مع الحبيب المصطفى: أراد الله تعالى إظهار دينه
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
205ـ أراد الله تعالى إظهار دينه
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَاوَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ جَاهِدَاً أَنْ يُقْنِعَ أَهْلَ مَكَّةَ بِأَنَّ قَبُولَهُم للحَقِّ سَوفَ يَجْعَلُهُم سَادَةَ الدُّنيَا، تَدِينُ لَهُمُ العَرَبُ، وتَدْفَعُ لَهُمُ الجِزْيَةَ الأَعَاجِمُ.
ولَكِنَّهُم تَكَبَّرُوا وجَحَدُوا وعَانَدُوا ورَدُّوا يَدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى فَمِهِ الشَّرِيفِ، وأَحْدَقُوا بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، وأَعْلَنُوا أَنَّ مَكَّةَ عَاصِمَةُ الوَثَنِيَّةِ، ومَجْمَعٌ للأَصْنَامِ، ومَثَابَةٌ للحَجِيجِ، وكُلُّ ذلكَ خَوْفَاً على الخَيْرَاتِ التي تُجْبَى إِلَيهِم بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ.
حَاوَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُقْنِعَ أَهْلَ مَكَّةَ بِأَنَّ قَبُولَهُم للحَقِّ لَنْ يَحْرِمَهُم ذَرَّةً من الخَيْرِ الذي مُتِّعُوا بِهِ، فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلا كُفُورَاً ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمَاً آمِنَاً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقَاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ولَكِنَّهُم أَعْلَنُوا الحَرْبَ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ دِفَاعَاً عن كَيَانِهِمُ المَادِيِّ، وَوَضْعِهِمُ الاقْتِصَادِيِّ، ومن المَعْلُومِ أَنَّ هذهِ الحَرْبَ في نِهَايَةِ المَطَافِ سَوفَ تَكُونُ بِجَانِبِ الحَقِّ، ونَتَائِجُهَا مَعْرُوفَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾.
أَرَادَ اللهُ تعالى إِظْهَارَ دِينِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرَاً هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، عِنْدَمَا رَفَضَ أَهْلُ مَكَّةَ الإِسْلامَ بَعْدَ صَبْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَلَيهِم سَنَوَاتٍ، أَرَادَ اللهُ تعالى إِظْهَارَ دِينِهِ، فَهَيَّأَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الأَوْسَ والخَزْرَجَ.
الأَوْسُ والخَزْرَجُ هُمَا قَبِيلَتَانِ عَرَبِيَّتَانِ عَظِيمَتَانِ في مَدِينَةِ يَثْرِبَ، هَيَّأَ اللهُ عزَّ وجلَّ القَبِيلَتَيْنِ لِتُقَدِّرَا هذهِ النِّعْمَةَ التي لا نِعْمَةَ أَعْظَمَ مِنهَا، وتَسْبِقَا أَهْلَ عَصْرِهِمَا، وأَبْنَاءَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، إلى التَّرْحِيبِ بالإِسْلامِ، والدُّخُولِ فِيهِ، حِينَ تَنَكَّرَتْ لَهُ القَبَائِلُ العَرَبِيَّةُ في مَكَّةَ والطَّائِفِ ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. ﴿واللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
بِدْءُ إِسْلامِ الأَنْصَارِ:
أيُّها الإخوة الكرام: خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في المَوْسِمِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ على القَبَائِلِ، فَبَيْنَمَا هوَ في العَقَبَةِ، إذْ لَقِيَ رَهْطَاً من الخَزْرَجِ من الأَنْصَارِ، فَدَعَاهُم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وعَرَضَ عَلَيهِمُ الإِسْلامَ، وتَلا عَلَيهِمُ القُرْآنَ.
جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنُفِ، لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَنْتُمْ؟».
قَالُوا: نَفَرٌ مِن الْخَزْرَجِ.
قَالَ: «أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟».
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ؟».
قَالُوا: بَلَى.
فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ.
وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ: إنَّ نَبِيَّاً مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ.
فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: يَا قَوْمِ، تَعْلَمُوا واللهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسْبِقُنَّكُمْ إلَيْهِ.
فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ مِن الْإِسْلَامِ وَقَالُوا: إنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِن الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللهُ بِك، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِكَ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الذِي أَجَبْنَاكَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلٌ أَعَزُّ مِنْكَ.
أيُّها الإخوة الكرام: ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. رَفَضَ أَهْلُ قُرَيْشٍ الإِسْلامَ، وظَنُّوا أَنَّهُم بذلكَ يَقْضُونَ على الدَّعْوَةِ وهيَ في مَهْدِهَا الأَوَّلِ، ولَكِنَّ اللهَ تعالى تَكَفَّلَ بِإِظْهَارِ دِينِهِ، اِنْصَرَفَ الخَزْرَجُ من عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلى يَثْرِبَ، وقَد آمَنُوا، وصَدَّقُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمُوا يَثْرِبَ ذَكَرُوا لإِخْوَانِهِم رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ودَعَوْهُم إلى الإِسْلامِ، حَتَّى فَشَا فِيهِم، فَلَمْ تَبْقَ دَارٌ من دُورِ الأَنْصَارِ إلا وفِيهَا ذِكْرٌ من رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
بَيْعَةُ العَقَبَةِ الأُولَى:
أيُّها الإخوة الكرام: في مَوْسِمِ الحَجِّ للسَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ من البِعْثَةِ، وَافَى المَوْسِمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً من الأَوْسِ والخَزْرَجِ، فَلَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في العَقَبَةِ بِمِنَى، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على الإِسْلامِ، روى الإمام البخاري عَن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرَاً وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا باللهِ شَيْئَاً، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ، فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك.
فَلَمَّا هَمَّ القَوْمُ بالانْصِرَافِ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَعَهُم مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمُ القُرْآنَ، ويُعَلِّمَهُمُ الإِسْلامَ، ويُفَقِّهَهُم في الدِّينِ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: من خِلالِ بَيْعَةِ العَقَبَةِ الأُولَى عَرَفْنَا مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لقد دَعَا إلى تَوْحِيدِ اللهِ تعالى، وإلى صِيَانَةِ الأَمْوَالِ والأَعْرَاضِ، وإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وعَدَمِ الافْتِرَاءِ، لقد دَعَا إلى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، لقد دَعَا إلى هذهِ الأَخْلاقِ التي أَنْكَرَهَا عَلَيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ وفي الطَّائِفِ، وهَل يُنْكِرُ هذا ويَكْرَهُهُ غَيْرُ المُجْرِمِ الذي يُرِيدُ أَنْ يَعِيثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً بِكُلِّ صُوَرِهِ وأَشْكَالِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيمَاً * إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرَاً عَظِيمَاً * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدَاً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثَاً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: لَو أَنَّ النَّاسَ آمَنُوا باللهِ تعالى إِيمَانَاً صَحِيحَاً، وأَعَدُّوا العُدَّةَ لِيَومِ الحِسَابِ، وقَدَّمُوا الغَالِيَ والنَّفِيسَ في سَبِيلِهِ تعالى لَمَا فَاتَتْهُم مَنْفَعَةُ الدُّنيَا، ولَفَازُوا بِسَعَادَةِ الآخِرَةِ.
أَهْلُ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ بَاعُوا الدِّينَ بِعَرَضٍ من الدُّنيَا قَلِيلٍ، فَخَسِرُوا الدُّنيَا والآخِرَةَ، وأَهْلُ المَدِينَةِ بَاعُوا الدُّنيَا لِنَيْلِ هذا الدِّينِ، فَرَبِحُوا الدُّنيَا والآخِرَةَ.
ومن خِلالِ بَيْعَةِ العَقَبَةِ الأُولَى عَرَفْنَا مَا هوَ الوَاجِبُ على كُلِّ مُؤْمِنٍ باللهِ ورَسُولِهِ، وذلكَ من سَيِّدِنَا مُصْعَبَ بنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي أَعْطَى صُورَةً عَن نَبِيِّهِ ومُصْطَفَاهُ، وذلكَ من خِلالِ عَرْضِهِ للإِسْلامِ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ، لا فَظٍّ ولا غَلِيظٍ، ولهذا مَا هيَ إلا فَتْرَةٌ وَجِيزَةٌ حَتَّى رَجَعَ سَيِّدُنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، وَمَعَهُ ثَلاثَةٌ وسَبْعُونَ رَجُلاً، وامْرَأَتَانِ من النِّسَاءِ، لِيُبَايِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على السَّمْعِ والطَّاعَةِ، وأَنْ يَفْدُوهُ بِدِمَائِهِم وأَرْوَاحِهِم، إذا كَانَتْ قُرَيْشٌ لا تَعْرِفُ قَدْرَ هذا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُثَبِّتَنَا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
205ـ أراد الله تعالى إظهار دينه
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَاوَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ جَاهِدَاً أَنْ يُقْنِعَ أَهْلَ مَكَّةَ بِأَنَّ قَبُولَهُم للحَقِّ سَوفَ يَجْعَلُهُم سَادَةَ الدُّنيَا، تَدِينُ لَهُمُ العَرَبُ، وتَدْفَعُ لَهُمُ الجِزْيَةَ الأَعَاجِمُ.
ولَكِنَّهُم تَكَبَّرُوا وجَحَدُوا وعَانَدُوا ورَدُّوا يَدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى فَمِهِ الشَّرِيفِ، وأَحْدَقُوا بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، وأَعْلَنُوا أَنَّ مَكَّةَ عَاصِمَةُ الوَثَنِيَّةِ، ومَجْمَعٌ للأَصْنَامِ، ومَثَابَةٌ للحَجِيجِ، وكُلُّ ذلكَ خَوْفَاً على الخَيْرَاتِ التي تُجْبَى إِلَيهِم بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ.
حَاوَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُقْنِعَ أَهْلَ مَكَّةَ بِأَنَّ قَبُولَهُم للحَقِّ لَنْ يَحْرِمَهُم ذَرَّةً من الخَيْرِ الذي مُتِّعُوا بِهِ، فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلا كُفُورَاً ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمَاً آمِنَاً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقَاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ولَكِنَّهُم أَعْلَنُوا الحَرْبَ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ دِفَاعَاً عن كَيَانِهِمُ المَادِيِّ، وَوَضْعِهِمُ الاقْتِصَادِيِّ، ومن المَعْلُومِ أَنَّ هذهِ الحَرْبَ في نِهَايَةِ المَطَافِ سَوفَ تَكُونُ بِجَانِبِ الحَقِّ، ونَتَائِجُهَا مَعْرُوفَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾.
أَرَادَ اللهُ تعالى إِظْهَارَ دِينِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرَاً هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، عِنْدَمَا رَفَضَ أَهْلُ مَكَّةَ الإِسْلامَ بَعْدَ صَبْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَلَيهِم سَنَوَاتٍ، أَرَادَ اللهُ تعالى إِظْهَارَ دِينِهِ، فَهَيَّأَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الأَوْسَ والخَزْرَجَ.
الأَوْسُ والخَزْرَجُ هُمَا قَبِيلَتَانِ عَرَبِيَّتَانِ عَظِيمَتَانِ في مَدِينَةِ يَثْرِبَ، هَيَّأَ اللهُ عزَّ وجلَّ القَبِيلَتَيْنِ لِتُقَدِّرَا هذهِ النِّعْمَةَ التي لا نِعْمَةَ أَعْظَمَ مِنهَا، وتَسْبِقَا أَهْلَ عَصْرِهِمَا، وأَبْنَاءَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، إلى التَّرْحِيبِ بالإِسْلامِ، والدُّخُولِ فِيهِ، حِينَ تَنَكَّرَتْ لَهُ القَبَائِلُ العَرَبِيَّةُ في مَكَّةَ والطَّائِفِ ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. ﴿واللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
بِدْءُ إِسْلامِ الأَنْصَارِ:
أيُّها الإخوة الكرام: خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في المَوْسِمِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ على القَبَائِلِ، فَبَيْنَمَا هوَ في العَقَبَةِ، إذْ لَقِيَ رَهْطَاً من الخَزْرَجِ من الأَنْصَارِ، فَدَعَاهُم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وعَرَضَ عَلَيهِمُ الإِسْلامَ، وتَلا عَلَيهِمُ القُرْآنَ.
جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنُفِ، لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَنْتُمْ؟».
قَالُوا: نَفَرٌ مِن الْخَزْرَجِ.
قَالَ: «أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟».
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ؟».
قَالُوا: بَلَى.
فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ.
وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ: إنَّ نَبِيَّاً مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ.
فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: يَا قَوْمِ، تَعْلَمُوا واللهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسْبِقُنَّكُمْ إلَيْهِ.
فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ مِن الْإِسْلَامِ وَقَالُوا: إنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِن الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللهُ بِك، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِكَ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الذِي أَجَبْنَاكَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلٌ أَعَزُّ مِنْكَ.
أيُّها الإخوة الكرام: ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. رَفَضَ أَهْلُ قُرَيْشٍ الإِسْلامَ، وظَنُّوا أَنَّهُم بذلكَ يَقْضُونَ على الدَّعْوَةِ وهيَ في مَهْدِهَا الأَوَّلِ، ولَكِنَّ اللهَ تعالى تَكَفَّلَ بِإِظْهَارِ دِينِهِ، اِنْصَرَفَ الخَزْرَجُ من عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلى يَثْرِبَ، وقَد آمَنُوا، وصَدَّقُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمُوا يَثْرِبَ ذَكَرُوا لإِخْوَانِهِم رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ودَعَوْهُم إلى الإِسْلامِ، حَتَّى فَشَا فِيهِم، فَلَمْ تَبْقَ دَارٌ من دُورِ الأَنْصَارِ إلا وفِيهَا ذِكْرٌ من رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
بَيْعَةُ العَقَبَةِ الأُولَى:
أيُّها الإخوة الكرام: في مَوْسِمِ الحَجِّ للسَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ من البِعْثَةِ، وَافَى المَوْسِمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً من الأَوْسِ والخَزْرَجِ، فَلَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في العَقَبَةِ بِمِنَى، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على الإِسْلامِ، روى الإمام البخاري عَن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرَاً وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا باللهِ شَيْئَاً، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ، فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك.
فَلَمَّا هَمَّ القَوْمُ بالانْصِرَافِ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَعَهُم مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمُ القُرْآنَ، ويُعَلِّمَهُمُ الإِسْلامَ، ويُفَقِّهَهُم في الدِّينِ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: من خِلالِ بَيْعَةِ العَقَبَةِ الأُولَى عَرَفْنَا مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لقد دَعَا إلى تَوْحِيدِ اللهِ تعالى، وإلى صِيَانَةِ الأَمْوَالِ والأَعْرَاضِ، وإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وعَدَمِ الافْتِرَاءِ، لقد دَعَا إلى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، لقد دَعَا إلى هذهِ الأَخْلاقِ التي أَنْكَرَهَا عَلَيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ وفي الطَّائِفِ، وهَل يُنْكِرُ هذا ويَكْرَهُهُ غَيْرُ المُجْرِمِ الذي يُرِيدُ أَنْ يَعِيثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً بِكُلِّ صُوَرِهِ وأَشْكَالِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيمَاً * إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرَاً عَظِيمَاً * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدَاً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثَاً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: لَو أَنَّ النَّاسَ آمَنُوا باللهِ تعالى إِيمَانَاً صَحِيحَاً، وأَعَدُّوا العُدَّةَ لِيَومِ الحِسَابِ، وقَدَّمُوا الغَالِيَ والنَّفِيسَ في سَبِيلِهِ تعالى لَمَا فَاتَتْهُم مَنْفَعَةُ الدُّنيَا، ولَفَازُوا بِسَعَادَةِ الآخِرَةِ.
أَهْلُ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ بَاعُوا الدِّينَ بِعَرَضٍ من الدُّنيَا قَلِيلٍ، فَخَسِرُوا الدُّنيَا والآخِرَةَ، وأَهْلُ المَدِينَةِ بَاعُوا الدُّنيَا لِنَيْلِ هذا الدِّينِ، فَرَبِحُوا الدُّنيَا والآخِرَةَ.
ومن خِلالِ بَيْعَةِ العَقَبَةِ الأُولَى عَرَفْنَا مَا هوَ الوَاجِبُ على كُلِّ مُؤْمِنٍ باللهِ ورَسُولِهِ، وذلكَ من سَيِّدِنَا مُصْعَبَ بنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي أَعْطَى صُورَةً عَن نَبِيِّهِ ومُصْطَفَاهُ، وذلكَ من خِلالِ عَرْضِهِ للإِسْلامِ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ، لا فَظٍّ ولا غَلِيظٍ، ولهذا مَا هيَ إلا فَتْرَةٌ وَجِيزَةٌ حَتَّى رَجَعَ سَيِّدُنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، وَمَعَهُ ثَلاثَةٌ وسَبْعُونَ رَجُلاً، وامْرَأَتَانِ من النِّسَاءِ، لِيُبَايِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على السَّمْعِ والطَّاعَةِ، وأَنْ يَفْدُوهُ بِدِمَائِهِم وأَرْوَاحِهِم، إذا كَانَتْ قُرَيْشٌ لا تَعْرِفُ قَدْرَ هذا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُثَبِّتَنَا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin