الرسالة (81)
"القول المبين": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرحيم. الحمد لله الفعال لما يريد، والصّلاة والسّلام على النبي الأمي فاتح باب العلم وعين اليقين، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعد: فإن للعين تأثيراً، وبما في الحاسد من نفس خبيثة، وذنوب متراكمة؛ وكما قال تعالى: ((وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ))، وكما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((الْعَيْنُ حَقٌّ)) متفق عليه، وفي أخرى لمسلم: ((الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا))، قوله: ((وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ)) أي: أن العين من الأسباب الظاهرة القويّة في إحداث ضرر، ولكنها لا تسبق القدر كما لا تسبقه الأسباب الظاهرة الأخرى؛ فمن كتب الله تعالى له الصحّة لا تضرّه العين على الرغم من كونها سبباً قويّاً للضرر.
ـ وبما للجن من قوة تأثير؛ كقوله تعالى: ((قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ))، فإن للجن والشياطين تأثيراً على هذا الإنسان الذي كرمه الله على مخلوقاته، وقد أمرنا الحق ـ جلَّ وعلا، بالتعوذ منهم، فقال ـ جلَّ وعلا: ((مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)).
ـ وكذلك الساحر الكافر له من الفعل الخبيث والتأثير؛ وقد صح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُحر؛ وقيل: إنه أثر على بعض أموره الدنيوية كتخيل بعض الشيء عنده؛ فعافاه الله سريعاً، وهو المعصوم في رسالته، ودينه الحنيف؛ فلم يؤثر في ذلك بشيء.
فإذا كانت هذه الأمور لها تأثير بالواقع المشاهد والدليل؛ فكيف بتأثير القلوب بنور الله وحبه في مقام الصحبة والتربية والقرب، قال مفتي الحنابلة في القرن الخامس الهجري؛ الشيخ الهمام عبد القادر الجيلاني ـ رضي الله تعالى عنه: (كان الأوائل ـ رحمهم الله ـ يقطعون المشرق والمغرب على أقدامهم، على أن يجدوا عالماً عارفاً بالله متصرفاً) أي: متوجها بنور قلبه بإذن الله وحده، فتكون النفس خافتة ضعيفة، والقلب ذاكراً بالله ـ عزَّ وجلّ؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة. والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصوراً على الاتصال الجسماني، بل يكون تارة به، وتارة بالمقابلة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجه الروح، كالذي يحدث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله، وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيلّ)؛ لما صح الحديث عنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ القائل: ((أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذكر الله))، وهذا بتوفيق الحق ورضاه. فتنبه، وبما أكرمهم الله تعالى به، وأجراه على أيديهم، وبسببهم بتوفيق الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لما يقع عليهم من المبشرات، ومن الدعاء المستجاب، وما يقع بفعلهم وتوجهاتهم إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ باختيارهم وبغير اختيارهم ـ لأجل الحب في الله ـ عزَّ وجلَّ، ومن بركات علومهم وأخلاقهم وأحوالهم؛ التي تضاف إلى حالك، وهذا من محض فضل كرم الله تعالى؛ كما قال تعالى: ((وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً))، وكما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ))، رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وفي روايةٍ للبخاري ومسلم، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاةٍ وَلا صَوْمٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، وفي رواية الإمام أحمد: (قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مَا فَرِحُوا يَوْمَئِذٍ). فتأمل.
اللَّهمَّ؛ اشغل جوارحنا بطاعتك، وقلوبنا بمعرفتك، وذكرك، وأنسك، واشغلنا طول حياتنا في ليلنا ونهارنا، وألحقنا بالذين تقدموا من الصالحين، وارزقنا ما رزقتهم وكن لنا كما كنت لهم.
اللّهم يا محول الحول والأحوال، حولنا وبلدنا وبلاد المسلمين من حال إلى أحسن الأحوال ـ برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين ـ اللّهم؛ آمين. والحمد لله رب العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
"القول المبين": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرحيم. الحمد لله الفعال لما يريد، والصّلاة والسّلام على النبي الأمي فاتح باب العلم وعين اليقين، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعد: فإن للعين تأثيراً، وبما في الحاسد من نفس خبيثة، وذنوب متراكمة؛ وكما قال تعالى: ((وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ))، وكما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((الْعَيْنُ حَقٌّ)) متفق عليه، وفي أخرى لمسلم: ((الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا))، قوله: ((وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ)) أي: أن العين من الأسباب الظاهرة القويّة في إحداث ضرر، ولكنها لا تسبق القدر كما لا تسبقه الأسباب الظاهرة الأخرى؛ فمن كتب الله تعالى له الصحّة لا تضرّه العين على الرغم من كونها سبباً قويّاً للضرر.
ـ وبما للجن من قوة تأثير؛ كقوله تعالى: ((قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ))، فإن للجن والشياطين تأثيراً على هذا الإنسان الذي كرمه الله على مخلوقاته، وقد أمرنا الحق ـ جلَّ وعلا، بالتعوذ منهم، فقال ـ جلَّ وعلا: ((مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)).
ـ وكذلك الساحر الكافر له من الفعل الخبيث والتأثير؛ وقد صح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُحر؛ وقيل: إنه أثر على بعض أموره الدنيوية كتخيل بعض الشيء عنده؛ فعافاه الله سريعاً، وهو المعصوم في رسالته، ودينه الحنيف؛ فلم يؤثر في ذلك بشيء.
فإذا كانت هذه الأمور لها تأثير بالواقع المشاهد والدليل؛ فكيف بتأثير القلوب بنور الله وحبه في مقام الصحبة والتربية والقرب، قال مفتي الحنابلة في القرن الخامس الهجري؛ الشيخ الهمام عبد القادر الجيلاني ـ رضي الله تعالى عنه: (كان الأوائل ـ رحمهم الله ـ يقطعون المشرق والمغرب على أقدامهم، على أن يجدوا عالماً عارفاً بالله متصرفاً) أي: متوجها بنور قلبه بإذن الله وحده، فتكون النفس خافتة ضعيفة، والقلب ذاكراً بالله ـ عزَّ وجلّ؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة. والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصوراً على الاتصال الجسماني، بل يكون تارة به، وتارة بالمقابلة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجه الروح، كالذي يحدث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله، وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيلّ)؛ لما صح الحديث عنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ القائل: ((أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذكر الله))، وهذا بتوفيق الحق ورضاه. فتنبه، وبما أكرمهم الله تعالى به، وأجراه على أيديهم، وبسببهم بتوفيق الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لما يقع عليهم من المبشرات، ومن الدعاء المستجاب، وما يقع بفعلهم وتوجهاتهم إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ باختيارهم وبغير اختيارهم ـ لأجل الحب في الله ـ عزَّ وجلَّ، ومن بركات علومهم وأخلاقهم وأحوالهم؛ التي تضاف إلى حالك، وهذا من محض فضل كرم الله تعالى؛ كما قال تعالى: ((وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً))، وكما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ))، رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وفي روايةٍ للبخاري ومسلم، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاةٍ وَلا صَوْمٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، وفي رواية الإمام أحمد: (قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مَا فَرِحُوا يَوْمَئِذٍ). فتأمل.
اللَّهمَّ؛ اشغل جوارحنا بطاعتك، وقلوبنا بمعرفتك، وذكرك، وأنسك، واشغلنا طول حياتنا في ليلنا ونهارنا، وألحقنا بالذين تقدموا من الصالحين، وارزقنا ما رزقتهم وكن لنا كما كنت لهم.
اللّهم يا محول الحول والأحوال، حولنا وبلدنا وبلاد المسلمين من حال إلى أحسن الأحوال ـ برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين ـ اللّهم؛ آمين. والحمد لله رب العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
أمس في 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
أمس في 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
أمس في 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
أمس في 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
أمس في 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
أمس في 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin