مع الحبيب المصطفى ﷺ :الإصلاح مهم في حياة الإنسان المسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
291ـ الإصلاح مهم في حياة الإنسان المسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْلَة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَوْفَ تَأْتِي عَلَى الأُمَّةِ بَعْدَ لَيَالِيَ قَلِيلَةٍ، وَالنَّاسُ مُهْتَمُّونَ بِشَأْنِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَحَرِيصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّ البَعْضَ يَنْسَى أَو يَتَنَاسَى حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ والبيهقي عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
كما يَنْسَى أَو يَتَنَاسَى حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الشَّحْنَاءُ شَرُّهَا عَظِيمٌ، وَوَبَالُهَا خَطِيرٌ، وَيَعُمُّ المُجْتَمَعَ وَلَا يَخْتَصُّ بِالمُتَشَاحِنِينَ، وَذَلِكَ لِمَا رواه الإمام البخاري عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرَاً لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ».
خُصُومَاتٌ وَمُشَاحَنَاتٌ لَا تُتَصَوَّرُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَوْ نَظَرْنَا إلى وَاقِعِنَا المَرِيرِ، لَرَأَيْنَا العَجَبَ العُجَابَ مِنْ خُصُومَاتٍ وَمُشَاحَنَاتٍ لَا تُتَصَوَّرُ، لَوْ نَظَرْنَا إلى الخُصُومَاتِ وَالمُشَاحَنَاتِ في القَضَاءِ لَرَأَيْنَا مَا لَا يَتَصَّوَرُهُ عَقْلٌ، خُصُومَاتٌ وَمُشَاحَنَاتٌ بَيْنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ، بَيْنَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ، بَيْنَ الأَزْوَاجِ، بَلِ الأَسْوَأُ حَالَاً مَا نَرَاهُ عَلَى أَرضِ الوَاقِعِ خُصُومَاتٌ وَمُشَاحَنَاتٌ دَفَعَتِ النَّاسَ إلى التَّقَاتُلِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، بَلْ وَصَلَ الأَمْرُ إلى سَفْكِ دِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
أَيْنَ هَؤُلَاءِ المُتَشَاحِنُونَ المُتَبَاغِضُونَ مِنَ الأَحَادِيثِ التي وَرَدَتْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنَ الحَدِيثِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُـشْرِكُ بِاللهِ شَيْئَاً، إِلَّا رَجُلَاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ فِيهَا خَيْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، لَا تُفَوِّتُوهَا عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ، اسْتَعِدُّوا لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ بِمَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْ بَعْضِكُمْ بَعْضَاً، بِالتَّسَامُحِ وَالصَّفْحِ، تَدَارَكُوا أَنْفُسَكُمْ وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ القَائِلِ:
مَـضَـى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ *** وَهَـذَا شَـهْرُ شَـعْـبَانَ المُبَارَكْ
فَـيَـا مَـنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلَاً *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْـذَرْ بَـوَارَكْ
فَسَوْفَ تُـفَـارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْرَاً *** وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهَاً مِنْكَ دَارَكْ
شَرِيعَتُنَا جَاءَتْ لِتَصْفِيَةِ القُلُوبِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَثُرَتِ الشَّحْنَاءُ وَالبَغْضَاءُ بَيْنَ النَّاسِ، وَصَارَتِ الأَحْقَادُ في القُلُوبِ مُتَمَكِّنَةً وَمُسْتَحْكِمَةً، وَمَا جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا إِلَّا لِتَصْفِيَةِ القُلُوبِ وَنَقَائِهَا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
سَلَامَةُ الصَّدْرِ وَنَقَاءُ القَلْبِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى العَبْدِ، لِأَنَّهَا سَتُوهَبُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ عِنْدَ دُخُولِهَا: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾. فَأَهْلُ الجَنَّةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بكْرَةً وَعَشِيَّاً، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ (أَوْعِيَتُهُمْ) فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ (جَمْعُ مَجْمَرَةٍ) الأَلُوَّةُ (العُودُ الهِنْدِيُّ الذي يُتَبَخَّرُ بِهِ) وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ (عَرَقُهُمْ كَالمِسْكِ في طِيبِ رَائِحَتِهِ) وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ (مَا دَاخِلَ العَظْمِ مِنَ السَّاقِ) لَا اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّاً».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اهْتَمَّ دِينُنَا بِسَلَامَةِ صُدُورِ الأُمَّةِ وَقُلُوبِهَا عَلَى بَعْضَهِمْ بَعْضَاً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالقَلْبِ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالقَلْبِ.
وَعِنْدَمَا سُئِلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».
قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟
قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالقَلْبِ.
الإِصْلَاحُ مُهِمٌّ في حَيَاةِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ بِأَنَّ الشِّقَاقَ وَالخِلَافَ وَالبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ مِنْ أَخْطَرِ الأَسْلِحَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ التي تُفَكِّكُ أَوَاصِرَ المَوَدَّةِ وَالمَحَبَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وَبِهَا تُوغَرُ الصُّدُورُ، وَتَتَنَافَرُ القُلُوبُ، وَلِهَذَا عَالَجَ الإِسْلَامُ هذِهِ المَسْأَلَةَ، وَدَعَا إلى الصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ، وَجَعَلَ الإِصْلَاحَ عِبَادَةً جَلِيلَةً وَخُلُقَاً عَظِيمَاً يُحِبُّهُ اللهُ تعالى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَمَّاهُ اللهُ خَيْرَاً فَقَالَ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
بِالإِصْلَاحِ تَكُونُ الأُمَّةُ مُتَمَاسِكَةً كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَقَوِيَّةً وَمَتِينَةً، وَبِالإِصْلَاحِ تَتَآلَفُ القُلُوبُ، وَتَجْتَمِعُ الكَلِمَةُ، وَتُزْرَعُ المَوَدَّةُ وَالمَحَبَّةُ، وَيُنْبَذُ الخِلَافُ.
الإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ دَلِيلٌ وَعُنْوَانٌ عَلَى الإِيمَانِ ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وَالمُصْلِحُ قَلْبُهُ مِنْ أَحْسَنِ القُلُوبِ، وَأَنْقَاهَا، وَأَطْهَرِهَا، وَنَفْسُهُ تَوَّاقَةٌ للخَيْرِ.
وَالذي لَا يَقْبَلُ الصُّلْحَ، وَلَا يَسْعَى فِيهِ، هُوَ إِنْسَانٌ قَاسي القَلْبِ، فَسَدَ بَاطِنُهُ، وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَهُوَ إلى الـشَّرِّ أَقْرَبُ، وَعَنِ الخَيْرِ أَبْعَدُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ عَظِيمِ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِعِبَادِهِ، أَنَّهُ يُصْلِحُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟
قَالَ: «رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي.
فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟
قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي».
قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ، يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ.
فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَّانِ.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورَاً مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا، أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا، أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟
قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ.
قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟
قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ.
قَالَ: بِمَاذَا؟
قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ.
قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «اتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ صَادِقَاً في طَلَبِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ اللهِ تعالى، فَلْيَعْفُ وَلَيْصَفْحَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَلْيُذْهِبْ مِنْ قَلْبِهِ الشَّحْنَاءَ وَالبَغْضَاءَ، وَلْيَكُنْ قَلْبُهُ سَلِيمَاً، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
291ـ الإصلاح مهم في حياة الإنسان المسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْلَة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَوْفَ تَأْتِي عَلَى الأُمَّةِ بَعْدَ لَيَالِيَ قَلِيلَةٍ، وَالنَّاسُ مُهْتَمُّونَ بِشَأْنِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَحَرِيصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّ البَعْضَ يَنْسَى أَو يَتَنَاسَى حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ والبيهقي عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
كما يَنْسَى أَو يَتَنَاسَى حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الشَّحْنَاءُ شَرُّهَا عَظِيمٌ، وَوَبَالُهَا خَطِيرٌ، وَيَعُمُّ المُجْتَمَعَ وَلَا يَخْتَصُّ بِالمُتَشَاحِنِينَ، وَذَلِكَ لِمَا رواه الإمام البخاري عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرَاً لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ».
خُصُومَاتٌ وَمُشَاحَنَاتٌ لَا تُتَصَوَّرُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَوْ نَظَرْنَا إلى وَاقِعِنَا المَرِيرِ، لَرَأَيْنَا العَجَبَ العُجَابَ مِنْ خُصُومَاتٍ وَمُشَاحَنَاتٍ لَا تُتَصَوَّرُ، لَوْ نَظَرْنَا إلى الخُصُومَاتِ وَالمُشَاحَنَاتِ في القَضَاءِ لَرَأَيْنَا مَا لَا يَتَصَّوَرُهُ عَقْلٌ، خُصُومَاتٌ وَمُشَاحَنَاتٌ بَيْنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ، بَيْنَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ، بَيْنَ الأَزْوَاجِ، بَلِ الأَسْوَأُ حَالَاً مَا نَرَاهُ عَلَى أَرضِ الوَاقِعِ خُصُومَاتٌ وَمُشَاحَنَاتٌ دَفَعَتِ النَّاسَ إلى التَّقَاتُلِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، بَلْ وَصَلَ الأَمْرُ إلى سَفْكِ دِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
أَيْنَ هَؤُلَاءِ المُتَشَاحِنُونَ المُتَبَاغِضُونَ مِنَ الأَحَادِيثِ التي وَرَدَتْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنَ الحَدِيثِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُـشْرِكُ بِاللهِ شَيْئَاً، إِلَّا رَجُلَاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ فِيهَا خَيْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، لَا تُفَوِّتُوهَا عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ، اسْتَعِدُّوا لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ بِمَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْ بَعْضِكُمْ بَعْضَاً، بِالتَّسَامُحِ وَالصَّفْحِ، تَدَارَكُوا أَنْفُسَكُمْ وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ القَائِلِ:
مَـضَـى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ *** وَهَـذَا شَـهْرُ شَـعْـبَانَ المُبَارَكْ
فَـيَـا مَـنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلَاً *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْـذَرْ بَـوَارَكْ
فَسَوْفَ تُـفَـارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْرَاً *** وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهَاً مِنْكَ دَارَكْ
شَرِيعَتُنَا جَاءَتْ لِتَصْفِيَةِ القُلُوبِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَثُرَتِ الشَّحْنَاءُ وَالبَغْضَاءُ بَيْنَ النَّاسِ، وَصَارَتِ الأَحْقَادُ في القُلُوبِ مُتَمَكِّنَةً وَمُسْتَحْكِمَةً، وَمَا جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا إِلَّا لِتَصْفِيَةِ القُلُوبِ وَنَقَائِهَا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
سَلَامَةُ الصَّدْرِ وَنَقَاءُ القَلْبِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى العَبْدِ، لِأَنَّهَا سَتُوهَبُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ عِنْدَ دُخُولِهَا: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾. فَأَهْلُ الجَنَّةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بكْرَةً وَعَشِيَّاً، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ (أَوْعِيَتُهُمْ) فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ (جَمْعُ مَجْمَرَةٍ) الأَلُوَّةُ (العُودُ الهِنْدِيُّ الذي يُتَبَخَّرُ بِهِ) وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ (عَرَقُهُمْ كَالمِسْكِ في طِيبِ رَائِحَتِهِ) وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ (مَا دَاخِلَ العَظْمِ مِنَ السَّاقِ) لَا اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّاً».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اهْتَمَّ دِينُنَا بِسَلَامَةِ صُدُورِ الأُمَّةِ وَقُلُوبِهَا عَلَى بَعْضَهِمْ بَعْضَاً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالقَلْبِ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالقَلْبِ.
وَعِنْدَمَا سُئِلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».
قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟
قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالقَلْبِ.
الإِصْلَاحُ مُهِمٌّ في حَيَاةِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ بِأَنَّ الشِّقَاقَ وَالخِلَافَ وَالبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ مِنْ أَخْطَرِ الأَسْلِحَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ التي تُفَكِّكُ أَوَاصِرَ المَوَدَّةِ وَالمَحَبَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وَبِهَا تُوغَرُ الصُّدُورُ، وَتَتَنَافَرُ القُلُوبُ، وَلِهَذَا عَالَجَ الإِسْلَامُ هذِهِ المَسْأَلَةَ، وَدَعَا إلى الصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ، وَجَعَلَ الإِصْلَاحَ عِبَادَةً جَلِيلَةً وَخُلُقَاً عَظِيمَاً يُحِبُّهُ اللهُ تعالى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَمَّاهُ اللهُ خَيْرَاً فَقَالَ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
بِالإِصْلَاحِ تَكُونُ الأُمَّةُ مُتَمَاسِكَةً كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَقَوِيَّةً وَمَتِينَةً، وَبِالإِصْلَاحِ تَتَآلَفُ القُلُوبُ، وَتَجْتَمِعُ الكَلِمَةُ، وَتُزْرَعُ المَوَدَّةُ وَالمَحَبَّةُ، وَيُنْبَذُ الخِلَافُ.
الإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ دَلِيلٌ وَعُنْوَانٌ عَلَى الإِيمَانِ ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وَالمُصْلِحُ قَلْبُهُ مِنْ أَحْسَنِ القُلُوبِ، وَأَنْقَاهَا، وَأَطْهَرِهَا، وَنَفْسُهُ تَوَّاقَةٌ للخَيْرِ.
وَالذي لَا يَقْبَلُ الصُّلْحَ، وَلَا يَسْعَى فِيهِ، هُوَ إِنْسَانٌ قَاسي القَلْبِ، فَسَدَ بَاطِنُهُ، وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَهُوَ إلى الـشَّرِّ أَقْرَبُ، وَعَنِ الخَيْرِ أَبْعَدُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ عَظِيمِ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِعِبَادِهِ، أَنَّهُ يُصْلِحُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟
قَالَ: «رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي.
فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟
قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي».
قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ، يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ.
فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَّانِ.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورَاً مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا، أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا، أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟
قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ.
قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟
قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ.
قَالَ: بِمَاذَا؟
قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ.
قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «اتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ صَادِقَاً في طَلَبِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ اللهِ تعالى، فَلْيَعْفُ وَلَيْصَفْحَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَلْيُذْهِبْ مِنْ قَلْبِهِ الشَّحْنَاءَ وَالبَغْضَاءَ، وَلْيَكُنْ قَلْبُهُ سَلِيمَاً، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin