12 - ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة
كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم ابن عطاء الله السكندري
النفع إيصال الفائدة والقلب القوة المستعدة لقبول العلم والعزلة أنفراد القلب بالله وقد يراد بها الخلوة التي هي أنفراد القالب عن الناس وهو المراد هنا إذ لا ينفرد القلب في الغالب إلا إذا إنفرد القالب وميدان بالفتح والكسر في الميم مجال الخيل إستعير هنا للأفكار إذ ترددها في مواقعها كتردد الخيل في مجالها والفكرة سير القلب إلى حضرة الرب وهي على قسمين فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان على ما يأتي قلت لا شيء أنفع للقلب من عزلة مصحوبة بفكرة لأن العزلة كالحمية والفكرة كالدواء فلا ينفع الدواء من غير حمية ولا فائدة في الحمية من غير دواء فلا خير في عزلة
لا فكرة فيها ولا نهوض لفكرة لا عزلة معها إذ المقصود من العزلة هو تفرغ القلب والمقصود من التفرغ هو جولان القلب وإشتغال الفكرة والمقصود من إشتعال الفكرة تحصيل العلم وتمكنه من القلب وتمكن العلم بالله من القلب هو دواؤه وغاية صحته وهو الذي سماه الله القلب السليم قال الله تعالى في شأن القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم أي صحيح وقد قالوا إن القلب كالمعدة إذا قويت عليها الأخلاط مرضت ولا ينفعها إلا الحمية وهي قلة موادها ومنعها من كثرة الأخلاط وفي الحديث المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وكذلك القلب إذا قويت عليه الخواطر وأستحوذ عليه الحس مرض وربما مات ولا ينفعه إلا الحمية منها والفرار من مواطنها وهي الخلطة فإذا إعتزل عن الناس وإستعمل الفكرة نجح دواؤه وإسقام قلبه وإلا بقي سقيماً حتى يلقى الله بقلب سقيم بالشك والخواطر الرديئة نسأل الله العافية قال الجنيد رضي الله عنه أشرف المجالس الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه ثمار العزلة الظفر بمواهب المنة وهي أربعة كشف الغطاء وتنزل الرحمة وتحقق المحبة ولسان الصدق في الكلمة قال الله تعالى فلما إعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له الآية اه وأعلم أن في الخلوة عشر فوائد الأولى السلامة من آفات اللسان فإن من كان وحده لا يجد معه من يتكلم وقد قال عليه السلام رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم ولا يسلم في الغالب من آفاته إلا من آثر الخلوة على الإجتماع وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه إذا رأيت الفقير يؤثر الخلوة على الإجتماع والصمت على الكلام والصيام على الشبع فأعلم أن حبجه قد عسل وإذا رأيته يؤثر الخلطة والكلام والشبع على ضدها فأعلم أن حبجه خاوي وقال في القوت وفي كثرة الكلام قلة الورع وعدم التقوى وطول الحساب ونشر الكتاب وكثرة الطالبين وتعلق المظلومين بالظالمين وكثرة الإشهاد من الكرام الكاتبين ودوام الإعراض عن الملك الكريم لأن الكلام مفتاح كبائر اللسان وفيه الكذب وفيه الغيبة والنميمة والزور والبهتان ثم قال وفي الخبر أكثر خطاياً ابن آدم في لسانه وأكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في مالاً يعني اه الفائدة الثانية حفظ البصر والسلامة من آفات النظر فإن من كان معتزلاً عن الناس سلم من النظر إليهم وإلى ما هم منكبون عليه من زهرة الدنيا وزخرفها قال تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه فتمنع بذلك النفس من التطلع إليها والإستشراف لها ومنافسة أهلها وقال محمد بن سيرين رضي الله عنه إياك وفضول النظر فإنها تؤدي إلى فضول الشهوة وقال بعض الأدباء من كثرت لحظاته دامت حسراته وقالوا أن العين سبب الحين أي الهلاك ومن أرسل طرفه أقتنص حتفه وأن النظر بالبصر إلى الأشياء يوجب تفرقة القلب اه الفائدة الثالثة حفظ القلب وصوته عن الرياء والمداهنة وغيرهما من الأمراض قال بعض الحكماء من خالط الناس داراهم ومن داراهم راءاهم ومن راءاهم وقع فيما وقعوا فهلك كما هلكوا وقال بعض الصوفية قلت لبعض الأبدال المنقطعين إلى الله كيف الطريق إلى التحقيق قال لا تنظر إلى الخلق فإن النظر إليهم ظلمة قلت لا بد لي قال فلا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة قلت لا بد لي قال فلا تعاملهم فإن معاملتهم خسران وحسرة ووحشة قلت أنا بين أظهرهم لا بد لي من معاملتهم قال فلا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة قلت هذا لعله يكون قال يا هذا تنظر إلى الاعبين وتسمع كلام الجاهلين وتعامل البطالين وتسكن إلى الهالكين وتريد أن تجد حلاوة الطاعة وقلبك مع غير الله هيهات هذا لا يكون أبداً ثم غاب عني وقال القشيري رضي الله عنه فأرباب المجاهدة إذا أرادوا صون قلوبهم عن الخواطر الرديئة لم ينظروا إلى المستحسنات أي من الدنيا قال وهذا أصل كبير لهم في المجاهدات في أحوال الرياضة الفائدة الرابعة حصول الزهد في الدنيا والقناعة منها وفي ذلك شرف العبد وكماله وسبب محبته عند مولاه لقوله صلى الله عليه وسلم أزهد في الدنيا يحبك الله أزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس اه ولا شك أن من انفرد عن الناس ولم ينظر إلى ما هم فيه من الرغبة في الدنيا والإنكباب عليها يسلم من متابعتهم في ذلك ويسلم من متابعة الطباع الرديئة
والأخلاق الدنيئة وقل من يخالطهم أن يسلم من ما هم فيه وقد روي عن عيسى عليه السلام لا تجالسوا الموتي فتموت قلوبكم قالوا من الموتى يا روح الله قال المحبون في الدنيا الراغبون فيها الفائدة الخامسة السلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال وفي مخالطتهم فساد عظيم وخطر جسيم ففي بعض الأخبار مثل الجليس السوء كمثل الكير إذا لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه وقال سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه الجلسة مع غير الأخيار ترذل ولو تكون صافياً أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود مالي أراك منتبذاً وحدانياً فقال إلهي قلبت الخلق من أجلك فقال يا داوود كن يقظان وأرتد لنفسك أخواناً وكل أخ لا يوافقك على مسرتي فلا تصحبه فإنه لك عدو نفسي قلبك ويباعدك مني اه فإن أردت الصحبة فعليك بصحبة الصوفية فإن صحبتهم كنز لأنفاد له قال الجنيد رضي الله عنه إذا أراد الله تعبد خيراً أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء وقال آخر والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح الفائدة السادسة التفرغ للعبادة والذكر والعزم على التقوى والبر ولا شك أن العبد إذا كان وحده تفرغ لعبادة ربه وأنجمع عليها بجوارحه وقلبه لقلة من يشغله عن ذلك قال في القوت وأما الخلوة فأنها تفرغ القلب من الخلق وتجمع الهم بالخالق وتقوي العزم على الثبات ألخ كلامه الفائدة السابعة وجدان حلاوة الطاعات وتمكن لذيذ المناجات لفراغ سره وهذا مجرب صحيح قال أبو طالب ولا يكون المريد صادقاً حتى يحد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية وحتى يكون أنسه في الوحدة وروحه في الخلوة وأحسن أعماله في السر اه الفائدة الثامنة راحة القلب والبدن فإن في مخالطة الناس ما يوجب تعب القلب بالإهتمام بأمرهم وتعب البدن بالسعي في أغراضهم وتكميل مرادهم وإن كان في ذلك الثواب فقد يفوته ما هو أعظم وأهم وهو جمع القلب في حضرة الرب الفائدة التاسعة صيانة نفسه ودينه من التعرض لشرور والخصومات التي توجبها الخلطة فإن للنفس تولعاً وتسارعاً للخوض في مثل هذا إذا اجتمعت بأرباب الدنيا وزاحمتهم فيها وللشافعي رضي الله عنهلاق الدنيئة وقل من يخالطهم أن يسلم من ما هم فيه وقد روي عن عيسى عليه السلام لا تجالسوا الموتي فتموت قلوبكم قالوا من الموتى يا روح الله قال المحبون في الدنيا الراغبون فيها الفائدة الخامسة السلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال وفي مخالطتهم فساد عظيم وخطر جسيم ففي بعض الأخبار مثل الجليس السوء كمثل الكير إذا لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه وقال سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه الجلسة مع غير الأخيار ترذل ولو تكون صافياً أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود مالي أراك منتبذاً وحدانياً فقال إلهي قلبت الخلق من أجلك فقال يا داوود كن يقظان وأرتد لنفسك أخواناً وكل أخ لا يوافقك على مسرتي فلا تصحبه فإنه لك عدو نفسي قلبك ويباعدك مني اه فإن أردت الصحبة فعليك بصحبة الصوفية فإن صحبتهم كنز لأنفاد له قال الجنيد رضي الله عنه إذا أراد الله تعبد خيراً أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء وقال آخر والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح الفائدة السادسة التفرغ للعبادة والذكر والعزم على التقوى والبر ولا شك أن العبد إذا كان وحده تفرغ لعبادة ربه وأنجمع عليها بجوارحه وقلبه لقلة من يشغله عن ذلك قال في القوت وأما الخلوة فأنها تفرغ القلب من الخلق وتجمع الهم بالخالق وتقوي العزم على الثبات ألخ كلامه الفائدة السابعة وجدان حلاوة الطاعات وتمكن لذيذ المناجات لفراغ سره وهذا مجرب صحيح قال أبو طالب ولا يكون المريد صادقاً حتى يحد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية وحتى يكون أنسه في الوحدة وروحه في الخلوة وأحسن أعماله في السر اه الفائدة الثامنة راحة القلب والبدن فإن في مخالطة الناس ما يوجب تعب القلب بالإهتمام بأمرهم وتعب البدن بالسعي في أغراضهم وتكميل مرادهم وإن كان في ذلك الثواب فقد يفوته ما هو أعظم وأهم وهو جمع القلب في حضرة الرب الفائدة التاسعة صيانة نفسه ودينه من التعرض لشرور والخصومات التي توجبها الخلطة فإن للنفس تولعاً وتسارعاً للخوض في مثل هذا إذا اجتمعت بأرباب الدنيا وزاحمتهم فيها وللشافعي رضي الله عنه
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ... وسيق إلى عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غروراً وباطلاً ... كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن أجتذابها
فإن تجتنبها عشت سلماً لأهلها ... وأن تجتذبها ناهشتك كلابها
فطوبي لنفس أوطأت قعر بيتها ... مغلقة الأبواب مرخي حجابها
الفائدة العاشرة التمكن من عبادة التفكر والإعتبار وهو المقصود الأعظم من الخلوة وفي الخبر تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة وكان عيسى عليه السلام يقول طوبي لمن كان كلامه ذكراً وصمته تفكراً ونظره عبرة، وأن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وقال كعب من أراد شرف الآخرة فليكثر من التفكر وكان أفضل عبادة أبي الدرداء التفكر وذلك لأنه يصل به إلى حقائق الأشياء وتبيين الحق من الباطل ويطلع بها أيضاً على خفايا آفات النفوس ومكائدها وغرور الدنيا ويتعرف بها وجوه الحيل في التحرز عنها والطهارة منها قال الحسن رضي الله عنه الفكرة مرآة تريك حسنك من سيئك ويطلع بها أيضاً على عظمة الله وجلاله إذا تفكر في آياته ومصنوعاته ويطلع بها أيضاً على آلائه ونعمائه الجلية والخفية فيستفيد بذلك أحوالاً سنية يزول بها مرض قلبه ويستقيم بها على طاعة ربه قاله الشيخ ابن عباد رضي الله عنه فهذه ثمرات عزلة أهل البداية وأما أهل النهاية فعزلتهم مصحوبة معهم ولو كانوا وسط الخلق لأنهم أقوياء رضي الله عنهم محجوبون بالجمع عن الفرق وبالمعنى عن الحس استوي عندهم الخلوة والخلطة لأنهم يأخذون النصيب من كل شيء ولا يأخذ النصيب منهم شيئاً وفي هذا المعنى قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه
الخلق نوار وأنا أرعيت فيهم ... هم الحجب الأكبر والمدخل فيهم
فإن أضاف المريد إلى العزلة الصمت والجوع والسهر فقد كملت ولايته وظهرت عنايته وأشرقت عليه الأنوار وأنمحت من مرآة قلبه صور الأغيار.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin