السيد احمد ابن ادريس استاذ الختم - الفصل الخامس :أبجدية التصوف
وقد هيأت روحك لتسبح فى بحر سبوحك ، لتتلقى :
علم ( ألف) الأحدية التى غيبتها كمن سواه.
وعلم ( باء) البقاء لتكون باقية الباقى " بك أبقنا".
وعلم ( تاء ) التوجه لتكون كتوجهة إلى وجه واحد من جميع الوجوه.
وعلم ( ثاء ) ثواب أهل العبودية بالتباع المحمدى منزلة منزلة.
وعلم ( جيم ) جمال النور المحمدى عند الاجتماع الأعظم ، بالنبى الأكوم ، صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلم ( حاء ) حياتك الطيبة بإيمانك وعملك الصالح ]من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة[.
وعلم خاء خوفك من جلال ربك عند قربك ]يدعون ربهم خوفا وطمعا[.
وعلم ( دال ) دنوك من حظيرة القدس الأعلى ، حين سجودك وقولك :" سبحان ربى الأعلى ".
وعلم ( ذال ) ذكائك عند اتصال روحك بأزكى الحليفة ، لتتنزل على قلبك الرقيقة من فيض فيضان علوم الحقيقة.
وعلم ( راء ) رحمة ربك التى تجعلك رحمة للمؤمنين.
وعلم ( زاى ) زكاة نفسك وفلاحها ]قد افلح من زكاها [.
وعلم ( سين ) سعادتها الأبدية قال تعالى : ]وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها [.
وعلم ( شين ) شكرها على نعم ربها لتحظى بزيادة قربها ، قال تعالى : ]وإذ تأذن ربك لئن شكرتم لأزيدنكم [.
وعلم ( صاد) صدقها فى معاملة ربها ، قال تعالى : ]يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين[.
وعلم ( ضاد) ضياء قلبها بنور ربها عند الطمأنينة بذكره ، قال تعالى : ]ألا بذكر اله تطمئن القلوب[.
وعلم ( طاء) طهر ربها من رجسها لتحظى بعالم قدسها ، قال تعالى : ]ولكن الله يزكى من يشاء [.
وعلم ( ظاء) ظفرها على عدوها لاعتمادها على ربها ، قال تعالى : ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[.
وعلم ( عين ) علمها باكرام ربها الأكرم ، قال تعالى : ]علم الإنسان ما لم يعلم [.
وعلم ( غين ) غيرتها على دينها ؛ لتنال الغاية القصوى فى الاتباع المحمدى ، قال تعالى : ]لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة[.
وعلم ( فاء ) فلاحها ، فى عالم تزكيتها ، قال تعالى : ]قد افلح من زكاها [.
وعلم ( قاف) قربها ، فى عالم حبها عند مشاهدة حبها ، قال تعالى : ]ونحن أقرب إليه من حبل الوريد[.
وعلم ( كاف) كفايتها شر غوايتها وشر أعدائها. قال تعالى : ]فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [.
وعلم ( لام ) لومها لنفسها من هيبة ربها ، قال تعالى : ] ولا اقسم بالنفس اللوامة[.
وعلم ( ميم ) موتها قبل أن تموت لتحيا بالحياة الملكية. قال تعالى: ] الله نور السموات والأرض[.
وعلم ( هاء ) نورها بنور ربها الذى هو نور السموات والأرض. قال تعالى : ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[.
وعلم ( واو ) ولاية ربها لها فى عالم النور والبهاء. قال تعالى : ]الله ولى الذين آمنوا [.
وعلم ( لا ) من لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وعلم ( ياء ) يسرها ، قال تعالى : ]فسنيسره لليسرى[.
فهذه تسعو وعشرون علما التسعة بمنزلة التسعة أشهر التى يترلبى بها الجسد فى البطن ، والعشرون بمنزلة العامين ]لمن اراد أن يتم الرضاعة[. فإذا أتم الرضاعة لزمته القناعة ، وصحبته الطاعة ، فالقناعة تورث الزهد ، والطاعة تورث التقوى.
( فزاى) الزهد زكاة ، ( وهاؤه) هداية ، ( وداله ) دلالة ، فيلازم الزكاة وهى طهارة الظاهر والباطن ، ويلازم الهداية لنفسه وللناس ، ويلازم الدلالة على الله فيدل نفسه وغيره على الله.
( وتاء) التقوى توكل ، ( وقافها) قرب ، ( وواوه) ورع ، ( وياؤها) يقين ، فيحصل على القناعة والطاعة والتقوى والزهد والدلالة والتوكل والقرب والورع واليقين.
فهذه التسعة تضاف إلى تسعة وعشرين فيكون العدد ثمانية وثلاثين ويضاف إليها الإسلام والإيمان تبلغ أربعين بمنزلة أربعين ليلة التى هى الميقات]فتم ميقات ربه أرعين ليلة[.
وبعد ذلك يكون قد تهيأ للمكالمة الإلهية التى أشار إليها السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه بقوله :" غاية مكالمتك".
وتلك المكالمة الروحية الذوقية الغيبية هى التى عليها مدار الولاية ، وهى من باب خرق العادة مما لا تصل إليه الإشارة ، ولا تومئ إليه العبارة ، أمرها مفهوم ، وسرها مكتوم ، وشربها مختوم ]ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون[.
موقف عز عن أكون نؤوم
وكسول قد غره الدينار
ومحب لنفسه وهواها
شغلته عما يراد الديار
ولقد جعلتك فى الفؤاد محدثى
لما رآك القلب بالتقديس
والروح مسور بخير مورث
وأبحث جسمى من أراد جلوسى
قال سيدى الشفاء مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه :" وغاية مكالمتك " يعنى واسالك يارب غاية مكالمتك ، وهى التى بها بعلو النور والبهاء فى حضرة الأنس من وراء عالم الحس ، حيث تتلاشى الغايات بغاية المكالمة للذين يريدون وجهه ، وقد أرادهم قبل أرادتهم له ، وسبقت إليهم منه الحسنى ، قال تعالى : ]ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون[ أى مبعدون عن نار القطيعة فى الدنيا ، وعن نار الحميم فى الآخرة ، فقد فارقتهم إرادة ، وغشيتهم إرادة ، شغلتهم عن شواغل العبادة ، تكاثرت عليهم الآيات ، فتزاحمت فى ساحتهم الواردات ، تشتاق قلوبهم لحبيبهم إذا اشتاقت القلوب إلى أحبابها ، مروا على أهل الجنة فوجدوهم عاكفين على بابها ، فقالوا لهم ما أردنا هذا النعيم ، ولكن أردنا وجه الكريم ، فبشرهم سبحانه بقوله :]وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة [.
فصبروا أنفسهم فأمر الحق سيدهم عليه الصلاة والسلام أن يصبر نفسه معهم ، فتشرفوا به حيث أرادتهم مع أرادته صلى اله عليه وآله وسلم]واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه[.
قال صاحب العلم النفيس رضى الله تعالى عنه:
وقال الله عز وجل : ]وما لأحد عنده من نعمة تجزى * الا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى[.
استدل السيد رضى اله تعالى عنه بهذه الآيات ليفيدنا بأن الذى يريد بعمله وجه اله تعالى جزاؤه على الله أن يرضيه. لأنه أرضى الله تعالى بالإخلاص بالعمل ، فوعده الله تعالى بالرضا فى الجنة ، وبالرضا فى الدنيا بجنة المشاهدة بعد الفتح ]إذا جاء نصر اله والفتح[.
اعلم أن الفتح بالنصر ، وأن النصر بالهداية ، وأن الهداية بالجهاد ]وجاهدوا فى اله حق جهاده[. ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[. فإذا وصلت إلى الفتح فتحت لك أبواب جنة المشاهدة الثمانية: جنة المراقبة. وجنة المحاسبة. وجنة المشاهدة. وجنة التجلى. وجنة التلذذ بالذكر. وجنة الوحشة من الغير. وجنة الأنس بالله. وجنة الفناء لما سواه.
قال البوصيرى رحمه اله تعالى :
ودعوا أن تلكموا الدار لكم
فادخلوها بسلام آمنينا
قال اله تعال عن أهل الجنة : ]ادخلوها بسلام آمنين [ ، وقال تعالى : ]لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى [.
كذا أهل الشهود الذين أماتوا أنفسهم وشهواتها فأحياهم الله ، فأمنوا موت القلوب ، لما شربوا من ماء سماء الغيوب ، ما تلاشت به عنهم الغفلة والعيوب.
وقال تعالى : ]وما كان الله ليضيع إيمانكم[. وقال تعالى : ]صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة [.
وقال تعالى : ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[. وكما أنه سبحانه وتعالى حفظ القرآن العظيم حفظ مقره ومكانه تكرمة له ، قال تعالى : ]بل هو قرآن مجيد * فى لوح حفوظ[. وقال عليه الصلاة والسلام :" فإن النار لا تحرق قلبا وعى القرآن " فبشرى لحفظة القرآن بحفظ اله لهم ولقلوبهم لأجل القرآن.
فهو السور المنيع ، والحصن القوى ،؟ والصاحب الوفى ، ان حفظته حفظت ، وان تلوته أثبت ، وأن علمته به نجوت ، وان دعوت إليه هديت ، وان حكمت به عدلت ، وان حكم عليك سعدت بقبول الشهادة لك إن أحسنت العشرة وراعيت الصحبة وقدست الحكمة.
من جاهد به فقد جاهد ، ومن تدبر آياته فقد شاهد ، له السلطان القاهر ، والحجة البالغة ، وآيات الجامعة ، إذا جهلت علمك ، وإذا أظلمت نورك ، وإذا تكاسلن نهضك ، قول فصل يفصل بين الحق والباطل ، ويرد ببلاغته كل ملحد ومجادل ، ما أكثر ثمار أشجاره لا تنقطع ثمارها كلما دنوت قطفت ] إنه لقرآن كريم [.
فكما ربيت جسمك بأنواع الثمرات الأرضية ، فلا تحرمن روحك من أنواع الثمرات السماوية ، فعرج على كل ثمراته لتحيا بها حياة أهل الذكرى.
فإذا تدبرت آياته رأيت حكمه عليك تترى ، فتحييك كما أحيت الذين من قبلك ، قال تعالى : ]وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا[. وقال تعالى : ]وإنه لذكر لك ولقومك[.
اعلم أن للجسد روح الحياة ، وللروح روح البينات ، فالجسد يجيا بروحه ، والروح تحيا بروحها ، والحى من جمع بين الروحين ، وروح الحياة لا كسب له فيها ، وروح القرآن له فيها كسب ولكن الأولى بعد خلق ، قال تعالى : ]فإذا سويته ونفخت فيه من روحى [.
والثنية بعد اصطفاء قال تعالى : ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[ ، وما أحسن الخلق والاصطفاء إذا اجتمعا.
ولما أرضى سيدنا ابى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه بلابلا بن رباح الحبشى رضى الله تعالى عنه ، رضى الله تعالى عنه كمت فى الحديث الوارد.
وقد لقب بالصديق والرفيق والعتيق لأنه أنفق ماله ابتغاء وجه الله الكريم ، فنال من اله تعالى الرضا والتكريم ، وكان بلال حينما يعذبه الكفار يقول: " أحد أحد " ولما حضرته الوفاة قيل له : نأتى إليك بطبيب؟ وهو يقول:
غدا نلقى الأحبه
محمدا وحزبه
وهكذا الاحباب إذا دنت ركائبهم تذكروا أحبابهم ، وودوا ذهابهم.
وكانت آخر كلمة قالها سيدى عبد العالى الإدريسى رضى اله تعالى عنه :" الله "ومدها فخرجت روحه الشريفة معها.
وهكذا الأحباب لا يخرجون من الدنيا حتى تغيب عنهم الدنيا بمشاهدة محبوبهم ، قلوبهم تشكره ، ولسانهم يذكره ، قد نسوا جميع الوجوه لتعلقهم بوجه واحد ]كل شئ هالك إلا وجهه * له الحكم وإليه ترجعون[.
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثالث
القاعدة الثالثة :" الرحمة "
قال سيدى أحمد بن إدريس رضى اله تعالى عنه:
أن يوطن قلبه على الرحمة لجميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم ، ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير ، فإن رسخ فى هذه القاعدة واستقام فيها قلبه أفاض الله سبحانه وتعالى على سائر جسده أنوار الرحمة الإلهية ، وأذاقه حلاوتها فنال من الإرث النبوى حظا وافرا عظيما من قول الله عز وجل : ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إن لله عز وجل ثلاث حرمات ، فمن حفظهن حفظ الله عليه أمر دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ اله له شيئا : حرمة الإسلام وحرمتى وحرمة رحمى " وفى هذا المعنى قول النبى صلى اله عليه وآله وسلم لأبى بكر الصديق رضى اله تعالى عنه " لا تحقرن أحدا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير".
قال صاحب العلم النفيس مولاى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه:
" أن يوطن قلبه على الرحمة لجميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير".
قال صاحب العلم الثرى سيدى صالح الجعفرى رضى اله تعالى عنه : وقد أشار النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه المعانى بقوله: " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه ". أى ليس على سنتنا السمحاء.
ومن يكون كذلك فله حظ وافر فى الإرث المحمدى ، قال تعالى : ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ ، وقال عليه الصلاة والسلام: " إنما بعثت رحمة ".
فمن أراد الرحمة لنفسه فليرحم غيره ، قال عليه الصلاة والسلام: " من لا يرحم لا يرحم".
وقد رويت هذا الحديث المسلسل بالأولية عن شيخى الشيخ على محمد إمام مسجد دنقلا المتصل إلى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه إلى نتهى السند ، وكان ذلك فى عام 1345هـ ، وأيضا قد تلقيته بإسناد آخر عن السيد عبد الحى الكتانى بالمسجد الحسينى بمصر ، وذلك فى عام 1360هـ.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء ". ومن جعل قلبه رحمة للمؤمنين فقد استجلب الرحمة الإلهية إليه ، وفتح أبوابها نحوه ، فينال من الإرث المحمدى على قدر تمكنه فى هذا المقام.
قال تعالى فى وصفه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم :]بالمؤمنين رؤوف رحيم[ ، وعلى قدر الإرث يكون الاتصال بالموروث ، وعلى قدر الرحمة تكون المنفعة للعباد ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : " أحب الخلق إلى الله تعالى أنفعهم لعباده" فتدخله الرحمة فى مظهر اسمه تعالى " النافع " فلا يتعرض لضرر المؤمنين بوجه من الوجوه ، بل يتسبب فى جلب النفع إليهم.
قال عليه الصلاة والسلام:" من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " ، وقال سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه: " الولى فى زماننا هذا الذى ينتفع به أعداؤه يؤذونه ويدعو لهم بالخير" ، وهذه أيضا فى التراث المحمدى.
قال البرعى رحمه الله تعالى :
ودعوة أحمد رب اهد قومى
فهم لا يعملون كما علمنا
والعفو والتجاوز ومقابلة السيئة بالحسنة إنما يكون بسبب الرحمة.
وكل من كان كذلك ينطق عليه قول سيدنا الشفاء صاحب العلم النفيس مولاى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه فى أحزابه:
" ثم تصب ياإلهى على ذاتى فيوضات بحر محيط الرحمة الإلهية ، حتى أكون كلى رحمة إلهية فى جميع عوالمك الإطلاقية والتقيدية ، ويكون لسان رحمة ذاتى فى جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة ]ورحمتى وسعت كل شئ[.
وسبب انصباب فيوضات بحر الرحمة الذاتية على ذاتك هو إعراضك عن لذاتك ، وتخليها عن أنا والأنانية ، بتحلى إخلاصها بصدق النية ، وانغماسها فى بحر عين الوحدة ، وبحر]إنما المؤمنون إخوة[ ، فرحمت النفس نفسها لما رحمت إخوتها ، فصارت فى حضرة الإطلاق آية الرحمة ، فنالت جزاء رحمتها بانصباب الفيوضات من بحر الرحمات.
فاهتزت أرض جسمها وربت ، فصارت كلها رحمة إلهية وأينعت فى جميع العوالم: لاغطلاقية مع اهل الإطلاق ، والتقييدية مع أهل التقييد ، ثم يوفق لسان رحمة ذاتى من جميع جهات روحى يتلو بلسان روحى فى جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة : ]ورحمتى وسعت كل شئ [ التى عمت الإيجاد بعد العدم والرزق والعافية والذرية والآجال وتأخير العقوبات ، كل ذلك لم يدخل فى التقييد.
وقد جهل إبليس فظن أنه يدخل فى الرحمة ، واحتج بهذه الآية على بعض العارفين ، وقد جهل إبليس أن الرحمة مطلقة ومقيدة ، فالمطلقة عمت كل شئ حتى الكافر ، والخاصة فى قوله تعالى :]فسأكتبها[.
وقد امتن الله على الخلق مؤمنهم وكافرهم بقوله :]ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا[ وغير ذلك فى الآيات ، وقد أشار إلى المقيدة بقوله تعالى :]وكان بالمؤمنين رحيما[.
فمن ذهب إلى بلاد الكفار ليدعوهم إلى الإسلام ، وذهب إلى مجالس الفساق ليدعوهم إلى التوبة ، وإلى بلاد الجهال ليعلمهم أمور دينهم ، وإلى العاملين المؤمنين ليذكرهم ، فقد أخذ بالرحمتين وتخلق بالخلتين ، قال عليه الصلاة والسلام :" تخلقوا بأخلاق الله " يعنى التى يجوز للخلق أن يتخلقوا بها ، كالرحمة والعفو والكرم والرأفة والعلم والعدل والإحسان وغير ذلك.
]إن اله يأمر بالعدل والإحسان[ ، ]وليعفوا وليصفحوا[.
أخرج صاحب هذه القواعد فى رسالته المسماة " روح السنة " ، وروح النفوس المطمئنة " هذه الأحاديث:
وربما تعرضت لشرح بعض كلماتها على وفق الإلهام والمدد الإلهى فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
فأقول بالسند المتصل على السيد أحمد بن إدريس رضى اله تعالى عنه عن رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم انه قال:
" والذى نفسى بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قالوا : كلنا رحيم ، قال: لا ... حتى ترحم العامة ".
قلت: وهذا ما أشرت إليك آنفا من الرحمة المطلقة التى يكون صاحبها كالبحر يروى كل من يرده.
والجنة جنتان : معجلة وهي جنة المشاهدة الإلهية في الدنيا ، ويكون التلذذ فيها بذكر الله تعالى كما يتلذذ أهل الجنة بنعيم الجنة ، ولذلك كان r تقر عينه بالصلاة ، وللعارفين على قدر درجاتهم في الإرث المحمدي ، وجنة المشاهدة في الدنيا لها أبواب كثيرة من أجلها : أن يوطن قلبه على الرحمن لجميع المسلمين ، فإن كان من ارباب الترقي الروحي وصلت به رحمته إلى جمعية عيون الحقائق الرحموتية r فينال في ذلك على قدر أهليته ، ثم يتلو لسان رحمة ذاته من جميع جهاته في جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة ، وبلسانه الذي يتكلم به في مقام إجابة لسانه إذا ترجم عن جنانه ، وعند ذلك تقول الروح للسان : الله حسبك : (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فيستطيع أن يتلوا من جميع جهاته في جميع جهات الخلق على طريق التراث المحمدي لمن على جميع الخلق علا وسما المشار إلى مقامه r بقول ربه تعالى : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)
واعلم يا أخانا في الله تعالى أن مدارك الإدراك تشبه دورة حركة الأفلاك ، فنظم مدار حركة إدراكك ، بعد تنظيم حركة دورة أفلاكك ، حتى لا ينبغي لشمس حقيقتك أن تدرك قمر شريعتك فيقع خسوف التخليط ، ولا لليل غيب سرك أن يسبق نهار روحك في الوجد والشهود
فإذا انتظمت أفلاكك ظهرت أنوارك ، فتكون ذاتك كلها نوراً ذاتياً صرفاً من جميع الوجوه ، فتجلس روحك على منبر قدسك منورة بنور ربك ، وقد أشرقت شمس نهارك على أرض جسمك ، فتنزلت الرحمات على قلبك ، فتوطن على الرحمة لجميع المسلمين ، وصرت رحمة بين عباد الله ، ملحوظاً بعين الله ، مرحوماً برحمة الله (سيجزيهم وصفهم) (وما ربك بظلام للعبيد)
وبالسند المتصل إلى الشريف مولاي السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه قال : وعنه r أنه قال : " يقول الله عز وجل : إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي "
انظر كيف جعل ربك وصول رحمته تعالى إليك متوقفاً على رحمتك لخلقه ؟! فإذا رحمت الخلق فإنما أنت في الحقيقة ترحم نفسك ، وإذا حرمتهم رحمتك فقد حرمت نفسك ، كالذي يسقى الأشجار بالماء لتثمر فينتفع بثمرها ، فهو في الظاهر يسقي الأشجار ، وفي الحقيقة إنما هو يسقي نفسه ، وإذا ترك سقيها فقد ترك مصلحة نفسه ورحمته إياها
وبالسند المتصل إلى سيدي الشريف مولاي السيد أحمد بن إرديس رضي الله تعالى عنه أنه قال : وعنه r أنه قال : " ليس منا من لم يبجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " أيش تبجيل الكبير ؟ احترامه وتوقيره لكبر سنه ، وذلك من عادة الأشراف والعرب إلى يومنا هذا ، ورحمة الصغير : الشفقة والعطف عليه لضعفه وصغر سنه وعقله ، ويعرف للعالم حقه من الإرث المحمدي ، قال عليه الصلاة والسلام : " العلماء ورثة الأنبياء "
وحق الأفضلية ن قال عليه الصلاة والسلام : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم "
فمعرفة حق العالم واجبة على كل مسلم ، ويجب احترامه لأجل الخلافة ، قال عليه الصلاة والسلام : رحم الله خلفائي ، قالوا : ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال : الذين يأتون من بعدي يبلغون الناس سنتي "
والأمة بخير مادام العلماء فيها ، والأمة بخير ما وقرت علماءها واستمعت لأقوالهم وعملت بها ، قال البوصيري رحمه الله تعالى :
كيف نخشى الضلال من بعدك . وفينا وارثوا نور هديك العلماء
وبالسند المتصل إلى صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه أنه قال : وعنه r أنه قال : " من سره أن يقيه الله من فور جهنم يوم القيامة ويجعله في ظلله فلا يكن بالمؤمنين غليظاً وليكن بهم رحيما "
ايش ؟ لأن الجزاء من جنس العمل ، فالذي يرحم المؤمنين في الدنيا يرحمه الله تعالى بالنجاة من عذاب جهنم ويظله تحت العرش يوم القيامة
وبالسند المتصل إلى صاحب العلم النفيس أنه قال : وعنه r أنه قال : " إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطيل الله وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد فيقول : يا رب ارحمني اليوم ، فيقول : هل رحمت شيئاً من خلقي من أجلي فأرحمك ؟ هات ولو عصفوراً "
ايش ؟ كن رحيماً بخلق ربك يرحمك يوم لا ينفعك مال ولا بنون ، واعلم أن الرحمة تنفعك ولو لحيوان أو طير أو بهيمة ، لأن الله تعالى خلقهم مثل ما خلقك ، قال تعالى : (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلى أمم أمثالكم)
قال صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه :/
ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير ن فإن رسخ في هذه القاعدة واستقام فيها قلبه افاض الله سبحانه وتعالى على سائر جسده أنواره الرحمة الإلهية وأذاقه حلاوتها ، فنال من الإرث النبوي حظاً وافراً عظيماً من قول الله عز وجل : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذا معنى قول رسول الله r : " إن لله ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله عليه أمر دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً : حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي "
وفي هذا المعنى قول النبي r لأبي بكر رضي الله تعالى عنه : " لا تحقرن أحداً من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير "
الحرمات : الحقوق ، فمعنى حرمة الإسلام : أي ما يطلبه الإسلام من المسلم ، وهي أمور كثيرة لا يكمل الإسلام إلا بها كقوله r : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وكقوله r : " المسلم أخو المسلم " وكقوله r : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وكقوله r : " أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا غله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " وكقوله تعالى : (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)
وبالجملة : فمن راعى ما وجب في الإسلام ففعل ، وما حرم فترك ، فقد عظم حرمة الإسلام ، ويدخل في قوله r : " احفظ الله يحفظك " ومن لم يكن كذلك فلم يعظم حرمة الإسلام وحينئذ فمن أضاع فجزاؤه الضياع
وفي الحديث : تدعو الصلاة على من اضاع وقتها فتقول : ضيعك الله كما ضيعتني "
وحرمة النبي r : حقه الذي أوجبه الله تعالى علينا ، كطاعته في قوله وفعله ، واحترامه وتوقيره وتكريمه ، والاعتراف بفضله وشفاعته ، وجاهه ورفع ذكره وعلو درجته ، وأنه موصوف منذ خلقه الله تعالى بالزيادة في الإيمان والعلوم والأنوار والدرجات والبركات والأسرار والنفحات والخيرات
وكذلك يكون بعد أن لحق بالرفيق الأعلى أعلى مقاماً وأجل إكراماً وأوسع علماً وإدراكاً وكشفاً وشهوداً وسماعاً ورداً للسلام ، ولا يجوز لمؤمن أن يعتقد فيه غير ذلك ، أو أنه قد مات كموت الخلق ، بل أحياه الله تعالى بعد موته بحياة تفوق حياة النبيين والمرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وحياة الشهداء ، وحياة الملائكة الكرام ، وحياة الأحياء من أهل الدنيا
ويجب عليك أن تحبه r أكثر من نفسك ، وأن تصلي وتسلم عليه ، وأن تزور روضته الشريفة لتحظى برد سلامه r عليك ، وتحصل لك بركته r وبركة نظره إليك ودعائه لك
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل أهل بيت النبوة رضي الله تعالى عنهم . ومن أعظم الصلة لهم زيارتهم بعد مماتهم ، والتسليم عليهم والترضي عنهم
" لا تحقرن أحداً من المسلمين " احتقار المسلم هو الازدراء به والتكبر عليه ، قال عليه الصلاة والسلام : " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
وقد نادى الله تعالى في القرآن عباده بما يدل على الأخوة والمساواة فقال : يا عبادي . يا بني آدم . يا أيها الناس يا أيها الذين آمنوا
بسم الله الرحمن الرحيم
وقد هيأت روحك لتسبح فى بحر سبوحك ، لتتلقى :
علم ( ألف) الأحدية التى غيبتها كمن سواه.
وعلم ( باء) البقاء لتكون باقية الباقى " بك أبقنا".
وعلم ( تاء ) التوجه لتكون كتوجهة إلى وجه واحد من جميع الوجوه.
وعلم ( ثاء ) ثواب أهل العبودية بالتباع المحمدى منزلة منزلة.
وعلم ( جيم ) جمال النور المحمدى عند الاجتماع الأعظم ، بالنبى الأكوم ، صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلم ( حاء ) حياتك الطيبة بإيمانك وعملك الصالح ]من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة[.
وعلم خاء خوفك من جلال ربك عند قربك ]يدعون ربهم خوفا وطمعا[.
وعلم ( دال ) دنوك من حظيرة القدس الأعلى ، حين سجودك وقولك :" سبحان ربى الأعلى ".
وعلم ( ذال ) ذكائك عند اتصال روحك بأزكى الحليفة ، لتتنزل على قلبك الرقيقة من فيض فيضان علوم الحقيقة.
وعلم ( راء ) رحمة ربك التى تجعلك رحمة للمؤمنين.
وعلم ( زاى ) زكاة نفسك وفلاحها ]قد افلح من زكاها [.
وعلم ( سين ) سعادتها الأبدية قال تعالى : ]وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها [.
وعلم ( شين ) شكرها على نعم ربها لتحظى بزيادة قربها ، قال تعالى : ]وإذ تأذن ربك لئن شكرتم لأزيدنكم [.
وعلم ( صاد) صدقها فى معاملة ربها ، قال تعالى : ]يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين[.
وعلم ( ضاد) ضياء قلبها بنور ربها عند الطمأنينة بذكره ، قال تعالى : ]ألا بذكر اله تطمئن القلوب[.
وعلم ( طاء) طهر ربها من رجسها لتحظى بعالم قدسها ، قال تعالى : ]ولكن الله يزكى من يشاء [.
وعلم ( ظاء) ظفرها على عدوها لاعتمادها على ربها ، قال تعالى : ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[.
وعلم ( عين ) علمها باكرام ربها الأكرم ، قال تعالى : ]علم الإنسان ما لم يعلم [.
وعلم ( غين ) غيرتها على دينها ؛ لتنال الغاية القصوى فى الاتباع المحمدى ، قال تعالى : ]لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة[.
وعلم ( فاء ) فلاحها ، فى عالم تزكيتها ، قال تعالى : ]قد افلح من زكاها [.
وعلم ( قاف) قربها ، فى عالم حبها عند مشاهدة حبها ، قال تعالى : ]ونحن أقرب إليه من حبل الوريد[.
وعلم ( كاف) كفايتها شر غوايتها وشر أعدائها. قال تعالى : ]فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [.
وعلم ( لام ) لومها لنفسها من هيبة ربها ، قال تعالى : ] ولا اقسم بالنفس اللوامة[.
وعلم ( ميم ) موتها قبل أن تموت لتحيا بالحياة الملكية. قال تعالى: ] الله نور السموات والأرض[.
وعلم ( هاء ) نورها بنور ربها الذى هو نور السموات والأرض. قال تعالى : ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[.
وعلم ( واو ) ولاية ربها لها فى عالم النور والبهاء. قال تعالى : ]الله ولى الذين آمنوا [.
وعلم ( لا ) من لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وعلم ( ياء ) يسرها ، قال تعالى : ]فسنيسره لليسرى[.
فهذه تسعو وعشرون علما التسعة بمنزلة التسعة أشهر التى يترلبى بها الجسد فى البطن ، والعشرون بمنزلة العامين ]لمن اراد أن يتم الرضاعة[. فإذا أتم الرضاعة لزمته القناعة ، وصحبته الطاعة ، فالقناعة تورث الزهد ، والطاعة تورث التقوى.
( فزاى) الزهد زكاة ، ( وهاؤه) هداية ، ( وداله ) دلالة ، فيلازم الزكاة وهى طهارة الظاهر والباطن ، ويلازم الهداية لنفسه وللناس ، ويلازم الدلالة على الله فيدل نفسه وغيره على الله.
( وتاء) التقوى توكل ، ( وقافها) قرب ، ( وواوه) ورع ، ( وياؤها) يقين ، فيحصل على القناعة والطاعة والتقوى والزهد والدلالة والتوكل والقرب والورع واليقين.
فهذه التسعة تضاف إلى تسعة وعشرين فيكون العدد ثمانية وثلاثين ويضاف إليها الإسلام والإيمان تبلغ أربعين بمنزلة أربعين ليلة التى هى الميقات]فتم ميقات ربه أرعين ليلة[.
وبعد ذلك يكون قد تهيأ للمكالمة الإلهية التى أشار إليها السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه بقوله :" غاية مكالمتك".
وتلك المكالمة الروحية الذوقية الغيبية هى التى عليها مدار الولاية ، وهى من باب خرق العادة مما لا تصل إليه الإشارة ، ولا تومئ إليه العبارة ، أمرها مفهوم ، وسرها مكتوم ، وشربها مختوم ]ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون[.
موقف عز عن أكون نؤوم
وكسول قد غره الدينار
ومحب لنفسه وهواها
شغلته عما يراد الديار
ولقد جعلتك فى الفؤاد محدثى
لما رآك القلب بالتقديس
والروح مسور بخير مورث
وأبحث جسمى من أراد جلوسى
قال سيدى الشفاء مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه :" وغاية مكالمتك " يعنى واسالك يارب غاية مكالمتك ، وهى التى بها بعلو النور والبهاء فى حضرة الأنس من وراء عالم الحس ، حيث تتلاشى الغايات بغاية المكالمة للذين يريدون وجهه ، وقد أرادهم قبل أرادتهم له ، وسبقت إليهم منه الحسنى ، قال تعالى : ]ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون[ أى مبعدون عن نار القطيعة فى الدنيا ، وعن نار الحميم فى الآخرة ، فقد فارقتهم إرادة ، وغشيتهم إرادة ، شغلتهم عن شواغل العبادة ، تكاثرت عليهم الآيات ، فتزاحمت فى ساحتهم الواردات ، تشتاق قلوبهم لحبيبهم إذا اشتاقت القلوب إلى أحبابها ، مروا على أهل الجنة فوجدوهم عاكفين على بابها ، فقالوا لهم ما أردنا هذا النعيم ، ولكن أردنا وجه الكريم ، فبشرهم سبحانه بقوله :]وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة [.
فصبروا أنفسهم فأمر الحق سيدهم عليه الصلاة والسلام أن يصبر نفسه معهم ، فتشرفوا به حيث أرادتهم مع أرادته صلى اله عليه وآله وسلم]واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه[.
قال صاحب العلم النفيس رضى الله تعالى عنه:
وقال الله عز وجل : ]وما لأحد عنده من نعمة تجزى * الا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى[.
استدل السيد رضى اله تعالى عنه بهذه الآيات ليفيدنا بأن الذى يريد بعمله وجه اله تعالى جزاؤه على الله أن يرضيه. لأنه أرضى الله تعالى بالإخلاص بالعمل ، فوعده الله تعالى بالرضا فى الجنة ، وبالرضا فى الدنيا بجنة المشاهدة بعد الفتح ]إذا جاء نصر اله والفتح[.
اعلم أن الفتح بالنصر ، وأن النصر بالهداية ، وأن الهداية بالجهاد ]وجاهدوا فى اله حق جهاده[. ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[. فإذا وصلت إلى الفتح فتحت لك أبواب جنة المشاهدة الثمانية: جنة المراقبة. وجنة المحاسبة. وجنة المشاهدة. وجنة التجلى. وجنة التلذذ بالذكر. وجنة الوحشة من الغير. وجنة الأنس بالله. وجنة الفناء لما سواه.
قال البوصيرى رحمه اله تعالى :
ودعوا أن تلكموا الدار لكم
فادخلوها بسلام آمنينا
قال اله تعال عن أهل الجنة : ]ادخلوها بسلام آمنين [ ، وقال تعالى : ]لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى [.
كذا أهل الشهود الذين أماتوا أنفسهم وشهواتها فأحياهم الله ، فأمنوا موت القلوب ، لما شربوا من ماء سماء الغيوب ، ما تلاشت به عنهم الغفلة والعيوب.
وقال تعالى : ]وما كان الله ليضيع إيمانكم[. وقال تعالى : ]صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة [.
وقال تعالى : ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[. وكما أنه سبحانه وتعالى حفظ القرآن العظيم حفظ مقره ومكانه تكرمة له ، قال تعالى : ]بل هو قرآن مجيد * فى لوح حفوظ[. وقال عليه الصلاة والسلام :" فإن النار لا تحرق قلبا وعى القرآن " فبشرى لحفظة القرآن بحفظ اله لهم ولقلوبهم لأجل القرآن.
فهو السور المنيع ، والحصن القوى ،؟ والصاحب الوفى ، ان حفظته حفظت ، وان تلوته أثبت ، وأن علمته به نجوت ، وان دعوت إليه هديت ، وان حكمت به عدلت ، وان حكم عليك سعدت بقبول الشهادة لك إن أحسنت العشرة وراعيت الصحبة وقدست الحكمة.
من جاهد به فقد جاهد ، ومن تدبر آياته فقد شاهد ، له السلطان القاهر ، والحجة البالغة ، وآيات الجامعة ، إذا جهلت علمك ، وإذا أظلمت نورك ، وإذا تكاسلن نهضك ، قول فصل يفصل بين الحق والباطل ، ويرد ببلاغته كل ملحد ومجادل ، ما أكثر ثمار أشجاره لا تنقطع ثمارها كلما دنوت قطفت ] إنه لقرآن كريم [.
فكما ربيت جسمك بأنواع الثمرات الأرضية ، فلا تحرمن روحك من أنواع الثمرات السماوية ، فعرج على كل ثمراته لتحيا بها حياة أهل الذكرى.
فإذا تدبرت آياته رأيت حكمه عليك تترى ، فتحييك كما أحيت الذين من قبلك ، قال تعالى : ]وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا[. وقال تعالى : ]وإنه لذكر لك ولقومك[.
اعلم أن للجسد روح الحياة ، وللروح روح البينات ، فالجسد يجيا بروحه ، والروح تحيا بروحها ، والحى من جمع بين الروحين ، وروح الحياة لا كسب له فيها ، وروح القرآن له فيها كسب ولكن الأولى بعد خلق ، قال تعالى : ]فإذا سويته ونفخت فيه من روحى [.
والثنية بعد اصطفاء قال تعالى : ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[ ، وما أحسن الخلق والاصطفاء إذا اجتمعا.
ولما أرضى سيدنا ابى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه بلابلا بن رباح الحبشى رضى الله تعالى عنه ، رضى الله تعالى عنه كمت فى الحديث الوارد.
وقد لقب بالصديق والرفيق والعتيق لأنه أنفق ماله ابتغاء وجه الله الكريم ، فنال من اله تعالى الرضا والتكريم ، وكان بلال حينما يعذبه الكفار يقول: " أحد أحد " ولما حضرته الوفاة قيل له : نأتى إليك بطبيب؟ وهو يقول:
غدا نلقى الأحبه
محمدا وحزبه
وهكذا الاحباب إذا دنت ركائبهم تذكروا أحبابهم ، وودوا ذهابهم.
وكانت آخر كلمة قالها سيدى عبد العالى الإدريسى رضى اله تعالى عنه :" الله "ومدها فخرجت روحه الشريفة معها.
وهكذا الأحباب لا يخرجون من الدنيا حتى تغيب عنهم الدنيا بمشاهدة محبوبهم ، قلوبهم تشكره ، ولسانهم يذكره ، قد نسوا جميع الوجوه لتعلقهم بوجه واحد ]كل شئ هالك إلا وجهه * له الحكم وإليه ترجعون[.
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثالث
القاعدة الثالثة :" الرحمة "
قال سيدى أحمد بن إدريس رضى اله تعالى عنه:
أن يوطن قلبه على الرحمة لجميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم ، ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير ، فإن رسخ فى هذه القاعدة واستقام فيها قلبه أفاض الله سبحانه وتعالى على سائر جسده أنوار الرحمة الإلهية ، وأذاقه حلاوتها فنال من الإرث النبوى حظا وافرا عظيما من قول الله عز وجل : ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إن لله عز وجل ثلاث حرمات ، فمن حفظهن حفظ الله عليه أمر دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ اله له شيئا : حرمة الإسلام وحرمتى وحرمة رحمى " وفى هذا المعنى قول النبى صلى اله عليه وآله وسلم لأبى بكر الصديق رضى اله تعالى عنه " لا تحقرن أحدا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير".
قال صاحب العلم النفيس مولاى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه:
" أن يوطن قلبه على الرحمة لجميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير".
قال صاحب العلم الثرى سيدى صالح الجعفرى رضى اله تعالى عنه : وقد أشار النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه المعانى بقوله: " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه ". أى ليس على سنتنا السمحاء.
ومن يكون كذلك فله حظ وافر فى الإرث المحمدى ، قال تعالى : ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ ، وقال عليه الصلاة والسلام: " إنما بعثت رحمة ".
فمن أراد الرحمة لنفسه فليرحم غيره ، قال عليه الصلاة والسلام: " من لا يرحم لا يرحم".
وقد رويت هذا الحديث المسلسل بالأولية عن شيخى الشيخ على محمد إمام مسجد دنقلا المتصل إلى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه إلى نتهى السند ، وكان ذلك فى عام 1345هـ ، وأيضا قد تلقيته بإسناد آخر عن السيد عبد الحى الكتانى بالمسجد الحسينى بمصر ، وذلك فى عام 1360هـ.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء ". ومن جعل قلبه رحمة للمؤمنين فقد استجلب الرحمة الإلهية إليه ، وفتح أبوابها نحوه ، فينال من الإرث المحمدى على قدر تمكنه فى هذا المقام.
قال تعالى فى وصفه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم :]بالمؤمنين رؤوف رحيم[ ، وعلى قدر الإرث يكون الاتصال بالموروث ، وعلى قدر الرحمة تكون المنفعة للعباد ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : " أحب الخلق إلى الله تعالى أنفعهم لعباده" فتدخله الرحمة فى مظهر اسمه تعالى " النافع " فلا يتعرض لضرر المؤمنين بوجه من الوجوه ، بل يتسبب فى جلب النفع إليهم.
قال عليه الصلاة والسلام:" من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " ، وقال سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه: " الولى فى زماننا هذا الذى ينتفع به أعداؤه يؤذونه ويدعو لهم بالخير" ، وهذه أيضا فى التراث المحمدى.
قال البرعى رحمه الله تعالى :
ودعوة أحمد رب اهد قومى
فهم لا يعملون كما علمنا
والعفو والتجاوز ومقابلة السيئة بالحسنة إنما يكون بسبب الرحمة.
وكل من كان كذلك ينطق عليه قول سيدنا الشفاء صاحب العلم النفيس مولاى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه فى أحزابه:
" ثم تصب ياإلهى على ذاتى فيوضات بحر محيط الرحمة الإلهية ، حتى أكون كلى رحمة إلهية فى جميع عوالمك الإطلاقية والتقيدية ، ويكون لسان رحمة ذاتى فى جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة ]ورحمتى وسعت كل شئ[.
وسبب انصباب فيوضات بحر الرحمة الذاتية على ذاتك هو إعراضك عن لذاتك ، وتخليها عن أنا والأنانية ، بتحلى إخلاصها بصدق النية ، وانغماسها فى بحر عين الوحدة ، وبحر]إنما المؤمنون إخوة[ ، فرحمت النفس نفسها لما رحمت إخوتها ، فصارت فى حضرة الإطلاق آية الرحمة ، فنالت جزاء رحمتها بانصباب الفيوضات من بحر الرحمات.
فاهتزت أرض جسمها وربت ، فصارت كلها رحمة إلهية وأينعت فى جميع العوالم: لاغطلاقية مع اهل الإطلاق ، والتقييدية مع أهل التقييد ، ثم يوفق لسان رحمة ذاتى من جميع جهات روحى يتلو بلسان روحى فى جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة : ]ورحمتى وسعت كل شئ [ التى عمت الإيجاد بعد العدم والرزق والعافية والذرية والآجال وتأخير العقوبات ، كل ذلك لم يدخل فى التقييد.
وقد جهل إبليس فظن أنه يدخل فى الرحمة ، واحتج بهذه الآية على بعض العارفين ، وقد جهل إبليس أن الرحمة مطلقة ومقيدة ، فالمطلقة عمت كل شئ حتى الكافر ، والخاصة فى قوله تعالى :]فسأكتبها[.
وقد امتن الله على الخلق مؤمنهم وكافرهم بقوله :]ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا[ وغير ذلك فى الآيات ، وقد أشار إلى المقيدة بقوله تعالى :]وكان بالمؤمنين رحيما[.
فمن ذهب إلى بلاد الكفار ليدعوهم إلى الإسلام ، وذهب إلى مجالس الفساق ليدعوهم إلى التوبة ، وإلى بلاد الجهال ليعلمهم أمور دينهم ، وإلى العاملين المؤمنين ليذكرهم ، فقد أخذ بالرحمتين وتخلق بالخلتين ، قال عليه الصلاة والسلام :" تخلقوا بأخلاق الله " يعنى التى يجوز للخلق أن يتخلقوا بها ، كالرحمة والعفو والكرم والرأفة والعلم والعدل والإحسان وغير ذلك.
]إن اله يأمر بالعدل والإحسان[ ، ]وليعفوا وليصفحوا[.
أخرج صاحب هذه القواعد فى رسالته المسماة " روح السنة " ، وروح النفوس المطمئنة " هذه الأحاديث:
وربما تعرضت لشرح بعض كلماتها على وفق الإلهام والمدد الإلهى فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
فأقول بالسند المتصل على السيد أحمد بن إدريس رضى اله تعالى عنه عن رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم انه قال:
" والذى نفسى بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قالوا : كلنا رحيم ، قال: لا ... حتى ترحم العامة ".
قلت: وهذا ما أشرت إليك آنفا من الرحمة المطلقة التى يكون صاحبها كالبحر يروى كل من يرده.
والجنة جنتان : معجلة وهي جنة المشاهدة الإلهية في الدنيا ، ويكون التلذذ فيها بذكر الله تعالى كما يتلذذ أهل الجنة بنعيم الجنة ، ولذلك كان r تقر عينه بالصلاة ، وللعارفين على قدر درجاتهم في الإرث المحمدي ، وجنة المشاهدة في الدنيا لها أبواب كثيرة من أجلها : أن يوطن قلبه على الرحمن لجميع المسلمين ، فإن كان من ارباب الترقي الروحي وصلت به رحمته إلى جمعية عيون الحقائق الرحموتية r فينال في ذلك على قدر أهليته ، ثم يتلو لسان رحمة ذاته من جميع جهاته في جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة ، وبلسانه الذي يتكلم به في مقام إجابة لسانه إذا ترجم عن جنانه ، وعند ذلك تقول الروح للسان : الله حسبك : (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فيستطيع أن يتلوا من جميع جهاته في جميع جهات الخلق على طريق التراث المحمدي لمن على جميع الخلق علا وسما المشار إلى مقامه r بقول ربه تعالى : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)
واعلم يا أخانا في الله تعالى أن مدارك الإدراك تشبه دورة حركة الأفلاك ، فنظم مدار حركة إدراكك ، بعد تنظيم حركة دورة أفلاكك ، حتى لا ينبغي لشمس حقيقتك أن تدرك قمر شريعتك فيقع خسوف التخليط ، ولا لليل غيب سرك أن يسبق نهار روحك في الوجد والشهود
فإذا انتظمت أفلاكك ظهرت أنوارك ، فتكون ذاتك كلها نوراً ذاتياً صرفاً من جميع الوجوه ، فتجلس روحك على منبر قدسك منورة بنور ربك ، وقد أشرقت شمس نهارك على أرض جسمك ، فتنزلت الرحمات على قلبك ، فتوطن على الرحمة لجميع المسلمين ، وصرت رحمة بين عباد الله ، ملحوظاً بعين الله ، مرحوماً برحمة الله (سيجزيهم وصفهم) (وما ربك بظلام للعبيد)
وبالسند المتصل إلى الشريف مولاي السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه قال : وعنه r أنه قال : " يقول الله عز وجل : إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي "
انظر كيف جعل ربك وصول رحمته تعالى إليك متوقفاً على رحمتك لخلقه ؟! فإذا رحمت الخلق فإنما أنت في الحقيقة ترحم نفسك ، وإذا حرمتهم رحمتك فقد حرمت نفسك ، كالذي يسقى الأشجار بالماء لتثمر فينتفع بثمرها ، فهو في الظاهر يسقي الأشجار ، وفي الحقيقة إنما هو يسقي نفسه ، وإذا ترك سقيها فقد ترك مصلحة نفسه ورحمته إياها
وبالسند المتصل إلى سيدي الشريف مولاي السيد أحمد بن إرديس رضي الله تعالى عنه أنه قال : وعنه r أنه قال : " ليس منا من لم يبجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " أيش تبجيل الكبير ؟ احترامه وتوقيره لكبر سنه ، وذلك من عادة الأشراف والعرب إلى يومنا هذا ، ورحمة الصغير : الشفقة والعطف عليه لضعفه وصغر سنه وعقله ، ويعرف للعالم حقه من الإرث المحمدي ، قال عليه الصلاة والسلام : " العلماء ورثة الأنبياء "
وحق الأفضلية ن قال عليه الصلاة والسلام : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم "
فمعرفة حق العالم واجبة على كل مسلم ، ويجب احترامه لأجل الخلافة ، قال عليه الصلاة والسلام : رحم الله خلفائي ، قالوا : ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال : الذين يأتون من بعدي يبلغون الناس سنتي "
والأمة بخير مادام العلماء فيها ، والأمة بخير ما وقرت علماءها واستمعت لأقوالهم وعملت بها ، قال البوصيري رحمه الله تعالى :
كيف نخشى الضلال من بعدك . وفينا وارثوا نور هديك العلماء
وبالسند المتصل إلى صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه أنه قال : وعنه r أنه قال : " من سره أن يقيه الله من فور جهنم يوم القيامة ويجعله في ظلله فلا يكن بالمؤمنين غليظاً وليكن بهم رحيما "
ايش ؟ لأن الجزاء من جنس العمل ، فالذي يرحم المؤمنين في الدنيا يرحمه الله تعالى بالنجاة من عذاب جهنم ويظله تحت العرش يوم القيامة
وبالسند المتصل إلى صاحب العلم النفيس أنه قال : وعنه r أنه قال : " إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطيل الله وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد فيقول : يا رب ارحمني اليوم ، فيقول : هل رحمت شيئاً من خلقي من أجلي فأرحمك ؟ هات ولو عصفوراً "
ايش ؟ كن رحيماً بخلق ربك يرحمك يوم لا ينفعك مال ولا بنون ، واعلم أن الرحمة تنفعك ولو لحيوان أو طير أو بهيمة ، لأن الله تعالى خلقهم مثل ما خلقك ، قال تعالى : (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلى أمم أمثالكم)
قال صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه :/
ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير ن فإن رسخ في هذه القاعدة واستقام فيها قلبه افاض الله سبحانه وتعالى على سائر جسده أنواره الرحمة الإلهية وأذاقه حلاوتها ، فنال من الإرث النبوي حظاً وافراً عظيماً من قول الله عز وجل : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذا معنى قول رسول الله r : " إن لله ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله عليه أمر دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً : حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي "
وفي هذا المعنى قول النبي r لأبي بكر رضي الله تعالى عنه : " لا تحقرن أحداً من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير "
الحرمات : الحقوق ، فمعنى حرمة الإسلام : أي ما يطلبه الإسلام من المسلم ، وهي أمور كثيرة لا يكمل الإسلام إلا بها كقوله r : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وكقوله r : " المسلم أخو المسلم " وكقوله r : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وكقوله r : " أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا غله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " وكقوله تعالى : (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)
وبالجملة : فمن راعى ما وجب في الإسلام ففعل ، وما حرم فترك ، فقد عظم حرمة الإسلام ، ويدخل في قوله r : " احفظ الله يحفظك " ومن لم يكن كذلك فلم يعظم حرمة الإسلام وحينئذ فمن أضاع فجزاؤه الضياع
وفي الحديث : تدعو الصلاة على من اضاع وقتها فتقول : ضيعك الله كما ضيعتني "
وحرمة النبي r : حقه الذي أوجبه الله تعالى علينا ، كطاعته في قوله وفعله ، واحترامه وتوقيره وتكريمه ، والاعتراف بفضله وشفاعته ، وجاهه ورفع ذكره وعلو درجته ، وأنه موصوف منذ خلقه الله تعالى بالزيادة في الإيمان والعلوم والأنوار والدرجات والبركات والأسرار والنفحات والخيرات
وكذلك يكون بعد أن لحق بالرفيق الأعلى أعلى مقاماً وأجل إكراماً وأوسع علماً وإدراكاً وكشفاً وشهوداً وسماعاً ورداً للسلام ، ولا يجوز لمؤمن أن يعتقد فيه غير ذلك ، أو أنه قد مات كموت الخلق ، بل أحياه الله تعالى بعد موته بحياة تفوق حياة النبيين والمرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وحياة الشهداء ، وحياة الملائكة الكرام ، وحياة الأحياء من أهل الدنيا
ويجب عليك أن تحبه r أكثر من نفسك ، وأن تصلي وتسلم عليه ، وأن تزور روضته الشريفة لتحظى برد سلامه r عليك ، وتحصل لك بركته r وبركة نظره إليك ودعائه لك
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل أهل بيت النبوة رضي الله تعالى عنهم . ومن أعظم الصلة لهم زيارتهم بعد مماتهم ، والتسليم عليهم والترضي عنهم
" لا تحقرن أحداً من المسلمين " احتقار المسلم هو الازدراء به والتكبر عليه ، قال عليه الصلاة والسلام : " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
وقد نادى الله تعالى في القرآن عباده بما يدل على الأخوة والمساواة فقال : يا عبادي . يا بني آدم . يا أيها الناس يا أيها الذين آمنوا
بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin