مع الحبيب المصطفى : الحكمة من الإكثار من صيام شعبان
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
251ـ الحكمة من الإكثار من صيام شعبان
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا وَيُفَضِّلَنَا على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلَاً؛ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَتَقَلَّبَ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَمُدَّ لَنَا في آجَالِنَا لِكَيْ نَغْنَمَ وَنَتَزَوَّدَ وَنَحْرُثَ وَنَبْذُرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا اسْتَطَعْنَا لِآخِرَتِنَا.
هَذَا شَهْرُ رَجَبٍ قَد وَلَّى، وَدَخَلَ هَذَا الشَّهْرُ العَظِيمُ شَهْرُ شَعْبَانَ، فَازَ فِيهِ مَنْ فَازَ بِالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى اسْتِعْدَادَاً لِشَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لَقَد دَخَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ وَالنَّاسُ في حَالَةِ غَفْلَةٍ عَنْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
كَانَ يَصُومُهُ إلا قَلِيلَاً:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ المُوَفَّقُ الذي يَسْتَغِلُّ أَنْفَاسَ عُمُرِهِ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، السَّعِيدُ المُوَفَّقُ الذي يَتَّبِعُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَد أَيْقَنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ظِلٌّ زَائِلٌ، وَعَرَضٌ حَائِلٌ، وَأَنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَقَد أَيْقَنَ أَنَّ المَوْتَ نِهَايَةُ كُلِّ حَيٍّ مِنَ المَخْلُوقَاتِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَيْقَنَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.
لِذَا رَأَيْنَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْتَنِمُ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ الذي تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى بِكَثْرَةِ العِبَادَةِ، وَخَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ للصِّيَامِ.
روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فَلَا يُفْطِرُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلَا يَصُومُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ؛ وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ مِنْ شِدَّةِ مُحَافَظَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الصَّوْمِ في شَعْبَانَ، أَنَّ أَزْوَاجَهُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنهُنَّ كُنَّ يَقُلْنَ أَنَّهُ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ صِيَامَ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ.
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.
وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد والنَّسَائِيِّ والترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مَا كَانَ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؛ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلاَّ قَلِيلَاً، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ.
وفي رِوَايَةِ الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ.
وَهَذِهِ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ. رواه الترمذي.
الحِكْمَةُ مِنَ الإِكْثَارِ مِنْ صِيَامِ شَعْبَانَ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدْ يَتَسَاءَلُ البَعْضُ عَنِ الحِكْمَةِ مِنَ إِكْثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في صِيَامِ شَعْبَانَ؟
الجَوَابُ على ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدْ يُشْتَهَرُ زَمَانٌ أَو مَكَانٌ بِفَضْلِهِ فَيُقْبِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَيَنْشَغِلُونَ بِهِ، وَيُفَوِّتُونَ تَحْصِيلَ فَضِيلَةِ مَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَهُم، وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ يَشْتَغِلُونَ بِغَيْرِ شَعْبَانَ عَنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَمِّرُهُ بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَالطَّاعَاتِ.
مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ العُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ عِمَارَةُ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بِالطَّاعَةِ، وَخَاصَّةً كَوَقْتِ مَا بَيْنَ العِشَاءَيْنِ، حَيْثُ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ في وَقْتِ تَوَاجُدِهِم في الأَسْوَاقِ؛ وَذَاكِرُ اللهِ تعالى بَيْنَ الغَافِلِينَ كَالمُجَاهِدِ بَيْنَ الفَارِّينَ، كَمَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَكَمَا روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْـمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتَاً فِي الْجَنَّةِ».
وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْتَنِمُ فَضْلَ القِيَامِ في وَسَطِ اللَّيْلِ لِشُمُولِ الغَفْلَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى وَالقِيَامِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْـمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ».
وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ العِشَاءَ لِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ تَرْكَ ذَلِكَ لِخَشْيَةِ المَشَقَّةِ على النَّاسِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: «إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ» ثُمَّ أَمَرَ الْـمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد بَيَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحِكْمَةَ مِنَ الإِكْثَارِ في صِيَامِ شَعبَانَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وَقَالَ العُلَمَاءُ: هَذَا الرَّفْعُ هُوَ الرَّفْعُ السَّنَوِيُّ، فَالأَعْمَالُ تُرْفَعُ مَرَّتَيْنِ في اليَوْمِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟
فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
وَتُرْفَعُ مَرَّتَيْنِ في الأُسْبُوعِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرَ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ، إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتَهُمَا؟
قَالَ: «أَيُّ يَوْمَيْنِ؟».
قُلْتُ: يَوْمُ الإِثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ؟
قَالَ: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وَالرَّفْعُ في شَعْبَانَ رَفعٌ حَوْلِيٌّ، لِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَظَّمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَهْرَ شَعْبَانَ بِصَالِحِ العَمَلِ، وَاجْتَهَدَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا كَلَلٍ، فَصَامَ النَّهَارَ، وَقَامَ اللَّيْلَ، وَسَارَ في طَرِيقِ الخَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ، وَقَالَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ القَوْمُ اشْتَغَلُوا في هَذِهِ الأَزْمَةِ في القِيلِ وَالقَالِ، فَلْنَشْتَغِلْ نَحْنُ بِكَثْرَةِ العِبَادَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه الإمام مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
مِنَ العِبَادَةِ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَفُّ الأَذَى عَنِ النَّاسِ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرَاً أَو لِتَصْمُتْ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
251ـ الحكمة من الإكثار من صيام شعبان
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا وَيُفَضِّلَنَا على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلَاً؛ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَتَقَلَّبَ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَمُدَّ لَنَا في آجَالِنَا لِكَيْ نَغْنَمَ وَنَتَزَوَّدَ وَنَحْرُثَ وَنَبْذُرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا اسْتَطَعْنَا لِآخِرَتِنَا.
هَذَا شَهْرُ رَجَبٍ قَد وَلَّى، وَدَخَلَ هَذَا الشَّهْرُ العَظِيمُ شَهْرُ شَعْبَانَ، فَازَ فِيهِ مَنْ فَازَ بِالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى اسْتِعْدَادَاً لِشَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لَقَد دَخَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ وَالنَّاسُ في حَالَةِ غَفْلَةٍ عَنْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
كَانَ يَصُومُهُ إلا قَلِيلَاً:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ المُوَفَّقُ الذي يَسْتَغِلُّ أَنْفَاسَ عُمُرِهِ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، السَّعِيدُ المُوَفَّقُ الذي يَتَّبِعُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَد أَيْقَنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ظِلٌّ زَائِلٌ، وَعَرَضٌ حَائِلٌ، وَأَنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَقَد أَيْقَنَ أَنَّ المَوْتَ نِهَايَةُ كُلِّ حَيٍّ مِنَ المَخْلُوقَاتِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَيْقَنَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.
لِذَا رَأَيْنَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْتَنِمُ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ الذي تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى بِكَثْرَةِ العِبَادَةِ، وَخَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ للصِّيَامِ.
روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فَلَا يُفْطِرُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلَا يَصُومُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ؛ وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ مِنْ شِدَّةِ مُحَافَظَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الصَّوْمِ في شَعْبَانَ، أَنَّ أَزْوَاجَهُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنهُنَّ كُنَّ يَقُلْنَ أَنَّهُ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ صِيَامَ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ.
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.
وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد والنَّسَائِيِّ والترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مَا كَانَ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؛ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلاَّ قَلِيلَاً، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ.
وفي رِوَايَةِ الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ.
وَهَذِهِ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ. رواه الترمذي.
الحِكْمَةُ مِنَ الإِكْثَارِ مِنْ صِيَامِ شَعْبَانَ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدْ يَتَسَاءَلُ البَعْضُ عَنِ الحِكْمَةِ مِنَ إِكْثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في صِيَامِ شَعْبَانَ؟
الجَوَابُ على ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدْ يُشْتَهَرُ زَمَانٌ أَو مَكَانٌ بِفَضْلِهِ فَيُقْبِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَيَنْشَغِلُونَ بِهِ، وَيُفَوِّتُونَ تَحْصِيلَ فَضِيلَةِ مَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَهُم، وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ يَشْتَغِلُونَ بِغَيْرِ شَعْبَانَ عَنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَمِّرُهُ بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَالطَّاعَاتِ.
مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ العُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ عِمَارَةُ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بِالطَّاعَةِ، وَخَاصَّةً كَوَقْتِ مَا بَيْنَ العِشَاءَيْنِ، حَيْثُ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ في وَقْتِ تَوَاجُدِهِم في الأَسْوَاقِ؛ وَذَاكِرُ اللهِ تعالى بَيْنَ الغَافِلِينَ كَالمُجَاهِدِ بَيْنَ الفَارِّينَ، كَمَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَكَمَا روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْـمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتَاً فِي الْجَنَّةِ».
وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْتَنِمُ فَضْلَ القِيَامِ في وَسَطِ اللَّيْلِ لِشُمُولِ الغَفْلَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى وَالقِيَامِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْـمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ».
وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ العِشَاءَ لِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ تَرْكَ ذَلِكَ لِخَشْيَةِ المَشَقَّةِ على النَّاسِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: «إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ» ثُمَّ أَمَرَ الْـمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد بَيَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحِكْمَةَ مِنَ الإِكْثَارِ في صِيَامِ شَعبَانَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وَقَالَ العُلَمَاءُ: هَذَا الرَّفْعُ هُوَ الرَّفْعُ السَّنَوِيُّ، فَالأَعْمَالُ تُرْفَعُ مَرَّتَيْنِ في اليَوْمِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟
فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
وَتُرْفَعُ مَرَّتَيْنِ في الأُسْبُوعِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرَ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ، إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتَهُمَا؟
قَالَ: «أَيُّ يَوْمَيْنِ؟».
قُلْتُ: يَوْمُ الإِثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ؟
قَالَ: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وَالرَّفْعُ في شَعْبَانَ رَفعٌ حَوْلِيٌّ، لِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَظَّمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَهْرَ شَعْبَانَ بِصَالِحِ العَمَلِ، وَاجْتَهَدَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا كَلَلٍ، فَصَامَ النَّهَارَ، وَقَامَ اللَّيْلَ، وَسَارَ في طَرِيقِ الخَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ، وَقَالَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ القَوْمُ اشْتَغَلُوا في هَذِهِ الأَزْمَةِ في القِيلِ وَالقَالِ، فَلْنَشْتَغِلْ نَحْنُ بِكَثْرَةِ العِبَادَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه الإمام مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
مِنَ العِبَادَةِ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَفُّ الأَذَى عَنِ النَّاسِ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرَاً أَو لِتَصْمُتْ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin