تاسعا ـ الدواء
في اليوم التاسع.. كانت المحاضرات عن الطب والتداوي.. وقدم المحاضرون محاضراتهم التي غلب عليها الجانب البياني والفقهي، ثم تلاها صديقي الطبيب بالحديث عن ضرورة التداوي، وأنواع الأدوية، ومنافعها ومضارها.
وكان صديقي الطبيب ـ على حسب ما تعرفت عليه ـ من جمعية تحذر من مخاطر الإسراف في العلاج الحديث لعدم مناسبته الجسم.. ولذلك لم يكن منبهرا انبهارا شديد بمنجزات العلم.. بل كان يخاف كثيرا من منجزاته التي قد يستغلها من يسميهم باللوبي الطبي.. وربما كانت هذه الآراء مما قد يقربه من الأديان.. ولكنه كان شديد النفور منها، وقد أخبرني عن سر ذلك في الأيام التي جلست فيها معه.
لقد ذكر لي بكل حزن تلك الفترة من شبابه التي حن فيها قلبه للملأ الأعلى، واشتاقت روحه لمعرفة أسرار الأكوان.. وحينذاك دله بعض الناس على الكتاب المقدس، فحمله إلى بيته، وفي قلبه أشواق عظيمة.. وفتح الكتاب المقدس على سفر اللاويين.. وراح يقرأ:( وَعَلَى الْمُصَابِ بِدَاءِ الْبَرَصِ أَنْ يَشُقَّ ثِيَابَهُ وَيَكْشِفَ رَأْسَهُ وَيُغَطِّيَ شَارِبَيْهِ، وَيُنَادِيَ: (نَجِسٌ! نَجِسٌ!). وَيَظَلُّ طُولَ فَتْرَةِ مَرَضِهِ نَجِساً يُقِيمُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ مَعْزُولاً ) (سفر الللاويين: 13: 45 )
أصيب بدهشة عظيمة لهذا النص.. فهو يعرف داء البرص، ويعرف ما ينبغي أن يعالج به، ولم يكن يتصور أن يكون الإله قاسيا على المرضى بهذه الدرجة..
اتهم نفسه، وسوء فهمه.. وواصل القراءة:( يَأْتِي صَاحِبُ الْبَيْتِ وَيُخْبِرُ الْكَاهِنَ أَنَّ دَاءَ الْبَرَصِ قَدْ يَكُونُ مُتَفَشِّياً بِالْبَيْتِ، فَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِإِخْلاَءِ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ لِيَفْحَصَهُ. فَإِذَا عَايَنَ الإِصَابَةَ وَوَجَدَ أَنَّ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ نُقَراً لَوْنُهَا ضَارِبٌ إِلَى الْخُضْرَةِ أَوْ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَبَدَا مَنْظَرُهَا غَائِراً فِي الْحِيطَانِ، يُغَادِرُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ وَيُغْلِقُ بَابَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. فَإِذَا رَجَعَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَفَحَصَهُ، وَوَجَدَ أَنَّ الإِصَابَةَ قَدِ امْتَدَّتْ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ، يَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ الْمُصَابَةِ وَطَرْحِهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَتُكْشَطُ حِيطَانُ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيَّةُ، وَيَطْرَحُونَ التُّرَابَ الْمَكْشُوطَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ ) (اللاويين: 14: 35)
حين قرأ هذا النص نظر إلى الكتاب المقدس نظرة قاسية، ثم أغلقه، ثم لم يفتحه من ذلك الحين..
بالإضافة إلى ذلك، فقد أتيحت له فرصة ليرى حياة الرهبان، ويقرأ سير أسلافهم، وكان مما ذكره لي مما قرأه عنهم من كتاب (ليكى) عن (تاريخ أخلاق أوروبا) قوله:( زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة، وعظم شأنهم، واستفحل أمرهم، واسترعوا الأنظار، وشغلوا الناس، ولا يمكن الآن إحصاؤهم بالدقة، ولكه مما يلقى الضوء على كثرتهم، وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان، وفى القرن الرابع المسيحى كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب، وكان الراهب (سرابين) يرأس عشرة آلاف، وقد بلغ عددهم فى نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر )
ثم قرأ لي ما ذكره (ليكى) وغيره فى وصف حالة الرهبان، وبشاعة بعدها عن الفطرة الإنسانية، والغلو فى الهرب من الحياة، ومكافحة نشاط الفطرة، فقال:( ظل تعذيب الجسم مثلاً كاملاً فى الدين والأخلاق إلى قرنين، وروى المؤرخون من ذلك عجائب. فحدثوا عن الراهب ما كاريوس (Macarius) أنه نام ستة أشهر فى مستنقع، ليقرص جمسه العارى ذباب سام، وكان يحمل دائماً نحو قنطار من حديد، وكان صاحبه الراهب ((يوسيبيس)) (Eusebius) يحمل نحو قنطارين من الحديد، وقد أقام ثلاثة أعوام فى بئر نزح، وقد عبد الراهب يوحنا (St. John) ثلاث سنين قائماً على رجل واحدة، ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة، فإذا تعب جداً أسند ظهره إلى الصخرة، وكان بعض الرهبان لا يكتسون دائماً، وإنما يتسترون بشعرهم الطويل، ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام، وكان أكثرهم يسكنون فى مغارات السباع والآبار النازحة، والمقابر، ويأكل كثير منهم الكلأ والحشيش، وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح، ويتأثمون من غسيل الأعضاء )
وكان مما قرأ علي قوله:( وأزهد الناس عندهم وأتقاهم أبعدهم عن الطهارة، وأوغلهم فى النجاسات والدنس، ويقول الراهب (اتهينس): إن الراهب (أنتوني) لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره. وكان الراهب (أبراهامم) لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين سنة، وقد قال الراهب الإسكندرى بعد زمن متلهفاً: واأسفاه لقد كنا فى زمن نعد غسل الوجه حراماً، فإذا بنا ندخل الحمامات، وكان الرهبان يتجولون فى البلاد ويختطفون الأطفال، ويهربون إلى الصحراء والأديار، وينتزعون الصبية من حجور أمهاتهم، ويربونهم تربية رهبانية، والحكومة لا تملك من الأمر شيئاً، والجمهور والدهماء يؤيدونهم، ويحبذون الذين يهجرون آباءهم وأمهاتهم ويختارون الرهبانية ويهتفون باسمهم. وعرف كبار من الرهبان ومشاهير التاريخ النصراني بالمهارة فى التهريب، حتى روى أن الأمهات كن يسترن أولادهن فى البيوت، إذا رأين الراهب أمبروز (Ambrose) وأصبح الآباء والأولياء لا يملكون من أولادهم شيئاً، وانتقل نفوذهم وولايتهم إلى الرهبان والقسوس.
وكان نتيجة هذه الرهبانية أن خلال القوة والمروءة التى كانت تعد فضائل، عادت فاستحالت عيوباً ورذائل. وزهد الناس فى البشاشة وخفة الروح، والصراحة، والسماحة، والشجاعة والجراءة، وهجروها. وكان من أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم الحياة المنزلية، وعم الكنود والقسوة على الأقارب. فكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورحمة، وعيوبهم من الدمع، تقسو قلوبهم وتجمد عيونهم على الآباء والأمهات والأولاد. فيخلفون الأمهات ثكالى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء، همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم فى الآخرة، لا يبالون ماتوا أو عاشوا. وحكى (ليكى) من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب.
وقد ذكر لي أنه من ذلك الحين نفرت نفسه من الدين ومن الأديان.
وقد زاد نفوره من الدين ما كانت تنقله القنوات الإعلامية عن المسلمين، وما كانوا يصابون به من أمراض هي نتيجة اعتقادات جاهلة يعتقدونها.
لقد رأى بعينيه ما نقلته وسائل الإعلام عن رجل من المسلمين يزعم أنه من الرقاة يضرب مريضا ضربا قاسيا، بدعوى أن به مسا من الجن، وأن ذلك الجن لن يعالجه إلا الضرب الشديد.
ثم تبين بعد ذلك أن المريض المسكين لم يكن مصابا لا بجن، ولا بغير جن، وإنما هي حالة نفسية كانت تستدعي لطفا في المعاملة، ورفعا للمعنويات أكثر مما تستدعي تلك القسوة التي عامله بها الراقي الجاهل.
وكان يرى ما تنقله هذه الوسائل من انتشار الأوبئة بين المسلمين نتيجة إهمالهم للنظافة ولأبسط قواعد الصحة والوقاية.
وكان يرى ما تنقله تلك الوسائل من ختان البنات.. وما يؤدي ذلك من أضرار نفسية وصحية لديهن..
وكان يرى ما تنقله تلك الوسائل من حفلات الزار وغيرها..
لقد تولدت من كل هذا قناعة لديه بأن الإسلام هو عبارة عن مجموعة خرافات لا تؤذي العقول فقط، بل تؤذي معها الأجساد، فتملأها بالضعف والمرض.
لقد ذكر لي كل هذا.. ونحن في طريقنا في ذلك المساء إلى (مستشفى السلام)[1]، وهو المستشفى الذي طلب مني علي ـ عبر صديقه حذيفة ـ أن نزوره ذلك المساء صحبة رفاقي من العلماء.
لقد بهرنا منظر المستشفى، لقد كان روضة غناء، كتب على بابه بحروف من نور قوله تعالى:﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ (الشعراء:80)
كان يمتلئ بروائح العافية والجمال والطهارة.
كان المرضى يدخلون مرضى، ويخرجون، وقد تسلموا جميع مفاتيح العافية.
في المدخل لاقانا علي.. لقد عرفته بمجرد أن رأيته.
قال لنا: هنا في هذا المستشفى الذي سميناه مستشفى السلام، ننطلق من تعلميات الإسلام، ومن نصوصه المقدسة من القرآن والسنة..
لقد حاولنا أن يمثل هذا المستشفى الإسلام خير تمثيل..
ابتسم صاحبي الطبيب، وقال: أنتم إذن هنا تقتلون الجن، وتقيمون حفلات الزار، وتختنون الإناث، وتسقون المرضى ما تبصقون فيه من الطعام، وما تنفخون فيه من الشراب.
ابتسم علي، وقال: هنا في هذا المستشفى نبين هدي الإسلام، ونقضي على الخرافات التي ارتبطت به.. وكل ما ذكرته أباطيل ما لها في الإسلام من محل.. ولئن صبرت علي، لتجولت بك وبأصحابك من العلماء في أقسام هذا المستشفى لترى بنفسك الهدي الحقيقي للإسلام.. لا الهدي الذي أنشأه الجهلة ليزاحموا به هدي الإسلام.
فرح الجميع بهذه الإجابة، فقد كانت لهم من الشبهات ما كان لهذا الطبيب، وقد كانوا جميعا يودون أن يروا حقيقتها.
قال الطبيب: نحن معك.. ولم نأت هنا إلا لنرى هذا المستشفى.. ونسمع إلى الطريقة التي يعالج بها.
قال علي: فهيا بنا لنزوره قسما قسما.
1 ـ العلاج الروحي
كان أول قسم بدا لنا من المستشفى أطلق عليه ( العلاج الروحي)، ما إن رآه صاحبنا الطبيب حتى قال: هذا هو القسم الذي يضرب فيه الجن، وتحيا فيه حفلات الزار.
قال علي: اصبر.. لا ينبغي لعالم أن يحكم على شيء قبل أن يراه.
قال الطبيب: ولكني رأيت هذا في وسائل الإعلام.
قال علي: لا ينبغي للعالم أن يأخذ مواقفه من وسائل الإعلام، فأنت تعلم أنها تزين ما يحلو لها أن تزينه، وتشوه ما يحلو لها أن تشوهه.. هي لا تعرض الحقائق، وإنما تعرض ما تريده من الحقائق.
إن هذا القسم هو أول قسم في هذا المستشفى.. وهو أول ما يدخل إليه المرضى من الأقسام..
لقد سميتموه الطب النفسي، ونحن هنا نسميه الطب الروحي، وفيه نبدأ بملأ المرضى بالمعاني الروحية التي قد تقضي على ما يملأ نفوسهم بالوهن والآلام التي ينشرها الألم في أجسادهم.
وأول ما نبدأ به هو تعميق الإيمان بالله في قلوبهم.. فتمتلئ محبة له وأنسا به، فينشغلون بالحب المقدس عن الآلام التي تتدنس بها أجسادهم، وقد استوحينا ذلك من قوله تعالى وهو يحكي ما حصل للنسوة عند رؤية يوسف u:﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ((يوسف: من الآية31)
وقد استعمل المسلمون هذا النوع من العلاج.. فقد وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير، فأرادوا قطعها، وقال له الأطباء:( نسقيك دواءا حتى يغيب عقلك ولا تحس بألم القطع، فأبي، وقال:( ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا يزول منه عقله حتى لا يعرف ربه).. وروى عنه أنه قال:( لا أشرب شيئا يحول بيني وبين ذكر ربي تعالى)[2]، وقطعت منه رجله، وهو في الصلاة، ولم يشعر بقطعها.
إن هذا العلاج يقضي على معظم الأمراض التي يأتي أصحابها إلى هذا المستشفى، وخاصة المرضى الذين امتلأت نفوسهم بالهم القاتل، نتيجة استعصاء الداء على سائر أنواع العلاج.
قال الطبيب: هذا صحيح.. لقد أثبت العلم الحديث جدوى هذا النوع من العلاج.. وكمثال على ذلك.. فقد تم إجراء تجربة استخدام العلاج بشد الانتباه برؤية مناظر خلابة من الطبيعة وسماع شريط يحتوي على أصوات رائعة من الطبيعة في التخفيف من الآلام أثناء عملية منظار الشعب الهوائية، وذلك بالإضافة للعلاج المعتاد. وقورنت هذه المجموعة من المرضى بمجموعة أخرى ضابطة لم تتلق العلاج الإضافي بجذب الانتباه (تغيير التركيز الإدراكي).
وخلص هذا البحث الذي تم عمله في المستشفى التعليمي (جون هوبكينز) في بالتيمور أن العلاج بشد الانتباه مع العلاج التقليدي أدى إلى تقليص الشعور بالألم بصورة ذات دلالة إحصائية، وأوصى البحث بأن يقوم الأطباء باستخدام الإجراءات الطبيعية بالإضافة إلى المسكنات المعتادة.
كما نشر موقع ٍٍ[BBC ٍِِ] على شبكة الإنترنت هذا البحث تحت عنوان [العودة إلى الطبيعة لتخفيف الألم ]وقد ذيل هذا بقول الطبيب جيل هانكوك:( نحن نقوم بتعليم مرضانا الاسترخاء باستخدام المشاهد المناظر الخلابة والموسيقى الرائعة، وهذا جزء أساسي في عملنا حيث أنه ثبت أن المناظر الخلابة تؤدي إلى إزالة التوتر النفسي والبدني اللذين يسببان الألم )
وقد عرف سر تأثير شد الانتباه في التخفيف من الإحساس بالألم، وذلك باستخدام الإشعاعات الوظيفية للمخ، تلك التي تظهر الارتواء الدماغي والتمثيل الغذائي للخلايا العصبية ثبت أنه أثناء استخدام جذب الانتباه يحدث انخفاض في مستوى نشاط أماكن معينة في المخ، تلك الأماكن التي يتم فيها استقبال الإحساس بالألم مثل منطقة المهاد،القشرة الحسية والتلفيف الحزامي.
قال علي: ليس ذلك فقط.. بل إن النصوص المقدسة دلتنا على الكثير مما يمكن أن ينشغل به القلب عن الداء.. فالله تعالى يقول:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ (البقرة:155)، ثم بين سر صبرهم، أو أعطاهم وصفة لصبرهم، فقال:﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ (البقرة:156)
فشعور المريض برجوعه إلى الله الطبيب، وشعوره بأن داءه مجرد اختبار من الله، وأنه إن صبر على بلاء الله عوضه الله من العافية ما لا يحلم به الأصحاء، يجعله ممتلئا بمعان نفسية عالية لا يستطيع أي مرشد نفسي أن يملأه بها.
لقد فصل رسول الله r الكثير من أنواع الأجور التي ينالها الصابرون الذي ابتليت أجسادهم بالآلام، فقال:( يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض )[3]
وروي عن أنس بن مالك، وهو من أصحاب محمد r، قال دخلت مع النبي r نعود زيد بن أرقم t وهو يشتكي عينيه فقال له:( يا زيد، لو كان بصرك لما به كيف كنت تصنع؟)، قال:( إذا أصبر وأحتسب )، قال:( إن كان بصرك لما به ثم صبرت واحتسبت لتلقين الله عز وجل وليس لك ذنب )[4]
وقال r:( إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه )[5]
وقال r:( إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى)[6]
وقال r:( ما من مسلم يصاب بشيء في جسده فيصبر إلا رفعه الله به درجة، وحط عنه به خطيئة)[7]
وقال r:( إن العبد إذا مرض أوحى الله تعالى إلى ملائكته: أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه اغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد لا ذنب له )[8]
وقال r:( ما من مسلم يصاب في جسده إلا أمر الله تعالى الحفظة: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل، ما دام محبوسا في وثاقي )[9]
وفي الأثر الإلهي:( قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح )[10]
قال الطبيب: إن هذه النصوص تكاد تمجد الأمراض، بل تكاد تدعو الناس إلى التعرض لأسبابها لينالوا أجورها.
قال علي: لا.. أنت لم تفهم هذه النصوص.. إن هذه النصوص وردت ضمن منظومة كاملة تشمل علاجا متكاملا.. ولا يصح أن نضرب بعض المنظومة ببعضها، أو نضرب بعض الأدوية ببعضها.
ألستم في الطب تعطون أدوية لعلاج أمراض معينة، ثم تعطون معها أدوية أخرى لتحتاطو من تأثير الأدوية التي أعطيتموها؟
قال الطبيب: أجل.. نحن نفعل ذلك.. ولهذا تجدنا كثيرا ما نعطي أدوية تحمي المعدة من تأثير الأدوية التي لا تتناسب معها.
قال علي: فهكذا فعل رسول الله r.. فللمرض تأثيره النفسي على المريض.. هذا التأثير يجعله حزينا متألما يائسا.. وربما منعه المرض من خير كثير، وخاصة إن امتد به المرض وطال.
ولهذا أخبر النبي r أن المرض هو مجرد حالة أصابت بعض الجسم، ولا ينبغي أن تسري لسائر الجسم، ولا ينبغي لها أن تسري إلى الروح.. بل إن أرواح الصالحين لا تفرق بين نعيم الله وبلائه، فهي في سكينة دائمة وراحة مستمرة..
لقد ورد في السنة ما يدل على هذه اللذة التي يجدها الراضي، فقد قال r:( إن اللّه بحكمته وجلاله جعل الروح[11] والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط )[12]
قد ينكر بعض الناس هذا أيضا، ويعتبره من الأحلام الكاذبة، ولكن الحقيقة التي يعج بها الواقع تنص على أن أكثر ما يعطى للناس من أدوية، أو من سموم، هو عبارة عن مهدئات ومسكنات ومخدرات لا تزيد طين الأمراض إلا بلة.
قال الطبيب: كل ما تذكره من هذا صحيح، وقد مررت بتجربة استنتجت منها ما ذكرته[13]..
لقد درست ـ عندما كنت أتعلم الطب ـ أحد المبادىء المادية الأساسية التي تفسر ما يحدث من تغيرات داخل الجسم عندما يصيبها عطب أو تلف، تفسيراً مادياً صرفاً، كما فحصت قطاعات مجهرية لهذه الأنسجة، وتبينت أن الظروف المناسبة تعينها على أن تلتئم بسرعة وتتقدم نحو الشفاء، وعندما اشتغلت جراحاً في أحد المستشفيات بعد ذلك، كنت أستخدم المبدأ السابق استخداما يتسم بالثقة فيه والاطمئنان إليه، ولم يكن علىّ إلا أن أهيئ الظروف المادية والطبية المناسبة، ثم أدع الجرح يلتئم، وكلي ثقة بالنتيجة المرتقبة.
قال علي: للأسف.. هذه المعرفة هي التي يؤمن بها أكثر الأطباء، ويكتفون بها.
قال الطبيب: لكني لم ألبث غير قليل حتى اكتشفت أنني قد فاتني أن أُضِّمن علاجي وأفكاري الطبية أهم العناصر وأبعدها أثراً في إتمام الشفاء.
عندما كنت أعمل جراحاً في أحد المستشفيات، جاءتني ذات يوم جدة جاوزت السبعين تشكو من شدخ في عظام ردفها، وبعد أن وضعت فترة تحت العلاج أدركت من فحص سلسلة الصور التي أخذت لها على فترات تحت الأشعة أنها تتقدم بسرعة عجيبة نحو الشفاء، ولم تمض أيام قليلة حتى تقدمت إليها مهنئاً بما تم لها من شفاء نادر عجيب، عندئذ استطاعت السيدة أن تتحرك فوق المقعد ذي العجلات، ثم سارت وحدها متوكئة على عصاها، وقررنا أن تخرج تلك السيدة في مدى أربع وعشرين ساعة وتذهب إلى بيتها، فلم يعد بها حاجة إلى البقاء في المستشفى.
وكان صباح اليوم التالي هو الأحد، وقد عادتها ابنتها في زيارة الأحد المعتادة حيث أخبرتها أنها تستطيع أن تأخذها والدتها في الصباح إلى المنزل لأنها تستطيع الآن أن تسير متوكئة على عصاها.
ولم تذكر لي ابتنها شيئاً مما جال في خاطرها، ولكنها انتحت بأمها جانباً وأخبرتها أنها قد قررت بالاتفاق مع زوجها أن يأخذا الأم إلى أحد ملاجيء العجزة لأنهما لا يستطيعان أن يأخذاها إلى المنزل.
ولم تكد تنقضي بضع ساعات على ذلك حتى استدعيت على عجل لإسعاف السيدة العجوز، ويا لهول ما رأيت.. لقد كانت المرأة تحتضر، ولم تمض ساعات قليلة حتى أسلمت الروح.
إنها لم تمت من كسر في عظام ردفها، ولكنها ماتت من انكسار في قلبها، لقد حاولت دون جدوى أن أقدم لها أقصى ما يمكن من وسائل الإسعاف، وضاعت كل الجهود سدى.
لقد شفيت من مرضها بسهولة، ولكن قلبها الكسير لم يمكن شفاؤه برغم ما كانت قد تناولته في أثناء العلاج من الفيتامينات والعقاقير المقوية وما تهيأ لها من أسباب الراحة، ومن الاحتياجات التي كانت تتخذ لتعينها على المرض وتعجل لها الشفاء .. لقد التأمت عظامها المكسورة التئاماً تاماً ومع ذلك فإنها ماتت.
لقد اكتشفت حينها أن أهم عامل في شفائها لم يكن الفيتامينات ولا العقاقير ولا التئام العظام، ولكنه كان الأمل، وعندما ضاع الأمل تعذر الشفاء.
قال علي: فما نواحي الأمل التي غابت عن ذهن هذه العجوز في تصورك كطبيب؟
قال الطبيب: لقد أثرت هذه الحاثة في نفسي تأثيراً عميقاً، وقلت في نفسي: لو أن هذه السيدة وجدت من الدعم الروحي والإيمان ما حدث لها ما حدث..
قال علي: لقد وصلت إذن إلى ضرورة الإيمان للشفاء والعافية والسعادة.
قال الطبيب: أجل.. لقد أيقنت أن العلاج الحقيقي لابد أن يشمل الروح والجسم معاً وفي وقت واحد.
قال علي: أهذه قناعتك وحدك؟.. أم ترى من زملائك من اقتنع بهذه القانعة؟
قال الطبيب: الواقع أن النتيجة التي وصلت إليها تتفق كل الاتفاق مع النظرية الطبية الحديثة عن أهمية العنصر السيكولوجي في العلاج الحديث، فقد دلت الإحصائيات الدقيقة على أن 80% من المرضى بشتى الأمراض في جميع المدن الأمريكية الكبرى ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية، ونصف هذه النسبة من الأشخاص الذين ليس لديهم مرض عضوي في أية صورة من الصور.. وليس معنى ذلك أن هذه الأمراض مجرد أوهام خيالية حقيقة، وليست أسبابها خيالية ولكنها موجودة فعلاً، ويمكن الوصول إليها عندما يستخدم الطبيب المعالج بصيرته بها.
قال علي: ولكن الطب مع ذلك لم يفلح في أن يجد ما يملأ روح الإنسان بالسكينة والأمل.. إن هذه السكينة والأمل لا توجد إلا في الحقائق الكبرى التي تعرف الإنسان بحقيقته ووظيفته وامتداده.
إنها الحقائق التي تعرفه بأنه مجرد عابر في الأرض، وأن رحلته فيها لن تمتد إلا أمدا محدودا ليعود بعدها إلى ربه..
إن هذه الحقائق لن تجدها إلا في القرآن كلام الله..
اسمع لهذه الآية، وانظر تأثيرها في نفس أي متألم فقيرا كان أو مريضا، أو مستضعفا، يقول الله تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ( (الشعراء:25 ـ 207)، أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأمهلناهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر اللّه، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم.
أو قوله تعالى:) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغ((الاحقاف: من الآية35)، أو قوله تعالى:) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا((النازعـات:46)
أو قوله r:( يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيراً قط؟ هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب )[14]، فلحظة واحدة في الجنة تنسي أشد الناس بؤسا في الدنيا كل ما عاناه فيها.
إن هذه المعاني إذا امتلأ بها المتألم رفعت عنه البلاء وملأته بالعافية..
لقد ذكر الله تعالى هذه القوة التي وفرها الإيمان في نفوس السحرة، فلم يأبهوا لتهديد فرعون، فقال تعالى على لسانهم:﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا((طـه:72)
ولهذا يعبر تعالى عن عذاب الآخرة وبلائها بكونه:) أَشَدُّ وَأَبْقَى((طـه: من الآية127)، ليملأ القلوب المتألمة بالأنس بانتهاء عذابها المحدود.
بل إن في كلمة الاسترجاع ـ التي أشار إليه قوله تعالى:) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ((البقرة:156) ـ قوة عظيمة لا يطيق أي دواء أن يملأ بها الروح.
فهذه الكلمة تحمل دلالة عظيمة على محدودية البلاء، فالمؤمن المبتلى سيرجع إلى ربه، وستنتهي برجوعه كل أصناف البلايا.
إنها تصور المبتلى بصورة سجين سجن أياما معدودة.. وكان آمر السجن رحيما، فكان يرسل له كل يوم من يملؤه بالبشر، ويقول له:( إن هي إلا أيام وتعود إلى أهلك ومالك ) ألا يستبشر هذا المسجود ويستأنس؟
قال الطبيب: بلى..
قال علي: فالله تعالى المبتلي لم يرسل لنا من يؤنسنا بذلك، بل هو الذي ملأنا بالأنس، فأخبرنا برجوعنا إليه ليمسح عنا كل دمعة، ويبرئ لنا كل جرح.
ولهذا يخاطبنا الله ليمسح عنا كل الآلام، وليقول لنا:) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى((الضحى:4)، فهذه الآية تبشر الكل.. تبشر كل من يسمع من الله.. بأن الآخرة التي تنتظرهم آخرة جميلة.. ليس فيها مرض ولا حزن ولا أسف.
سكت علي قليلا، ثم قال: إن هذا الذي ذكرته مجرد وصفة واحدة من الأدوية التي وصفها القرآن الكريم، وبين لنا كيفية استعمالها رسول الله r.
ولو بحثت في كل الأرض، فلن تجد أدوية تشابهها.. لأن هذه الأدوية تعتمد على الحقائق، والحقائق لا تجدها إلا عند الله.
قال الطبيب: ربما أعود إلى هذا القسم لأسمع تفاصيل كثيرة على ما ذكرت، ولكني الآن أرغب في أن تبين لي سر تلك الشعوذة التي تجعل من بعضكم يتصور المرضى المساكين مجانين قد سكنتهم العفاريت، فهو لذلك يتلاعب بهم، ويتلاعب بصحتهم.
قال علي: تلك بدعة ورثها بعض قومنا من قومكم.. ليس في ديننا بمصادره جميعا ما يدل على شيء من ذلك..
ها هو القرآن الكريم أمامك.. إنه يتحدث عن كل شيء.. حتى عن الوضوء وقضاء الحاجة، ومع ذلك يخلو من الحديث عن هذه البدع.
قال الطبيب: ولكنه يقول:﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ( (البقرة: من الآية275) ففي هذه الآية تصريح بأن الشيطان يتخبط الإنسان من المس.
قال علي: في أي سياق وردت الآية.. إن آيات القرآن الكريم.. ككل كلام لا ينبغي أن يفصل عن سياقه؟
قال الطبيب: لقد وردت في سياق تحريم الربا، تشبه المرابين بهذه الصورة:) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((البقرة:275)
قال علي: وهل ذكر القرآن الكريم الدخول.. أم ذكر المس؟
قال الطبيب: بل ذكر المس.
قال علي: فهل المس في لغة القرآن الكريم ولغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم يعني الدخول؟
قال الطبيب: لا.. ولكنه قد يعنيه على سبيل المجاز.
قال علي: الأصل في اللغة الظاهر لا المجاز.. وقد ورد هذا اللفظ مرتبطا بالشيطان في غير موضع من القرآن الكريم، فقد قال تعالى عن حال المتقين إذا تعرضوا لمس الشياطين:) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ((لأعراف:201)، فلم لم يقل الله تعالى:( إذا مسهم طائف من الشيطان ذهبوا إلى الرقاة ليخرجوه منهم )
بل قد ذكر الله تعالى أيوب u وهو نبي كريم، والأنبياء يستحيل أن يصابوا بمثل هذه الأدواء، فقال:) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ((صّ:41).. فقد ذكر أن الشيطان مسه..
قال الطبيب: فبم تفسر الآية التي يتعلق بها رقاتكم إذن؟
قال علي: ذلك شيء بسيط.. سأضرب لك مثالا لتوضيحه.. الأطباء يتحدثون عن ( الحساسية ).. فما تعني؟
قال الطبيب: بعض الناس لا يطيقون أشياء معينة، فتصيبهم لأجل ذلك علل قد لا تصيب سائر الناس.
قال علي: مثل ماذا؟
قال الطبيب: لعل أقرب مثال لذلك القطط.. فمع أنها من الطوافين علينا والطوافات[15]، إلا أن بعض الناس تصيبهم بالحساسية.
قال علي: أي أنهم يصيبهم التخبط كلما رأوا القطط.
قال الطبيب: ليست الرؤية وحدها.. هناك أشياء أخرى فقد أوردت وكالات الأنباء أن فريقا من الباحثين الفرنسيين نجح فى عزل الجين المسئول عن الحساسية التى تسببها القطط المنزلية لأصحابها..
ولكن الباحثين في الولايات المتحدة يسعون أن ينجزوا في المستقبل مشروعا للتكييف الجيني يهدف إلى إنتاج قطط خالية مما يثير الحساسية عند البعض ممن يواجهون مشاكل باقترابهم من القطط.
وقد تدخلت الشركات في هذه البحوث، حيث أن شركة ترانسجينيك بيتس، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية تعتزم بيع هذا النوع الجديد من القطط بأسعار تصل إلى ألف دولار للقط.
قال علي: دعنا من شذوذكم.. قل لي: كيف تؤثر القطط في الحساسية التي تصيب هؤلاء.. هل تدخل في هؤلاء الممسوسين بها؟
قال الطبيب: لا.. ـ يا معلم ـ بل هي بما فيها من روائح تسبب لهم تلك النوبات.
قال علي: فهل السبب منهم أم من القطط؟
قال الطبيب: منهم.. بدليل أن القطط من الطوافين علينا والطوافات، ومع ذلك لا يصيبنا منها شيء.
قال علي: فإذا أراد المريض أن يتجنب ما تثيره القطط فيه من حساسية ماذا يفعل؟
قال الطبيب: هناك حلان: إما أن يجتنبها تماما، وإما أن يستعمل من الأدوية ما يخفف أو يزيل تأثيرها عنه.
ولكن ما علاقة هذا الذي تتحدث عنه بالمس الشيطاني.
قال علي: في بعض الناس أمراض عضوية، لا شك أنك تعرفها.. وهذه الأمراض تجعل لهم حساسية تجاه وساوس معينة.. كأن يخوفوا مثلا خوفا شديدا.. فإن ذلك الخوف يتسبب لهم في حصول هذه النوبات.
فهذا الذي يصرع لأجل الخوف لو لاقاه أي مخلوق وخوفه، ألا تصيبه نوبة الصرع؟
قال الطبيب: أجل.. فهو لا يختلف عن الحساسية.. يظهر بظهور السبب، ويختفي باختفائه.. ولكن ما دور الشيطان في هذا؟
قال علي: لقد أخبرتنا النصوص أن الشيطان خبير ماهر بطبيعة من يوسوس له.. فإذا علم من قرينه هذا.. راح يوسوس له بالمخاوف إلى أن يتخبطه من المس، كما قال تعالى:) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((آل عمران:175)
قال الطبيب: فأنت تفسر المس بالتخويف.
قال علي: التخويف بعض المس.. فمن الناس من لا يخاف.. ولكن يغضب، فيأتيه الشيطان.. وينفخ فيه من الوساوس ما يملؤه غضبا.. لقد قال r في هذا:( إنما الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )[16]
ولهذا سن لنا النبي r أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في هذه الحال، فعَنْ حذيفة بن صرد t قال: كنت جالسا مع النبي r ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رَسُول اللَّهِ r:( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عَنْه ما يجد، لو قال أعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم ذهب عَنْه ما يجد )، فقالوا له إن النبي r قال: تعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم[17].
فالشيطان يوسوس لكل الناس، كما أن القطط تخالط جميع الناس، ولكن بعض الناس لهم استعدادات معينة كالحساسية والصرع، فيصيبهما ما يصيب.
قال الطبيب: فأنت تقر أن للشيطان دورا.
قال علي: صحيح.. وما كان لي أن أخالف القرآن الكريم.. ولكن: أجبني إن حصلت الوساوس من الإنسان بأن كان هو المتسبب في التخويف أو الغضب، فلماذا ننسب الصرع حينها للشيطان؟
قال الطبيب: ولكن القرآن الكريم ذكر الشيطان.
قال علي: ولكن القرآن الكريم لم يقصر الشيطان على إبليس، بل قال:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ((الأنعام: من الآية112)، وأمرنا بالاستعاذة منهم جميعا، فقال:) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ((الناس:1)إلى قوله تعالى:) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ( (الناس:6)
قال الطبيب: فما العلاج الذي تصفه الشريعة بدل ذلك العلاج الذي يصفه المشعوذون؟
قال علي: علاجان: أحدهما لأهل الله يملؤون قلب الخائف طمأنينة، وغضبه سكينة، وهو ما نعالج به في هذا القسم.
وأما الثاني، فهو للأطباء يستأصلون مكامن الداء.. هو نفس علاجكم لوساوس القطط.. ألستم تعزلونها، أو تحاولون استنساخ السليم منها، أو تعالجون العليل بالمراهم، لا بأمر القطط بالخروج.
قال الطبيب: وعيت قولك هذا.. ولكني لا أزال أتعجب مما يفعله المسلمون من هذا.. وكيف تاهوا عن الحقيقة؟
قال علي: هم لم يتيهوا.. ولكن للمطامع والتقليد تأثيرهما الكبير في انتشار مثل هذا.. ولو أن هؤلاء اكتفوا بما في القرآن الكريم وفي هدي رسول الله r لما وقعوا فيما وقعوا فيه.
2 ـ العلاج الوقائي
سرنا إلى القاعة الثانية، وهي القاعة المخصصة للعلاج الوقائي، قال علي: في هذه القاعة نقوم بتصحيح الأخطاء الكثيرة التي يقع فيها المرضى، والتي تتسبب في الأمراض التي يقعون فيها.
ولهذه القاعة بالإضافة إلى استقبالها المرضى فرع إعلامي ينشر الوعي الصحي في المجتمع، وينشر معها مبادئ الوقاية التي جاء بها قرآننا وهدي نبينا.
ابتسم الطبيب، وقال: أنا لا أزال أتحير في علاقة الدين بالطب.
قال علي: ولم تتحير؟
قال الطبيب: أنا أرى أن الطب للمعامل، والدين للمساجد والكنائس.
قال علي: عندما تنحرف الأديان عن أدوراها تخاطب أجزاء الإنسان لا الإنسان، ولكنها عندما تعي ما أنيط بها من دور تخاطب الإنسان ككل، وهكذا فعل الإسلام، فقد استوى أمره لنا بعبادة الله بأمرنا بحفظ أجسادنا وقوانا.. لأنا لا نستطيع أن نعبد الله بأجسام مهزولة.
قال الطبيب: فعلام يعتمد الطب الوقائي الذي تعلمونه في هذا المستشفى؟
قال علي: على أربعة أركان لا تتم الوقاية إلا بها.
الاستقامة:
قال الطبيب: فما أولها؟
قال علي: الاستقامة.. فليس على الجسد ما هو أخطر عليه من انحراف صاحبه.. فالانحراف هو الفيروس الذي لا يفطن له الأطباء.
قال الطبيب: فهل فطن له نبيكم؟
قال علي: أجل.. ولذلك نصحنا، وبالغ في نصحنا، ولم يترك محلا من الخير لأجسادنا وأرواحنا إلا وصفه لنا.
قال الطبيب: فما قال لكم في هذا الباب؟
قال علي: لقد قال مرة يخطابنا عبر أصحابه:( يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)[18]، فقد ربط رسول الله r في هذا الحديث بين الانحراف الجنسي، وانتشار الأمراض، وذلك دليل على أن من علل تحريف الانحراف الجنسي الحفاظ على الصحة.
قال الطبيب: لقد نصحكم نبيكم غاية النصح.. فليس هناك من سبب لكثير من الأمراض غير ذلك الانحراف.
لقد ظهرت بسبب هذا النوع من الانحراف الأوبئة الكثيرة التي لم تكن معهودة من قبل، وكانت الفاحشة هي السبب الأول لظهورها وانتشارها.
فأول ظهور لمرض الزهري ( السفليس ) الخطير كان في عام 1494 م أثناء الحرب الإيطالية الفرنسية عندما انتشر في الجنود خاصة الزنا، وسماه الإيطاليون (الداء الفرنسي) وكذلك فعل الإنجليز والألمان والنمساويون لأنه انتشر بينهم بواسطة الجنود الفرنسيين، أما الفرنسيون فقد أسموه الداء الإيطالي.
ولما وصل الاستعمار الغربي إلا البلاد العربية ظهر ذلك الداء معهم فسماه العرب الداء الفرنجي، ولا يزال هذا الاسم مستعملا حتى اليوم.
وفي العصور الحديثة ظهر مرض الهربس كوباء وهو مرض جنسي واسع الانتشار، ويبلغ معدل الإصابة به السنوية في الولايات المتحدة نصف مليون حالة.
وفي عام 1979 م ولأول مرة ظهر داء خطير جديد هو مرض فقدان المناعة المكتسب في الولايات المتحدة والمعروف باسم الإيدز، وانتشر بسرعة رهيبة في الشاذين جنسيا.
وتتحدث المراجع الطبية عن الأمراض الجنسية باعتبارها أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم.. ولقد تم التغلب على كثير من الأمراض المعدية، ورغم ذلك ظهرت الأمراض الجنسية بصورة وبائية مفزعة وخطيرة.
ويقول مرجع مرك الطبي:( إن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم، ويزداد في كل عام عدد المصابين بها، وذلك منذ عقدين من الزمن تقريبا، وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الذين يصابون بالسيلان بأكثر من 250 مليون شخص سنويا.. كما تقدر عدد المصابين بالزهري بـ 50 مليون شخص سنويا.. ويقدر مركز أتلانتا لمكافحة الأمراض المعدية في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة عدد المصابين بالسيلان في الولايات المتحدة بـ 3 ملايين شخص سنويا وعدد المصابين بالزهر بـ 400 ألف شخص سنويا )
وقد انتشرت أمراض مختلفة ومتنوعة بسبب انتشار الفاحشة وشيوعها وانتشار الشذوذ الجنسي وخاصة في الغرب.
وتنقل مجلة Medicine Digest تقريرا من فلوريدا بالولايات المتحدة قام به فريق من أخصائي أمراض النساء والولادة جاء فيه:( أن هناك زيادة بنسبة 800 بالمائة في الحالات المشتبهة لسرطان عنق الرحم للفتيات البالغ أعمارهن من 15 سنة إلى 22 سنة وذلك في خلال أربع سنوات، ويرجع الباحثون هذه الزيادة الرهيبة إلى الزيادة المضطرة في الممارسات الجنسية دون تمييز )
قال علي: ولهذا تشدد الإسلام في هذا الباب، فحرم الانحراف الجنسي بجميع أنواعه[19]، بل اعتبره من أخطر المحرمات، فقد قال r:( لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن )[20]، وقال r:( ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له)[21]
ولذلك علق الشارع عليه أشد العقوبات التشريعية، ورتب عليه كذلك أشد العقوبات القدرية.
ولم يكتف الشرع بتحريمه، بل حرم كل السبل المؤدية إليه، والتي يشير إليها قوله تعالى:) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً( (الاسراء:32)، فلم تقل الآية الكريمة:لا تزنوا, بل قالت: لا تقربوا، ليحرم كل المقدمات المؤدية إليه.
قال الطبيب: صدق نبيكم، فلا يمكن أن يحرم مثل هذا النوع من الانحراف دون أن تحرم كل المقدمات المؤدية إليه.
قال علي: هذا نوع فقط من الانحرافات التي نهتنا نصوصنا المقدسة عنها بكل شدة، بل وضعت في قلوبنا من الردع ما لا تستطيع جيوش الدنيا أن تفعله.
قال الطبيب: صدقت في هذا.. فنحن نرى بلاد المسلمين مع ما فيها من انحرافات أفضل دول العالم من ناحية المحافظة على أعراضها، وقلة الفواحش بينها.
قال علي: هذا مع تخليهم عن كثير من هدي نبيهم ودينهم، ولو أنهم عاشوه كما طلب منهم لرأيت عجبا ينقضي دونه العجب.
قال الطبيب: فاذكر لي غير هذا.
قال علي: لقد حرم الإسلام الخمر، وتشدد في تحريمها، ولا شك في معرفتك بالأمراض الخطيرة التي تتسبب فيها.
قال الطبيب: أجل.. وقد نصحكم نبيكم غاية النصح[22].
قال علي: وقد حرم الإسلام كل ما تفنن البشر فيه في هذا العصر من الدخان والمخدرات وغيرها حتى لو كان من المآكل والمشارب ما دام يحمل ضررا على الصحة، فالقاعدة في هذا ما قاله r:( لا ضرر ولا ضرار )
قال الطبيب: فهل هناك غير هذا؟
قال علي: أجل.. وهو أول ما نبدأ به في هذا القسم من علاج.
قال الطبيب: فما ذاك؟
قال علي: الأمراض التي تمتلئ بها القلوب.. فلا ينهك البدن مثل أمراض القلوب، ولهذا ترى القرآن الكريم كثيرا ما يحدثنا عن هذا النوع من الأمراض الخطيرة:
فقد اعتبر ما يحدث في القلب من ظنون سيئة وأفكار رديئة مرضا، بل مرضا خطيرا، فقال تعالى:) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ((البقرة:10)
وهذا المرض أخطر بكثير من مرض الأجساد، لأن مرض القلب مرض للروح، ومرض الروح يمتد ليشمل كل وسائل الإدراك، قال تعالى:) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ((البقرة:7)، وقالتعالى:) أو لَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ((النحل:108)
فإذا شغل وسائل الإدراك وملأها ظلمة لم يجد معه أي علاج، فلهذا لا تنفعهم رقى القرآن الكريم التي ينتفع بها جميع الناس، قال تعالى:) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ((التوبة:125)
قال الطبيب: صدق كتابكم.. فلا يضر الصحة مثل الوساوس التي تمتلئ بها القلوب، ولو زرت عياداتنا لوجدت أن أكثر من يأتينا موسوسون امتلأوا بالمخاوف، فسقتهم المخاوف من الأدواء ما عجزت عنه جميع جراثيم الدنيا.
سكت قليلا، ثم قال: أنت ترى الأمراض العصبية والنفسية تنتشر في عصرنا انتشارا شديدا متفاقما، أتدري ما أسباب ذلك؟
ثم قال: إن من الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض الشعور بالإثم والخطيئة والحقد والقلق والكبت والتردد والشك والغيرة والأثرة والسأم.. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب الاضطراب النفسي الذي يسبب المرض، ولكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات لأنهم لا يلجأون في علاجها إلى بث الإيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى.
قال علي: لم تكتف النصوص بذكر المرض، بل راحت تذكر أنواعها، والتفاصيل المرتبطة بعلاج كل نوع.. ولهذا فإنه يمكنك أن تستخرج صيدلية كاملة من تلك الوصفات.
قال الطبيب: فاذكر لي من نماذجها ما يرشدني إلى سائرها.
في اليوم التاسع.. كانت المحاضرات عن الطب والتداوي.. وقدم المحاضرون محاضراتهم التي غلب عليها الجانب البياني والفقهي، ثم تلاها صديقي الطبيب بالحديث عن ضرورة التداوي، وأنواع الأدوية، ومنافعها ومضارها.
وكان صديقي الطبيب ـ على حسب ما تعرفت عليه ـ من جمعية تحذر من مخاطر الإسراف في العلاج الحديث لعدم مناسبته الجسم.. ولذلك لم يكن منبهرا انبهارا شديد بمنجزات العلم.. بل كان يخاف كثيرا من منجزاته التي قد يستغلها من يسميهم باللوبي الطبي.. وربما كانت هذه الآراء مما قد يقربه من الأديان.. ولكنه كان شديد النفور منها، وقد أخبرني عن سر ذلك في الأيام التي جلست فيها معه.
لقد ذكر لي بكل حزن تلك الفترة من شبابه التي حن فيها قلبه للملأ الأعلى، واشتاقت روحه لمعرفة أسرار الأكوان.. وحينذاك دله بعض الناس على الكتاب المقدس، فحمله إلى بيته، وفي قلبه أشواق عظيمة.. وفتح الكتاب المقدس على سفر اللاويين.. وراح يقرأ:( وَعَلَى الْمُصَابِ بِدَاءِ الْبَرَصِ أَنْ يَشُقَّ ثِيَابَهُ وَيَكْشِفَ رَأْسَهُ وَيُغَطِّيَ شَارِبَيْهِ، وَيُنَادِيَ: (نَجِسٌ! نَجِسٌ!). وَيَظَلُّ طُولَ فَتْرَةِ مَرَضِهِ نَجِساً يُقِيمُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ مَعْزُولاً ) (سفر الللاويين: 13: 45 )
أصيب بدهشة عظيمة لهذا النص.. فهو يعرف داء البرص، ويعرف ما ينبغي أن يعالج به، ولم يكن يتصور أن يكون الإله قاسيا على المرضى بهذه الدرجة..
اتهم نفسه، وسوء فهمه.. وواصل القراءة:( يَأْتِي صَاحِبُ الْبَيْتِ وَيُخْبِرُ الْكَاهِنَ أَنَّ دَاءَ الْبَرَصِ قَدْ يَكُونُ مُتَفَشِّياً بِالْبَيْتِ، فَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِإِخْلاَءِ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ لِيَفْحَصَهُ. فَإِذَا عَايَنَ الإِصَابَةَ وَوَجَدَ أَنَّ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ نُقَراً لَوْنُهَا ضَارِبٌ إِلَى الْخُضْرَةِ أَوْ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَبَدَا مَنْظَرُهَا غَائِراً فِي الْحِيطَانِ، يُغَادِرُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ وَيُغْلِقُ بَابَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. فَإِذَا رَجَعَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَفَحَصَهُ، وَوَجَدَ أَنَّ الإِصَابَةَ قَدِ امْتَدَّتْ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ، يَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ الْمُصَابَةِ وَطَرْحِهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَتُكْشَطُ حِيطَانُ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيَّةُ، وَيَطْرَحُونَ التُّرَابَ الْمَكْشُوطَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ ) (اللاويين: 14: 35)
حين قرأ هذا النص نظر إلى الكتاب المقدس نظرة قاسية، ثم أغلقه، ثم لم يفتحه من ذلك الحين..
بالإضافة إلى ذلك، فقد أتيحت له فرصة ليرى حياة الرهبان، ويقرأ سير أسلافهم، وكان مما ذكره لي مما قرأه عنهم من كتاب (ليكى) عن (تاريخ أخلاق أوروبا) قوله:( زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة، وعظم شأنهم، واستفحل أمرهم، واسترعوا الأنظار، وشغلوا الناس، ولا يمكن الآن إحصاؤهم بالدقة، ولكه مما يلقى الضوء على كثرتهم، وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان، وفى القرن الرابع المسيحى كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب، وكان الراهب (سرابين) يرأس عشرة آلاف، وقد بلغ عددهم فى نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر )
ثم قرأ لي ما ذكره (ليكى) وغيره فى وصف حالة الرهبان، وبشاعة بعدها عن الفطرة الإنسانية، والغلو فى الهرب من الحياة، ومكافحة نشاط الفطرة، فقال:( ظل تعذيب الجسم مثلاً كاملاً فى الدين والأخلاق إلى قرنين، وروى المؤرخون من ذلك عجائب. فحدثوا عن الراهب ما كاريوس (Macarius) أنه نام ستة أشهر فى مستنقع، ليقرص جمسه العارى ذباب سام، وكان يحمل دائماً نحو قنطار من حديد، وكان صاحبه الراهب ((يوسيبيس)) (Eusebius) يحمل نحو قنطارين من الحديد، وقد أقام ثلاثة أعوام فى بئر نزح، وقد عبد الراهب يوحنا (St. John) ثلاث سنين قائماً على رجل واحدة، ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة، فإذا تعب جداً أسند ظهره إلى الصخرة، وكان بعض الرهبان لا يكتسون دائماً، وإنما يتسترون بشعرهم الطويل، ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام، وكان أكثرهم يسكنون فى مغارات السباع والآبار النازحة، والمقابر، ويأكل كثير منهم الكلأ والحشيش، وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح، ويتأثمون من غسيل الأعضاء )
وكان مما قرأ علي قوله:( وأزهد الناس عندهم وأتقاهم أبعدهم عن الطهارة، وأوغلهم فى النجاسات والدنس، ويقول الراهب (اتهينس): إن الراهب (أنتوني) لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره. وكان الراهب (أبراهامم) لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين سنة، وقد قال الراهب الإسكندرى بعد زمن متلهفاً: واأسفاه لقد كنا فى زمن نعد غسل الوجه حراماً، فإذا بنا ندخل الحمامات، وكان الرهبان يتجولون فى البلاد ويختطفون الأطفال، ويهربون إلى الصحراء والأديار، وينتزعون الصبية من حجور أمهاتهم، ويربونهم تربية رهبانية، والحكومة لا تملك من الأمر شيئاً، والجمهور والدهماء يؤيدونهم، ويحبذون الذين يهجرون آباءهم وأمهاتهم ويختارون الرهبانية ويهتفون باسمهم. وعرف كبار من الرهبان ومشاهير التاريخ النصراني بالمهارة فى التهريب، حتى روى أن الأمهات كن يسترن أولادهن فى البيوت، إذا رأين الراهب أمبروز (Ambrose) وأصبح الآباء والأولياء لا يملكون من أولادهم شيئاً، وانتقل نفوذهم وولايتهم إلى الرهبان والقسوس.
وكان نتيجة هذه الرهبانية أن خلال القوة والمروءة التى كانت تعد فضائل، عادت فاستحالت عيوباً ورذائل. وزهد الناس فى البشاشة وخفة الروح، والصراحة، والسماحة، والشجاعة والجراءة، وهجروها. وكان من أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم الحياة المنزلية، وعم الكنود والقسوة على الأقارب. فكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورحمة، وعيوبهم من الدمع، تقسو قلوبهم وتجمد عيونهم على الآباء والأمهات والأولاد. فيخلفون الأمهات ثكالى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء، همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم فى الآخرة، لا يبالون ماتوا أو عاشوا. وحكى (ليكى) من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب.
وقد ذكر لي أنه من ذلك الحين نفرت نفسه من الدين ومن الأديان.
وقد زاد نفوره من الدين ما كانت تنقله القنوات الإعلامية عن المسلمين، وما كانوا يصابون به من أمراض هي نتيجة اعتقادات جاهلة يعتقدونها.
لقد رأى بعينيه ما نقلته وسائل الإعلام عن رجل من المسلمين يزعم أنه من الرقاة يضرب مريضا ضربا قاسيا، بدعوى أن به مسا من الجن، وأن ذلك الجن لن يعالجه إلا الضرب الشديد.
ثم تبين بعد ذلك أن المريض المسكين لم يكن مصابا لا بجن، ولا بغير جن، وإنما هي حالة نفسية كانت تستدعي لطفا في المعاملة، ورفعا للمعنويات أكثر مما تستدعي تلك القسوة التي عامله بها الراقي الجاهل.
وكان يرى ما تنقله هذه الوسائل من انتشار الأوبئة بين المسلمين نتيجة إهمالهم للنظافة ولأبسط قواعد الصحة والوقاية.
وكان يرى ما تنقله تلك الوسائل من ختان البنات.. وما يؤدي ذلك من أضرار نفسية وصحية لديهن..
وكان يرى ما تنقله تلك الوسائل من حفلات الزار وغيرها..
لقد تولدت من كل هذا قناعة لديه بأن الإسلام هو عبارة عن مجموعة خرافات لا تؤذي العقول فقط، بل تؤذي معها الأجساد، فتملأها بالضعف والمرض.
لقد ذكر لي كل هذا.. ونحن في طريقنا في ذلك المساء إلى (مستشفى السلام)[1]، وهو المستشفى الذي طلب مني علي ـ عبر صديقه حذيفة ـ أن نزوره ذلك المساء صحبة رفاقي من العلماء.
لقد بهرنا منظر المستشفى، لقد كان روضة غناء، كتب على بابه بحروف من نور قوله تعالى:﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ (الشعراء:80)
كان يمتلئ بروائح العافية والجمال والطهارة.
كان المرضى يدخلون مرضى، ويخرجون، وقد تسلموا جميع مفاتيح العافية.
في المدخل لاقانا علي.. لقد عرفته بمجرد أن رأيته.
قال لنا: هنا في هذا المستشفى الذي سميناه مستشفى السلام، ننطلق من تعلميات الإسلام، ومن نصوصه المقدسة من القرآن والسنة..
لقد حاولنا أن يمثل هذا المستشفى الإسلام خير تمثيل..
ابتسم صاحبي الطبيب، وقال: أنتم إذن هنا تقتلون الجن، وتقيمون حفلات الزار، وتختنون الإناث، وتسقون المرضى ما تبصقون فيه من الطعام، وما تنفخون فيه من الشراب.
ابتسم علي، وقال: هنا في هذا المستشفى نبين هدي الإسلام، ونقضي على الخرافات التي ارتبطت به.. وكل ما ذكرته أباطيل ما لها في الإسلام من محل.. ولئن صبرت علي، لتجولت بك وبأصحابك من العلماء في أقسام هذا المستشفى لترى بنفسك الهدي الحقيقي للإسلام.. لا الهدي الذي أنشأه الجهلة ليزاحموا به هدي الإسلام.
فرح الجميع بهذه الإجابة، فقد كانت لهم من الشبهات ما كان لهذا الطبيب، وقد كانوا جميعا يودون أن يروا حقيقتها.
قال الطبيب: نحن معك.. ولم نأت هنا إلا لنرى هذا المستشفى.. ونسمع إلى الطريقة التي يعالج بها.
قال علي: فهيا بنا لنزوره قسما قسما.
1 ـ العلاج الروحي
كان أول قسم بدا لنا من المستشفى أطلق عليه ( العلاج الروحي)، ما إن رآه صاحبنا الطبيب حتى قال: هذا هو القسم الذي يضرب فيه الجن، وتحيا فيه حفلات الزار.
قال علي: اصبر.. لا ينبغي لعالم أن يحكم على شيء قبل أن يراه.
قال الطبيب: ولكني رأيت هذا في وسائل الإعلام.
قال علي: لا ينبغي للعالم أن يأخذ مواقفه من وسائل الإعلام، فأنت تعلم أنها تزين ما يحلو لها أن تزينه، وتشوه ما يحلو لها أن تشوهه.. هي لا تعرض الحقائق، وإنما تعرض ما تريده من الحقائق.
إن هذا القسم هو أول قسم في هذا المستشفى.. وهو أول ما يدخل إليه المرضى من الأقسام..
لقد سميتموه الطب النفسي، ونحن هنا نسميه الطب الروحي، وفيه نبدأ بملأ المرضى بالمعاني الروحية التي قد تقضي على ما يملأ نفوسهم بالوهن والآلام التي ينشرها الألم في أجسادهم.
وأول ما نبدأ به هو تعميق الإيمان بالله في قلوبهم.. فتمتلئ محبة له وأنسا به، فينشغلون بالحب المقدس عن الآلام التي تتدنس بها أجسادهم، وقد استوحينا ذلك من قوله تعالى وهو يحكي ما حصل للنسوة عند رؤية يوسف u:﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ((يوسف: من الآية31)
وقد استعمل المسلمون هذا النوع من العلاج.. فقد وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير، فأرادوا قطعها، وقال له الأطباء:( نسقيك دواءا حتى يغيب عقلك ولا تحس بألم القطع، فأبي، وقال:( ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا يزول منه عقله حتى لا يعرف ربه).. وروى عنه أنه قال:( لا أشرب شيئا يحول بيني وبين ذكر ربي تعالى)[2]، وقطعت منه رجله، وهو في الصلاة، ولم يشعر بقطعها.
إن هذا العلاج يقضي على معظم الأمراض التي يأتي أصحابها إلى هذا المستشفى، وخاصة المرضى الذين امتلأت نفوسهم بالهم القاتل، نتيجة استعصاء الداء على سائر أنواع العلاج.
قال الطبيب: هذا صحيح.. لقد أثبت العلم الحديث جدوى هذا النوع من العلاج.. وكمثال على ذلك.. فقد تم إجراء تجربة استخدام العلاج بشد الانتباه برؤية مناظر خلابة من الطبيعة وسماع شريط يحتوي على أصوات رائعة من الطبيعة في التخفيف من الآلام أثناء عملية منظار الشعب الهوائية، وذلك بالإضافة للعلاج المعتاد. وقورنت هذه المجموعة من المرضى بمجموعة أخرى ضابطة لم تتلق العلاج الإضافي بجذب الانتباه (تغيير التركيز الإدراكي).
وخلص هذا البحث الذي تم عمله في المستشفى التعليمي (جون هوبكينز) في بالتيمور أن العلاج بشد الانتباه مع العلاج التقليدي أدى إلى تقليص الشعور بالألم بصورة ذات دلالة إحصائية، وأوصى البحث بأن يقوم الأطباء باستخدام الإجراءات الطبيعية بالإضافة إلى المسكنات المعتادة.
كما نشر موقع ٍٍ[BBC ٍِِ] على شبكة الإنترنت هذا البحث تحت عنوان [العودة إلى الطبيعة لتخفيف الألم ]وقد ذيل هذا بقول الطبيب جيل هانكوك:( نحن نقوم بتعليم مرضانا الاسترخاء باستخدام المشاهد المناظر الخلابة والموسيقى الرائعة، وهذا جزء أساسي في عملنا حيث أنه ثبت أن المناظر الخلابة تؤدي إلى إزالة التوتر النفسي والبدني اللذين يسببان الألم )
وقد عرف سر تأثير شد الانتباه في التخفيف من الإحساس بالألم، وذلك باستخدام الإشعاعات الوظيفية للمخ، تلك التي تظهر الارتواء الدماغي والتمثيل الغذائي للخلايا العصبية ثبت أنه أثناء استخدام جذب الانتباه يحدث انخفاض في مستوى نشاط أماكن معينة في المخ، تلك الأماكن التي يتم فيها استقبال الإحساس بالألم مثل منطقة المهاد،القشرة الحسية والتلفيف الحزامي.
قال علي: ليس ذلك فقط.. بل إن النصوص المقدسة دلتنا على الكثير مما يمكن أن ينشغل به القلب عن الداء.. فالله تعالى يقول:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ (البقرة:155)، ثم بين سر صبرهم، أو أعطاهم وصفة لصبرهم، فقال:﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ (البقرة:156)
فشعور المريض برجوعه إلى الله الطبيب، وشعوره بأن داءه مجرد اختبار من الله، وأنه إن صبر على بلاء الله عوضه الله من العافية ما لا يحلم به الأصحاء، يجعله ممتلئا بمعان نفسية عالية لا يستطيع أي مرشد نفسي أن يملأه بها.
لقد فصل رسول الله r الكثير من أنواع الأجور التي ينالها الصابرون الذي ابتليت أجسادهم بالآلام، فقال:( يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض )[3]
وروي عن أنس بن مالك، وهو من أصحاب محمد r، قال دخلت مع النبي r نعود زيد بن أرقم t وهو يشتكي عينيه فقال له:( يا زيد، لو كان بصرك لما به كيف كنت تصنع؟)، قال:( إذا أصبر وأحتسب )، قال:( إن كان بصرك لما به ثم صبرت واحتسبت لتلقين الله عز وجل وليس لك ذنب )[4]
وقال r:( إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه )[5]
وقال r:( إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى)[6]
وقال r:( ما من مسلم يصاب بشيء في جسده فيصبر إلا رفعه الله به درجة، وحط عنه به خطيئة)[7]
وقال r:( إن العبد إذا مرض أوحى الله تعالى إلى ملائكته: أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه اغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد لا ذنب له )[8]
وقال r:( ما من مسلم يصاب في جسده إلا أمر الله تعالى الحفظة: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل، ما دام محبوسا في وثاقي )[9]
وفي الأثر الإلهي:( قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح )[10]
قال الطبيب: إن هذه النصوص تكاد تمجد الأمراض، بل تكاد تدعو الناس إلى التعرض لأسبابها لينالوا أجورها.
قال علي: لا.. أنت لم تفهم هذه النصوص.. إن هذه النصوص وردت ضمن منظومة كاملة تشمل علاجا متكاملا.. ولا يصح أن نضرب بعض المنظومة ببعضها، أو نضرب بعض الأدوية ببعضها.
ألستم في الطب تعطون أدوية لعلاج أمراض معينة، ثم تعطون معها أدوية أخرى لتحتاطو من تأثير الأدوية التي أعطيتموها؟
قال الطبيب: أجل.. نحن نفعل ذلك.. ولهذا تجدنا كثيرا ما نعطي أدوية تحمي المعدة من تأثير الأدوية التي لا تتناسب معها.
قال علي: فهكذا فعل رسول الله r.. فللمرض تأثيره النفسي على المريض.. هذا التأثير يجعله حزينا متألما يائسا.. وربما منعه المرض من خير كثير، وخاصة إن امتد به المرض وطال.
ولهذا أخبر النبي r أن المرض هو مجرد حالة أصابت بعض الجسم، ولا ينبغي أن تسري لسائر الجسم، ولا ينبغي لها أن تسري إلى الروح.. بل إن أرواح الصالحين لا تفرق بين نعيم الله وبلائه، فهي في سكينة دائمة وراحة مستمرة..
لقد ورد في السنة ما يدل على هذه اللذة التي يجدها الراضي، فقد قال r:( إن اللّه بحكمته وجلاله جعل الروح[11] والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط )[12]
قد ينكر بعض الناس هذا أيضا، ويعتبره من الأحلام الكاذبة، ولكن الحقيقة التي يعج بها الواقع تنص على أن أكثر ما يعطى للناس من أدوية، أو من سموم، هو عبارة عن مهدئات ومسكنات ومخدرات لا تزيد طين الأمراض إلا بلة.
قال الطبيب: كل ما تذكره من هذا صحيح، وقد مررت بتجربة استنتجت منها ما ذكرته[13]..
لقد درست ـ عندما كنت أتعلم الطب ـ أحد المبادىء المادية الأساسية التي تفسر ما يحدث من تغيرات داخل الجسم عندما يصيبها عطب أو تلف، تفسيراً مادياً صرفاً، كما فحصت قطاعات مجهرية لهذه الأنسجة، وتبينت أن الظروف المناسبة تعينها على أن تلتئم بسرعة وتتقدم نحو الشفاء، وعندما اشتغلت جراحاً في أحد المستشفيات بعد ذلك، كنت أستخدم المبدأ السابق استخداما يتسم بالثقة فيه والاطمئنان إليه، ولم يكن علىّ إلا أن أهيئ الظروف المادية والطبية المناسبة، ثم أدع الجرح يلتئم، وكلي ثقة بالنتيجة المرتقبة.
قال علي: للأسف.. هذه المعرفة هي التي يؤمن بها أكثر الأطباء، ويكتفون بها.
قال الطبيب: لكني لم ألبث غير قليل حتى اكتشفت أنني قد فاتني أن أُضِّمن علاجي وأفكاري الطبية أهم العناصر وأبعدها أثراً في إتمام الشفاء.
عندما كنت أعمل جراحاً في أحد المستشفيات، جاءتني ذات يوم جدة جاوزت السبعين تشكو من شدخ في عظام ردفها، وبعد أن وضعت فترة تحت العلاج أدركت من فحص سلسلة الصور التي أخذت لها على فترات تحت الأشعة أنها تتقدم بسرعة عجيبة نحو الشفاء، ولم تمض أيام قليلة حتى تقدمت إليها مهنئاً بما تم لها من شفاء نادر عجيب، عندئذ استطاعت السيدة أن تتحرك فوق المقعد ذي العجلات، ثم سارت وحدها متوكئة على عصاها، وقررنا أن تخرج تلك السيدة في مدى أربع وعشرين ساعة وتذهب إلى بيتها، فلم يعد بها حاجة إلى البقاء في المستشفى.
وكان صباح اليوم التالي هو الأحد، وقد عادتها ابنتها في زيارة الأحد المعتادة حيث أخبرتها أنها تستطيع أن تأخذها والدتها في الصباح إلى المنزل لأنها تستطيع الآن أن تسير متوكئة على عصاها.
ولم تذكر لي ابتنها شيئاً مما جال في خاطرها، ولكنها انتحت بأمها جانباً وأخبرتها أنها قد قررت بالاتفاق مع زوجها أن يأخذا الأم إلى أحد ملاجيء العجزة لأنهما لا يستطيعان أن يأخذاها إلى المنزل.
ولم تكد تنقضي بضع ساعات على ذلك حتى استدعيت على عجل لإسعاف السيدة العجوز، ويا لهول ما رأيت.. لقد كانت المرأة تحتضر، ولم تمض ساعات قليلة حتى أسلمت الروح.
إنها لم تمت من كسر في عظام ردفها، ولكنها ماتت من انكسار في قلبها، لقد حاولت دون جدوى أن أقدم لها أقصى ما يمكن من وسائل الإسعاف، وضاعت كل الجهود سدى.
لقد شفيت من مرضها بسهولة، ولكن قلبها الكسير لم يمكن شفاؤه برغم ما كانت قد تناولته في أثناء العلاج من الفيتامينات والعقاقير المقوية وما تهيأ لها من أسباب الراحة، ومن الاحتياجات التي كانت تتخذ لتعينها على المرض وتعجل لها الشفاء .. لقد التأمت عظامها المكسورة التئاماً تاماً ومع ذلك فإنها ماتت.
لقد اكتشفت حينها أن أهم عامل في شفائها لم يكن الفيتامينات ولا العقاقير ولا التئام العظام، ولكنه كان الأمل، وعندما ضاع الأمل تعذر الشفاء.
قال علي: فما نواحي الأمل التي غابت عن ذهن هذه العجوز في تصورك كطبيب؟
قال الطبيب: لقد أثرت هذه الحاثة في نفسي تأثيراً عميقاً، وقلت في نفسي: لو أن هذه السيدة وجدت من الدعم الروحي والإيمان ما حدث لها ما حدث..
قال علي: لقد وصلت إذن إلى ضرورة الإيمان للشفاء والعافية والسعادة.
قال الطبيب: أجل.. لقد أيقنت أن العلاج الحقيقي لابد أن يشمل الروح والجسم معاً وفي وقت واحد.
قال علي: أهذه قناعتك وحدك؟.. أم ترى من زملائك من اقتنع بهذه القانعة؟
قال الطبيب: الواقع أن النتيجة التي وصلت إليها تتفق كل الاتفاق مع النظرية الطبية الحديثة عن أهمية العنصر السيكولوجي في العلاج الحديث، فقد دلت الإحصائيات الدقيقة على أن 80% من المرضى بشتى الأمراض في جميع المدن الأمريكية الكبرى ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية، ونصف هذه النسبة من الأشخاص الذين ليس لديهم مرض عضوي في أية صورة من الصور.. وليس معنى ذلك أن هذه الأمراض مجرد أوهام خيالية حقيقة، وليست أسبابها خيالية ولكنها موجودة فعلاً، ويمكن الوصول إليها عندما يستخدم الطبيب المعالج بصيرته بها.
قال علي: ولكن الطب مع ذلك لم يفلح في أن يجد ما يملأ روح الإنسان بالسكينة والأمل.. إن هذه السكينة والأمل لا توجد إلا في الحقائق الكبرى التي تعرف الإنسان بحقيقته ووظيفته وامتداده.
إنها الحقائق التي تعرفه بأنه مجرد عابر في الأرض، وأن رحلته فيها لن تمتد إلا أمدا محدودا ليعود بعدها إلى ربه..
إن هذه الحقائق لن تجدها إلا في القرآن كلام الله..
اسمع لهذه الآية، وانظر تأثيرها في نفس أي متألم فقيرا كان أو مريضا، أو مستضعفا، يقول الله تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ( (الشعراء:25 ـ 207)، أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأمهلناهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر اللّه، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم.
أو قوله تعالى:) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغ((الاحقاف: من الآية35)، أو قوله تعالى:) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا((النازعـات:46)
أو قوله r:( يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيراً قط؟ هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب )[14]، فلحظة واحدة في الجنة تنسي أشد الناس بؤسا في الدنيا كل ما عاناه فيها.
إن هذه المعاني إذا امتلأ بها المتألم رفعت عنه البلاء وملأته بالعافية..
لقد ذكر الله تعالى هذه القوة التي وفرها الإيمان في نفوس السحرة، فلم يأبهوا لتهديد فرعون، فقال تعالى على لسانهم:﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا((طـه:72)
ولهذا يعبر تعالى عن عذاب الآخرة وبلائها بكونه:) أَشَدُّ وَأَبْقَى((طـه: من الآية127)، ليملأ القلوب المتألمة بالأنس بانتهاء عذابها المحدود.
بل إن في كلمة الاسترجاع ـ التي أشار إليه قوله تعالى:) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ((البقرة:156) ـ قوة عظيمة لا يطيق أي دواء أن يملأ بها الروح.
فهذه الكلمة تحمل دلالة عظيمة على محدودية البلاء، فالمؤمن المبتلى سيرجع إلى ربه، وستنتهي برجوعه كل أصناف البلايا.
إنها تصور المبتلى بصورة سجين سجن أياما معدودة.. وكان آمر السجن رحيما، فكان يرسل له كل يوم من يملؤه بالبشر، ويقول له:( إن هي إلا أيام وتعود إلى أهلك ومالك ) ألا يستبشر هذا المسجود ويستأنس؟
قال الطبيب: بلى..
قال علي: فالله تعالى المبتلي لم يرسل لنا من يؤنسنا بذلك، بل هو الذي ملأنا بالأنس، فأخبرنا برجوعنا إليه ليمسح عنا كل دمعة، ويبرئ لنا كل جرح.
ولهذا يخاطبنا الله ليمسح عنا كل الآلام، وليقول لنا:) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى((الضحى:4)، فهذه الآية تبشر الكل.. تبشر كل من يسمع من الله.. بأن الآخرة التي تنتظرهم آخرة جميلة.. ليس فيها مرض ولا حزن ولا أسف.
سكت علي قليلا، ثم قال: إن هذا الذي ذكرته مجرد وصفة واحدة من الأدوية التي وصفها القرآن الكريم، وبين لنا كيفية استعمالها رسول الله r.
ولو بحثت في كل الأرض، فلن تجد أدوية تشابهها.. لأن هذه الأدوية تعتمد على الحقائق، والحقائق لا تجدها إلا عند الله.
قال الطبيب: ربما أعود إلى هذا القسم لأسمع تفاصيل كثيرة على ما ذكرت، ولكني الآن أرغب في أن تبين لي سر تلك الشعوذة التي تجعل من بعضكم يتصور المرضى المساكين مجانين قد سكنتهم العفاريت، فهو لذلك يتلاعب بهم، ويتلاعب بصحتهم.
قال علي: تلك بدعة ورثها بعض قومنا من قومكم.. ليس في ديننا بمصادره جميعا ما يدل على شيء من ذلك..
ها هو القرآن الكريم أمامك.. إنه يتحدث عن كل شيء.. حتى عن الوضوء وقضاء الحاجة، ومع ذلك يخلو من الحديث عن هذه البدع.
قال الطبيب: ولكنه يقول:﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ( (البقرة: من الآية275) ففي هذه الآية تصريح بأن الشيطان يتخبط الإنسان من المس.
قال علي: في أي سياق وردت الآية.. إن آيات القرآن الكريم.. ككل كلام لا ينبغي أن يفصل عن سياقه؟
قال الطبيب: لقد وردت في سياق تحريم الربا، تشبه المرابين بهذه الصورة:) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((البقرة:275)
قال علي: وهل ذكر القرآن الكريم الدخول.. أم ذكر المس؟
قال الطبيب: بل ذكر المس.
قال علي: فهل المس في لغة القرآن الكريم ولغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم يعني الدخول؟
قال الطبيب: لا.. ولكنه قد يعنيه على سبيل المجاز.
قال علي: الأصل في اللغة الظاهر لا المجاز.. وقد ورد هذا اللفظ مرتبطا بالشيطان في غير موضع من القرآن الكريم، فقد قال تعالى عن حال المتقين إذا تعرضوا لمس الشياطين:) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ((لأعراف:201)، فلم لم يقل الله تعالى:( إذا مسهم طائف من الشيطان ذهبوا إلى الرقاة ليخرجوه منهم )
بل قد ذكر الله تعالى أيوب u وهو نبي كريم، والأنبياء يستحيل أن يصابوا بمثل هذه الأدواء، فقال:) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ((صّ:41).. فقد ذكر أن الشيطان مسه..
قال الطبيب: فبم تفسر الآية التي يتعلق بها رقاتكم إذن؟
قال علي: ذلك شيء بسيط.. سأضرب لك مثالا لتوضيحه.. الأطباء يتحدثون عن ( الحساسية ).. فما تعني؟
قال الطبيب: بعض الناس لا يطيقون أشياء معينة، فتصيبهم لأجل ذلك علل قد لا تصيب سائر الناس.
قال علي: مثل ماذا؟
قال الطبيب: لعل أقرب مثال لذلك القطط.. فمع أنها من الطوافين علينا والطوافات[15]، إلا أن بعض الناس تصيبهم بالحساسية.
قال علي: أي أنهم يصيبهم التخبط كلما رأوا القطط.
قال الطبيب: ليست الرؤية وحدها.. هناك أشياء أخرى فقد أوردت وكالات الأنباء أن فريقا من الباحثين الفرنسيين نجح فى عزل الجين المسئول عن الحساسية التى تسببها القطط المنزلية لأصحابها..
ولكن الباحثين في الولايات المتحدة يسعون أن ينجزوا في المستقبل مشروعا للتكييف الجيني يهدف إلى إنتاج قطط خالية مما يثير الحساسية عند البعض ممن يواجهون مشاكل باقترابهم من القطط.
وقد تدخلت الشركات في هذه البحوث، حيث أن شركة ترانسجينيك بيتس، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية تعتزم بيع هذا النوع الجديد من القطط بأسعار تصل إلى ألف دولار للقط.
قال علي: دعنا من شذوذكم.. قل لي: كيف تؤثر القطط في الحساسية التي تصيب هؤلاء.. هل تدخل في هؤلاء الممسوسين بها؟
قال الطبيب: لا.. ـ يا معلم ـ بل هي بما فيها من روائح تسبب لهم تلك النوبات.
قال علي: فهل السبب منهم أم من القطط؟
قال الطبيب: منهم.. بدليل أن القطط من الطوافين علينا والطوافات، ومع ذلك لا يصيبنا منها شيء.
قال علي: فإذا أراد المريض أن يتجنب ما تثيره القطط فيه من حساسية ماذا يفعل؟
قال الطبيب: هناك حلان: إما أن يجتنبها تماما، وإما أن يستعمل من الأدوية ما يخفف أو يزيل تأثيرها عنه.
ولكن ما علاقة هذا الذي تتحدث عنه بالمس الشيطاني.
قال علي: في بعض الناس أمراض عضوية، لا شك أنك تعرفها.. وهذه الأمراض تجعل لهم حساسية تجاه وساوس معينة.. كأن يخوفوا مثلا خوفا شديدا.. فإن ذلك الخوف يتسبب لهم في حصول هذه النوبات.
فهذا الذي يصرع لأجل الخوف لو لاقاه أي مخلوق وخوفه، ألا تصيبه نوبة الصرع؟
قال الطبيب: أجل.. فهو لا يختلف عن الحساسية.. يظهر بظهور السبب، ويختفي باختفائه.. ولكن ما دور الشيطان في هذا؟
قال علي: لقد أخبرتنا النصوص أن الشيطان خبير ماهر بطبيعة من يوسوس له.. فإذا علم من قرينه هذا.. راح يوسوس له بالمخاوف إلى أن يتخبطه من المس، كما قال تعالى:) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((آل عمران:175)
قال الطبيب: فأنت تفسر المس بالتخويف.
قال علي: التخويف بعض المس.. فمن الناس من لا يخاف.. ولكن يغضب، فيأتيه الشيطان.. وينفخ فيه من الوساوس ما يملؤه غضبا.. لقد قال r في هذا:( إنما الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )[16]
ولهذا سن لنا النبي r أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في هذه الحال، فعَنْ حذيفة بن صرد t قال: كنت جالسا مع النبي r ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رَسُول اللَّهِ r:( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عَنْه ما يجد، لو قال أعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم ذهب عَنْه ما يجد )، فقالوا له إن النبي r قال: تعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم[17].
فالشيطان يوسوس لكل الناس، كما أن القطط تخالط جميع الناس، ولكن بعض الناس لهم استعدادات معينة كالحساسية والصرع، فيصيبهما ما يصيب.
قال الطبيب: فأنت تقر أن للشيطان دورا.
قال علي: صحيح.. وما كان لي أن أخالف القرآن الكريم.. ولكن: أجبني إن حصلت الوساوس من الإنسان بأن كان هو المتسبب في التخويف أو الغضب، فلماذا ننسب الصرع حينها للشيطان؟
قال الطبيب: ولكن القرآن الكريم ذكر الشيطان.
قال علي: ولكن القرآن الكريم لم يقصر الشيطان على إبليس، بل قال:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ((الأنعام: من الآية112)، وأمرنا بالاستعاذة منهم جميعا، فقال:) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ((الناس:1)إلى قوله تعالى:) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ( (الناس:6)
قال الطبيب: فما العلاج الذي تصفه الشريعة بدل ذلك العلاج الذي يصفه المشعوذون؟
قال علي: علاجان: أحدهما لأهل الله يملؤون قلب الخائف طمأنينة، وغضبه سكينة، وهو ما نعالج به في هذا القسم.
وأما الثاني، فهو للأطباء يستأصلون مكامن الداء.. هو نفس علاجكم لوساوس القطط.. ألستم تعزلونها، أو تحاولون استنساخ السليم منها، أو تعالجون العليل بالمراهم، لا بأمر القطط بالخروج.
قال الطبيب: وعيت قولك هذا.. ولكني لا أزال أتعجب مما يفعله المسلمون من هذا.. وكيف تاهوا عن الحقيقة؟
قال علي: هم لم يتيهوا.. ولكن للمطامع والتقليد تأثيرهما الكبير في انتشار مثل هذا.. ولو أن هؤلاء اكتفوا بما في القرآن الكريم وفي هدي رسول الله r لما وقعوا فيما وقعوا فيه.
2 ـ العلاج الوقائي
سرنا إلى القاعة الثانية، وهي القاعة المخصصة للعلاج الوقائي، قال علي: في هذه القاعة نقوم بتصحيح الأخطاء الكثيرة التي يقع فيها المرضى، والتي تتسبب في الأمراض التي يقعون فيها.
ولهذه القاعة بالإضافة إلى استقبالها المرضى فرع إعلامي ينشر الوعي الصحي في المجتمع، وينشر معها مبادئ الوقاية التي جاء بها قرآننا وهدي نبينا.
ابتسم الطبيب، وقال: أنا لا أزال أتحير في علاقة الدين بالطب.
قال علي: ولم تتحير؟
قال الطبيب: أنا أرى أن الطب للمعامل، والدين للمساجد والكنائس.
قال علي: عندما تنحرف الأديان عن أدوراها تخاطب أجزاء الإنسان لا الإنسان، ولكنها عندما تعي ما أنيط بها من دور تخاطب الإنسان ككل، وهكذا فعل الإسلام، فقد استوى أمره لنا بعبادة الله بأمرنا بحفظ أجسادنا وقوانا.. لأنا لا نستطيع أن نعبد الله بأجسام مهزولة.
قال الطبيب: فعلام يعتمد الطب الوقائي الذي تعلمونه في هذا المستشفى؟
قال علي: على أربعة أركان لا تتم الوقاية إلا بها.
الاستقامة:
قال الطبيب: فما أولها؟
قال علي: الاستقامة.. فليس على الجسد ما هو أخطر عليه من انحراف صاحبه.. فالانحراف هو الفيروس الذي لا يفطن له الأطباء.
قال الطبيب: فهل فطن له نبيكم؟
قال علي: أجل.. ولذلك نصحنا، وبالغ في نصحنا، ولم يترك محلا من الخير لأجسادنا وأرواحنا إلا وصفه لنا.
قال الطبيب: فما قال لكم في هذا الباب؟
قال علي: لقد قال مرة يخطابنا عبر أصحابه:( يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)[18]، فقد ربط رسول الله r في هذا الحديث بين الانحراف الجنسي، وانتشار الأمراض، وذلك دليل على أن من علل تحريف الانحراف الجنسي الحفاظ على الصحة.
قال الطبيب: لقد نصحكم نبيكم غاية النصح.. فليس هناك من سبب لكثير من الأمراض غير ذلك الانحراف.
لقد ظهرت بسبب هذا النوع من الانحراف الأوبئة الكثيرة التي لم تكن معهودة من قبل، وكانت الفاحشة هي السبب الأول لظهورها وانتشارها.
فأول ظهور لمرض الزهري ( السفليس ) الخطير كان في عام 1494 م أثناء الحرب الإيطالية الفرنسية عندما انتشر في الجنود خاصة الزنا، وسماه الإيطاليون (الداء الفرنسي) وكذلك فعل الإنجليز والألمان والنمساويون لأنه انتشر بينهم بواسطة الجنود الفرنسيين، أما الفرنسيون فقد أسموه الداء الإيطالي.
ولما وصل الاستعمار الغربي إلا البلاد العربية ظهر ذلك الداء معهم فسماه العرب الداء الفرنجي، ولا يزال هذا الاسم مستعملا حتى اليوم.
وفي العصور الحديثة ظهر مرض الهربس كوباء وهو مرض جنسي واسع الانتشار، ويبلغ معدل الإصابة به السنوية في الولايات المتحدة نصف مليون حالة.
وفي عام 1979 م ولأول مرة ظهر داء خطير جديد هو مرض فقدان المناعة المكتسب في الولايات المتحدة والمعروف باسم الإيدز، وانتشر بسرعة رهيبة في الشاذين جنسيا.
وتتحدث المراجع الطبية عن الأمراض الجنسية باعتبارها أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم.. ولقد تم التغلب على كثير من الأمراض المعدية، ورغم ذلك ظهرت الأمراض الجنسية بصورة وبائية مفزعة وخطيرة.
ويقول مرجع مرك الطبي:( إن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم، ويزداد في كل عام عدد المصابين بها، وذلك منذ عقدين من الزمن تقريبا، وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الذين يصابون بالسيلان بأكثر من 250 مليون شخص سنويا.. كما تقدر عدد المصابين بالزهري بـ 50 مليون شخص سنويا.. ويقدر مركز أتلانتا لمكافحة الأمراض المعدية في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة عدد المصابين بالسيلان في الولايات المتحدة بـ 3 ملايين شخص سنويا وعدد المصابين بالزهر بـ 400 ألف شخص سنويا )
وقد انتشرت أمراض مختلفة ومتنوعة بسبب انتشار الفاحشة وشيوعها وانتشار الشذوذ الجنسي وخاصة في الغرب.
وتنقل مجلة Medicine Digest تقريرا من فلوريدا بالولايات المتحدة قام به فريق من أخصائي أمراض النساء والولادة جاء فيه:( أن هناك زيادة بنسبة 800 بالمائة في الحالات المشتبهة لسرطان عنق الرحم للفتيات البالغ أعمارهن من 15 سنة إلى 22 سنة وذلك في خلال أربع سنوات، ويرجع الباحثون هذه الزيادة الرهيبة إلى الزيادة المضطرة في الممارسات الجنسية دون تمييز )
قال علي: ولهذا تشدد الإسلام في هذا الباب، فحرم الانحراف الجنسي بجميع أنواعه[19]، بل اعتبره من أخطر المحرمات، فقد قال r:( لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن )[20]، وقال r:( ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له)[21]
ولذلك علق الشارع عليه أشد العقوبات التشريعية، ورتب عليه كذلك أشد العقوبات القدرية.
ولم يكتف الشرع بتحريمه، بل حرم كل السبل المؤدية إليه، والتي يشير إليها قوله تعالى:) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً( (الاسراء:32)، فلم تقل الآية الكريمة:لا تزنوا, بل قالت: لا تقربوا، ليحرم كل المقدمات المؤدية إليه.
قال الطبيب: صدق نبيكم، فلا يمكن أن يحرم مثل هذا النوع من الانحراف دون أن تحرم كل المقدمات المؤدية إليه.
قال علي: هذا نوع فقط من الانحرافات التي نهتنا نصوصنا المقدسة عنها بكل شدة، بل وضعت في قلوبنا من الردع ما لا تستطيع جيوش الدنيا أن تفعله.
قال الطبيب: صدقت في هذا.. فنحن نرى بلاد المسلمين مع ما فيها من انحرافات أفضل دول العالم من ناحية المحافظة على أعراضها، وقلة الفواحش بينها.
قال علي: هذا مع تخليهم عن كثير من هدي نبيهم ودينهم، ولو أنهم عاشوه كما طلب منهم لرأيت عجبا ينقضي دونه العجب.
قال الطبيب: فاذكر لي غير هذا.
قال علي: لقد حرم الإسلام الخمر، وتشدد في تحريمها، ولا شك في معرفتك بالأمراض الخطيرة التي تتسبب فيها.
قال الطبيب: أجل.. وقد نصحكم نبيكم غاية النصح[22].
قال علي: وقد حرم الإسلام كل ما تفنن البشر فيه في هذا العصر من الدخان والمخدرات وغيرها حتى لو كان من المآكل والمشارب ما دام يحمل ضررا على الصحة، فالقاعدة في هذا ما قاله r:( لا ضرر ولا ضرار )
قال الطبيب: فهل هناك غير هذا؟
قال علي: أجل.. وهو أول ما نبدأ به في هذا القسم من علاج.
قال الطبيب: فما ذاك؟
قال علي: الأمراض التي تمتلئ بها القلوب.. فلا ينهك البدن مثل أمراض القلوب، ولهذا ترى القرآن الكريم كثيرا ما يحدثنا عن هذا النوع من الأمراض الخطيرة:
فقد اعتبر ما يحدث في القلب من ظنون سيئة وأفكار رديئة مرضا، بل مرضا خطيرا، فقال تعالى:) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ((البقرة:10)
وهذا المرض أخطر بكثير من مرض الأجساد، لأن مرض القلب مرض للروح، ومرض الروح يمتد ليشمل كل وسائل الإدراك، قال تعالى:) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ((البقرة:7)، وقالتعالى:) أو لَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ((النحل:108)
فإذا شغل وسائل الإدراك وملأها ظلمة لم يجد معه أي علاج، فلهذا لا تنفعهم رقى القرآن الكريم التي ينتفع بها جميع الناس، قال تعالى:) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ((التوبة:125)
قال الطبيب: صدق كتابكم.. فلا يضر الصحة مثل الوساوس التي تمتلئ بها القلوب، ولو زرت عياداتنا لوجدت أن أكثر من يأتينا موسوسون امتلأوا بالمخاوف، فسقتهم المخاوف من الأدواء ما عجزت عنه جميع جراثيم الدنيا.
سكت قليلا، ثم قال: أنت ترى الأمراض العصبية والنفسية تنتشر في عصرنا انتشارا شديدا متفاقما، أتدري ما أسباب ذلك؟
ثم قال: إن من الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض الشعور بالإثم والخطيئة والحقد والقلق والكبت والتردد والشك والغيرة والأثرة والسأم.. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب الاضطراب النفسي الذي يسبب المرض، ولكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات لأنهم لا يلجأون في علاجها إلى بث الإيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى.
قال علي: لم تكتف النصوص بذكر المرض، بل راحت تذكر أنواعها، والتفاصيل المرتبطة بعلاج كل نوع.. ولهذا فإنه يمكنك أن تستخرج صيدلية كاملة من تلك الوصفات.
قال الطبيب: فاذكر لي من نماذجها ما يرشدني إلى سائرها.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin