مع الحبيب المصطفى: وجوب التعرف عليه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
221ـ وجوب التعرف عليه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَرَّمَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَكْرِيمَاً مَا كَانَ لأَحَدٍ من الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، ولا لأَحَدٍ بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى يَوْمِ الدِّينِ.
روى أَبُو نُعَيْم، وابْنُ كَثِيرٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا أَمَرَنِي اللهُ بِهِ من أَمْرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ قُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلا وَقَد كَرَّمْتَهُ، جَعَلْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَاً، وَمُوسَى كَلِيمَاً، وَسَخَّرْتَ لِدَاوُدَ الجِبَالَ، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ والشَّيَاطِينَ، وَأَحْيَيْتَ لِعِيسَى المَوْتَى، فَمَا جَعَلْتَ لِي؟
قَالَ: أَوَلَيْسَ قَد أَعْطَيْتُكَ أَفْضَلَ من ذَلِكَ كُلِّهِ، أَنِّي لا أُذْكَرُ إلا ذُكِرْتَ مَعِيَ، وَجَعَلْتُ صُدُورَ أُمَّتِكَ أَنَاجِيلَ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ ظَاهِرَاً، وَلَمْ أُعْطِهَا أُمَّةً، وَأَعْطَيْتُكَ كَنْزَاً من كُنُوزِ عَرْشِي: لا حَوْلَ وَلا قُوََّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ».
أيُّها الإخوة الكرام: هَلْ هُنَاكَ تَكْرِيمٌ أَعْظَمُ من هذا التَّكْرِيمِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟ لَقَد قَرَنَ اللهُ تعالى اسْمَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِاسْمِهِ تَبَارَكَ وتعالى.
وُجُوبُ التَّعَرُّفِ عَلَى جَنَابِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ التَّعَرُّفَ على جَنَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَرْضٌ على الأُمَّةِ كُلِّهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.
وَاجِبٌ على جَمِيعِ العُقَلاءِ من البَشَرِ عَامَّةً، وعلى المُؤْمِنِينَ مِنْهُم خَاصَّةً، أَنْ يَتَعَرَّفُوا على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وعلى شَمَائِلِهِ الحَمِيدَةِ، وَخِصَالِهِ المَجِيدَةِ، وذلكَ لأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ:
الأَمْرُ الأَوَّلُ: الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ أَنْ تُؤْمِنَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَتَعَرَّفَ على جَنَابِهِ الشَّرِيفِ، لأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بالإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿آمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: الإِيمَانُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَتَطَلَّبُ من العِبَادِ أَنْ يَعْرِفُوا فَضْلَ هذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَرِفْعَةَ مُسْتَوَاهُ على سَائِرِ الخَلْقِ، وَمَا أَسْبَغَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ من الكَمَالاتِ، وَمَا أَدَّبَهُ من الآدَابِ، وَمَا أَبْدَعَ فِيهِ من المَحَاسِنِ، وَمَا جَمَعَ فِيهِ من مَجَامِعِ الكَمَالاتِ، حَيْثُ جَعَلَهُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ جَوْهَرَةً كَرِيمَةً، بِحَيْثُ لا يُقَاسُ بِغَيْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من النَّاسِ.
أيُّها الإخوة الكرام: كَيْفَ يُقَاسُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِغَيْرِهِ، وَقَد خَصَّهُ اللهُ تعالى بِخِصَالٍ لَمْ تَكُنْ في غَيْرِهِ؟
كَيْفَ يُقَاسُ بِغَيْرِهِ، وَقَد جَعَلَهُ اللهُ تعالى في أَعْلَى ذُرْوَةٍ من الأَخْلاقِ؟
كَيْفَ يُقَاسُ بِغَيْرِهِ، وَقَد جَمَّلَهُ اللهُ تعالى في أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَبْدَعَهُ أَحْسَنَ الإِبْدَاعِ، وَخَصَّهُ بِأَنْوَاعِ الاخْتِصَاصِ، فَرَبَّاهُ بِعِنَايَتِهِ، وَرَعَاهُ بِرَعَايَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلَاً فَأَغْنَى﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: كَيْفَ يُقَاسُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ القَائِلُ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُمَا أَيْضَاًعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ».
فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَمَا قَالَ البُوصِيرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، وَلَيْسَ كَالبَشَرِ *** بَلْ هُوَ يَاقُوتَةٌ، والنَّاسُ كَالحَجَرِ
الأَمْرُ الثَّانِي: الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ باتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَتَعَرَّفَ على جَنَابِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ باتِّبَاعِهِ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَخْلاقِهِ وَأَحْوَالِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اتِّبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَتَطَلَّبُ من المُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْحَثُوا عن أَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَخْلاقِهِ، وَأَحْوَالِهِ، وَسَجَايَاهُ الكَرِيمَةِ، وَأَخْلاقِهِ العَظِيمَةِ، حَتَّى يَتَمَكَّنُوا من التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
بَلْ جَعَلَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَلامَةَ صِدْقِ مَحَبَّةِ العَبْدِ للهِ تعالى، اِتِّبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَرْضٌ على الأُمَّةِ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ ولا نَظَرٍ، ولا إِعْمَالِ العَقْلِ، إلا في التَّثَبُّتِ من صِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ النَّقْلِ وَجَبَ الاتِّبَاعُ بِدُونِ تَوَقُّفٍ ولا تَرَدُّدٍ.
يَقُولُ العَلَّامَةُ السَّنُوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَبْحَثُونَ البَحْثَ العَظِيمَ عَن هَيْئَاتِ جُلُوسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنَومِهِ، وَكَيْفِيَّةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، وَغَيِرِ ذَلِكَ لِيَقْتَدُوا بِهِ؛ بَل كَانُوا يُحِبُّونَ مَا يُحِبُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّعَامِ وَيَكْرَهُونَ مَا يَكْرَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا اتِّبَاعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَكْمَلُ النَّاسِ، وَأَسْعَدُ النَّاسِ، وَمَن اتَّبَعَ الكَامِلَ السَّعِيدَ، كَانَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى كَامِلاً وَسَعِيدَاً.
وَبِمِقْدَارِ المُتَابَعَةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَوْلاً وَعَمَلَاً، وَخُلُقَاً وَحَالاً، بِمِقْدَارِ مَا يَكُونُ للمُتَّبِعِ نَصِيبٌ من الكَمَالِ والسَّعَادَةِ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَخَاصَّةً من شَرْحِ الصَّدْرِ، وَوَضْعِ الوِزْرِ، وَرَفْعِ الذِّكْرِ؛ اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
الأَمْرُ الثَّالِثُ: الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ بِحُبِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَتَعَرَّفَ على جَنَابِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِمَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
فَإِذَا كَانَ من الوَاجِبِ على المُؤْمِنِ أَنْ يُحِبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَوْقَ مَحَبَّةِ الآبَاءِ، والأَبْنَاءِ، والأَزْوَاجِ، والعَشِيرَةِ، والتِّجَارَةِ، والأَمْوَالِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّفَ على أَنْوَاعِ الجَمَالِ والكَمَالِ التي جُمِعَتْ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنْ يَتَعَرَّفَ على حِرْصِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على هِدَايَةِ الخَلْقِ جَمِيعَاً، لأَنَّ النُّفُوسَ تَعْشَقُ الآخَرِينَ، إِمَّا لِجَمَالِ خَلْقٍ، أَو لِجَمَالِ خُلُقٍ، أَو لِجَلْبِ نَفْعٍ، أَو لِدَفْعِ ضُرٍّ، فَكَيْفَ إِذَا جُمِعَتْ تِلْكَ الخِصَالُ في شَخْصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى التَّعَرُّفِ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، حَتَّى نَزْدَادَ حُبَّاً فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَإِذَا زَادَ حُبُّنَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ زَادَ اتِّبَاعُنَا لَهُ، وَإِذَا زَادَ اتِّبَاعُنَا لَهُ أَعْطَيْنَا أَجْمَلَ صُورَةٍ عَن انْتِمَائِنَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: التَّعَرُّفُ على أَوْصَافِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ العَظِيمَةِ، وَشَمَائِلِهِ الكَرِيمَةِ، يُعْطِي صُورَةً عَمَلِيَّةً تَنْطَبِعُ في القَلْبِ، وَتَرْتَسِمُ في المُخَيِّلَةِ كَأَنَّهُ قَد رَأَى مَحْبُوبَهُ.
ورَحِمَ اللهُ تعالى العَارِفَ باللهِ تعالى أَبَا مَدْيَنَ عِنْدَمَا قَالَ:
وَنَـحْيَا بِذِكْرَاكُمُ إِذَا لَمْ نَرَاكُمُ *** أَلَا إِنَّ تَـذْكَـارِ الأَحِـبَّـةِ يُـنْعِشُنَا
فَلَوْلَا مَـعَانِيكُم تَرَاهَا قُلُوبُنَا *** إِذَا نَحْنُ أَيْقَاظٌ وفي النَّوْمِ إِنْ غِبْنَا
لَمِتْنَا أَسَىً من بُعْدِكُم وَصَبَابَةً *** وَلَكِنَّ في المَعْنَى مَعَانِيكُم مَـعَـنَـا
يُحَرِّكُنَا ذِكْرُ الأَحَادِيثِ عَنْكُمُ *** وَلَوْلَا هَوَاكُم في الحَشَا مَا تَحَرَّكْنَا
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَإِنْ فَاتَنَا النَّظَرُ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فلا يَفُوتُنَا التَّعَرُّفُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
ورَحِمَ اللهُ تعالى القَائِلَ:
أَخِلَّايَ إِنْ شَطَّ الْحَبِيبُ وَرَبْعُهُ *** وَعَـزَّ تَـلَاقِيهِ وَنَـاءَتْ مَـنَازِلُهُ
وَفَــاتَكُمُ أَنْ تُبَصِرُوهُ بِـعَيْنِكُمْ *** فَمَا فَاتَكُمْ بِالْعَيْنِ هَذِي شَمَائِلُهُ
اللَّهُمَّ عَرِّفْنَا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حَقَّ المَعْرِفَةِ، وَأَكْرِمْنَا باتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
221ـ وجوب التعرف عليه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَرَّمَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَكْرِيمَاً مَا كَانَ لأَحَدٍ من الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، ولا لأَحَدٍ بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى يَوْمِ الدِّينِ.
روى أَبُو نُعَيْم، وابْنُ كَثِيرٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا أَمَرَنِي اللهُ بِهِ من أَمْرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ قُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلا وَقَد كَرَّمْتَهُ، جَعَلْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَاً، وَمُوسَى كَلِيمَاً، وَسَخَّرْتَ لِدَاوُدَ الجِبَالَ، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ والشَّيَاطِينَ، وَأَحْيَيْتَ لِعِيسَى المَوْتَى، فَمَا جَعَلْتَ لِي؟
قَالَ: أَوَلَيْسَ قَد أَعْطَيْتُكَ أَفْضَلَ من ذَلِكَ كُلِّهِ، أَنِّي لا أُذْكَرُ إلا ذُكِرْتَ مَعِيَ، وَجَعَلْتُ صُدُورَ أُمَّتِكَ أَنَاجِيلَ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ ظَاهِرَاً، وَلَمْ أُعْطِهَا أُمَّةً، وَأَعْطَيْتُكَ كَنْزَاً من كُنُوزِ عَرْشِي: لا حَوْلَ وَلا قُوََّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ».
أيُّها الإخوة الكرام: هَلْ هُنَاكَ تَكْرِيمٌ أَعْظَمُ من هذا التَّكْرِيمِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟ لَقَد قَرَنَ اللهُ تعالى اسْمَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِاسْمِهِ تَبَارَكَ وتعالى.
وُجُوبُ التَّعَرُّفِ عَلَى جَنَابِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ التَّعَرُّفَ على جَنَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَرْضٌ على الأُمَّةِ كُلِّهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.
وَاجِبٌ على جَمِيعِ العُقَلاءِ من البَشَرِ عَامَّةً، وعلى المُؤْمِنِينَ مِنْهُم خَاصَّةً، أَنْ يَتَعَرَّفُوا على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وعلى شَمَائِلِهِ الحَمِيدَةِ، وَخِصَالِهِ المَجِيدَةِ، وذلكَ لأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ:
الأَمْرُ الأَوَّلُ: الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ أَنْ تُؤْمِنَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَتَعَرَّفَ على جَنَابِهِ الشَّرِيفِ، لأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بالإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿آمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: الإِيمَانُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَتَطَلَّبُ من العِبَادِ أَنْ يَعْرِفُوا فَضْلَ هذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَرِفْعَةَ مُسْتَوَاهُ على سَائِرِ الخَلْقِ، وَمَا أَسْبَغَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ من الكَمَالاتِ، وَمَا أَدَّبَهُ من الآدَابِ، وَمَا أَبْدَعَ فِيهِ من المَحَاسِنِ، وَمَا جَمَعَ فِيهِ من مَجَامِعِ الكَمَالاتِ، حَيْثُ جَعَلَهُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ جَوْهَرَةً كَرِيمَةً، بِحَيْثُ لا يُقَاسُ بِغَيْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من النَّاسِ.
أيُّها الإخوة الكرام: كَيْفَ يُقَاسُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِغَيْرِهِ، وَقَد خَصَّهُ اللهُ تعالى بِخِصَالٍ لَمْ تَكُنْ في غَيْرِهِ؟
كَيْفَ يُقَاسُ بِغَيْرِهِ، وَقَد جَعَلَهُ اللهُ تعالى في أَعْلَى ذُرْوَةٍ من الأَخْلاقِ؟
كَيْفَ يُقَاسُ بِغَيْرِهِ، وَقَد جَمَّلَهُ اللهُ تعالى في أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَبْدَعَهُ أَحْسَنَ الإِبْدَاعِ، وَخَصَّهُ بِأَنْوَاعِ الاخْتِصَاصِ، فَرَبَّاهُ بِعِنَايَتِهِ، وَرَعَاهُ بِرَعَايَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلَاً فَأَغْنَى﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: كَيْفَ يُقَاسُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ القَائِلُ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُمَا أَيْضَاًعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ».
فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَمَا قَالَ البُوصِيرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، وَلَيْسَ كَالبَشَرِ *** بَلْ هُوَ يَاقُوتَةٌ، والنَّاسُ كَالحَجَرِ
الأَمْرُ الثَّانِي: الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ باتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَتَعَرَّفَ على جَنَابِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ باتِّبَاعِهِ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَخْلاقِهِ وَأَحْوَالِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اتِّبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَتَطَلَّبُ من المُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْحَثُوا عن أَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَخْلاقِهِ، وَأَحْوَالِهِ، وَسَجَايَاهُ الكَرِيمَةِ، وَأَخْلاقِهِ العَظِيمَةِ، حَتَّى يَتَمَكَّنُوا من التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
بَلْ جَعَلَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَلامَةَ صِدْقِ مَحَبَّةِ العَبْدِ للهِ تعالى، اِتِّبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَرْضٌ على الأُمَّةِ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ ولا نَظَرٍ، ولا إِعْمَالِ العَقْلِ، إلا في التَّثَبُّتِ من صِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ النَّقْلِ وَجَبَ الاتِّبَاعُ بِدُونِ تَوَقُّفٍ ولا تَرَدُّدٍ.
يَقُولُ العَلَّامَةُ السَّنُوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَبْحَثُونَ البَحْثَ العَظِيمَ عَن هَيْئَاتِ جُلُوسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنَومِهِ، وَكَيْفِيَّةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، وَغَيِرِ ذَلِكَ لِيَقْتَدُوا بِهِ؛ بَل كَانُوا يُحِبُّونَ مَا يُحِبُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّعَامِ وَيَكْرَهُونَ مَا يَكْرَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا اتِّبَاعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَكْمَلُ النَّاسِ، وَأَسْعَدُ النَّاسِ، وَمَن اتَّبَعَ الكَامِلَ السَّعِيدَ، كَانَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى كَامِلاً وَسَعِيدَاً.
وَبِمِقْدَارِ المُتَابَعَةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَوْلاً وَعَمَلَاً، وَخُلُقَاً وَحَالاً، بِمِقْدَارِ مَا يَكُونُ للمُتَّبِعِ نَصِيبٌ من الكَمَالِ والسَّعَادَةِ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَخَاصَّةً من شَرْحِ الصَّدْرِ، وَوَضْعِ الوِزْرِ، وَرَفْعِ الذِّكْرِ؛ اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
الأَمْرُ الثَّالِثُ: الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ بِحُبِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الأُمَّةِ أَنْ تَتَعَرَّفَ على جَنَابِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِمَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
فَإِذَا كَانَ من الوَاجِبِ على المُؤْمِنِ أَنْ يُحِبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَوْقَ مَحَبَّةِ الآبَاءِ، والأَبْنَاءِ، والأَزْوَاجِ، والعَشِيرَةِ، والتِّجَارَةِ، والأَمْوَالِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّفَ على أَنْوَاعِ الجَمَالِ والكَمَالِ التي جُمِعَتْ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنْ يَتَعَرَّفَ على حِرْصِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على هِدَايَةِ الخَلْقِ جَمِيعَاً، لأَنَّ النُّفُوسَ تَعْشَقُ الآخَرِينَ، إِمَّا لِجَمَالِ خَلْقٍ، أَو لِجَمَالِ خُلُقٍ، أَو لِجَلْبِ نَفْعٍ، أَو لِدَفْعِ ضُرٍّ، فَكَيْفَ إِذَا جُمِعَتْ تِلْكَ الخِصَالُ في شَخْصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى التَّعَرُّفِ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، حَتَّى نَزْدَادَ حُبَّاً فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَإِذَا زَادَ حُبُّنَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ زَادَ اتِّبَاعُنَا لَهُ، وَإِذَا زَادَ اتِّبَاعُنَا لَهُ أَعْطَيْنَا أَجْمَلَ صُورَةٍ عَن انْتِمَائِنَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: التَّعَرُّفُ على أَوْصَافِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ العَظِيمَةِ، وَشَمَائِلِهِ الكَرِيمَةِ، يُعْطِي صُورَةً عَمَلِيَّةً تَنْطَبِعُ في القَلْبِ، وَتَرْتَسِمُ في المُخَيِّلَةِ كَأَنَّهُ قَد رَأَى مَحْبُوبَهُ.
ورَحِمَ اللهُ تعالى العَارِفَ باللهِ تعالى أَبَا مَدْيَنَ عِنْدَمَا قَالَ:
وَنَـحْيَا بِذِكْرَاكُمُ إِذَا لَمْ نَرَاكُمُ *** أَلَا إِنَّ تَـذْكَـارِ الأَحِـبَّـةِ يُـنْعِشُنَا
فَلَوْلَا مَـعَانِيكُم تَرَاهَا قُلُوبُنَا *** إِذَا نَحْنُ أَيْقَاظٌ وفي النَّوْمِ إِنْ غِبْنَا
لَمِتْنَا أَسَىً من بُعْدِكُم وَصَبَابَةً *** وَلَكِنَّ في المَعْنَى مَعَانِيكُم مَـعَـنَـا
يُحَرِّكُنَا ذِكْرُ الأَحَادِيثِ عَنْكُمُ *** وَلَوْلَا هَوَاكُم في الحَشَا مَا تَحَرَّكْنَا
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَإِنْ فَاتَنَا النَّظَرُ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فلا يَفُوتُنَا التَّعَرُّفُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
ورَحِمَ اللهُ تعالى القَائِلَ:
أَخِلَّايَ إِنْ شَطَّ الْحَبِيبُ وَرَبْعُهُ *** وَعَـزَّ تَـلَاقِيهِ وَنَـاءَتْ مَـنَازِلُهُ
وَفَــاتَكُمُ أَنْ تُبَصِرُوهُ بِـعَيْنِكُمْ *** فَمَا فَاتَكُمْ بِالْعَيْنِ هَذِي شَمَائِلُهُ
اللَّهُمَّ عَرِّفْنَا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حَقَّ المَعْرِفَةِ، وَأَكْرِمْنَا باتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin