المحاسبة أنواع فيحاسب نفسه على الاختلاس ، وعلى الحرف فى القرطاس ، وعلى البرق إذا لمع ، وحمام الأيك إذا سجع.
وهل ذكرها البرق بريق الحمى
وسجع الحمام لدمع همى
وقول المهيمن : " إذ هُما" فالشئ بالشئ يذكر ، والذنب بالتوبة يغفر.
ويحاسب النفس على نفاستها وتكريمها ]ولقد كرمنا بنى آدم[ ، وعلى تعليمها بعد جهلها ] علم الإنسان ما لم يعلم [ وعلى خطاها على الأرض وأين سارت ] ونكتب ما قدموا وآثارهم[ وعلى غفلة حجبتها ، ونظرة سمتها ، وفى الحديث النبوى :" النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ".
وعلى كلمة قالتها : لو مزجت بالبحار لمزجتها ، ألا وهى الغيبة التى أجمع العلماء على أنها من الكبائر ، ولا تجوز غيبة المسلم مطلقا على أى حال من الأحوال ، وهذا هو ظاهر الكتاب والسنة.
ويحاسب نفسه على تركها من العلم ما وجب ، وعلى المال ما اكتسب ، ومن أين طريقه ، ومن أين جاء وإلى أين ذهب؟
وعلى الموت إذا نزل بإنسان ، وهل ذكره ذلك موته وفراقه الأهل والإخوان؟ وعلى ما أنبتت الأرض من الزرع والزهور ، وهل ذكره ذلك البعث والنشور؟
وعلى النار إذا أحجبت ، وهل ذكرته الجحيم التى سعرت؟ وعلى رؤيته للحدائق والثمار ، وهل ذكره ذلك دار القرار؟ وعلى نظره إلى المبدعات والجبال الراسيات والبحار الطامحات ، والرتع السارحات ، والأطفال والأمهات ، والسفن الجاريات.
وهل تذكرت نفسه عند ذلك قوله تعالى :]ومن آياته الجوار فى البحر كالأعلام[؟ ام ظن أنه على غفلته عن ذلك لا يلام؟ إذا كان كذلك ، فما الفرق بينه وبين الأنعام؟.
خلقك الله أيها الإنسان لتحاسب نفسك ، وتارة تهوى مع الهاوين ]ثم رددناه أسفل سافلين[ ، ]ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى[.
طريقنا كله حساب ومحاسبة
فعجل بحسابك ، قبل أن يعجل بذهابك ، فليس بعد الذهاب من الدنيا من رجعة ، وليس بعد ترك المحاسبة من فجعة.
واعلم ياأخانا أن طريقنا هذا كله حساب ومحاسبة ، واقترب ومراقبة ، لا سيما لمن واظب على الأحزاب ، ورتلها بالأسحار ، وع المشاهدة والتذكار ، وغلب عند تلاوتها روحه على جسده ، ويومه على أمسه ، وغائبه على حسه حتى تتلاشى أمامه الزائلات ، وترسخ فى قلبه الباقيات الصالحات ، حتى يكون قلبه ينبوع حكمة روحه المفاض عليها من فيض فيضان قدس معالم غيبها النازلة من رحيق مختوم ختم كلمات ربها.
فعليك ياعبد الله بالإكثار من قيامك وصومك ، وتذكرك فى قول ربك :] وإنه لذكر لك ولقومك[.
وعرج على الصلوات الأربع عشرة اللواتى بحرهن زاخر ، لعلك أن تحوز لتلك المفاخر ، وادخل بكليتك الروحية ، فى معانى كلماتها النورانية ، عساك ان تتصل بالنور اللامع فتستنير ، والسر الهامع فيسير بك إليه فى حضرة القدوس البديع.
فكم قد شرب من رحيقها شارب ، وكم قد اهتدى بهديها فى المشارق والمغارب.
وحسبك قول من أهديت إليه فيها ، فإنه أدرى بمعانيها ، وهو سيدى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه حيث يقول فى فضلها:
" إن هذه الصلوات قد استوت على عرش الأنوار ، وأرجلهن متدليات على كرسى الأسرار ، تصلين فى كتاب الكمالات المحمدية بقرآن الحقائق الأحمدية ، قد طلعت فة سماوات العلى شمسها ، وارتفع عن وجه الكمال المحمدى نقابها ، وبحرهن فى الحقائق الإلهية زاخر ، ولهن فى القسمة من المعارف المحمدية حظ وافر ، خذهن غليك يامن أراد لأن يسبح فى كوثر النور المحمدى ، وجل فى عجائب معانيها يامن يبتغى الاغتراف من البحر الأحمدى ، تتلو عليك من كتاب الحقائق المحمدية محكم الآيات ، وتفسر لك بعض نقش حروف آياته البينات – والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم".
قال سيدى صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه : قد جعل السيد أجمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه الصلوات الأربع عشرة مفتاحا لمن أراد أن يسبح فى كوثر النور المحمدى.
فيوضات
اعلم ياأخانا واسمع هذا بمسامع قلبك عساك أن تشرب من صافى وردك ، أن الله تعالى جعل فى الدنيا شمسا للنهار وقمرا لليل ، فأهل النهار يسبحون فى ضوء شمس نهارهم ، وأهل الليل يسبحون فى ضوء قمر ليلهم ، ويشترط فى إدراك نوريهما سلامة ما به الإدراك.
وجعل الله تعالى النبى صلى اله عليه وآله وسلم شمس نهار القلوب وقمر ليلها ، فمن شاهده بقلبه السليم الإدراك سبح فى كوثر نور شمسه وقمره صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أن من سبح فى ضوء شمس نهاره ونور قمر ليله تأتى أعماله كاملة كما ينبغى ، لوجود النور الذى يميز به ، كذلك الذى يسبح بقلبه فى كوثر النور المحمدى تأتى أعماله الدينية والدنيوية كاملة بالكمال المحمدى ، وهذا الكوثر النورانى هو المسمى بالسر السارى فى سائر الأسماء والصفات ، أعنى أسماءك فى درجاتك وخطوات روحك ، فتارة تسمى راضية ، وتارة تسمى مرضية... إلخ.
وصفاتك من قبض وبسط إلى غير ذلك ، فكل صفاتك وأسمائك تكون كاملة بسبحك فى كوثر النور المحمدى الذى به تكون نورا فترى كاملا مكملا ، ويناسبك فى هذا المقام الإكثار من الصلاة الكاملة لسيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه وهى :
" ياكامل الذات . ياجميل الصفات . يامنهتى الغايات . يانور الحق . ياسراج العوالم . ياسيدى يامحمد . ياسيدى ياأحمد . ياسيدى ياأبا القاسم . جل كمالك أن يعبر عنه لسان . وعز جمالك أن يكون مدركا لإنسان . وتعاظم جلالك أن يخطر فى جنان . صلى الله سبحانه وتعالى عليك وسلم يارسول الله . يامجلى الكمالات الإلهية الأعظم".
سائلا بقلبك الاغتراف من البحر الأحمدى ، وإن أتمه وأكمله ما كان بعد رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم يقظة ، وقد يكون بواسطة حال روحانى مع مشاهدة باطنية ، وتارة يكون من حيث يعلم المفاض عليه ، وتارة من حيث لا يعلم ، ولسعة مدد الفيض لا يدخل تحت حصر هذا الاغتراف المشار إليه.
وقد أخبر صاحب هذه الصلوات رضى الله تعالى عنه بأن من واظب على تلاوتهن ينال هذا الاغتراف ، فلا تكن مستريبا فيما لا ريب فيه ، عساك أن تغترف ما قدره الله تعالى لك مع الذين اغترفوا وكانوا هادين مهتدين ، ولها أربع عشرة صورة نورانية ، تزف بجنود حبك وإخلاصك إلى خير البرية صلى الله تعالى وآله وسلم.
خروج الأعمال المعنوية
فى صور حسية عند ترقى الروح
فإن الأعمال المعنوية قد تكون فى صور حسية ، فلا تغفل عن إشارتنا هذه لك فإنها نعمت الإشارة ، ولا عن عبارتنا فإنها نعمت العبارة ، ولا تكن ممن شغلته دروسه عن أنسه ، ويومه عن أمسه.
وما أشرت به إليك من أن الأعمال المعنوية تكون حسية ذكره سيدى محيى الدين بن عربى رضى الله تعالى فى قوله:
بل يفعل ذلك بمجرد قيام هذه الصفة به ، وحكم هذا الإسم الإلهى عليه ، فإذا تحرك فى العبادات التى لا حظ للخلق فيها كالصلاة والصيام والحج وأمثال ذلك بل كل عبادة مشروعة وهو مستمد من هذه الحضرة فينوى فى عبادته تلك ما كان منها لا حظ للمخلوق فيها أن ينشئها ويظهر عينها بحركاته أو مسكه عنها إذا كانت العبادة من التروك لا من الأفعال فينشئها صورة حسنة على التمام والكمال ، لتقوم صورة لها روح بما فيها من الحضور مع الله بالنية الصالحة المشروعة فى تلك العبادة ، يفعلها فرضا كانت أو نفلا من حيث ما هى مشروعة له على الحد المشروع لا يتجاوزه لتسبح الله تلك الصورة التى أنشأها المسماة عبادة ، وتذكر الله بحسب ما يقتضيه أمره فيها تعالى ، ويزيد هذا العبد الإنعام على تلك الصورة العملية المشروعة بالظهور لتتصف بالوجود فتكون من المسبحين بحمد الله تعالى ، إنعاما عليها وعلى حضرة التسبيح فيخلق فى عبادته ألسنة مسبحة لله بحمده لم يكن لها عين فى الوجود.
جاءت إمرأة إلى مجلس شيخنا عبد الرازق فقالت له : ياسيدى رأيت البارحة فى النوم من أصحابك قد صلى صلاة فأنشأت تلك الصلاة صورة فصعدت وأنا إليها حتى انتهت إلى العرش فكانت من الحافين به ، فقال الشيخ: صلاة بروح؟! متعجبا من ذلك ، ثم قال: ما تكون هذه الصلاة لأحد من أصحابى إلا لعبد الرازق ، يقول ذلك فى نفسه ، فقال لها : وهل عرفت ذلك الشخص من أصحابى ؟ قالت : نعم ، وأشارت إلى عبد الرازق الذى خطر للشيخ فيه ، فقال لها الشيخ : صدقت ، وأخذها مبشرة من الله.
" أخبرنى بهذه الحكاية عبد الله بن الأستاذ المرورورى بمرورور من بلاد الأندلس وكان ثقة صدوقا".
انتهى من الجزء الرابع ص 217 من الفتوحات المكية وهناك تمام البحث فارجع إليه إن شئت.
: واعلم ياعبد الله ما سيلقى عليك كشرح لطيف لكلام الشيخ الأكبر سيدى حيى الدين رضى الله تعالى عنه يقول: إن العمل الصالح إذا عمله المؤمن يجعله الله تعالى مخلوقا حيا يسبح الله تعالى كالملائكة الكرام.
اعلم أيها الأخ أن الإنسان فيه روح من أمر الله تعالى لا يتصل بها شئ من العمل إلا أحياه الله تعالى كما أحيا الجسم المتصل بذلك الروح ، وتمام حياة الجسم تكون بتمام الجسم وسلامته ، والعمل يكون متصلا بالروح بواسطة الإخلاص الذى وصل به لروحه ، وإلا كان العمل كالجماد ، ولذلك أعمال الكفار وأعمال الأنعام سواء ، كما قال تعالى : ]إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل [.
لان الأنعام ليسوا مكلفين ، فلا لوم عليهم فى موت أعمالهم ، ولان حياة الكفار روحية ، وحياة الأنعام حيوانية غير عاقلة.
وأنصت بقلبك لتلك الفائدة التى تجعل عملك حيا يسبح الله تعالى ، ولا تهملها فإنها غالية عالية.
فائدة أخرى
قال سيدى محيى الدين بن عربى رضى الله تعالى فى النصف الثانى من الجزء الرابع فى الفتوحات ص 344:
" كما أعطت النوافل أن يكون سمعك وبصرك ، فحقق فيما أبديته لك نظرك فإنك إذا علمت حكمت ونسبت ونصبت وكنت أنت أنت ، وصاحب هذا العلم لا يقول أننى أنا الله وحاشاه من هذا حاشاه ، بل يقول : أنا العبد على كل حال ، والله الممتن على بالإيجاد وهو المتعال".
قال مولانا سيدى صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه: يقول لك الشيخ الأكبر سيدى محيى الدين رضى الله تعالى عنه: لا تتهاون بالنوافل. فإن سوقها عند الله حافل. ولها شأن أى شأن. حيث جعلت الحق سبحانه لك سمعا وبصرا ياإنسان. فعليك بحافل سوقها بالليل إذا عسعس. وبالصبح إذا تنفس. وفى الضحى والأسحار. وفى البرارى والقفار. حتى يتحقق فيك معنى الحديث القدسى :" ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به.. إلخ.
ولما كان ظاهر هذا الحديث يستحيل عليه تعالى أولته وقلت فيه بفضل ربى تعالى :
" كنت سمعه ... إلخ" أى كان حبى فى سمعه وبصره وجميع جوارحه ، لأن الحب القلبى إذا سرى إلى جميع الجوارح ، وزيادته تكون بسبب حب الله تعالى لعبده الذى يجعل الحب الإلهى ساريا فى جميع أجزائه.
فالمدار على حب الله تعالى لك لا على حبك له ، وبحبك له عبدته ، وبعبادتك له أحبك ، فلا تنس الحب وأسبابه ، واجعل نوافلك مدامك ، حتى تبصر مرامك.
قال ابن الفارض رضى الله تعالى عنه:
ونفلى مدامى والحبيب منادمى وهكذا توارد الأحوال ، عند تزاحم مقامات الرجال ، فلا تهملن جوادك عند السباق ، ولا يعوقك عن نهو ضك عائق سباق.
وأن تحاسب نفسك على قلقها وعدم صبرها على المكث فى المساجد التى هى بيوت الله تعالى ، وأعلمها أنها إذ ذاك تنال ثواب المرابط فى سبيل الله تعالى ، وهو الذى يكون حارسا بين الكفار والمسلمين.
قال عليه الصلاة والسلام :" وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط".
وأن تحاسب نفسك على عدم الرضا بقليل عيشك. وأنه يجب عليك الرضا بما قسم الله تعالى لك. قال تعالى :] نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا[.
والهم أن الله تعالى قسم المعيشة التى عليها القوام بين الإنس والجن والطير والوحش والحشرات والهوام والبهائم والأنعام والخيل والبغال والحمير والأرض والأشجار والأب والزرع.
وقسم أيضا الأنوار العلوية التى عليها قوام الملائكة والأرواح والكواكب والأعمال الصالحة ، وقسم أيض الأغيار والظلمات.
فمن وافق قسم عيشه قسم نوره كان عيشه نورا ، ولحمه نورا وعظمه تورا ودمه نورا ، وبصره وسمعه نورا ، وعقله نورا وكلامه نورا ، وبدنه نورا ورجله نورا وشعره نورا ، وعروقه نورا وجلده نورا ، وخاطره نورا ، وحاضره نورا ، وغائبه نورا ، وجميع حركاته وسكناته وخطراته وأنفاسه نورا ، وموته نورا وقبره نورا وبعثه نورا ، وعلى الصراط يرى نورا ، وفى المحشر يرى نورا. قال تعالى : ] يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم[.
" حكاية صحيحة " روى لى أن السيد عبد العالى رضى الله تعالى عنه عمل ببلدة الزينية بصعيد مصر " حولا " وهو المسمى شرعا صدقة على الميت ويسمى فى مصر " بالمولد" لوالده سيدنا ومولانا السيد أحمد بن إدريس الشريف رضى الله تعالى عنه.
فكان السيد عبد العالى يقطع الخبز بيده ويقول:" إنى لأرى لهذا الخبز نورا".
وهذا الكلام من قبيل ما قدمته لك فى كلامى هذا ، وما أخبر به السيد فهو كشف حقيقى ، لأن سيدى عبد العالى رضى الله عنه يكفيه فضلا أن والده هو العلامة الشريف مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، وأن مربيه وأستاذه هو شيخ العلماء العاملين فى عصره ، والذى لم يخالف شيخه قيد شعرة سيدنا ومولانا الشريف السيد محمد بن على السنوسى رضى الله تعالى عنه.
وقد يكون النور حسيا متفاوتا فى مرآه لاختلاف القابليات المدركة له ،كذلك النور المعنوى يختلف باختلاف المدركين.
وقد رأى سيدى عبد العالى الخبز نورا ، وغيره يراه خبزا ، وكلاهما قد طابق الواقع إبصاره ، فمن أبصر بعين قلبع أبصر نورا ، ومن أبصر بعين رأسه أبصر خبزا.
ولمنايبة ذكر " الحول" الذى يعمله سيدى عبد العالى لوالده رضى الله تعالى عنهما قد ظفرت بخطاب فى اليوم الثالث من كتابتى لهذا الموضوع.
وهذا الخطاب لسيدى عالم زمانه ، وإمام أوانه ، صاحب العلوم والكرامات ، والنفحات والبركات سيدى الرشيد الدويحى رضى الله تعالى عنه أرسله لتلميذ له يسمى إسماعيل غيره؟ ؛ لأن الخط الذى وجدته هو هكذا " إسماعيل البلياب".
وهذا هو الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وبارك على مولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم فى كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله.
فمن عبد به إبراهيم الرشيد ، لطف به الحميد المجيد.
إلى الأخ المحترم المكرم ، والأعز الأمجد الأحشم ، الشيخ إسماعيل البلياب حفظه الله ىمين.
أما بعد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نعرفكم بكتابكم الكريم قد وصل ، وفهمنا ما فيه وما عليه اشتمل.
أما من جهة أذكار الطريقة ، أعنى طريقة سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، التهليل والعظيمية والاستغفار الكبير.
وقال بعض الناس لسيدى أحمد رضى الله عنه: دلنى على من أسبق إلى الله تعالى ، فقال: عليك بالتهليل ، وسأله آخر فقال : عليك بالعظيمية ، وما يفضل عليها شئ فى الأسبقية إلى الوصول إلى الله سبحانه وتعالى. والاستغفار وقت السحر. والتهليل وقدم على غيره.
والأنس يكون بحسب حاله ووقته ، فكل ما يفتح به الباب ويحصل منه زيادة الأحوال فى هذه الأذكار يكثر منه.
ومن جهة الأحزاب وحزب السيف فلكم الإذن فى قراءتهم.. ولكن الأحسن أن يكثر أولا من التهليل والعظيمية ، لأن الأحزاب لا تدرك معانيها ألا بعد الفتوح.
زمن جهة الحصون فالحصون التى فى الأحزاب يتحصن بها صباحا ومساء.
ومن جهة التسابيح الواردة فى السنة فكان سيدى أحمد رضى الله تعالى عنه يشير إليها: سبحان الله وبحمده " مائة مرة" بعد الصبح إلى الطلوع ، وبعد صلاة العصر إلى الغروب ، وثوابها كل مائة منها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة ، وهو عدد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وسبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر ، كذلك بعد الصبح إلى الطلوع ، وبعد العصر إلى الغروب " مائة مرة ". وثوابها بكل مائة كأنه أعتق مائة من ولد إسماعيل عليه السلام ، وكأنما حج مائة حجة ، وكأنما قرب مائة بدنه لله ، وكأنما ألجم فرس فى سبيل الله.
وان زاد: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فى كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله ، ثوابها بلا حساب.
والفضل المذكور عن ذكرهما قيل الغروب وقبل الطلوع ، وإذا ذكرهما فى وقتيهما المذكورين يكون أزيد من ذلك موافقة للآية :
]وسبح بحمد بربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها[.
وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله إنه كان توابا " سبعين مرة " فى الصباح فقط بعد صلاة الصبح وثوابها سبعمائة حسنة.
ومن جهة ما ذكرت أن المريد إذا تلقى الذكر عن شيخه مع تركه محبة شيخه أو تركه رأسا ثم رجع إليه ، فإذا رجع فهو مقبول ولو من غير تجديد :" التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
ومن جهة ما ذكرت من الأوراد الأخر من المسبعات وغيرها له الثواب ، ولكن الأفضل أن يلازم على أذكار أوراد شيخه ، لأن السر والمدد فيها.
ومن " الحول" فإنها أسلوب أهل الحجاز مع أن كل إنسان يصنع ذلك صدقة للميت على حول وفاته كل سنة وما يصنعه إلا أحب الخلق إليه ، ونحن ما أحد إلينا من سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه.
ومن جهة فضله لفاعله والمعين فيه والمنتسب فيه ، ومن حضره فشئ لا يحصى ولا تسعه كتابة الدفاتر ، ولا تسعه العقول ولا يسعه إلا الإيمان بالله تعالى.
ولفاعله اليد العليا عند سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، لأن أهل الله أهل المروءة والكرم فيكافئون من صنع معهم المعروف بأضعاف كثيرة بحسب نقامهم.
ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وفى هذا القدر كفاية ، وشدوا حيلكم على التعاون فى الطريق ، وإدخال الناس فيه احصول النفع للمسلمين ، لأن أهل السموات وأهل الأرض حتى النملة فى حجرها والحوت فى البحر يصلون على معلمى الناس الخير ، والمتسبب فى الخير كفاعله ، وبلغوا سلامنا إلى كافة من يحوى مقامكم ، والسلام.
شرح الخطاب لسيدنا ومولانا الشيخ صالح الجعفرى
شرح خطاب سيدى إبراهيم رضى الله تعالى عنه " قوله " : وقال بعض الناس لسيدى أحمد رضى الله عنه : دلنى على من أسبق إلى الله تعالى ، فقال :" عليك بالتهليل ".
قال سيدنا ومولانا العارف بالله تعالى الشيخ صالح الجعفرى وفقه الله تعالى : للشيخ الواصل للمريد يكشف عن حاله ، ثم يلقنه الذكر الذى يليق بحاله ، كالطبيب يعرف المرض ثم يصف الدواء الشافى له ، ولعل هذا السائل كانت نفسه أمارة ظلمانية ، فأمره السيد بالتهليل لتذهب ظلمته ويستنير قلبه ، فرضى الله عن سيدى أحمد بن إدريس صاحب العلم النفيس.
" قوله" : وسأل آخر ، قال :" عليك بالعظيمية وما يفضل عليها شئ ف الأسبقية إلى الوصول إلى الله سبحانه وتعالى ".
قال لعل هذه السائل كانت نفسه نورانية فاستحقت الوصول ، فدله السيد بنفسه العالى إلى أفضل شئ فى الأسبقية ، وهى الصلاة العظيمية المختصة بطريق سيدى أحمد رضى الله تعالى عنه ، ووجه الأفضلية الجمع به صلى اللع عليه وآله وسلم.
والعم ياأخانا أن الإنسان
- تارة يمزق الحجب بأعماله.
- وتارة باتصاله.
- وتارة يستصبح فى طريقه بتوفيقه.
- وتارة بتحقيقه.
- وتارة يرى أعباءه على نفسه ، فينقص فى أنسه ، وتارة يرى أعباءه على غيره فيغدق فى خيره ، ومتى اتصلت بسيد السادات ، فقد ضلت عنك المضلات ، وتنزلت عليك البركات ، ولم يحاسبك البواب.
" يدخل الجنة من أمتى سبعون الفا بغير حساب ".
فالداخلون جنة الشهود بغير حساب ، هم المتصلون بالنبى الأواب صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا كانت هذه الصلاة العظيمية توصل تاليها وتدخله فى حضرة القدس بغير حساب ، فلازم عليها ما استطعت فإنها نعمت التجارة وقد ربحت.
" لطيفة " التقيت برجل صالح من الشام من ذرية سيدى عبد الغنى النابلسى رضى الله تعالى عنه يسمى السيد عبد الله النابلسى رحمه الله ، وذلك منذ عشرين عاما ، وكان مشهورا لأنه يعطى أحبابه أذكارا يذكرونها وفوائد تنفعهم ، فقبلت يده وقلت له : ياسيدى ، أريد منك فائدة ، فنظر إلى رأسى ثم إلى جميع جسمى ثم قال لى :" صل على النبى صلى الله عليه وآله وسلم". وكنت رأيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك فأمرنى بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم رأيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ، وامرنى بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومرة رأيته صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أقرأ الصلاة العظيمية فقلت له صلى الله عليه وآله وسلم: أصلى عليك بهذه الصيغة يارسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " بها وبغيرها".
" وللمناسبة" لما توفى السيد عبد الله النابلسى وذلك بعد وفاة الإخوان من السودان : إن السيد عبد الله النابلسى يأتيك فى النوم فتحدث معه بما تريد ، واطلب منه فائدة لقضاء الحوائج.
وبعد العشاء قرأت له الفاتحة ويس ، ونمت ناويا مقابلته ، ففى أول منامى رأيت أننى أدخل باب غرفة ، ورأيت السيد محمد الشريف عبد العالى شيخى جالسا على سرير ، فقال لى بغضب ورفع يديه:" ماذا تريد من السيد عبد الله النابلسى؟ ألم نأذن لك بالأحزاب والأوراد؟ مثل هذا كثير عند والدى" فاستيقظت من منامى وأنا فى تعجب من أمرى هذا.
قوله :" والأنس يكون بحسب حاله ووقته".
قال القطب الغوث سيدنا ومولانا الشيخ صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه: الأنس بالذكر التلذذ به ، ووجود حلاوته فى القلب يكون بأمرين:
الأول: حال الروح ، وهو الصفاء الذى يمون عند التلاوة كالذوق عند الطعام.
والثانى : الوقت المناسب كضوء النهار عند القراءة ، فكما أن الأحوال تتفاوت كذلك الأوقات تتفاوت.
وقد جعل سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه حيثما كان باليمن ثلاثة أوقات للدروس ، وقتا بعد الإشراق إلى ارتفاع الشمس ، ووقتا بعد العصر ، ووقتا خاصا بعد العشاء.
ومن أفضل الأوقات السحر لا سيما للاستغفار. قال تعالى : ]والمستغفرين بالأسحار[.
وعند نزول المطر وعند بكائك وخشيتك وغير ذلك ، ولا سيما وقت التجلى الذى أنت تدريه.
قوله :" فكل ما يفتح به الباب ويحصل منه زيادة الأعمال فى هذه الأذكار يكثر منها".
يقول هذا الكلام الذى ذكره سيدى إبراهيم الرشيد رضى الله تعالى عنه ليس للمبتدئين بل للسالكين الذين وصلوا إلى الأحوال وهم يسمون أرباب الأحوال.
أما المريد المبتدئ فيلقن الأوراد عن شيخه على حسب التقسيم المروى عن صاحب الطريقة ، فلا يخالف المريد ذلك التقسيم الدورى للأحزاب والمحامد والصلوات ، فإذا أراد زيادة أوراد لفراغ عنه فليراجع شيخه حتى يأذن له بما يناسبه.
: والذى أوجه إليه المريد بعد فراغه من أوراده:
أن يتعلم ما تيسر من كتاب الله تعالى.
ومن الفقه الذى يصحح به عبادته.
ومن علم التوحيد ما يصحح عقيدته ، حتى تقوى شريعته التى عليها مدار حقيقته.
قوله:" لأن الأحزاب لا يدرون معانيها إلا بعد الفتوح".
وهل ذكرها البرق بريق الحمى
وسجع الحمام لدمع همى
وقول المهيمن : " إذ هُما" فالشئ بالشئ يذكر ، والذنب بالتوبة يغفر.
ويحاسب النفس على نفاستها وتكريمها ]ولقد كرمنا بنى آدم[ ، وعلى تعليمها بعد جهلها ] علم الإنسان ما لم يعلم [ وعلى خطاها على الأرض وأين سارت ] ونكتب ما قدموا وآثارهم[ وعلى غفلة حجبتها ، ونظرة سمتها ، وفى الحديث النبوى :" النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ".
وعلى كلمة قالتها : لو مزجت بالبحار لمزجتها ، ألا وهى الغيبة التى أجمع العلماء على أنها من الكبائر ، ولا تجوز غيبة المسلم مطلقا على أى حال من الأحوال ، وهذا هو ظاهر الكتاب والسنة.
ويحاسب نفسه على تركها من العلم ما وجب ، وعلى المال ما اكتسب ، ومن أين طريقه ، ومن أين جاء وإلى أين ذهب؟
وعلى الموت إذا نزل بإنسان ، وهل ذكره ذلك موته وفراقه الأهل والإخوان؟ وعلى ما أنبتت الأرض من الزرع والزهور ، وهل ذكره ذلك البعث والنشور؟
وعلى النار إذا أحجبت ، وهل ذكرته الجحيم التى سعرت؟ وعلى رؤيته للحدائق والثمار ، وهل ذكره ذلك دار القرار؟ وعلى نظره إلى المبدعات والجبال الراسيات والبحار الطامحات ، والرتع السارحات ، والأطفال والأمهات ، والسفن الجاريات.
وهل تذكرت نفسه عند ذلك قوله تعالى :]ومن آياته الجوار فى البحر كالأعلام[؟ ام ظن أنه على غفلته عن ذلك لا يلام؟ إذا كان كذلك ، فما الفرق بينه وبين الأنعام؟.
خلقك الله أيها الإنسان لتحاسب نفسك ، وتارة تهوى مع الهاوين ]ثم رددناه أسفل سافلين[ ، ]ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى[.
طريقنا كله حساب ومحاسبة
فعجل بحسابك ، قبل أن يعجل بذهابك ، فليس بعد الذهاب من الدنيا من رجعة ، وليس بعد ترك المحاسبة من فجعة.
واعلم ياأخانا أن طريقنا هذا كله حساب ومحاسبة ، واقترب ومراقبة ، لا سيما لمن واظب على الأحزاب ، ورتلها بالأسحار ، وع المشاهدة والتذكار ، وغلب عند تلاوتها روحه على جسده ، ويومه على أمسه ، وغائبه على حسه حتى تتلاشى أمامه الزائلات ، وترسخ فى قلبه الباقيات الصالحات ، حتى يكون قلبه ينبوع حكمة روحه المفاض عليها من فيض فيضان قدس معالم غيبها النازلة من رحيق مختوم ختم كلمات ربها.
فعليك ياعبد الله بالإكثار من قيامك وصومك ، وتذكرك فى قول ربك :] وإنه لذكر لك ولقومك[.
وعرج على الصلوات الأربع عشرة اللواتى بحرهن زاخر ، لعلك أن تحوز لتلك المفاخر ، وادخل بكليتك الروحية ، فى معانى كلماتها النورانية ، عساك ان تتصل بالنور اللامع فتستنير ، والسر الهامع فيسير بك إليه فى حضرة القدوس البديع.
فكم قد شرب من رحيقها شارب ، وكم قد اهتدى بهديها فى المشارق والمغارب.
وحسبك قول من أهديت إليه فيها ، فإنه أدرى بمعانيها ، وهو سيدى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه حيث يقول فى فضلها:
" إن هذه الصلوات قد استوت على عرش الأنوار ، وأرجلهن متدليات على كرسى الأسرار ، تصلين فى كتاب الكمالات المحمدية بقرآن الحقائق الأحمدية ، قد طلعت فة سماوات العلى شمسها ، وارتفع عن وجه الكمال المحمدى نقابها ، وبحرهن فى الحقائق الإلهية زاخر ، ولهن فى القسمة من المعارف المحمدية حظ وافر ، خذهن غليك يامن أراد لأن يسبح فى كوثر النور المحمدى ، وجل فى عجائب معانيها يامن يبتغى الاغتراف من البحر الأحمدى ، تتلو عليك من كتاب الحقائق المحمدية محكم الآيات ، وتفسر لك بعض نقش حروف آياته البينات – والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم".
قال سيدى صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه : قد جعل السيد أجمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه الصلوات الأربع عشرة مفتاحا لمن أراد أن يسبح فى كوثر النور المحمدى.
فيوضات
اعلم ياأخانا واسمع هذا بمسامع قلبك عساك أن تشرب من صافى وردك ، أن الله تعالى جعل فى الدنيا شمسا للنهار وقمرا لليل ، فأهل النهار يسبحون فى ضوء شمس نهارهم ، وأهل الليل يسبحون فى ضوء قمر ليلهم ، ويشترط فى إدراك نوريهما سلامة ما به الإدراك.
وجعل الله تعالى النبى صلى اله عليه وآله وسلم شمس نهار القلوب وقمر ليلها ، فمن شاهده بقلبه السليم الإدراك سبح فى كوثر نور شمسه وقمره صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أن من سبح فى ضوء شمس نهاره ونور قمر ليله تأتى أعماله كاملة كما ينبغى ، لوجود النور الذى يميز به ، كذلك الذى يسبح بقلبه فى كوثر النور المحمدى تأتى أعماله الدينية والدنيوية كاملة بالكمال المحمدى ، وهذا الكوثر النورانى هو المسمى بالسر السارى فى سائر الأسماء والصفات ، أعنى أسماءك فى درجاتك وخطوات روحك ، فتارة تسمى راضية ، وتارة تسمى مرضية... إلخ.
وصفاتك من قبض وبسط إلى غير ذلك ، فكل صفاتك وأسمائك تكون كاملة بسبحك فى كوثر النور المحمدى الذى به تكون نورا فترى كاملا مكملا ، ويناسبك فى هذا المقام الإكثار من الصلاة الكاملة لسيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه وهى :
" ياكامل الذات . ياجميل الصفات . يامنهتى الغايات . يانور الحق . ياسراج العوالم . ياسيدى يامحمد . ياسيدى ياأحمد . ياسيدى ياأبا القاسم . جل كمالك أن يعبر عنه لسان . وعز جمالك أن يكون مدركا لإنسان . وتعاظم جلالك أن يخطر فى جنان . صلى الله سبحانه وتعالى عليك وسلم يارسول الله . يامجلى الكمالات الإلهية الأعظم".
سائلا بقلبك الاغتراف من البحر الأحمدى ، وإن أتمه وأكمله ما كان بعد رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم يقظة ، وقد يكون بواسطة حال روحانى مع مشاهدة باطنية ، وتارة يكون من حيث يعلم المفاض عليه ، وتارة من حيث لا يعلم ، ولسعة مدد الفيض لا يدخل تحت حصر هذا الاغتراف المشار إليه.
وقد أخبر صاحب هذه الصلوات رضى الله تعالى عنه بأن من واظب على تلاوتهن ينال هذا الاغتراف ، فلا تكن مستريبا فيما لا ريب فيه ، عساك أن تغترف ما قدره الله تعالى لك مع الذين اغترفوا وكانوا هادين مهتدين ، ولها أربع عشرة صورة نورانية ، تزف بجنود حبك وإخلاصك إلى خير البرية صلى الله تعالى وآله وسلم.
خروج الأعمال المعنوية
فى صور حسية عند ترقى الروح
فإن الأعمال المعنوية قد تكون فى صور حسية ، فلا تغفل عن إشارتنا هذه لك فإنها نعمت الإشارة ، ولا عن عبارتنا فإنها نعمت العبارة ، ولا تكن ممن شغلته دروسه عن أنسه ، ويومه عن أمسه.
وما أشرت به إليك من أن الأعمال المعنوية تكون حسية ذكره سيدى محيى الدين بن عربى رضى الله تعالى فى قوله:
بل يفعل ذلك بمجرد قيام هذه الصفة به ، وحكم هذا الإسم الإلهى عليه ، فإذا تحرك فى العبادات التى لا حظ للخلق فيها كالصلاة والصيام والحج وأمثال ذلك بل كل عبادة مشروعة وهو مستمد من هذه الحضرة فينوى فى عبادته تلك ما كان منها لا حظ للمخلوق فيها أن ينشئها ويظهر عينها بحركاته أو مسكه عنها إذا كانت العبادة من التروك لا من الأفعال فينشئها صورة حسنة على التمام والكمال ، لتقوم صورة لها روح بما فيها من الحضور مع الله بالنية الصالحة المشروعة فى تلك العبادة ، يفعلها فرضا كانت أو نفلا من حيث ما هى مشروعة له على الحد المشروع لا يتجاوزه لتسبح الله تلك الصورة التى أنشأها المسماة عبادة ، وتذكر الله بحسب ما يقتضيه أمره فيها تعالى ، ويزيد هذا العبد الإنعام على تلك الصورة العملية المشروعة بالظهور لتتصف بالوجود فتكون من المسبحين بحمد الله تعالى ، إنعاما عليها وعلى حضرة التسبيح فيخلق فى عبادته ألسنة مسبحة لله بحمده لم يكن لها عين فى الوجود.
جاءت إمرأة إلى مجلس شيخنا عبد الرازق فقالت له : ياسيدى رأيت البارحة فى النوم من أصحابك قد صلى صلاة فأنشأت تلك الصلاة صورة فصعدت وأنا إليها حتى انتهت إلى العرش فكانت من الحافين به ، فقال الشيخ: صلاة بروح؟! متعجبا من ذلك ، ثم قال: ما تكون هذه الصلاة لأحد من أصحابى إلا لعبد الرازق ، يقول ذلك فى نفسه ، فقال لها : وهل عرفت ذلك الشخص من أصحابى ؟ قالت : نعم ، وأشارت إلى عبد الرازق الذى خطر للشيخ فيه ، فقال لها الشيخ : صدقت ، وأخذها مبشرة من الله.
" أخبرنى بهذه الحكاية عبد الله بن الأستاذ المرورورى بمرورور من بلاد الأندلس وكان ثقة صدوقا".
انتهى من الجزء الرابع ص 217 من الفتوحات المكية وهناك تمام البحث فارجع إليه إن شئت.
: واعلم ياعبد الله ما سيلقى عليك كشرح لطيف لكلام الشيخ الأكبر سيدى حيى الدين رضى الله تعالى عنه يقول: إن العمل الصالح إذا عمله المؤمن يجعله الله تعالى مخلوقا حيا يسبح الله تعالى كالملائكة الكرام.
اعلم أيها الأخ أن الإنسان فيه روح من أمر الله تعالى لا يتصل بها شئ من العمل إلا أحياه الله تعالى كما أحيا الجسم المتصل بذلك الروح ، وتمام حياة الجسم تكون بتمام الجسم وسلامته ، والعمل يكون متصلا بالروح بواسطة الإخلاص الذى وصل به لروحه ، وإلا كان العمل كالجماد ، ولذلك أعمال الكفار وأعمال الأنعام سواء ، كما قال تعالى : ]إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل [.
لان الأنعام ليسوا مكلفين ، فلا لوم عليهم فى موت أعمالهم ، ولان حياة الكفار روحية ، وحياة الأنعام حيوانية غير عاقلة.
وأنصت بقلبك لتلك الفائدة التى تجعل عملك حيا يسبح الله تعالى ، ولا تهملها فإنها غالية عالية.
فائدة أخرى
قال سيدى محيى الدين بن عربى رضى الله تعالى فى النصف الثانى من الجزء الرابع فى الفتوحات ص 344:
" كما أعطت النوافل أن يكون سمعك وبصرك ، فحقق فيما أبديته لك نظرك فإنك إذا علمت حكمت ونسبت ونصبت وكنت أنت أنت ، وصاحب هذا العلم لا يقول أننى أنا الله وحاشاه من هذا حاشاه ، بل يقول : أنا العبد على كل حال ، والله الممتن على بالإيجاد وهو المتعال".
قال مولانا سيدى صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه: يقول لك الشيخ الأكبر سيدى محيى الدين رضى الله تعالى عنه: لا تتهاون بالنوافل. فإن سوقها عند الله حافل. ولها شأن أى شأن. حيث جعلت الحق سبحانه لك سمعا وبصرا ياإنسان. فعليك بحافل سوقها بالليل إذا عسعس. وبالصبح إذا تنفس. وفى الضحى والأسحار. وفى البرارى والقفار. حتى يتحقق فيك معنى الحديث القدسى :" ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به.. إلخ.
ولما كان ظاهر هذا الحديث يستحيل عليه تعالى أولته وقلت فيه بفضل ربى تعالى :
" كنت سمعه ... إلخ" أى كان حبى فى سمعه وبصره وجميع جوارحه ، لأن الحب القلبى إذا سرى إلى جميع الجوارح ، وزيادته تكون بسبب حب الله تعالى لعبده الذى يجعل الحب الإلهى ساريا فى جميع أجزائه.
فالمدار على حب الله تعالى لك لا على حبك له ، وبحبك له عبدته ، وبعبادتك له أحبك ، فلا تنس الحب وأسبابه ، واجعل نوافلك مدامك ، حتى تبصر مرامك.
قال ابن الفارض رضى الله تعالى عنه:
ونفلى مدامى والحبيب منادمى وهكذا توارد الأحوال ، عند تزاحم مقامات الرجال ، فلا تهملن جوادك عند السباق ، ولا يعوقك عن نهو ضك عائق سباق.
وأن تحاسب نفسك على قلقها وعدم صبرها على المكث فى المساجد التى هى بيوت الله تعالى ، وأعلمها أنها إذ ذاك تنال ثواب المرابط فى سبيل الله تعالى ، وهو الذى يكون حارسا بين الكفار والمسلمين.
قال عليه الصلاة والسلام :" وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط".
وأن تحاسب نفسك على عدم الرضا بقليل عيشك. وأنه يجب عليك الرضا بما قسم الله تعالى لك. قال تعالى :] نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا[.
والهم أن الله تعالى قسم المعيشة التى عليها القوام بين الإنس والجن والطير والوحش والحشرات والهوام والبهائم والأنعام والخيل والبغال والحمير والأرض والأشجار والأب والزرع.
وقسم أيضا الأنوار العلوية التى عليها قوام الملائكة والأرواح والكواكب والأعمال الصالحة ، وقسم أيض الأغيار والظلمات.
فمن وافق قسم عيشه قسم نوره كان عيشه نورا ، ولحمه نورا وعظمه تورا ودمه نورا ، وبصره وسمعه نورا ، وعقله نورا وكلامه نورا ، وبدنه نورا ورجله نورا وشعره نورا ، وعروقه نورا وجلده نورا ، وخاطره نورا ، وحاضره نورا ، وغائبه نورا ، وجميع حركاته وسكناته وخطراته وأنفاسه نورا ، وموته نورا وقبره نورا وبعثه نورا ، وعلى الصراط يرى نورا ، وفى المحشر يرى نورا. قال تعالى : ] يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم[.
" حكاية صحيحة " روى لى أن السيد عبد العالى رضى الله تعالى عنه عمل ببلدة الزينية بصعيد مصر " حولا " وهو المسمى شرعا صدقة على الميت ويسمى فى مصر " بالمولد" لوالده سيدنا ومولانا السيد أحمد بن إدريس الشريف رضى الله تعالى عنه.
فكان السيد عبد العالى يقطع الخبز بيده ويقول:" إنى لأرى لهذا الخبز نورا".
وهذا الكلام من قبيل ما قدمته لك فى كلامى هذا ، وما أخبر به السيد فهو كشف حقيقى ، لأن سيدى عبد العالى رضى الله عنه يكفيه فضلا أن والده هو العلامة الشريف مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، وأن مربيه وأستاذه هو شيخ العلماء العاملين فى عصره ، والذى لم يخالف شيخه قيد شعرة سيدنا ومولانا الشريف السيد محمد بن على السنوسى رضى الله تعالى عنه.
وقد يكون النور حسيا متفاوتا فى مرآه لاختلاف القابليات المدركة له ،كذلك النور المعنوى يختلف باختلاف المدركين.
وقد رأى سيدى عبد العالى الخبز نورا ، وغيره يراه خبزا ، وكلاهما قد طابق الواقع إبصاره ، فمن أبصر بعين قلبع أبصر نورا ، ومن أبصر بعين رأسه أبصر خبزا.
ولمنايبة ذكر " الحول" الذى يعمله سيدى عبد العالى لوالده رضى الله تعالى عنهما قد ظفرت بخطاب فى اليوم الثالث من كتابتى لهذا الموضوع.
وهذا الخطاب لسيدى عالم زمانه ، وإمام أوانه ، صاحب العلوم والكرامات ، والنفحات والبركات سيدى الرشيد الدويحى رضى الله تعالى عنه أرسله لتلميذ له يسمى إسماعيل غيره؟ ؛ لأن الخط الذى وجدته هو هكذا " إسماعيل البلياب".
وهذا هو الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وبارك على مولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم فى كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله.
فمن عبد به إبراهيم الرشيد ، لطف به الحميد المجيد.
إلى الأخ المحترم المكرم ، والأعز الأمجد الأحشم ، الشيخ إسماعيل البلياب حفظه الله ىمين.
أما بعد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نعرفكم بكتابكم الكريم قد وصل ، وفهمنا ما فيه وما عليه اشتمل.
أما من جهة أذكار الطريقة ، أعنى طريقة سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، التهليل والعظيمية والاستغفار الكبير.
وقال بعض الناس لسيدى أحمد رضى الله عنه: دلنى على من أسبق إلى الله تعالى ، فقال: عليك بالتهليل ، وسأله آخر فقال : عليك بالعظيمية ، وما يفضل عليها شئ فى الأسبقية إلى الوصول إلى الله سبحانه وتعالى. والاستغفار وقت السحر. والتهليل وقدم على غيره.
والأنس يكون بحسب حاله ووقته ، فكل ما يفتح به الباب ويحصل منه زيادة الأحوال فى هذه الأذكار يكثر منه.
ومن جهة الأحزاب وحزب السيف فلكم الإذن فى قراءتهم.. ولكن الأحسن أن يكثر أولا من التهليل والعظيمية ، لأن الأحزاب لا تدرك معانيها ألا بعد الفتوح.
زمن جهة الحصون فالحصون التى فى الأحزاب يتحصن بها صباحا ومساء.
ومن جهة التسابيح الواردة فى السنة فكان سيدى أحمد رضى الله تعالى عنه يشير إليها: سبحان الله وبحمده " مائة مرة" بعد الصبح إلى الطلوع ، وبعد صلاة العصر إلى الغروب ، وثوابها كل مائة منها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة ، وهو عدد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وسبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر ، كذلك بعد الصبح إلى الطلوع ، وبعد العصر إلى الغروب " مائة مرة ". وثوابها بكل مائة كأنه أعتق مائة من ولد إسماعيل عليه السلام ، وكأنما حج مائة حجة ، وكأنما قرب مائة بدنه لله ، وكأنما ألجم فرس فى سبيل الله.
وان زاد: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فى كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله ، ثوابها بلا حساب.
والفضل المذكور عن ذكرهما قيل الغروب وقبل الطلوع ، وإذا ذكرهما فى وقتيهما المذكورين يكون أزيد من ذلك موافقة للآية :
]وسبح بحمد بربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها[.
وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله إنه كان توابا " سبعين مرة " فى الصباح فقط بعد صلاة الصبح وثوابها سبعمائة حسنة.
ومن جهة ما ذكرت أن المريد إذا تلقى الذكر عن شيخه مع تركه محبة شيخه أو تركه رأسا ثم رجع إليه ، فإذا رجع فهو مقبول ولو من غير تجديد :" التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
ومن جهة ما ذكرت من الأوراد الأخر من المسبعات وغيرها له الثواب ، ولكن الأفضل أن يلازم على أذكار أوراد شيخه ، لأن السر والمدد فيها.
ومن " الحول" فإنها أسلوب أهل الحجاز مع أن كل إنسان يصنع ذلك صدقة للميت على حول وفاته كل سنة وما يصنعه إلا أحب الخلق إليه ، ونحن ما أحد إلينا من سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه.
ومن جهة فضله لفاعله والمعين فيه والمنتسب فيه ، ومن حضره فشئ لا يحصى ولا تسعه كتابة الدفاتر ، ولا تسعه العقول ولا يسعه إلا الإيمان بالله تعالى.
ولفاعله اليد العليا عند سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، لأن أهل الله أهل المروءة والكرم فيكافئون من صنع معهم المعروف بأضعاف كثيرة بحسب نقامهم.
ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وفى هذا القدر كفاية ، وشدوا حيلكم على التعاون فى الطريق ، وإدخال الناس فيه احصول النفع للمسلمين ، لأن أهل السموات وأهل الأرض حتى النملة فى حجرها والحوت فى البحر يصلون على معلمى الناس الخير ، والمتسبب فى الخير كفاعله ، وبلغوا سلامنا إلى كافة من يحوى مقامكم ، والسلام.
شرح الخطاب لسيدنا ومولانا الشيخ صالح الجعفرى
شرح خطاب سيدى إبراهيم رضى الله تعالى عنه " قوله " : وقال بعض الناس لسيدى أحمد رضى الله عنه : دلنى على من أسبق إلى الله تعالى ، فقال :" عليك بالتهليل ".
قال سيدنا ومولانا العارف بالله تعالى الشيخ صالح الجعفرى وفقه الله تعالى : للشيخ الواصل للمريد يكشف عن حاله ، ثم يلقنه الذكر الذى يليق بحاله ، كالطبيب يعرف المرض ثم يصف الدواء الشافى له ، ولعل هذا السائل كانت نفسه أمارة ظلمانية ، فأمره السيد بالتهليل لتذهب ظلمته ويستنير قلبه ، فرضى الله عن سيدى أحمد بن إدريس صاحب العلم النفيس.
" قوله" : وسأل آخر ، قال :" عليك بالعظيمية وما يفضل عليها شئ ف الأسبقية إلى الوصول إلى الله سبحانه وتعالى ".
قال لعل هذه السائل كانت نفسه نورانية فاستحقت الوصول ، فدله السيد بنفسه العالى إلى أفضل شئ فى الأسبقية ، وهى الصلاة العظيمية المختصة بطريق سيدى أحمد رضى الله تعالى عنه ، ووجه الأفضلية الجمع به صلى اللع عليه وآله وسلم.
والعم ياأخانا أن الإنسان
- تارة يمزق الحجب بأعماله.
- وتارة باتصاله.
- وتارة يستصبح فى طريقه بتوفيقه.
- وتارة بتحقيقه.
- وتارة يرى أعباءه على نفسه ، فينقص فى أنسه ، وتارة يرى أعباءه على غيره فيغدق فى خيره ، ومتى اتصلت بسيد السادات ، فقد ضلت عنك المضلات ، وتنزلت عليك البركات ، ولم يحاسبك البواب.
" يدخل الجنة من أمتى سبعون الفا بغير حساب ".
فالداخلون جنة الشهود بغير حساب ، هم المتصلون بالنبى الأواب صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا كانت هذه الصلاة العظيمية توصل تاليها وتدخله فى حضرة القدس بغير حساب ، فلازم عليها ما استطعت فإنها نعمت التجارة وقد ربحت.
" لطيفة " التقيت برجل صالح من الشام من ذرية سيدى عبد الغنى النابلسى رضى الله تعالى عنه يسمى السيد عبد الله النابلسى رحمه الله ، وذلك منذ عشرين عاما ، وكان مشهورا لأنه يعطى أحبابه أذكارا يذكرونها وفوائد تنفعهم ، فقبلت يده وقلت له : ياسيدى ، أريد منك فائدة ، فنظر إلى رأسى ثم إلى جميع جسمى ثم قال لى :" صل على النبى صلى الله عليه وآله وسلم". وكنت رأيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك فأمرنى بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم رأيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ، وامرنى بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومرة رأيته صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أقرأ الصلاة العظيمية فقلت له صلى الله عليه وآله وسلم: أصلى عليك بهذه الصيغة يارسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " بها وبغيرها".
" وللمناسبة" لما توفى السيد عبد الله النابلسى وذلك بعد وفاة الإخوان من السودان : إن السيد عبد الله النابلسى يأتيك فى النوم فتحدث معه بما تريد ، واطلب منه فائدة لقضاء الحوائج.
وبعد العشاء قرأت له الفاتحة ويس ، ونمت ناويا مقابلته ، ففى أول منامى رأيت أننى أدخل باب غرفة ، ورأيت السيد محمد الشريف عبد العالى شيخى جالسا على سرير ، فقال لى بغضب ورفع يديه:" ماذا تريد من السيد عبد الله النابلسى؟ ألم نأذن لك بالأحزاب والأوراد؟ مثل هذا كثير عند والدى" فاستيقظت من منامى وأنا فى تعجب من أمرى هذا.
قوله :" والأنس يكون بحسب حاله ووقته".
قال القطب الغوث سيدنا ومولانا الشيخ صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه: الأنس بالذكر التلذذ به ، ووجود حلاوته فى القلب يكون بأمرين:
الأول: حال الروح ، وهو الصفاء الذى يمون عند التلاوة كالذوق عند الطعام.
والثانى : الوقت المناسب كضوء النهار عند القراءة ، فكما أن الأحوال تتفاوت كذلك الأوقات تتفاوت.
وقد جعل سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه حيثما كان باليمن ثلاثة أوقات للدروس ، وقتا بعد الإشراق إلى ارتفاع الشمس ، ووقتا بعد العصر ، ووقتا خاصا بعد العشاء.
ومن أفضل الأوقات السحر لا سيما للاستغفار. قال تعالى : ]والمستغفرين بالأسحار[.
وعند نزول المطر وعند بكائك وخشيتك وغير ذلك ، ولا سيما وقت التجلى الذى أنت تدريه.
قوله :" فكل ما يفتح به الباب ويحصل منه زيادة الأعمال فى هذه الأذكار يكثر منها".
يقول هذا الكلام الذى ذكره سيدى إبراهيم الرشيد رضى الله تعالى عنه ليس للمبتدئين بل للسالكين الذين وصلوا إلى الأحوال وهم يسمون أرباب الأحوال.
أما المريد المبتدئ فيلقن الأوراد عن شيخه على حسب التقسيم المروى عن صاحب الطريقة ، فلا يخالف المريد ذلك التقسيم الدورى للأحزاب والمحامد والصلوات ، فإذا أراد زيادة أوراد لفراغ عنه فليراجع شيخه حتى يأذن له بما يناسبه.
: والذى أوجه إليه المريد بعد فراغه من أوراده:
أن يتعلم ما تيسر من كتاب الله تعالى.
ومن الفقه الذى يصحح به عبادته.
ومن علم التوحيد ما يصحح عقيدته ، حتى تقوى شريعته التى عليها مدار حقيقته.
قوله:" لأن الأحزاب لا يدرون معانيها إلا بعد الفتوح".
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin