مع الحبيب المصطفى:الإصلاح بين الناس مهمة الذين شرفت نفوسهم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
235ـ الإصلاح بين الناس مهمة الذين شرفت نفوسهم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد جَعَلَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَلاقَةً خَاصَّةً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، ورَابِطَةً سَامِيَةً بَيْنَ المُسْلِمِينَ، فالمُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ، حَيْثُمَا كَانَ، وَأَيَّاً كَانَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. ولا رَابِطَةَ أَعْلَى من رَابِطَةِ الإِيمَانِ، ولا وَشِيجَةَ أَقْوَى من وَشِيجَةِ الإِسْلامِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: من هذا المُنْطَلَقِ كَانَتْ لهذهِ الأُخُوَّةِ حُقُوقٌ عَظِيمَةٌ، وَوَاجِبَاتٌ كَرِيمَةٌ، بَيَّنَهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرَاً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرَاً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
كَمَا بَيَّنَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا (النَّجَشُ: أَنْ يَمْدَحَ السِّلْعَةَ لِيُنْفِقَهَا وَيُرَوِّجَهَا أَو يَزِيدَ في ثَمَنِهَا) وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً، الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْـمُسْلِمِ ، كُلُّ الْـمُسْلِمِ عَلَى الْـمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ من أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ على المُؤْمِنِ تُجَاهَ إِخْوَانِهِ حِينَ يَجِدُ الشِّقَاقَ والقَطِيعَةَ بَيْنَهُم، أَنْ يَعْمَلَ على تَوْحِيدِ كَلِمَتِهِم، وَجَمْعِ شَمْلِهِم، وَرَأْبِ صَدْعِهِم، وَلَهُ في ذَلَكَ أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى المَوْلَى العَلِيُّ القَدِيرُ، القَائِلُ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.
الإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ من هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَرَفْنَا بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ اللهُ تعالى رَجَاحَةَ العَقْلِ كَمَا لَمْ يُعْطِ أَحَدَاً من العَالَمِينَ، وَقَد ظَهَرَتْ آثَارُ أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ الـشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خِلالِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، قَبْلَ البِعْثَةِ وَبَعْدَ البِعْثَةِ.
أَمَّا قَبْلَ البِعْثَةِ، فَقَد جَاءَ في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ، وَقَبْلَ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ جَرَفَ مَكَّةَ سَيْلٌ عَرِمٌ، انْحَدَرَ إلى البَيْتِ الحَرَامِ، فَأَوْشَكَتِ الكَعْبَةُ مِنْهُ على الانْهِيَارِ، فَاضْطُرَّتْ قُرَيْشٌ إلى تَجْدِيدِ بِنَائِهَا حِرْصَاً على مَكَانَتِهَا، وَاتَّفَقُوا على أَلَّا يُدْخِلُوا في بِنَائِهَا إلا طَيِّبَاً، فَلا يُدْخِلُونَ فِيهَا مَهْرَ بَغِيٍّ، وَلا بَيْعَ رِبَاً، ولا مَظْلَمَةَ أَحَدٍ من النَّاسِ، وَكَانُوا يَهَابُونَ هَدْمَهَا.
فَابْتَدَأَ بِهَا الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ، فَأَخَذَ المِعْوَلَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لا نُرِيدُ إلا الخَيْرَ، ثمَّ هَدَمَ نَاحِيَةَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَـمَّا لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ تَبِعَهُ النَّاسُ في الهَدْمِ في اليَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ يَزَالُوا في الهَدْمِ حَتَّى وَصَلُوا إلى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
ثمَّ أَرَادُوا الأَخْذَ في البِنَاءِ فَجَزَّؤُوا الكَعْبَةَ، وَخَصَّصُوا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ جُزْءَاً مِنْهَا.
فَجَمَعَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ حِجَارَةً على حِدَةٍ، وَأَخَذُوا يَبْنُونَهَا، وَتَوَلَّى البِنَاءَ بَنَّاءٌ رُومِيٌّ اسْمُهُ: بَاقُومُ.
وَلَـمَّا بَلَغَ البُنْيَانُ مَوْضِعَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَمْتَازُ بِشَرَفِ وَضْعِهِ في مَكَانِهِ، وَاسْتَمَرَّ النِّزَاعُ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَو خَمْسَاً، وَاشْتَدَّ حَتَّى كَادَ أَن يَتَحَوَّلَ إلى حَرْبٍ ضَرُوسٍ في أَرْضِ الحَرَمِ.
إِلَّا أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيَّ عَرَضَ عَلَيْهِم أَنْ يُحَكِّمُوا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم أَوَّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِم من بَابِ المَسْجِد؛ فَارْتَضَوْهُ.
وَشَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ هَتَفُوا: هذا الأَمِينُ، رَضِينَاهُ، هذا مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِم، وَأَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، طَلَبَ رِدَاءً، فَوَضَعَ الحَجَرَ وَسَطَهُ، وَطَلَبَ من رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ المُتَنَازِعِينَ أَنْ يُمْسِكُوا جَمِيعَاً بِأَطْرَافِ الرِّدَاءِ، وَأَمَرَهُم أَنْ يَرْفَعُوهُ، حَتَّى إِذَا أَوْصَلُوهُ إلى مَوْضِعِهِ أَخَذَهُ بِيَدِهِ فَوَضَعَهُ في مَكَانِهِ، وَهَذَا حَلٌّ حَصِيفٌ رَضِيَ بِهِ القَوْمُ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَكَذَا دَرَأَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَرْبَ عَن قُرَيْشٍ، بِحِكْمَةٍ لَيْسَ فَوْقَهَا حِكْمَةٌ، وَكَانَتْ مُقَدِّمَةَ دَرْئِهِ للحُرُوبِ والـشُّرُورِ عَن الشُّعُوبِ والأُمَمِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، بِحِكْمَتِهِ وَتَعَالِيمِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَتَلَطُّفِهِ في الأُمُورِ، والإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، كَمَا كَانَ رَحْمَةً للمُتَخَاصِمِينَ والمُتَحَارِبِينَ.
الإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ مَهَمَّةُ الذينَ شَرُفَتْ نُفُوسُهُم:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ الإِصْلاحَ بَيْنَ النَّاسِ مَهَمَّةُ الذينَ شَرُفَتْ نُفُوسُهُم، وَصَفَتْ أَرْوَاحُهُم، وَعَظُمَ إِيمَانُهُم باللهِ تعالى وباليَوْمِ الآخِرِ، وَكَمُلَ يَقِينُهُم.
مَهَمَّةُ أَصْحَابِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ، والطِّبَاعِ المُسْتَقِيمَةِ، مَهَمَّةُ أَصْحَابِ الضَّمَائِرِ الحَيَّةِ.
مَهَمَّةُ أَصْحَابِ النُّبْلِ، الذينَ يَكْرَهُونَ الشَّرَّ، وَيَحْقِنُونَ الخِلافَ عِنْدَ غَيْرِهِم.
مَهَمَّةُ الرِّجَالِ الذينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، لِإِبْطَالِ عَمَلِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنِّ، وَلِإِحْبَاطِ كَيْدِ الكَائِدِينَ الخَائِنِينَ.
مَهَمَّةُ الذينَ يُحِبُّونَ الأُلْفَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَكْرَهُونَ الفُرْقَةَ والفِتَنَ والشُّرُورَ.
مَهَمَّةُ الذينَ يَعْمَلُونَ على حَقْنِ الدِّمَاءِ، وَصِيَانَةِ الأَنْفُسِ، وَحِفْظِ الأَمْوَالِ، وَتَأْلِيفِ القُلُوبِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هؤلاءِ كَالمَاءِ، الذينَ يُطْفِئُونَ النَّارَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْحِلَ شَرُّهَا، هؤلاءِ كَالنُّورِ، الذي يُبَدِّدُ الظَّلامَ قَبْلَ أَنْ يَعُمَّ، هؤلاءِ هُمُ الذينَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمُ اللهُ أَجْرَاً عَظِيمَاً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا جَلَّ جَلالُهُ يُنَادِينَا من قُدْسِهِ الأَعْلَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وَكَذَلِكَ يُنَادِينَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «الْـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: جَمِيعُ مَشَاكِلِنَا وَمَشَاكِلِ العَالِمِ اليَوْمَ تَكْمُنُ في إِهْمَالِ هذا المَبْدَأِ القَوِيمِ، الذي عَاشَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البِعْثَةِ وَبَعْدَ البِعْثَةِ.
فَمَا اشْتَدَّتِ الفِتَنُ، ولا اشْتَعَلَتِ الحُرُوبُ، ولا أُرِيقَتِ الدِّمَاءُ، ولا أُزْهِقَتِ الأَنْفُسُ، ولا بُدِّدَتِ الأَمْوَالُ، ولا قُطِّعَتِ الأَرْحَامُ، ولا خُرِّبَتِ البُيُوتُ، ولا شُرِّدَ الأَطْفَالِ، ولا مُزِّقَتِ الجَمَاعَاتُ، إلا بِسَبَبِ إِهْمَالِنَا الصُّلْحَ والتَّوْفِيقَ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ، وَبِتَرْكِنَا الشَّرَّ يَنـْتَشِرُ حَتَّى عَمَّ القَرِيبَ والبَعِيدَ، وَقَـضَى على الأَخْضَرِ واليَابِسِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَفْعَلَهُ في هذهِ الأَزْمَةِ، إِنْ لَمْ نَقْدِرْ على الإِصْلاحِ، أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلْيُمْسِكْ عَن الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ» رواه الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
فَيَا مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، أَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ ولا تُفْسِدْ، وَفَرِّجِ الكَرْبَ عَن المَكْرُوبِينَ بالإِصْلاحِ، وَاحْقِنِ الدِّمَاءَ بالإِصْلاحِ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ على الإِصْلاحِ، فَأَمْسِكْ عَن الشَّرِّ، فَإِمْسَاكُكَ عَن الـشَّرِّ صَدَقَةٌ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
235ـ الإصلاح بين الناس مهمة الذين شرفت نفوسهم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد جَعَلَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَلاقَةً خَاصَّةً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، ورَابِطَةً سَامِيَةً بَيْنَ المُسْلِمِينَ، فالمُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ، حَيْثُمَا كَانَ، وَأَيَّاً كَانَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. ولا رَابِطَةَ أَعْلَى من رَابِطَةِ الإِيمَانِ، ولا وَشِيجَةَ أَقْوَى من وَشِيجَةِ الإِسْلامِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: من هذا المُنْطَلَقِ كَانَتْ لهذهِ الأُخُوَّةِ حُقُوقٌ عَظِيمَةٌ، وَوَاجِبَاتٌ كَرِيمَةٌ، بَيَّنَهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرَاً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرَاً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
كَمَا بَيَّنَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا (النَّجَشُ: أَنْ يَمْدَحَ السِّلْعَةَ لِيُنْفِقَهَا وَيُرَوِّجَهَا أَو يَزِيدَ في ثَمَنِهَا) وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً، الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْـمُسْلِمِ ، كُلُّ الْـمُسْلِمِ عَلَى الْـمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ من أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ على المُؤْمِنِ تُجَاهَ إِخْوَانِهِ حِينَ يَجِدُ الشِّقَاقَ والقَطِيعَةَ بَيْنَهُم، أَنْ يَعْمَلَ على تَوْحِيدِ كَلِمَتِهِم، وَجَمْعِ شَمْلِهِم، وَرَأْبِ صَدْعِهِم، وَلَهُ في ذَلَكَ أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى المَوْلَى العَلِيُّ القَدِيرُ، القَائِلُ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.
الإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ من هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَرَفْنَا بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ اللهُ تعالى رَجَاحَةَ العَقْلِ كَمَا لَمْ يُعْطِ أَحَدَاً من العَالَمِينَ، وَقَد ظَهَرَتْ آثَارُ أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ الـشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خِلالِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، قَبْلَ البِعْثَةِ وَبَعْدَ البِعْثَةِ.
أَمَّا قَبْلَ البِعْثَةِ، فَقَد جَاءَ في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ، وَقَبْلَ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ جَرَفَ مَكَّةَ سَيْلٌ عَرِمٌ، انْحَدَرَ إلى البَيْتِ الحَرَامِ، فَأَوْشَكَتِ الكَعْبَةُ مِنْهُ على الانْهِيَارِ، فَاضْطُرَّتْ قُرَيْشٌ إلى تَجْدِيدِ بِنَائِهَا حِرْصَاً على مَكَانَتِهَا، وَاتَّفَقُوا على أَلَّا يُدْخِلُوا في بِنَائِهَا إلا طَيِّبَاً، فَلا يُدْخِلُونَ فِيهَا مَهْرَ بَغِيٍّ، وَلا بَيْعَ رِبَاً، ولا مَظْلَمَةَ أَحَدٍ من النَّاسِ، وَكَانُوا يَهَابُونَ هَدْمَهَا.
فَابْتَدَأَ بِهَا الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ، فَأَخَذَ المِعْوَلَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لا نُرِيدُ إلا الخَيْرَ، ثمَّ هَدَمَ نَاحِيَةَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَـمَّا لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ تَبِعَهُ النَّاسُ في الهَدْمِ في اليَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ يَزَالُوا في الهَدْمِ حَتَّى وَصَلُوا إلى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
ثمَّ أَرَادُوا الأَخْذَ في البِنَاءِ فَجَزَّؤُوا الكَعْبَةَ، وَخَصَّصُوا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ جُزْءَاً مِنْهَا.
فَجَمَعَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ حِجَارَةً على حِدَةٍ، وَأَخَذُوا يَبْنُونَهَا، وَتَوَلَّى البِنَاءَ بَنَّاءٌ رُومِيٌّ اسْمُهُ: بَاقُومُ.
وَلَـمَّا بَلَغَ البُنْيَانُ مَوْضِعَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَمْتَازُ بِشَرَفِ وَضْعِهِ في مَكَانِهِ، وَاسْتَمَرَّ النِّزَاعُ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَو خَمْسَاً، وَاشْتَدَّ حَتَّى كَادَ أَن يَتَحَوَّلَ إلى حَرْبٍ ضَرُوسٍ في أَرْضِ الحَرَمِ.
إِلَّا أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيَّ عَرَضَ عَلَيْهِم أَنْ يُحَكِّمُوا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم أَوَّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِم من بَابِ المَسْجِد؛ فَارْتَضَوْهُ.
وَشَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ هَتَفُوا: هذا الأَمِينُ، رَضِينَاهُ، هذا مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِم، وَأَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، طَلَبَ رِدَاءً، فَوَضَعَ الحَجَرَ وَسَطَهُ، وَطَلَبَ من رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ المُتَنَازِعِينَ أَنْ يُمْسِكُوا جَمِيعَاً بِأَطْرَافِ الرِّدَاءِ، وَأَمَرَهُم أَنْ يَرْفَعُوهُ، حَتَّى إِذَا أَوْصَلُوهُ إلى مَوْضِعِهِ أَخَذَهُ بِيَدِهِ فَوَضَعَهُ في مَكَانِهِ، وَهَذَا حَلٌّ حَصِيفٌ رَضِيَ بِهِ القَوْمُ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَكَذَا دَرَأَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَرْبَ عَن قُرَيْشٍ، بِحِكْمَةٍ لَيْسَ فَوْقَهَا حِكْمَةٌ، وَكَانَتْ مُقَدِّمَةَ دَرْئِهِ للحُرُوبِ والـشُّرُورِ عَن الشُّعُوبِ والأُمَمِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، بِحِكْمَتِهِ وَتَعَالِيمِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَتَلَطُّفِهِ في الأُمُورِ، والإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، كَمَا كَانَ رَحْمَةً للمُتَخَاصِمِينَ والمُتَحَارِبِينَ.
الإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ مَهَمَّةُ الذينَ شَرُفَتْ نُفُوسُهُم:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ الإِصْلاحَ بَيْنَ النَّاسِ مَهَمَّةُ الذينَ شَرُفَتْ نُفُوسُهُم، وَصَفَتْ أَرْوَاحُهُم، وَعَظُمَ إِيمَانُهُم باللهِ تعالى وباليَوْمِ الآخِرِ، وَكَمُلَ يَقِينُهُم.
مَهَمَّةُ أَصْحَابِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ، والطِّبَاعِ المُسْتَقِيمَةِ، مَهَمَّةُ أَصْحَابِ الضَّمَائِرِ الحَيَّةِ.
مَهَمَّةُ أَصْحَابِ النُّبْلِ، الذينَ يَكْرَهُونَ الشَّرَّ، وَيَحْقِنُونَ الخِلافَ عِنْدَ غَيْرِهِم.
مَهَمَّةُ الرِّجَالِ الذينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، لِإِبْطَالِ عَمَلِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنِّ، وَلِإِحْبَاطِ كَيْدِ الكَائِدِينَ الخَائِنِينَ.
مَهَمَّةُ الذينَ يُحِبُّونَ الأُلْفَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَكْرَهُونَ الفُرْقَةَ والفِتَنَ والشُّرُورَ.
مَهَمَّةُ الذينَ يَعْمَلُونَ على حَقْنِ الدِّمَاءِ، وَصِيَانَةِ الأَنْفُسِ، وَحِفْظِ الأَمْوَالِ، وَتَأْلِيفِ القُلُوبِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هؤلاءِ كَالمَاءِ، الذينَ يُطْفِئُونَ النَّارَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْحِلَ شَرُّهَا، هؤلاءِ كَالنُّورِ، الذي يُبَدِّدُ الظَّلامَ قَبْلَ أَنْ يَعُمَّ، هؤلاءِ هُمُ الذينَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمُ اللهُ أَجْرَاً عَظِيمَاً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا جَلَّ جَلالُهُ يُنَادِينَا من قُدْسِهِ الأَعْلَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وَكَذَلِكَ يُنَادِينَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «الْـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: جَمِيعُ مَشَاكِلِنَا وَمَشَاكِلِ العَالِمِ اليَوْمَ تَكْمُنُ في إِهْمَالِ هذا المَبْدَأِ القَوِيمِ، الذي عَاشَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البِعْثَةِ وَبَعْدَ البِعْثَةِ.
فَمَا اشْتَدَّتِ الفِتَنُ، ولا اشْتَعَلَتِ الحُرُوبُ، ولا أُرِيقَتِ الدِّمَاءُ، ولا أُزْهِقَتِ الأَنْفُسُ، ولا بُدِّدَتِ الأَمْوَالُ، ولا قُطِّعَتِ الأَرْحَامُ، ولا خُرِّبَتِ البُيُوتُ، ولا شُرِّدَ الأَطْفَالِ، ولا مُزِّقَتِ الجَمَاعَاتُ، إلا بِسَبَبِ إِهْمَالِنَا الصُّلْحَ والتَّوْفِيقَ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ، وَبِتَرْكِنَا الشَّرَّ يَنـْتَشِرُ حَتَّى عَمَّ القَرِيبَ والبَعِيدَ، وَقَـضَى على الأَخْضَرِ واليَابِسِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَفْعَلَهُ في هذهِ الأَزْمَةِ، إِنْ لَمْ نَقْدِرْ على الإِصْلاحِ، أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلْيُمْسِكْ عَن الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ» رواه الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
فَيَا مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، أَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ ولا تُفْسِدْ، وَفَرِّجِ الكَرْبَ عَن المَكْرُوبِينَ بالإِصْلاحِ، وَاحْقِنِ الدِّمَاءَ بالإِصْلاحِ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ على الإِصْلاحِ، فَأَمْسِكْ عَن الشَّرِّ، فَإِمْسَاكُكَ عَن الـشَّرِّ صَدَقَةٌ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin