء بما فيه ينضح)

    والصلصلة هي الرنينن، وهي ترجيع الشيء للصوت إذا نقرت عليه أو قرعته كصلصلة الجرس، والفخار الجاف يصلصل لوجود الهواء في مسافاته البينيه، بينما لا تسمع صلصلة إذا نقرت على قطعة من الجرانيت الذي تكون سليكات الألمونيوم 60 بالمائة منه، وذلك لتراكم حبيباته والتصاقها بغير مسافات بينيه، كذلك لا تصلصل قطعة من حجر الإردواز، وهو صخر متحول من سليكات الألومنيوم الخالصة فقد مسافاته البينيه بالحرارة والضغط.

    ولهذا ـ ونفيا للبس ـ قال الله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:26)، وقال تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:28)، وقال تعالى:﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:33) أي من حمأ مسنون من الصلصال.

    وبمقارنة هذه الآيات بقوله تعالى:﴿ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(المؤمنون: من الآية12) ندرك أن (الحمأ المسنون) مرادف أو بديل (السلالة من الطين)

    وأسلوب التعبير (.. من.. من..)أسلوب شائع في اللغة العربية، ويقصد به التفسير والتفصيل، فيذكر المتكلم الشيء مجملاً أو كلياً ثم يتبعه التخصيص أو الجزئي، كما قال تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(لأعراف: من الآية172)، أي أخذ من بني آدم ذريتهم ـ أخذا من مكان خاص في ظهورهم.

    حاولت أن أمسك نفسي، حتى لا أقاطع حديثهما، ولكن ما لقنت من شبهات طغت على طبيعتي، فرحت أقول: إن قومي يذكرون أن القرآن وقع في التناقض عندما ذكر مادة خلق الإنسان.. فهو يعطى معلومات مختلفة عن خلق الإنسان.. فمرة يذكر أنه من ماء مهين (المرسلات: 20)، ومرة من ماء (الأنبياء: 30)، ومرة من نطفة (يس: 77)، ومرة من طين (السجدة: 7)، ومرة من علق (العلق: 2)، ومرة من حمأ مسنون (الحجر: 26)، ومرة يذكر أنه لم يك شيئًا (مريم: 67).. فكيف يكون كل ذلك صحيحًا فى نفس الوقت[5]؟

    ابتسم علي، وقال: ليس في كل ما ذكرته أدنى تناقض.. وحتى يتضح ذلك، يلزم أن نتبع منهجا علميا فى رؤية هذه المعلومات، التى جاءت فى عديد من آيات القرآن الكريم.. وهذا المنهج العلمى يستلزم جمع هذه الآيات.. والنظر إليها فى تكاملها.. مع التمييز بين مرحلة خلق الله للإنسان الأول آدم u ومرحلة الخلق لسلالة آدم، التى توالت وتكاثرت بعد خلق حواء، واقترانها بآدم، وحدوث التناسل عن طريق هذا الاقتران والزواج..

    لقد خلق الله تعالى الإنسان الأول ـ آدم ـ فأوجده بعد أن لم يكن موجودًا.. أى أنه قد أصبح شيئًا بعد أن لم يكن شيئًا موجودًا.

    وإنما كان وجوده فقط فى العلم الإلهى.. وهذا هو معنى الآية الكريمة:﴿ أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (مريم:67)

    أما مراحل خلق الله تعالى لآدم، فقد بدأت بـ ( التراب ) الذى أضيف إليه ( الماء) فصار ( طينًا ) ثم تحول هذا الطين إلى ( حمأ ) أى أسود منتنًا، لأنه تغير والمتغير هو (المسنون ).. فلما يبس هذا الطين من غير أن تمسه النار سمى ( صلصالاً ) لأن الصلصال هو الطين اليابس من غير أن تمسه نار، وسمى صلصالاً لأنه يصلّ، أى يُصوِّت، من يبسه أى له صوت ورنين.

    وبعد مراحل الخلق هذه ـ التراب.. فالماء.. فالطين.. فالحمأ المسنون.. فالصلصال ـ نفخ الله تعالى فى مادة الخلق هذه من روحه، فغدا هذا المخلوق إنسانًا هو آدم u.

    وعن هذه المراحل تعبر الآيات القرآنية، فتصور تكامل المراحل ـ وليس التعارض المتوهم والموهوم ـ فتقول هذه الآية الكريمة::﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59)، فبالتراب كانت البداية:﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) (السجدة:7)، وذلك عندما أضيف الماء إلى التراب:﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (الصافات:11)) (4)، وذلك عندما زالت قوة الماء عن الطين، فأصبح لازبًا أى جامدًا.

    وفى مرحلة تغير الطين، واسوداد لونه، ونتن رائحته، سمى ( حمأً مسنونًا )، لأن الحمأ هو الطين الأسود المنتن.. والمسنون هو المتغير.. بينما الذى (لم يَتَسَنَّه) هو الذى لم يتغير.. وعن هذه المرحلة عبر قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:26)

    تلك هى مراحل خلق الإنسان الأول، توالت فيها وتتابعت وتكاملت معانى المصطلحات: التراب.. والماء.. والطين.. والحمأ المسنون.. والصلصال.. دونما أية شبهة للتعارض أو التناقض.

    وكذلك الحال والمنهاج مع المصطلحات التى وردت بالآيات القرآنية التى تحدثت عن خلق سلالة آدم u.. فكما تدرج خلق الإنسان الأول آدم من التراب إلى الطين.. إلى الحمأ المسنون.. إلى الصلصال.. حتى نفخ الله فيه من روحه.. كذلك تدرج خلق السلالة والذرية بدءاً من ( النطفة ) ـ التى هى الماء الصافى ـ ويُعَبَّرُ بها عن ماء الرجل ( المنىّ ).. إلى ( العَلَقَة ) التى هى الدم الجامد، الذى يكون منه الولد، لأنه يعلق ويتعلق بجدار الرحم إلى ( المضغة ) وهى قطعة اللحم التى لم تنضج، والمماثلة لما يمضغ بالفم.. إلى ( العظام ).. إلى ( اللحم ) الذى يكسو العظام.. إلى ( الخلق الآخر ) الذى أصبح بقدرة الله فى أحسن تقويم.

    وإذا كانت ( النطفة ) هى ماء الرجل.. فإنها عندما تختلط بماء المرأة، توصف بأنها ( أمشاج ) ـ أى مختلطة ـ كما جاء فى قوله تعالى:﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2)

    كما توصف هذه ( النطفة ) بأنها ( ماء مهين ) لقلته وضعفه.. وإلى ذلك تشير الآيات الكريمة:﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)﴾( السجدة)

    وكذلك، وصفت ( النطفة ) ـ أى ماء الرجل ـ بأنه ( دافق ) لتدفقه واندفاعه، كما جاء فى الآية الكريمة:﴿ لْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) ﴾ (الطارق)

    قال ألكسيس: إن كل ما قرأته عجيب يحتاج كلاما مفصلا.. إن ما ذكرته يتوافق مع آخر ما وصلت إليه العلوم ..

    إن كون الإنسان من تراب لا شك فيه، فإنه لو أرجعنا الإنسان إلى عناصره الأولية، لوجدناه أشبه بمنجم صغير [6] ، يشترك في تركيبه حوالي ( 21) عنصراً، تتوزع بشكل رئيسي على:

    1ـ أكسجين (O) ـ هيدروجين ( H) على شكل ماء بنسبة 65 بالمائة ـ 70بالمائة من وزن الجسم

    2 ـ كربون (C)، وهيدروجين ( H) وأكسجين (O) وتشكل أساس المركبات العضوية من سكريات ودسم ،و بروتينات وفيتامينات، وهرمونات أو خمائر.

    3 ـ مواد جافة يمكن تقسيمها إلى:

    آ ـ ست مواد هي: الكلور ( CL)، الكبريت (S)، الفسفور (P)، والمنغنزيوم (MG) والبوتسيوم (K)، والصوديوم (Na)، وهي تشكل 60 ـ 80 بالمائة من المواد الجافة.

    ب. ست مواد بنسبة أقل هي: الحديد (Fe)، والنحاس (Cu) واليود (I) والمنغنزيوم (MN) والكوبالت ( Co)، والتوتياء ( Zn) والمولبيديوم (Mo ).

    جـ ـ ستة عناصر بشكل زهيد هي: الفلور ( F)، والألمنيوم (AL)، والبور (B)، والسيلينيوم ( Se)، الكادميوم ( Cd) والكروم ( Cr).

    وكل هذه العناصر موجودة في تراب الأرض، ولا يشترط أن تكون كل مكونات التراب داخلة في تركيب جسم الإنسان، فهناك أكثر من مئة عنصر في الأرض بينما لم يكتشف سوى (22) عنصراً في تركيب جسم الإنسان.

    و ذلك كله يوافق ما جاء به القرآن تمام الموافقة.

    أحسن تقويم:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى أن الإنسان خلق على أفضل تقويم، فقال:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4)

    والله يمن على عباده بما وهب لهم من الصور الحسنة، فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ (الانفطار:8)

    ويقول:﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)

    ويقول:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (التغابن:3)

    ويقول:﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23)

    قال ألكسيس: صدق القرآن.. فإن هذه حقائق لا شك فيها.. لقد حاول دعاة التطور التستر عليها حينا من الزمن، لكنهم لم يفلحوا..

    لقد قال عالِم التطور ميلرش H.Mellersh في كتابه (تاريخ الإنسان):( إنّ دماغ الإنسان يختلف عن أدمغة بقية الحيوانات، وهو يشكل حدثاً جديداً في الحياة، وكل الأجناس البشرية تتمتع بهذه المزية.. فأقوام أستراليا البدائيون يستطيعون أن يتثقفوا في بحر جيل واحد، وهذا يدل على أنّ الإنسان سواء أكان شرقياً أو غربياً، متمدناً أو بدائياً، يتمتع بالقدرات العليا ذاتها. وهذا ما أقرّه العِلم! فالهوّة إذاً سحيقة بين الإنسان والحيوان )

    أمّا مجلة لايف Life فقد كتبت شارحة تفوق الدماغ الإنساني تقول:( لخلايا الدماغ العصبية آلاف الاتصالات بعضها ببعض، وهناك اتصالات إضافية بفضل الكمية العليا من القشرة الدماغية التي تضاعف القدرة أضعافاً لا نهاية لها على استقبال وتحليل المعلومات. وهذه القدرة الاعتيادية تجعل الدماغ الإنساني بمنزلة رفيعة لا تُدانى بالنسبة إلى باقي الكائنات الحية )[7]

    فالهوة سحيقة جداً بين الإنسان وبين الحيوان، أو حتى بين الإنسان وبين أي مخلوق آخر، فلو كانت نظرية النشوء والارتقاء المادي أو جميع نظريات التطور المادي الأخرى صادقة لما كانت تلك الهوة السّحيقة، بل لكان التقارب النسبي واضحاً.

    لقد كان علماء التطور يقولون بوجود مراحل للذكاء، ولكننا لا نعلم بوجود ذلك مطلقاً، بل إنّ ما نعلمه أنَّ 90بالمائة من الناس أذكياء، فعامة الناس أو أكثرهم أذكياء، والنادر هم البلداء أو الأغبياء، وهذا النادر لا حكم له.

    كما يزعم علماء التطور المادي بأنّ الإنسان المعروف باسم (إنسان ما قبل التاريخ)، والذي يدّعون أنه انقرض كان يمثل الحلقة الوسطى، فلماذا عاشت هذه الحلقات الدنيا مثل القردة بينما انقرض إنسان ما قبل التاريخ، مع العِلم أنّ المفروض فيه حسب منطوق ومفهوم نظرياتهم أن يكون أرقى من القردة بكثير وأصلح للبقاء.

    2 ـ الروح:

    قال علي: والقسم الثاني الذي يتركب منه الإنسان هي الروح، وهي من السمو والرفعة ما لا يمكن تصوره.. ولذلك نسبها الله تعالى إليه، فقال:﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29)

    وقد قطع الله تعالى عنا الجدل الذي يمكن أن نقع فيه إذا ما أردنا أن نبحث عن حقيقة الروح، فقال:﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:85)

    ولذلك أمرنا بدل البحث عن الماهية أن نستثمر الطاقات الكبرى التي تتمتع بها أرواحنا في أداء الأمانة التي كلفنا بها، قال تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72)

    قال ألكسيس: إن كلامك هذا يذكرني بالتخبط الكبير الذي وقعت فيه البشرية عندما أرادت أن تبحث عن الروح..

    أما الماديون.. فقد قطعوا عن أنفسهم هذا الجدل حين اعتقدوا أن الإنسان مجرد كيان مادي مكوَّن من مجموعة من الأجهزة والفعاليات المادية. وعندما يفقد الحياة سينحل ويستهلك في تراب الأرض وتنتهي دورة وجوده في عالم الطبيعة إلى الأبد.

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى عقيدة هذا الصنف، فقال:﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام:29)، وقال:﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (المؤمنون:37)

    قال ألكسيس: لقد اعتبر هؤلاء أن الانسان هو هذا الهيكل المحسوس، وليس ثمة وجود مستقل عن المادة يسمّى بالروح، بل هي من خواص الجسد، وتخضع لجميع القوانين التي تحكمه، ومجموع ظواهر الشعور والعقل والارادة والفكر، ما هي إلاّ وظائف عضوية مثلها كمثل جميع الوضائف البدنية الاُخرى، وكذا الآثار الفكرية والمعرفية عندهم ماهي إلاّ نتائج وآثار فيزيائية وكيميائية للخلايا العصبية والعقلية، وجميع تلك الآثار والنشاطات الروحة تظهر بعد ظهور العقل والجهاز العصبي، وتموت بموت الجسد، فإذا مات الانسان بطلت شخصيته، واندثر بدنه، وزال معه كلّ ما بلغه من محصول عقلي وارتقاء نفسي وكمال روحي.

    وتجاهلت الفلسفة المادية الحديثة كل الخصائص والآثار الروحية التي لا تخضع لقانون المادّة، وأعلنت أن الروح ومظاهرها من الشعور والعلم لا وجود لها كوحدة متميزة عن جسم الانسان المادي، وإنّما هي في ذاتها وظيفة له ونتيجة لعلاقته بالعالم الخارجي، وأن الأفكار والأماني لا توجد إلاّ من خلال عملية مادية، كحصول الحرارة نتيجة احتكاك قطعتين من الحديد مثلاً، وأن جميع الخصائص التي يتمتع بها الانسان ما هي الا نتيجة لردّة فعل للعالم الخارجي وأن الوعي بمختلف مظاهره ليس إلاّ نتاج مادة عالية التنظيم، أي نشاط الدماغ ووظيفته.

    وقد تمسّك الماديون في الدلالة على مذهبهم القائم على إنكار الروح، بجملة افتراضات غارقة في الغموض وتفسيرات واهية لا تملك أدنى رصيدٍ من الإثبات.

    قال علي: ولكن.. ألا يمكن لقولهم شيء من الوجاهة؟.. لماذا لا نعرضه على المحك العقلي؟.. القرآن يدعونا إلى ذلك.

    قال ألكسيس: إن هؤلاء لا دليل لهم.. ولا يمكن أن يكون هناك أي دليل على ما يقولون..

    إن أول ما يرد به على هؤلاء هو الفطرة..

    فالفطرة البشرية تقول بوجود الروح.. والدليل على ذلك اتفاق جميع أمم الأرض على ذلك ، ولا يمكن لجميع أهل الأرض أن يتفقوا على شيء واحد في مثل هذه الخطورة.

    لقد كان سقراط وإفلاطون يعتقدان أنّ الروح جوهر خالد موجود منذ الأزل، وعندما يكتمل الجنين في بطن اُمّه تتعلق به الروح، ثمّ تعود بعد الموت إلى محلّها الأول، ويرى إفلاطون أن هناك روحين: إحداهما الروح العاقلة وهي الخالدة ومحلها الدماغ، والاُخرى غير خالدة ولا عاقلة، وهي قسمان: غضبية ومستقرها الصدر، وشهوية ومكانها البطن.

    وذهب أرسطو إلى الاعتقاد بحدوث الروح مع حدوث البدن، فعندما يتكامل البدن توجد الروح دون أن تكون لها سابقة حياة قبل حدوثها، وعدّ ثلاثة صنوف من الأرواح منبثّة في مجموع البدن، وهي: الروح العاقلة ـ أو النفس الناطقة ـ وهو يقول بتجردها، والروح الحاسة أو الحيوانية، والروح الغاذية، ولا يقول بتجرد الأخيرتين.

    واهتم ديكارت ( ت1560 ) بتمييز الروح عن الجسم، وتحديد خصائص كلّ منهما، فاعتبر الروح جوهراً أخصّ صفاته الفكر، ولا يتصوّر فيه إمكان التجزّي والانقسام وعدم التجانس في أجزائه، واعتبر الجسم جوهراً أخص صفاته الامتداد، ومن أحواله الصورة والحركة، ويقبل الانقسام والتجزّي والتغير بطبيعته.

    وغيرهم من الهنود والصينيون.. اتفقوا على أن حقيقة الإنسان هو كيان روحي مجرَّد عن صفات المادة وخصائصها، وهو غير البدن العضوي والجهاز المادي الذي يؤدي الفعاليات والنشاطات المادية. وهو الذي ينطق عنها الإنسان فيقول (أنا)، فليس (الأنا) الذات الإنسانية هي ذلك الكيان الجسدي، بل هي ذلك الكيان الروحي المستقل.

    والكيان الإنساني (الروح) هو القوة المدركة، وهو القوة التي تشعر بالألم واللذّة والخوف والسرور والحزن، وهو القوة الناطقة، وما الجسم إلاّ آلة لتنفيذ مآرب النفس، وليست الأجهزة الحسّية والدماغ إلاّ أدوات يستخدمها الإنسان (الكيان الروحي) لفهم العالم المادي والتعامل معه.

    هذا أولا.. وهو دليل قد لا يكفي أصحاب العقول العاتية.

    ولذلك نذكر لهم أدلة أخرى لا شك في علميتها.. بل نحن نكاد نراها في مخابرنا كما نرى أجسادنا.. سنذكر لهم عشرة أدلة تبرهن لهم على وجود أرواحهم التي يجادلون فيها مع أنهم يجادلون بها.

    أولا.. بديهي أن معلومات الانسان مجردة عن المواد، فالعلم المتعلق بها يكون لا محالة مطابقاً لها، فيكون مجرداً لتجردها، فمحله ـ وهو النفس ـ يجب أن يكون كذلك، لاستحالة حلول المجرد في المادي.

    وثانيا.. أن الماديات قابلة للقسمة، وعارض النفس ـ وهو العلم ـ غير منقسم، فمحلّه ـ وهو النفس ـ لا بد أن يكون كذلك، ثمّ إن محلّ العلوم الكلية لو كان جسماً أو جسمانياً لانقسمت تلك العلوم، لأن الحالّ في المنقسم منقسم، وانقسام العلوم والمفاهيم الذهنية مستحيل.

    وثالثا.. أن النفوس البشرية تقوى على أفعال وإدراكات لا تتناهى، كتعقّل الأعداد غير المتناهية، والقوة الجسمانية لا تقوى على ما لا يتناهى، فهي إذن غيرها.

    ورابعا.. لو كان وعاء العلم هو الدماغ أو غيره من آلات التعقّل، لكانت كلّ معلومةٍ تضاف إليه تشغل حيزاً منه، ولأصبحت القابلية العلمية للانسان متناهية ؛ لأن قابلية المادة على استيعاب المعلومات محدودة كالصحيفة التي تمتلئ بالكتابة، أو القرص الذي يمتلئ بالصوت أو الصورة، وذلك يعني أن الانسان لو سمح له عمره أن يستوفي كل وعائه العلمي، فسيصل إلى مرحلة يفقد فيها استعداده للتعلم، وذلك محال.

    وخامسا.. فإن العلم البديهي يدل على أن في ذات الانسان حقيقة ثابتة يشعر بها ويعبّر عنها بالأنا، فلو كان الانسان هو هذا البدن المحسوس لأصبح عرضةً للتبدّل والتغيّر، ولأسدل الستار على جميع معلوماته وأفكاره، ولكان شعوره بالأنا أمراً باطلاً وإحساساً خاطئاً، لأنّ أجزاء البدن متبدّلة متغيّرة، ففي كلّ يوم تموت ملايين الخلايا وتحلّ محلّها خلايا جديدة.

    وقد حسب العلماء معدل هذا التجدّد، فظهر أنه يحصل بصورة شاملة في البدن مرة كلّ عشر سنين، أما بعد الموت فإن البدن يضمحلّ ويتلاشى، والمتبدّل غير الثابت الباقي، وعليه، فإن ملاك وحدة شخصية الإنسان والأساس في ثبات أفكاره ومعلوماته رغم حصول التغير في البناء الجسمي هو الروح.

    وسادسا.. إن القوى الجسمانية تضعف وتكلّ مع توارد الأفعال عليها، فإنّ من نظر إلى قرص الشمس طويلاً لا يكاد يدرك في الحال غيره إدراكاً تاماً، أما القوى النفسانية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال، بل عند كثرة التعقلات تقوى وتزداد نشاطاً، فالحاصل لها عند كثرة الأفعال هو ضدّ ما يحصل للقوى الجسمانية عند كثرة الأفعال، فوجب أن لا تكون جسمانية.

    وسابعا.. حصول الأضداد في القوى النفسانية وعدم حصولها في القوى الجسمانية، فإذا حكمنا بأنّ السواد مضادّ للبياض، وجب أن يحصل في الذهن ماهية السواد والبياض، والبداهة حاكمة بأن اجتماع الأضداد في الأجسام محال، فلمّا حصل اجتماعها في القوى النفسانية وجب أن لا تكون جسمانية.

    وثامنا.. إن المادة الجسمانية إذا حصلت فيها صور ونقوش مخصوصة، فإن وجود تلك الصور يمنع من حصول غيرها إلاّ بعد إزالة الأولى، بينما يستوعب التعقّل والتصوّر الذهني الصور المتعاقبة التي يستطيع الإنسان أن يستحضرها أو يتخيلها في لحظة ما بمقدار وجودها الخارجي دون حاجة إلى التدرّج أو مرور الزمان ودون أن يمتلئ المحلّ بها، فلا بد أن يكون محلها غير ماديّ ولا متحيّز.

    وتاسعا.. نحن نعرف الكثير من الخصائص الفيزيائية والكيمياوية في أجسامنا، فحركات المعدة والقلب فيزيائية، والترشحات والافرازات وعصارات المعدة كيمياوية. وأمثال هذه كثيرة في جسم الانسان.

    فاذا كانت الروح والفكر مادية وناشئة من خواص خلايا الدماغ الفيزياوية والكيمياوية، فلماذا نرى خواصها تختلف عن خواص الجسم؟

    إنَّ الفكر والرّوح يربطاننا بالخارج ويخبرنا بما يحدث حولنا، أمَّا الخصائص الكيمياوية كالافرازت والعصارت، والفيزياوية كحركات العين والقلب واللسان، لاتملك مثل تلك الخصائص مطلقاً.

    وبعبارة أُخرى، إنَّنا نشعر جيداً بأنَّنا مرتبطون بعالمنا الخارجي، ونعرف الكثير عنه. فهل دخل العالم الخارجي الى داخلنا؟ طبعا، لا. إذن، ماالحكاية؟

    لاشك أنَّنا نرى خارطة العالم، وأن خصيصة الرّوح في الظّهور الخارجي هي التي تجعلنا ندرك العالم خارج وجودنا.. إنَّك لاتجد هذه الخصيصة في أي من الظواهر الفيزياوية ولافي التفاعلات الكيماوية في أجسامنا.

    وهذا يعني أنَّ التعرف على الكائنات الخارجية العينية يتطلب نوعاً من الاحاطة العامة، وهذه ليست من وظائف خلايا الدماغ،، فهذه إنَّما تتأثر بالعوامل الخارجية. مثل سائر خلايا الجسم الاخرى.

    وعاشرا.. إن الحركة لا يمكن رصدها إلا من خارجها.. لا يمكن أن تدرك الحركة وأن تتحرك معها في نفس الفلك، وإنما لا بد من عتبة خارجية تقف عليها لترصدها.. ولهذا تأتي عليك لحظة وأنت في مصعد متحرك لا تستطيع أن تعرف هل هو واقف أم متحرك لأنك أصبحت قطعة واحدة معه في حركته.. لا تستطيع ادراك هذه الحركة إلا إذا نظرت من باب المصعد إلى الرصيف الثابت في الخارج.

    ونفس الحالة في قطار يسير بنعومة على القضبان.. لا تدرك حركة مثل هذا القطار وأنت فيه إلا لحظة شروعه في الوقوف أو لحظة إطلالك من النافذة على الرصيف الثابت في الخارج.

    وبالمثل لا يمكنك رصد الشمس وأنت فوقها ولكن يمكنك رصدها من القمر أو الأرض.. كما لا يمكنك رصد الأرض وأنت تسكن عليها وإنما تستطيع رصدها من القمر.

    لا تستطيع أن تحيط بحالة إلا إذا خرجت خارجها.

    ولهذا ما كنا نستطيع إدراك مرور الزمن لولا أن الجزء المدرك فينا يقف على عتبة منفصلة وخارجة عن هذا المرور الزمني المستمر.. أي على عتبة خلود.. ولو كان إدراكنا يقفز مع عقرب الثواني كل لحظة لما استطعنا أن ندرك هذه الثواني أبدا، ولا نصرم إدراكنا كما تنصرم الثواني بدون أن يلاحظ شيئا.

    وهي نتيجة مذهلة تعني أن هناك جزءا من وجودنا خارجا عن إطار المرور الزمني (أي خالد) هو الذي يلاحظ الزمن من عتبة سكون ويدركه دون أن يتورط فيه ولهذا لا يكبر ولا يشيخ ولا يهرم ولا ينصرم.. ويوم يسقط الجسد ترابا سوف يظل هذا الجزء على حاله حيا حياته الخاصة غير الزمنية..

    وهذا الجزء هو الروح.

    قال علي: إن ما ذكرته لا يبرهن فقط على الروح .. بل يبرهن فوق ذلك على الحياة الجميلة التي وعد الله تعالى بها هذه الروح في حال طمأنينتها إلى ربها، فقال تعالى:﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾(الفجر)

    وهو برهان على الحياة القاسية التي توعد الله بها الروح النافرة من ربها بعد أن تخلع عنها جلباب الجسد، فقال تعالى:﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾(الأنعام:93)



    2 ـ مراحل الإنسان

    نظرت في وجه ألكسيس، فإذا به يتغير تغيرا شديدا لما سمعه من تلك الآيات.. لقد أحسست بأن أنوار القرآن بدأت تتسرب إلى قلبه.. وأن الغشاوة التي كانت تطغى على قلبه بدأت ترق شيئا فشيئا..

    ولذلك راح يطلب من علي أن يعيد ما قرأه من القرآن الكريم عن مراحل الإنسان.

    قرأ علي:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج:5)

    1 ـ الجنين:

    قال ألكسيس: إن ما ذكره القرآن من هذه الحقائق عجيب.. فقد ظلت البشرية تائهة عن الحقائق التي ترشد إليها هذه الآيات، فلم تهتد إليها إلا بعد توفير الوسائل الكثيرة التي تعين مدارك الإنسان على الكشف عن الحقيقة [8].

    لقد توهم الناس أن الجنين يخلق من دم الحيض، وساد هذا الوهم ـ الذي تخيله أرسطوا ـ على أفكار البشر طوال ألفي عام، يقول البروفيسور كيث ال. مور:( ويعد كثير من علماء الأجنة ارسطوطاليس مؤسس علم الأجنة على الرغم من حقيقة كونه روج فكرة: أن الجنين يتطور من كتلة عديمة الشكل تنتج عن اتحاد المني بدم الحيض )

    ويقول البروفيسور: ج.س.جورنجر في بحث ألقي في عدد من المؤتمرات الدولية عن الوهم الذي تخيله أرسطوطاليس:( ولم يرتفع هذا الوهم إلا بعد إعلان كل من (هام) و(فان لوفينهوك) اكتشاف الحوين المنوي البشري عام 1701 )

    وقد توهم الباحثون أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً منذ بداية تكوينه؛ لأن جميع ما يشاهده الناس لجميع الكائنات الحية من صور للنمو لا يكون إلا بزيادة حجم الكائن الصغير، وقد عبر علماء أوروبا عن هذه الفكرة في بداية عصر النهضة بصورة علق عليها البروفسور ج.س. جورنجر بقوله:( ونشرت في الوقت ذاته (أي عام 1672م) تقريباً مجموعة أخرى من الرسومات تظهر تخلق الجنين البشري، وتعبر كلها عن رسم واحد، ولكن بقياس مختلف،ولم يشر إلى ذلك ناشرو ومحكمو الجمعية الملكية للفلسفة عندئذ فقد كانوا يعتقدون إلى هذا الوقت أن التخلق الإنساني ليس إلا زيادة في الحجم لصورة واحدة تتسع أبعادها بمرور وقت الحمل، لسيطرة فكرة الخلق التام للإنسان من أول مرحلة على أذهان العلماء )

    وحتى بعد اكتشاف المجهر (الميكروسكوب)، بقي وهم الخلق التام للإنسان من بداية تكوينه مسيطراً على أفكار علماء النهضة الأوروبية، يقول جورنجر وغيره:( والرسم الذي قدمه هارت سوكر للحوين المنوي عام 1694م بعد اكتشاف الميكروسكوب بفترة يدل على أن المجهر يومئذ لم يكن كافياً لبيان تفاصيل تكوين الحوين المنوي، فأكملت الصورة من خيال العلماء، وعبروا مرة ثانية عن الفكرة السائدة عندهم وهي (أن الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في الحوين المنوي في صورة قزم))

    وأضافوا إلى هذا الوهم وهماً آخر هو: أن الإنسان يخلق من ماء الرجل فقط، ولا دور للمرأة في الجنين إلا كدور الأرض.

    وحتى بعد اكتشاف البييضة عند المرأة بقيت فكرة الخلق التام مسيطرة على عقولهم؛ بالرغم من أن علماء النهضة الأوروبية غيروا رأيهم عن دور الرجل في الإنجاب، فزعموا أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في البييضة في صورة قزم أيضاً، ثم ينمو بزيادة الحجم فقط، دون أي تغيير في الصورة التي بدأت من بداية خلق البييضة، وقرروا أن لا دور للرجل في تكوين الجنين إلا كدور المنبه الذي يستحث النمو.

    ويقول البروفيسور جورنجر:( وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في بييضة المرأة ؛ كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في الحوين المنوي )

    ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالي عام (1775م)؛ عندما أثبت سبالانزاني أهمية كل من الحوين المنوي والبييضة في عملية التخلق البشري.

    وبتحرر عقول العلماء في أوروبا من فكرة الخلق التام للإنسان منذ بداية خلقه، ومعرفتهم أن خلق الإنسان يمر بأطوار ومراحل مختلفة في أشكالها وصورها تساءل العلماء متى يأخذ الجنين صورته الإنسانية؟ فوجدوا أنفسهم أمام معضلة كبيرة هي: معضلة تحديد عمر الجنين، فقد كان من العسير على العلماء ـ قبل اكتشاف بييضة المرأة، وزمن خروجها من المبيض عند المرأة ـ أن يحددوا عمر الجنين في بطن أمه، أو عمر الجنين الذي يسقط من بطن أمه؛ بسبب عجزهم عن تحديد زمن بداية الحمل، وكان لابد أن يقعوا في خطأ حسابي يزيد بـ21 يوماً، أو ينقص كذلك بـ21 يوماً ؛ لأن علامة الحمل عند المرأة تعرف ـ عندهم يومذاك ـ بانقطاع حيضها، فإن بدؤوا حساب الحمل من أول الطهر ـ وقد أمكن أن يقع في نظرهم يومذاك في آخره ـ فسيكون الخطأ في تقدير عمر الجنين بزيادة تساوي فترة الطهر أي: 21يوماً، وإن اعتبروا أن الحمل وقع في آخر الطهر ـ مع امكان وقوعه في نظرهم يومذاك في أول الطهر ـ فسيقع النقص في تقدير عمر الجنين بما يساوي 21 يوماً أيضاً.

    وكما كان تقدير عمر الجنين متعذراً إلا مع خطأ كبير، فإن تحديد ما يظهر من التطورات في خلق الجنين أثناء جميع مراحل نموه كان كذلك متعذراً، لقلة العينات المتاحة من الأجنة البشرية، ولأنه لا يقبل أحد أن يتبرع بابنه حتى يقوم الأطباء بدراسته، ولما يصاحب ذلك من مشقة كبيرة للمرأة إذا أُسقط جنينها ؛ فآلام السقط قريبة من آلام الولادة.

    ولأن تطورات أجهزة وأعضاء الأجنة تنمو باطراد؛ يصعب معه تحديد الفترة الزمنية التي يظهر فيها الجهاز، أو العضو بصورته الآدمية في الجنين.

    قال علي: فكيف تمكن العلماء من تقدير عمر الجنين وتحديد زمن تكون أعضاء الجنين؟

    قال ألكسيس: بعد اكتشاف بييضة المرأة في القرن التاسع عشر الميلادي تمكن الباحثون من تحديد يوم خروجها من المبيض في المرأة، ومكنهم ذلك من تحديد موعد بداية الحمل بخطأ لا يتجاوز زيادة يوم واحد.

    وبعد أن تمكن علماء الطب أخيراً من غرس (كاميرا) في رحم المرأة أثناء حملها أمكنهم متابعة الحمل بدقة بالغة، وأمكنهم تحديد زمن ظهور أعضاء جسم الجنين، وزمن تشكلها، وأمكنهم تصوير مراحل تكوين تلك الأعضاء.

    قال علي: لقد ورد في الحديث تحديد للمواعيد التي تمر بها كل مرحلة من مراحل الجنين، فقال r:( إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً، فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم قال: يارب أذكر أم أنثى؟ فيفضي ربك ما شاء ويكتب الملك )[9]

    تعجب ألكسيس عجبا شديدا من هذا الحديث، فطلب من علي إعادته عليه، فأعاده، فقال: هذا حديث عجيب.. إن فيه حقائق كثيرة من حقائق علم الأجنة لم تصل إليها البشرية إلا بشدة، وبعد مرور زمن طويل.

    أما الحقيقة الأولى، فهي تخلق الإنسان من النطفة المنوية المتكونة من ماء الرجل وبييضة المرأة، وقد أشار إلى ذلك نبيكم في قوله:( إذا مر بالنطفة ) أي أن الإنسان يخلق من النطفة لا من دم الحيض، كما كان شائعاً بين الأطباء إلى القرن السابع عشر.

    أما الحقيقة الثانية، فهي أن الحديث حدد ليلة معينة من عمر الجنين يدخل بعدها الملك:( إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً )

    أما الحقيقة الثالثة، فيشير إليها قول نبيكم:( فصورها ) أي أن الصورة الآدمية للجنين تبدأ بالظهور بعد الليلة الثانية والأربعين.

    أما الحقيقة الرابعة، فيشير إليها قول نبيكم:(وخلق سمعها )، وكذلك يبدأ ظهور الأذن وجهاز السمع.

    أما الحقيقة الخامسة، فيشير إليها قول نبيكم:( وبصرها ) أي وخلق بصرها ؛ فيبدأ ظهور العين وجهاز البصر.

    أما الحقيقة السادسة، فيشير إليها قول نبيكم:(وجلدها ) أي أن الجلد يخلق بعد الليلة الثانية والأربعين.

    أما الحقيقة السابعة، فيشير إليها قول نبيكم:( ولحمها ) أي أن اللحم (العضلات) يخلق بعد نفس الليلة.

    أما الحقيقة الثامنة، فيشير إليها قول نبيكم:( وعظامها ) حيث يخلق الملك العظام (الهيكل العظمي) بعد نفس الليلة.

    أما الحقيقة التاسعة، فيشير إليها قول نبيكم:( ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى )، أي أن الملك يبدأ بتشكيل الأعضاء التناسلية الخارجية (الفرج) في الذكر والأنثى، والتي بها يتم التمييز بين الذكر والأنثى وذلك بعد الليلة الثانية والأربعين أيضاً.

    أما الحقيقة العاشرة، فهي أن الجنين يمر بأطوار قبل الليلة الثانية والأربعين ؛ وهو ليس في صورة آدمية، ولا توجد فيه الأعضاء والأجهزة التي ذكر الحديث أنها لا تخلق إلا بعد الليلة الثانية والأربعين.

    إن ما ذكره نبيكم يصدقه كل علماء الأجنة..

    لقد قال البروفيسور جولي سمسن وآخران، وهو أحد كبار علماء الوراثة والأجنة بأمريكا في بحث ألقي في عدد من المؤتمرات العلمية:( وعند نهاية الأسبوع السادس وقبل اليوم الثاني والأربعين لا تكون صورة الوجه واضحة أو شبيهة بصورة وجه الإنسان وتكون العين والأذن والأعضاء التناسلية الخارجية في صورة أولية ؛ من مراحل تطورها قبل اليوم الأربعين، وهي: لا تعمل، ولا تشبه أعضاء الإنسان )

    ثم يقول:( وتقدير عمر الجنين قبل اكتشاف البييضة وارتباط دورة الحيض بها أمر في غاية الصعوبة )

    وهذا هو البروفيسور (ت.ف.ن. برساد) من جامعة (مانتوبا ويننج) بكندا وأحد المشاهير والمؤلفين في علمي: أمراض النساء، والأجنة بكندا ؛ يحدثنا عن الجنين بعد اليوم الثاني والأربعين، فيقول:( يتكون في بداية الأسبوع السابع من النمو أي: عند حوالي اليوم الثاني والأربعين: الهيكل العظمي الغضروفي ؛ الذي يعطي الجنين شكله الآدمي الخاص، فيستقيم جذعه، ويتكون له رأس مستدير وتتحرك العينان إلى الأمام في محلهما في الوجه ؛ فيتجلى الشكل الآدمي للجنين ويتم ذلك أيضاً بالنسبة للأنف الذي يأخذ المظهر الآدمي ، أما الأذرع التي ظهرت على شكل براعم في نهاية الأسبوع الرابع، فتصبح أكثر طولاً بعد اليوم الثاني والأربعين، وتظهر أصابع واضحة لم تكن موجودة قبل ذلك، أما مؤخرة العمود الفقري البارزة، فتتراجع، وتعتدل تاركة أثراً لا يكاد يلاحظ )

    مرحلة النطفة:

    قال علي: إن تفضلت.. فإن القرآن الكريم ذكر المراحل المختلفة التي يمر بها الجنين في مواضع مختلفة، فأرجو أن تفسرها الي.

    قال ألكسيس: يشرفني ذلك.. إن كتابكم يملأ القلب بالعجب، والنفس بالأنس.

    قال علي: فلنبدأ بالمرحلة الأولى.. مرحلة النطفة، لقد قال الله تعالى فيها:﴿ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (النحل:4)، وقال تعالى:﴿ )قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37)، وقال تعالى:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) (المؤمنون:13)، وقال تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (يّـس:77)، وقال تعالى:﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) (لنجم:46)، وقال تعالى:﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) (القيامة:37)، وقال تعالى:﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2)

    قال ألكسيس: إن هذه الآيات تشير إلى حقائق كثيرة.. فلنبدأ بالآية الأخيرة التي قرأتها.. أليست تقرر أن الجنين يخلق من نطفة أبيه ونطفة أمه.

    قال علي: أجل.. فكلمة أمشاج تعني الأخلاط، وقد روي أن يهودياً مرّ بالنبي r وهو يحدث أصحابه، فقالت قريش: يا يهودي، إن هذا يزعم أنه نبي، فقال لأسألنّه عن شيء لا يعلمه إلا نبي فقال: يا محمد مِمِّ يخلق الإنسان، فقال رسول الله r: ( يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة )، فقال اليهودي هكذا كان يقول من كان قبلك ( أي الأنبياء )[10]

    قال ألكسيس: إن ذكر هذا لعجيب.. لقد كان شائعاً إلى وقت قريب أن الجنين يخلق من ماء الرجل، ولا دور لماء المرأة في عملية تكوين الجنين، وما رحم المرأة إلا كأرض خصبة قد هُيّئت لأن يرمي الرجل فيها البذرة، فيتكون الجنين، وظلت النظرية التي تقول: بأن الجنين موجود بصورة مصغرة في الحيوان المنوي للرجل، وليس للمرأة أي دور في تكوينه، سوى التغذية والرعاية حتى القرن السابع عشر الميلادي.

    ثم جاءت النظرية التي تقول: بأن الجنين موجود بصورة مصغرة في البويضة، أما الحيوان المنوي للرجل فليس له دور سوى التنشيط للبويضة.

    وبقيت المعارك مستمرة بين أنصار النظريتين حتى ظهر سبالانزاني(1729-1799) و(ولف) (1733-1749)، اللذان أثبتا بتجارب عديدة أن الذكر والأنثى يساهمان جميعاً في تكوين الجنين.

    وبهذا يتضح أن الإنسانية بعلومها التجريبية والفلسفية لم تكن تعلم شيئاً عن النطفة الأمشاج، ولا في أواخر القرن التاسع عشر وتأكد ذلك في أوائل العشرين، وأنها لم تكن تدري أن الجنين الإنساني يمُّر بأطوار مختلفة من الخلق.. خلقاً من بعد خلق ،ولم تعرف ذلك إلا عام ( 1769 ) عندما قدم ولف ملاحظاته، ولم تتأكد هذه الملاحظات إلا بعد أن جاء شوان وشليدان وأوضحا دور الخلايا في بناء الأنسجة وذلك عام 1839، وفي عام 1883 تمكن ( فان بنرن ) من، إثبات أن كلا البويضة والحيوان يساهمان بالتساوي في تكوين الجنين، وفي أوائل القرن العشرين عرفت مراحل الجنين ودور الصبغات والجينات في تكوين الجنين وصفاته الوراثية…
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:45

    قال علي: إن العلماء المستنيرين بنور القرآن الكريم، وهدي النبي r ، والذين لم يؤثروا عليه شيئا لم يقعوا في مثل هذه الأخطاء، وقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في هذا:( وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده، وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك … وهذا دليل، وإلا فالآية واضحة في ذلك:﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2) ، وقد أجمع أهل التفسير أن الأمشاج هي الأخلاط وهو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة )[11]

    قال علي: لقد ورد في الحديث قوله r:( ما من كل الماء يكون الولد، إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء )[12]

    قال ألكسيس: صدق نبيكم.. إن هذا الحديث حديث عجيب، فلم يكن أحد يعلم أن جزءا يسيرا من المني هو الذي يخلق منه الولد.

    فلم يكن أحد يتصور أن في القذف الواحد من المني ما بين مائتين إلى ثلاثمائة مليون حيوان منوي، وأن حيواناً منوياً فقط هو الذي يقوم بتلقيح البويضة.

    وقد أثبتت التجارب على الثدييات أن واحداً بالمائة من المني فقط يكفي لتلقيح البويضة، ومن المقرر طبياً أن عشرين مليونا من الحيونات المنوية في القذفة الواحدة هي الحد الأدنى للإخصاب...و رغم أنه يقرر طبياً أيضاً أن هناك حالات حمل كثيرة بأقل من هذه الكمية.. كما يمكن أن تحقن كمية المني الناقصة الحيوانات إلى الرحم مباشرة وهي الطريقة المسماة بـ (التلقيح الصناعي).. وهذه الطريقة تستخدم أحياناً لمن يشكون العقم، ويكون السبب في ذلك قلة الحيوانات المنوية في مني الزوج.

    فالحديث صريح في أنه ليس من كل الماء يكون الولد.. وإنما من جزء يسير منه.. وأنى لمن عاش في تلك الصحراء في ذلك الزمن البعيد أن يعلم هذه الحقيقة التي لم تعرف إلا في هذا القرن.

    قال علي: لقد دل علي معنى هذا الحديث قوله تعالى:﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ (السجدة:8)، فالسلالة هي الخلاصة.. وخلاصة الماء المهين هي التي يكون منها الولد.

    قال ألكسيس: صدق قرآنكم، فإن النطاف أول ما تخرج يكون عشرين بالمائة منها غير صالح للتلقيح، ثم يموت في المهبل عدد كبير منها.. ثم يموت على عنق الرحم عدد آخر.. ثم تذهب مجموعة كبيرة منها.. ثم يموت على عنق الرحم عدد آخر.. ثم تذهب مجموعة منها تكون البويضة.. فتهلك تلك التي ذهبت إلى غير مكان البويضة.. ولا يصل في النهاية إلى البويضة إلا ما يقرب من خمسمائة حيوان منوي فقط، وهنا يقع اختبار آخر لحيوان منوي واحد فقط من بين هؤلاء ليتم به تلقيح البويضة.

    وفي البويضة كذلك اصطفاء وانتقاء.. إذ يبلغ عدد البويضات في مبيض الأنثى وهي لا تزال جنيناً في بطن أمها ستة ملايين بويضة أولية.. ولكن كثيراً منها يذوي ويموت قبل خروجها إلى الدنيا.. ثم تستمر في اندثارها حتى إذا بلغت الفتاة المحيض لم يبق منها إلا ثلاثين ألف فقط.

    وفي كل شهر تنمو مجموعة من هذه البويضات.. ولكن لا يكتمل النمو إلا لواحد فقط، وفي حياة المرأة التناسلية لا يزيد ما تغرزه المرأة عن أربعمائة بويضة فقط، فهناك اصطفاء وانتقاء للحيوان المنوي.

    لقد ورد في مجلة الأبحاث الطبية الحديثة[13] أن 78 بالمائة من جميع حالات الحمل تسقط طبيعياً.. وأن ما يقرب من خمسين بالمائة يسقط قبل أن تعلم أنها حامل.. ذلك لأن الرحم يلفظ الكرة الجرثومية بعد علوقها مباشرة.. فتظن الأم أن الدم الذي جاءها في موعد الحيضة أو بعده بقليل هو دم الطمث الذي كانت تنتظره ولا تعلم أنه دم سقط.

    قال علي: لقد ذكرني هذا بما ورد في الحديث الصحيح عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله r فقال: إن لي جارية خادمتنا وساقيتنا في النخل، وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل، فقال r:( اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها )، فلبث الرجل ما شاء الله، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت، فقال r:( قد قلت سيأتيها ما قدر لها )[14]

    قال ألكسيس: صدق نبيكم، وسبق، فنحن نعلم الآن أن لكل وسيلة من وسائل منع الحمل نسبة تفشل فيها.. فرغم هذه الموانع يحصل الحمل إذا قدر الله ذلك.. بل قد جائتني إحدى المريضات.. وأخبرتني أنها أجرت عملية تعقيم بقطع قناتي الرحم وربطهما في لندن ثم لم تلبث بضعة أشهر إلا وهي حامل.

    وذلك مقرر في الكتب والمجلات الطبية... وتصل نسبة فشل هذه العلمية 55 بالمائة إذا كانت العلمية عن طريق المهبل ولكنها تهبط إلى واحد من بالمائة إذا أجريت العملية عن طريق فتح البطن وبواسطة جراح ماهر.

    وقد سجل كثير من الباحثين نسبة فشل تصل إلى 3.7 بالمائة مع جراحين مهرة، بل لقد سجلت حالة حمل بعد عملية استئصال للرحم، وعليه فإن نبيكم قد سبق في تقرير هذه الحقيقة العلمية[15].

    قال علي: لقد وصف الله تعالى الماء الذي يخرج من الرجل بأنه ماء دافق، فقال:﴿ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)﴾ (الطارق)، فالقرآن يسند التدفق للماء نفسه مما يشير إلى أن للماء قوة دفق ذاتية.

    قال ألكسيس: لقد أثبت العلم الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة وهذا شرط للإخصاب، وقد أثبت العلم أيضاً أن ماء المرأة الذي يحمل البييضة يخرج متدفقاً إلى قناة الرحم (فالوب) ، وأن البييضة لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة حتى يتم الإخصاب.

    ومن المعلوم أن ماء الرجل يحوي بالإضافة إلى المنويات عناصر أخرى تشارك وتساعد في عملية الإخصاب مثال ذلك مادة البرستاجلاندين ، التي تحدث تقلصات في الرحم مما ساعد في نقل المنويات إلى موقع الإخصاب.

    كما أن ماء المرأة يحوي بالإضافة إلى الييضة عناصر أخرى تساعد وتشارك في عملية الإخصاب.

    ومنها بعض الأنزيمات التي تفرزها بطانة الرحم وقناته ، التي تجعل المنوي قادراً على الإخصاب وذلك بإزالة البروتين السكري من رأسه.

    وتعمل هذه الأنزيمات بالإضافة إلى ذلك على إطلاق الخلايا المحيطة بالبييضة وكشف غشائها الواقي أمام المنوي.

    وبما أن لفظ نطفة يأتي بمعنى الكمية القلية من المسائل ، فإن هذا المصطلح يغطي ويصف تلك الكميات من السوائل التي تخرج متدفقة لدى كل من الذكر والأنثى.

    قال علي: لقد وصف القرآن الكريم عملية التلقيح بالحرث، فقال تعالى:﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (البقرة:223)

    وقد أخبر r عن مرحلة الانغراس، وهو الوقت الذي تصير في النطفة أمشاجاً ، فقال:( يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين يوماً)[16]

    قال ألكسيس: صدق ربكم ونبيكم، ففي نهاية مرحلة الأمشاج ينغرس كيس الجرثومة في بطانة الرحم بما يشبه انغراس البذرة في التربة في عملية حرث الأرض.

    وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث ويكون عمر النطفة حينئذ ستة أيام.

    وفي الحقيقة تنغرس النطفة (كيس الجرثومة) في بطانة الرحم بواسطة خلايا تنشأ منها تتعلق بها في جدار الرحم والتي ستكون في النهاية المشيمة كما تنغرس البذرة في التربة.

    ويستخدم علماء الأجنة الآن مصطلح (انغراس) في وصف هذا الحدث ، وهو يشبه كثيراً في معناه كلمة (الحرث) في العربية.

    وطور الحرث هو آخر طور في مرحلة النطفة، وبنهايته ينتقل الحميل من شكل النطفة، ويتعلق بجدار الرحم ليبدأ مرحلة جديدة، وذلك في اليوم الخامس عشر.

    وعليه فقد وصف القرآن كل جوانب مرحلة النطفة من البداية إلى النهاية، مستعملاً مصطلحات وصفية علمية دقيقة لكل طور من أطوارها.

    ويستحيل علمياً كشف التطورات وعمليات التغير التي تحدث خلال مرحلة النطفة من غير استخدام المجاهر الضخمة ، نظراً لصغر حجم النطفة.

    لقد حدد القرآن أول مراحل النطفة بالماء الدافق فقال:﴿فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)﴾ [الطارق:5-6] وحدد آخرها بحرث النطفة أي غرسها في القرار المكين.

    وفي العصر الذي ذكر فيه القرآن هذه المعلومات عن المرحلة الأولى للتخلق البشري، كان علماء التشريح من غير المسلمين ، يعتقدون أن الإنسان يتخلق من دم المحيض.

    وظل هذا الاعتقاد رائجاً حتى اختراع المجهر في القرن السابع عشر ، والاكتشافات التالية للحيوان المنوي والبييضة ، كما ظلت أفكار خاطئة أخرى سائدة حتى القرن الثامن عشر ، حيث عرف أن كلاً من الحيوان المنوي والبييضة ضروريان للحمل.

    مرحلة العلقة:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى المرحلة الثانية، فقال:﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ )(الحج: من الآية5)، وقال:﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً )(المؤمنون: من الآية14)، وقال:﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ )(غافر: من الآية67)، وقال:﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) (القيامة:38)، وقال:﴿ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) (العلق:2)

    ولفظة (علقة) مشتقة من (علق) وهو: الإلتصاق والتعلق بشيء ما.. والعلقة ـ كذلك ـ دودة في الماء تمتص الدم، وتعيش في البرك، وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها.

    ويقال علقت الدابة إذا شربت الماء فعلقت بها العلقة. والعلق: الدم عامة والشديد الحمرة أو الغليظ أو الجامد.

    ويضاف إلى ذلك أن العلقة تطلق على: (الدم الرطب)

    قال ألكسيس: كل ما ذكره القرآن في هذا ينطبق على هذه المرحلة.. حيث تستغرق هذه العملية أكثر من أسبوع حتى تلتصق النطفة بالمشيمة البدائية بواسطة ساق موصلة تصبح فيما بعد الحبل السري.

    وفي أثناء عملية الحرث تفقد النطفة شكلها لتتهيأ لأخذ شكل جديد هو: العلقة، الذي يبدأ بتعلق الجنين بالمشيمة.

    وهذا يتفق مع المعنى (التعلق بالشيء) الذي يعتبر أحد مدلولات (كلمة علقة)

    أما إذا أخذنا المعنى الحرفي للعلقة (دودة عالقة) فإننا نجد أن الجنين يفقد شكله المستدير ويستطيل حتى يأخذ شكل الدودة.

    ثم يبدأ في التغذي من دماء الأم، مثلما تفعل الدودة العالقة، إذ تتغذى من دماء الكائنات الأخرى، ويحاط الجنين بمائع مخاطي تماماً، مثلما تحاط الدودة بالماء.

    ويبين اللفظ القرآني (علقة) هذا المعنى بوضوح طبقاً لمظهر وملامح الجنين في هذه المرحلة.

    وطبقاً لمعنى (دم جامد أو غليظ) للفظ العلقة، نجد أن المظهر الخارجي للجنين وأكياسه يتشابه مع الدم المتخثر الجامد الغليظ، لأن القلب الأولي وكيس المشيمة، ومجموعة الأوعية الدموية القلبية تظهر في هذه المرحلة.



    وتكون الدماء محبوسة في الاوعية الدموية حتى وإن كان الدم سائلاً، ولا يبدأ الدم في الدوران حتى نهاية الأسبوع الثالث، وبهذا يأخذ الجنين مظهر الدم الجامد أو الغليظ مع كونه دماً رطباً.

    وتندرج جميع هذه الملامح تحت المعنيين المذكورين للعلقة (دم جامد) أو (دم رطب)

    أما الفترة الزمنية التي يستغرقها التحول من نطفة إلى علقة، فإن الجنين خلال مرحلة الإنغراس أو الحرث يتحول من مرحلة النطفة ببطء، إذ يستغرق نحو أسبوع منذ بداية الحرث (اليوم السادس) إلى مرحلة العلقة، حتى يبدأ في التعلق (اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر).

    ويستغرق بدء نمو الحبل الظهري حوالي عشرة أيام (اليوم السادس عشر) حتى يتخذ الجنين مظهر العلقة.

    وهكذا فإن التعبير القرآني (علقة) يعتبر وصفاً متكاملاً عن الطور الأول من المرحلة الثانية لنمو الجنين، ويشتمل على الملامح الأساسية الخارجية والداخلية.

    ويتسع اسم (علقة) فيشمل وصف الهيئة العامة للجنين كدودة عالقة، كما يشمل الأحداث الداخلية كتكون الدماء والأوعية المقفلة.

    كما يدل لفظ علقة على تعلق الجينن بالمشيمة.

    قال علي: بالإضافة إلى هذا، فإن الدلالات الواردة في الآيات المذكورة فيما يتعلق بالفترة التي تتحول فيما النطقة إلى علقة، تأتي من حرف العطف (ثم) الذي يدل على انقضاء فترة زمنية حتى يتحقق التحول إلى الطور الجديد.. فقد أظهر القرآن الكريم التحول البطيء من النطفة إلى العلقة باستعمال حرف العطف (ثم)

    مرحلة المضغة:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى المرحلة الثالثة من مراحل الجنين، والتي سماها المضغة، فقال:﴿ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)(الحج: من الآية5)، وقال:﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً )(المؤمنون: من الآية14)

    والمضغة في اللغة تأتي بمعان متعددة منها: (شيء لاكته الأسنان)، وفي قولك (مضغ الأمور) يعني صغارها، وقد ذكر عدد من المفسرين أن المضغة في حجم ما يمكن مضغه.

    قال ألكسيس: لقد صدق القرآن في هذا وسبق.. وإن ذلك لعجب عظيم.. وفوق ذلك نرى دقة القرآن في اختيار المصطلحات.

    فعند اختيار مصطلحات لمراحل نمو الجنين، ينبغي أن يرتبط المصطلح بالشكل الخارجي، والتركيبات الداخلية الأساسية للجنين، وبناء على هذا فإن إطلاق اسم مضغة على هذا الطور من أطوار الجنين يأتي محققاً للمعاني اللغوية للفظها.

    كا أوضح علم الأجنة الحديث مدى الدقة في اختيار تسمية (مضغة) بهذا المعنى، إذ وجد أنه بعد تخلق الجنين والمشيمة في هذه المرحلة يتلقى الجنين غذاءه وطاقته، وتتزايد بذلك عملية النمو بسرعة، ويبدأ ظهور الكتل البدنية المسماة فلقات التي تتكون منها العظام والعضلات.

    ونظراً للعددي من الفلقات (الكتل البدنية) التي تتكون فإن الجنين يبدو وكأنه مادة ممضوغة عليها طبعات أسنان واضحة فهو مضغة.

    ويمكن إدراك تطابق مصطلح (مضغة) لوصف العمليات الجارية في هذا الطور مجموعة أمور.

    منها ظهور الفلقات التي تعطي مظهراً يشبه مظهر طبع الأسنان في المادة الممضوغة، وتبدو وأنها تتغير باستمرار مثلما تتغير آثار طبع الأسنان في شكل مادة تمضغ حين لوكها ـ وذلك للتغير السريع في شكل الجنين ـ ولكن آثار الطبع أو المضغ تستمر ملازمة.

    فالجنين يتغير شكله الكلي، ولكن التركيبات المتكونة من الفلقات تبقى، وكما أن المادة التي تلوكها الأسنان يحدث بها تغضن وانتفاخات وتثنيات، فإن ذلك يحدث للجنين تماماً.

    ومنها تغير أوضاع الجنين نتيجة تحولات في مركز ثقله مع تكون أنسجة جديدة، ويشبه ذلك تغير وضع وشكل المادة حينما تلوكها الأسنان.

    وكما تستدير المادة الممضوغة قبل أن تبلع، فإن ظهر الجنين ينحني ويصبح مقوساً شبه مستدير مثل حرف (C) بالإنجليزية.

    ويكون طول الجنين حوالي (1) سم في نهاية هذه المرحلة، وذلك مطابق للوجه الثاني من معاني كلمة مضغة وهو (الشيء الصغير من المادة) وهذا المعنى ينطبق على حجم الجنين الصغير. لأن جميع أجهزة الإنسان تتخلق في مرحلة المضغة ولكن في صورة برعم.

    وأما المعنى الثالث الذي ذكره بعض المفسرين للمضغة (في حجم ما يمكن مضغه) فإنه ينطبق ثانية على حجم الجنين، ففي نهاية هذا الطور يكون طول الجنين(1) سم، وهذا تقريباً أصغر حجم لمادة يمكن أن تلوكها الأسنان.

    وأما طور العلقة السابق فقد كان الحجم صغيراً لا يتيسر مضغه إذ يبلغ (3.5) مم طولاً، وينتهي طور المضغة بنهاية الأسبوع السادس.

    ولا تتمايز الفلقات في البداية، ولكنها سرعان ما تتمايز إلى خلايا تتطور إلى أعضاء مختلفة، وبعض هذه الأعضاء والأجهزة تتكون في مرحلة المضغة، والبعض الآخر في مراحل لاحقة.

    وإلى هذا المعنى تشير الآية القرآنية الكريمة:﴿ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ..﴾ (الحج:5)

    قال علي: لقد وصف القرآن الكريم التحول السريع للجنين من طور العلقة إلى طور المضغة باستخدام حرف العطف (ف) الذي يفيد التتابع السريع للأحداث.. فما يقول العلم في ذلك؟

    قال ألكسيس: وهذا سبق آخر.. فالجنين في اليومين 23-24 يكون في نهاية مرحلة العلقة، ثم يتحول إلى مرحلة المضغة في اليومين 25-26 ويكون هذا التحول سريعاً جداً، ويبدأ الجنين خلال آخر يوم أو يومين من مرحلة العلقة إتخاذ بعض خصائص المضغة، فتأخذ الفلقات (Somites) في الظهور لتصبح معلماً بارزاً لهذا الطور.

    مرحلة العظام واللحم:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى المرحلة الرابعة من مراحل الجنين، والتي تتشكل فيها العظام واللحم، فقال:﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً)(المؤمنون: من الآية14)، وقال في الآية الأخرى التي تصف البعث:﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً)(البقرة: من الآية259)

    فهاتان الآيتان تشيران إلى أن طور العظام يأتي بعد طور المضغة، وأن المضغة قد تطورت لديها عناصر هيكلية، وقد سمى القرآن الكريم الطور الذي يلي المضغة بالعظام، لأن الجنين يأخذ شكل العظام، بانتشار الهيكل العظمي في هذا الطور.

    ويشير حرف العطف (ف) في الآية الكريمة إلى أن طور العظام ينمو بعد طور المضغة بفترة قصيرة.

    قال ألكسيس: لقد صدق القرآن في هذا وسبق.. وإن في ذلك لعجبا.. فقد ظل المختصون في علم الأجنة، حتى فترة قريبة يفترضون أن العظام والعضلات تتكون في وقت واحد ولكن الأبحاث المكروسكوبية المتطورة التي أمكن إجراؤها بفضل التطور التقني كشفت أن الحقيقة ما ذكرته هذه الآيات.

    فقد أثبتت هذه الأبحاث الميكروسكوبية أن تطور الجنين داخل رحم الأم يتم كما وصفته آيات القرآن، فأولاً تتكون الأنسجة الغضروفية التي تتحول إلى عظام الجنين، ثم تكون بعدها خلايا العضلات ثم تتجمع مع بعضها، وتتكون لتلتف حول العظام[17].

    قال علي: لقد استعمل القرآن الكريم مصطلح الكساء باللحم، فهل وجد العلماء ما يؤكد هذا المعنى؟

    قال ألكسيس: لا تأخذ العظام واللحم (العضلات) شكلها الواضح المعروف في الأربعين يوماً الأولى، وتظهر في هيئتها المعتادة في الأسبوع السابع، ويشكل الجنين فتتميز لدينا مرحلة محددة مختلفة في مظهرها وتركيبها عن المرحلة السابقة (المضغة)

    وتلي مرحلة العظام مرحلة أخرى تتميز عنها بكساء الهيكل العظمي باللحم من جميع جوانبه، فتتعدل الصورة الآدمية للجنين، وتتناسق الأعضاء بصورة أدق، وبذلك يبدأ الجنين بالحركة في نهاية الأسبوع الثامن.

    وهذه مرحلة متميزة عن مرحلة العظام في التركيب والتناسق والصورة، وقدرة الجنين على الحركة.

    وتبدأ هذه المرحلة من أواخر الأسبوع السابع إلى تمام الأسبوع الثامن. وتأتي عقب مرحلة العظام مباشرة.

    وهكذا جاء النص القرآني دالاً على التتابع السريع بين المرحلتين باستعمال حرف العطف (ف) الذي يفيد تعاقب الأحداث التي يربط بينها.

    وتشير الآية أيضاً إلى أن مرحلة الكساء باللحم تمثل نهاية لمرحلة من مراحل نمو الجنين لتبدأ بعدها مرحلة النشأة بفترة من الزمن يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الدال على الترتيب والتراخي في الزمن بين الأفعال التي يربط بينها.

    قال علي: لقد ورد في الحديث تحديد العمر الذي يحصل فيه هذا، فقال r:( إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها خلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها )[18]

    قال ألكسيس: صدق نبيكم.. فقبل اليوم الثاني والأربعين يصعب تمييز الجنين البشري عن أجنة كثير من الحيوانات، مع أنه يكون مميزاً بوضوح في مظهره، وتبدأ بعض الخلايا غير المتخصصة للجنين في التخصص، وتتحول إلى أجزاء وظيفية متنوعة.

    وينجم عن هذه العملية تكون الأعضاء وتهيئتها اللازمة للحياة، ويصبح سطح الجسم أكثر استواءً في طور العظام، ويتخذ في هذا الطور مظهراً أكثر استقامة.

    قال علي: لقد ذكر القرآن الكريم ذلك، فقال يمن على الإنسان:﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ (الانفطار:7)

    مرحلة النشأة:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى المرحلة الخامسة من مراحل الجنين، والتي سماها النشأة، أو مرحلة الخلق الآخر، فقال:﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ )(المؤمنون: من الآية14)

    وكلمة ( نشأة ) مشتقة من فعل ( نشأ ) ولها عدة معان منها: (بدأ)، و(نما)، و(ارتفع، ربا).. وقد ورد حرف العطف ( ثم ) مع ( أنشأنا ) في الآية ليفيد أن مرحلة النشأة تأتي بعد مرحلة الكساء باللحم على التراخي في الزمن بصورة تدريجية.

    وفي هذه المرحلة يقع نفخ الروح كما ورد في الحديث السابق[19].

    قال ألكسيس: لقد صدق القرآن في هذا، وسبق.. فإن الجنين في نهاية الأسبوع الثامن تظهر عليه خواص بشرية، فتكسي العظام بالعضلات التي يغطيها الجلد، وتتميز بعد ذلك بشكل واضح كل أعضاء الجسم، وتبدأ بالعمل.

    وتبدأ مرحلة النشأة في الأسبوع التاسع، ويكون معدل النمو بطيئاً حتى بداية الأسبوع الثاني عشر وحينئذ يدخل طوراً جديداً من النمو السريع والتغير الكبير.

    قال علي: لقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن التعديلات والصورة التي تكتسب في هذه المرحلة، فقال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ(8)﴾ (الانفطار:7-8)

    فالكلمة ( سواك ) في الآية الكريمة تعني جعل الشيء مستوياً ومستقيماً ومهيأً لأداء وظائفه، وتعني كلمة (عدلك) تغير الشكل والهيئة لتكوين شيء محدد.

    والحرف (ف) قبل كلمة (عدلك) يشير إلى التسلسل المباشر، ويكون المعنى بذلك: (وبعد ذلك عدل هيئتك) لأن (عدلك) تبينها الآية التي تليها (في أي صورة ما شاء ركبك)

    قال ألكسيس: لقد صدق القرآن في هذا وسبق.. ففي مرحلة النشأة تختلف مقاييس الجسم، وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة، فتنتقل الأذن على سبيل المثال من الرقبة إلى الرأس، وتتحرك العينان إلى مقدمة الوجه، ويصبح الطرفان السفليان أكثر طولاً مقارنة بالجسم، وتستمر عملية التعديل والتصوير حتى الولادة بل وبعدها.

    قال علي: لقد ورد في القرآن الكريم والحديث النبوي ثلاث خطوات تحدد نمو الخصائص الجنسية (التذكير والتأنيث)

    أما الخطوة الأولى، فتحدث في مرحلة النطفة، وهي مرحلة التقدير في النطفة).

    والخطوة الثانية، وهي وهي تمايز غدتي التناسل على شكل خصيتين أو مبيضين، وهي تحدث خلال مرحلة الكساء باللحم.

    أما الخطوة الثالثة، وهي تميز الأعضاء التناسلية الخارجية خلال مرحلة النشأة، وقد نص عليها قوله r:( إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم قال يا رب أذكر أم أنثى، فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك )[20]

    فالحديث يفيد أن الملك يستأذن الله تعالى في جعل الجنين ذكراً أم أنثى بعد خلق السمع والبصر واللحم والعظم والجلد، فيأذن الله له بذلك.

    وهذا يتحقق بخلق الأعضاء التناسلية الخارجية التي يتم بها التمييز النهائي للذكورة والأنوثة، وتكتمل بها أطوار تحديد الجنس.

    الولادة:

    قال علي: وقد ذكر الله في القرآن الكريم، وهو يمن على عباده، تيسير ولادتهم، فقال:﴿ قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)﴾ (عبس 17 ـ 20)

    فتيسير سبيله عند خروجه من الرحم هو أحد المفاهيم التي تشعها الآية الكريمة[21]، وهي تبدي هذه الرعاية الربانية للنطفة ثم بعد اكتمالها في خروجها وتيسير سبيلها.

    قال ألكسيس: لقد صدق قرآنكم في هذا.. فتيسير السبيل في الولادة أمر عجيب، لأنه حير القدماء.. إذ كيف يمر الجنين في ذلك الممر الضيق.. وعنق الرحم لا يسمح في العادة لأكثر من إبرة لدخوله.. فيتسع ذلك العنق ويرتفع تدريجياً في مرحلة المخاض حتى ليسع أصبع ثم إصبعين ثم ثلاثة فأربعة فإذا وصل الاتساع إلى خمسة أصابع فالجنين على وشك الخروج.

    ليس ذلك فحسب، ولكن الزوايا تنفرج لتجعل ما بين الرحم وعنقه طريقاً واحداً وسبيلاً واحداً ليس فيه اعوجاج كما هو معتاد حيث يكون الرحم مائلاً إلى الأمام بزاوية درجتها تسعين درجة تقريباً.

    وفي الحمل يكون وضع الرحم من عنقه في خط واحد، وخاصة في آخر الحمل بدون زاويا.

    ثم يأتي دور الإفرازات والهرمونات التي تسهل عملية الولادة، وتجعل عظام الحوض عضلاته ترتخي، وخاصة بتأثير مفعول هرمون الإرتخاء Relaxin.

    وتتضافر هذه العوامل جميعاً لتيسر لهذا المخلوق سبيل خروجه إلى الدنيا.

    ولا يقتصر معنى تيسير السبيل على هذا، وإنما يستمر ذلك التيسير بعد الولادة حيث يسر للرضيع لبن أمه، وحنانها، ثم يسر له عطف الوالدين وحبهم، ثم يستمر التيسير لسبل المعاش من لحظة الولادة إلى لحظة الممات.

    2 ـ مرحلة الطفولة:

    قال علي: ومن المراحل التي ذكرها القرآن الكريم مرحلة الطفولة، فقال تعالى:﴿ )ً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً )(الحج: من الآية5)

    وقد اعتبر القرآن الكريم هذه المرحلة من مراحل اضعف، فقال تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54)

    ولذلك، فقد شرع التشريعات الكثيرة المرتبطة بصحة الولد وتقويته، ومن ذلك إلزامه أمه بالإرضاع، فقال تعالى:﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:233)

    وقد اعتبر الله تعالى هذا الضعف في الصغير، فلم يرهقه بالتكليف، بل ترك له الفرصة ليتعرف على المحيط من حوله بيسر ورفق [22].

    3 ـ مرحلة القوة:

    قال علي: ومن المراحل التي ذكرها القرآن الكريم مرحلة القوة، وهي مرحلة تجمع بين مرحلتي الشباب والكهولة، قال تعالى:﴿ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ )(الحج: من الآية5)، وقد سماها الله بهذا الاسم، فقال:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54)

    وبما أن هذه المرحلة هي مرحلة القوة، فقد جعلها الشرع محل التكليف والمسئولية، وامتدحت النصوص من سعى لتقوية نفسه بكل ما أمكنه من صنوف التقوية.

    4 ـ مرحلة الشيخوخة:

    قال علي: لقد ذكر الله تعالى مرحلة الشيخوخة[23]، واعتبرها مرحلة ضعف، فقال:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54)

    وذكر بعض مظاهر الضعف الذي يميز هذه المرحلة، فقال تعالى:﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:78)، وقال تعالى:﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (هود:72)

    بل إن الله تعالى سمى هذه المرحلة بما تتميز به من ضعف أرذل العمر، فقال:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (النحل:70)، وقال تعالى:﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً)(الحج: من الآية5)

    قال ألكسيس: صدق كتابكم في هذا.. ففي مرحلة الشيخوخة تتجلى كل أنواع الضعف بأرفع درجاتها.

    ففي طور الشيخوخة يضعف الجسم شيئاً فشيئاً وتهاجمه الأمراض البدنية المختلفة في كل مكان، فيضعف من بعد قوة.

    وإذا امتدت الشيخوخة وصل الجسم إلى مرحلة الشيخوخة المتأخرة التي هي أشد وطأة على الجسم والنفس معاً، وأكثر ألماً وضعفاً وأكثر عجزاً.

    ذلك أن عوامل الهدم في الجسم تصير أكثر من عوامل البناء، ويصاحب ذلك تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم تقلل من كفاءتها كثيراً.. لذلك ما أن تدب الشيخوخة في الجسم حتى يصاحبها الشعور بالضعف، ويتحول الجسم إلى مرعى خصيب لكثير من العلل والأمراض التي ربما تطول إقامتها فيه، وقد لا تبرحه قط.

    وما يحدث في خلايا جسم الإنسان يحدث في خلايا كل كائن حي.. فكل كائن حي يمر بأطوار الطفولة والشباب والشيخوخة.. ففي عالم النبات مثلاً نجد هذه الأطوار في كل نبتة وكل شجرة، ونقرأ عن هذه الحقائق في سورة الإسراء في قول الله عز وجل.

    قال علي: لقد ورد في النصوص أن هذه المرحلة تمر بها العوالم الأخرى المصاحبة للإنسان.. ومنها عالم النبات، فقد قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (الزمر:21)، وقال تعالى:﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20)

    قال ألكسيس: ذلك صحيح.. فالشيخوخة تحدث في النبات كما تحدث في الإنسان والحيوان ذلك أن الشيخوخة من سنن الكون الذي نعيش فيه..

    فالذي ينظر إلى إلى الكون يجد الشيخوخة طورا زمنيا حتميا في دورة حياة كل مخلوق، أو دورة خلق كل موجود، فالشيخوخة من فطرة الخالق في هذا الكون، من أول الخلية الحية التي لا ترى إلا بالمجهر إلى خلق المجرة الهائلة في الفضاء الكوني.

    فكل شيء في الكون يبدأ خلقه بطور الطفولية وينتهي إلى طور الشيخوخة.. نجد ذلك في الإنسان والنبات والحيوان والطير وحتى الجماد كالجبال والمحيطات.. وحتى الكواكب والنجوم، وتبدأ كل خلية في الجسم في طور شبابها، ثم بعد ذلك تظهر عليها أعراض الشيخوخة.

    ومع أن زمن الخلية البيولوجي ـ وهو ما يسمى بالعمر الافتراضي ـ موجود بها منذ خلقها إلا أن عوامل البيئة المحيطة بها قد تؤثر عليها، فكل خلية بالجسم تعيش في توازن فسيولوجي في منتهى الدقة ويصيب الخلل هذا التوازن الفسيولوجي مع تقدم العمر، وذلك بسبب تغيرات بالبيئة الداخلية المحيطة بالخلية مما يعجّل بحلول الشيخوخة فيها، ومهما يكن من أمر فإن الشيخوخة طور حتمي من أطوار حياة الجسم لا يمكن منعه فالزمن يسوق الجسم إلى الشيخوخة سوقاً ويدفعه إليها دفعاً وتجري الحياة والموت جنباً إلى جنب في جسم الإنسان: ملايين الخلايا تموت كل ثانية من الثواني وملايين أخرى من الخلايا تحيا.. ففي جسم الإنسان منايا وحياة.. حتى إذا جاءت الشيخوخة زادت عمليات الموت والهدم على عمليات الحياة والبناء، وبذلك تحل الشيخوخة في الجسم ولا يمكن إعادة الشباب في خلايا الجسم أبداً.

    قال علي: لقد ربط الله تعالى بين رقة العظام والشيخوخة [24] ، فقال تعالى على لسان نبيه زكريا u:﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4)

    قال ألكسيس: هذه حقيقة علمية.. فهشاشة العظام هي أحد أمراض العظام، وهو تعبير يطلق على نقص غير طبيعي واضح في كثافة العظام (أي كمية العظم العضوية وغير العضوية)، وتغير نوعيته مع تقدم العمر، ويتألف العظم أساساً من بروتين ومعدن عظمي يحتوي على الكالسيوم.

    إن العظام في الحالة الطبيعية تشبه قطعة الإسفنج المليء بالمسامات الصغيرة، وفي حالة الإصابة بهشاشة العظام يقل عدد المسامات وتكبر أحجامها، وتصبح العظام أكثر هشاشة وتفقد صلابتها، وبالتالي فإنها يمكن أن تتكسر بمنتهى السهولة.

    قال علي: ما صلة هشاشة العظام بالسن؟

    قال ألكسيس: إن عظامنا تتقوى في مقتبل حياتنا، عندما نكون في مرحلة النمو، أما الكثافة العظمية فتصل إلى أعلى مستوياتها عادة في أواخر سن المراهقة أو في العشرينات من العمر، بعد هذا الوقت، تبدأ العظام بالترقق تدريجيا وتصبح أكثر هشاشة طوال الجزء المتبقي من عمرنا.

    ويمكن للأطباء أن يحصلوا على مؤشر جيد لقوة العظام بقياس الكثافة العظمية. وعلى الرغم من أن بعض الفقد العظمي هو جزء من عملية الشيخوخة الطبيعية، فلا ينبغي أن تصبح العظام هشة جداً حتى إنها لا تتحمل اجهادات الحياة اليومية العادية.

    فعندما يصاب الإنسان بهشاشة العظام، فإن قوة عظامه تنقص إلى الدرجة التي فيها يصبح أكثر عرضة لحدوث الكسور بشكل تلقائي لمجرد التعرض لإصابة بسيطة.

    ومخاطر حدوث هشاشة العظام لدى أي إنسان تتأثر بكمية الكتلة العظمية المتكونة إلى حين وصول هذا الإنسان إلى ذروة كتلته العظمية، وكمية الكتلة العظمية تنقص مع تقدمنا في السن، فإن مخاطرة حدوث هشاشة العظام تكون أعلى في الأشخاص المسنين.

    وعلى الرغم من أن تخلخل العظام شائع كثيراً لدى النساء المتقدمات في العمر إلا أنه يصيب أيضاً الرجال وقد يحدث في أي عمر. ففي عمر الثمانين يمكن لأي أمرأة من ثلاث نساء وأي رجل من خمسة رجال أن يتعرض لكسر نتيجة تخلخل العظام.

    قال علي: ما الأسباب التي جعلت الشيوخ يتعرضون لهشاشة العظام؟

    قال ألكسيس: كثيرة تلك الأسباب..

    منها أن الخلايا التي تكون العظام تصاب أيضا بالشيخوخة، لذا يقل إنتاج الكولاجين وتكوين العظام عند المسنين.

    ومنها أن تكوين فيتامين (د) النشط في الجلد يقل مما يقلل من امتصاص الكالسيوم، وهذا أيضا يسرع من عملية فقدان العظام نتيجة زيادة افراز الغدة الجار درقية مما ينتج عنه زيادة في نشاط الخلايا التي تكسر العظام.

    ومنها نقص هرمون الاستروجين في الرجال والنساء على حد سواء، حيث أن الاستروجين يمنع فقدان الكتلة العظمية، حيث يحد من نشاط الخلايا التي تكسر العظام.

    وقد تبين حديثا أن الأستروجين ينظم إفراز مادة الأوستيبروتجرين المثبطة للخلايا المكسرة للعظام.

    ومنها نقص افراز عامل النمو.

    قال علي: لهذا كله شرع الله تعالى لهذه المرحلة ما تستدعيه من العناية، وأول ذلك أن أوصى الأولاد برعاية آبائهم، قال تعالى:﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ (الاسراء:23-24)

    قال ألكسيس: إن هذه المبادئ السامية التي جاء بها القرآن دلالة على ما يرتبط بهذه المرحلة من أحوال نفسية صعبة، تستدعي معاملة خاصة.

    قال علي: ومن ذلك تخفيف التكليف رعاية لقدرات الشيخ، قال تعالى في الصيام:﴿ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:184)







    3 ـ وظائف الأعضاء

    لقد كان ألكسيس يسمع هذه المعاني الكثيرة المفصلة التي نطق بها القرآن بحرص عظيم، وكأنه قد وجد ضالته التي كان يبحث عنها من زمن بعيد.

    قال لعلي: أتدري.. إن ما أوردته من ذكر القرآن لمراحل حياة الإنسان أكد لي ما ذكرته من أن الإنسان لا يعرفه إلا ربه.. لقد فهمت الآن الآية التي قرأتها علي، والتي تقول:﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14)

    وما قرأته علي من الآية الأخرى:﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ )(لنجم: من الآية32)

    قال علي: ليس ذلك فقط.. فالقرآن بحر لا ساحل له.. إنه كلام الله، وكلام الله لا يمكن أن يحاط بمعانيه.. إنه يسقيك كل يوم من المعاني بقدر استعدادك.

    قال ألكسيس: لقد اهتم ألكسيس كاريل وأنا وكثير من الفلاسفة والأطباء بالبحث عن وظائف الأعضاء.. وقد تأخر كشف الكثير منها.. فهل في قرآنكم ذكر لهذا؟

    قال علي: أجل.. ما دام هذا مهما.. ففي القرآن ذكره.. وسأذكر لك ما يقول القرآن لتقول لي ما اكتشفتموه في معاملكم.

    الناصية:

    قال علي: سأقص عليك قصة ترتبط بي[25].. لقد كنت أقرأ القرآن الكريم، وأتعجب من وصف الناصية بأنها كاذبة خاطئة في قوله تعالى:﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ (العلق:16)

    لقد كنت أقول لنفسي: الناصية لا تنطق، فكيف يسند إليها الكذب؟.. وهي لا تجترح الخطايا، فكيف تسند إليها الخطيئة؟

    وقدر الله أن جلست يوما مع البروفيسور محمد يوسف سكر[26] ، فأخذ يحدثني عن وظائف المخ، ويقول: إن وظيفة الجزء من المخ الذي يقع في ناصية الإنسان هي توجيه سلوك الإنسان، فقلت له: وجدتها!

    قال لي: ماذا وجدت؟

    قلت: وجدت تفسير قوله تعالى: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾

    فخشي أن يكون قد استعجل، فقال: دعني أراجع كتبي ومراجعي.

    وبعد مراجعته لتلك الكتب والمراجع ، أكد الأمر وقال: إن الإنسان إذا أراد أن يكذب، فإن القرار يتخذ في الفص الجبهي للمخ الذي هو جبهة الإنسان وناصيته، وإذا أراد الخطيئة، فإن القرار كذلك يتخذ في الناصية.

    ثم عرضت الموضوع على عددٍ من العلماء المتخصصين، منهم البرفسور كيث إل مور [27] الذي أكد أن الناصية هي المسئولة عن المقايسات العليا وتوجيه سلوك الإنسان، وما الجوارح إلا جنود تنفذ هذه القرارات التي تتخذ في الناصية.

    قال ألكسيس: صدق من حدثك بهذا، فبدراسة التركيب التشريحي لمنطقة أعلى الجبهة وجد أنها تتكون من أحد عظام الجمجمة المسمى العظم الجبهي، ويقوم هذا العظم بحماية أحد فصوص المخ، والمسمى الفص الأمامي أو الفص الجبهي، وهو يحتوي على عدة مراكز عصبية تختلف فيما بينها من حيث الموقع والوظيفة.

    وتمثل القشرة الأمامية الجبهية الجزء الأكبر من الفص الجبهي للمخ، وترتبط وظيفة القشرة الأمامية الجبهية بتكوين شخصية الفرد، وتعتبر مركزاً علوياً من مراكز التركيز والتفكير والذاكرة، وتؤدي دوراً منتظماً لعمق إحساس الفرد بالمشاعر، ولها تأثير في تحديد المبادأة والتمييز.

    وتقع القشرة مباشرة خلف الجبهة، أي أنها تختفي في عمق الناصية، وبذلك تكون القشرة الأمامية الجبهية هي الموجه لبعض تصرفات الإنسان التي تنم عن شخصيته مثل الصدق والكذب والصواب والخطأ.

    وهي التي تميز بين هذه الصفات وبعضها البعض وهي التي تحث الإنسان على المبادأة سواءً بالخير أو بالشر.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ سابعا ـ الإنسان

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 17:46

    قال علي: وعندما قدم البرفسور كيث إل مور البحث المشترك بيني وبينه حول الإعجاز العلمي في الناصية، في مؤتمر دولي[28] لم يكتف بالحديث عن وظيفة الفص الجبهي في المخ (الناصية) عند الإنسان، بل تطرق إلى بيان وظيفة الناصية في مخاخ الحيوانات المختلفة ، وقدم صورا للفصوص الجبهية في عدد من الحيوانات قائلاً: إن دراسة التشريح المقارن لمخاخ الإنسان والحيوان تدل على تشابه في وظيفة الناصية ، فالناصية هي مركز القيادة والتوجيه عندالإنسان وكذلك عند كل الحيوانات ذوات المخ.

    حين ذلك صحت من غير أن أشعر: نعم.. لقد وجدتها.. لقد ذكر القرآن الكريم هذا، فالله تعالى يقول:﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(هود:56)

    ورسول الله r يقول:( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ)[29]، وقوله:( أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ)[30]، وقوله:( الْخَيْلُ معقود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )[31]

    فإذا جمعنا معاني هذه النصوص نستنتج أن الناصية هي مركز القيادة والتوجيه لسلوك الإنسان، وكذا سلوك الحيوان.

    الجلد:

    قال علي: ومن علم وظائف الأعضاء الذي يمكن استنباطه من القرآن الكريم حديثه عن الجلد[32]، فقد قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:56)

    ففي هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى عما يعاقب به في نار جنهم من كفر بآياته، وصد عن رسله، بأنه سيدخلهم ناراً دخولاً يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم، ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، وأنه كلما احترقت جلودهم، بدلوا جلوداً غيرها.

    قال ألكسيس: إن هذا لا يقوله إلا من يعلم طبيعة الجلد، ومحل الألم.. والشبكة العصبية في الجلد.

    فالجلد أكبر أعضاء جسم الإنسان، من حيث المساحة، فمتوسط مساحته هو 1.8 متر مربع، وهو يحيط بالجسم كله، فيحميه ويكسبه مظهر جميلاً، كما أنه يتلقى المؤثرات الواقعة على الجسم من خارجه، وتظهر عليه انفعالات الجسم.

    ويتركب الجلد ـ كما توصلت البحوث الحديثة ـ من ثلاثة طبقات، الخارجية (السطحية) الرقيقة، تسمى البشرة[ Epidermis] والوسطى(المتوسطة)، وتسمى الأدمة [ Dermis] وهي الجلد الحقيقي، والداخلية (السفلى ) وتسمى النسيج تحت الجلد[ Subcutaneus tissue]

    أما البشرة، فهي طبقة خالية من الأوعية الدموية،وتقوم بحماية الجسم من التأثيرات الخارجية والصدمات، وهي أرق طبقات الجلد، وإن كانت تتألف من أربع طبقات ثانوية، بالإضافة إلى طبقة خامسة في مناطق مثل راحة اليد وباطن القدم، وتسمى (الطبقة الصافية) أي (الطبقة الرائقة)

    وأما الأدمة فتحتوي أوعية دموية، وغدد عرقية، وبصيلات الشعر، والنهايات العصبية المستقبلة للألم والشعور بالحرارة والبرودة واللمس وخلافه، كما أنها هي التي تحدد ثخانة الجلد في مناطق مثل: راحة اليد وباطن القدم. وتتراوح ثخانة الجلد بين 2/1 ـ 5 ملليميترات، حسب مناطق الجسم.

    وهكذا يتضح بالتشريح الدقيق للجلد وجود شبكة من الألياف العصبية، توجد بها نهايات عصبية حرة، في طبقات الجلد، وتقوم هذه النهايات باستقبال جميع المؤثرات الواقعة على الجلد من البيئة الخارجية المحيطة به، من درجة حرارة، إلى رطوبة، إلى ضغط، إلى لمس، إلى ألم وغيرها.

    كما تتحمل هذه الشبكة العصبية المسؤولية في تنظيم عمل المكونات الأخرى الموجودة بالجلد، مثل: الغدد الجلدية وأجربة [ Follicles] الشعر والأوعية الدموية[ Blood vessels]

    ومما يذكر في هذا المقام أن الطبقة السفلى (تحت الأدمة) غنية بالنهايات العصبية المسئولة عن الإحساس بالضغط لكنها ـ أي: أن الطبقة السفلى ـ فقيرة في مستقبلات الألم واللمس وتتبادل هذه النهايات العصبية (المستقبلات) الألم والشعور به، وفيها المسئول عن اللمس والاحتكاك والضغط.

    ونتيجة لذلك كله ، فالجلد عضو إحساس من الطراز الأول، حيث توجد به خريطة مدهشة من الأعصاب، لم يتم الكشف عنها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، بعد تقدم وسائل البحوث الحديثة في كل من علم التشريح، وعلم الأنسجة، وغيرها من العلوم.

    قال علي: فكيف يؤثر الحرق في الجلد، ولماذا يكون الألم شديدا؟

    قال ألكسيس: إن المستقبلات الحسية المنتشرة في طبقات الجلد تستقبل المؤثرات البيئية الواقعة عليها طوال اليوم، ويتحول كل مؤثر سواء كان حرارة أو لمسا أو ضغطا أو كيا أوغيرها إلى نبضات كهربائية بداخل الأعصاب التي توجد هذه المستقبلات بأطرافها.

    وتنتشر وتنتقل هذه النبضات على امتداد هذه الأعصاب إلى الدماغ (المخ ) ـ وهو المركز الرئيسي في الجهاز العصبي للإنسان ـ فتتم ترجمة المؤثر المستقبل، وبيان نوعه، وتحديد الاستجابة المناسب تجاهه، إن كانت بالسلب أم بالإيجاب.

    أما في الأولى فتنفعل عضلات الإنسان لإبعاده عن موقع المؤثر السيئ، وأما في الثانية فتنفعل عضلاته نحو هذا المؤثر وتقترب منه أكثر.

    ويستطيع الإنسان أن يشعر بالمؤثر الواقع على الجلد طالما يقع هذا المؤثر داخل حدود معينة من الشدة، فإذا انخفضت شدته عن الحد الأدنى لم يشعر به الجلد، وإذا ارتفعت شدته عن الحد الأقصى شعر الجلد بألم، وقد ترتفع شدة المؤثر بدرجات كبيرة فتكون استجابة الجلد عنيفة وتؤدي إلى حدوث صدمة أو هبوط في الدورة الدموية وفقدان للوعي.

    وبالطبع، فإن هناك أجهزة أخرى غير الجلد يصيبها الإعياء والهبوط الوظيفي والتوقف عن العمل نتيجة تألم الجلد، أي: استجابته للمؤثر الواقع عليه، ولكن يبقى الجلد هو العضو الوحيد في جسم الإنسان المسئول عن الشعور بالألم.

    فعندما يتعرض الجلد للإحراق فإنه يتألم، أي: ينقل الإحراق (كمؤثر) إلى الدماغ فيترجمه، وتكون النتيجة هي شعور الجسم بالألم وإذا كان الحرق من الدرجة الأولى (سطحي) تلتهب الطبقة الخارجية للجلد وتحمر ويتورم الجلد، ويصحب هذا آلام موضعية شديدة نتيجة لتأثير الحرق في الألياف العصبية، وتحدث هذه الحروق ـ مثلاًـ نتيجة التعرض فترة طويلة للشمس المباشرة ساعات الظهيرة.

    وإذا كان الحرق من الدرجة الثانية (أدمي) يشتد الألم لدرجة أن الجسم يفقد من السوائل ويتأثر ضغط الدم الشرياني وتتضرر الدورة الدموية، وقد يصاب الجسم بصدمة عنيفة. ويلاحظ في هذه الدرجة تكون أكياس مائية مختلفة الأحجام على البشرة، وقد تتمزق بسهولة، لتخرج سائلاً ملحياً، أو تنزف دماً.

    وإذا كان الحرق من الدرجة الثالثة (تحت الجلدي) فإن الحرارة الشديدة للحرق تؤدي إلى حدوث تلف شديد للطبقات العميقة بالجلد والأنسجة المجاورة، وتؤدي أيضاً إلى التفحم الجلدي، واضطراب وظائف العظام والعضلات، كما تؤدي إلى تجلط بروتينات الألياف العصبية، وتكون النتيجة هي توقف هذه الألياف عن العمل، أي: لا تكون قادرة على الإحساس بالمؤثر (الحرق)، وبالتالي يتوقف شعور الإنسان بالألم.

    سكت ألكسيس قليلا، ثم قال: إن القرآن يشير في هذه الآية إلى حقيقة علمية لم يتوصل العلماء إلى معرفتها إلا حديثاً، بعدما تقدمت علوم التشريح والأنسجة، واخترعت أجهزة التكبير والقياس، فالآية تشير إلى مراكز الإحساس في الجلد، وتشير إلى وجود البروتينات التي تتجلط بحرارة النار الشديدة.

    قال علي: لقد ورد نص آخر في القرآن الكريم قريب من هذا جاء فيه:﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) (الحج:19-20)

    ومعنى (يُصهَر)، أي: يذاب، والمعنى أن الحميم (وهو الماء الحار العنيف الحرارة) تنزل فوق رؤوسهم فيخترقها ويسقط في أجوافهم فيهلك أمعاءهم وأحشاءهم كما يتلف جلودهم.

    والحميم ـ على النحو المذكور في هذه الآية ـ يذيب جميع المحتوى الداخلي للأجسام، وهذا أشد مما ذكر في آية قرآنية أخرى يقول الله تعالى فيها:﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ﴾(محمد:15)

    قال ألكسيس: صدق القرآن في هذا، وسبق فلا بد من تقطيع الأمعاء أو تثقيبها لتتألم، لأن الحميم لا يؤلمها إلا إذا ثقبت، فيخرج منها ويؤثر في مراكز الإحساس بالحرارة الزائدة، كما أن الحميم لا يؤلم إلا بوجود جلد، لأن فيه توجد مراكز ومستقبلات الإحساس بالحرارة الشديدة، ولذلك جاءت من وجهة النظر العلمية لفظة (والجلود) عُقيب (بطونهم)

    قال علي: فهل هناك علاقة بين حروق الجلود وتلف الأحشاء، فقد قال تعالى في الأية السابقة:﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ﴾( الحج:19)

    قال ألكسيس: أجل.. فمع صب الحميم فوق الرؤوس وإغراقه لجلد الجسم العام، وإتلافه للجلد، فإن هذا التلف الذي هو في شكل حروق مدمرة تؤدي إلى حدوث اضطرابات وظيفية عنيفة في الجهاز الهضمي، يتبعها حدوث شلل للأمعاء وتمدد حاد لجدار المعدة، ثم ظهور تقرحات عنيفة فيها وفي الإثني عشر، ثم حدوث ثقوب في القناة الهضمية ونزيف داخلي كالذي يحدث عند ابتلاع مادة كاوية، وكذلك حدوث انتفاخ ضبابي للكبد نتيجة تراكم المواد السامة المتخلفة عن احتراق الأنسجة، وكذلك نقص الأكسجين والدم الواصلين إليه.

    قال علي: فقد ذكر القرآن الكريم تأثير إحراق الجلود في التنفس، فقال تعالى:﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾( هود:106)

    قال ألكسيس: هذا ما توصل إليه العلم الحديث، فلقد اكتشف العلماء تغيرات وظيفية (فسيولوجية) تطرأ على الجهاز التنفسي نتيجة لحروق الجلد العنيفة، مما يؤدي إلى اختلاف المعادلة الوظيفية التي تحكم نسبة التهوية /التروية [Ventilation – perfusion ratio]

    قال علي: وقد ذكر الله تعالى تأثير احتراق الجلد في القلب، فقال تعالى:﴿ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)﴾(الهمزة)

    قال ألكسيس: لقد اكتشف العلماء حدوث تغيرات كبيرة في الفؤاد (القلب) والجهاز الدوراني بجسم المحروق، منها: هبوط انقباضية الفؤاد، هبوط في جانبه الأيسر، أو في جانبه الأيمن، أو في كليهما معاً، كما تحدث تغيرات ضارة جداً في سوائل الدم وخلاياه.

    الرحم:

    قال علي: ومن علم وظائف الأعضاء الذي يمكن استنباطه من القرآن الكريم حديثه عن الرحم، وتهيئته للوظيفة الخطيرة التي أنيطت به، فقد قال تعالى:﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)﴾(المرسلات)، ومثله قوله تعالى:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) (المؤمنون:13)

    قال ألكسيس: لقد صدق القرآن في هذا، وسبق، فهذه الآيات تشير إلى حقيقتين علميتين ثابتتين ليس في علم الأجنة فقط، وإنما في علم التشريح والغريزة أيضاً [33].

    أما الحقيقة الأولى، فهي وصف الآيات للرحم بالقرار المكين.

    وأما الحقيقة الثانية، فهي إشارة إلى عمر الحمل الثابت تقريباً، أو ما أسماه القرآن: القدر المعلوم، وكأني بالقرآن يدعوكم للبحث والتأمل لما تحتويان من الأسرار المرتبطة بذلك القدر المعلوم.

    أما الحقيقة الأولى.. فإن الرحم يقع في الحوض بين المثانة من الأمام والمستقيم من الخلف، ويتألف من ثلاثة أقسام تشريحية هي: الجسم والعنق والمنطقة الواصلة بينهما وتسمى المضيق.

    ويحيط بالرحم جدار عظمي قوي جداً، يسمى الحوض، ويتألف الحوض من مجموعة عظام سميكة هي العجز والعصعص من الخلف، والعظمين الحرقفين من الجانبين ويمتدان ليلتحمان في الأمام على شكل عظم العانة ،هذا البناء العظمي المتين لا يقوم بحماية الرحم من الرضوض والضغط الخارجية من الجوانب كافة فحسب، وإنما يطلب منه أن يكون بناءا وترتيبا تشريحيا يرضى عنه الجنين ، بحيث يكون ملائماً لنموه ،متناسباً مع حجمه وشكله ،و أن يسمح له عندما يكتمل نموه ويكبر آلاف المرات بالخروج والمرور عبر الفتحة السفلية إلى عالم النور ،و بشكل سهل. فأي اضطراب في شكل الحوض أو حجمه قد يجعل الولادة صعبة أو مستحيلة ،و عندها يلزم شق البطن لاستخراج الوليد بعملية جراحية تسمى القيصرية.

    وهناك أربطة الرحم، وهي تمتد من أجزاء الرحم المختلفة لترتبط بعظام الحوض أو جدار البطن تسمى الأربطة الرحمية تقوم بحمل الرحم، وتحافظ على وضعيته الخاصة الملائمة للحمل والوضع، حيث يكون كهرم مقلوب، قاعدته في الأعلى وقمته في الأسفل، وينثني جسمه على عنقه بزاوية خفيفة إلى الأمام، كما تمنع الرحم من الانقلاب إلى الخلف أو الأمام ،و من الهبوط للأسفل بعد أن يزيد وزنه آلاف المرات.

    وهذه الأربطة هي: الرباطان المدوران، والرباطان العرضيان، وأربطة العنق الأمامية والخلفية.

    هذا من الناحية التشريحية..

    أما من الناحية الهرمونية، فإن الجنين يكون في حماية من تقلصات الرحم القوية، التي يمكن أن تؤدي لموته، أو لفظه خارجاً، وذلك بارتفاع عتبة التقلص لألياف العضلة الرحمية بسبب ارتفاع نسبة هرمون البروجسترون الذي هو أحد أعضاء لجنة التوازن الهرموني أثناء الحمل والتي تتألف من المنميات التناسلية: كمشرف، وهرمون الجريبين كعضو يقوم بالعمل مباشر ، وهرمون البروجسترون كعضو يقوم بالعمل مباشرة.

    وتتعاون هذه اللجنة وتتشاور لتؤمن للجنين الأمن والاستقرار في حصنه المنيع، ولتحول من الرحم قرارا مكينا كما ذكر القرآن.

    الوجه:

    قال علي: من الوظائف التي ذكرها القرآن الكريم للجلد هي كونه مرآة للنفسة[34]، فالله تعالى يقول:﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل:58)، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (الزخرف:17)، وقال تعالى:﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (الملك:27)، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ )(الحج: من الآية72)

    قال ألكسيس: صدق القرآن في هذا.. فهذه حقيقة علمية لا شك فيها، فقد قررت الأبحاث الطبية والسيكولوجية أن الوجه حقاً مرآة للنفس، يقول الدكتور جايلورد هاروز:( إن وجهك هو رسولك إلى العالم، ومنه يمكن أن يتعرف الناس على حالك بل يمكنك إذا نظرت إلى المرآة أن تعرف حالتك تحديداً، وأن تسأل وجهك عما يحاج إليه.. فتلك الحلقات السوداء التي تبدوا تحت العينين تدل دلالة واضحة على احتياج الإنسان للتغذية وتنقية الجو الذي يعيش فيه فهو يفتقر على الغذاء والهواء.. وأما هذه التجاعيد التي تظهر بوضوح مدى ما أصاب الإنسان من سنين فهي علامات على كيف تسير حياة صاحب الوجه )

    والطب الحديث يقرر أن بالوجه خمساً وخمسين عضلة نستخدمها دون إرادة أو وعي في التعبير عن العواطف والانفعالات، وتحيط بتلك العضلات أعصاب تصلها بالمخ، وعن طريق المخ تتصل تلك العضلات بسائر أعضاء الجسم، وكذلك ينعكس على الوجه كل ما يختلج في صدرك أو تشعر به في أي جزء من جسمك.. فالألم يظهر واضحاً أول ما يظهر على الوجه.. والراحة والسعادة..مكان وضوحها وظهورها هو الوجه.. وكل عادة حسنت أو ساءت تخفر في الوجه أثراً عميقاً، فلذلك فإن الوجه هو الجزء الوحيد من جسم الإنسان الذي يفضح صاحبه وينبيء عن حاله ولا يوجد عضو آخر يمكن به قراءة ما عليه الإنسان.

    بل إن العلماء يقولون بإمكان قراءة طبع الشخص وخلقه في تجاعيد وجهه.. فأهل العناد وقوة الإرادة الذين لا يتراجعون عن أهدافهم من عادتهم زم الشفاه فيؤدي ذلك إلى انطباع تلك الصورة حتى حين لا يضمرون عناداً..أما التجاعيد الباكرة حول العينين فترجع إلى كثرة الضحك والابتسام وأما العميقة فيما بين العينين فتدل على العبوس والتشاؤم..و الخطباء ومن على شاكلتهم من محامين وممثلين تظهر في وسط خدودهم خطوط عميقة تصل إلى الذقن، والكتبة على الآلة والخياطون ومن يضطرهم علمهم إلى طأطأة الرأس تظهر التجاعيد في أعناقهم وتتكون الزيادات تحت الذقن.

    وقد قال ألكسيس كاريل:( إن شكل الوجه يتوقف على الحالة التي تكون عليها العضلات المنبسطة التي تتحرك داخل الدهن تحت الجلد وتتوقف حالة هذه العضلات على حالة الأفكار )

    ويعبر الوجه أيضاً عن أشياء أعمق من نواحي نشاط الشعور فيمكن للمرء أن يقرأ فيه ـ فضلاً عن رذائل الشخص وذكائه ورغبته وعواطفه وأكثر عاداته تخفياً.

    عجب الذنب:

    قال علي: ومما ورد في النصوص ذكره، مع أنه لا يزال لغزا عظيما، هو عجب الذنب[35]، فقد ذكره r ، فقال:( كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب)[36]

    وقال r ، وهو يذكر أحداث البعث:( ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما تنبت البقل وليس في الإنسان شيء إلا بلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب )[37]

    وقال r:( وإن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة ) قالوا: أي عظم يا رسول الله؟ قال:( عجب الذنب )[38]

    فهذه الأحاديث تنص على أن الإنسان يخلق من عجب الذنب، وأن عجب الذنب لا يبلى، وأن فيه يركب الخلق يوم القيامة.

    وعجب الذنب ـ كما ينص الشراح ـ هو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع.

    قال ألكسيس: إن ذكر هذا يحتاج علوما كثيرة.. إن هذا إعجاز عظيم.. ولتفهمه، ينبغي أن تفهم أولا أهمية الجزء الذيلي Caudal part من جسم الإنسان.

    ولنبدأ بما بدأ به الحديث (منه خلق)..

    فبعد أن تنقسم البيضة المخصبة عدة انقسامات تترتب خلايا inner Cell mass إلى القرص الأولي المكون من طبقتين من الخلايا: خارجية وداخلية، ثم يستطيل هذا القرص وتستدق نهايته الذيلية مكوناً شكلاً كمثرياً ليبدأ الحدث الأهم في الأسبوع الثالث من حياة الجنين وهو ظهور أخدود طولي في الجزء الذيلي من القرص الجنيني في اليوم الخامس عشر، والذي يعرف باسم الشريط الأولي، والذي تكمن أهميته في كونه الموزع الرئيسي للخلايا المكونة للأنسجة الجنينية الثلاثة حيث تبدأ خلايا بالانفصال عنده هذا الشريط لتتخذ مكاناً لها بين الـ Ectoderm & Endoderm مكونة الطبقة الثالثة الـ Mesoderm.

    وهذه الطبقات الثلاث التي تأخذ مواقعها وترتيبها نتيجة النشاط الغزير للشريط الأولي ـ هي الأساس لجميع الأنسجة الجسمية المنوعة:

    فالـ Ectoderm يكون ‹الجهاز العصبي CNS,، والخلايا الحسية في الأنف والأذن والعين، وطبقة البشرة Epidermis وسالفة العمود الفقري Notocord ،والـ Endoderm يكون ‹القناة الهضمية وملحقاتها GIT.

    والـ Mesoderm يكون ‹ الجهاز الحركي (عظام + عضلات) Musculo-skeletal system والجهاز البولي التناسليUrogenital system ، وجهاز الدوران CVS، والأغشية الجسمية Peritoinium, pleura, pericardium.

    وهكذا ندرك أهمية الشريط الأولي، إذا علمنا أن لجنة دارنك البريطانية قد اعتبرت الشريط الأولي العلامة الفاصلة للوقت الذي يسمح فيه للأطباء والباحثين بإجراء التجارب على الأجنة المبكرة للإنسان، حيث سمحت اللجنة بإجراء هذه التجارب قبل ظهور الشريط الأولي ومنعته منعاً باتاً بعد ظهوره على اعتبار أن ظهور هذا الشريط يعقبه البدايات الأولى للجهاز العصبي.

    وينتهي عمر الشريط الأولي Primitive streak في نهاية الأسبوع الرابع، وإذا حدث خلل ما وبقي هذا الشريط حتى الولادة، فإنه يؤدي إلى ظهور أورام في المنطقة العصعصية ـ تحتوي على أنسجة متنوعة مشتقة من الطبقات الجنينية الأصلية الثلاث (مثل الشعر، الإنسان، عظام، أوعية دموية، وغيرها)، لأنه يحتوي على الخلايا الأم للكائن الحي وهذه المعلومة الطبية الهامة ( في علم الأنسجة والأورام ) تثبت أن عجب الذنب ( عظم العصعص في نهاية العمود الفقري ) يحتوي على الخلايا الأم الرئيسة The Stem cells التي تتضمن كافة المعلومات الوراثية عن ذلك الكائن ( كالإنسان مثلاً ) والتي جاءت وكما ذكرنا سابقاً من ضمور الشريط الأولي في الأسابيع الأولى لخلق الجنين وتمركزها في نهايته والذي سيمثل في المستقبل عظم العصعص ( عجب الذنب ) والذي يمكن تشبيهه كالصندوق الأسود في الطائرة الذي يحوي كافة المعلومات عنها.

    وهذه المعلومة تتلخص بأن جميع الأورام (الحميدة والسرطانية) التي تنشأ من نسيج معين كالعظم أو العضلة أو الغدد اللمفاوية أو الأمعاء تتكون عادة من نفس خلايا ذلك النسيج الذي نشأت منه، فالورم العظمي مثلاً يتكون من خلايا العظم والأورام اللمفاوية من خلايا الغدد اللمفاوية، وهكذا ولكن الورم الذي ينشأ من عظم العصعص ( عجب الذنب ) يتكون عادة من خليط متنوع من جميع أنسجة وخلايا الجسم ويسمى The Teratoma-Toti potent cells(الورم المتعدد الخلايا) فهو يحتوي على خلايا عظمية ولمفاوية وعضلية وغيرها، وحتى الشعر مما يثبت أن خلايا عجب الذنب تحتوي في أنويتها على الخلايا الرئيسية التي تتألف منها جميع الأنسجة في الجسم.

    بالإضافة إلى هذا كله، فإن فكرة إعادة خلق كائن حي من جزء منه كانت غريبة إلى وقت قريب، لكن نجاح استنساخ (استنسال) بعض الحيوانات والأبحاث الجارية حول الاستنساخ البشري ـ الذي يعتبر العلماء أن مسألة نجاحه اليوم باتت مسألة وقت لا غيرها ـ قد أزالت العجب عن هذه الفكرة ـ فكرة إعادة خلق كائن حي من جزء منه وهو نواة خلية واحدة فقط تحمل كافة المورثات (الجينات).

    ***

    ما وصل الحديث بنا إلى هذا الموضع حتى ارتفع آذان المغرب، فبدا سرور عظيم على وجه علي، وقال ـ وكأنه يخاطب قريبا لا نراه ـ: لبيك رب.. فما أعظم فضلك على عبادك.. لقد خلقتنا وسويتنا وكرمتنا ومننت علينا بأن نعبدك ونعرفك ونفرح بك.. يا رب فكما رزقتني الاتصال بك، وكما ملأت قلبي بمحبتك، فارزق عبيدك هذا وإخوانه ما رزقتني..

    قال ذلك بروحانية عظيمة..

    ثم أخرج مصحفا من محفظته، وسلمه لألكسيس، وقال: هذا المصحف كلام الله.. فاقرأه ليعرفك بالإنسان المعلوم..

    لقد كان ألكسيس كاريل هو الذي عرفك بجهلك بنفسك، ليدلك على ربك.. فتحين هذه الفرصة التي فاتت صديقك.

    أخذ ألكسيس المصحف، وقال: صدقت.. ولن أفرط فيه ما حييت.

    ثم قال: شكرا لك على أن أتحت لنا هذه الجلسة، ولو أن ألكسيس كان بدلي هنا لربما كان قد ضمن كتابه الكثير من الحقائق التي ذكرتها.. أو ذكرها كتابك ونبيك.

    قال علي: هو ليس كتابي ولا نبيي.. هو كتاب الله الذي أسمع به خلقه جميعا.. وهو محمد الذي هو رحمة للعالمين.. ولا شك أنك من هؤلاء العالمين الذين تمتد رحمته إليهم..

    أحسست بأنوار عظيمة بدأت تنزل على صاحبي ألكسيس عالم الإنسان، أو الباحث عن الإنسان.. وبمثله شعرت بأن بصيصا من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.








    ([1])ولد الدكتور ألكسيس كاريل بالقرب من ليون فى فرنسا، وحصل على إجازة الطب بها، كما حصل على إجازة العلوم من ديجون0 وبعد أن مارس التدريس فى جامعة ليون عدة أعوام رحل إلى الولايات المتحدة0 واشتغل فى معهد روكفلر للأبحاث العلمية بنيويورك0 وبقى به قرابة ثلاثين عاماً حتى اعتزل العمل به سنة 1939 0 ثم عهدت إليه وزارة الصحة الفرنسية بمهمة خاصة تتصل بالحرب، وكانت هذه المهمة تكملة لمهمة اضطلع بها إبان الحرب العالمية الأولى، عندما كان يعمل جراحاً مع القوات الفرنسية والبريطانية والأمريكية000 ومنح جائزة نوبل عام 1912 لأبحاثه الطبية الفذة00

    ([2]) ما نذكره في هذا المطلب من كلام ألكسيس من (الإنسان ذلك المجهول)، وهو ممزوج ببعض التوضيحات والتصرفات.

    ([3]) هذا هو نص قصة آدم u كما وردت في سفر التكوين:

    ( 7 وجبل الرب الاله آدم ترابا من الارض.ونفخ في انفه نسمة حياة.فصار آدم نفسا حيّة.

    8 وغرس الرب الاله جنّة في عدن شرقا.ووضع هناك آدم الذي جبله.

    9 وأنبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل.وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر.

    10 وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة.ومن هناك ينقسم فيصير اربعة رؤوس.

    11 اسم الواحد فيشون.وهو المحيط بجميع ارض الحويلة حيث الذهب.

    12 وذهب تلك الارض جيد.هناك المقل وحجر الجزع.

    13 واسم النهر الثاني جيحون.وهو المحيط بجميع ارض كوش.

    14 واسم النهر الثالث حدّاقل.وهو الجاري شرقي اشور.والنهر الرابع الفرات

    15 وأخذ الرب الاله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها.

    16 واوصى الرب الاله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل اكلا.

    17 واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.لانك يوم تأكل منها موتا تموت.

    18 وقال الرب الاله ليس جيدا ان يكون آدم وحده.فاصنع له معينا نظيره.

    19 وجبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء.فاحضرها الى آدم ليرى ماذا يدعوها.وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها.

    20 فدعا آدم باسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية.واما لنفسه فلم يجد معينا نظيره.

    21 فاوقع الرب الاله سباتا على آدم فنام.فأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحما.

    22 وبنى الرب الاله الضلع التي اخذها من آدم امرأة واحضرها الى آدم.

    23 فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي.هذه تدعى امرأة لانها من امرء اخذت.

    24 لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا.

    25 وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان

    1 وكانت الحيّة أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الاله.فقالت للمرأة أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة.

    2 فقالت المرأة للحيّة من ثمر شجر الجنة نأكل.

    3 واما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا.

    4 فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا.

    5 بل الله عالم انه يوم تأكلان منه تنفتح اعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر.

    6 فرأت المرأة ان الشجرة جيدة للأكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهيّة للنظر.فأخذت من ثمرها واكلت واعطت رجلها ايضا معها فأكل.

    7 فانفتحت اعينهما وعلما انهما عريانان.فخاطا اوراق تين وصنعا لانفسهما مآزر

    8 وسمعا صوت الرب الاله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار.فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الاله في وسط شجر الجنة.

    9 فنادى الرب الاله آدم وقال له اين انت.

    10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لاني عريان فاختبأت.

    11 فقال من اعلمك انك عريان.هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تأكل منها.

    12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت.

    13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحيّة غرّتني فاكلت.

    14 فقال الرب الاله للحيّة لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل ايام حياتك.

    15 واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه.

    16 وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك.بالوجع تلدين اولادا.والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.

    17 وقال لآدم لانك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك.بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك.

    18 وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.

    19 بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها.لانك تراب والى تراب تعود

    20 ودعا آدم اسم امرأته حوّاء لانها ام كل حيّ.

    21 وصنع الرب الاله لآدم وامرأته اقمصة من جلد والبسهما

    22 وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر.والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ايضا ويأكل ويحيا الى الابد.

    23 فاخرجه الرب الاله من جنة عدن ليعمل الارض التي أخذ منها.

    24 فطرد الانسان واقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة )

    وقد أشرنا في الرسالة السابقة (الكلمات المقدسة) إلى بعض ما فيها من خلاف بينها وبين القرآن الكريم.

    وسنعرض إلى تفاصيل أكثر ترتبط بها في رسالة (الإنسان) من هذه السلسلة.

    ([4]) هذا بناء على رأيه في نظرية التطور.

    ([5]) هذه الشبهة ترد في المواقع كثيرا.. وهنا يذكر الرد عليها، انظر: شبهات المشككين.

    ([6]) مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن.

    ([7]) انظر: عددها الصادر بتاريخ 28/06/1963.

    ([8]) انظر هذه التفاصيل وغيرها في كتابي الشيخ عبد المجيد الزنداني (بينات علمية) و(علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة).. وغيرها من الكتب في هذا الباب.

    ([9])صحيح مسلم – كتاب القدر ج4 ص 2037 ح 3/2645، وله طريق آخر عنده عن حذيفة بن أسيد ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/178 ح3044، والطحاوي في مشكل الآثار 3/278، وأبو داود في كتاب القدر ورقة 44/45 ، وجعفر الفرياني انظر: فتح الباري 11/483.

    ([10]) أحمد.

    ([11])فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، كتاب القدر 11/48، وانظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د.محمد علي البار، ص192.

    ([12])مسلم.

    ([13]) مجلة Medicine Digest ، عددد يناير 1981.

    ([14])البخاري ومسلم.

    ([15])انظر: كتاب خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الدكتور محمد علي البار.

    ([16]) مسلم في صحيحه 4:2037 ح2.

    ([17])انظر: كتاب معجزة القرآن الكريم تأليف هارون يحيى.

    ([18]) مسلم.

    ([19])ربط الشيخ عبد المجيد الزنداني بين قوله تعالى:﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾(الزمر:42)، وقوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الأنعام:60)

    وقوله r عند استيقاظه:« الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور »، وبين ما ورد في الحديث من نفخ الروح في الجنين، فقال:« وعلى هذا يمكننا أن نعتبر ظاهرة النوم دليلاً على نفخ الروح في الجنين ودليلاً على وجودها، ولا بد من إجراء المزيد من الدراسات فيما يتعلق بنمو الأعصاب في الجنين. لتحديد وقت نمو أنماط اليوم لديه. فلعل ذلك يكون محدداً لمرحلة نفخ الروح كما أنه عندما يتمكن الجنين من التحرك إرادياً برغبة منه مقارنة بالحركة الانعكاسية اللا إرادية، يمكن اعتبار ذلك دليلاً على وجود الروح أيضاً »

    ([20]) مسلم.

    ([21])انظر: كتاب خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، الدكتور محمد على البار.

    ([22]) انظر التشريعات الكثيرة المرتبطة بهذا في سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية) للمؤلف، وخاصة في الجزء المعنون بـ (حقوق الأولاد النفسية والصحية)

    ([23])انظر: الشيخوخة بين القرآن والسنة والعلم الحديث، د / أحمد شوقي إبراهيم، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([24])انظر: هشاشة العظام حقائق علمية في إشارات قرآنية، الدكتورة نها أبو كريشة، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([25]) أي ترتبط بالشيخ عبد المجيد الزنداني، لأن عليا في هذا الفصل يمثل شخصية الشيخ عبد المجيد الزنداني كما ذكرنا في مقدمة هذا الفصل.. انظر كتابه: البينة العلمية، وانظر: كتاب (الناصية) إصدار هيئة الإعجاز العلمي.

    ([26])البرفسور محمد يوسف سكر: عميد الدراسات العليا بكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة في حينها وله كتاب باللغة الإنجليزية في وظائف الأعضاء يعد مرجعاً في الكليات الأجنبية.

    ([27])كيث إل مور من كبار الأطباء في العالم، تدرس بعض كتبه في كليات الطب بعدة لغات وله مرجع كبير في تشريح المخ. وقد أشترك في تقديم عدة بحوث في الإعجاز الطبي في مؤتمرات الإعجاز العلمي العالمية.

    ([28]) مؤتمر الإعجاز الطبي في القرآن والسنة في القاهرة.

    ([29])أخرجه أحمد في المسند 1/391 و1/452 وابن حبان في صحيحه 3/253 والحاكم في المستدرك 1/690 وقال: صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبدالرحمن بن عبدالله هو ابن مسعود عن أبيه فإنه مختلف في سماعه من أبيه.

    ([30]) مسلم.

    ([31]) البخاري.

    ([32])انظر: إعجازات قرآنية في وظائف جلدية، الدكتور كارم غنيم، رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([33])انظر: مع الطب في القرآن الكريم ، الدكتور عبد الحميد دياب، والدكتور أحمد قرقوز، مؤسسة علوم القرآن دمشق.

    ([34])الوجه مرآة النفس، عبد الرزاق نوفل، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([35])عجـب الذنـب.. مركز التخليق وإعادة التركيب، الدكتور محمد جميل الحبال، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    ([36]) مسلم.

    ([37])البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي.

    ([38]) البخاري وغيره.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 13:19