من كلام الجوهرة (4)
ثم يقول رضي الله عنه: [اعلم يا ولدي أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. متصلون بالله. وما من ولي متصل بالله، إلا وهو يُناجى كما كان موسى يُناجي ربه؛ وما من ولي لله، إلا ويحمل على الكفار كما كان علي بن أبي طالب يحمل على الكفار. وقد كنت أنا وأولياء الله أشباحا بين يدي القديم الأزل، بين يدي نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وإن الله خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: "يا إبراهيم، تقدم!" فتقدمت. فقال لي: "أنت مقدم عليهم، ونقيب عليهم". هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته؛ وهي كقاب قوسين أو أدنى. وكان اجتماع الأحبة على الدرة البيضاء، فلهذا قلت:
وعلى الدرة البيضاء كان اجتماعنا وفي قاب قوسين اجتماع الأحبة]
أما قوله رضي الله عنه من: "اعلم يا ولدي..." إلى: "يحمل على الكفار"، فهو تقريب لكلامه السابق؛ ونحن قد تكلمنا عنه، فلا داعي إلى العودة إليه. وأما قوله: "وقد كنت أنا وأولياء الله أشباحا بين يدي القديم الأزل"، فيعني به الأعيان الثبوتية المعلومة لله في قديم علمه وهي في عدمها الأصلي. فهذه الحالة، عبر عنها هو بالشبحية. وقوله بعده: "بين يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"، لا يقصد منه شخص محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يقصد الحقيقة المحمدية التي هي أصل الموجودات. وهذا المشهد القديم الأزلي، كان منها وفيها. وهذا العلم لا يُدركه إلا من عاد إليها فأخذه منها؛ لأنه محرم على سواها. ولا يقدح في هذا المقام أن يتكلم الشخص باسمه منها، لأن الحكم لها لا له. وهذا يغيب عمن لا يأخذ المعاني إلا من الألفاظ. وكيف له أن ينسب الكلام في عرفه إلى غير المتكلم به عنده؟! فإن هذا من وراء طور العقل!..
وأما قوله رضي الله عنه: "وإن الله خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فإنه يقصد أنه من الحقيقة المحمدية من حيث التحقق، لا من حيث النسبة العامة؛ لأن النسبة العامة ثابتة لجميع المخلوقات من غير استثناء. فكأنه قال: إن الله أعلمني أنه خلقني من نور محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما رجعت إلى أصلي وجدتني ذلك النور. وأما قوله: "فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: "يا إبراهيم، تقدم!" فتقدمت." فهذا مشهد من المشاهد، يقيم الله فيه وليّه في صورة توافق ما تعطيه الحقائق. ويكون ذلك في المشاهدات التي تكون للعباد في اليقظة، كما قد يكون في الرؤى المنامية؛ ولكن المشاهدات أوفق لهذا الصنف من الإعلام الإلهي. وقوله: "فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فهو يشير إلى الخلافة المحمدية الأصلية التي قام فيها بربه يربي العوالم كلها منها. وهذه الخلافة، هي أصل الخلافة الآدمية التي جاء ذكرها في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: 30]؛ وما الخلافة الآدمية إلا صورة لها. وقد عبر عن هذا المعنى ابن الفارض فقال:
فَـخَـمْر ولا كـرْم وآدَمُ لـي أب وكَـرْم ولا خَـمْر ولـي أُمُّـها أُمّ
فالأم التي يقصدها، هي الحقيقة المحمدية التي هي أم الصورة الآدمية.
وأما قوله رضي الله عنه: : "وقال لي: "يا إبراهيم تقدم"، فتقدمت." فهو مشهد يخصه في زمانه ولا يعُمّ. وقد حدث هذا لكثير من الأقطاب، فلما تكلموا به، اختلط الأمر على الناس واحتاروا. وهذا المشهد الذي شهده سيدي إبراهيم، يشهده كل قطب في زمانه. وقطب الزمان، يشهد نفسه المخاطب من الحقيقة المحمدية وحده دون سائر الأولياء. ومن لا علم له، يظن أن فلانا منهم هو المخصوص بهذا الخطاب على طول الزمان. وهو جهل كما قلنا. وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالتقدم، هو التولية له في زمانه. وقوله: فتقدمت، هو من باب الطاعة الذاتية، لأن هذه الحضرة لا مجال فيها للأمر التكليفي.
وقوله رضي الله عنه: "فقال لي: "أنت مقدم عليهم، ونقيب عليهم""، هو إخبار له بنيله مقام الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد جاء معنى الخلافة هنا بلفظ المقدم والنقيب. وأما الضمير في "عليهم" فعائد على الأولياء جميعا، لأن هذه الحضرة لا قدم فيها إلا للأولياء، أنبياء وورثة.
وقوله رضي الله عنه: "هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته؛ وهي كقاب قوسين أو أدنى. وكان اجتماع الأحبة على الدرة البيضاء."، فهو وصف للحقيقة المحمدية. فقوله: "هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته"، يعني به أن الحقيقة المحمدية هي نور ذاتي يأتي في المرتبة الثانية من الحق في الترتيب العقلي. وهذا النور المحمدي هو الحجاب الأعظم الذي بين الحق والخلق. وقد أشار إليه ابن بشيش رضي الله عنه في صلاته بقوله: "اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ". ولولا هذه الحجابية لهذه الحقيقة، ما ظهر خلق أبدا. وهذا سر لا يطلع عليه إلا كبار الأولياء.
وقوله بعده: "وهي كقاب قوسين أو أدنى"، يشير به إلى قول الله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}[النجم: 9]. والمقصود بالقوسين: قوس الحق وقوس الخلق. والدائرة التي هي مجموع القوسين هي الحقيقة المحمدية الجامعة بين الحق والخلق. من هنا يظهر أن العروج الذي حدث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان من أرضية بشريته إلى حقيقته فحسب. فلم يخرج عن ذاته قط.
وقوله: "وكان اجتماع الأحبة على الدرة البيضاء"، يعني أن الأولياء كانوا وحدة في التعين الذاتي الأول المسمى بالحقيقة المحمدية، ولم يكن في هذا التجلي تميز له عن الذات المطلقة إلا بمعقولية الشكل الدائري الذي هو مجموع القوسين. وهؤلاء الأولياء كانوا نورا من النور المحمدي الذي أوجده الله لداعي المحبة الإلهية، فكانوا به أحبة من جملة محبوبيته صلى الله عليه وآله وسلم. وكل واحد منهم لا بد أن تظهر فيه هذه المحبوبية، عند استلامه مقاليد منصب الخلافة، كما استلمه الدسوقي رضي الله عنه في زمانه.
ثم يقول رضي الله عنه: [اعلم يا ولدي أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. متصلون بالله. وما من ولي متصل بالله، إلا وهو يُناجى كما كان موسى يُناجي ربه؛ وما من ولي لله، إلا ويحمل على الكفار كما كان علي بن أبي طالب يحمل على الكفار. وقد كنت أنا وأولياء الله أشباحا بين يدي القديم الأزل، بين يدي نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وإن الله خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: "يا إبراهيم، تقدم!" فتقدمت. فقال لي: "أنت مقدم عليهم، ونقيب عليهم". هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته؛ وهي كقاب قوسين أو أدنى. وكان اجتماع الأحبة على الدرة البيضاء، فلهذا قلت:
وعلى الدرة البيضاء كان اجتماعنا وفي قاب قوسين اجتماع الأحبة]
أما قوله رضي الله عنه من: "اعلم يا ولدي..." إلى: "يحمل على الكفار"، فهو تقريب لكلامه السابق؛ ونحن قد تكلمنا عنه، فلا داعي إلى العودة إليه. وأما قوله: "وقد كنت أنا وأولياء الله أشباحا بين يدي القديم الأزل"، فيعني به الأعيان الثبوتية المعلومة لله في قديم علمه وهي في عدمها الأصلي. فهذه الحالة، عبر عنها هو بالشبحية. وقوله بعده: "بين يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"، لا يقصد منه شخص محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يقصد الحقيقة المحمدية التي هي أصل الموجودات. وهذا المشهد القديم الأزلي، كان منها وفيها. وهذا العلم لا يُدركه إلا من عاد إليها فأخذه منها؛ لأنه محرم على سواها. ولا يقدح في هذا المقام أن يتكلم الشخص باسمه منها، لأن الحكم لها لا له. وهذا يغيب عمن لا يأخذ المعاني إلا من الألفاظ. وكيف له أن ينسب الكلام في عرفه إلى غير المتكلم به عنده؟! فإن هذا من وراء طور العقل!..
وأما قوله رضي الله عنه: "وإن الله خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فإنه يقصد أنه من الحقيقة المحمدية من حيث التحقق، لا من حيث النسبة العامة؛ لأن النسبة العامة ثابتة لجميع المخلوقات من غير استثناء. فكأنه قال: إن الله أعلمني أنه خلقني من نور محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما رجعت إلى أصلي وجدتني ذلك النور. وأما قوله: "فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: "يا إبراهيم، تقدم!" فتقدمت." فهذا مشهد من المشاهد، يقيم الله فيه وليّه في صورة توافق ما تعطيه الحقائق. ويكون ذلك في المشاهدات التي تكون للعباد في اليقظة، كما قد يكون في الرؤى المنامية؛ ولكن المشاهدات أوفق لهذا الصنف من الإعلام الإلهي. وقوله: "فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فهو يشير إلى الخلافة المحمدية الأصلية التي قام فيها بربه يربي العوالم كلها منها. وهذه الخلافة، هي أصل الخلافة الآدمية التي جاء ذكرها في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: 30]؛ وما الخلافة الآدمية إلا صورة لها. وقد عبر عن هذا المعنى ابن الفارض فقال:
فَـخَـمْر ولا كـرْم وآدَمُ لـي أب وكَـرْم ولا خَـمْر ولـي أُمُّـها أُمّ
فالأم التي يقصدها، هي الحقيقة المحمدية التي هي أم الصورة الآدمية.
وأما قوله رضي الله عنه: : "وقال لي: "يا إبراهيم تقدم"، فتقدمت." فهو مشهد يخصه في زمانه ولا يعُمّ. وقد حدث هذا لكثير من الأقطاب، فلما تكلموا به، اختلط الأمر على الناس واحتاروا. وهذا المشهد الذي شهده سيدي إبراهيم، يشهده كل قطب في زمانه. وقطب الزمان، يشهد نفسه المخاطب من الحقيقة المحمدية وحده دون سائر الأولياء. ومن لا علم له، يظن أن فلانا منهم هو المخصوص بهذا الخطاب على طول الزمان. وهو جهل كما قلنا. وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالتقدم، هو التولية له في زمانه. وقوله: فتقدمت، هو من باب الطاعة الذاتية، لأن هذه الحضرة لا مجال فيها للأمر التكليفي.
وقوله رضي الله عنه: "فقال لي: "أنت مقدم عليهم، ونقيب عليهم""، هو إخبار له بنيله مقام الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد جاء معنى الخلافة هنا بلفظ المقدم والنقيب. وأما الضمير في "عليهم" فعائد على الأولياء جميعا، لأن هذه الحضرة لا قدم فيها إلا للأولياء، أنبياء وورثة.
وقوله رضي الله عنه: "هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته؛ وهي كقاب قوسين أو أدنى. وكان اجتماع الأحبة على الدرة البيضاء."، فهو وصف للحقيقة المحمدية. فقوله: "هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته"، يعني به أن الحقيقة المحمدية هي نور ذاتي يأتي في المرتبة الثانية من الحق في الترتيب العقلي. وهذا النور المحمدي هو الحجاب الأعظم الذي بين الحق والخلق. وقد أشار إليه ابن بشيش رضي الله عنه في صلاته بقوله: "اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ". ولولا هذه الحجابية لهذه الحقيقة، ما ظهر خلق أبدا. وهذا سر لا يطلع عليه إلا كبار الأولياء.
وقوله بعده: "وهي كقاب قوسين أو أدنى"، يشير به إلى قول الله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}[النجم: 9]. والمقصود بالقوسين: قوس الحق وقوس الخلق. والدائرة التي هي مجموع القوسين هي الحقيقة المحمدية الجامعة بين الحق والخلق. من هنا يظهر أن العروج الذي حدث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان من أرضية بشريته إلى حقيقته فحسب. فلم يخرج عن ذاته قط.
وقوله: "وكان اجتماع الأحبة على الدرة البيضاء"، يعني أن الأولياء كانوا وحدة في التعين الذاتي الأول المسمى بالحقيقة المحمدية، ولم يكن في هذا التجلي تميز له عن الذات المطلقة إلا بمعقولية الشكل الدائري الذي هو مجموع القوسين. وهؤلاء الأولياء كانوا نورا من النور المحمدي الذي أوجده الله لداعي المحبة الإلهية، فكانوا به أحبة من جملة محبوبيته صلى الله عليه وآله وسلم. وكل واحد منهم لا بد أن تظهر فيه هذه المحبوبية، عند استلامه مقاليد منصب الخلافة، كما استلمه الدسوقي رضي الله عنه في زمانه.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin