..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ الدواء

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ الدواء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 18:23

    تاسعا ـ الدواء

    في اليوم التاسع.. كانت المحاضرات عن الطب والتداوي.. وقدم المحاضرون محاضراتهم التي غلب عليها الجانب البياني والفقهي، ثم تلاها صديقي الطبيب بالحديث عن ضرورة التداوي، وأنواع الأدوية، ومنافعها ومضارها.

    وكان صديقي الطبيب ـ على حسب ما تعرفت عليه ـ من جمعية تحذر من مخاطر الإسراف في العلاج الحديث لعدم مناسبته الجسم.. ولذلك لم يكن منبهرا انبهارا شديد بمنجزات العلم.. بل كان يخاف كثيرا من منجزاته التي قد يستغلها من يسميهم باللوبي الطبي.. وربما كانت هذه الآراء مما قد يقربه من الأديان.. ولكنه كان شديد النفور منها، وقد أخبرني عن سر ذلك في الأيام التي جلست فيها معه.

    لقد ذكر لي بكل حزن تلك الفترة من شبابه التي حن فيها قلبه للملأ الأعلى، واشتاقت روحه لمعرفة أسرار الأكوان.. وحينذاك دله بعض الناس على الكتاب المقدس، فحمله إلى بيته، وفي قلبه أشواق عظيمة.. وفتح الكتاب المقدس على سفر اللاويين.. وراح يقرأ:( وَعَلَى الْمُصَابِ بِدَاءِ الْبَرَصِ أَنْ يَشُقَّ ثِيَابَهُ وَيَكْشِفَ رَأْسَهُ وَيُغَطِّيَ شَارِبَيْهِ، وَيُنَادِيَ: (نَجِسٌ! نَجِسٌ!). وَيَظَلُّ طُولَ فَتْرَةِ مَرَضِهِ نَجِساً يُقِيمُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ مَعْزُولاً ) (سفر الللاويين: 13: 45 )

    أصيب بدهشة عظيمة لهذا النص.. فهو يعرف داء البرص، ويعرف ما ينبغي أن يعالج به، ولم يكن يتصور أن يكون الإله قاسيا على المرضى بهذه الدرجة..

    اتهم نفسه، وسوء فهمه.. وواصل القراءة:( يَأْتِي صَاحِبُ الْبَيْتِ وَيُخْبِرُ الْكَاهِنَ أَنَّ دَاءَ الْبَرَصِ قَدْ يَكُونُ مُتَفَشِّياً بِالْبَيْتِ، فَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِإِخْلاَءِ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ لِيَفْحَصَهُ. فَإِذَا عَايَنَ الإِصَابَةَ وَوَجَدَ أَنَّ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ نُقَراً لَوْنُهَا ضَارِبٌ إِلَى الْخُضْرَةِ أَوْ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَبَدَا مَنْظَرُهَا غَائِراً فِي الْحِيطَانِ، يُغَادِرُ الْكَاهِنُ الْبَيْتَ وَيُغْلِقُ بَابَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. فَإِذَا رَجَعَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَفَحَصَهُ، وَوَجَدَ أَنَّ الإِصَابَةَ قَدِ امْتَدَّتْ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ، يَأْمُرُ الْكَاهِنُ بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ الْمُصَابَةِ وَطَرْحِهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَتُكْشَطُ حِيطَانُ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيَّةُ، وَيَطْرَحُونَ التُّرَابَ الْمَكْشُوطَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ ) (اللاويين: 14: 35)

    حين قرأ هذا النص نظر إلى الكتاب المقدس نظرة قاسية، ثم أغلقه، ثم لم يفتحه من ذلك الحين..

    بالإضافة إلى ذلك، فقد أتيحت له فرصة ليرى حياة الرهبان، ويقرأ سير أسلافهم، وكان مما ذكره لي مما قرأه عنهم من كتاب (ليكى) عن (تاريخ أخلاق أوروبا) قوله:( زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة، وعظم شأنهم، واستفحل أمرهم، واسترعوا الأنظار، وشغلوا الناس، ولا يمكن الآن إحصاؤهم بالدقة، ولكه مما يلقى الضوء على كثرتهم، وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان، وفى القرن الرابع المسيحى كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب، وكان الراهب (سرابين) يرأس عشرة آلاف، وقد بلغ عددهم فى نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر )

    ثم قرأ لي ما ذكره (ليكى) وغيره فى وصف حالة الرهبان، وبشاعة بعدها عن الفطرة الإنسانية، والغلو فى الهرب من الحياة، ومكافحة نشاط الفطرة، فقال:( ظل تعذيب الجسم مثلاً كاملاً فى الدين والأخلاق إلى قرنين، وروى المؤرخون من ذلك عجائب. فحدثوا عن الراهب ما كاريوس (Macarius) أنه نام ستة أشهر فى مستنقع، ليقرص جمسه العارى ذباب سام، وكان يحمل دائماً نحو قنطار من حديد، وكان صاحبه الراهب ((يوسيبيس)) (Eusebius) يحمل نحو قنطارين من الحديد، وقد أقام ثلاثة أعوام فى بئر نزح، وقد عبد الراهب يوحنا (St. John) ثلاث سنين قائماً على رجل واحدة، ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة، فإذا تعب جداً أسند ظهره إلى الصخرة، وكان بعض الرهبان لا يكتسون دائماً، وإنما يتسترون بشعرهم الطويل، ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام، وكان أكثرهم يسكنون فى مغارات السباع والآبار النازحة، والمقابر، ويأكل كثير منهم الكلأ والحشيش، وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح، ويتأثمون من غسيل الأعضاء )

    وكان مما قرأ علي قوله:( وأزهد الناس عندهم وأتقاهم أبعدهم عن الطهارة، وأوغلهم فى النجاسات والدنس، ويقول الراهب (اتهينس): إن الراهب (أنتوني) لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره. وكان الراهب (أبراهامم) لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين سنة، وقد قال الراهب الإسكندرى بعد زمن متلهفاً: واأسفاه لقد كنا فى زمن نعد غسل الوجه حراماً، فإذا بنا ندخل الحمامات، وكان الرهبان يتجولون فى البلاد ويختطفون الأطفال، ويهربون إلى الصحراء والأديار، وينتزعون الصبية من حجور أمهاتهم، ويربونهم تربية رهبانية، والحكومة لا تملك من الأمر شيئاً، والجمهور والدهماء يؤيدونهم، ويحبذون الذين يهجرون آباءهم وأمهاتهم ويختارون الرهبانية ويهتفون باسمهم. وعرف كبار من الرهبان ومشاهير التاريخ النصراني بالمهارة فى التهريب، حتى روى أن الأمهات كن يسترن أولادهن فى البيوت، إذا رأين الراهب أمبروز (Ambrose) وأصبح الآباء والأولياء لا يملكون من أولادهم شيئاً، وانتقل نفوذهم وولايتهم إلى الرهبان والقسوس.

    وكان نتيجة هذه الرهبانية أن خلال القوة والمروءة التى كانت تعد فضائل، عادت فاستحالت عيوباً ورذائل. وزهد الناس فى البشاشة وخفة الروح، والصراحة، والسماحة، والشجاعة والجراءة، وهجروها. وكان من أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم الحياة المنزلية، وعم الكنود والقسوة على الأقارب. فكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورحمة، وعيوبهم من الدمع، تقسو قلوبهم وتجمد عيونهم على الآباء والأمهات والأولاد. فيخلفون الأمهات ثكالى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء، همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم فى الآخرة، لا يبالون ماتوا أو عاشوا. وحكى (ليكى) من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب.

    وقد ذكر لي أنه من ذلك الحين نفرت نفسه من الدين ومن الأديان.

    وقد زاد نفوره من الدين ما كانت تنقله القنوات الإعلامية عن المسلمين، وما كانوا يصابون به من أمراض هي نتيجة اعتقادات جاهلة يعتقدونها.

    لقد رأى بعينيه ما نقلته وسائل الإعلام عن رجل من المسلمين يزعم أنه من الرقاة يضرب مريضا ضربا قاسيا، بدعوى أن به مسا من الجن، وأن ذلك الجن لن يعالجه إلا الضرب الشديد.

    ثم تبين بعد ذلك أن المريض المسكين لم يكن مصابا لا بجن، ولا بغير جن، وإنما هي حالة نفسية كانت تستدعي لطفا في المعاملة، ورفعا للمعنويات أكثر مما تستدعي تلك القسوة التي عامله بها الراقي الجاهل.

    وكان يرى ما تنقله هذه الوسائل من انتشار الأوبئة بين المسلمين نتيجة إهمالهم للنظافة ولأبسط قواعد الصحة والوقاية.

    وكان يرى ما تنقله تلك الوسائل من ختان البنات.. وما يؤدي ذلك من أضرار نفسية وصحية لديهن..

    وكان يرى ما تنقله تلك الوسائل من حفلات الزار وغيرها..

    لقد تولدت من كل هذا قناعة لديه بأن الإسلام هو عبارة عن مجموعة خرافات لا تؤذي العقول فقط، بل تؤذي معها الأجساد، فتملأها بالضعف والمرض.

    لقد ذكر لي كل هذا.. ونحن في طريقنا في ذلك المساء إلى (مستشفى السلام)[1]، وهو المستشفى الذي طلب مني علي ـ عبر صديقه حذيفة ـ أن نزوره ذلك المساء صحبة رفاقي من العلماء.

    لقد بهرنا منظر المستشفى، لقد كان روضة غناء، كتب على بابه بحروف من نور قوله تعالى:﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ (الشعراء:80)

    كان يمتلئ بروائح العافية والجمال والطهارة.

    كان المرضى يدخلون مرضى، ويخرجون، وقد تسلموا جميع مفاتيح العافية.

    في المدخل لاقانا علي.. لقد عرفته بمجرد أن رأيته.

    قال لنا: هنا في هذا المستشفى الذي سميناه مستشفى السلام، ننطلق من تعلميات الإسلام، ومن نصوصه المقدسة من القرآن والسنة..

    لقد حاولنا أن يمثل هذا المستشفى الإسلام خير تمثيل..

    ابتسم صاحبي الطبيب، وقال: أنتم إذن هنا تقتلون الجن، وتقيمون حفلات الزار، وتختنون الإناث، وتسقون المرضى ما تبصقون فيه من الطعام، وما تنفخون فيه من الشراب.

    ابتسم علي، وقال: هنا في هذا المستشفى نبين هدي الإسلام، ونقضي على الخرافات التي ارتبطت به.. وكل ما ذكرته أباطيل ما لها في الإسلام من محل.. ولئن صبرت علي، لتجولت بك وبأصحابك من العلماء في أقسام هذا المستشفى لترى بنفسك الهدي الحقيقي للإسلام.. لا الهدي الذي أنشأه الجهلة ليزاحموا به هدي الإسلام.

    فرح الجميع بهذه الإجابة، فقد كانت لهم من الشبهات ما كان لهذا الطبيب، وقد كانوا جميعا يودون أن يروا حقيقتها.

    قال الطبيب: نحن معك.. ولم نأت هنا إلا لنرى هذا المستشفى.. ونسمع إلى الطريقة التي يعالج بها.

    قال علي: فهيا بنا لنزوره قسما قسما.

    1 ـ العلاج الروحي

    كان أول قسم بدا لنا من المستشفى أطلق عليه ( العلاج الروحي)، ما إن رآه صاحبنا الطبيب حتى قال: هذا هو القسم الذي يضرب فيه الجن، وتحيا فيه حفلات الزار.

    قال علي: اصبر.. لا ينبغي لعالم أن يحكم على شيء قبل أن يراه.

    قال الطبيب: ولكني رأيت هذا في وسائل الإعلام.

    قال علي: لا ينبغي للعالم أن يأخذ مواقفه من وسائل الإعلام، فأنت تعلم أنها تزين ما يحلو لها أن تزينه، وتشوه ما يحلو لها أن تشوهه.. هي لا تعرض الحقائق، وإنما تعرض ما تريده من الحقائق.

    إن هذا القسم هو أول قسم في هذا المستشفى.. وهو أول ما يدخل إليه المرضى من الأقسام..

    لقد سميتموه الطب النفسي، ونحن هنا نسميه الطب الروحي، وفيه نبدأ بملأ المرضى بالمعاني الروحية التي قد تقضي على ما يملأ نفوسهم بالوهن والآلام التي ينشرها الألم في أجسادهم.

    وأول ما نبدأ به هو تعميق الإيمان بالله في قلوبهم.. فتمتلئ محبة له وأنسا به، فينشغلون بالحب المقدس عن الآلام التي تتدنس بها أجسادهم، وقد استوحينا ذلك من قوله تعالى وهو يحكي ما حصل للنسوة عند رؤية يوسف u:﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ((يوسف: من الآية31)

    وقد استعمل المسلمون هذا النوع من العلاج.. فقد وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير، فأرادوا قطعها، وقال له الأطباء:( نسقيك دواءا حتى يغيب عقلك ولا تحس بألم القطع، فأبي، وقال:( ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا يزول منه عقله حتى لا يعرف ربه).. وروى عنه أنه قال:( لا أشرب شيئا يحول بيني وبين ذكر ربي تعالى)[2]، وقطعت منه رجله، وهو في الصلاة، ولم يشعر بقطعها.

    إن هذا العلاج يقضي على معظم الأمراض التي يأتي أصحابها إلى هذا المستشفى، وخاصة المرضى الذين امتلأت نفوسهم بالهم القاتل، نتيجة استعصاء الداء على سائر أنواع العلاج.

    قال الطبيب: هذا صحيح.. لقد أثبت العلم الحديث جدوى هذا النوع من العلاج.. وكمثال على ذلك.. فقد تم إجراء تجربة استخدام العلاج بشد الانتباه برؤية مناظر خلابة من الطبيعة وسماع شريط يحتوي على أصوات رائعة من الطبيعة في التخفيف من الآلام أثناء عملية منظار الشعب الهوائية، وذلك بالإضافة للعلاج المعتاد. وقورنت هذه المجموعة من المرضى بمجموعة أخرى ضابطة لم تتلق العلاج الإضافي بجذب الانتباه (تغيير التركيز الإدراكي).

    وخلص هذا البحث الذي تم عمله في المستشفى التعليمي (جون هوبكينز) في بالتيمور أن العلاج بشد الانتباه مع العلاج التقليدي أدى إلى تقليص الشعور بالألم بصورة ذات دلالة إحصائية، وأوصى البحث بأن يقوم الأطباء باستخدام الإجراءات الطبيعية بالإضافة إلى المسكنات المعتادة.

    كما نشر موقع ٍٍ[BBC ٍِِ] على شبكة الإنترنت هذا البحث تحت عنوان [العودة إلى الطبيعة لتخفيف الألم ]وقد ذيل هذا بقول الطبيب جيل هانكوك:( نحن نقوم بتعليم مرضانا الاسترخاء باستخدام المشاهد المناظر الخلابة والموسيقى الرائعة، وهذا جزء أساسي في عملنا حيث أنه ثبت أن المناظر الخلابة تؤدي إلى إزالة التوتر النفسي والبدني اللذين يسببان الألم )

    وقد عرف سر تأثير شد الانتباه في التخفيف من الإحساس بالألم، وذلك باستخدام الإشعاعات الوظيفية للمخ، تلك التي تظهر الارتواء الدماغي والتمثيل الغذائي للخلايا العصبية ثبت أنه أثناء استخدام جذب الانتباه يحدث انخفاض في مستوى نشاط أماكن معينة في المخ، تلك الأماكن التي يتم فيها استقبال الإحساس بالألم مثل منطقة المهاد،القشرة الحسية والتلفيف الحزامي.

    قال علي: ليس ذلك فقط.. بل إن النصوص المقدسة دلتنا على الكثير مما يمكن أن ينشغل به القلب عن الداء.. فالله تعالى يقول:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ (البقرة:155)، ثم بين سر صبرهم، أو أعطاهم وصفة لصبرهم، فقال:﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ (البقرة:156)

    فشعور المريض برجوعه إلى الله الطبيب، وشعوره بأن داءه مجرد اختبار من الله، وأنه إن صبر على بلاء الله عوضه الله من العافية ما لا يحلم به الأصحاء، يجعله ممتلئا بمعان نفسية عالية لا يستطيع أي مرشد نفسي أن يملأه بها.

    لقد فصل رسول الله r الكثير من أنواع الأجور التي ينالها الصابرون الذي ابتليت أجسادهم بالآلام، فقال:( يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض )[3]

    وروي عن أنس بن مالك، وهو من أصحاب محمد r، قال دخلت مع النبي r نعود زيد بن أرقم t وهو يشتكي عينيه فقال له:( يا زيد، لو كان بصرك لما به كيف كنت تصنع؟)، قال:( إذا أصبر وأحتسب )، قال:( إن كان بصرك لما به ثم صبرت واحتسبت لتلقين الله عز وجل وليس لك ذنب )[4]

    وقال r:( إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه )[5]

    وقال r:( إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى)[6]

    وقال r:( ما من مسلم يصاب بشيء في جسده فيصبر إلا رفعه الله به درجة، وحط عنه به خطيئة)[7]

    وقال r:( إن العبد إذا مرض أوحى الله تعالى إلى ملائكته: أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه اغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد لا ذنب له )[8]

    وقال r:( ما من مسلم يصاب في جسده إلا أمر الله تعالى الحفظة: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل، ما دام محبوسا في وثاقي )[9]

    وفي الأثر الإلهي:( قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح )[10]

    قال الطبيب: إن هذه النصوص تكاد تمجد الأمراض، بل تكاد تدعو الناس إلى التعرض لأسبابها لينالوا أجورها.

    قال علي: لا.. أنت لم تفهم هذه النصوص.. إن هذه النصوص وردت ضمن منظومة كاملة تشمل علاجا متكاملا.. ولا يصح أن نضرب بعض المنظومة ببعضها، أو نضرب بعض الأدوية ببعضها.

    ألستم في الطب تعطون أدوية لعلاج أمراض معينة، ثم تعطون معها أدوية أخرى لتحتاطو من تأثير الأدوية التي أعطيتموها؟

    قال الطبيب: أجل.. نحن نفعل ذلك.. ولهذا تجدنا كثيرا ما نعطي أدوية تحمي المعدة من تأثير الأدوية التي لا تتناسب معها.

    قال علي: فهكذا فعل رسول الله r.. فللمرض تأثيره النفسي على المريض.. هذا التأثير يجعله حزينا متألما يائسا.. وربما منعه المرض من خير كثير، وخاصة إن امتد به المرض وطال.

    ولهذا أخبر النبي r أن المرض هو مجرد حالة أصابت بعض الجسم، ولا ينبغي أن تسري لسائر الجسم، ولا ينبغي لها أن تسري إلى الروح.. بل إن أرواح الصالحين لا تفرق بين نعيم الله وبلائه، فهي في سكينة دائمة وراحة مستمرة..

    لقد ورد في السنة ما يدل على هذه اللذة التي يجدها الراضي، فقد قال r:( إن اللّه بحكمته وجلاله جعل الروح[11] والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط )[12]

    قد ينكر بعض الناس هذا أيضا، ويعتبره من الأحلام الكاذبة، ولكن الحقيقة التي يعج بها الواقع تنص على أن أكثر ما يعطى للناس من أدوية، أو من سموم، هو عبارة عن مهدئات ومسكنات ومخدرات لا تزيد طين الأمراض إلا بلة.

    قال الطبيب: كل ما تذكره من هذا صحيح، وقد مررت بتجربة استنتجت منها ما ذكرته[13]..

    لقد درست ـ عندما كنت أتعلم الطب ـ أحد المبادىء المادية الأساسية التي تفسر ما يحدث من تغيرات داخل الجسم عندما يصيبها عطب أو تلف، تفسيراً مادياً صرفاً، كما فحصت قطاعات مجهرية لهذه الأنسجة، وتبينت أن الظروف المناسبة تعينها على أن تلتئم بسرعة وتتقدم نحو الشفاء، وعندما اشتغلت جراحاً في أحد المستشفيات بعد ذلك، كنت أستخدم المبدأ السابق استخداما يتسم بالثقة فيه والاطمئنان إليه، ولم يكن علىّ إلا أن أهيئ الظروف المادية والطبية المناسبة، ثم أدع الجرح يلتئم، وكلي ثقة بالنتيجة المرتقبة.

    قال علي: للأسف.. هذه المعرفة هي التي يؤمن بها أكثر الأطباء، ويكتفون بها.

    قال الطبيب: لكني لم ألبث غير قليل حتى اكتشفت أنني قد فاتني أن أُضِّمن علاجي وأفكاري الطبية أهم العناصر وأبعدها أثراً في إتمام الشفاء.

    عندما كنت أعمل جراحاً في أحد المستشفيات، جاءتني ذات يوم جدة جاوزت السبعين تشكو من شدخ في عظام ردفها، وبعد أن وضعت فترة تحت العلاج أدركت من فحص سلسلة الصور التي أخذت لها على فترات تحت الأشعة أنها تتقدم بسرعة عجيبة نحو الشفاء، ولم تمض أيام قليلة حتى تقدمت إليها مهنئاً بما تم لها من شفاء نادر عجيب، عندئذ استطاعت السيدة أن تتحرك فوق المقعد ذي العجلات، ثم سارت وحدها متوكئة على عصاها، وقررنا أن تخرج تلك السيدة في مدى أربع وعشرين ساعة وتذهب إلى بيتها، فلم يعد بها حاجة إلى البقاء في المستشفى.

    وكان صباح اليوم التالي هو الأحد، وقد عادتها ابنتها في زيارة الأحد المعتادة حيث أخبرتها أنها تستطيع أن تأخذها والدتها في الصباح إلى المنزل لأنها تستطيع الآن أن تسير متوكئة على عصاها.

    ولم تذكر لي ابتنها شيئاً مما جال في خاطرها، ولكنها انتحت بأمها جانباً وأخبرتها أنها قد قررت بالاتفاق مع زوجها أن يأخذا الأم إلى أحد ملاجيء العجزة لأنهما لا يستطيعان أن يأخذاها إلى المنزل.

    ولم تكد تنقضي بضع ساعات على ذلك حتى استدعيت على عجل لإسعاف السيدة العجوز، ويا لهول ما رأيت.. لقد كانت المرأة تحتضر، ولم تمض ساعات قليلة حتى أسلمت الروح.

    إنها لم تمت من كسر في عظام ردفها، ولكنها ماتت من انكسار في قلبها، لقد حاولت دون جدوى أن أقدم لها أقصى ما يمكن من وسائل الإسعاف، وضاعت كل الجهود سدى.

    لقد شفيت من مرضها بسهولة، ولكن قلبها الكسير لم يمكن شفاؤه برغم ما كانت قد تناولته في أثناء العلاج من الفيتامينات والعقاقير المقوية وما تهيأ لها من أسباب الراحة، ومن الاحتياجات التي كانت تتخذ لتعينها على المرض وتعجل لها الشفاء .. لقد التأمت عظامها المكسورة التئاماً تاماً ومع ذلك فإنها ماتت.

    لقد اكتشفت حينها أن أهم عامل في شفائها لم يكن الفيتامينات ولا العقاقير ولا التئام العظام، ولكنه كان الأمل، وعندما ضاع الأمل تعذر الشفاء.

    قال علي: فما نواحي الأمل التي غابت عن ذهن هذه العجوز في تصورك كطبيب؟

    قال الطبيب: لقد أثرت هذه الحاثة في نفسي تأثيراً عميقاً، وقلت في نفسي: لو أن هذه السيدة وجدت من الدعم الروحي والإيمان ما حدث لها ما حدث..

    قال علي: لقد وصلت إذن إلى ضرورة الإيمان للشفاء والعافية والسعادة.

    قال الطبيب: أجل.. لقد أيقنت أن العلاج الحقيقي لابد أن يشمل الروح والجسم معاً وفي وقت واحد.

    قال علي: أهذه قناعتك وحدك؟.. أم ترى من زملائك من اقتنع بهذه القانعة؟

    قال الطبيب: الواقع أن النتيجة التي وصلت إليها تتفق كل الاتفاق مع النظرية الطبية الحديثة عن أهمية العنصر السيكولوجي في العلاج الحديث، فقد دلت الإحصائيات الدقيقة على أن 80% من المرضى بشتى الأمراض في جميع المدن الأمريكية الكبرى ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية، ونصف هذه النسبة من الأشخاص الذين ليس لديهم مرض عضوي في أية صورة من الصور.. وليس معنى ذلك أن هذه الأمراض مجرد أوهام خيالية حقيقة، وليست أسبابها خيالية ولكنها موجودة فعلاً، ويمكن الوصول إليها عندما يستخدم الطبيب المعالج بصيرته بها.

    قال علي: ولكن الطب مع ذلك لم يفلح في أن يجد ما يملأ روح الإنسان بالسكينة والأمل.. إن هذه السكينة والأمل لا توجد إلا في الحقائق الكبرى التي تعرف الإنسان بحقيقته ووظيفته وامتداده.

    إنها الحقائق التي تعرفه بأنه مجرد عابر في الأرض، وأن رحلته فيها لن تمتد إلا أمدا محدودا ليعود بعدها إلى ربه..

    إن هذه الحقائق لن تجدها إلا في القرآن كلام الله..

    اسمع لهذه الآية، وانظر تأثيرها في نفس أي متألم فقيرا كان أو مريضا، أو مستضعفا، يقول الله تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ( (الشعراء:25 ـ 207)، أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأمهلناهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر اللّه، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم.

    أو قوله تعالى:) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغ((الاحقاف: من الآية35)، أو قوله تعالى:) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا((النازعـات:46)

    أو قوله r:( يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيراً قط؟ هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب )[14]، فلحظة واحدة في الجنة تنسي أشد الناس بؤسا في الدنيا كل ما عاناه فيها.

    إن هذه المعاني إذا امتلأ بها المتألم رفعت عنه البلاء وملأته بالعافية..

    لقد ذكر الله تعالى هذه القوة التي وفرها الإيمان في نفوس السحرة، فلم يأبهوا لتهديد فرعون، فقال تعالى على لسانهم:﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا((طـه:72)

    ولهذا يعبر تعالى عن عذاب الآخرة وبلائها بكونه:) أَشَدُّ وَأَبْقَى((طـه: من الآية127)، ليملأ القلوب المتألمة بالأنس بانتهاء عذابها المحدود.

    بل إن في كلمة الاسترجاع ـ التي أشار إليه قوله تعالى:) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ((البقرة:156) ـ قوة عظيمة لا يطيق أي دواء أن يملأ بها الروح.

    فهذه الكلمة تحمل دلالة عظيمة على محدودية البلاء، فالمؤمن المبتلى سيرجع إلى ربه، وستنتهي برجوعه كل أصناف البلايا.

    إنها تصور المبتلى بصورة سجين سجن أياما معدودة.. وكان آمر السجن رحيما، فكان يرسل له كل يوم من يملؤه بالبشر، ويقول له:( إن هي إلا أيام وتعود إلى أهلك ومالك ) ألا يستبشر هذا المسجود ويستأنس؟

    قال الطبيب: بلى..

    قال علي: فالله تعالى المبتلي لم يرسل لنا من يؤنسنا بذلك، بل هو الذي ملأنا بالأنس، فأخبرنا برجوعنا إليه ليمسح عنا كل دمعة، ويبرئ لنا كل جرح.

    ولهذا يخاطبنا الله ليمسح عنا كل الآلام، وليقول لنا:) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى((الضحى:4)، فهذه الآية تبشر الكل.. تبشر كل من يسمع من الله.. بأن الآخرة التي تنتظرهم آخرة جميلة.. ليس فيها مرض ولا حزن ولا أسف.

    سكت علي قليلا، ثم قال: إن هذا الذي ذكرته مجرد وصفة واحدة من الأدوية التي وصفها القرآن الكريم، وبين لنا كيفية استعمالها رسول الله r.

    ولو بحثت في كل الأرض، فلن تجد أدوية تشابهها.. لأن هذه الأدوية تعتمد على الحقائق، والحقائق لا تجدها إلا عند الله.

    قال الطبيب: ربما أعود إلى هذا القسم لأسمع تفاصيل كثيرة على ما ذكرت، ولكني الآن أرغب في أن تبين لي سر تلك الشعوذة التي تجعل من بعضكم يتصور المرضى المساكين مجانين قد سكنتهم العفاريت، فهو لذلك يتلاعب بهم، ويتلاعب بصحتهم.

    قال علي: تلك بدعة ورثها بعض قومنا من قومكم.. ليس في ديننا بمصادره جميعا ما يدل على شيء من ذلك..

    ها هو القرآن الكريم أمامك.. إنه يتحدث عن كل شيء.. حتى عن الوضوء وقضاء الحاجة، ومع ذلك يخلو من الحديث عن هذه البدع.

    قال الطبيب: ولكنه يقول:﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ( (البقرة: من الآية275) ففي هذه الآية تصريح بأن الشيطان يتخبط الإنسان من المس.

    قال علي: في أي سياق وردت الآية.. إن آيات القرآن الكريم.. ككل كلام لا ينبغي أن يفصل عن سياقه؟

    قال الطبيب: لقد وردت في سياق تحريم الربا، تشبه المرابين بهذه الصورة:) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((البقرة:275)

    قال علي: وهل ذكر القرآن الكريم الدخول.. أم ذكر المس؟

    قال الطبيب: بل ذكر المس.

    قال علي: فهل المس في لغة القرآن الكريم ولغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم يعني الدخول؟

    قال الطبيب: لا.. ولكنه قد يعنيه على سبيل المجاز.

    قال علي: الأصل في اللغة الظاهر لا المجاز.. وقد ورد هذا اللفظ مرتبطا بالشيطان في غير موضع من القرآن الكريم، فقد قال تعالى عن حال المتقين إذا تعرضوا لمس الشياطين:) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ((لأعراف:201)، فلم لم يقل الله تعالى:( إذا مسهم طائف من الشيطان ذهبوا إلى الرقاة ليخرجوه منهم )

    بل قد ذكر الله تعالى أيوب u وهو نبي كريم، والأنبياء يستحيل أن يصابوا بمثل هذه الأدواء، فقال:) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ((صّ:41).. فقد ذكر أن الشيطان مسه..

    قال الطبيب: فبم تفسر الآية التي يتعلق بها رقاتكم إذن؟

    قال علي: ذلك شيء بسيط.. سأضرب لك مثالا لتوضيحه.. الأطباء يتحدثون عن ( الحساسية ).. فما تعني؟

    قال الطبيب: بعض الناس لا يطيقون أشياء معينة، فتصيبهم لأجل ذلك علل قد لا تصيب سائر الناس.

    قال علي: مثل ماذا؟

    قال الطبيب: لعل أقرب مثال لذلك القطط.. فمع أنها من الطوافين علينا والطوافات[15]، إلا أن بعض الناس تصيبهم بالحساسية.

    قال علي: أي أنهم يصيبهم التخبط كلما رأوا القطط.

    قال الطبيب: ليست الرؤية وحدها.. هناك أشياء أخرى فقد أوردت وكالات الأنباء أن فريقا من الباحثين الفرنسيين نجح فى عزل الجين المسئول عن الحساسية التى تسببها القطط المنزلية لأصحابها..

    ولكن الباحثين في الولايات المتحدة يسعون أن ينجزوا في المستقبل مشروعا للتكييف الجيني يهدف إلى إنتاج قطط خالية مما يثير الحساسية عند البعض ممن يواجهون مشاكل باقترابهم من القطط.

    وقد تدخلت الشركات في هذه البحوث، حيث أن شركة ترانسجينيك بيتس، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية تعتزم بيع هذا النوع الجديد من القطط بأسعار تصل إلى ألف دولار للقط.

    قال علي: دعنا من شذوذكم.. قل لي: كيف تؤثر القطط في الحساسية التي تصيب هؤلاء.. هل تدخل في هؤلاء الممسوسين بها؟

    قال الطبيب: لا.. ـ يا معلم ـ بل هي بما فيها من روائح تسبب لهم تلك النوبات.

    قال علي: فهل السبب منهم أم من القطط؟

    قال الطبيب: منهم.. بدليل أن القطط من الطوافين علينا والطوافات، ومع ذلك لا يصيبنا منها شيء.

    قال علي: فإذا أراد المريض أن يتجنب ما تثيره القطط فيه من حساسية ماذا يفعل؟

    قال الطبيب: هناك حلان: إما أن يجتنبها تماما، وإما أن يستعمل من الأدوية ما يخفف أو يزيل تأثيرها عنه.

    ولكن ما علاقة هذا الذي تتحدث عنه بالمس الشيطاني.

    قال علي: في بعض الناس أمراض عضوية، لا شك أنك تعرفها.. وهذه الأمراض تجعل لهم حساسية تجاه وساوس معينة.. كأن يخوفوا مثلا خوفا شديدا.. فإن ذلك الخوف يتسبب لهم في حصول هذه النوبات.

    فهذا الذي يصرع لأجل الخوف لو لاقاه أي مخلوق وخوفه، ألا تصيبه نوبة الصرع؟

    قال الطبيب: أجل.. فهو لا يختلف عن الحساسية.. يظهر بظهور السبب، ويختفي باختفائه.. ولكن ما دور الشيطان في هذا؟

    قال علي: لقد أخبرتنا النصوص أن الشيطان خبير ماهر بطبيعة من يوسوس له.. فإذا علم من قرينه هذا.. راح يوسوس له بالمخاوف إلى أن يتخبطه من المس، كما قال تعالى:) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((آل عمران:175)

    قال الطبيب: فأنت تفسر المس بالتخويف.

    قال علي: التخويف بعض المس.. فمن الناس من لا يخاف.. ولكن يغضب، فيأتيه الشيطان.. وينفخ فيه من الوساوس ما يملؤه غضبا.. لقد قال r في هذا:( إنما الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )[16]

    ولهذا سن لنا النبي r أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في هذه الحال، فعَنْ حذيفة بن صرد t قال: كنت جالسا مع النبي r ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رَسُول اللَّهِ r:( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عَنْه ما يجد، لو قال أعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم ذهب عَنْه ما يجد )، فقالوا له إن النبي r قال: تعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم[17].

    فالشيطان يوسوس لكل الناس، كما أن القطط تخالط جميع الناس، ولكن بعض الناس لهم استعدادات معينة كالحساسية والصرع، فيصيبهما ما يصيب.

    قال الطبيب: فأنت تقر أن للشيطان دورا.

    قال علي: صحيح.. وما كان لي أن أخالف القرآن الكريم.. ولكن: أجبني إن حصلت الوساوس من الإنسان بأن كان هو المتسبب في التخويف أو الغضب، فلماذا ننسب الصرع حينها للشيطان؟

    قال الطبيب: ولكن القرآن الكريم ذكر الشيطان.

    قال علي: ولكن القرآن الكريم لم يقصر الشيطان على إبليس، بل قال:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ((الأنعام: من الآية112)، وأمرنا بالاستعاذة منهم جميعا، فقال:) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ((الناس:1)إلى قوله تعالى:) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ( (الناس:6)

    قال الطبيب: فما العلاج الذي تصفه الشريعة بدل ذلك العلاج الذي يصفه المشعوذون؟

    قال علي: علاجان: أحدهما لأهل الله يملؤون قلب الخائف طمأنينة، وغضبه سكينة، وهو ما نعالج به في هذا القسم.

    وأما الثاني، فهو للأطباء يستأصلون مكامن الداء.. هو نفس علاجكم لوساوس القطط.. ألستم تعزلونها، أو تحاولون استنساخ السليم منها، أو تعالجون العليل بالمراهم، لا بأمر القطط بالخروج.

    قال الطبيب: وعيت قولك هذا.. ولكني لا أزال أتعجب مما يفعله المسلمون من هذا.. وكيف تاهوا عن الحقيقة؟

    قال علي: هم لم يتيهوا.. ولكن للمطامع والتقليد تأثيرهما الكبير في انتشار مثل هذا.. ولو أن هؤلاء اكتفوا بما في القرآن الكريم وفي هدي رسول الله r لما وقعوا فيما وقعوا فيه.



    2 ـ العلاج الوقائي

    سرنا إلى القاعة الثانية، وهي القاعة المخصصة للعلاج الوقائي، قال علي: في هذه القاعة نقوم بتصحيح الأخطاء الكثيرة التي يقع فيها المرضى، والتي تتسبب في الأمراض التي يقعون فيها.

    ولهذه القاعة بالإضافة إلى استقبالها المرضى فرع إعلامي ينشر الوعي الصحي في المجتمع، وينشر معها مبادئ الوقاية التي جاء بها قرآننا وهدي نبينا.

    ابتسم الطبيب، وقال: أنا لا أزال أتحير في علاقة الدين بالطب.

    قال علي: ولم تتحير؟

    قال الطبيب: أنا أرى أن الطب للمعامل، والدين للمساجد والكنائس.

    قال علي: عندما تنحرف الأديان عن أدوراها تخاطب أجزاء الإنسان لا الإنسان، ولكنها عندما تعي ما أنيط بها من دور تخاطب الإنسان ككل، وهكذا فعل الإسلام، فقد استوى أمره لنا بعبادة الله بأمرنا بحفظ أجسادنا وقوانا.. لأنا لا نستطيع أن نعبد الله بأجسام مهزولة.

    قال الطبيب: فعلام يعتمد الطب الوقائي الذي تعلمونه في هذا المستشفى؟

    قال علي: على أربعة أركان لا تتم الوقاية إلا بها.

    الاستقامة:

    قال الطبيب: فما أولها؟

    قال علي: الاستقامة.. فليس على الجسد ما هو أخطر عليه من انحراف صاحبه.. فالانحراف هو الفيروس الذي لا يفطن له الأطباء.

    قال الطبيب: فهل فطن له نبيكم؟

    قال علي: أجل.. ولذلك نصحنا، وبالغ في نصحنا، ولم يترك محلا من الخير لأجسادنا وأرواحنا إلا وصفه لنا.

    قال الطبيب: فما قال لكم في هذا الباب؟

    قال علي: لقد قال مرة يخطابنا عبر أصحابه:( يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)[18]، فقد ربط رسول الله r في هذا الحديث بين الانحراف الجنسي، وانتشار الأمراض، وذلك دليل على أن من علل تحريف الانحراف الجنسي الحفاظ على الصحة.

    قال الطبيب: لقد نصحكم نبيكم غاية النصح.. فليس هناك من سبب لكثير من الأمراض غير ذلك الانحراف.

    لقد ظهرت بسبب هذا النوع من الانحراف الأوبئة الكثيرة التي لم تكن معهودة من قبل، وكانت الفاحشة هي السبب الأول لظهورها وانتشارها.

    فأول ظهور لمرض الزهري ( السفليس ) الخطير كان في عام 1494 م أثناء الحرب الإيطالية الفرنسية عندما انتشر في الجنود خاصة الزنا، وسماه الإيطاليون (الداء الفرنسي) وكذلك فعل الإنجليز والألمان والنمساويون لأنه انتشر بينهم بواسطة الجنود الفرنسيين، أما الفرنسيون فقد أسموه الداء الإيطالي.

    ولما وصل الاستعمار الغربي إلا البلاد العربية ظهر ذلك الداء معهم فسماه العرب الداء الفرنجي، ولا يزال هذا الاسم مستعملا حتى اليوم.

    وفي العصور الحديثة ظهر مرض الهربس كوباء وهو مرض جنسي واسع الانتشار، ويبلغ معدل الإصابة به السنوية في الولايات المتحدة نصف مليون حالة.

    وفي عام 1979 م ولأول مرة ظهر داء خطير جديد هو مرض فقدان المناعة المكتسب في الولايات المتحدة والمعروف باسم الإيدز، وانتشر بسرعة رهيبة في الشاذين جنسيا.

    وتتحدث المراجع الطبية عن الأمراض الجنسية باعتبارها أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم.. ولقد تم التغلب على كثير من الأمراض المعدية، ورغم ذلك ظهرت الأمراض الجنسية بصورة وبائية مفزعة وخطيرة.

    ويقول مرجع مرك الطبي:( إن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم، ويزداد في كل عام عدد المصابين بها، وذلك منذ عقدين من الزمن تقريبا، وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الذين يصابون بالسيلان بأكثر من 250 مليون شخص سنويا.. كما تقدر عدد المصابين بالزهري بـ 50 مليون شخص سنويا.. ويقدر مركز أتلانتا لمكافحة الأمراض المعدية في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة عدد المصابين بالسيلان في الولايات المتحدة بـ 3 ملايين شخص سنويا وعدد المصابين بالزهر بـ 400 ألف شخص سنويا )

    وقد انتشرت أمراض مختلفة ومتنوعة بسبب انتشار الفاحشة وشيوعها وانتشار الشذوذ الجنسي وخاصة في الغرب.

    وتنقل مجلة Medicine Digest تقريرا من فلوريدا بالولايات المتحدة قام به فريق من أخصائي أمراض النساء والولادة جاء فيه:( أن هناك زيادة بنسبة 800 بالمائة في الحالات المشتبهة لسرطان عنق الرحم للفتيات البالغ أعمارهن من 15 سنة إلى 22 سنة وذلك في خلال أربع سنوات، ويرجع الباحثون هذه الزيادة الرهيبة إلى الزيادة المضطرة في الممارسات الجنسية دون تمييز )

    قال علي: ولهذا تشدد الإسلام في هذا الباب، فحرم الانحراف الجنسي بجميع أنواعه[19]، بل اعتبره من أخطر المحرمات، فقد قال r:( لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن )[20]، وقال r:( ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له)[21]

    ولذلك علق الشارع عليه أشد العقوبات التشريعية، ورتب عليه كذلك أشد العقوبات القدرية.

    ولم يكتف الشرع بتحريمه، بل حرم كل السبل المؤدية إليه، والتي يشير إليها قوله تعالى:) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً( (الاسراء:32)، فلم تقل الآية الكريمة:لا تزنوا, بل قالت: لا تقربوا، ليحرم كل المقدمات المؤدية إليه.

    قال الطبيب: صدق نبيكم، فلا يمكن أن يحرم مثل هذا النوع من الانحراف دون أن تحرم كل المقدمات المؤدية إليه.

    قال علي: هذا نوع فقط من الانحرافات التي نهتنا نصوصنا المقدسة عنها بكل شدة، بل وضعت في قلوبنا من الردع ما لا تستطيع جيوش الدنيا أن تفعله.

    قال الطبيب: صدقت في هذا.. فنحن نرى بلاد المسلمين مع ما فيها من انحرافات أفضل دول العالم من ناحية المحافظة على أعراضها، وقلة الفواحش بينها.

    قال علي: هذا مع تخليهم عن كثير من هدي نبيهم ودينهم، ولو أنهم عاشوه كما طلب منهم لرأيت عجبا ينقضي دونه العجب.

    قال الطبيب: فاذكر لي غير هذا.

    قال علي: لقد حرم الإسلام الخمر، وتشدد في تحريمها، ولا شك في معرفتك بالأمراض الخطيرة التي تتسبب فيها.

    قال الطبيب: أجل.. وقد نصحكم نبيكم غاية النصح[22].

    قال علي: وقد حرم الإسلام كل ما تفنن البشر فيه في هذا العصر من الدخان والمخدرات وغيرها حتى لو كان من المآكل والمشارب ما دام يحمل ضررا على الصحة، فالقاعدة في هذا ما قاله r:( لا ضرر ولا ضرار )

    قال الطبيب: فهل هناك غير هذا؟

    قال علي: أجل.. وهو أول ما نبدأ به في هذا القسم من علاج.

    قال الطبيب: فما ذاك؟

    قال علي: الأمراض التي تمتلئ بها القلوب.. فلا ينهك البدن مثل أمراض القلوب، ولهذا ترى القرآن الكريم كثيرا ما يحدثنا عن هذا النوع من الأمراض الخطيرة:

    فقد اعتبر ما يحدث في القلب من ظنون سيئة وأفكار رديئة مرضا، بل مرضا خطيرا، فقال تعالى:) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ((البقرة:10)

    وهذا المرض أخطر بكثير من مرض الأجساد، لأن مرض القلب مرض للروح، ومرض الروح يمتد ليشمل كل وسائل الإدراك، قال تعالى:) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ((البقرة:7)، وقالتعالى:) أو لَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ((النحل:108)

    فإذا شغل وسائل الإدراك وملأها ظلمة لم يجد معه أي علاج، فلهذا لا تنفعهم رقى القرآن الكريم التي ينتفع بها جميع الناس، قال تعالى:) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ((التوبة:125)

    قال الطبيب: صدق كتابكم.. فلا يضر الصحة مثل الوساوس التي تمتلئ بها القلوب، ولو زرت عياداتنا لوجدت أن أكثر من يأتينا موسوسون امتلأوا بالمخاوف، فسقتهم المخاوف من الأدواء ما عجزت عنه جميع جراثيم الدنيا.

    سكت قليلا، ثم قال: أنت ترى الأمراض العصبية والنفسية تنتشر في عصرنا انتشارا شديدا متفاقما، أتدري ما أسباب ذلك؟

    ثم قال: إن من الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض الشعور بالإثم والخطيئة والحقد والقلق والكبت والتردد والشك والغيرة والأثرة والسأم.. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب الاضطراب النفسي الذي يسبب المرض، ولكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات لأنهم لا يلجأون في علاجها إلى بث الإيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى.

    قال علي: لم تكتف النصوص بذكر المرض، بل راحت تذكر أنواعها، والتفاصيل المرتبطة بعلاج كل نوع.. ولهذا فإنه يمكنك أن تستخرج صيدلية كاملة من تلك الوصفات.

    قال الطبيب: فاذكر لي من نماذجها ما يرشدني إلى سائرها.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ الدواء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 18:25

    قال علي: لعل من أبرز نماذجها الحسد، وقد قال في r محذرا منه:( دب فيكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضة هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين، والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)[23]، وقال r:( إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب )[24]

    قال الطبيب: صدق نبيكم، وهو يأكل الصحة والعافية كما تأكل النار الحطب[25]، فالحسد يؤدي إلى ظهور انفعالات نفسية عصبية كما تضطرب عنده الغدد الصماء، فيعتل جسمه ويذوب.

    فالحاسد دوماً في ضيق وقلق، وهذا يصحبه الأرق، ومع استمرار الأرق يحس بالإعياء والتعب ويفقد شهيته للطعام ويتناقص وزنه ثم تظهر عنده أعراض عصبية مزعجة، كالصداع والطنين في الأذنين تمنع عنه الراحة والهدوء، وقد تظهر آلام خناقية في صدره، وكلما احتدمت نزوات حسده زاد الألم وتكررت نوباته مما يعرضه للإصابة بالذبحة الصدرية.

    والحسد يهيء للإصابة بقرحة المعدة التي ثبت أنها تنشأ من الانفعالات أكثر مما تنشأ عن خطأ في التغذية، وقد يؤدي لارتفاع الضغط الدموي، والذي يتناسب ارتفاعه مع زيادة الانفعالات ويعظم خطره. ونحن نعلم أن أطباء القلب يوصون المرضى بالهدوء والراحة وترك الهواجس، ونبذ انشغال الفكر بالغير والبعد ما أمكن عن الانفعالات النفسية.

    وقد يسبب الحسد مرض السوداء [ المانخوليا ] عند الحاسد وحبه للوحدة والعزلة غير ما يؤدي إليه من ارتباك العقل وعدم القدرة على التركيز، وكم سبب الحسد عند صاحبه من عقد نفسية وتركت عنده أمراضاً لا يمحى أثرها.

    الطهارة:

    قال الطبيب: عرفت الركن الأول من أركان الوقاية، فما الركن الثاني؟

    قال علي: الطهارة.. فلا يوجد دين في الدنيا يحرص على الطهارة كما يحرص عليها الإسلام، ولا يوجد في الأرض من هو أحرص على الطهارة من المسلمين.

    فقد أخبر الله تعالى عن حب المؤمنين للطهارة، وحب الله للمتطهرين، فقال تعالى:) فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ((التوبة:108)

    ولهذا أمر الله نبيه إبراهيم u أن يطهر بيته، لأن البيت المتنجس لا يصلح لعبادة الله، فقال تعالى:) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ((الحج:26)

    وأخبر عن الآثار النفسية التي تحدثها الطهارة، فقال:) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ((لأنفال:11)

    ولم تكتف الشريعة بمصادرها المختلفة بالحض على النظافة، وأنواع التطهر، وإنما شرعت لذلك الشرائع المختلفة، بل ربطتها بالنواحي التعبدية، بل جعلتها مفاتيح لأنواع التعبدات.

    ولهذا نجد فقه الطهارة أول ما يتعلمه طالب الشريعة، فهو أول الأبواب الفقهية، بل نجد الحض على التطهر وتشريعاته منصوصا عليه في القرآن الكريم، مع أن عادة القرآن الكريم في كثير من القضايا الإجمال لا التفصيل:

    فالله تعالى ينهى عن المعاشرة الجنسية للحائض، ويعلل ذلك بالأذى الذي يتنافى مع الطهارة، قال تعالى:) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ((البقرة: من الآية222)

    قال الطبيب: صدق كتباكم فيما نهاكم عنه، فقد أثبت العلم الحديث الأذى الذي يلحق كلا من الرجل والمرأة عند المعاشرة الجنسية حال الحيض [26].

    فالغشاء المبطن للرحم يقذف أثناء الحيض، وبفحص دم الحيض تحت المجهر نجد بالإضافة إلى كرات الدم الحمراء والبيضاء قطعاً من الغشاء المبطن للرحم. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك. فهو معرض للعدوى البكتيرية.

    و تقل مقاومة الرحم للميكروبات الغازية، ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهما على الرحم.. وتكون مقاومة المهبل لغزو البكتيريا في أدنى مستواها أثناء الحيض.. إذ يقل إفراز المهبل الحامض الذي يقتل الميكروبات، ويصبح الإفراز أقل حموضة إن لم يكن قلوي التفاعل..

    كما تقل المواد المطهرة الموجودة بالمهبل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى لها.. ليس ذلك فحسب ولكن جدار المهبل الذي يتألف من عدة طبقات يقل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى لها.

    وبالإضافة إلى هذا تزيد شراسة الميكروبات أثناء الحيض في دم الحيض وخاصة ميكروبات السيلان، وتنتقل الميكروبات من قناة الرحم إلى مجرى البول البروستات والمثانة.

    والتهاب البروستات سرعان ما يزمن لكثرة قنواتها الضيقة الملتفة والتي نادراً ما يتمكن الدواء ـ بكمية كافية ـ من قتل الميكروبات المختفية في تلافيفها..فإذا ما أزمن التهاب البروستاتا فإن الميكروبات سرعان ما تغزوا بقية الجهاز البولي التناسلي فتنتقل إلى الحالبين ثم إلى الكلى.. وهو العذاب المستمر..حتى نهاية الأجل..

    وقد ينتقل الميكروب من البروستاتا إلى الحويصلات المنوية فالحبل المنوي فالبربخ فالخصيتين.. وقد يسبب ذلك عقماً بسبب انسداد قناة المني.

    وتصاب الغدد بالتغير فتقل أفرازاتها ، ويبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل.

    ولا يقتصر الأذى على الحائض بل ينتقل الأذى إلى الرجل الذي وطئها أيضاً.

    والله تعالى يذكر في القرآن الكريم كيفية التطهر التي يفعلها المسلم خمس مرات في اليوم، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ((المائدة: من الآية6)، وقد اعتبر r الطهارة مفتاحا أساسيا للصلاة لا تصح إلا به، فقال r:( مفتاح الصلاة الطهور)[27]، فلا تحل الصلاة بلا طهارة.

    وبما أن للصلاة فريضة كانت أو تطوعا أوقاتا مختلفة، فإن للطهارة تلك الأوقات جميعا، بل إن الطهارة تزيد على الصلاة، فقد شرعت في مواطن أخرى لم تشرع فيها الصلاة، فيستحب الوضوء قبل النوم، كما قال r:( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة )[28]

    ويستحب المحافظة الدائمة على الطهارة.. بل يربط النبي r ذلك بالإيمان، فيقول:( لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )[29]، بل يجعلها شطر الإيمان، فيقول:( الوضوء شطر الإيمان )[30]

    بل يجعل الوضوء من الكفارات، قال r:( أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، وإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامة خطاياك، فإذا أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك )[31]

    قال الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح.. لو أبدلنا لفظة الخطايا الواردة في الحديث بلفظة:( الميكروبات والجراثيم ) لوجدنا المعنى صحيحا.

    قال علي: وبالإضافة إلى هذا النوع من الطهارة الذي يختص ببعض الأعضاء وردت النصوص المقدسة تحث على الطهارة العامة، فقال r:( حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يغسل رأسه وجسده )[32]

    بل إن الله تعالى شرع الغسل في المناسبات المختلفة، فزيادة على غسل الجنابة المنصوص عليه في قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ((النساء: من الآية43)، وقوله تعالى:) وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ((المائدة: من الآية6)

    وغسل الحائض والنفساء المنصوص عليه في قوله تعالى:) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ((البقرة:222)، وقال r لفاطمة بنت أبي حبيش ـ رضي الله عنها ـ:( إذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم وصلّي )

    فقد ورد في السنة الأمر بالغسل يوم الجمعة، قال r:( من أتى الجمعة فليغتسل)[33]

    ووردت النصوص باستحباب غسل العيدين، فعن زاذان قال: سأل رجل عليّاً عن الغسل؟ قال:( اغتسل كل يوم إن شئت ) فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال:( يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر )، وعن سعيد بن المسيب t أنه قال:( سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال )[34]

    ووردت النصوص باستحباب والغسل عند الإحرام للحج والعمرة، فقد روي أن النبي r تجرَّد لإهلاله واغتسل[35].

    وباستحباب الاغتسال من غسل الميت؛ لقوله r:( من غسَّل الميت فليغتسل)[36]

    وعند الدخول للإسلام، فقد روي أنّ ثمامة بن أثال t أسلم فقال النّبيّ r:( اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل )، وعن قيس بن عاصم t أنّه أسلم، فأمره النّبيّ r أن يغتسل بماء وسدر.

    ومن حرص الإسلام على هذه الشعيرة أنه أمر بتغسيل الميت ليخرج طاهرا من هذه الدنيا، وقد قال r حين توفّيت إحدى بناته: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك )

    قال الطبيب: لقد أكد العلم الحديث ما وردت به النصوص مبينا آثار الغسل الوقائية في جسم الإنسان، فتراكم المفرزات العرقية والدهنية، وما ينضم إليها من الغبار والأوساخ والملوثات المهنية يؤدي إلي سد المسام الجلدية مما يعيق وظائفه[37] ويضر بالبدن ضرراً بالغاً.

    زيادة على ذلك، فإن تعرض الجلد نفسه للإتهابات الجرثومية والفطرية وانبعاث الروائح الكريهة منه، تلك الرائحة التي لا يمكن إخفاؤها بالتأنق والزينة وإنما بالنظافة التامة التي يحفظها الاغتسال المتكرر، والتي تضمن رونق الجلد ورائحته الطبيعية[38].

    قال علي: ومما ورد في النصوص من أنواع الطهارة ما تسميه النصوص خصال الفطرة، ومنها ما ذكره r في قوله:( الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط )[39]، وفي حديث آخر قال r:( عشر من الفطرة: قص الشارب واستنشاق الماء والسواك وإعفاء اللحية ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص الأظافر وغسل البراجم )، قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة )[40]

    وهي تعني تطهير كل ما تستدعيه الفطرة السليمة من إزالة قاذورات معينة في الجسم، يستقذرها الطبع السليم.

    وقد ورد التنصيص على هذه الخصال في أحاديث كثيرة، وصنفت فيها رسائل خاصة، وقد جمعها ابن حجر مما ورد في الآثار الصحيحة، فوجدها خمس عشر خصلة وهي: الختان والسواك والاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب وإعفاء اللحية والانتضاح وغسل البراجم والمضمضة والاستنشاق والاستنثار والاستنجاء وفرق الشعر وغسل الجمعة )

    قال الطبيب: فما الاستحداد؟

    قال علي: هو حلق العانة[41]، وقد وردت النصوص بالحث على التطهر بهذا النوع من الطهارة، واعتباره من سنن الفطرة، فقد قال r:( من الفطرة حلق العانة[42] وتقليم الأظافر وقص الشارب )[43]

    قال الطبيب: صدق نبيكم ونصحكم، فالعانة منطقة كثيرة التعرق، والاحتكاك ببعضها البعض، فإذا لم يحلق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن، وإذا ما تلوثت بمفرغات البدن من بول وبراز صعب تنظيفها حينئذ، وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد وتتوسع مساحة النجاسة، ومن ثم يؤدي تراكمها إلى تخمرها فتنتن، وتصدر عنها روائح كريهة جداً، وقد تمنع صحة الصلاة إن لم تنظف وتقلع عنها النجاسات.

    وبالإضافة إلى ذلك، فإن في حلق شعر العانة وقاية من الإصابة بعدد من الأمراض الطفيلية المؤذية: كقمل العانة الذي يتعلق بجذور الأشعار ويصعب حينئذ القضاء عليها.. كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة بالفطور المغبنية.

    قال علي: ولهذا كله سنت الشريعة حلق العانة، والأشعار حول الدبر كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة، ولأنها من أكثر مناطق الجسم تعرضاً للتلوث والمرض[44].

    قال الطبيب: ألم تذكر في خصال الفطرة (نتف الإبط)؟

    قال علي: أجل.. هكذا عبر نبينا عن حلق الشعر الموجود بالإبط، لأن الإبط محل للتعرق الذي تنتج عنه الروائح الكريهة.

    قال الطبيب: لقد اختار نبيكم أحسن طريقة لإزالة هذا النوع من الشعر.. لأن النتف يضعف إفراز الغدد العرقية والدهنية، فنمو الأشعار تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تفرز مواد ذات رائحة خاصة إذا تراكمت معها الأوساخ والغبار أزنخت وأصبح لها رائحة كريهة، ولا يخفف تلك الرائحة إلا النتف.

    بالإضافة إلى ذلك، فإن نتف الإبط أو حلقه يخفف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب تلك المنطقة كالمذح والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية (عروسة الإبط ) والتهاب الأجربة الشعرية وغيرها، كما يقي من الإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة.

    قال علي: ومن خصال الفطرة قص الشارب، فقد دعا النبي r إلى قص الشارب معتبرا ذلك من سنن الفطرة، فقال r:( من الفطرة قص الشارب )[45]، بل تشدد r في ذلك، فقال:( من لم يأخذ من شارب فليس منا )[46]

    قال الطبيب: صدق نبيكم،ونصحكم غاية النصح، فإن الشوارب إذا طالت لوثت بالطعام والشراب ويصبح منظرها مدعاة للسخرية، وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم.

    قال علي: ولكن لم لم يأت الأمر بحلق الشارب؟.. هل ترى مصلحة في ذلك؟

    قال الطبيب: أجل.. لأن في الشوارب مصلحة للجسد، فالشارب خلق للرجل المهيأ للعمل في الأجواء المختلفة، ذلك أنه يحميه من آثارها السيئة، فهو يصفي الهواء الداخل عبر الأنف إلى الرئتين، وهو بذلك أنفع وأسلم.

    قال علي: ومن خصال الفطرة التي ذكرها رسول الله r إعفاء اللحية، فقد دعا النبي r إلى إعفاء اللحية وعدم حلقها، فقال r:( احفوا الشارب وأعفوا اللحى)[47]، وقال r:( جزوا الشوارب، وأرخوا اللحي، خالفوا المجوس)[48]

    قال الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح، فلهذا الأمر حكم صحية جليلة ترجع إلى ما يقتضيه عمل من كثر تعرضه لأشعة الشمس والرياح الباردة والحارة والتي تؤثر سلبياً على الألياف المرنة والكلاجين الموجودين في جلد الوجه، ويؤدي تخربهما شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد والشيخوخة المبكرة.

    ولهذا خلق الله اللحية في وجه الرجل للتخفيف من تأثير هذه العوامل، ولم يخلقها للمرأة لأنه خلقها للعمل في البيت بعيداً عن تأثير الأشعة الشمسية وتقلبات الرياح[49].

    قال علي: ومن خصال الفطرة التي ذكرها رسول الله r تقليم[50] الأظافر.

    قال الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح[51]، فالأصل في الأظافر أنها تحمي نهايات الأصابع وتزيد صلابتها وكفاءتها وحسن أدائها عند الاحتكاك أو الملامسة، هذا إذا كان طولها طبيعيا.. أما إذا زادت، فإن الجزء الزائد من الظفر والخارج عن طرف الأنملة لا قيمة له، ووجوده ضار من نواح عدة:

    منها تكون الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية الأنامل، والتي تتجمع فيها الأوساخ والجراثيم وغيرها من مسببات العدوى كبيوض الطفيليات، وخاصة من فضلات البراز والتي يصعب تنظيفها، فتتعفن وتصدر روائح كريهة، ويمكن أن تكون مصدراً للعدوى للأمراض التي تنتقل عن طريق الفم كالديدان المعدية والزحار والتهاب الأمعاء، خاصة وأن النساء هن اللواتي يحضرن الطعام، ويمكن أن يلوثنه بما يحملن من عوامل ممرضة تحت مخالبهن الظفرية.

    ومنها أن الزوائد (المخالب ) الظفرية نفسها كثيراً ما تحدث أذى بسبب أطرافها الحادة قد تلحق الشخص نفسه أو الآخرين، وأهمها إحداث قرحات في العين والجروح في الجلد أثناء الحركة العنيفة للأطراف خاصة أثناء الشجار وغيره.

    كما أن هذه الزوائد قد تكون سبباً في إعاقة الحركة الطبيعية الحرة للأصابع، وكلما زاد طولها كان تأثيرها على كفاءة أصابع اليد أشد، حيث نلاحظ إعاقة الملامسة بأطراف الأنامل وإعاقة حركة انقباض الأصابع بسبب الأظافر الطويلة جداً، والتي تلامس الكف قبل انتهاء عملية الانقباض، وكذا تقييد الحركات الطبيعية للإمساك والقبض وسواها.

    بالإضافة إلى هذا، فإن هناك آفات تلحق الأظافر نفسها بسبب إطالتها، منها تقصفها بسبب كثرة اصطدامها بالأجسام الصلبة أو احتراقها، ذلك أن طولها الزائد يصعب معه التقدير والتحكم في البعد بينها وبين مصادر النار، كما أن تواتر الصدمات التي تتعرض لها الأظافر الطويلة تنجم عنها إصابات ظفرية غير مباشرة كخلخلة الأظافر أو تضخمها لتصبح مشابهة للمخالب أو زيادة تسمكها أو حدوث أخاديد مستعرضة فيها أو ما يسمى بداء الأظافر البيضاء.

    ويضاف إلى ذلك أن الأظافر الطويلة لا يمكن أن نعقم ما تحتها ولابد أن تعلق بها الجراثيم مهما تكرر غسلها، لذا توصي كتب الجراحة أن يعتني الجراحون والممرضات بقص أظافرهم دوماً لكي لا تنتقل الجراثيم إلى جروح العمليات التي يجرونها وتلوثها.

    قال علي: ويستوي في هذه السنة عندنا الرجال والنساء.. ولذلك نحن هنا نحذر النساء من مخالفة هذه السنة هربا نحو الزينة والجمال.

    قال الطبيب: الزينة والجمال لا تتناقضان مع الصحة والعافية، فأي زينة لأظافر هي خزان للقاذورات والأوساخ، وأي زينة لأظافر هي أذى لكل من يلامسها، وأي زينة لأظافر مهددة في كل حين بالانكسار، أو بالجيوب المؤذية.

    قال علي: ومن خصال الفطرة التي وردت بها النصوص الختان.

    قال الطبيب: أي ختان تقصد؟

    قال علي: ليس في ديننا إلا ختان الذكور.

    قال الطبيب: أما هذا النوع من الختان، فلا شك في دوره الكبير في حفظ الصحة، فقد أثبتت الدراسات من وجوه المصالح المعتبرة في الختان ما يبين قيمة هذه الخصلة العظيمة[52]:

    فالختان يقي من الالتهابات الموضعية في القضيب.. فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها، إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرز سطح القلفة الداخلي من مادة بيضاء ثخينة تدعى اللخن وبقايا البول والخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة أو التهاب الحشفة والقلفة الحاد أو المزمن[53].

    وهو يقي من الإصابة بالتهاب المجاري البولية، إذ ثبت في عديد من الدراسات الطبية أن التهابات الجهاز البولي في الذكور، صغاراً وكباراً، تزداد نسبتها زيادة ملحوظة في غير المختونين، وأن عدوى الأمراض المنقولة جنسياً كالزهري والسيلان وعلى الخصوص مرض الإيدز تكون في غير المختونين أكبر بكثير منها في المختونين.

    وقد وجد جنز برغ أن 95 بالمائة من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين، ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجري لكل مولود في الولايات المتحدة منع حدوث أكثر من 50 ألف حالة من التهاب الحويضة والكلية سنوياً[54].

    ولهذا كتب البروفسور ويزويل في عام 1990 يقول:( لقد كنت من أشد أعداء الختان وشاركت في الجهود التي بذلت عام 1975 ضد إجرائه، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، وبعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود )[55]

    وهو يقي من الأمراض الجنسية، وقد أكد البروفسور وليم بيكوز الذي عمل في البلاد العربية لأكثر من عشرين عاماً، وفحص أكثر من 30 ألف امرأة ندرة الأمراض الجنسية عندهم وخاصة العقبول التناسلي والسيلان والكلاميديا والتريكوموناز وسرطان عنق الرحم ويُرجع ذلك لسببين هامين: ندرة الزنى، وختان الرجال[56].

    وهو يقي من السرطان.. وقد قال البرفسور كلودري:( يمكن القول وبدون مبالغة بأن الختان الذي يجري للذكور في سن مبكرة يخفض كثيراً من نسبة حدوث سرطان القضيب عندهم )

    وقد نشرت المجلة الطبية البريطانية BMG ـ وهي من أشهر المجلات الطبية ـ مقالاً عن سرطان القضيب ومسبباته عام 1987، جاء في هذا المقال: إن سرطان القضيب نادر جداً عند اليهود وفي البلدان الإسلامية، حيث يجري الختان أثناء فترة الطفولة، وأثبتت الإحصائيات الطبية أن سرطان القضيب عند اليهود لم يشاهد إلا في تسعة مرضى فقط في العالم كله.

    ومن العوامل المهيئة لحدوث سرطان القضيب: التهاب الحشفة، ولما كان الختان يزيل هذه القلفة من أساسها فإن المختونين لا يحدث لديهم تضيُّق في القلفة، كما أنه يندر جداً أن يحدث التهاب الحشفة عندهم، ويبدو أن تضيُّق القلفة ينجم عن احتباس اللخن وهي مفرزات تتجمع بين حشفة القضيب والقلفة عند غير المختونين، وقد ثبت أن لهذه المواد فعلاً مسرطناً.

    ونشرت مجلة المعهد الوطني للسرطان دراسة أكدت فيها أن سرطان القضيب ينتقل عبر الاتصال الجنسي، وأشارت إلى أن الاتصال الجنسي المتعدد بالبغايا يؤدي إلى حدوث هذا.

    كما ورد في تقرير نشرته الأكاديمية لأمراض الأطفال جاء فيه: إن الختان هو الوسيلة الفعالة للوقاية من سرطان القضيب، وأكدت المجلة الأمريكية لأمراض الأطفال أن العوامل الدينية عند المسلمين واليهود التي تقرر اتباع الختان: تلعب عاملاً أساسياً في حث هؤلاء على الأخذ بهذه الفطرة.

    سكت الطبيب قليلا، وكأنه يسترجع تلك الصور التي تبثها وسائل الإعلام عن ختان الإناث، فقال: لقد ذكرت أنه ليس في دينكم إلا ختان الذكور.

    قال علي: أجل.. وهذا ما ذكره النبي r في خصال الفطرة.

    قال الطبيب: ولكني أرى من المسلمين من لا يكتفون بختان الذكور، بل يقومون بختان الإناث، ويتسببون لذلك بأذى بالغ بهن.

    قال علي: القول في هؤلاء مثلما قلنا في الرقاة المشعوذين وحفلات الزار.

    قال الطبيب: ولكني سمعت الصحفيين الذين ينقلون تلك الصور يستفتون علماء أصحاب عمائم، فيجيبونهم، ويذكرون نبيكم في إجابتهم، وأنا أحفظ ما قالوا، وقد كان ذلك من أسباب انصرافي عن النظر في دينكم.

    قال علي: فاذكر لي ما ذكروا لأذكر لك وجه الحق فيه.

    قال الطبيب: لقد ذكروا هذا الحديث:( الختان سنة في الرجال، مكرمة في النساء)

    قال علي: هذا الحديث توجه له العلماء بالنقد، فقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على ( إحياء علوم الدين ) على ضعفه، ونص الحافظ ابن حجر على ضعفه[57]، ونقل قول الإمام البيهقي فيه: إنه ضعيف منقطع.. وقال ابن عبد البر في ( التمهيد ):( إنه يدور على رواية راو لا يحتج به[58].

    وكلام الحافظ أبي عمر ابن عبد البر في كتابه المذكور نصه:( واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبي المليح هذا، وهويدور على حجاج بن أرطاة، وليس ممن يحتج بما انفرد به )[59]

    وعلى ذلك فليس في هذا النص حجة، لأنة نص ضعيف، مداره على راو لايحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حكم شرعي بأن أمراً معيناً من السنة أو من المكرمات، وأقل أحوالها أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل صحيح.

    قال الطبيب: وقد ذكروا أن نبيكم قال لأم عطية وكانت خافضة:( يا أم عطية أشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج )

    قال علي: هذا الحديث رواه الحكم والبيهقي وأبوداوود بألفاظ متقاربة، وكلهم رووه بأسانيد ضعيفة، كما بين ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي[60].

    وقد عقب أبوداوود على هذا الحديث بقوله:( روي عن عبيد الله بن عمروعن عبد الملك بمعناه وإسناده. وليس هو بالقوي، وقد روي مرسلاً.. وهذا الحديث ضعيف )[61]

    وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديت، وكلها طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة[62] حتى قال العلامة محمد الصباغ في رسالته عن ختان الإناث:( فانظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبي داود والعراقي وكيف حكما عليه بالضعف، ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين )

    قال الطبيب: فقد ذكروا أن نبيكم قال:( يا نساء الأنصار اختضبن غمسا، واخفضن، ولا تنهكن ، فإنه أحظى عند أزواجكن ، وإياكن وكفران النعم )

    قال علي: هذا الحديث رواه البزار، وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف، وفي إسناد ابن عدي: خالد بن عمروالقرشي وهوأضعف من مندل ، ورواه الطبراني في الصغير وابن عدي أيضا عن أبي خليفة ، عن محمد بن سلام الجمحي، عن زائدة بن أبي الرقاد ، عن ثابت ، عن أنس نحو حديث أبي داود ، قال ابن عدي: تفرد به زائدة ، عن ثابت ، وقال الطبراني: تفرد به محمد بن سلام ، وقال ثعلب: رأيت يحيى بن معين في جماعة بين يدي محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث ، وقد قال البخاري في زائدة: إنه منكر الحديث[63].

    لست أدري كيف تدخلت، وقلت: فقد ذكروا أن نبيكم قال:( إذ التقى الختانان، فقد وجب الغسل)، وهذا الحديث صحيح، لا يمكنك نقده، فقد رواه مالك في الموطأ، ومسلم في صحيحه، والترمذي وابن ماجة في سننهما، وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث النبوي.

    التفت إلي علي، وقال: نعم هذا حديث صحيح، ولا يمكن رده، ولكني لا أرى فيه أي شاهد على ما تقول؟

    قلت: موضع الشاهد واضح، فقد قال نبيكم:( الختانان )، وفي ذلك تصريح بموضع ختان الرجل والمرأة.

    قال علي: هذا الاستدلال غير صحيح، فالعرب قد تسمي الشيئين أو الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهما، أو باسم أحدهما على سبيل التغليب[64]قال عالم النبات: كقولهم (العمران) عن أبي بكر وعمر، و(القمران) عن الشمس والقمر، و(النيران) عن الشمس والقمر، وهكذا.

    قلت: هذا لسان اللغة.. ونحن نتحدث عن لسان الشرع.

    قال علي: فما معنى قوله تعالى:) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ((فاطر: من الآية12) أليس الأول نهرا، والثاني بحرا حقيقيا؟

    قلت: أجل.

    قال علي: ومع ذلك، فإن الله تعالى سمى كلاهما بحرا.

    قال: أسلم لك بهذا.. وأسلم لك بكل ما قلت.. ولكن ألا يمكن أن تكون هناك نصوص أخرى تدل على ما ذهب إليه الفقهاء؟

    سكت، وسكت الطبيب، فقال علي: وفوق هذا كله، فإن المحدثين الذين أفنوا أعمارهم في هذا العلم يقرون بعدم وجود حديث في هذا الباب يصح الاستدلال به، فقد قال ابن المنذر:( ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع )[65]، وقال الإمام الشوكاني:( ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به، فهو لا حجة فيه على المطلوب )[66]، وقال الشيخ سيد سابق:( أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء )[67]

    قال الطبيب: ولكن كيف انتشر هذا بين المسلمين؟

    قال علي: هذه سنة من سنن الجاهلية ورثها المسلمون من الفراعنة القدماء.

    قال الطبيب: الفراعنة القدماء؟!

    قال علي: أجل.. فقد كانت عادة الخفاض الفرعوني عند الفراعنة القدماء، وبالأخص في عصر رمسيس قبل الميلاد بأكثر من ألف سنة، ودخلت على السودان من طريق الفتوحات الفرعونية على بلاد النوبة، كما أن ملوك بلاد النوبة قد استولوا على مصر، فانتشرت عادة الخفاض الفرعونى في وادي النيل.

    ولذلك هو يمارس الآن في السودان والصومال وكينيا وأجزاء من أندونيسيا، ولا يمارس في سائر البلاد الإسلامية، ولو كان سنة صحيحة لحرص عليها كما حرص على كثير من السنن.

    قال الطبيب: فهل هناك شيء غير هذا مما جاء في دينكم عن التوقي بالطهارة؟

    قال علي: أجل.. وهو ما فرط فيه هذا العصر حرصا على العمران، ولو على حساب الإنسان؟

    قال الطبيب: ما تقصد؟

    قال علي: لم يكتف الإسلام بطهارة الإنسان، بل أمر بطهارة كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ومأوى وغذاء..

    قال الطبيب: أفي دينكم الحديث عن كل هذا؟

    قال علي: أجل.. وهي ليست مجرد توجيهات ومواعظ فقط، بل ترتبط بها أحكام تشريعية تحرص على تطبيقها.

    قال الطبيب: فاضرب لي أمثلة على ذلك.

    قال علي: أولها وأخطرها الماء، فقد أو لى القرآن الكريم أهمية كبيرة للماء، فقد ورد ذكره فيه 49 مرة، وامتن الله به على عباده ذاكرا وجوه الحكم في خلقه، ولكن كل هذه المنافع مقيدة بوصف الطهر، قال تعالى:) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً((الفرقان: 48، 49)

    وفي ذلك إشارة إلى أن منافعه تقتضي وجود طهوريته، فإن سلبها تحول من دور الإحياء الذي نص عليه قوله تعالى:) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ((الانبياء: من الآية30) إلى دور الإماتة.

    وقد وردت النصوص التشريعية المقررة لهذا، بالحض على الحفاظ على طهارة الماء، فقد نهى r عن البول في الماء الراكد، قال r:( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه )[68]، وقال r:( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)[69] بل ورد الأمر مطلقا، فقال r:( لا يبولن أحدكم في الماء الراكد )[70]

    قال الطبيب: صدق نبيكم في هذا، ونصحكم غاية النصح، فالماء الراكد يعتبر جوا ملائما لنمو الكثير من البكتريا كالكوليرا والسالمونيلا والشيجلا والليبتوسبايرا وغيرها.

    زيادة على أن كثيرا من الديدان كالزحار الأميبي والديدان المستديرة والبلهارسيا تحتاج لإكمال دورة حياتها خارج جسم الإنسان، ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها.

    قال علي: ومن ذلك النهي عن النفخ في الشراب، قال r:( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه )[71]، وقال:( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريده )[72]، وعندما قال له رجل معقبا على هذا النهي: القذاة أراها في الإناء قال له r:( أهرقها )[73]

    قال الطبيب: صدق نبيكم في هذا، فنفخ الرذاذ وزفره يؤدي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالانفلونزا والقوباء وشلل الأطفال والنكاف والحصبة الألمانية والرشاح والتهابات الحلق والعنجز والسل وغيرها من الأمراض، وخاصة الفيروسية ولذلك فإنه ينصح بعدم النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب.

    قال علي: ويقاس على هذا تحريم كل ما يمكن أن يتسبب في الإضرار بطهورية الماء، لأن الله تعالى عندما امتن علينا بطهارته، طلب منا أن نحافظ على هذه الطهارة، فالحفاظ على النعمة واجب، ولذلك لا شك في حرمة كل ما يسبب تلوث المياه مما يمارسه أهل عصرنا من صناعات.

    وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله تعالى:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)

    قال الطبيب: هذه طهارة الماء، فما طهارة الهواء؟

    قال علي: بالإضافة إلى ما نهانا عنه ديننا من الإفساد في الأرض، والذي يعني النهي عن التلوث بجميع معانيه، فقد ورد النهي عن النهي عن الهواء القريب المحيط بالإنسان، والذي قد ينقل العدوى لغيره، فقد كان من هديه r إذا عطس أن يغطي وجهه بيديه أو بثوبه ويغض بها صوته[74]، فهذا من حفظ الهواء من تلويث العطاس.

    وكان r يأمر المتثائب أن يكتم تثاؤبه، أو يضع يده على، وكان يقول:(إذا تثاءب أحدكم في الصلاة، فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل)[75]، ويقول:( العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه وإذا قال: آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه وإن الله عز وجل يحب العطاس ويكره التثاؤب )[76] ، فهذا من حفظ الجسم من تسرب الهواء الملوث إليه، فكلا النصين يشيران إلى الحماية من التلوث، أما أحدهما، فيحمي الهواء، وأما الثاني، فيحمي الإنسان.

    قال الطبيب: صدق نبيكم غاية الصدق، ومن العجيب تفريقه بين التثاؤب والعطاس، واعتباره العطس رحمة، وأمره بكتم التثاؤب.

    قال علي: فما سر ذلك؟

    قال الطبيب: التثاؤب شهيق عميق يجري عن طريق الفم، فيدخل الهواء إلى الرئتين، مع أن الأصل في الهواء أن يدخل إلى الرئتين عن طريق الأنف، ليتعرض للتصفية، فإذا دخل من غير ذلك الطريق كان فيه أذى، وكان في نفس الوقت دليلا على حاجة الدماغ إلى الأوكسجين والغذاء، وعلى تقصير الجهاز التنفسي في تقديم ذلك إلى الدماغ خاصة وإلى الجسم عامة، وهذا ما يحدث عند النعاس وعند الإغماء.

    زيادة على ذلك، فإن التثاؤب قد يضر بالبدن، لأن الهواء غير المصفى قد يحمل معه إلى البدن الجراثيم والهوام.

    قال علي: لهذا أمر رسول الله r برد التثاؤب قدر المستطاع، أو سد الفم براحة اليد اليمنى، أو بظهر اليد اليسرى[77].

    قال الطبيب: بالإضافة إلى هذا، يفسر علماء النفس التثاؤب على أنه دليل على الصراع بين النفس وفعالياتها من جهة، وبين الجسد وحاجته إلى النوم من جهة أخرى.. وهو من الناحية الطبية فعل منعكس من أفعال التنفس، وهو دليل على الكسل والخمول[78]..

    قال علي: بالإضافة إلى هذا، فإن مظهر المتثائب، وهو يكشف عن فمه مفتوحا مما يثير الاشمئزاز في نفس الناظر.

    قال الطبيب: صدقت، ولهذا كان في هذا الهدي صحة جسدية، ومناعة نفسية، ومصلحة اجتماعية..

    قال علي: وكذلك الحال في كل هدي نبوي … فحدثني عن العطاس، فقد قال r فيه:( إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك اللَّه؛ فإذا قال له يرحمك اللَّه فليقل: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم )[79]

    بل اشتد في ذلك، فقال:( إذا عطس أحدكم فحمد اللَّه فشمتوه، فإن لم يحمد اللَّه فلا تشمتوه )[80]

    وقد روي أن رجلين عطسا عند النبي r فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته وعطست فلم تشمتني؟ فقال:( هذا حمد اللَّه، وإنك لم تحمد اللَّه )[81]

    فما سر ما ذكره رسول الله r من الحمد عند العطاس؟

    قال الطبيب: في العطاس مصالح صحية كثيرة[82]، فهو وسيلة دفاعية دماغية هامة لتخليص المسالك التنفسية من الشوائب، ومن أي جسم غريب يدخل إليها عن طريق الأنف، فهو بذلك الحارس الأمين الذي يمنع ذلك الجسم الغريب من الاستمرار في الولوج داخل القصبة الهوائية.

    قال علي: كيف ذلك؟

    قال الطبيب: إن مجرد ملامسة الجسم الغريب لبطانة الأنف، سواء كان حشرة ضارة أو ذات مهيجة وغيرها، فإن بطانة الأنف تتنبه بسرعة عجيبة آمرة الحجاب الحاجز بصنع شهيق عميق لا إرادي يتبعه زفير عنيف.. والذي هو العطاس.. عن طريق الأنف لطرد الداخل الخطير ومنعه من متابعة سيره عبر المسالك التنفسية إلى الرئتين.

    قال علي: أرأيت لو دخل ذلك عن طريق الفم؟

    قال الطبيب: إذا دخل الجسم الغريب عن طريق الفم، ووصل إلى القصبة الهوئية، فإن ذلك ينبه الجهاز التنفسي محدثاً السعال لصد الخطر وطرد الجسم الغريب الداخل إلى المجرى التنفسي، ولا يحدث العطاس إلا حين دخول المواد المؤذية عن طريق الأنف.

    قال علي: ولكن لماذا لم لم يشرع الحمد عند السعال، وشرع فقط عند العطاس؟

    قال الطبيب: هناك فرق كبير بينهما، فالسعال لا يؤثر على الدماغ، ولا يحدث العطاس.. ولا يزال العلماء حتى اليوم يقفون حائرين أمام هذا السر المبهم، ولا يزالون عاجزين عن إيجاد أي تعليل علمي عن آلية توليد العطاس لذلك الشعور بالارتياح في الدماغ وخفة الرأس وانشراح النفس.

    قال علي: لقد نبهت السنة المطهرة إلى الآداب التي تحفظ هذه الناحية، فقد كان رسول الله r إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فمه، وخفض، أو غض من صوته، ومن السنة ـ إذن ـ أن يضع العاطس يده على فمه؟

    قال الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح، فذلك يمنع من وصول الرذاذ إلى غيره، وهو من الآداب الرفيعة التي تتفق مع مبادئ الصحة، ذلك أنه يندفع رذاذ العطاس إلى مسافة بعيدة يمكن أن يصل معها إلى الجالسين مع العاطس، أو أن يصل إلى طعام أو إلى شراب قريب منه، وهذا يمكن أن ينقل العدوى بمرض ما، كالزكام، إن كان العاطس مصاباً به.

    قال علي: ومن الطهارة التي أمرت الشريعة بالاعتناء بها تنظيف الأفنية والساحات المجاورة للبيوت، فقد قال r:( إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود؛ فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود )[83]، وقال r:( طيبوا ساحاتكم، فإن أنتن الساحات ساحات اليهود )[84]، وقال r:( طهروا أفنيتكم، فإن اليهود لا تطهر أفنيتها )[85]

    وقد روي كيف كان عمر t، وهوخليفة المسلمين، يتعهد هذا النوع من النظافة ويحث عليه، بل يتوعد بالعقاب على التفريط فيه، فعن جويرية بن أسماء أن عمر بن الخطاب t قدم مكة فجعل يجتاز في سككها فيقول لأهل المنازل:( قموا[86] أفنيتكم )، فمر بأبي سفيان فقال له: يا أبا سفيان! قموا فناءكم، فقال: نعم يا أمير المؤمنين حتى يجيء مهاننا، ثم إن عمر اجتار بعد ذلك، فرأى الفناء كما كان فقال: يا أبا سفيان! ألم آمرك أن تقموا فناءكم؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين ونحن نفعل إذا جاء مهاننا، فعلاه بالدرة فضربه بين أذنيه، فسمعت هند، فقالت: أبصر به، أما والله لرب يوم لوضربته لاقشعر بك بطن مكة! فقال عمر:( صدقت، ولكن الله رفع بالإسلام أقواما، ووضع به آخرين )[87]

    قال الطبيب: لا شك في أهمية طهارة المحيط القريب من الإنسان، فهو المحل الذي يعيش فيه، ويلعب فيه أولاده، ولا شك أنه لذلك محل للصحة كما أنه محل للمرض.

    قال علي: ليس هذا فقط، بل أمرت الشريعة بتطهير جميع الأماكن العامة، وهي المحال التي يقصدها الإنسان للتعبد أو للراحة أو للعمل أو لغير ذلك من شؤون حياته.

    فقد أمر الشرع بتنظيف دور العبادة، فقال تعالى مشيرا إلى ذلك:) وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ((البقرة: من الآية125)

    وأخبر r عن الأجر الجزيل على ذلك، فقال:( عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أو تيها رجل، ثم نسيها )[88]

    وفي مقابل هذا الأجر ورد ذم من يتسبب في اتساخه، فقال r:( النخاعة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها )[89]، وقال r:( البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها )[90]، وقال r:( عرضت علي أمتي بأعمالها حسنها وسيئها، فرأيت في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق، ورأيت في سيء أعمالها النخاعة في المسجد لم تدفن )[91]

    وعلل r ذلك بقوله:( إذا تنخم أحدكم وهو في المسجد فليغيب نخامته لا تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه )[92]

    ومن الأماكن العامة التي أمر الشرع بالحرص على نظافتها الأماكن التي يستريح فيها الناس، فقد اعتبر r تلويتها من الأمور التي تجلب اللعنة على أصحابها، فقال r:( أتقول اللاعنين ) قالوا:( وما اللاعنان؟)، قال:( الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم )[93]، وقال r:( من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه اللعنة )[94]، وقال r:( اتقوا الملاعن الثلاث: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو في نقع ماء )[95]

    وبين r من يلعن هؤلاء، فقال:( من سل سخيمته[96] على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين )[97]، وكفى بهذا ردعا.

    قال الطبيب: صدق نبيكم ونصحكم، فقد بين العلم الحديث الآثار التي ينتجها تلويث مثل هذه المحال، فنص على أن المناطق الباردة الرطبة وذات الظل تعتبر جوا ملائما لنمو أغلب أنواع البكتيريا وبويضات الديدان، ويساعد في ذلك خلوها من تأثير الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم والبويضات.

    فبويضات دودة الإسكارس ـ مثلا ـ يمكن أن تعيش في هذه الأجواء لمدة عامين مع بقائها معدية، وبما أن البول والبراز يعتبران من مصادر هذه الجراثيم والديدان، فإن البول في هذه المحال يعتبر من الجرائم المؤدية لذلك.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ الدواء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 18:28

    قال علي: ومما ورد في النصوص الأمر بتطهيره الثياب، فقد قال تعالى في أوائل ما نزل من القرآن الكريم:﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ (المدثر:4)

    فهذا نص صريح في الأمر بطهارة الثياب[98].

    وقد روى جابر بن عبد الله t وهويتحدث عن سنة رسول الله r في هذا، فقال: أتانا رسول الله r فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال:( أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره؟)، ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال:( أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه )

    وقد نفى r ارتباط النظافة بالخيلاء، فقد ورد في الحديث الشريف قوله r:( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر )، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، فقال r:( إن الله جميل يحب الجمال، الكبِر بطر الحق وغمط الناس)[99]

    ولهذا أوصى r صحابته y بالثياب البيض، لأن الوسخ والنجاسة يظهران عليها بجلاء، وذلك مدعاة في تنظيفها وتطهيرها وعدم إهمالها، قال r:( عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفّنوا موتاكم )[100]

    وقد رد العلماء والصالحون على من أهمل نظافة الثياب بحجة النسك، فقال المناوي: وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلاً وعرفاً، ويكاد يذم شرعاً.. سوّل الشيطان لأحدهم فأقعده عن التنظيف بنحو:( نظف قلبك قبل ثوبك ) لا لنصحه، بل لتخذيله عن امتثال أو امر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة، ولوحقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن )

    قال الطبيب: إن الذي تقوله ينفي كثيرا من الفهوم الخاطئة التي ينشرها الإعلام عن الإسلام، فهو ينقل صور المزابل والمستنقعات، ثم يكتب تحتها: هذا هو الإسلام، وهذه بيئة المسلمين.

    قال علي: لا ينبغي للعاقل أن يخدع بمثل هذه الدعايات..

    الحمية:

    قال الطبيب: عرفت الركن الثاني من أركان الوقاية، فما الركن الثالث؟

    قال علي: الحمية.

    قال الطبيب: فما الحمية؟

    قال علي: لقد أشار إليها قوله تعالى:) وَهُوالَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ((الأنعام:141)

    قال الطبيب: تقصد ترك الإسراف في المأكل والمشرب؟

    قال علي: ليس ذلك فقط.. بل الحمية في الشريعة تعني الابتعاد عن كل متعة قد تتسبب في حصول العلة.

    فالإسراف في القرآن الكريم لم يقتصر ذكره على الأكل والشرب، فالله تعالى ينعت بالإسراف أقواما مختلفين، لم يكن إسرافهم قاصرا على الأكل والشرب:

    فالله تعالى يعتبر قوم هود u من المسرفين، فيقول على لسان نبيه صالح u:) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ((الشعراء:151)، ثم يفسر هذا الإسراف بقوله تعالى:) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ((الشعراء:152)

    وقال تعالى عن فرعون:) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ( (يونس: من الآية83)

    ولهذا، فإن الحمية بمفهومها الحقيقي الشامل لا تقتصر على الأكل والشرب.

    قال الطبيب: فما تعني؟

    قال علي: تعني أن يضع المؤمن لنفسه ميزانا صحيا يتناسب مع متطلبات جسده.. وهذا الميزان الشامل[101] هو ما نص عليه قوله تعالى:) وَوَضَعَ الْمِيزَانَ( (الرحمن: من الآية7)، ثم نهى عن تجاوز هذا الميزان، فقال:) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ((الرحمن:8)

    قال الطبيب: فتجاوزه هو الإسراف المؤدي إلى كل العلل.

    قال علي: أجل.. وبذلك لا تكون الشهوات هي المتحكمة في سلوكيات الحياة وأنماطها، وإنما ما تتطلبه الصحة والعافية هو المتحكم في ذلك.

    قال الطبيب: فما التشريعات التي وضعها الشرع لتحقيق الحمية؟

    قال علي: كثيرة جدا لا يمكن لهذه الجلسة أن تفي بها، ولكني سأذكر لك بعضها شريطة أن تذكر لي موقف العلم منها.

    قال الطبيب: ذلك علي.. ولكن اعلم أني صريح شديد الصراحة، فلذلك إن رأيت شيئا يخالف الحقيقة أخبرتك به.

    قال علي: ذلك ما نريد.. فلا ينبغي لعاقل أن يبني حياته على خرافه.

    قال الطبيب: فاذكر بعض ما يشمله هذا النوع من الوقاية.

    قال علي: أولها الصيام [102].. فهو فضلا عن كونه ركنا من أركان الإسلام ركن من أركان الصحة، ولذلك فرض الله تعالى الصيام ـ كما ينص القرآن الكريم ـ علينا وعلى جميع الأمم قبلنا، قال تعالى:﴿ يَا أيهَا الَّذِينَ آمنوا كتِبَ عَلَيكم الصِّيَامُ كما كتب عَلَى الَّذِينَ من قَبْلكمْ لعلكم تتقون﴾ (البقرة183)

    كما أخبرنا تعالى أن الصيام ليس خيرا للأصحاء المقيمين فقط، بل هو خير أيضا للمرضى والمسافرين والذين يستطيعون الصوم بمشقة ؛ ككبار السن ومن في حكمهم، قال تعالى:﴿ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:184)

    والخير اسم تفضيل وهو الحسن لذاته ولما يحقق من لذة أو نفع أو سعادة، فالصيام حسن لذاته، ولما يحققه للمؤمن من المنافع واللذة الروحية والسعادة في الدنيا والآخرة.

    وهذه المنافع والفوائد متحققة لكل مكلف من الأصحاء المقيمين، والذين يصومون بلا مشقة زائدة من أهل الرخص الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء.

    ولا يوجد بحث علمي ـ فيما أعلم ـ أجري على الصائمين الأصحاء، في الظروف الطبيعية، إلا وأفاد أحد أمرين: إما عدم تأثير الصيام على وظائف الأعضاء ومكونات الجسم بأي قدر يشكل خطورة على الجسم أو يسبب ضررا محققا على معظم الأمراض. أو أنه يظهر فائدة جلية في بعض هذه الوظائف، أو يحسن بعض مكونات الجسم ووظائف الأعضاء في الشيخوخة , أو أثناء الحمل، أو الرضاعة أو أثناء السفر، بل وأثبتت الأبحاث بأن الصيام يساعد في شفاء بعض الأمراض.

    وبذلك يظل في الصيام خير لمعظم المرضى، والمسافرين، والمطيقين للصيام، ويكون محققا لهم من الفوائد والمنافع الشيء الكثير الذي لا يعلمونه.

    فالصيام للمرضى والمسافرين والمطيقين هو الأولى والأنفع، مالم تضعف النفس عن تحمل المشقة، أو يصيبها أو يصيب الجسد ضرر محقق: ففي الأولى تكون الرخصة، وفي الثانية تكون العزمة، ويتعين الإفطار.

    قال الطبيب: لقد نصحكم دينكم غاية النصح.. بل إن في اعتبار الصيام ركنا من أركان الإسلام معجزة لا تضاهيها معجزة، فلم نر دينا من الأديان يهتم بالصحة بمثل هذا القدر.

    قال علي: حدثني بما وعدتني به من علاقات نصوص ديننا المقدسة بما ذكره العلم الحديث.

    قال الطبيب: لقد بدأ الاهتمام بعلاقة الصوم بالصحة في أوروبا منذ عصر النهضة، فقد أخذ علماء هذه الفترة يطالبون الناس بالحد من الإفراط في تناول الطعام وترك الانغماس في الملذات والشراب ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة.

    وفي ألمانيا وجد الطبيب ( فريدريك هوفمان )(1660-1842 م ) أن الصوم، ويقصد به التجويع المتواصل، وهو ما يعرف بالصيام الطبي يعين على معالجة داء الصرع والقرحة والسرطانات الدموية والساد(أ) الذي يصيب العينين وأورام اللثة ونزيفها والقرحة الجفنية، كما أعلن أنه ينصح المريض في أي مرض كان، ألا يأكل شيئا.

    وفي روسيا، توصل الأطباء إلى نتيجة مماثلة، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين... فقد تقدم الدكتور ( بيترفينيا مينوف ) من جامعة موسكو بتقرير نشر في سنة 1769 م نصح فيه المرضى بالتوقف الكلي عن الطعام أثناء فترة المرض، وعلل ذلك بقوله :( إن الصوم يعطي المعدة فترة راحة تمكن المريض من الهضم بشكل مناسب عندما يتعافى، ويعود إلى الأكل ثانية )

    بعد ذلك أعلن الدكتور( ب. ج. سباسكي ) الأستاذ في جامعة موسكو، عن النجاح في معالجة ( الحمى الراجعة ) بالصوم، وقال:( إن الصوم يسمح بحدوث المعالجات المتزايدة في داخل الجسم، دون تدخل من الخارج، وهذا في الحقيقة علاج للأمراض المزمنة )

    وفي القرن التاسع عشر أعلن الطبيب الروسي ( زيلاند ) أن الصوم قد أثر إيجابيا على الجهاز العصبي للمريض، كما أثر تأثيرا لا بأس به على هضمه ودمه بوجه عام، وكتب قائلا:( إن الصوم يسمح للجسم بأن يرتاح ثم يستأنف نشاطه الطبيعي بقوة متجددة )

    وفي الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الاهتمام بالصوم باعتباره علاجا للمرضى منذ القرن الماضي، فقد عالج الدكتور (إدوارد ديوي) قبل قرن بالصوم كلا من الاضطرابات المعدية والمعوية، وداء الاستسقاء، والالتهابات العديدة، بالإضافة إلى الضعف والترهل الجسدي، وكان يري أن الراحة من الطعام ـ وليس الطعام ـ هي التي ترمم الجهاز العصبي، في حين أن الطعام ـ بالنسبة للمريض ـ يسبب توترا شديدا بقدر التوتر الذي يسببه العمل المتعب، ويؤكد على أن الطعام خلال المرض، يصبح عبثا على المريض.

    ولأجل هذا كله، فقد انتشرت المصحات الطبية التي تعالج الأمراض بالصوم في كثير من بلدان العالم الشرقي والغربي.

    قال علي: فاذكر لي ما توصل إليه الطب من فوائد الاستشفاء بالصيام.

    قال الطبيب: بعض الناس يرون للصيام علاقة سيئة بالسكري.

    قال علي: أليس ذلك صحيحا، فالفقهاء عندنا يفتون لمرضى السكري بالفطر، باعتبارهم من أصحاب الرخص [103].

    قال الطبيب: ليس على عمومه، فقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن الصيام لا يشكل خطرا علي معظم مرضي السكري، إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم، فقد أثبت باربر( Barber SG) وزملاؤه سنة 1979 م في برمنجهام، أن هناك تغيرا قليلا في تحكم مرض السكري عند المسلمين الصائمين، وأن عدد المرضى المراجعين لعيادات السكر قد تناقص، ولا توجد زيادة في معدل احتجاز مرضى السكري المرتفع وغير المتحكم فيه، داخل المستشفى خلال شهر رمضان.

    وقد قام خوقير وزملاؤه سنة 1987 م بدراسة شملت 52مريضا من مرضى السكري، 20 منهم يعتمدون على الأنسولين في العلاج، و32 منهم لا يعتمدون على الأنسولين، وقد وجد أن 15 مريضا من الذين لا يعتمدون على الأنسولين، قل وزنهم وانخفضت مستويات السكر ( Glucose Levels) لديهم بعد الصيام، عنه قبل أن يصوموا.

    كما قلت جرعة الأنسولين بنسبة 10بالمائة عن المعتاد عند المجموعة التي تعتمد على الأنسولين في العلاج، وقل وزن سبعة منهم، بينما ارتفع معدل السكر عند باقي المجموعة، لذلك نصح الباحثون بعناية خاصة لهؤلاء المرضى، إذا أرادوا أن يصوموا كل أيام شهر رمضان، ولا حرج عليهم بعد ذلك.

    كما أثبتت بعض الدراسات الحديثة أنه لا توجد تغيرات باثولوجية أو أي مضاعفات سريرية على مرضى السكري الذين يصومون شهر رمضان في المكونات التالية: جلوكوز الدم، والهيموجلوبين، والأنسولين، والكولوستيرول، وثلاثي الجلسريد، ووزن الجسم.

    مع الأخذ في الاعتبار ضرورة أن يهتم المرضى بضبط جرعاتهم الدوائية ويمارسون نشاطهم اليومي وينضبطوا في حميتهم الغذائية خصوصاً المرضى الذين يتناولون الأنسولين.

    قال علي: بورك فيك.. فهل هناك أمراض أخرى؟

    قال الطبيب: أجل.. وهي كثيرة.. ألم أقل لك: إن الصيام صيدلية متكاملة للصحة.

    فمن الأمراض التي يساهم الصيام في الإعانة على علاجها أمراض الأوعية الدموية الطرفية، فقد عالج الصيام عدداً من الأمراض الناتجة عن السمنة، كمرض تصلب الشرايين، وضغط الدم، وبعض أمراض القلب.

    كما ساعد الصيام في علاج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية، فهناك أمراض عديدة تصيب الأوعية الدموية الطرفية، والتي تبدو أن لها علاقة بنشاط الجهاز العصبي الودي ( السمبثاوي ) الزائد في نهايات الشرايين الدموية، ويعتبر مرض الرينود أحد هذه الأمراض، حيث تنقبض فيه عضلات جدر الشرايين الدقيقة انقباضا ذاتيا شديدا، مسببة آلاما مبرحة، وتهجم هذه الآلام عند التعرض للبرد، أو الضغط العصبي، ولو استمر المرض لعدة سنوات فقد يؤدي إلى فقدان الأطراف، ولعلاج هذا المرض يمنع التعرض للبرد ما أمكن، ويتحاشى التدخين، ويعطى المريض بعض الأدوية كموسعات للأوعية الدموية، كما يستأصل العصب السمبثاوي الموضعي المغذي للأطراف، ويتحاشى التعرض للضغوط العصبية والنفسية.

    ومنها أمراض الجهاز البولي..

    قاطعه علي قائلا: لقد كان الأطباء وما زالوا يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرض المسالك البولية، وخصوصا الذين يعانون من تكون الحصيات، أو الذين يعانون من فشل كلوي، فينصحون مرضاهم بالفطر، وتناول كميات كبيرة من السوائل.

    قال الطبيب: لقد ثبت خلاف ذلك، إذ ربما كان الصيام سببا في عدم تكون بعض الحصيات، وإذابة بعض الأملاح، ولم يؤثر الصيام مطلقا حتى على من يعانون من أخطر أمراض الجهاز البولي، وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر.

    وقد أجرى بعض علماء المسلمين[104] بحثا عن تأثير صيام شهر رمضان على عمل وظائف الكليتين عند الأشخاص العاديين، وعند المرضى المصابين ببعض أمراض الجهاز البولي، أو بمرض تكون الحصى الكلوي، وشملت الدراسة عشرة من مرضى الجهاز البولي، وخمسة عشر مريضا بالحصى، بالإضافة إلى عشرة أشخاص عاديين للمقارنة، وتم خلال كل من فترتي الصيام والإفطار أخذ عينات من البول، وتحليلها لمعرفة نسبة الكالسيوم، والصوديوم، والبوتاسيوم، واليوريا، والكرياتينين، والحامض البولي.

    وقد استنتج الباحثون أن الصيام لم يؤثر سلبيا على مجموعات المرضى الذين شملتهم هذه الدراسة، والذين يعانون إما من تكون الحصى في الكلية، أومن أمراض الجهاز البولي، فضلا عن التأثير المحتمل للصيام في منع تكون حصيات الكلي، عكس ما هو شائع عند الأطباء وغيرهم، إذ إن زيادة الكثافة النوعية للبول ترجع إلى زيادة إفراز البولة، التي تكون 80بالمائة من المواد المذابة في البول، والبولينا مادة غروية تنتشر فتساعد على عدم ترسب أملاح البول التي تكون حصيات المسالك البولية.

    ومن الأمراض التي يساهم الصيام في الإعانة على علاجها تجلط الدم..

    قطعه علي قائلا: لقد كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم، وانخفاض عدد ضربات القلب، وزيادة الإجهاد أثناء الصوم، يؤثر تأثيرا سلبيا على التحكم في منع تجلط الدم، وهو من أخطر الأمراض.

    قال الطبيب: لقد ثبت أن الصيام الإسلامي لا يؤثر على ذلك في المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج.

    قال علي: ما سر هذا التأثير العجيب للصيام؟

    قال الطبيب: سر ذلك يعود إلى أن الصوم يساعد الجسم على تنشيط وظائفه، فعند الصيام تقل كمية الطعام وعدد الوجبات الغذائية، مما يؤدي إلى المساعدة في تنظيم التنفس، لأن الأمعاء بما فيها من طعام قليل لن يضغط على الصدر والقلب، ومن ثم يحدث التنفس بصورة مريحة.

    وبالإضافة إلى هذا فإنه تقل عدد ضربات القلب ومرات التنفس، لأن الجسم في أثناء الصوم يكون في غير حاجة لبذل مجهود كبير، أو دفع كمية كبيرة من الدم إلى الجهاز الهضمي، وذلك للمساعدة في هضم الكميات الهائلة من الطعام كما هو الحال في الأيام الإفطار العادية.

    وبالإضافة إلى هذا، فإن الجسم أثناء الصوم يستهلك كمية أقل من الغذاء لتزويده بالطاقة الحرارية اللازمة، وهذا يعني حصول الجهاز الهضمي، وغدده على فترة من الراحة تسمح له بتجديد خلاياه وأنسجته التالفة.

    وهذا كله بالإضافة إلى تقليل العبء الواقع على الجهاز القلبي والدوراني والدم، بحيث تقل كمية الطعام المهضوم الممتص الذي يحمله الدم عبر الأوعية الدموية إلى جميع أجزاء الجسم ـ كلٌّ حسب نوعه ـ وبالطبع ينجم عن هذا قلة الفضلات الناجمة عن عمليات التمثيل الغذائي التي يسبب وجودها إرهاقاً للكليتين.

    ومن الحقائق التي توصل إليها العلماء أن الإنسان عندما يفرط في تناول الأغذية والأدوية، فإنه قد يُصاب بالتسمم بالعناصر الداخلة في تركيبها، فلذلك يحتاج إلى الصوم أياماً متتالية، بل أسابيع لطرد هذه المواد الدخيلة على الجسم.

    وتشير الدراسات الحديثة إلى أن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان في أثناء الصوم الأعضاء المصابة بالأمراض والشيخوخة، وخاصة المحتقنة، والمتقيحة، والملتهبة، إذ تكون أول الخلايا المستهلكة، وأول ما يتأكسد من أنسجة الجسم ويحترق لذلك، فإنه في الصوم يصغر حجم الخلايا التالفة، والأورام، والزوائد اللحمية، والأكياس الدهنية، والأورام الليفية.

    وقد أكدت الدراسات الطبية أن المخ أثناء الصيام يفرز مادة الفيلادين ومادة الأندوفرين اللتين تعملان على ضبط الأعصاب واستعادة توازنها، وتهدئة الإنسان دون الاستعانة بالمهدئات.

    وبالإضافة إلى هذا، فإن الصوم يضبط الساعة البيولوجية للجسم، ويُعود المعدة على مواعيد الطعام المنتظمة في الإفطار والسحور، مما يريح الجهاز الهضمي، ويعين المعدة على تجديد إفرازاتها الهاضمة، أما نسبتا السكر والكوليسترول فإن الصوم خير وسيلة لضبطهما.

    قال علي: هذا هو الركن الأول من أركان الحمية، وقد نظم له الإسلام مواقيت خاصة منها ما هو مفترض، ومنها ما هو من نوافل الخير.

    والركن الثاني هو الابتعاد عن كل مصادر الأمراض كالعدوى وما يسببها.

    وقد أمر الشرع بمكافحة الأوبئة، فلذلك نهى r المريض أن يرد الأماكن العامة، قال r:( لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا يحل الممرض على المصح، وليحل المصح حيث شاء قيل: ولم ذاك؟ قال: لأنه أذى )[105]

    وفي مقابل ذلك أمر الصحيح أن يفر من كل أسباب العدوى، فقال r:( فر من المجذوم فرارك من الأسد )[106]

    وفوق ذلك وضع ما يسمى بالحجر الصحي، وهو من أهم وسائل مقاومة انتشار الأمراض الوبائية، فقد قال r:(الطاعون بقية رجز أو عذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل، فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها )[107]

    وقال r مرغبا في عدم الفرار بهذا الجزاء العظيم:( الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، وإن الله جعله رحمة للمؤمنين، فليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد )[108]

    فهذه النصوص وغيرها تمنع من الدخول إلى البلد المصاب بالطاعون، كما تمنع أهل تلك البلدة من الخروج منها.

    لم أجد نفسي إلا وأنا أقول: إن منع السليم من الدخول إلى أرض الوباء مفهوم وواضح، ولكن منع سكان البلدة المصابة بالوباء من الخروج، وخاصة منع الأصحاء منهم يبدوا عسيراً على الفهم، فما سر ذلك؟

    قال الطبيب: لقد بين الطب الحديث بعض النواحي الصحية في هذا[109]، والتي لم يتعرف عليها إلا بالوسائل الحديثة، فالمنطق والعقل يفرض على السليم الذي يعيش في بلدة الوباء أن يفر منها إلى بلدة سليمة حتى لا يصاب هو بالوباء!!

    ولكن الطب الحديث يقول: إن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب، وكثير من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً.. فكم من شخص يحمل جراثيم المرض دون أن يبدو عليه أثر من آثار المرض.

    وهناك أيضاً فترة حضانة، وهي الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأمراض منذ دخول الميكروب إلى الجسم، وفي هذه الفترة يكون انقسام الميكروب وتكاثره على أشده ومع ذلك فلا يبدوعلى الشخص في فترة الحضانة هذه أنه يعاني من أي مرض.. ولكنه بعد فترة قد تطول أو قد تقصر على حسب نوع المرض والمكروب الذي يحمله تظهر عليه أعراض المرض الكامنة في جسمه.

    ومن المعلوم أن فترة حضانة التهاب الكبد الوبائي الفيروسي قد تطول لمدة ستة أشهر.. كما أن السل قد يبقى كامناً في الجسم لعدة سنوات.

    والشخص السليم الحامل للميكروب أو الشخص المريض الذي لا يزال في فترة الحضانة يعرض الآخرين للخطر دون أن يشعر هو أويشعر الآخرين.. لذا جاء المنع الشديد.. بل اعتبر الفار كالهارب من الزحف.

    قال علي: ومما يدخل في هذا الباب من الحمية نهيه r عن مخالطة الكلاب، بل تنبأ بما يقع فيه بعض الناس من الغرام بالكلاب، فقال:( إذا اقترب الزمان لأن يربي الرجل جرواً خير له من أن يربي ولداً له، ولا يوقر كبيراً ولا يرحم صغيراً، ويكثر أو لاد الزنى حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أمثلهم في ذلك المداهن )

    وقد نهى r عن تربية الكلاب في نصوص كثيرة، مستثنيا مواضع الحاجة، فقال r:( من اتّخذ كلباً إلا كلب ماشيةٍ أو صيدٍ أو زرعٍ أنتقص من أجره كلّ يومٍ قيراط )، وفي حديث آخر ذكر r ما هو أعظم من ذلك، فقال:( من اقتنى كلباً إلا كلب صيدٍ أو ماشيةٍ نقص من أجره كلّ يومٍ قيراطان )

    ليس هذا فقط، بل أمرنا أن نحترز من الكلاب احترازا شديدا، فقال r:( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أو لاهن بالتراب )[110]، وفي حديث آخر قال r:( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )[111]

    قال الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح[112]، فالكلب مصدر أمراض خطيرة، لعل أشهرها داء الكلب، وهومرض خمجيٌّ خطير ٌ ينجم عن الإصابة بحمةٍ راشحةٍ، هي حمة الكلَّب، هذه الحمة لها انجذاب عصبي في حال دخولها للجسم، كما أن نهاية المرض مميتةٌ في كل الأحوال.

    وتحصل الإصابة بمجرد دخول لعاب الحيوان المصاب إلى دم الإنسان سواء بعضه أو بملامسته، أو بأن توجد سحجة ٌ، أو جرح في الجلد، وفي هذه الحالة تنجذب الحمة إلى الأعصاب ،وتنتشر في كل الجملة العصبية، مؤدية إلى التهاب دماغ مميت.

    قال علي: فما سر أمره r بالغسل بالتراب؟

    قال الطبيب: إن الحمة المسببة للمرض متناهية في الصغر، وكلما قلَّ حجم الحمة ازداد خطرها، لازدياد إمكانية تعلقها بجدار الإناء، والتصاقها به، والغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء، لأن التراب يسحب اللعاب، ويسحب الفيروسات الموجودة فيه بقوةٍ أكثر من إمرارالماء، أو اليد على جدار الإناء، وذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب ) وبين التراب.

    قال علي: ومن هذا الباب أمره r بتغطية أو اني الطعام، فقال r وهو يجمع ما على المؤمن التحصن منه من الأعداء الأخفياء والظاهرين:( إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنهن يرين ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل، فإن الله عز وجل يبث في ليله من خلقه ما يشاء، وأجيفوا الأبواب واذكروا اسم الله عليها، فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه، وغطوا الجرار، وأوكئوا القرب، وأكفئوا الآنية )[113]

    القوة:

    قال الطبيب: عرفت الركن الثالث من أركان الوقاية، فما الركن الرابع؟

    قال علي: هو ما عبر الله تعالى عنه بقوله:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُواللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ((لأنفال: من الآية60)

    ففي هذه الآية إشارة إلى استعمال كل الأساليب التي تحفظ القوى التي وهبها الله للإنسان، وقد قال عمر بن الخطاب t حكمة جليلة في هذا، فقد قال:( أخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، وانتضلوا وتمعددوا واخشوشنوا، واجعلوا الرأس رأسين، وفرقوا عن المنية، ولا تلثوا بدار معجزة، وأخيفوا الحيات من قبل أن تخيفكم، وأصلحوا مثاويكم )[114]

    فعمر t يدعو إلى توفير القوة الجسدية التي ترهب جيش الهوام والأمراض والعلل.

    والقوة التي جاء بها هذا الدين ليملأ بها الروح والجسد تتمثل في جانبين: جانب القوة النفسية التي تقي صاحبها من جميع العلل النفسية ، وإلى هذا يشير قوله r لعمر t:( إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده! ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك )[115] ، فعمر t من قوة إيمانه وتقواه صار الشيطان الذي يبحث عن المؤمن ليوسوس له نافرا منه راهبا من أسلحته.

    والجانب الثاني هو تقوية أسلحة الجسم، وطاقاته التي يقاوم بها البلاء.. وإليه الإشارة بقوله تعالى:) وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ((البقرة: من الآية197)، فقد نزلت هذه الآيات آمرة بوجوب التزود في الحج لحفظ الصحة، فلا يمكن حفظ صحة الذي فرط فيما يتطلبه جسمه من غذاء.

    ولتحقيق هذا وردت النصوص الكثيرة الحاثة على التغذية السليمة [116]، والرياضة..

    قال الطبيب: الرياضة.. هل هناك دين يأمر بالرياضة؟

    قال علي: أجل.. الإسلام.. الله الذي خلق هذا الجسد يعلم حاجته إلى الرياضة، فلذلك أمرنا بها، وكما ربط الطهارة بالعبادة ربط الرياضة بها.

    قال الطبيب: وهل الإسلام ربط الرياضة بالصلاة؟

    قال علي: أجل.. وسأحدثك بعض ما اكتشفه العلماء الذين تتبعوا حركات الصلاة ودرسوا علاقتها بالصحة.

    قال الطبيب: يسرني أن أسمع ذلك.

    قال علي: إن الحركات الكثيرة التي يفعلها المصلي من رفع لليدين وركوع وسجود وجلوس وقيام وتسليم وغيره كلها حركات رياضية لها تأثيرها الكبير على الصحة[117].

    فهذه الحركات لا تختلف عن الكثير من التمارين الرياضية التي ينصح الأطباء الناس - وخاصة مرضاهم - بممارستها، ذلك لأنهم يدركون أهميتها لصحة الإنسان ويعلمون الكثير عن فوائدها.

    فهي غذاء للجسم والعقل معًا، وتمد الإنسان بالطاقة اللازمة للقيام بمختلف الأعمال، وهي وقاية وعلاج؛ وهذه الفوائد وغيرها يمكن للإنسان أن يحصل عليها لو حافظ على الصلاة، وبذلك فهو لا يحتاج إلى نصيحة الأطباء بممارسة التمارين، لأنه يمارسها فعلاً ما دامت هذه التمارين تشبه حركات الصلاة.

    فمن آثارها الصحية تحسين عمل القلب، وتوسيع الشرايين والأوردة، وإنعاش الخلايا، وتنشيط الجهاز الهضمي، ومكافحة الإمساك، وإزالة العصبية والأرق، وزيادة المناعة ضد الأمراض والالتهابات المفصلية، وتقوية العضلات وزيادة مرونة المفاصل، وإزالة التوتر والتيبس في العضلات والمفاصل، وتقوية الأوتار والأربطة وزيادة مرونتها، وتقوية سائر الجسم وتحريره من الرخاوة، واكتساب اللياقة البدنية والذهنية، وزيادة القوة والحيوية والنشاط، وإصلاح العيوب الجسمية وتشوهات القوام، والوقاية منها، وتقوية ملكة التركيز، وتقوية الحافظة، وإكساب الصفات الإرادية كالشجاعة والجرأة، وإكساب الصفات الخُلقية كالنظام والتعاون والصدق والإخلاص.. وما شابه ذلك.

    وهي تشكل للرياضيين أساسًا كبيرًا للإعداد البدني العام، وتسهم كثيرًا في عمليات التهيئة البدنية والنفسية للاعبين ليتقبلوا المزيد من الجهد خصوصًا قبل خوض المباريات والمنافسات.

    والصلاة وسيلة تعويضية لما يسببه العمل المهني من عيوب قوامية وتعب بدني، كما أنها تساعد على النمو المتزن لجميع أجزاء الجسم، ووسيلة للراحة الإيجابية والمحافظة على الصحة.

    وهي تؤمِّن لمفاصل الجسم كافة، صغيرها وكبيرها، حركة انسيابية سهلة من دون إجهاد، وتؤمِّن معها إدامة أدائها السليم مع بناء قدرتها على تحمل الضغط العضلي اليومي.

    وفي حركات الصلاة إدامة للأوعية الدموية المغذية لنسيج الدماغ مما يمكنه من إنجاز وظائفه بشكل متكامل عندما يبلغ الإنسان سن الشيخوخة.

    والصلاة تساعد الإنسان على التأقلم مع الحركات الفجائية التي قد يتعرض لها كما يحدث عندما يقف فجأة بعد جلوس طويل مما يؤدي في بعض الأحيان إلى انخفاض الضغط، وأحيانًا إلى الإغماء.. فالمداومون على الصلاة قلما يشتكون من هذه الحالة. وكذلك قلما يشتكي المصلون من نوبات الغثيان أو الدوار.

    والصلاة عامل مقوٍ، ومهدئ للأعصاب، وتجعل لدى المصلي مقدرة على التحكم والسيطرة على انفعالاته ومواجهة المواقف الصعبة بواقعية وهدوء، وهي أيضًا حافز على بلوغ الأهداف بصبر وثبات.

    وهذه الفوائد لجميع فئات الناس: رجالاً ونساء، شيوخًا وشبابًا وأطفالاً، وهي فوائد عاجلة للمصلي تعود على نفسه وبدنه، فضلاً عن تلك المنافع والأجر العظيم الذي وعده الله به في الآخرة.

    قال الطبيب: هذه فوائد عظيمة.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ الدواء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 18:29

    قال علي: وفوق ذلك، فقد أجريت دراسة علمية على قوله r:( علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين )[118]

    قال الطبيب: فماذا وجدت[119]؟

    قال: لقد توصلت ـ انطلاقا منها ـ إلى نظرية جديدة عن صحة الظهر انطلاقا من ذلك الحديث.

    لقد اكتشفت أنه إذا بدأ الإنسان في تليين أسفل ظهره في سن مبكرة، واستمر في هذا التمرين وحافظ عليه أثناء الكبر فإن فرصته في الإصابة بالآلام الشديدة والانزلاقات الغضروفية في أسفل الظهر ستتقلص بشكل كبير.

    قال الطبيب: أهذا صحيح؟ وكيف توصلت إل هذا؟

    قال: آلام أسفل الظهر من المشاكل الشائعة في البالغين، وغالبًا ما تظهر بسبب فقدان الليونة من الرباط الطولي الخلفي في الظهر، وكذلك النسيج الليفي الذي يشكل الطبقات الخارجية من القرص الغضروفي، وعندما تفقد هذه الأنسجة القدرة على التمغط، فإنها تتمزق عند حصول حركة خاطئة تساعد على تهتكها.. والحركة التي تضع ضغطًا على هذه الأنسجة هي ثني الظهر للأمام والركب مفردة.

    وهذا التمزق نادر جدًا في الأطفال لأن أنسجتهم مرنة وتتمغط عند الانحناء.

    وقد قادني هذا إلى فرضية تنص على أنه لو حافظنا على ميزة مرونة الرباط والغضاريف الموجودة في الأطفال، فهل سيقلل هذا من نسبة الإصابة بآلام أسفل الظهر والانزلاقات الغضروفية في الكبار، أم لا؟

    قال الطبيب: فما عملت لإثبات هذه الفرضية؟

    قال علي: لإثبات مدى صحة هذا أُجريت بحثا ميدانيا على 188 من البالغين، وقد تم سؤالهم إذا كانوا يشتكون من آلام أسفل الظهر أو عرق النسا، وعن شدة الألم إن وجد، ثم سئلوا عن صلاتهم متى انتظموا فيها، ولم يقطعوها؟

    قال الطبيب: فما كانت نتيجة ذلك؟

    قال علي: لقد أثبتت النتائج بشكل قاطع وملحوظ صحة هذه الفرضية واكتسب الطب هذه النظرية حيث أن 2،6 بالمائة فقط ممن يصلون قبل سن العاشرة قد عانوا من آلام قوية أسفل الظهر، بينما 70 بالمائة ممن لا يصلون إطلاقاً يعانون من آلام قوية والتفاصيل.

    قال الطبيب: وهل قبلت هذه النظرية؟

    قال علي: أجل.. لقد قبلت هذه الدراسة ونوقشت في المؤتمر القطري العالمي الثاني للأطفال في الدوحة في إبريل سنة 2000م وفي المؤتمر الدولي السادس لجراحة الظهر، والذي عقد في أنقرة من الرابع إلى السادس من سبتمبر عام 2002م، وذلك بإشراف نخبة من أطباء الظهر العالميين، كما نشرت في مجلة الظهر الأوروبية.

    قال الطبيب: فما هو التفسير العملي الذي أعطيته لذلك؟

    قال علي: يتمتع الأطفال بلياقة كبيرة مقارنة بالبالغين، وسبب هذه اللياقة هو أن أنسجتهم مرنة، وإذا ما حافظنا على هذه الخاصية من الطفولة، فإنه من المنطقي أن تظل هذه الأنسجة مرنة، فتقاوم الحركات الشديدة، أما إذا أهملت أو بمعنى أصح إذا حرمت من التمرين المستمر، فإنها ستتيبس عند الكبر، فإذا تعرضت لشد قوي بسبب حركات شديدة، فإنها قد تتمزق، وهذا يسبب آلامًا مبرحة.

    فإذا بدأ الأولاد بالركوع مرات عديدة كل يوم ابتداءً من سن السابعة وعلى الأكثر سن العاشرة، فإن الأربطة الطولية خلف الفقرات وألياف الغضروف الخلفية تحافظ على ليونتها فيصعب تمزقها في الكبر، ويبقى الغضروف آمنًا بين الفقرات، وهكذا تتقلص مشكلة صعبة تعاني منها فئة كبيرة من الناس.

    قال الطبيب: بورك لك ثقتك في نبيك.. فقد نفعتك كثيرا.

    قال علي: قال: ليس هذا فحسب، فإن في دعوته r إلى صلاة الجماعة في المسجد، وبيانه أن في كثرة الخطا إلى المساجد الأجر الكبير، وأنه كلما كانت المسافة التي يقطعها المصلي أبعد كلما كان الأجر الذي يناله من الله أعظم، كما قال r:( إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم.. والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام )[120] فوائد صحية جليلة[121].

    قال الطبيب: كيف ذلك؟

    قال علي: لما كانت آلة الذهاب إلى المسجد هي المشي على القدمين، فإن كل مسلم مأمور أن يذهب إلى المسجد في كل يوم خمسة مرات، فكل مسلم يستغرق ذهابه إلى المسجد والعودة منه على أقل تقدير خمسة دقائق، فبعملية حسابية بسيطة نجد أن كل مسلم يمشي كل يوم ما لا يقل عن 25 دقيقة كأقل تقدير.

    وقد جاءت الأبحاث العلمية بنتائج ودراسات تبين فوائد المشي الصحية، وأصبح الأطباء يدعون الناس إلى المشي كل يوم نصف ساعة للمحافظة على صحة الجسم.

    فقد نص باحثون في جامعة إلينوي الأميركية على أن التمارين المعتدلة البسيطة مثل المشي نصف ساعة يوميا، يساعد في تقليل ضغط الدم الشرياني إلى حدوده الطبيعية، وخاصة عند الأميركيين الأفارقة.

    وأكد الباحثون أنه ليس بالضرورة أن تكون التمارين قاسية وعنيفة لتحقيق الفوائد الصحية، بل يكفي ممارسة رياضة معتدلة للمحافظة على سلامة الجسم والتخلص من ارتفاع الضغط، وأشاروا إلى أن 40 مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من ارتفاع ضغط الدم الشرياني التي تزيد قراءاته الانقباضي والانبساطي عن 140/90 مليمتر زئبق، 40 بالمائة منهم من الأميركيين الأفارقة.

    وقام الباحثون في الدراسة التي استمرت ستة أشهر بمتابعة 40 شخصا من الأميركيين الأفارقة المصابين بارتفاع ضغط الدم تراوحت أعمارهم بين 35 و59 عاما، إذ أعطوهم مقياسا لمسافة السير عند مشيهم ثلاثين دقيقة أو 1.5 ميل يوميا إضافة إلى نشاطاتهم العادية، أي ما يصل إلى 10 آلاف خطوة أو ما بين 3.5 و4 أميال يوميا.

    وينصح الأطباء هؤلاء المرضى بالمشي والحركة في حياتهم العادية كاستخدام الدرج بدلا من المصاعد الكهربائية، ووقف السيارات في أماكن بعيدة عن العمل والمنزل، وتقليل الملح في غذائهم، وحذروا من أن ترك هذه الحالة دون علاج قد يؤدي إلى الإصابة بمشكلات في البصر وأمراض القلب والسكتات وقصور الكلى.

    وكانت دراسة سابقة عن آثار المشي في ضغط الدم العالي أجريت على 15 سيدة في سن اليأس، وأوضحت الدراسة أن السيدات اللاتي مشين مسافة ثلاثة كيلومترات أو حوالي 1.9 ميلا يوميا، أظهرن انخفاضا في قراءات ضغط الدم الانقباضي بحوالي 11 نقطة بعد مرور 24 أسبوعا، كما أن المشي يقليل نسبة الدهون، فالمشي لمسافة ميل يساعد على حرق 60 سعرة حرارية، وإذا ما زاد الإنسان سرعته وخطوته أثناء المشي بمعدل 25 ميل خلال 30 دقيقة، فإن الجسم سوف يحرق 200 سعرة حرارية[122].

    ليس ذلك فقط، بل اكتشف العلماء أن المشي يفيد في تحسين أداء القلب والمحافظة على صحته وخفض الكولسترول وخفض ضغط الدم وتحسين التمثيل الغذائي والاستفادة من العناصر الغذائية، إذ تشير الدراسات إلى أن معدل التمثيل الغذائي يكون بطيئا لدى الإنسان البدين الذي لا يمارس الحركة، بينما التمثيل الغذائي يكون سريعاً لدى من يمارس الحركة أو الرياضة ويقوي العظام ويحافظ على صحة المفاصل ويقوي العضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي، إذ أن الرياضة بشكل عام تساعد على إفراز هرمون الإندروفين الذي يمنح الإنسان الشعور بالراحة والسعادة.

    ورياضة المشي بذلك تخفف من حدة التوتر والشعور بالاضطرابات الناجمة عن ضغوط الحياة اليومية التي لا تنتهي، وعن طريق مزاولة الأنشطة الرياضية بما في ذلك رياضة المشي يحصل الإنسان على مفهوم الذات من الناحية الايجابية حيث يشعر بالسعادة والسرور والنظرة المتفائلة عن شخصيته وذاته.

    وقد اكتشف العلماء أن المشي من أقل التمارين الرياضية ضرراً على المفاصل، والأقل في احتمالات الإصابة خلال التمارين.

    فالمشي من التمارين التي يحرق فيها الأكسجين (أيروبك)، وهو بالتالي يفيد القلب والرئتين ويحسن من الدورة الدموية.

    كما أن المشي من الرياضات المتوسطة الإجهاد التي تساعد الناس على المحافظة على لياقتهم ورشاقتهم بحرق الطاقة الزائدة، ويقوي العضلات والجهاز الدوري ويحسن من استخدام الأكسجين والطاقة في الجسم.

    ولذلك يقلل من المخاطر المرتبطة بالسمنة والسكري وسرطان الثدي وسرطان القولون وأمراض القلب.

    كما يعتبر المشي مشابهاً لتمارين حمل الأثقال، فالمشي بقامة مستقيمة متزنة يقوي العضلات في الأرجل والبطن والظهر، ويقوي العظام ويقلل من إصابتها بالهشاشة.

    ويفيد المشي في التخلص من الضغوط النفسية والقلق والإجهاد اليومي، ويحسن من الوضع النفسي ومن تجاوب الجهاز العصبي، وهذا ناتج من المركبات التي يفرزها الجسم خلال المشي.

    ويساعد المشي على التخلص من الوزن الزائد، وهذا بالطبع يعتمد على مدة المشي وسرعته (مقدار الجهد المبذول). فالشخص الذي يمشي بمعدل 4 كم/ ساعة يحرق ما بين 200 – 250 سعراً حرارياً في الساعة (22 – 28 جرام من الدهون)

    وأكدت مقالة نشرت في مجلة B.M.T الشهيرة أنه للوقاية من مرض شرايين القلب والجلطة القلبية يجب على الإنسان أن يمارس نوعا من أنواع الرياضة البدنية كالمشي السريع، أو الجري، أو السباحة لمدة 20 - 30 دقيقة مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل.

    قال الطبيب: إن كل ما تقوله صحيح.. وقد وفر لكم دينكم ما يجعلكم تمارسون هذا المشي الصحي.. وقد نصحكم بذلك غاية النصح.

    قال علي: ليس هذا فقط، بل سن لنا النبي r الكثير من الرياضات، ولعل أهمها رياضة المسابقة، فقد كان r بنفسه يسابق أصحابه كما سابق زوجه عائشة فعنها قالت: خرجنا مع رسول الله r في سفر فنزلنا منزل فقال لها: تعالي حتى أُسابقك قالت: فسابقته فسبقته، وخرجت معه بعد ذلك في سفر آخر فنزلنا منزل فقال: تعالي حتى أسابقك قالت: فسبقني، فضرب بين كتفي وقال: هذه بتيك )[123]

    وفي هذا دليل على دعوة المرأة لتستن بسنة عائشة في ممارسة الرياضة.

    وقد كان r يشجع الصحابة y على مثل هذه المسابقات، فعندما قفل الرسول r وأصحابه من غزوة تبوك قالت الانصار: السباق. فقال النبي r:( إن شئتم )[124]

    وفي حديث سلمة بن الأكوع t في قصة رجوعهم أنه قال:( وكان رجل من الأنصار لا يُسبق شداً قال: فجعل يقول: ألا مُسابق إلى المدينة، هل من مسابق؟ فجعل يُعيد ذلك، قال: فلما سمعت كلامه قلتُ: أما تكرمُ كريماً ولا تهاب شريفاً. قال: لا، إلا أن يكون رسول الله r قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأُمي ذرني فلأُسابق الرجل، قال: إن شئت، قال: قلت: اذهب إليك وثنيتُ رجلي فطفرت فعدوت.. فسبقته إلى المدينة )[125]

    بل كان r ينظم مثل هذه المسابقات بين الأطفال فعن عبدالله بن الحارث t قال:( كان رسول الله r يصفُ عبدالله وعبيدالله وكثيرا من بني العباس، ثمَّ يقول: من سبق إليّ فله كذا وكذا، قال: فيتسابقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمُهُم )[126]

    وهكذا كان الصحابة y لا يشغلهم ما هم فيه من شؤون الجد من إجراء مثل هذه المسابقات، ويروى من ذلك أن عبد الله بن الزبير t قال: سابقني عمر بن الخطاب t فسبقته فقلت: سبقتك ورب الكعبة، ثم سبقني فقال: وسبقتك ورب الكعبة )[127]

    3 ـ العلاج المبارك

    سرنا إلى القاعة الثالثة، وهي القاعة المخصصة للعلاج المبارك، قال الطبيب: ما مرادكم بالعلاج المبارك؟

    قال علي: نحن نؤمن بأن بينا محمد r هو الرحمة المهداة، وهو المعصوم الذي لا ينطق عن هوى، وهو الناصح الذي لا يمكن أن يغشنا في نصيحته.

    قال الطبيب: أعلم ذلك.. ولكن ما علاقته بهذا؟

    قال علي: لقد ورد في النصوص المقدسة ذكر لوصفات علاجية شاملة أو خاصة، ونحن نسميها العلاج المبارك باعتبارها أتت من المصادر المباركة، بالإضافة إلى أنها خير محض لا شك فيه.

    قال الطبيب: أخاف عليكم أن تقوا في الخرافة بسبب هذا.

    قال علي: تمهل علينا.. فلا ينبغي أن تحكم على شيء قبل أن تعرف سره.

    قال الطبيب: فما سره؟

    قال علي: سأذكر لك ثلاثة أدوية منها هي أصول الأدوية، لنرى مدى قربها من الخرافة، ومدى بعدها عنها، أما الباقي، فإن شئت أن تعرف أنباءها، فابق معنا في هذا المستشفى، فنحن نجري بحوثنا عليها [128]

    قال الطبيب: لقد ألزمتني الحجة، فاذكر ما ورد في دينك.. وسأورد لك ما تقول المخابر، وسأكون صريحا في كل ما أذكره لك.

    العسل:

    قال علي: سأبدأ بالقرآن.. فقد وصف وصفة قال فيها:﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل:68،67)

    فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أنه يخرج من بطون النحل شراب مختلف ألوانه..

    قاطعه عالم الغذاء، وقال: صدق قرآنكم، فمن المتعارف عليه أن للعسل أربعة ألوان وقد أثبت العلم أن اختلاف كل من تركيب التربة والمراعي التي يسلكها النحل يؤثر تأثيراً كبيراً في لون العسل، فالعسل الناتج من رحيق أزهار القطن ـ مثلاًـ يكون قاتماً، بخلاف عسل أزهار البرسيم الذي يكون فاتح اللون، وعسل شجر التفاح ذي اللون الأصفر الباهت، وعسل التوت الأسود ذي اللون الأبيض كالماء، وعسل أزهار النعناع العطري ذي اللون العنبري، وغير ذلك.

    قال علي: وقد ذكرت الآية الكريمة أن في العسل شفاء للناس.

    قال الطبيب: صدق قرآنكم.. فقد توفر للعسل من الخصائص ما لم يتوفر لأي داوء آخر:

    فمن خواصه أنه وسط غير صالح لنمو البكتيريات الجرثومية والفطريات.. لذلك فهو قاتل للجراثيم، مبيد لها أينما وجد..على عكس ما شاع في الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة من أن العسل ينقل الجراثيم، كما ينقلها الحليب بالتلوث.

    ولقد قام طبيب الجراثيم ( ساكيت ) باختبار أثر العسل على الجراثيم، بالتجربة العلمية.. فزرع جراثيم مختلفة الأمراض في العسل الصافي، وأخذ يترقب النتائج، وكانت دهشته عظيمة عندما رأى أن أنواعاً من هذه الجراثيم قد ماتت خلال بضع ساعات، في حين أن أشدها قوة لم تستطع البقاء حية خلال بضعة أيام.

    لقد ماتت طفيليات الزحار ( الديزيتريا) بعد عشر ساعات من زرعها في العسل، وماتت جراثيم حمى الأمعاء ( التيفوئيد ) بعد أربع وعشرين ساعة، أما جراثيم الالتهاب الرئوي، فقد ماتت في اليوم الرابع، وهكذا لم تجد الجراثيم في العسل إلا قاتلاً ومبيداً لها.

    ثم إن العسل الذي يتألف بصورة رئيسة من سكر العنب يمكن استعماله في كل الاستطبابات المبنية على الخواص العلاجية لهذا النوع من السكر، كأمراض الدورة الدموية، وزيادة التوتر والنزيف المعوي، وقروح المعدة، وبعض أمراض المعي في الأطفال، وأمراض معدية مختلفة مثل التيفوس والحمى القرمزية والحصبة وغيرها.. بالإضافة إلى أنه علاج ناجح للتسمم بأنواعه.

    ويحتوي العسل على عامل فعال جداً له تأثير كبير على الخضاب الدموي ( الهيموغلوبين)، وقد جرت دراسات حول هذا الأمر في بعض المصحات السويسرية أكدت التأثير الفعال على خضاب الدم حيث ازدادت قوام الخضاب في الدم من 57 بالمائة إلى 80 بالمائةفي الأسبوع الأول أي بعد أسبوع واحد من المعالجة بالعسل، كما لوحظت زيادة في وزن الأطفال الذين يتناولون العسل الزيادة في الأطفال الذين لا يعطون عسلاًَ.

    وقد ثبت لدكتور ( كرينتسكي ) أن العسل يسرع في شفاء الجروح.. وعلل ذلك المادة التي تنشط نمو الخلايا وانقسامها ( الطبيعي )، وهو الأمر الذي يسرع في شفاء الجروح.

    وقد دلت الإحصائيات التي أجريت في عام 1946 على نجاعة العسل في شفاء الجروح، ذلك أن الدكتور: ( س. سميرنوف) الأستاذ في معهد تومسك الطبي استعمل العسل في علاج الجروح المتسببة عن الإصابة بالرصاص في 75 حالة، فتوصل إلى أن العسل ينشط نمو الأنسجة لدى الجرحى الذين لا تلتئم جروحهم إلا ببطء.

    وفي ألمانيا يعالج الدكتور ( كرونيتز ) وغيره آلاف الجروح بالعسل وبنجاح، مع عدم الاهتمام بتطهير مسبق، والجروح المعالجة بهذه الطريقة تمتاز بغزارة افرازاتها إذ ينطرح منها القيح والجراثيم.

    وينصح الدكتور (بولمان) باستعمال العسل كمضاد جراحي للجروح المفتوحة.. ويعرب عن رضاه التام عن النتائج الطيبة التي توصل إليها في هذا الصدد لأنه لم تحدث التصاقات أو تمزيق أنسجة أو أي تأثير عام ضار..

    بالإضافة إلى هذا كله، فقد استعمل العسل لمعالجة أمراض الجزء العلوي من جهاز التنفس، ولا سيما ـ التهاب الغشاء المخاطي وتقشره، وكذلك تقشر الحبال الصوتية.

    وتتم المعالجة باستنشاق محلول العسل بالماء الدافئ بنسبة 10 بالمائةخلال 5 دقائق.

    و قد بين الدكتور ( كيزلستين ) أنه من بين 20 حالة عولجت باستنشاق محلول العسل فشلت حالتان فقط في حين أن الطرق العلاجية الأخرى فشلت فيها جميعاً، وهي نسبة عالية في النجاح.

    والعسل..

    قاطعه علي، وقال: رويدك.. فلو ظللنا مع العسل، فلن نخرج من هنا.

    قال الطبيب: صدقت.. وقد نصحكم قرآنكم غاية النصح.

    قال علي: ولهذا نرى النبي r يصف العسل علاجا مستنبطا لذلك من القرآن الكريم ، فعن أبي سعيد الخدري t أنه ذكر أن رجلاً جاء إلى رسول اللّه r فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال r:( اسقه عسلاً )، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه، سقيته عسلاً، فما زاده استطلاقاً، قال:( اذهب فاسقه عسلاً )، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه ما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول اللّه r:( صدق اللّه وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً )، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ[129].

    وقد قال النبي r مازجا بين القرآن الكريم والعسل، مشرفا العسل بذلك:( عليكم بالشفاءين العسل والقرآن )[130]

    قال علي: بهذه المناسبة، فإن نفرا من قومنا ينكرون الكثير من هذا، ويعتبرونه من المبالغة.

    قال الطبيب: لقد قصروا كثيرا.. فالعسل كقرآنكم لا تفنى عجائبه.. فالبحوث الحديثة لا تزال تجد كل يوم جديدا في العسل.. وكمثال على التطورات المتعلقة باستعمال العسل كمضاد حيوي أنه في سنه 1937 أظهر دولد في بحثه مفعول العسل كمضاد حيوي على سبعة عشر نوعا من مختلف الميكروبات.. وفي سنه 1944 ناقش بلاكي محتويات العسل التي قد يكون لها مفعول المضاد الحيوي.. وفي سنه 1956 استخلص فوجل مكونات العسل، بواسطة عدة مذيبات وتوصل إلى إن المواد القاتلة للميكروبات فيه موجودة في المواد القابلة للذوبان في الأثير.. وفي سنه 1958 وجدت الدراسات أن المضاد الحيوي في العسل ليس في الخمائر الموجودة فيه، وفي سنة 1958 أيضا وجد ورنك أن العسل المخفف له نفس المفعول كمضاد حيوي وانه قد يكون ذلك بسبب خميرة الانفرتيز بالعسل... وفي سنه 1960 قال ستومغاري أن تلك المادة في العسل غير معروفة وناقش كل من ستنسون سنة 1960 وجوناشن سنة 1963 المادة القاتلة للميكروبات بالعسل، وافترضوا أن تكون في حامض الجليكونيك أو في فوق اكسيد الهيدروجين.. وفي سنه1970- وجد كافاناج في دراسة على مريضة عملت لها عمليات استئصال الرحم أن استعمال العسل موضعيا على الجرح يجعله خاليا من الميكروبات بين 3 إلي 6 أيام فقط، وان الالتئام يحدث بعد أسبوعين في المتوسط.

    وهكذا لا زلنا نتيه في بحار الشفاء التي وضعها الله في صيدلية العسل.

    الحجامة:

    قال علي: ومن الأدوية المباركة التي نصحنا بها نبينا وطبيبنا الحجامة، فقد قال فيها رسول الله r:( إذا كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو كية نار، غير أني لا أحب أن أكتوي بالنار )[131]

    وفي حديث آخر:( إذا كان في شيء من أدويتكم خير ففي حجامة أو شربة عسل أو لدغة بنار توافق الداء، غير أني لا أحب أن أكتوي بالنار)[132]

    وقال:( خير ما تداويتم به الحجامة )[133]

    قال الطبيب: لقد نصحكم نبيكم غاية النصح.. ولا أكتمك بأن قومنا كانوا في قرارة أنفسهم، بل وأمام الملأ يسخرون من حجامة المسلمين، لكنهم لما جربوها وطبقوها بطريقتها الصحيحة وجدوا فيها ما ذكره نبيكم [134].

    ولكي نفهم الدور الصحي الذي تقوم به الحجامة لابد أن نعرف أن الإنسان به دورة دموية شريانية ودورة وريدية ودورة ليمفاوية، ووظيفة الدورة الليمفاوية هي تصريف نواتج تكسير الخلايا وعندما يحدث بها سدد يبدأ ظهور المرض.

    فالحجامة تقوم بتسليك السدد في الدورة الليمفاوية، وتبدأ الدورة الوريدية حركتها وتتصرف خلال ذلك الأخلاط المتراكمة فيزول المرض ويُشفى منه الإنسان.

    قال علي: لقد ورد في الحديث أن رسول الله r كان يحتجم ثلاثاً، واحدة على كاهله والثانية على الأخدعين )[135]

    قال الطبيب: لقد عرف نبيكم كيف يختار موضع الحجامة بدقة، فالكاهل هو الجزء الذي بين الكتفين، والأخدعان هما عرقان على جانبي العنق، والأخدعين هو شعبة من الوريد واء الأذنين، وهذه المواضع هي التي ابتدأ بها الـ Fask في ألمانيا والـ Cuppingفي أمريكا.

    قال علي: فما سر كل هذا الأثر الصحي الذي تحدثه الحجامة؟

    قال الطبيب: لقد اختلفت المدارس الطبية في تفسير نوع تأثير الحجامة، وهناك ـ كما يذكر الباحثون ـ ثلاث نظريات لتفسير ما يحدث أثناء الحجامة وكيفية الشفاء التي تحدثه هذه العملية ولكل نظرية تفسيرها الخاص بها ودراسات عميقة عليها:

    نظرية الارتواء الدموي: وهي تعتمد على مبدأ الدم المحجوم.. فعندما حلّل هذا الدم، وجد فيه الكثير من الشوارد الضارة، ووجد أن جميع خلايا الدم الحمراء التي كانت في الدم المحجوم هرمة وغير طبيعية الشكل، ونسبة الهيموجلوبين كانت أقل من الدم الوريدي بنسبة الثلث إلى العشر وعليه فَإن دم الجسم قد تخلص من جزء كبير من هذه السموم التي كانت عالقة به ليصبح أداؤه في حمل الأوكسجين أكبر وكذلك توزيع الغذاء فيه أكفأ.

    فعملية إزالة الدم المحتقن من موضع الحجامة أو ما يسمى بالفاسد مجازا ( علما انه لا يوجد دم فاسد داخل الجسم بصورة فعلية )، يعطي الجسم المقدرة على تقوية الأعضاء الداخلية المعتلة بمدها بالغذاء وأسباب الحياة، وبذلك يعود نشاط هذه الأعضاء إلى طبيعتها وتصبح أقدر على مقاومة المرض.

    فالدم كالنهر الجاري إذا نظف ماؤه وأزيل ما فيه من شوائب دبت فيه الحياة وعاد إلى نقائه من جديد.

    وأكثر من بحث في هذا المجال لهذه النظرية هو العالم الياباني (kukrecia) بعد أن ركز أبحاثه على الحجامة استنتج أن الشوائب في الدم هي السبب في إصابتنا بالأمراض المختلفة.

    وقد قام فريق طبي سوري بعمل دراسة مخبريه وسريرية في عام 2000م على 330شخصاً وكذلك في عام 2001م على 300حالة فتلخصت معظم النتائج في:

    اعتدال الضغط والنبض إذ أصبح طبيعياً بعد الحجامة في كل الحالات ففي حالات ارتفاع الضغط انخفض الضغط إلى الحدود الطبيعية وفي حالة انخفاض الضغط ارتفع إلى الحدود الطبيعية.

    وارتفاع عدد الكريات البيض في 60% من الحالات وضمن الحدود الطبيعية.

    وانخفضت نسبة السكر في الدم عند 83.75% من الحالات وباقي الحالات بقيت ضمن الحدود الطبيعية.

    وانخفضت نسبة السكر في الدم عند الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري في 92.5% من الحالات.

    وانخفضت كمية الكرياتينين في الدم عند 66.66% من الحالات.

    وارتفاع كمية الكرياتينين في دم الحجامة في كل الحالات.أي أن الدم المحجوم كان فيه الكثير من الشوارد0

    وانخفضت كمية الكرياتينين في الدم عند المصابين بارتفاعه بنسبة 78.57% من الحالات.

    وانخفضت كمية حمض البول في الدم في 66.66% من الحالات.

    وانخفضت كمية حمض البول في الدم عند المصابين بارتفاعه بنسبة 73.68% من الحالات.

    وانخفضت نسبة الكوليسترول بالدم في 81.9% من الحالات.

    وانخفضت نسبة الشحوم الثلاثية عند المصابين بارتفاعها بنسبة 75% من الحالات.

    وكان تعداد الكريات البيض في دم الحجامة أقل من عشر كميته في الدم الوريدي، وهذا يدل على أن الحجامة تحافظ على عناصر المناعة في الجسم.

    وكانت أشكال الكريات الحمر في دم الحجامة من منطقة الكاهل كلها شاذة وغير طبيعية.

    وارتفاع مستوى الحديد وضمن الحدود الطبيعية في 66% من الحالات بعد عملية الحجامة.

    والسعة الرابطة للحديد في دم الحجامة مرتفعة جداً إذ تراوحت ما بين 422- 1057بينما هي في الدم الوريدي ما بين 250- 400، وهذا يدل على أن هنالك آلية تمنع خروج الحديد من شقوق الحجامة وتبقيه داخل الجسم ليساهم في بناء خلايا جديدة.

    ومنها نظرية رد الفعل الانعكاسي: وتقوم هذه النظرية على الربط بين موضع الحجامة على الجلد والعضو المراد حثه على الشفاء، وهذه النظرية تعزى إلى تطور الجنين من طبقاته المختلفة؛ حيث نجد الربط بين خلق الجلد من طبقة والعضو المراد علاجه من هذه الطبقة نفسها، بعملية رد فعل تسمى (رد الفعل الانعكاسي).

    و في تفسير آخر لهذه النظرية: أن المنطقة المحجمة لها تأثير غير مباشر على الأعضاء التي يغذيها العصب نفسه الذي يعطي الإحساس لتلك المنطقة من الجلد، أو المشترك في الجملة العصبية نفسها، ومثال ذلك أن الحجامة على الكاهل تشفي ألم المعدة والمرارة والحجامة على أسفل الظهر للشفاء من عرق النسا.

    والحجامة وسيلة من وسائل علاج الألم القائمة على القاعدة التي يطبِّقها كلٌّ منا تلقائياً عندما يشعر بألم (حكة) في أي جزء من جلده فإنه يقوم بتدليك (هرش) المكان فلا يشعر بالألم بعد ذلك.

    وتعليل ذلك يقوم على النظرية العلمية للعالم الفيزيولوجي (بافلوف) والتي تسمى (التثبيط الواقعي للجهاز العصبي)، فعندما يصل التنبيه إلى المخ عن طريق الأعصاب فإن المخ يترجم هذا التنبيه حسب مصدره ونوعه، أي يحدد نوع التنبيه، ألماً كان أو لمساً، حرارة أو برودة، ولكن إذا وصل عدد التنبيهات التي تصل إلى المخ في وقت واحد إلى عدد كبير، فإن المخ لا يستطيع التمييز بينها، فيلغي الشعور من المنطقة التي زاد فيها عدد التنبيهات. وفي حالة الحجامة تخرج التنبيهات من نهاية الأعصاب في المنطقة المحجمة بأعداد كبيرة فيقوم المخ بإلغاء الشعور من المنطقة ويزول الألم.

    وهذه النظرية مطبقه على كثير من أجهزة العلاج الطبيعي، وأول من نشرها وأجرى البحوث عليها العالم( ملزاك) مع أن التسمية تختلف إذ يثبت ملزاك أن ذلك يتم على مستوى النخاع ألشوكي فيما يعرف بنظرية (بوابة الألم)

    الحبة السوداء:

    قال علي: ومن الأدوية التي ورد في نصوصنا المقدسة بركتها الحبة السوداء، فقد أخبر r عن بركات الشفاء التي أودعها الله فيها، فقال r: ( إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام )[136].. وفي حديث آخر يأمر r بالاستشفاء بها، فيقول:( عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السأم )[137]

    وقد وردت أحاديث أخرى بصيغ أخرى تؤكد هذا، فقد قال r:( الشونيز[138] دواء من كل داء إلا الموت )[139]، وقال r:( الشونيز دواء من كل داء إلا السام )[140]

    قال الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح.. فقد تم نشر عشرات البحوث مؤخرًا في الدوريات العلمية المختلفة عن فوائد استخدام هذه الحبة.. وهي تؤكد جميعا الفوائد العديدة التي وصفتها النصوص.

    ومعظم هذه الأبحاث يأتي من أوروبا وتحديدًا النمسا وألمانيا، والتي تأتي في مقدمة الدول الداعية لإحياء طب الأعشاب كطب بديل.

    وانطلاقا من هذا ظهرت مستحضرات طبية متنوعة بين أقراص وكبسولات وأشربة وزيوت في العديد من الدول الأوربية، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بلدان العالم العربي والإسلامي.

    قال علي: فهل تعتبر هذه الدراسات كافية في الوصول إلى المنافع التي وضعها الله في هذه الحبة المباركة؟

    قال الطبيب: لا.. إنها قاصرة جدا.. فمعظم ما تم من دراسات كانت دراسات بدائية أجريت على الفئران، وكانت نتائجها مشجعة[141]، ولكن يقتضي الأمر إجراء المزيد من الدراسات لتوثيق النتائج واستخلاص التوصيات.

    قال علي: فاذكر لي بعض هذه التجارب.

    قال الطبيب: سأذكر لك أربعة أنواع من التجارب، أما إحداها، فبمسحوقها، وأما الثانية، فبخلاصتها المائية، وأما الثالثة، فبخلاصتها الكحولية، وأما الرابعة فبزيتها الطيار.

    قال علي: فحدثيني عن النوع الأول.

    قال الطبيب: لقد كشفت بعض البحوث أن معالجة الإنسان أو الجرذان بمسحوقي أدت الى زيادة عدد ونشاط بعض خلايا المناعة مثل خلايا T الليمفاوية القاتلة وتنشيط الخلايات المبلغمة في التقام الجراثيم، كما أوضحت البحوث قدرة هذه الحبوب على زيادة افراز ادرار اللبن في الأغنام.

    قال علي: والنوع الثاني؟

    قال الطبيب: لقد كشفت الدراسات التجريبية عن قدرة الخلاصات المائية لحبة البركة على تنشيط افراز بعض عوامل تنشيط المناعة من الخلايا اللمفاوية مثل مادتي انترليوكين1، وانترليوكين 3، وإلى تنشيط بلغمه الجراثيم، وكذلك إضعاف إفراز السوائل المعدية الحمضية، ومنع حدوث القرح المعدية التجريبية المحدثة بمادة الاسبرين في الجرذان.. بالإضافة إلى علاج بعض أمراض الديدان المعوية في الأغنام والديدان الشريطية في الاطفال.

    قال علي: والنوع الثالث؟

    قال الطبيب: لقد كشفت الدراسات التجريبية أن للخلاصات الكحولية للحبة السوداء عدة تأثيرات، مثل الفتك بالعديد من الجراثيم مثل الاشريكية القولونية والزائفة الزنجارية وبعض الفطريات مثل الرشاشية.. بل إبادة بعض الخلايا السرطانية وإرخاء عضلات الأمعاء وكبح التقلصات والآلام التجريبية المحدثة ببعض الكيماويات.. وعلاج بعض المصابين ببعض الديدان المعوية مثل الدودة الشريطية والصفرا الخراطيني.. وتثبيط الالتهابات والآلام ومنع تسوس الأسنان ومنع انخفاض مستوى الهيموغلوبين، وعدد كريات الدم البيضاء المحدث ببعض العقاقير المضادة للسرطان مثل عقار سيسبلاتين.

    قال علي: والنوع الرابع؟

    قال الطبيب: لقد كشفت الدراسات التجريبية قدرة هذا الزيت الطيار في جرعات صغيرة على إحداث بعض التأثيرات كتخفيض ضغط الدم الشرياني، وتخفيض سرعة النبض القلبي في الجرذان والوبر بتأثيره المنشط على بعض المستقبلات السروتونية في المخ.. وزيادة سرعة التنفس وتقلصات في رغامي حيوان الوبر عن طريق افراز مادة الهستامين.. وزيادة افراز مادة الصفراء في الكلاب.. وزيادة اخراج حمض اليوريك المسبب لمرض النقرس في البول.. والفتك بالعديد من الجراثيم مثل السلمونيلله والتيفية والصنمة الهيضية والزانفة الزنجارية وبعض الفطريات مثل الرشاشية السوداء وبعض الديدان المعوية.. وإرخاء عضلات الامعاء وكبح التقلصات المحدثة ببعض الكيماويات فيها.. وتخفيض مستوى سكر الدم في الأرانب والجرذان الصحيحة المصابة بداء السكر التجريبي بعد معالجتها بجرعات 5 مليجرام/ كيلوجرام حقنا في الصفاق بدون أي تأثير على مستوى الانسولين في الدم.

    اما مركب الفاباينين فقد اكتشفت قدرتها على تثبيط الالتهابات التجريبية عبر افراز مادة هيدروكورتيزون وتثبيط نمو بعض الجراثيم خصوصا تلك المرتبطة بالتهابات حب الشباب، كما أن لها القدرة على تثبيط نمو بعض الأورام السرطانية في أكباد الجرذان وزيادة افراز المخاط من الشعب الهوائية في بعض المرضى المصابين بالتهابات رئوية وبالأخص المزمنة.





    4 ـ العلاج الأرضي

    سرنا إلى القاعة الرابعة، وهي القاعة التي سماها أهل هذا المستشفى بالعلاج الأرضي.

    قال علي: في هذه القاعة نبحث للمرضى عن كل دواء يمكن أن يفيدهم، فقد أمرنا r بالبحث عن الدواء، وعن التدواي به، فقال:( تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ )[142]

    قال الطبيب: أتعالجون بالأدوية الكيمائية في هذه القاعة إذن؟

    قال علي: نحن لا نلجأ إلى هذا النوع من الأدوية إلا للضرورة القصوى، ثم نعتبر ذلك مرحلة نحاول العبور منها إلى الأدوية المنزلة [143].

    قال الطبيب: ولم ذلك؟

    قال علي: لعلمنا أن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواءه، والدواء المنزل مخلوق لا مصنوع[144].. فقد استعمل القرآن الكريم هذا المصطلح للدلالة على الخلق، كما قال تعالى:﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (الزمر:6)

    قال الطبيب: صدقت فيما ذكرت، وانتصحت فيما فهمت، فليس في هذه الأدوية من النفع إلا قدر ما فيها من الضر..

    ولهذا، فأنا من جمعية انتشرت في العالم أجمع تحض على العودة إلى الطبيعة، فالدواء لا بد أن يكون فيها.

    قال علي: ولهذا ترانا لا نقصر في البحث في الشعاب والقفار وبين الشعوب عن تجاربها المختلفة لنستفيد منها في ذلك..

    قال الطبيب: ولكن.. ألا ترى أنكم بذلك ستصبحون فئران للتجارب؟

    قال علي: لا.. لدينا ضوابطنا في ذلك.. والتي رسمها لنا الشرع، وبفضلها نحتمي من كل أذى.

    قال الطبيب: فما ضوابط ذلك؟

    الشرعية:

    قال علي: أول ضابط لذلك هو أن يكون الدواء مباحا، فمن رحمة الله تعالى بعباده أنه لم يجعل دواءهم فيما حرم عليهم.. فالخبيث لا يؤدي إلى الطيب.. والداء لا يوصل إلى الدواء.

    فقد ورد في النصوص ما يبين حرمة التداوي بالمحرمات، فقد قال r:( إنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاء، وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دواءً، فَتَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بِالْمُحَرَّم)[145]

    بل ورد في الحديث إخبار النبي r بعدم وجود داوء في المحرمات، فقال r:( من أصابه شيء من الأدواء، فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله، فإن الله تعالى لم يجعل في شيء مما حرمه شفاء )[146]
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ  الدواء Empty رد: كتاب: معجزات علمية ـ نور الدين أبو لحية ـ تاسعا ـ الدواء

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 18:30

    وسأل بعضهم النبي r عن الخمر، فنهاه، أو كَرِهَ أن يصنَعَها، فقال: إنما أصنعُها للدواء، فقال r:( إنَّه لَيْسَ بِدَوَاءٍ ولكنَّهُ دَاءٌ )[147].. وفى حديث آخر عن طارق بن سُويدٍ الحضرمى؛ قال: قلت: يا رسول الله ؛ إنَّ بأرضنا أعناباً نَعتصِرُها فنشرب منها، قال:( لا )، فراجعتُه، قلتُ: إنَّا نستشفى للمريض، فقال r:( إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ)

    وفي حديث آخر أنه r سُئل عن الخمر يُجْعَل فى الدَّواء، فقال:( إنَّهَا دَاءٌ ولَيسَتْ بِالدَّوَاءِ )[148]

    قال الطبيب: صدق نبيكم ونصحكم، فالخمر داء لا دواء فيه.. وقد قال الدكتور أوبري لويس وهو رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن يقول فى أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني[149]:( إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله، ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله.. ولهذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها (Psycho-pathic Anomaly) )

    ثم يقول:( إن جرعة واحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي إما إلى الهيجان أو الخمود، وقد تؤدي إلى الغيبوبة.. أما شاربو الخمر المزمنون (ch Alcoholics) فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون )

    قال علي: لقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة.. بل على زمن رسول الله r.. بل حتى كثيرا من عوام عصرنا أن للخمر بعض المنافع الطبية.

    قال الطبيب: تلك أوهام كثيرة وقعوا فيها بسب الجهل.. ولما تقدمت الاكتشافات العلمية بطلت تلك المزاعم وتبين أنها مجرد أوهام، وأن كلام الصادق المصدوق r عنها هو الحق الذي لا ريب فيه ولا التباس.

    قال علي: إن بعض الناس يعتبرون من منافع الخمر أنها تفـتح الشهية، وقد استخدمت الخمر كفاتح للشهية منذ أقدم العصور، واستخدمها اليونان والرومان والفرس والعرب وتفننوا فيها.. بل يستخدمها الأوروبيون اليوم وخاصة الفرنسيون وتدعى (Apenibf) أي فاتحة للشهية.

    قال الطبيب: الخمر تكذب على أصحابها.. فهي تفتح الشهية أول الأمر، فتزيد من إفراز حامض المعدة كلور الماء (Hcl).. ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة.. وتعقب تلك المنفعة الموهومة مضرات وعواقب وبيلة وخيمة، أولها التهابات المعدة، وفقدان الشهية والقيء المتكرر وآخرها سرطان المريء.

    قال علي: ومن المنافع التي يذكرها بعض قومي حمايتهم من البرد.. وخاصة للذين يسكنون المناطق الباردة، وقد جاء وفد اليمن ووفد من حضرموت إلى النبي r، وطلبوا منه أن يسمح لهم بشرب الخمر بحجة أن بلادهم باردة، فأبى ذلك.. فقد روي أن ديلم الحميري سأل النبي r فقال: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا، وبرد بلادنا، فقال رسول الله r:( هل يسكر؟ )، قال: نعم، قال:( فاجتنبوه ) قال: إن الناس غير تاركيه، قال:( فإن لم يتركوه فقاتلوهم )[150]

    قال علي: صدق نبيكم ونصحكم، ذلك الدفء ليس إلا وهما.. فالخمر توسع الأوعية الدموية، وخاصة تلك التي تحت الجلد، فيشعر المرء بالدفء الكاذب، كما يحصل في أعياد الميلاد في أوروبا وأمريكا حيث يسكر كثير من الناس، ويبقى بعضهم في الشوارع والحدائق يتعرضون للبرد القارس، فيموتون من البرد، وهم ينعمون بالإحساس الكاذب بالدفء.

    قال علي: ومن المنافع التي يعتقدها قومي تأثيرها الصحي على مرضى القلب، وقد سمعت من يقول:( من أصابته أزمة قلبية، وكاد يموت فعلم أنه لو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر، فإنه يجوز له شربه )

    قال الطبيب: هذا خطأ فاحش، بل هو وهم قاتل.. فإن الخمر لا توسع الشرايين التاجية المغذية للقلب، كما كان موهوما من قبل، وإنما تضيقها.. فالخمر تسبب في ترسيب الدهنيات والكوليسترول في جوفها، وبذلك تساعد على تسبب جلطات القلب والذبحة الصدرية، وخاصة مع التدخين.. فكلتا المادتين تساهمان في انسداد الشرايين التاجية، الأولى (أي الخمر) بترسيب الدهنيات والكوليسترول، والثانية بانقباض الشرايين وتضييق مجراها.

    وليس ذلك فقط، بل إن للخمر خاصية أخرى تجعل منها داء للقلب لا دواء له.. فهي تصيب عضلة القلب بالتسمم (Toxic Cordionyopathy)

    قال الطبيب: فهل هناك غير الخمر مما ترونه من استعمالات الأدوية؟

    قال علي: كل ما ذكر الشرع حرمته من المأكولات وغيرها لا نجيز استعماله في التداوي كالخنزير والنجاسات وغيرها.

    قال الطبيب: فإن كانت هناك ضرورة للتداوي.

    قال علي: نحن نعلم أن الله الذي خلق العلل لم يجعل فيما حرم علينا أي دواء، فالله الحكيم الرحيم لا يحرم علينا ما فيه مصالحنا.. وقد زادتنا الأيام والمعارف ثقتنا بربنا، فلذلك لم نر دواء محرما يوصف في الصباح إلا كر عليه من ينفي صحة استعماله في المساء.

    قال الطبيب: بورك لكم ثقتكم في ربكم وفي دينكم.. ليت لنا ما لكم.

    العقلانية:

    قال علي: والشرط الثاني الذي نشترطه في استعمال كل ما في العالم من أدوية هو العقلانية.

    قال الطبيب: ما تقصد بالعقلانية؟

    قال علي: نحن بشر شرفنا الله بالعقول، ولا يليق بالعاقل أن يرمي عقله أحوج ما يكون إليه.

    قال الطبيب: وما علاقة ذلك بالطب؟

    قال علي: لقد ارتبط الطب في أحيان كثيرة بالسحر والشعوذة والكهانة والخرافة والدجل.. وقد نهانا ديننا عن كل ذلك نهيا شديدا..

    فقد قال r:( من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)[151]

    وهذا وحده كاف لدلالتك على صدق نبينا، فقد ظلت الأكاذيب الشائعة تمزج بقالب علمي لإقناع الناس بوجود علم اسمه علم التنجيم طيلة قرون طويلة ، حتى جاء القرن العشرين ليضع الأساس العلمي الصحيح لعلم الفلك.

    قال الطبيب: فما موقكم من أنواع التداوي الكثيرة المنتشرة في العالم كالطب الصيني والهندي وغيرها مما لم تعرف أسرار الاستشفاء بها.

    قال علي: نحن نقرها، ونستعملها، ما لم يكن فيها طقوس شركية.

    قال الطبيب: اليوغا مثلا.. فهي نوع من التعبير الذي قد تكون له علاقة بالدين، فأصحاب اليوغا الأصليين قد يعتقدون أمورا محرفة.. وقد لا يؤمنون بالله الذي تؤمنون به.

    قال علي: لقد رأى رسول الله r المشركين يطوفون بالكعبة، ويقولون:( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك)، فيوحدونه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده، وقد نص على ذلك قوله تعالى:) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ((يوسف:106)، أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.

    ولكن ذلك لم يمنع ذلك رسول الله r من الطواف بالبيت، ولم يمنعه من التلبية.

    قال الطبيب: فما فعل؟

    قال علي: لقد فعل شيئا بسيطا.. أبدل التلبية الشركية بتلبية الموحدين.. فتحولت التلبية من خير مقترن بشر إلى خير محض.

    قال الطبيب: فهل تبدلون أنتم تلبية اليوغيين ـ إن كانت لهم تلبية ـ بتلبية المؤمنين؟

    قال علي: أجل.. نحن نستفيد من كل المعارف، ثم نربط بها تلبيتنا الخاصة..

    قال الطبيب: ألستم تحورون الحقائق بذلك؟

    قال علي: لسنا نحن الذين حور الخقائق، من صرفها عن الله هو الذي حورها.

    لقد لقننا رسول الله r في هذا هديا مكننا من القياس عليه ما قلت.

    قال الطبيب: وما الذي شرع لكم؟

    قال علي: لقد قال رسول الله r للذين قالوا له:( يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري اذكروا اسم الله عليه أم لا؟)، فقال رسول الله r:( سموا الله عليه، وكلوا )[152]

    ***

    ما وصل علي إلى هذا الموضع من حديثه حتى أذن آذان المغرب، فاغرورقت عينا علي بالدموع، وقال: إن ربي وطبيبي يدعوني إلى عبادته والاتصال به … فأذنوا لي… فلا يحق للعبد أن يتكبر على ربه الذي لم ير الخير إلا منه.

    أحسست بأنوار عظيمة تنزل على صاحبي الطبيب، وإذا به من غير شعور يتخلى عن كل تلك المواقف المشددة التي كان يبديها نحو الدين، ليقول لعلي: لقد التقيت ناسا كثيرين في حياتي من العلماء والخبراء … ولكني لم أستفد منهم مثل ما استفدت من نبيكم.

    إن نبيكم لا يتلقى علمه من تلك الصحراء القاحلة التي ولد فيها … ولا من أولئك البدو الذين عاش بينهم … بل إنه لو لاقى أطباء اليونان والرومان والهنود لما زاد على أن يملأ كتابكم بالخرافات التي تمتلئ بها تلك الحضارات..

    إن نبيكم يتلقى الحقائق من خزائن العلوم الخالصة التي لم تمتزج بما يكدرها.

    أخرج علي مصحفا من جيبه، وقدمه للطبيب، وقال: خذ هذا المصحف ، فهو كلام الحقائق الأزلية، وإن شئت أن تستعمله لجروح الناس وكروبهم فستجد فيه كل ما تريد.

    إن هذا القرآن صيدلية تحتاج إلى خبراء مثلك ليبرزوا منها من أدوية الله ما يداوون به خلق الله.

    قال ذلك، ثم انصرف، وقد ترك من الأنوار ما ملأ أصحابي سكينة وطمأنينة.. أما أنا ـ الجلف الغليظ ـ فقد شعرت ببصيص من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.






    ([1]) انظر تفاصيل أقسام هذا المستشفى في الرسالة الأولى من رسائل السلام (ابتسامة الأنين) بأجزائها الأربعة، وما نعرضه هنا هو تلخيص مختصر لها.

    ([2]) جامع العلوم والحكم: 424.

    ([3] ) الترمذي كتاب الزهد رقم (2403) عن جابر وقال هذا حديث غريب.

    ([4] ) أبو يعلى، وابن عساكر.

    ([5] ) رواه البخاري والترمذي.

    ([6] ) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط.

    ([7] ) ابن جرير عن أبي الدرداء.

    ([8] ) الحاكم عن أبي أمامة.

    ([9] ) الحاكم عن ابن عمرو.

    ([10] ) أحمد والطبراني في الكبير وأبو نعيم عن شداد بن أوس.

    ([11] ) بفتح الراء أي الراحة وطيب النفس.

    ([12] ) رواه أبو نعيم في الحلية ، والبيهقي ، وفيه محمد بن مروان السدي ضعيف ، وفيه أيضاً عطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: ضعفوه وموسى بن بلال قال الأزدري: ساقط. انظر: فيض القدير: 2/539.

    ([13] ) هذا الكلام لبول إرنست أدولف ، أستاذ مساعد التشريح بجامعة سانت جونس وعضو جمعية الجراحين الأمريكية، عن كتاب « الله يتجلى في عصر العلم » جمعها: جون كلوفر مونسما، ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان ، الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع القاهرة.

    ([14] ) مسلم.

    ([15] ) نص الحديث:« إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات » رواه مالك وأحمد وابن حبان والترمذي، وقال: حسن صحيح.

    ([16] ) أحمد وأبو داود عن عطية السعدي.

    ([17] ) البخاري ومسلم.

    ([18] ) ابن ماجه كتاب الفتن رقم 4019 وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. ورواه الحاكم عن ابن عمر.

    ([19] ) انظر: الأمراض الجنسية، الدكتور محمد علي البار، والأمراض المنتقلة بالجنس: د. عبد اللطيف ياسين القاهرة ، والأمراض الجلدية: د. مأمون جلاد ، روائع الطب الاسلامي : د محمد نزار الدقر.

    ([20] ) البخاري ومسلم.

    ([21] ) ابن أبي الدنيا.

    ([22]) انظر أضرار الخمر في الفصل الخاص بـ (الأغذية)

    ([23] ) الترمذي.

    ([24] ) ابن ماجه كتاب الزهد - باب الحسد رقم (4210).

    ([25] ) هو د. حامد الغوابي، « الحسد بين الطب والإسلام » لواء الإسلام القاهرة، ع 6 المجلد 11 لعام 1957.

    ([26])انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد على البار.



    ([27] ) ابن ماجة والترمذي.

    ([28] ) البخاري ومسلم.

    ([29] ) ابن ماجة.

    ([30] ) الترمذي عن أبي مالك الأشعري وقال حديث حسن صحيح.

    ([31] ) النسائي.

    ([32] ) البخاري ومسلم.

    ([33] ) البخاري ومسلم.

    ([34]) الفريابي.

    ([35]) الترمذي، وابن خزيمة 4/161، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي 1/447.

    ([36]) أحمد 2/280 ، وأبو داود 4/316، والترمذي 2/309.

    ([37] ) يقوم الجلد بوظائف هامة في العضوية ، فهو وما يفرزه من طلاء دهني يقي البدن ويحفظه من المخرشات الآلية والجرثومية ، وهو حصن الدفاع الأول ضد الجراثيم. وفيه غدد عرقية تفرغ العرق وخاصة أيام الحر مما يعمل على التوازن الحروري في البدن ويطرح عدداً من السموم الداخلية عن طريق التعرق فيساعد بذلك عمل جهاز البول ويخفف من أعبائه ، والجلد هو عضو حاسة اللمس والتي تجعل البدن على اتصال بما يحيط به.

    ([38] ) ويزيد على هذا الاغتسال من الجنابة ففيه حكم صحية جليلة أخرى، فالدراسات الحديثة حول العلاقة الجنسية بينت أن الجماع ، وقذف المني بأي سبب كان يؤدي إلى فتور وارتخاء يعلل طبياً بوهن شديد في الجملة العصبية عند وصول شريكي الجماع إلى اللذة والقذف ، بحصول توسع في الأوعية الدموية المحيطة مما يؤدي بصاحبه إلى فقدان قسط كبير من نشاطه العضلي والفكري.

    والاغتسال عندها ينبه الشبكات العصبية الحسية لتوقظ الجهاز العصبي من سباته وليسترجع بذلك حيويته ونشاطه كما ينشط الدوران الدموي ويعيد إليه توازنه.

    زيادة على أن اللقاء الجنسي يتسبب في وهن نفسي ورغبة في النوم، وعملية الغسل تفيد بتنشيط الجسم والروح ويحس بالبهجة والانشراح.

    وتؤكد المصادر العلمية الحديثة أن الجلد أثناء عملية القذف يفرز من خلال مساماته عرقاً ذو تركيز عال بسمومه ، ويمكن أن يعود فيمتصها ويتأذى بذلك ، والاغتسال إجراء طبي حاسم لتطهير الجلد ومساماته من هذه السموم ، وقد حث الشارع على سرعة التطهر من الحدث الأكبر.

    زيادة على أن وجوب الغسل بعد الجماع يقي من خطر الإفراط الجنسي، والذي يؤدي بصاحبه إلى الانتهاك والمرض. فإن التفكير في الغسل والإعداد له يجبر على الإعتدال في طلب اللقاء الجنسي ويحفظ بذلك قدرته وحيويته لعمر مديد، فقد قدر ما يصرفه الإنسان من عناصر حيوية في كل لقاء جنسي بما يحتويه نصف لتر من الدم، انظر: الطب منبر الإسلام، إعداد وتأليف الدكتور قاسم سويدان.

    (1) البخاري: 5/2209، مسلم: 1/221، ابن حبان: 12/293، البيهقي 1/149، أبو داود: 4/84، النسائي: 1/65، ابن ماجة: 1/107، أحمد: 2/239، مسند الحميدي: 2/418.

    ([40] ) مسلم وابن خزيمة في صحيحه.

    ([41] ) وسمي استحداداً لاستعمال الحديد (الموسى أو الشفرة)

    ([42] ) وهي الشعر النابت حول الذكر أو الفرج وما يلحق به مثل الشعر حول الدبر.

    ([43] ) البخاري.

    ([44] ) د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام، دار القلم ، دمشق ، 1996، د. عادل بربور وزملاؤه: الطب الوقائي في الإسلام ، دمشق 1992

    ([45] ) البخاري.

    ([46] ) النسائي وأحمد ، ورواه الترمذي عن المغيرة بن شعبة وقال حديث حسن صحيح.

    ([47] ) البخاري.

    ([48] ) البخاري ومسلم.

    ([49] ) د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام

    ([50] ) هو القطع ، وهو تفعيل من القلم ، وكلما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته.

    ([51] ) د. يحيى الخواجي ود. أحمد عبد الأخر: المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي، الكويت ، نوفمبر 1986.

    (2) قبسات من الطب النبوي باختصار، الأربعون العلمية، عبد الحميد محمود طهماز.

    (3) د. محمد علي البار، الختان ، دار المنار.

    (1) د. حسان شمسي باشا: أسرار الختان تتجلى في الطب والشريعة، ابن النفيس، دمشق.

    (2) البروفسور ويزويل عن مجلة Amer.Famil J. Physician.

    (3) Pikers W: Med. Dijest jour.April 1977.

    (3) هذا النص الكامل لكلام ابن حجر في الحديث:« رواه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة ، عن أبي المليح بن أسامة ، عن أبيه به ، والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه ، فتارة رواه كذا ، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح ، أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير وتارة رواه عن مكحول ، عن أبي أيوب أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل ، وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج ، أو من الراوي عنه ، عبد الواحد بن زياد ، وقال البيهقي هو ضعيف منقطع ، وقال ابن عبد البر في التمهيد هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطاة ، وليس بمن يحتج به. قلت: وله طريق أخرى من غير رواية حجاج ، فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا ، وضعفه البيهقي في السنن ، وقال في المعرفة: لا يصح رفعه ، وهو من رواية الوليد ، عن ابن ثوبان ، عن ابن عجلان ، عن عكرمة ، عنه ، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا، انظر: التلخيص الحبير: 4\153.

    (1) عون المعبود في شرح سنن أبي داوود لشمس الحق العظيم آبادي، 14/124.

    (2) التمهيد: 21/59.

    (1) انظر: الإحياء: / 148.

    (1) سنن أبى داوود مع شرحها عون المعبود،13/135.

    (2) قال ابن حجر: رواه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أسيد ، عن عبد الملك بن عمير ، ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة ، والبيهقي من هذا الوجه ، عن عبيد الله بن عمرو قال: حدثني رجل من أهل الكوفة ، عن عبد الملك بن عمير به ، وقال المفضل العلائي: سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال: الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري ، قلت: أورده الحاكم ، وأبو نعيم في ترجمة الفهري ، وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير ، فقيل عنه كذا ، وقيل: عنه عن عطية القرظي ، قال: كانت بالمدينة خافضة يقال لها: أم عطية ، فذكره ، رواه أبو نعيم في المعرفة ، وقيل: عنه ، عن أم عطية ، رواه أبو داود في السنن ، وأعله بمحمد بن حسان ، فقال: إنه مجهول ضعيف ، وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي ، وخالفهم عبد الغني بن سعيد فقال: هو محمد بن سعيد المصلوب ، وأورد هذا الحديث من طريقه في ترجمته من إيضاح الشك ، وله طريقان آخران ، رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر »



    ([63]) التلخيص الحبير: 4\154.

    (1) انظر: النحو الوافي لعباس حسن، 1/118- 119.

    (2) نقله عنه: شمس الحق العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داوود، 14/ 126

    (2) نيل الأوطار:1/139.

    (2) فقه السنة: 1/33.

    ([68] ) البخاري ومسلم.

    ([69] ) الترمذي وقال: حسن صحيح

    ([70] ) ابن ماجه عن أبي هريرة.

    ([71] ) البخاري والترمذي عن أبي قتادة.

    ([72] ) ابن ماجه عن أبي هريرة.

    ([73] ) الترمذي ، وقال:حديث حسن صحيح

    ([74] ) الترمذي.

    ([75] ) مسلم وأبو داود عن أبي سعيد.

    ([76] ) الترمذي، وقال: حسن صحيح.

    ([77] ) د. عبد الرزاق الكيلاني: " الحقائق الطبية في الإسلام ".

    ([78] ) د. غياث الأحمد: " الطب النبوي في ضوء العلم الحديث ".

    ([79] ) البخاري.

    ([80] ) مسلم.

    ([81] ) البخاري ومسلم.

    ([82] ) د. إبراهيم الراوي: مقالته ( أثر العطاس على الدماغ ) مجلة حضارة الإسلام المجلد 20 العدد 5/6 لعام 1979، وانظر: الهدي النبوي في العطاس والتثاؤب، بقلم الدكتور محمد نزار الدقر.

    ([83] ) الترمذي وقال: غريب.

    ([84] ) الطبراني في الأوسط عن سعد.

    ([85] ) الطبراني في الأوسط عن سعد.

    ([86] ) قموا: أي اكنسوا، والقمامة: الكناسة. والمقمة: المكنسة. النهاية 4/110.

    ([87] ) ابن عساكر.

    ([88] ) أبو داود والترمذي.

    ([89] ) أحمد وأبو داود.

    ([90] ) البخاري ومسلم.

    ([91] ) مسلم.

    ([92] ) أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة، والبيهقي في الشعب والضياء عن سعد.

    ([93] ) مسلم.

    ([94] ) الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد.

    ([95] ) أحمد عن ابن عباس.

    ([96] ) سخيمته: يعنى الغائط والنجو النهاية [2/351]

    ([97] ) الطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة.

    ([98] ) مما فسرت به الثياب في هذه الآية:

    1. لا تلبسها على معصية، ولا على غدر، كما قال الشاعر:

    وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع

    2. لا تكن ثيابك من مكسب غير طاهر.

    3. طهر نفسك من الذنب، قاله مجاهد، ويشهد له قول عنترة:

    فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم

    أي: طهر نفسك من الذنوب، فكنى عن الجسم بالثياب، لأنها تشتمل عليه ، كما قالت ليلى الأخيلية وذكرت إبلا:

    رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبها إلا النعام المنفرا

    4. وعملك فأصلح، ومثله من قال: 5. خلقك فحسن.

    5. وثيابك فقصر وشمر.

    6. قلبك فطهر، ويشهد له قول امرىء القيس:

    فإن يك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

    7. اغسل ثيابك بالماء، ونقها، وقد قاله ابن سيرين، وابن زيد.

    ([99] ) مسلم.

    ([100] ) أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

    ([101] ) وهذا الميزان الذي نص عليه القرآن الكريم هو الذي توصلت إليه البشرية بعد تجاربها الطويلة ، متصورة أنه من مكتشفات هذا العصر، فهم يتحدثون عن بعدين اثنين للصحة، هما بالحرف " الميزان الصحي " health balance و" الرصيد الصحي "health potential"كما يطلق على السبل المتخذة للحفاظ على اعتدال الميزان الصحي اسم " حفظ الصحة ، health protection ، وعلي السبل المتخذة لزيادة الرصيد الصحي اسم " تعزيز الصحة " health promotion. وفى إطار هذين البعدين ، صاغت منظمة الصحة العالمية قبل خمسين سنه فحسب ، تعريفها للصحة على أنها " المعافاة الكاملة ، جسمياً ونفسياً واجتماعياً ، لا مجرد انتفاء المرض أو العجز» نقلا عن الدكتور محمد هيثم الخياط، فقه الصحة ، محاضرة ألقاها في المؤتمر الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في كرا تشي سنة 1405 للهجرة [1984 للميلاد)، ونشرت في المجلد الذي أصدرته المنظمة الإسلامية عن المؤتمر.وقد استفدنا منها كثيرا في هذا الباب.

    ([102]) انظر: الصيام.. والشفاء، د. عبد الجواد الصاوي.



    ([103])من مرضى السكري الذين ينصحون بعدم الصيام المرضي المعرضون لزيادة الأجسام الكيتونية في دمائهم ، والمرضي الذين يعانون من تأرجح كبير وسرعة تغير في مستوى الجلوكوز لديهم، والحوامل، والأطفال المصابون بمرض السكري، ومرضى السكري الذين يعانون من مضاعفات مرضية خطيرة مثل الفشل الكلوي أو الذبحة الصدرية، ومرضى السكري الذين يعانون من أمراض خطيرة مثل التسمم الدموي الشديد ،( Sever sepsis)، أو فشل القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure)

    ويسمح بالصيام لباقي المرضى، والمرضى الذين يتقبلون النصائح الطبية ويشجع الصيام للمرضى البدنيين من النوع الثاني الذين لا يعتمدون على الأنسولين ماعدا الحوامل منهن والمرضعات اللاتي لديهن السكر ثابت مع زيادة في الوزن فوق 20بالمائة من الوزن المثالي.

    ([104])هو الدكتور فاهم عبد الرحيم وزملاؤه بكلية طب الأزهر (1986م)

    ([105] ) البخاري ومسلم عن أبي هريرة.

    ([106] ) ابن جرير عن أبي هريرة.

    ([107] ) البخاري ومسلم.

    ([108] ) البخاري عن عائشة.

    ([109] ) انظر: كتاب العدوى بين الطب وأحاديث المصطفى الدكتور محمد علي البار.

    ([110] ) أحمد ومسلم.

    ([111] ) البخاري ومسلم.

    ([112] ) انظر: الإعجاز الطبي في السنة النبوية، للدكتور كمال المويل دار ابن كثير، دمشق.

    ([113] ) أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن حبان والحاكم عن جابر.

    ([114] ) أبو عبيد في الغريب.

    ([115] ) البخاري ومسلم.

    ([116]) التفاصيل المرتبطة بهذا وما يتعلق بها من إعجاز في فصل (الغذاء)

    ([117] ) انظر: كتاب (الصلاة والرياضة والبدن) لعدنان الطرشه، والمراجع التي أشار إليها فيه. http://www.adnantarsha.com

    ([118]) صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة. قال الترمذي: هو حديث حسن ، ولفظ أبي داود:« مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها »

    ([119] ) بحث للدكتور. محمد وليد الشعراني استشاري جراحة المفاصل والعظام في قطر ، قام بإعداد البحث والتعديل الطفيف عليه فراس نور الحق.

    ([120] ) مسلم.

    ([121] ) انظر: موقع قناة الجزيرة 5/4 2003م ، موقع إسلام أون لاين 20/8/2001م.

    ([122] ) الجزيرة نت 5/4/ 2003م.

    (1) ابن ابي شيبة ، ابن ماجة.

    (2) ابن ابي شيبة ، ابن ماجة.

    ([125] ) مسلم.

    (2) أحمد.

    ([127] ) البيهقي.

    ([128]) انظر التفاصيل المرتبطة بهذه الأدوية وغيرها في الجزء الثالث من ابتسامة الأنين.

    ([129] ) البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.

    ([130] ) ابن ماجه وقال في الزوائد: إسناد صحيح رجال ثقات. وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/200) وقال صحيح ووافقه الذهبي.

    ([131])أبو داود.

    ([132])البخاري ومسلم.

    ([133])البخاري ومسلم.

    ([134])قال عبد الباسط السيد: عندما كنا نتكلم عن الحجامة فيما مضى كانوا يتهموننا بالتخلف والردة الحضارية إلى أن جاء الألمان، وظهرت في ألمانيا مدرسة مشهورة تدعى Fask وجاء الأمريكان وظهرت في الولايات المتحدة مدرسة تدعى Cupping.

    ومن ذلك الحين أصبح حديثنا عن الحجامة حديثاً طبيعياً طالما أن هناك مدارس طبية عالمية كبيرة تناولت الموضع بجدية، ومن الجدير بالذكر أنهم تكلموا عن شفاء كثير من الأمراض بالحجامة كما أنهم أخذوا نفس المواضع التي حددها النبي r وذكروا أنهم استفادوا من التراث العربي والصيني، وفي الحقيقة إنه الإعجاز النبوي!

    ([135])وراه البخاري ومسلم.

    ([136] ) البخاري ومسلم.

    ([137] ) النسائي وابن ماجة عن ابن عمر.

    ([138] ) هو الحبة السوداء.

    ([139] ) ابن السني وأبونعيم عن بريدة.

    ([140] ) الترمذي.

    ([141] ) من تلك الدراسات تجربة أجريت على الفئران، وأشارت إلى فائدة الحبة السوداء في تخفيف أعراض الحساسية عند الفئران. وقد نشرت هذه الدراسة في إحدى أشهر المجلات العالمية Annals of Allergy عام 1993.

    وكانت هناك دراسة أخرى نشرتها مجلة " International Journal of Pharmacology " عام 1993 وأشارت إلى قدرة خلاصة الحبة السوداء على خفض سكر الدم عند الأرانب.

    ونشرت أكثر من دراسة علمية في مجلات معترف بها عالميا حول فائدة خلاصة الحبة السوداء في قتل عدد من الجراثيم في أطباق المختبر، أو في حيوانات التجربة.

    وهناك ما يشير إلى أن للحبة السوداء خصائص مضادة للسرطان، ومقوية للجهاز المناعي الذي يدافع عن الجسم ضد الجراثيم والفيروسات وغيرها.

    ومنها دراسة الدكتور أحمد القاضي، والدكتور أسامة قنديل في الولايات المتحدة، والتي أظهرت أن تناول جرام واحد من الحبة السوداء مرتين يوميا قد ينشط الجهاز المناعي. ولكن الدراسة كانت على عدد قليل من الناس. ومن أهم الدراسات التي أجريت حتى الآن دراسة أجرتها البحاثة ريما أنس مصطفى الزرقا في جامعة كينغ في لندن، ونالت بهذا البحث شهادة الماجستير. وقد أجريت تلك التجارب على الحبة السوداء تحت إشراف أساتذة بريطانيين وفي مخابر جامعة لندن.

    وقد أثبتت تلك الدراسة وجود خواص مضادة للجراثيم في زيت الحبة السوداء الطيار على عدد من الجراثيم. كما أجريت دراسات لمعرفة الخواص المضادة للالتهاب ( Anti Inflammatory ) في المادة الفعالة في الحبة السوداء والتي تدعى الثيموكينون. وقد قدمت حديثا رسالة جامعية عالية في موضوع الحبة السوداء في جامعة الرياض. وكانت نتائجها إيجابية.

    ([142]) مسلم.

    ([143]) للمؤلف رأي في جواز استعمال الكثير من الأدوية الكيميائية، وقد فصل مبررات ذلك الرأي في سلسلة (ابتسامة الأنين)، وخاصة في الجزء الرابع منها.

    ([144]) ذكر ابن القيم اختلاف العلماء في معنى الإنزال الذي وردت به الأحاديث، فذكر الأقوال التالية:

    القول الأول: إنزالُه أي إعلامُ العِباد به، وقد رد ابن القيم هذا فقال:« وليس بشىء، فإن النبىَّ r أخبرَ بعموم الإنزال لكل داءٍ ودوائه، وأكثرُ الخلق لايعلمون ذلك، ولهذا قال r:« عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه »

    القول الثاني: إنزالُهما: خَلْقُهما ووضْعُهما فى الأرض، كما فى الحديث الآخر:« إنَّ الله لم يَضعْ داءً إلاَّ وَضَعَ له دواءً »، قال ابن القيم معلقا على هذا القول:« وهذا وإن كان أقربَ مِن الذى قبله، فلَفْظةُ الإنزال أخصُّ من لفظة الخلق والوضع، فلا ينبغى إسقاطُ خصوصيةِ اللَّفظة بلا موجِب »

    القول الثالث: إنزالُهما بواسطةِ الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء وغيرِ ذلك، فإنَّ الملائكة موكَّلَةٌ بأمر هذا العالَم، وأمر النوع الإنسانىِّ من حين سقوطِه فى رَحِم أُمِّه إلى حين موتِه، فإنزالُ الداء والدواء مع الملائكة، قال ابن القيم:« وهذا أقربُ من الوجهين قبله »

    القول الرابع: إنَّ عامة الأدواء والأَدوية هى بواسطة إنزال الغَيْثِ من السماء الذى تَتولَّد به الأغذيةُ، والأَقواتُ، والأدويةُ، والأدواءُ، وآلاتُ ذلك كله، وأسبابُه ومكمِّلاتُه؛ وما كان منها مِن المعادن العُلوية، فهى تَنزل مِن الجبال، وما كان منها من الأودية والأنهار والثمار، فداخلٌ فى اللَّفظ على طريق التغليبِ والاكتفاءِ عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما، وهو معروف من لغة العرب، بل وغيرها من الأُمم، كقول الشاعر:

    عَلفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَـا

    وقول الآخر:

    وَرأَيْتُ زَوْجكِ قَدْ غَدَا مُتَقَلِّداً سَيْفـاً وَرُمْحَــا

    وقول الآخر:

    إذَا مَا الغَانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماً وَزَجَّجْنَ الْحَواجِبَ وَالْعُيُونا

    قال ابن القيم:« وهذا أحسنُ مما قبله من الوجوه.. والله أعلم..وهذا من تمام حكمة الربِّ عَزَّ وجَلَّ، وتمامِ ربوبيته، فإنه كما ابتلى عبادَه بالأدواء، أعانهم عليها بما يسَّرَهُ لهم من الأدوية، وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة، والحسناتِ الماحية والمصائب المكفِّرة، وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثةِ من الشياطين، أعانهم عليها بجُنْدٍ من الأرواح الطيبة، وهم الملائكة، وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسَّرَهُ لهم شرعاً وقدْراً مِن المشتهيات اللَّذيذة النافعة، فما ابتلاهم سُبحانه بشىء إلا أعطاهم ما يستعينُون به على ذلك البلاء، ويدفعُونه به، ويبقى التفاوتُ بينهم فى العلم بذلك، والعلم بطريق حصوله والتوصل إليه »

    ([145]) أبو داود.

    ([146]) أبو نعيم في الطب عن ابن سيرين مرسلا، وقد ورد موقوفا عن ابن مسعود t:« إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عليكم » وهو في البخاري وغيره.

    ([147]) مسلم.

    ([148]) أبو داود، والترمذى.

    ([149]) مرجع برايس الطبي- الطبعة العاشرة.

    ([150]) أبو داود.

    ([151])مسلم.

    ([152]) الدارقطني عن عائشة ومالك مرسلا عن هشام بن عروة عن أبيه، لم يختلف عليه في إرساله.

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 15:56