مع الحبيب المصطفى :والله ما هو بساحر ولا كذاب
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
257ـ والله ما هو بساحر ولا كذاب
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَوْ قَرَأْنَا تَارِيخَ البَشَرِيَّةِ فَإِنَّا نَجِدُ انْفِصَالَاً وَتَبَايُنَاً بَيْنَ المَثَلِ وَالوَاقِعِ، بَيْنَ القَوْلِ وَالفِعْلِ، بَيْنَ الدَّعْوَى وَالحَقِيقَةِ، بَيْنَ الشُّعُورِ وَالمَشَاعِرِ، وَنَجِدُ كَذَلِكَ المِثَالَ وَالمَقَالَ وَالدَّعْوَى أَكْبَرَ مِنَ الوَاقِعِ وَالفِعَالِ وَالحَقِيقَةِ.
وَهَذَا الوَصْفُ لَا نَجِدُهُ في أَتْبَاعِ الرُّسُلِ الصَّادِقِينَ المُخْلِصِينَ المُخْلَصِينَ، لِأَنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ وَالتَّبَاعُدَ وَالتَّبَايُنَ مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا نَجِدُهُ في الأَتْبَاعِ الصَّادِقِينَ، فَفِي حَقِّ المَتْبُوعِينَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، بَلْ نَجِدُ على العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً، حَيْثُ نَجِدُ وَاقِعَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ تَصَوُّرٍ نَظَرِيٍّ، فَهُمْ وَحْدَهُمُ الذينَ دَعَوْا الإِنْسَانِيَّةَ إلى أَعْظَمِ قِمَمِ السُّمُوِّ، وَمَثَّلُوا هُمْ بِسُلُوكِهِمُ العَمَلِيِّ هَذِهِ الذُّرْوَةَ بِشَكْلٍ رَائِعٍ وَمُدْهِشٍ، وَخَاصَّةً سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ الوَحْيَ المَتْلُوَّ، وَقَرَأَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ المُلْهَمَ بِهِ، وَقَرَأَ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العَمَلِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ تَبَايُنَاً وَلَا انْفِصَامَاً بَيْنَ التَّشْرِيعِ وَسُلُوكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَبِهَذَا نَطَقَتْ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا حَيْثُ قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» رواه الإمام أحمد. وَبِهَذَا شَهِدَتِ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدِ الْتَزَمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الالْتِزَامَ الكَامِلَ بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، لِأَنَّ تَبْلِيغَ الرِّسَالَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سُلُوكَاً وَقَوْلَاً، فَإِذَا تَبَايَنَ السُّلُوكُ عَنِ الأَقْوَالِ كُذِّبَ الدَّاعِي، وَدَلَّ التَّنَاقُضُ على عَدَمِ التَّفَاعُلِ مَعَ التَّكْلِيفِ مِنْ قِبَلِ الدَّاعِي، وَبِذَلِكَ يَتَوَلَّدُ الشَّكُّ في نَفْسِ المَدْعُوِّ.
لِذَا نَجَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَبْلِيغِ دَعْوَتِهِ، وَعُرِفَ صِدْقُهُ فِيمَا يُبَلِّغُ بِهِ عَنْ رَبِّه عَزَّ وَجَلَّ، وَدَخَلَ النَّاسَ في دِينِ اللهِ تعالى أَفْوَاجَاً؛ أَمَّا اليَوْمَ عِنْدَمَا تَبَايَنَ القَوْلُ عَنِ الفِعْلِ أَعْرَضَ النَّاسُ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوا الدَّعْوَةَ إلى الإِسْلَامِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، بَلْ وَجَدُوا التَّنَاقُضَ بَيْنَ السُّلُوكِ وَالعَمَلِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَثَلَ الأَعْلَى في كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، حَيْثُ جَسَّدَ القُرْآنَ الكَرِيمَ بِسُلُوكِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَذَا مَا شَهِدَ بِهِ الخُصُومُ قَبْلَ الأَتْبَاعِ.
روى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْـمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلُمَّ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى كِتَابِهِ، أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ».
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، هَلْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ.
قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، وَلَكِنْ بَنِي قُصِيٍّ قَالُوا: فِينَا الْحِجَابَةُ.
فَقُلْنَا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالُوا: فِينَا الْقِرَى.
فَقُلْنَا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالُوا: فِينَا النَّدْوَةُ.
فَقُلْنَا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالُوا: فِينَا السِّقَايَةُ.
فَقُلْنَا نَعَمْ.
ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا، حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ، وَاللهِ لَا أَفْعَلُ.
وفي رِوَايَةٍ للترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذِهِ شَهَادَةُ أَلَدِّ الخُصُومِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ تَدُلُّ على مَبْلَغِ الثِّقَةِ الذي كَانَ يَتَمَتَّعُ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الجَمِيعِ.
الجَمِيعُ كَانُوا يَثِقُونَ بِصِدْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ عَاشُوا مَعَهُ أَرْبَعِينَ عَامَاً، فَمَا جَرَّبُوا عَلَيْهِ إلا صِدْقَاً، وَهَذَا بِشَهَادَاتِهِمْ، روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾. صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» ـ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ـ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولَاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلَاً بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟».
قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقَاً.
قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبَّاً لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
وَاللهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ وَلَا كَذَّابٍ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَطَابُقِ الأَقْوَالِ مَعَ الأَفْعَالِ، نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الصِّدْقِ فِيمَا نَدَّعِيهِ؛ لَقَدْ كُذِّبَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ بِسَبَبِ تَنَاقُضِهَا بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، بِشَهَادَةِ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ.
أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ على نَقِيضِ ذَلِكَ تَمَامَاً، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى بَادِيَةٍ لَهُ مُرْدِفَاً هِنْدَاً، وَخَرَجْتُ أَسِيرُ أَمَامَهَا، وَأَنَا غُلَامٌ عَلَى حِمَارَةٍ لِي، إِذْ لَحِقْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: انْزِلْ يَا مُعَاوِيَةُ حَتَّى يَرْكَبَ مُحَمَّدٌ.
فَنَزَلْتُ عَنِ الْحِمَارَةِ، فَرَكِبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَارَ أَمَامَهُمَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ: «يَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَيَا هِنْدُ بِنْتَ عُتْبَةَ، وَاللهِ لَتَمُوتُنَّ ثُمَّ لَتُبْعَثُنَّ، ثُمَّ لَيَدْخُلَنَّ الْـمُحْسِنُ الْجَنَّةَ، وَالْـمُسِيءُ النَّارَ، وَإِنَّ مَا أَقُولُ لَكُمْ حَقٌّ، وَإِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ أُنْذِرَ».
ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. إلى قوله تعالى: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾.
فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانُ: أَفَرَغْتَ يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ: «نَعَمْ».
وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِمَارَةِ، وَرَكِبْتُهَا، فَأَقْبَلَتْ هِنْدٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا السَّاحِرِ الْكَذَّابِ أَنْزَلْتَ ابْنِي؟
قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ وَلَا كَذَّابٍ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا هِيَ الشَّهَادَةُ للمُسْلِمِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ؟ هَلْ يَشْهَدُ المُسْلِمُونَ للمُسْلِمِينَ اليَوْمَ بِالْتِزَامِ هَذَا الدِّينِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، أَمْ يَشْهَدُونَ بِأَنَّ البَعْضَ قَدِ اتَّخَذَ الدِّينَ مَطِيَّةً للدُّنْيَا، فَتَنَاقَضُوا بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، يُحَلِّلُونَ مَتَى شَاؤُوا، وَيُحَرِّمُونَ مَتَى شَاؤُوا؟
لَقَدْ شَهِدَ هِرَقْلَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ عِنْدَمَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عَاهِدُوا اللهَ تعالى على الصِّدْقِ فِيمَا تَقُولُونَ وَتَفْعَلُونَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
257ـ والله ما هو بساحر ولا كذاب
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَوْ قَرَأْنَا تَارِيخَ البَشَرِيَّةِ فَإِنَّا نَجِدُ انْفِصَالَاً وَتَبَايُنَاً بَيْنَ المَثَلِ وَالوَاقِعِ، بَيْنَ القَوْلِ وَالفِعْلِ، بَيْنَ الدَّعْوَى وَالحَقِيقَةِ، بَيْنَ الشُّعُورِ وَالمَشَاعِرِ، وَنَجِدُ كَذَلِكَ المِثَالَ وَالمَقَالَ وَالدَّعْوَى أَكْبَرَ مِنَ الوَاقِعِ وَالفِعَالِ وَالحَقِيقَةِ.
وَهَذَا الوَصْفُ لَا نَجِدُهُ في أَتْبَاعِ الرُّسُلِ الصَّادِقِينَ المُخْلِصِينَ المُخْلَصِينَ، لِأَنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ وَالتَّبَاعُدَ وَالتَّبَايُنَ مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا نَجِدُهُ في الأَتْبَاعِ الصَّادِقِينَ، فَفِي حَقِّ المَتْبُوعِينَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، بَلْ نَجِدُ على العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً، حَيْثُ نَجِدُ وَاقِعَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ تَصَوُّرٍ نَظَرِيٍّ، فَهُمْ وَحْدَهُمُ الذينَ دَعَوْا الإِنْسَانِيَّةَ إلى أَعْظَمِ قِمَمِ السُّمُوِّ، وَمَثَّلُوا هُمْ بِسُلُوكِهِمُ العَمَلِيِّ هَذِهِ الذُّرْوَةَ بِشَكْلٍ رَائِعٍ وَمُدْهِشٍ، وَخَاصَّةً سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ الوَحْيَ المَتْلُوَّ، وَقَرَأَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ المُلْهَمَ بِهِ، وَقَرَأَ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العَمَلِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ تَبَايُنَاً وَلَا انْفِصَامَاً بَيْنَ التَّشْرِيعِ وَسُلُوكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَبِهَذَا نَطَقَتْ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا حَيْثُ قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» رواه الإمام أحمد. وَبِهَذَا شَهِدَتِ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدِ الْتَزَمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الالْتِزَامَ الكَامِلَ بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، لِأَنَّ تَبْلِيغَ الرِّسَالَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سُلُوكَاً وَقَوْلَاً، فَإِذَا تَبَايَنَ السُّلُوكُ عَنِ الأَقْوَالِ كُذِّبَ الدَّاعِي، وَدَلَّ التَّنَاقُضُ على عَدَمِ التَّفَاعُلِ مَعَ التَّكْلِيفِ مِنْ قِبَلِ الدَّاعِي، وَبِذَلِكَ يَتَوَلَّدُ الشَّكُّ في نَفْسِ المَدْعُوِّ.
لِذَا نَجَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَبْلِيغِ دَعْوَتِهِ، وَعُرِفَ صِدْقُهُ فِيمَا يُبَلِّغُ بِهِ عَنْ رَبِّه عَزَّ وَجَلَّ، وَدَخَلَ النَّاسَ في دِينِ اللهِ تعالى أَفْوَاجَاً؛ أَمَّا اليَوْمَ عِنْدَمَا تَبَايَنَ القَوْلُ عَنِ الفِعْلِ أَعْرَضَ النَّاسُ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوا الدَّعْوَةَ إلى الإِسْلَامِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، بَلْ وَجَدُوا التَّنَاقُضَ بَيْنَ السُّلُوكِ وَالعَمَلِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَثَلَ الأَعْلَى في كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، حَيْثُ جَسَّدَ القُرْآنَ الكَرِيمَ بِسُلُوكِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَذَا مَا شَهِدَ بِهِ الخُصُومُ قَبْلَ الأَتْبَاعِ.
روى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْـمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلُمَّ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى كِتَابِهِ، أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ».
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، هَلْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ.
قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، وَلَكِنْ بَنِي قُصِيٍّ قَالُوا: فِينَا الْحِجَابَةُ.
فَقُلْنَا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالُوا: فِينَا الْقِرَى.
فَقُلْنَا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالُوا: فِينَا النَّدْوَةُ.
فَقُلْنَا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالُوا: فِينَا السِّقَايَةُ.
فَقُلْنَا نَعَمْ.
ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا، حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ، وَاللهِ لَا أَفْعَلُ.
وفي رِوَايَةٍ للترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذِهِ شَهَادَةُ أَلَدِّ الخُصُومِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ تَدُلُّ على مَبْلَغِ الثِّقَةِ الذي كَانَ يَتَمَتَّعُ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الجَمِيعِ.
الجَمِيعُ كَانُوا يَثِقُونَ بِصِدْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ عَاشُوا مَعَهُ أَرْبَعِينَ عَامَاً، فَمَا جَرَّبُوا عَلَيْهِ إلا صِدْقَاً، وَهَذَا بِشَهَادَاتِهِمْ، روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾. صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» ـ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ـ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولَاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلَاً بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟».
قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقَاً.
قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبَّاً لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
وَاللهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ وَلَا كَذَّابٍ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَطَابُقِ الأَقْوَالِ مَعَ الأَفْعَالِ، نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الصِّدْقِ فِيمَا نَدَّعِيهِ؛ لَقَدْ كُذِّبَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ بِسَبَبِ تَنَاقُضِهَا بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، بِشَهَادَةِ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ.
أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ على نَقِيضِ ذَلِكَ تَمَامَاً، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى بَادِيَةٍ لَهُ مُرْدِفَاً هِنْدَاً، وَخَرَجْتُ أَسِيرُ أَمَامَهَا، وَأَنَا غُلَامٌ عَلَى حِمَارَةٍ لِي، إِذْ لَحِقْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: انْزِلْ يَا مُعَاوِيَةُ حَتَّى يَرْكَبَ مُحَمَّدٌ.
فَنَزَلْتُ عَنِ الْحِمَارَةِ، فَرَكِبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَارَ أَمَامَهُمَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ: «يَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَيَا هِنْدُ بِنْتَ عُتْبَةَ، وَاللهِ لَتَمُوتُنَّ ثُمَّ لَتُبْعَثُنَّ، ثُمَّ لَيَدْخُلَنَّ الْـمُحْسِنُ الْجَنَّةَ، وَالْـمُسِيءُ النَّارَ، وَإِنَّ مَا أَقُولُ لَكُمْ حَقٌّ، وَإِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ أُنْذِرَ».
ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. إلى قوله تعالى: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾.
فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانُ: أَفَرَغْتَ يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ: «نَعَمْ».
وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِمَارَةِ، وَرَكِبْتُهَا، فَأَقْبَلَتْ هِنْدٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا السَّاحِرِ الْكَذَّابِ أَنْزَلْتَ ابْنِي؟
قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ وَلَا كَذَّابٍ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا هِيَ الشَّهَادَةُ للمُسْلِمِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ؟ هَلْ يَشْهَدُ المُسْلِمُونَ للمُسْلِمِينَ اليَوْمَ بِالْتِزَامِ هَذَا الدِّينِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، أَمْ يَشْهَدُونَ بِأَنَّ البَعْضَ قَدِ اتَّخَذَ الدِّينَ مَطِيَّةً للدُّنْيَا، فَتَنَاقَضُوا بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، يُحَلِّلُونَ مَتَى شَاؤُوا، وَيُحَرِّمُونَ مَتَى شَاؤُوا؟
لَقَدْ شَهِدَ هِرَقْلَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ عِنْدَمَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عَاهِدُوا اللهَ تعالى على الصِّدْقِ فِيمَا تَقُولُونَ وَتَفْعَلُونَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin