بسم الله الرّحمن الرّحيم
"الفتح المبين، لخاتم الأنبياء والمرسلين"
لحضرة الشيخ عباس فاضل الحسني:-
الحمد لله الفتاح العليم، والصلاة والسلام على النبي الأمي فاتح باب العلم، وعين اليقين، وعلى آل بيت النبي، وأصحاب رسول الله، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعدُ: فقال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ . وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً . وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً).
(إِنَّا) أي: إني بعظمتي، ومن مقام عظيم جودنا (فَتَحْنَا لَكَ) يا أكمل الرسل بصلح الحديبية، أو قضينا بأنك ستفتح مكة وغيرها، أما صلح الحديبية؛ الذي هو أعظم فتح؛ كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (وهو صلح بسببه خير الدنيا والآخرة)، وفيه بيعة الرضوان، وظهور الإسلام، وانتشار العلم.
قال الإمام الزهري ـ رحمه الله تعالى: لم يكن فتحٌ أعظم من صلح الحديبية؛ اختلط المشركون بالمسلمين، وسمعوا أخبارهم وأسرارهم، وشاهدوا أنوارهم، وتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير منهم، ومن هنا استقبل فتح خيبر على أيدي أهل الحديبية من غير مشاركة لغيرهم. فتأمل.
(فَتْحاً مُّبِيناً) ظاهراً عظيماً، لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح، وتسبب لفتح مكة، وفرغ به رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لسائر العرب؛ فغزاهم وفتح مواضع من مأويهم.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) والمعنى: أن الله جعل عند حصول هذا الفتح غفران جميع ما قد يؤاخذ الله على مثله رسلَه حتى لا يبقى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يقصر به عن بلوغ نهاية الفضل بين المخلوقات؛ فجعل هذه المغفرة جزاءً له على إتمام أعماله التي أرسل لأجلها من التبليغ والجهاد والنَصب والرغبة إلى الله تعالى.
فلما كان الفتح حاصلاً بسعيه وتسببه بتيسير الله له ذلك جعل الله جزاءه غفران ذنوبه بعظم أثر ذلك الفتح بإزاحة الشرك وعلوّ كلمة الله تعالى، وتكميل النفوس وتزكيتها بالإيمان، وصالح الأعمال؛ حتى ينتشر الخير بانتشار الدين، ويصير الصلاح خُلقاً للناس يقتدى فيه بعضُهم ببعض؛ وكل هذا إنما يناسب فتح مكة، وهذا وما تضمنته سورة (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً). أي: إنه حينئذٍ قد غفر لك أعظم مغفرة، وهي: المغفرة التي تليق بأعظم من تابَ على تائب، وليست إلا مغفرة جميع الذنوب سابقها، وما عسى أن يأتي منها مما يعده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذنباً لشدة الخشية من أقل التقصير؛ كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإن كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معصوماً من أن يأتي بعدها بما يؤاخَذ عليه. وقال ابن عطية: وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب، ولهذا المعنى اللّطيف الجليل كانت سورة (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ) مؤذنة باقتراب أجل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما فهم عمر بن الخطاب وابن عباس، وقد روي ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم.
(مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، وهذا لتعميم المغفرة للذنب؛ كقوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) فلا يقتضي ذلك أنه فرط منه ذنب أو أنه سيقع منه ذنب، وإنما المقصود أنه تعالى رفَعَ قَدره رفعَة عدم المؤاخذة بذنب لو قُدر صدوره منه؛ كقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) وما يستغفر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم، ليس من السيئات لعصمته منها، وإنما هو استغفار من الغفلات ونحوها، وتسميته بالذنب في الآية إما مُحاكاة، كما قال صاحب التحرير والتنوير: لما كان يُكثر النبي ـ صلى الله عليه وسلم، أن يقوله (اللّهم اغفر لي خطيئتي) وإنما كان يقوله في مقام التواضع، وإما اطلاق لاسم الذنب على ما يفوت من الازدياد في العبادة مثل أوقات النوم والأكل، وإطلاقه على ما عناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله: (إنه ليغان على قلبي، وإني استغفر الله في اليوم مائة مرة)، قال بعض الفضلاء: هو غين أنوار وأسرار، وليس غين ذنب وأغيار.
قال شيخي وأستاذي وسندي في علوم الكتاب والسنة؛ الإمام الرباني حضرة الشيخ مصطفى بن أبي بكر الهرشمي ـ طيب الله روحه وذكره وثراه: إن ما يقوله المفسرون يلزم منه القول بوجوب الحذف وإيراد التقدير لكلامه تعالى [أي] "ليغفر لأمتك" فحذفت لامه وعوض عنها بكاف الخطاب. وهذا خلاف الإعجاز البلاغي الذي تحدّى به القرآن العرب وبهتوا؛ بل الصحيح واللائق بكلام رب العزة أن تقول في تفسيره ما يلي:-
"إن المراد بالمغفرة هو الإصلاح، والمراد من الذنب هو الطلب؛ كما هو معروف في القاموس؛ وإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له مقصدان مهمان قبل الفتح الأول: حج بيت الله الحرام؛ والثاني: دخول الناس في دينه بدون حرب وإراقة الدماء؛ والله سبحانه قد حقق للرسول مقصديه المذكورين عقب فتح مكة، ولذلك يعلل الله الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ) بقوله: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، أي: ليحقق ويصلح لك بالفتح ما تقدم من قصدك "الذي هو الحج"، وما تأخر منه "الذي هو دخول الناس في الإسلام أفواجاً أفواجا دون حرب وإراقة دماء" اهـ.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)، فإن إنعام الله عليه معلوم، وهدايته معلومة، وإنما أخبر بازديادهما؛ وإتمام النعمة: إعطاء ما لم يكن أعطاه إياه من أنواع النعم؛ مثل إسلام قريش، وخلاص بلاد الحجاز كلّها للدخول تحت حكمه، وخضوع من عانده وحاربه؛ بإعلاء كلمة الملة، وضم الملك إلى النبوة.
قال الإمام جعفر الصادق ـ رضي الله عنه: من تمام النعمة على نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه: جعله حبيبه، وأقسم بحياته، ونسخ به شرائع رسله، وعرج به إلى المحل الأدنى، وحفظه في المعراج حتى ما زاغ بصره وما طغى، وبعثه إلى الأسود والأبيض، وأحل له ولأمته الغنائم، وجعله شفيعاً مشفعاً، وجعله سيد ولد آدم، وقرن ذكره بذكره، ورضاه برضاه؛ وهذا تمام نعماه ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله.
(وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)، أي: يُديمك، ويثبتك على دين الله الإسلام، ويزدك بنوره إلى أكمل درجات القرب لديه ـ جلَّ في علاه، ويهدي بك كما في تبليغ الرسالة العصماء، وكما وقد علمنا ربنا أن ندعوه، بقوله: (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)، أي: اللّهم أعنا ودُلّنا وثبتنا وزدنا هداية وإرشاداً إلى الصراط المستقيم، بالعمل به الموصل إلى رضاك؛ وهذا الدعاء من أجمع الأدعية، وانفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة في صلاته، لضرورته إلى ذلك، والحمد لله على ذلك.
(وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) نصراً فيه عزة ورفعة لك، ولمن آمن بك، وقوة ومنعة، وظهوراً على الأعداء، وقد ظهر النصر بهذا الفتح المبين، وحصل الأمن بحمد الله تعالى.
وهكذا اشتملت هذه الآية على وجوهٍ من الأفضال أكْرَمَ بها نبيَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصَّه بها من الفتح، والظَّفَر على النَّفس والعدو، وتيسير ما أنغلق على غيره، والمغفرة، وإتمام النعمة والهداية والنصرة ... ولكلٍّ من هذه الأشياء خصائص عظيمة. فتنبه.
اللّهم صلِّ على سيدنا محمّد صلاةً لا تُعد ولا تُحد، ولا يحصى ثوابها أحد، يا رازق النَعاب في وكره، يا رازق العبد الشكور ومن جحد، يا من صفاته: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ).
اللّهم اجزه عنا وعن أمته خير ما جزيت نبياً عن أمته. من روحي وما مُلكت فداه:-
روحي الفدى للمصطفى يهدى له ـــ ما لي فدى إلا الفدى يذبح له.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. والحمد لله ربّ العالمين.
"الفتح المبين، لخاتم الأنبياء والمرسلين"
لحضرة الشيخ عباس فاضل الحسني:-
الحمد لله الفتاح العليم، والصلاة والسلام على النبي الأمي فاتح باب العلم، وعين اليقين، وعلى آل بيت النبي، وأصحاب رسول الله، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعدُ: فقال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ . وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً . وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً).
(إِنَّا) أي: إني بعظمتي، ومن مقام عظيم جودنا (فَتَحْنَا لَكَ) يا أكمل الرسل بصلح الحديبية، أو قضينا بأنك ستفتح مكة وغيرها، أما صلح الحديبية؛ الذي هو أعظم فتح؛ كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (وهو صلح بسببه خير الدنيا والآخرة)، وفيه بيعة الرضوان، وظهور الإسلام، وانتشار العلم.
قال الإمام الزهري ـ رحمه الله تعالى: لم يكن فتحٌ أعظم من صلح الحديبية؛ اختلط المشركون بالمسلمين، وسمعوا أخبارهم وأسرارهم، وشاهدوا أنوارهم، وتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير منهم، ومن هنا استقبل فتح خيبر على أيدي أهل الحديبية من غير مشاركة لغيرهم. فتأمل.
(فَتْحاً مُّبِيناً) ظاهراً عظيماً، لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح، وتسبب لفتح مكة، وفرغ به رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لسائر العرب؛ فغزاهم وفتح مواضع من مأويهم.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) والمعنى: أن الله جعل عند حصول هذا الفتح غفران جميع ما قد يؤاخذ الله على مثله رسلَه حتى لا يبقى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يقصر به عن بلوغ نهاية الفضل بين المخلوقات؛ فجعل هذه المغفرة جزاءً له على إتمام أعماله التي أرسل لأجلها من التبليغ والجهاد والنَصب والرغبة إلى الله تعالى.
فلما كان الفتح حاصلاً بسعيه وتسببه بتيسير الله له ذلك جعل الله جزاءه غفران ذنوبه بعظم أثر ذلك الفتح بإزاحة الشرك وعلوّ كلمة الله تعالى، وتكميل النفوس وتزكيتها بالإيمان، وصالح الأعمال؛ حتى ينتشر الخير بانتشار الدين، ويصير الصلاح خُلقاً للناس يقتدى فيه بعضُهم ببعض؛ وكل هذا إنما يناسب فتح مكة، وهذا وما تضمنته سورة (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً). أي: إنه حينئذٍ قد غفر لك أعظم مغفرة، وهي: المغفرة التي تليق بأعظم من تابَ على تائب، وليست إلا مغفرة جميع الذنوب سابقها، وما عسى أن يأتي منها مما يعده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذنباً لشدة الخشية من أقل التقصير؛ كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإن كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معصوماً من أن يأتي بعدها بما يؤاخَذ عليه. وقال ابن عطية: وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب، ولهذا المعنى اللّطيف الجليل كانت سورة (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ) مؤذنة باقتراب أجل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما فهم عمر بن الخطاب وابن عباس، وقد روي ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم.
(مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، وهذا لتعميم المغفرة للذنب؛ كقوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) فلا يقتضي ذلك أنه فرط منه ذنب أو أنه سيقع منه ذنب، وإنما المقصود أنه تعالى رفَعَ قَدره رفعَة عدم المؤاخذة بذنب لو قُدر صدوره منه؛ كقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) وما يستغفر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم، ليس من السيئات لعصمته منها، وإنما هو استغفار من الغفلات ونحوها، وتسميته بالذنب في الآية إما مُحاكاة، كما قال صاحب التحرير والتنوير: لما كان يُكثر النبي ـ صلى الله عليه وسلم، أن يقوله (اللّهم اغفر لي خطيئتي) وإنما كان يقوله في مقام التواضع، وإما اطلاق لاسم الذنب على ما يفوت من الازدياد في العبادة مثل أوقات النوم والأكل، وإطلاقه على ما عناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله: (إنه ليغان على قلبي، وإني استغفر الله في اليوم مائة مرة)، قال بعض الفضلاء: هو غين أنوار وأسرار، وليس غين ذنب وأغيار.
قال شيخي وأستاذي وسندي في علوم الكتاب والسنة؛ الإمام الرباني حضرة الشيخ مصطفى بن أبي بكر الهرشمي ـ طيب الله روحه وذكره وثراه: إن ما يقوله المفسرون يلزم منه القول بوجوب الحذف وإيراد التقدير لكلامه تعالى [أي] "ليغفر لأمتك" فحذفت لامه وعوض عنها بكاف الخطاب. وهذا خلاف الإعجاز البلاغي الذي تحدّى به القرآن العرب وبهتوا؛ بل الصحيح واللائق بكلام رب العزة أن تقول في تفسيره ما يلي:-
"إن المراد بالمغفرة هو الإصلاح، والمراد من الذنب هو الطلب؛ كما هو معروف في القاموس؛ وإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له مقصدان مهمان قبل الفتح الأول: حج بيت الله الحرام؛ والثاني: دخول الناس في دينه بدون حرب وإراقة الدماء؛ والله سبحانه قد حقق للرسول مقصديه المذكورين عقب فتح مكة، ولذلك يعلل الله الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ) بقوله: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، أي: ليحقق ويصلح لك بالفتح ما تقدم من قصدك "الذي هو الحج"، وما تأخر منه "الذي هو دخول الناس في الإسلام أفواجاً أفواجا دون حرب وإراقة دماء" اهـ.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)، فإن إنعام الله عليه معلوم، وهدايته معلومة، وإنما أخبر بازديادهما؛ وإتمام النعمة: إعطاء ما لم يكن أعطاه إياه من أنواع النعم؛ مثل إسلام قريش، وخلاص بلاد الحجاز كلّها للدخول تحت حكمه، وخضوع من عانده وحاربه؛ بإعلاء كلمة الملة، وضم الملك إلى النبوة.
قال الإمام جعفر الصادق ـ رضي الله عنه: من تمام النعمة على نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه: جعله حبيبه، وأقسم بحياته، ونسخ به شرائع رسله، وعرج به إلى المحل الأدنى، وحفظه في المعراج حتى ما زاغ بصره وما طغى، وبعثه إلى الأسود والأبيض، وأحل له ولأمته الغنائم، وجعله شفيعاً مشفعاً، وجعله سيد ولد آدم، وقرن ذكره بذكره، ورضاه برضاه؛ وهذا تمام نعماه ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله.
(وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)، أي: يُديمك، ويثبتك على دين الله الإسلام، ويزدك بنوره إلى أكمل درجات القرب لديه ـ جلَّ في علاه، ويهدي بك كما في تبليغ الرسالة العصماء، وكما وقد علمنا ربنا أن ندعوه، بقوله: (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)، أي: اللّهم أعنا ودُلّنا وثبتنا وزدنا هداية وإرشاداً إلى الصراط المستقيم، بالعمل به الموصل إلى رضاك؛ وهذا الدعاء من أجمع الأدعية، وانفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة في صلاته، لضرورته إلى ذلك، والحمد لله على ذلك.
(وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) نصراً فيه عزة ورفعة لك، ولمن آمن بك، وقوة ومنعة، وظهوراً على الأعداء، وقد ظهر النصر بهذا الفتح المبين، وحصل الأمن بحمد الله تعالى.
وهكذا اشتملت هذه الآية على وجوهٍ من الأفضال أكْرَمَ بها نبيَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصَّه بها من الفتح، والظَّفَر على النَّفس والعدو، وتيسير ما أنغلق على غيره، والمغفرة، وإتمام النعمة والهداية والنصرة ... ولكلٍّ من هذه الأشياء خصائص عظيمة. فتنبه.
اللّهم صلِّ على سيدنا محمّد صلاةً لا تُعد ولا تُحد، ولا يحصى ثوابها أحد، يا رازق النَعاب في وكره، يا رازق العبد الشكور ومن جحد، يا من صفاته: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ).
اللّهم اجزه عنا وعن أمته خير ما جزيت نبياً عن أمته. من روحي وما مُلكت فداه:-
روحي الفدى للمصطفى يهدى له ـــ ما لي فدى إلا الفدى يذبح له.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. والحمد لله ربّ العالمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin