مع الحبيب المصطفى: لا ترضعوهم إلى الليل
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
227ـ لا ترضعوهم إلى الليل
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْرِسُ الحُبَّ في قُلُوبِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وذلكَ من خِلالِ حُسْنِ أَخْلاقِهِ، وَحُسْنِ تَعَامُلِهِ، وَحِكْمَتِهِ، إِضَافَةً إلى كَمَالاتِهِ الخَلْقِيَّةِ التي أَكْرَمَهُ اللهُ عزَّ جلَّ بِهَا.
لَقَد أَعْطَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ من الخَصَائِصِ مَا لا يُعَدُّ وَلا يُحْصَى، من جُمْلَةِ ذلكَ حَلاوَةُ رِيقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ اللهُ تعالى فِيهِ شِفَاءً للعَلِيلِ، وَرِوَاءً للغَلِيلِ، وَغِذَاءً وَقُوَّةً وَبَرَكَةً وَنَمَاءً.
فَبَصَقَ في عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلَاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ».
فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ.
فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيٌّ؟»
فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ؛ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ.
فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟
فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».
وروى الإمام مسلم عَن سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَنِي ـ أَيْ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ أَرْمَدُ (الرَّمَدُ: هَيَجَانُ الْعَيْنِ).
فَقَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلَاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ـ أَوْ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ـ».
قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيَّاً، فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ، حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ (مَلِكُ خَيْبَرَ) فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ *** شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ *** كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
قَالَ: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ.
(شَاكِي السِّلَاحِ: أَيْ جَامِعٌ لَهَا، وَهِيَ من الْقُوَّةِ)
(بَطَلٌ مُجَرَّبُ: مُجَرَّبٌ بِالشَّجَاعَةِ وَقَهْرِ الْفُرْسَانِ)
(حَيْدَرَةُ: اِسْمٌ لِلْأَسَدِ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَدْ سُمِّيَ أَسَدَاً فِي أَوَّلِ وِلَادَتِهِ)
(أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْل السَّنْدَرَهْ: أَيْ: أَقْتُلُ الْأَعْدَاءَ قَتْلَاً وَاسِعَاً ذَرِيعَاً، وَالسَّنْدَرَةُ: مِكْيَالٌ وَاسِعٌ، وَقِيلَ: هِيَ الْعَجَلَةُ، أَيْ: أَقْتُلهُمْ عَاجِلَاً، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنْ السَّنْدَرَةِ، وَهِيَ شَجَرَةُ الصَّنَوْبَرِ يُعْمَل مِنْهَا النَّبْلُ وَالْقِسِيُّ).
تَفَلَ في رِجْلِ عَمْرٍو بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمُعْجِزَاتٍ بَاهِرَاتٍ، أَعْظَمُهَا مُعْجِزَةُ القُرْآنِ البَاقِيَةُ الخَالِدَةُ، وَإِضَافَةً إلى ذلكَ أَكْرَمَهُ بِمُعْجِزَاتٍ مَادِّيَّةٍ كَانَتْ عَيْنَاً كَسَائِرِ مُعْجِزَاتِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثمَّ صَارَتْ خَبَرَاً.
من هذهِ المُعْجِزَاتِ التي كَانَتْ عَيْنَاً، ثمَّ صَارَتْ خَبَرَاً، بِأَنْ جَعَلَ اللهُ تعالى سِرَّاً في رِيقِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِحَيْثُ كَانَ شِفَاءً.
جَاءَ في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَفَلَ في رِجْلِ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ حِينَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَبَرَأَ.
«لا تُرْضِعُوهُم إلى اللَّيْلِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ الإمامُ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا أُوتِيَ نَبِيٌّ مُعْجِزَةً إلى وَأُوتِيَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من جِنْسِهَا. اهـ.
سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أُوتِيَ العَصَا تَنْقَلِبُ حَيَّةً تَسْعَى، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عُكَاشَةَ يَوْمَ بَدْرٍ قِطْعَةَ خَشَبٍ فَانْقَلَبَتْ سَيْفَاً، وَبَقِيَ عِنْدَهُ إلى مَا بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ أَعْطَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ أَعْظَمَ من هذا، أَعْطَاهُ حَنِينَ الجِذْعِ.
وَإِذَا كَانَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أَعْطَى سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُعْجِزَةَ الحَجَرِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَاً﴾. يَخْرُجُ المَاءُ من اثْنَتَي عَشْرَةَ عَيْنَاً من الحَجَرِ، فَلَقَد أَعْطَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبْعَ المَاءِ من بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ، شَرِبَ مِنْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم حَتَّى ارْتَوَوْا وَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ، فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ في الإِعْجَازِ؟ مُعجِزَةُ العَصَا لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلام، أَم مُعجِزَةُ نَبْعِ المَاءِ من بَينِ أصَابِعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا كَانَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ آتَاهُ اللهُ تعالى مُعْجِزَةَ إِبْرَاءِ الأَكْمَهِ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ اللهُ تعالى رِيقَهُ فِيهِ شِفَاءٌ، بَلْ وفِيهِ غِذَاءٌ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَن رُزَيْنَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَظِّمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، حَتَّى إِنْ كَانَ لِيَدْعُو بِصِبْيانِهِ (أَيْ: بِصِبْيَانِهِ الذينَ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ) وَصِبْيَانِ فَاطِمَةَ الْمَرَاضِيعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَيَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَيَقُولُ لأُمَّهَاتِهِمْ: «لا تُرْضِعُوهُمْ إِلَى اللَّيْلِ» فَكَانَ رِيقُهُ يُجْزِئُهُمْ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَعْطَى اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَصَائِصَ كَثِيرَةً لِرِيقِهِ الشَّرِيفِ، فَكَانَ شِفَاءً للعَلِيلِ، وَرِوَاءً للغَلِيلِ، وَغِذَاءً وَقُوَّةً وَبَرَكَةً وَنَمَاءً.
روى أَبُو نُعَيْمٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَزَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بِئْرٍ بِدَارِنَا، فَلَمْ يَكُنْ بالمَدِينَةِ بِئْرٌ أَعْذَبَ مِنْهَا.
وروى أَبُو نُعَيْمٍ عَن جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ عُمَيْرَةَ بِنْتَ مَسْعُودٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَأَخَوَاتُهَا، وَهُنَّ خَمْسَةٌ فَبَايَعْنَهُ، فَوَجَدْنَهُ وَهُوَ يَأْكُلُ قَدِيدَاً، فَمَضَغَ لَهُنَّ قَدِيدَةً، ثمَّ نَاوَلَهُنَّ إِيَّاهَا فَاقْتَسَمْنَهَا، فَمَضَغَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قِطْعَةً.
قَالَ: فَلَقِينَ اللهَ عزَّ وجلَّ مَا وَجَدْنَ في أَفْوَاهِهِنَّ خَلُوفَاً (أَيْ: تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الفَمِ) ولا اشْتَكَيْنَ من أَفْوَاهِهِنَّ شَيْئَاً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ صِدْقَ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
227ـ لا ترضعوهم إلى الليل
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْرِسُ الحُبَّ في قُلُوبِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وذلكَ من خِلالِ حُسْنِ أَخْلاقِهِ، وَحُسْنِ تَعَامُلِهِ، وَحِكْمَتِهِ، إِضَافَةً إلى كَمَالاتِهِ الخَلْقِيَّةِ التي أَكْرَمَهُ اللهُ عزَّ جلَّ بِهَا.
لَقَد أَعْطَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ من الخَصَائِصِ مَا لا يُعَدُّ وَلا يُحْصَى، من جُمْلَةِ ذلكَ حَلاوَةُ رِيقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ اللهُ تعالى فِيهِ شِفَاءً للعَلِيلِ، وَرِوَاءً للغَلِيلِ، وَغِذَاءً وَقُوَّةً وَبَرَكَةً وَنَمَاءً.
فَبَصَقَ في عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلَاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ».
فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ.
فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيٌّ؟»
فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ؛ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ.
فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟
فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».
وروى الإمام مسلم عَن سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَنِي ـ أَيْ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ أَرْمَدُ (الرَّمَدُ: هَيَجَانُ الْعَيْنِ).
فَقَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلَاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ـ أَوْ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ـ».
قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيَّاً، فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ، حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ (مَلِكُ خَيْبَرَ) فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ *** شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ *** كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
قَالَ: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ.
(شَاكِي السِّلَاحِ: أَيْ جَامِعٌ لَهَا، وَهِيَ من الْقُوَّةِ)
(بَطَلٌ مُجَرَّبُ: مُجَرَّبٌ بِالشَّجَاعَةِ وَقَهْرِ الْفُرْسَانِ)
(حَيْدَرَةُ: اِسْمٌ لِلْأَسَدِ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَدْ سُمِّيَ أَسَدَاً فِي أَوَّلِ وِلَادَتِهِ)
(أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْل السَّنْدَرَهْ: أَيْ: أَقْتُلُ الْأَعْدَاءَ قَتْلَاً وَاسِعَاً ذَرِيعَاً، وَالسَّنْدَرَةُ: مِكْيَالٌ وَاسِعٌ، وَقِيلَ: هِيَ الْعَجَلَةُ، أَيْ: أَقْتُلهُمْ عَاجِلَاً، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنْ السَّنْدَرَةِ، وَهِيَ شَجَرَةُ الصَّنَوْبَرِ يُعْمَل مِنْهَا النَّبْلُ وَالْقِسِيُّ).
تَفَلَ في رِجْلِ عَمْرٍو بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمُعْجِزَاتٍ بَاهِرَاتٍ، أَعْظَمُهَا مُعْجِزَةُ القُرْآنِ البَاقِيَةُ الخَالِدَةُ، وَإِضَافَةً إلى ذلكَ أَكْرَمَهُ بِمُعْجِزَاتٍ مَادِّيَّةٍ كَانَتْ عَيْنَاً كَسَائِرِ مُعْجِزَاتِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثمَّ صَارَتْ خَبَرَاً.
من هذهِ المُعْجِزَاتِ التي كَانَتْ عَيْنَاً، ثمَّ صَارَتْ خَبَرَاً، بِأَنْ جَعَلَ اللهُ تعالى سِرَّاً في رِيقِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِحَيْثُ كَانَ شِفَاءً.
جَاءَ في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَفَلَ في رِجْلِ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ حِينَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَبَرَأَ.
«لا تُرْضِعُوهُم إلى اللَّيْلِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ الإمامُ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا أُوتِيَ نَبِيٌّ مُعْجِزَةً إلى وَأُوتِيَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من جِنْسِهَا. اهـ.
سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أُوتِيَ العَصَا تَنْقَلِبُ حَيَّةً تَسْعَى، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عُكَاشَةَ يَوْمَ بَدْرٍ قِطْعَةَ خَشَبٍ فَانْقَلَبَتْ سَيْفَاً، وَبَقِيَ عِنْدَهُ إلى مَا بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ أَعْطَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ أَعْظَمَ من هذا، أَعْطَاهُ حَنِينَ الجِذْعِ.
وَإِذَا كَانَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أَعْطَى سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُعْجِزَةَ الحَجَرِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَاً﴾. يَخْرُجُ المَاءُ من اثْنَتَي عَشْرَةَ عَيْنَاً من الحَجَرِ، فَلَقَد أَعْطَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبْعَ المَاءِ من بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ، شَرِبَ مِنْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم حَتَّى ارْتَوَوْا وَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ، فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ في الإِعْجَازِ؟ مُعجِزَةُ العَصَا لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلام، أَم مُعجِزَةُ نَبْعِ المَاءِ من بَينِ أصَابِعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا كَانَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ آتَاهُ اللهُ تعالى مُعْجِزَةَ إِبْرَاءِ الأَكْمَهِ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ اللهُ تعالى رِيقَهُ فِيهِ شِفَاءٌ، بَلْ وفِيهِ غِذَاءٌ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَن رُزَيْنَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَظِّمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، حَتَّى إِنْ كَانَ لِيَدْعُو بِصِبْيانِهِ (أَيْ: بِصِبْيَانِهِ الذينَ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ) وَصِبْيَانِ فَاطِمَةَ الْمَرَاضِيعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَيَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَيَقُولُ لأُمَّهَاتِهِمْ: «لا تُرْضِعُوهُمْ إِلَى اللَّيْلِ» فَكَانَ رِيقُهُ يُجْزِئُهُمْ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَعْطَى اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَصَائِصَ كَثِيرَةً لِرِيقِهِ الشَّرِيفِ، فَكَانَ شِفَاءً للعَلِيلِ، وَرِوَاءً للغَلِيلِ، وَغِذَاءً وَقُوَّةً وَبَرَكَةً وَنَمَاءً.
روى أَبُو نُعَيْمٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَزَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بِئْرٍ بِدَارِنَا، فَلَمْ يَكُنْ بالمَدِينَةِ بِئْرٌ أَعْذَبَ مِنْهَا.
وروى أَبُو نُعَيْمٍ عَن جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ عُمَيْرَةَ بِنْتَ مَسْعُودٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَأَخَوَاتُهَا، وَهُنَّ خَمْسَةٌ فَبَايَعْنَهُ، فَوَجَدْنَهُ وَهُوَ يَأْكُلُ قَدِيدَاً، فَمَضَغَ لَهُنَّ قَدِيدَةً، ثمَّ نَاوَلَهُنَّ إِيَّاهَا فَاقْتَسَمْنَهَا، فَمَضَغَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قِطْعَةً.
قَالَ: فَلَقِينَ اللهَ عزَّ وجلَّ مَا وَجَدْنَ في أَفْوَاهِهِنَّ خَلُوفَاً (أَيْ: تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الفَمِ) ولا اشْتَكَيْنَ من أَفْوَاهِهِنَّ شَيْئَاً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ صِدْقَ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin