مع الحبيب المصطفى: إصلاحه ﷺ ذات البين
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
21ـ إصلاحه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذات البين
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيأيُّها الإخوةُ الكرامُ: إنَّ تَوثيقَ عُرَى المَوَدَّةِ بينَ المُسلِمينَ، وتَصفِيَةَ القُلُوبِ منَ الغِلِّ والحِقدِ والحَسَدِ، والحِرصَ على مَا يَجلِبُ المَوَدَّةَ والتَآلُفَ والتَّنَاصُرَ، وتَجَنُّبَ ما يُوغِرُ الصَّدرَ، ويُورِثُ العَداوَةَ وَاجِبٌ شَرعِيٌّ تَقتَضِيهِ الأُخُوَّةُ الإيمانيَّةُ التِي أَشَارَ اللهُ تعالى إليها بقولِهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. ولا يَكونُ إيمانُ العَبدِ إلا بِذلِكَ، وذلِكَ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام البخاري عن أنسٍ رضيَ الله عنهُ.
أَمَرَ اللهُ تعالى المُؤمِنينَ بِإصلاحِ ذاتِ البَينِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لمَّا كَانَ الصُّلحُ بَينَ المُسلِمينَ أَفرادَاً وجَماعَاتٍ يُثْمِرُ إِحلالَ الأُلفَةِ مَكَانَ الفُرقَةِ، واستِئصَالَ دَاءِ النِّزاعِ قبلَ أن يَستَفحِلَ، وحَقنَ الدِّماءِ قَبلَ أن تُراقَ بَينَ النَّاسِ، وتَوفيرَ الأَموالِ قَبلَ إتلافِهَا، أَمَرَ اللهُ تعالى العُقَلاءَ مِن عِبادِهِ المُؤمنينَ الذينَ أكرمَهُمُ اللهُ تعالى بِنِعمَةِ العقلِ أن يَستَغِلُّوا نِعمَةَ العَقلِ في الصَّلاحِ والإِصلاحِ، لا في الفَسادِ والإِفسادِ، على جَميعِ المُستَوياتِ.
على مُستَوى الجماعَةِ، قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين﴾.
وعلى مُستَوى الأُسرة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وعلى مُستوى الأفرادِ، قال تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم﴾.
بَل جَعَلَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الإصلاحَ بينَ النَّاسِ عُنوانَ الإيمانِ، قال تعالى: ﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين﴾.
تَرغِيبُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الإِصلاحِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: سيِّدُنَا رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الأُمَّةَ بِإصلاحِ ذاتِ البَينِ، ورَغَّبَ في ذلِكَ، وحَذَّرَ من فَسَادِ البَينِ.
أولاً: دَرَجَةُ الإِصلاحِ أَفضَلُ مِن دَرَجَةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ:
روى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضيَ اللهُ عنهُ قَال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ»؟
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».
ثانياً: رخَّصَ في الكَذِبِ من أجلِ الإصلاحِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لمَّا كَانَ الإِصلاحُ عِبَادةً عَظِيمَةً يُحِبُّهَا اللهُ تعالى، أَوجَبَهَا اللهُ تعالى على العُقَلاءِ منَ النَّاسِ أَن يَتَوَسَّطُوا بينَ المُتَخاصِمينَ، ويَقُومُوا بِإصلاحِ ذاتِ البَينِ بينَهُم، وإذا اقتَضَى الأمرُ أن يَكْذِبُوا في سبيلِ الإِصلاحِ رَخَّصَ لهُمُ الشَّرعُ في ذلِكَ، روى الإمام البُخاري عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ رضيَ الله عنهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً».
ثالثاً: الإصلاحُ تِجَارَةٌ وعَمَلٌ يَرضَاهُ اللهُ تعالى:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: كَم من بيتٍ تَهَدَّمَ؟ وكَم مِن مَالٍ سُلِبَ؟ وكَم مِن دَمٍ سُفِكَ؟ وكَم مِن عِرضٍ انتُهِكَ؟ وكَم مِن نَارٍ أُشعِلَت بِسَبَبِ كَلِمَةٍ أَرادَ صاحِبُهَا الفِتنَةَ؟ وبِكُلِّ أسَفٍ ظَهَر ذلِكَ مِمَّن يَدَّعِي الإسلامَ، والالتِزامَ بِشَرعِ الله، أَمَا عَلِمَ هذا بأنَّ تِجَارَتَهُ هذِهِ خَاسِرَةٌ؟ أَمَا عَلِمَ أنَّ عَمَلَهُ هذا لا يُرضِي اللهَ تعالى، ولا يُرضِي رسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أَمَا سَمِعَ وَعَلِمَ الحَدِيثَ الذي رواهُ البزَّارُ عَن أَنَسٍ رضيَ الله عنهُ، أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ لأَبِي أَيُوبٍ رضيَ الله عنهُ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلى تِجَارَةٍ»؟
قال: بَلَى.
قَال: «صَلِّ بَينَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَقَرِّب بَينَهُم إِذَا تَبَاعَدُوا».
رابعاً: إعتَاقُ الرِّقابِ بِكَلِمَاتِ المُصلِحِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: المُصلِحُ يَبذُلُ كلَّ جُهدِهِ وجاهِهِ لِيُصلِحَ بينَ المُتَخاصِمَينِ، لا مِن أجلِ أن يَنَالَ شُهرَةً أو سُمعَةً أو أن يُقالَ عنهُ مُصلِحٌ، بل لأنَّ قَلبَهُ مِن أصلَحِ القُلوبِ، ولأنَّ نفسَهُ تُحِبُّ الخَيرَ وتَشتَاقُ إليهِ، فهوَ يَبذُلُ كلَّ ما عِندَهُ من أجلِ أن يَنالَ الوَعدَ الذي وَعَدَ به سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فالمؤمنُ دائماً يَستَحضِرُ الآخِرَةَ التي فيها نعيمٌ لا مُنَغِّصَ فيهِ، المُصلِحُ حَريصٌ على الإصلاحِ، لأنَّهُ سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي يقولُ فيهِ: «مَن أصلَحَ بينَ النَّاسِ أصلَحَ اللهُ أمرَهُ، وأعطاهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها عِتقَ رَقَبَةٍ، وَرَجَعَ مَغفوراً له مَا تَقَدَّمَ من ذَنبِهِ» رواه الأصبهاني عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. فكلُّ كَلِمَةٍ تَقولُها من أجلِ الإصلاحِ بينَ المُتَخَاصِمَينِ لك فيها أجرُ إعتاقِ رَقَبَةٍ.
إصلاحُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بينَ المُتَخَاصِمينِ قَبلَ الرِّسالَةِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لِيَسمعْ جميعُ عُقَلاءِ الدُّنيا من مسلِمينَ وغَيرِهِم مَن هوَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبلَ الرِّسالَةِ.
لقد كانَ سَيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَسبَغَ اللهُ عليهِ مِن نِعمَةِ رَجاحَةِ العَقلِ قَبلَ الرِّسالَةِ، يَنزِعُ فَتِيلَ أَزمَةِ الخِلافِ والنِّزاعِ قبلَ اشتِعَالِهَا، لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةٌ، لأنَّهُ لا يُحِبُّ سَفكَ الدِّمَاءِ حتَّى قبلَ الرِّسالَةِ.
جاءَ في السِيرَةِ، لمَّا قَامَت قُريشٌ بِتَجدِيدِ بِنَاءِ الكَعبَةِ تَنَازَعُوا في رَفعِ الحَجَرِ الأسودِ، وتَنَافَسُوا، رَجَاءَ أن تَنَالَ كُلُّ قَبِيلَةٍ شَرَفَ رَفعِهِ وَوضعِهِ فِي مَوضِعِهِ، وعَظُمَ القِيلُ والقَالُ، واستَمَرَّ النِّزاعُ أربَعَ لَيَالٍ أو خَمسَاً،واشتَدَّ حتَّى كادَ أن يَتَحوَّلَ إلى حَربٍ ضَرُوسٍ في أرضِ الحَرَمِ.
إلَّا أنَّ أبا أُمَيَّةَ بنَ المُغيرَة المَخزُوميِّ قالَ لهُم: حَكِّمُوا فِيما شَجَرَ بينَكُم أوَّلَ دَاخِلٍ عليكُم مِن بابِ بَني شَيبَةَ، فارتَضُوهُ، وشَاءَ اللهُ تعالى أن يكونَ الدَّاخِلُ سَيِّدَنَا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكانَ ذلِكَ قبلَ البِعثَةِ بِخَمسِ سَنَواتٍ.
قلمَّا رَأَوهُ هَتَفُوا: رَضِينَا بِالصَّادِقِ الأمينِ، فَلَمَّا انتَهَى إِليهِم، وأَخبَرُوهُ الخَبَرَ أَمَرَ بِثَوبٍ فَجيءَ بهِ، فَحَمَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَجَرَ بِيَدَيهِ الشَّرِيفَتَينِ ثمَّ طَلَبَ مِن رُؤساءِ القَبائِلِ المُتَنازِعِينَ أن يُمسِكُوا جَمِيعَاً بِأطرافِ الثَّوبِ، وأَمَرَهُم أن يَرفَعُوهُ، حتَّى إذا أوصلُوهُ إلى مَوضِعِهِ، أَخَذَهُ بِيَديهِ الشَّرِيفَتَينِ فَوَضَعَهُ في مَكَانِهِ. وبذلِكَ حَقَنَ دِماءَ قومِهِ، وجَنَّبَ قَومَهُ وبَلَدَهُ حَرباً ضَرُوسَاً. هذا أولاً.
ثانياً: أمَّا بَعدَ الرِسالَةِ فَحَدِّث بِدُونِ حَرَجٍ، وأكبَرُ شَاهِدٍ على ذلِكَ صُلحُ الحُدَيبيَةِ، ثمَّ مَا حَصَلَ في غَزوَةِ المرِيسيع، ومَا حَصَلَ في قُبَاء عندما اختَلَفُوا، فَبَلَغَ ذلِكَ لِسَيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقالَ لأَصحَابِهِ الكِرامِ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» رواه الإمام البخاري عن سَهِلِ بنِ سَعدٍ رضيَ الله عنهُ.
وكَيفَ لا يَكُونُ سيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُصلِحَاً بينَ العِبادِ إذا اختَلَفُوا، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جاءَ ليُصلِحَ حَالَ العَبدِ حتَّى يَصطَلِحَ مَعَ اللهِ تعالى؟
نَعَم، أيُّها الإخوةُ: مَن كانَ صَادِقَاً في إصلاحِ العَبدِ مَعَ رَبِّهِ، فَهُوَ مِن بابِ أولَى وأولَى أن يَكُونَ صادِقَاً في الإصلاحِ بينَ العِبَادِ إذا تَنَازَعُوا.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: ما يَجرِي في واقِعِنَا ما هوَ إلَّا دَليلٌ على إهمَالِ النَّاسِ مَسأَلَةَ الإصلاحِ بينَ النَّاسِ بِدْأً مِنَ الدَّائِرَةِ الصُّغرى حتَّى وَصَلُوا إلى الدَّائِرَةِ الكُبرى.
لِذلِكَ عَمَّ الشَّرُّ القَريبَ والبَعيدَ، وأهلَكَ النُّفوسَ والأموالَ، وقَضى على الأَواصِرِ، وقَطَعَ ما أَمَرَ اللهُ تعالى بهِ أن يُوصَلَ، وما ذَاكَ إلَّا لبُعدِ الكَثِيرِ عن المِنهَجِ الذي جَاءَ بهِ سيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: إنَّ إصلاحَ ذاتِ البَينِ هوَ مِنهَجُ الأَنبياءِ والمُرسَلينَ، وخاصَّةً سيِّدنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أمَّا إفسادُ ذاتِ البَينِ فهوَ مِنهَجُ شَياطِينِ الإِنسِ والجِنِّ، الذينَ أخَذُوا هذا الإفسَادِ مِن سَيِّدِهِم الذي قالَ تعالى عنهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾. وقال عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» رواه الإمام مسلم عن جابرٍ رضيَ الله عنهُ.
فالسَّعيدُ مَن كانَ مُصلِحَاً، والشَّقِيُّ مَن كانَ مُفسِدَاً، ومَا كانَ المُصلِحُ مُصلِحَاً إلَّا لأنَّهُ صَالِحٌ، ومَا كانَ المُفسِدُ مُفسِدَاً إلا لِكَونِهِ فَاسِداً. اللهُمَّ اجعلنَا صَالِحِينَ مُصلِحِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
21ـ إصلاحه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذات البين
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيأيُّها الإخوةُ الكرامُ: إنَّ تَوثيقَ عُرَى المَوَدَّةِ بينَ المُسلِمينَ، وتَصفِيَةَ القُلُوبِ منَ الغِلِّ والحِقدِ والحَسَدِ، والحِرصَ على مَا يَجلِبُ المَوَدَّةَ والتَآلُفَ والتَّنَاصُرَ، وتَجَنُّبَ ما يُوغِرُ الصَّدرَ، ويُورِثُ العَداوَةَ وَاجِبٌ شَرعِيٌّ تَقتَضِيهِ الأُخُوَّةُ الإيمانيَّةُ التِي أَشَارَ اللهُ تعالى إليها بقولِهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. ولا يَكونُ إيمانُ العَبدِ إلا بِذلِكَ، وذلِكَ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام البخاري عن أنسٍ رضيَ الله عنهُ.
أَمَرَ اللهُ تعالى المُؤمِنينَ بِإصلاحِ ذاتِ البَينِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لمَّا كَانَ الصُّلحُ بَينَ المُسلِمينَ أَفرادَاً وجَماعَاتٍ يُثْمِرُ إِحلالَ الأُلفَةِ مَكَانَ الفُرقَةِ، واستِئصَالَ دَاءِ النِّزاعِ قبلَ أن يَستَفحِلَ، وحَقنَ الدِّماءِ قَبلَ أن تُراقَ بَينَ النَّاسِ، وتَوفيرَ الأَموالِ قَبلَ إتلافِهَا، أَمَرَ اللهُ تعالى العُقَلاءَ مِن عِبادِهِ المُؤمنينَ الذينَ أكرمَهُمُ اللهُ تعالى بِنِعمَةِ العقلِ أن يَستَغِلُّوا نِعمَةَ العَقلِ في الصَّلاحِ والإِصلاحِ، لا في الفَسادِ والإِفسادِ، على جَميعِ المُستَوياتِ.
على مُستَوى الجماعَةِ، قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين﴾.
وعلى مُستَوى الأُسرة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وعلى مُستوى الأفرادِ، قال تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم﴾.
بَل جَعَلَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الإصلاحَ بينَ النَّاسِ عُنوانَ الإيمانِ، قال تعالى: ﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين﴾.
تَرغِيبُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الإِصلاحِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: سيِّدُنَا رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الأُمَّةَ بِإصلاحِ ذاتِ البَينِ، ورَغَّبَ في ذلِكَ، وحَذَّرَ من فَسَادِ البَينِ.
أولاً: دَرَجَةُ الإِصلاحِ أَفضَلُ مِن دَرَجَةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ:
روى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضيَ اللهُ عنهُ قَال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ»؟
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».
ثانياً: رخَّصَ في الكَذِبِ من أجلِ الإصلاحِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لمَّا كَانَ الإِصلاحُ عِبَادةً عَظِيمَةً يُحِبُّهَا اللهُ تعالى، أَوجَبَهَا اللهُ تعالى على العُقَلاءِ منَ النَّاسِ أَن يَتَوَسَّطُوا بينَ المُتَخاصِمينَ، ويَقُومُوا بِإصلاحِ ذاتِ البَينِ بينَهُم، وإذا اقتَضَى الأمرُ أن يَكْذِبُوا في سبيلِ الإِصلاحِ رَخَّصَ لهُمُ الشَّرعُ في ذلِكَ، روى الإمام البُخاري عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ رضيَ الله عنهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً».
ثالثاً: الإصلاحُ تِجَارَةٌ وعَمَلٌ يَرضَاهُ اللهُ تعالى:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: كَم من بيتٍ تَهَدَّمَ؟ وكَم مِن مَالٍ سُلِبَ؟ وكَم مِن دَمٍ سُفِكَ؟ وكَم مِن عِرضٍ انتُهِكَ؟ وكَم مِن نَارٍ أُشعِلَت بِسَبَبِ كَلِمَةٍ أَرادَ صاحِبُهَا الفِتنَةَ؟ وبِكُلِّ أسَفٍ ظَهَر ذلِكَ مِمَّن يَدَّعِي الإسلامَ، والالتِزامَ بِشَرعِ الله، أَمَا عَلِمَ هذا بأنَّ تِجَارَتَهُ هذِهِ خَاسِرَةٌ؟ أَمَا عَلِمَ أنَّ عَمَلَهُ هذا لا يُرضِي اللهَ تعالى، ولا يُرضِي رسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أَمَا سَمِعَ وَعَلِمَ الحَدِيثَ الذي رواهُ البزَّارُ عَن أَنَسٍ رضيَ الله عنهُ، أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ لأَبِي أَيُوبٍ رضيَ الله عنهُ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلى تِجَارَةٍ»؟
قال: بَلَى.
قَال: «صَلِّ بَينَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَقَرِّب بَينَهُم إِذَا تَبَاعَدُوا».
رابعاً: إعتَاقُ الرِّقابِ بِكَلِمَاتِ المُصلِحِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: المُصلِحُ يَبذُلُ كلَّ جُهدِهِ وجاهِهِ لِيُصلِحَ بينَ المُتَخاصِمَينِ، لا مِن أجلِ أن يَنَالَ شُهرَةً أو سُمعَةً أو أن يُقالَ عنهُ مُصلِحٌ، بل لأنَّ قَلبَهُ مِن أصلَحِ القُلوبِ، ولأنَّ نفسَهُ تُحِبُّ الخَيرَ وتَشتَاقُ إليهِ، فهوَ يَبذُلُ كلَّ ما عِندَهُ من أجلِ أن يَنالَ الوَعدَ الذي وَعَدَ به سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فالمؤمنُ دائماً يَستَحضِرُ الآخِرَةَ التي فيها نعيمٌ لا مُنَغِّصَ فيهِ، المُصلِحُ حَريصٌ على الإصلاحِ، لأنَّهُ سَمِعَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي يقولُ فيهِ: «مَن أصلَحَ بينَ النَّاسِ أصلَحَ اللهُ أمرَهُ، وأعطاهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها عِتقَ رَقَبَةٍ، وَرَجَعَ مَغفوراً له مَا تَقَدَّمَ من ذَنبِهِ» رواه الأصبهاني عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. فكلُّ كَلِمَةٍ تَقولُها من أجلِ الإصلاحِ بينَ المُتَخَاصِمَينِ لك فيها أجرُ إعتاقِ رَقَبَةٍ.
إصلاحُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بينَ المُتَخَاصِمينِ قَبلَ الرِّسالَةِ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: لِيَسمعْ جميعُ عُقَلاءِ الدُّنيا من مسلِمينَ وغَيرِهِم مَن هوَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبلَ الرِّسالَةِ.
لقد كانَ سَيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَسبَغَ اللهُ عليهِ مِن نِعمَةِ رَجاحَةِ العَقلِ قَبلَ الرِّسالَةِ، يَنزِعُ فَتِيلَ أَزمَةِ الخِلافِ والنِّزاعِ قبلَ اشتِعَالِهَا، لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةٌ، لأنَّهُ لا يُحِبُّ سَفكَ الدِّمَاءِ حتَّى قبلَ الرِّسالَةِ.
جاءَ في السِيرَةِ، لمَّا قَامَت قُريشٌ بِتَجدِيدِ بِنَاءِ الكَعبَةِ تَنَازَعُوا في رَفعِ الحَجَرِ الأسودِ، وتَنَافَسُوا، رَجَاءَ أن تَنَالَ كُلُّ قَبِيلَةٍ شَرَفَ رَفعِهِ وَوضعِهِ فِي مَوضِعِهِ، وعَظُمَ القِيلُ والقَالُ، واستَمَرَّ النِّزاعُ أربَعَ لَيَالٍ أو خَمسَاً،واشتَدَّ حتَّى كادَ أن يَتَحوَّلَ إلى حَربٍ ضَرُوسٍ في أرضِ الحَرَمِ.
إلَّا أنَّ أبا أُمَيَّةَ بنَ المُغيرَة المَخزُوميِّ قالَ لهُم: حَكِّمُوا فِيما شَجَرَ بينَكُم أوَّلَ دَاخِلٍ عليكُم مِن بابِ بَني شَيبَةَ، فارتَضُوهُ، وشَاءَ اللهُ تعالى أن يكونَ الدَّاخِلُ سَيِّدَنَا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكانَ ذلِكَ قبلَ البِعثَةِ بِخَمسِ سَنَواتٍ.
قلمَّا رَأَوهُ هَتَفُوا: رَضِينَا بِالصَّادِقِ الأمينِ، فَلَمَّا انتَهَى إِليهِم، وأَخبَرُوهُ الخَبَرَ أَمَرَ بِثَوبٍ فَجيءَ بهِ، فَحَمَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَجَرَ بِيَدَيهِ الشَّرِيفَتَينِ ثمَّ طَلَبَ مِن رُؤساءِ القَبائِلِ المُتَنازِعِينَ أن يُمسِكُوا جَمِيعَاً بِأطرافِ الثَّوبِ، وأَمَرَهُم أن يَرفَعُوهُ، حتَّى إذا أوصلُوهُ إلى مَوضِعِهِ، أَخَذَهُ بِيَديهِ الشَّرِيفَتَينِ فَوَضَعَهُ في مَكَانِهِ. وبذلِكَ حَقَنَ دِماءَ قومِهِ، وجَنَّبَ قَومَهُ وبَلَدَهُ حَرباً ضَرُوسَاً. هذا أولاً.
ثانياً: أمَّا بَعدَ الرِسالَةِ فَحَدِّث بِدُونِ حَرَجٍ، وأكبَرُ شَاهِدٍ على ذلِكَ صُلحُ الحُدَيبيَةِ، ثمَّ مَا حَصَلَ في غَزوَةِ المرِيسيع، ومَا حَصَلَ في قُبَاء عندما اختَلَفُوا، فَبَلَغَ ذلِكَ لِسَيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقالَ لأَصحَابِهِ الكِرامِ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» رواه الإمام البخاري عن سَهِلِ بنِ سَعدٍ رضيَ الله عنهُ.
وكَيفَ لا يَكُونُ سيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُصلِحَاً بينَ العِبادِ إذا اختَلَفُوا، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جاءَ ليُصلِحَ حَالَ العَبدِ حتَّى يَصطَلِحَ مَعَ اللهِ تعالى؟
نَعَم، أيُّها الإخوةُ: مَن كانَ صَادِقَاً في إصلاحِ العَبدِ مَعَ رَبِّهِ، فَهُوَ مِن بابِ أولَى وأولَى أن يَكُونَ صادِقَاً في الإصلاحِ بينَ العِبَادِ إذا تَنَازَعُوا.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: ما يَجرِي في واقِعِنَا ما هوَ إلَّا دَليلٌ على إهمَالِ النَّاسِ مَسأَلَةَ الإصلاحِ بينَ النَّاسِ بِدْأً مِنَ الدَّائِرَةِ الصُّغرى حتَّى وَصَلُوا إلى الدَّائِرَةِ الكُبرى.
لِذلِكَ عَمَّ الشَّرُّ القَريبَ والبَعيدَ، وأهلَكَ النُّفوسَ والأموالَ، وقَضى على الأَواصِرِ، وقَطَعَ ما أَمَرَ اللهُ تعالى بهِ أن يُوصَلَ، وما ذَاكَ إلَّا لبُعدِ الكَثِيرِ عن المِنهَجِ الذي جَاءَ بهِ سيِّدُنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوةُ الكرامُ: إنَّ إصلاحَ ذاتِ البَينِ هوَ مِنهَجُ الأَنبياءِ والمُرسَلينَ، وخاصَّةً سيِّدنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أمَّا إفسادُ ذاتِ البَينِ فهوَ مِنهَجُ شَياطِينِ الإِنسِ والجِنِّ، الذينَ أخَذُوا هذا الإفسَادِ مِن سَيِّدِهِم الذي قالَ تعالى عنهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾. وقال عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» رواه الإمام مسلم عن جابرٍ رضيَ الله عنهُ.
فالسَّعيدُ مَن كانَ مُصلِحَاً، والشَّقِيُّ مَن كانَ مُفسِدَاً، ومَا كانَ المُصلِحُ مُصلِحَاً إلَّا لأنَّهُ صَالِحٌ، ومَا كانَ المُفسِدُ مُفسِدَاً إلا لِكَونِهِ فَاسِداً. اللهُمَّ اجعلنَا صَالِحِينَ مُصلِحِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin