مع الحبيب المصطفى: ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
81ـ ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: روى الشيخان عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِن الْيَهُودِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾. لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ عَظيمٌ مُبارَكٌ نالَت به الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ غايَةَ عِزِّها ومَجدِها، عِندَما أكمَلَ الله تعالى لها دِينَها، وأتَمَّ عَلَيها نِعمَتَهُ، ورَضِيَ لها الإسلامَ دِيناً.
يَومُ عَرَفَةَ دُروسٌ وعِبَرٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَومُ عَرَفَةَ دُروسٌ وعِبَرٌ، منها:
أولاً: يُذَكِّرُ بِيَومِ القِيامَةِ:
يَومُ عَرَفَةَ يَجتَمِعُ فيهِ المُسلِمونَ معَ اختِلافِ ألوانِهِم وألسِنَتِهِم، يَتَوَجَّهونَ إلى الله تعالى خالِقِهِم وبارِئِهِم، تَرتَفِعُ الأَكُفُّ سائِلينَ مَولاهُم حَوائِجَهُم، تَجَرَّدوا من الدُّنيا ومَظاهِرِها، أظهَروا ضَعفَهُم وفَقرَهُم، يَلتَمِسونَ عَطاءَهُ من غِناهُ.
هذا اليَومُ يُذَكِّرُ بالمَشهَدِ العَظيمِ، والحَشرِ العَظيمِ في يَومِ القِيامَةِ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾. حُفاةً عُراةً غُرلاً، للعَرضِ وللحِسابِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ».
ثانياً: يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَوبَةٍ وإنابَةٍ ودُعاءٍ:
يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَوبَةٍ وإنابَةٍ إلى الله تعالى، وبابٌ عَظيمٌ من أبوابِ الرَّحمَةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِن النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِم الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ».
وروى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
أيُّها الإخوة الكرام: هذا اليَومُ يَومُ تَوبَةٍ وإنابَةٍ ودُعاءٍ، فهل من مُستَجيبٍ لِنِداءِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾. ولِنِدائِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾؟
أينَ المُقبِلونَ على الله تعالى؟ أينَ التَّائِبونَ العابِدونَ؟ أينَ المُستَغفِرونَ؟ أينَ النَّادِمونَ؟ أينَ المُتَضَرِّعونَ؟ أينَ البَاكونَ؟ أينَ الدَّاعونَ بِصِدقٍ؟
روى أبو داود والترمذي عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً».
ثالثاً: يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تَتَجَلَّى فيهِ حَقيقَةُ الدُّنيا:
يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تَتَجَلَّى فيهِ حَقيقَةُ الدُّنيا الفانِيَةِ التي أخبَرَ عنها سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» رواه الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وقالَ فيها: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
في يَومِ عَرَفَةَ يَتَجَرَّدُ الحُجَّاجُ من الثِّيابِ المَخيطَةِ، ويَخلَعونَ مَظاهِرَ الدُّنيا وَراءَ ظُهورِهِم، ويَجيؤونَ إلى رَبِّهِم شُعثاً غُبراً.
روى أبو يَعلى عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ما من أيَّامٍ أفضَلُ عِندَ الله من أيَّامِ عَشرِ ذي الحِجَّةِ».
فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ الله، هِيَ أفضَلُ أم عِدَّتُهُنَّ جِهاداً في سَبيلِ الله؟
فقال: «هِيَ أفضَلُ من عِدَّتِهِنَّ جِهاداً في سَبيلِ الله، إلا عَفيراً يُعَفِّرُ وجهَهُ في التُّرابِ، وما من يَومٍ أفضَلُ عِندَ الله من يَومِ عَرَفَةَ، يَنزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا فَيُباهي بِأهلِ الأرضِ أهلَ السَّماءِ، فَيَقولُ: اُنظُروا إلى عِبادي شُعثاً غُبراً ضَاحِينَ، جاؤوا من كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، لم يَرَوا رَحمَتي، ولم يَرَوا عَذابي؛ فَلَم أرَ يَوماً أكثَرَ عَتيقاً من النَّارِ من يَومِ عَرَفَةَ».
وروى أبو يَعلى عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «إنَّ اللهَ تَطَوَّلَ على أهلِ عَرَفات، يُباهي بِهِمُ الملائِكَةَ، يَقولُ: يا مَلائِكَتِي، اُنظُروا إلى عِبادي شُعثاً غُبراً، أقبَلوا يَضرِبونَ إلَيَّ من كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، فَأُشهِدُكُم أنِّي قَد أجَبتُ دُعاءَهُم، وشَفَعتُ رَغبَتَهُم، وَوَهَبتُ مُسيئَهُم لِمُحسِنِهِم، وأعطَيتُ مُحسِنيهِم جَميعَ ما سَألوني غَيرَ التَّبِعاتِ التي بَينَهُم، فإذا أفاضَ القَومُ إلى جَمعٍ وَوَقَفوا وعَادوا في الرَّغبَةِ والطَّلَبِ إلى الله، يَقولُ: يا مَلائِكَتي، عِبادي وَقَفوا فَعَادوا في الرَّغبَةِ والطَّلَبِ، فَأُشهِدُكُم أنِّي قد أجَبتُ دُعاءَهُم، وشَفَعتُ رَغبَتَهُم، وَوَهَبتُ مُسيئَهُم لِمُحسِنِهِم، وأعطَيتُ مُحسِنَهُم جَميعَ ما سَألَني، وكَفَلتُ عنهُمُ التَّبِعاتِ التي بَينَهُم».
رابعاً: يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تُستَشعَرُ فيهِ عَظَمَةُ الله تعالى:
يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تُستَشعَرُ فيهِ عَظَمَةُ الله تعالى حِينَ تَرى الخَلائِقَ مُجتَمِعينَ على صَعيدِ عَرَفات كُلُّهُم بِألسِنَةٍ مُختَلِفَةٍ، يَسألونَ اللهَ تعالى جَميعاً.
في يَومِ عَرَفَةَ تَستَشعِرُ عَظَمَةُ الله تعالى، وتَستَحضِرُ الحَديثَ القُدسِيَّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ».
خامساً: يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَجديدِ العَهدِ معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ:
يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَجديدِ العَهدِ معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ، لأنَّ اللهَ تعالى أخَذَ العَهدَ على بَني آدَمَ بِقَولِهِ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟﴾ قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين﴾.
روى الإمام أحمد والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ ـ يَعْنِي عَرَفَةَ ـ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً قَالَ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾».
يأتي يَومُ عَرَفَةَ لِيُجَدِّدَ فيهِ العِبادُ عَهدَهُم معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ، ويُكثِرونَ من قَولِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: ها نَحنُ في هذا اليَومِ العَظيمِ المُبارَكِ في يَومِ عَرَفَةَ، فهل يَجعَلُنا هذا اليَومُ نَتَذَكَّرُ يَومَ القِيامَةِ عسى أن نَكُفَّ عن الذُّنوبِ والمَعاصي والآثامِ، وعن إيذاءِ المُسلِمينَ بِألسِنَتِنا وأيدينا؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن تابَ إلى الله تعالى وأنابَ وأكثَرَ الدُّعاءَ واصطَلَحَ معَ الله تعالى، قَبلَ أن نَموتَ ونَندَمَ؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن زَهِدَ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا وتَجَرَّدَ من مَظاهِرِها وعَرَفَ بأنَّ النِّعمَةَ لن تَدومَ، ولو دامَت فلن يَدومَ المُنعَمُ عَلَيهِ؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن يَستَشعِرُ عَظَمَةَ الله تعالى ويَخافُ سُوءَ الخَاتِمَةِ وسُوءَ الحِسابِ؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن جَدَّدَ العَهدَ معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ، فصارَ عَبداً لله، لا عَبداً للدِّينارِ والدِّرهَمِ والخَميصَةِ والدُّنيا بِكُلِّ صُوَرِها؟
أسألُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنا إلى دِينِهِ ردَّاً جَميلاً، وأن يَحقِنَ دِماءَ المُسلِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
81ـ ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: روى الشيخان عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِن الْيَهُودِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾. لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ عَظيمٌ مُبارَكٌ نالَت به الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ غايَةَ عِزِّها ومَجدِها، عِندَما أكمَلَ الله تعالى لها دِينَها، وأتَمَّ عَلَيها نِعمَتَهُ، ورَضِيَ لها الإسلامَ دِيناً.
يَومُ عَرَفَةَ دُروسٌ وعِبَرٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَومُ عَرَفَةَ دُروسٌ وعِبَرٌ، منها:
أولاً: يُذَكِّرُ بِيَومِ القِيامَةِ:
يَومُ عَرَفَةَ يَجتَمِعُ فيهِ المُسلِمونَ معَ اختِلافِ ألوانِهِم وألسِنَتِهِم، يَتَوَجَّهونَ إلى الله تعالى خالِقِهِم وبارِئِهِم، تَرتَفِعُ الأَكُفُّ سائِلينَ مَولاهُم حَوائِجَهُم، تَجَرَّدوا من الدُّنيا ومَظاهِرِها، أظهَروا ضَعفَهُم وفَقرَهُم، يَلتَمِسونَ عَطاءَهُ من غِناهُ.
هذا اليَومُ يُذَكِّرُ بالمَشهَدِ العَظيمِ، والحَشرِ العَظيمِ في يَومِ القِيامَةِ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾. حُفاةً عُراةً غُرلاً، للعَرضِ وللحِسابِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ».
ثانياً: يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَوبَةٍ وإنابَةٍ ودُعاءٍ:
يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَوبَةٍ وإنابَةٍ إلى الله تعالى، وبابٌ عَظيمٌ من أبوابِ الرَّحمَةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِن النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِم الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ».
وروى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
أيُّها الإخوة الكرام: هذا اليَومُ يَومُ تَوبَةٍ وإنابَةٍ ودُعاءٍ، فهل من مُستَجيبٍ لِنِداءِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾. ولِنِدائِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾؟
أينَ المُقبِلونَ على الله تعالى؟ أينَ التَّائِبونَ العابِدونَ؟ أينَ المُستَغفِرونَ؟ أينَ النَّادِمونَ؟ أينَ المُتَضَرِّعونَ؟ أينَ البَاكونَ؟ أينَ الدَّاعونَ بِصِدقٍ؟
روى أبو داود والترمذي عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً».
ثالثاً: يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تَتَجَلَّى فيهِ حَقيقَةُ الدُّنيا:
يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تَتَجَلَّى فيهِ حَقيقَةُ الدُّنيا الفانِيَةِ التي أخبَرَ عنها سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» رواه الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وقالَ فيها: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
في يَومِ عَرَفَةَ يَتَجَرَّدُ الحُجَّاجُ من الثِّيابِ المَخيطَةِ، ويَخلَعونَ مَظاهِرَ الدُّنيا وَراءَ ظُهورِهِم، ويَجيؤونَ إلى رَبِّهِم شُعثاً غُبراً.
روى أبو يَعلى عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ما من أيَّامٍ أفضَلُ عِندَ الله من أيَّامِ عَشرِ ذي الحِجَّةِ».
فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ الله، هِيَ أفضَلُ أم عِدَّتُهُنَّ جِهاداً في سَبيلِ الله؟
فقال: «هِيَ أفضَلُ من عِدَّتِهِنَّ جِهاداً في سَبيلِ الله، إلا عَفيراً يُعَفِّرُ وجهَهُ في التُّرابِ، وما من يَومٍ أفضَلُ عِندَ الله من يَومِ عَرَفَةَ، يَنزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا فَيُباهي بِأهلِ الأرضِ أهلَ السَّماءِ، فَيَقولُ: اُنظُروا إلى عِبادي شُعثاً غُبراً ضَاحِينَ، جاؤوا من كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، لم يَرَوا رَحمَتي، ولم يَرَوا عَذابي؛ فَلَم أرَ يَوماً أكثَرَ عَتيقاً من النَّارِ من يَومِ عَرَفَةَ».
وروى أبو يَعلى عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «إنَّ اللهَ تَطَوَّلَ على أهلِ عَرَفات، يُباهي بِهِمُ الملائِكَةَ، يَقولُ: يا مَلائِكَتِي، اُنظُروا إلى عِبادي شُعثاً غُبراً، أقبَلوا يَضرِبونَ إلَيَّ من كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، فَأُشهِدُكُم أنِّي قَد أجَبتُ دُعاءَهُم، وشَفَعتُ رَغبَتَهُم، وَوَهَبتُ مُسيئَهُم لِمُحسِنِهِم، وأعطَيتُ مُحسِنيهِم جَميعَ ما سَألوني غَيرَ التَّبِعاتِ التي بَينَهُم، فإذا أفاضَ القَومُ إلى جَمعٍ وَوَقَفوا وعَادوا في الرَّغبَةِ والطَّلَبِ إلى الله، يَقولُ: يا مَلائِكَتي، عِبادي وَقَفوا فَعَادوا في الرَّغبَةِ والطَّلَبِ، فَأُشهِدُكُم أنِّي قد أجَبتُ دُعاءَهُم، وشَفَعتُ رَغبَتَهُم، وَوَهَبتُ مُسيئَهُم لِمُحسِنِهِم، وأعطَيتُ مُحسِنَهُم جَميعَ ما سَألَني، وكَفَلتُ عنهُمُ التَّبِعاتِ التي بَينَهُم».
رابعاً: يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تُستَشعَرُ فيهِ عَظَمَةُ الله تعالى:
يَومُ عَرَفَةَ يَومٌ تُستَشعَرُ فيهِ عَظَمَةُ الله تعالى حِينَ تَرى الخَلائِقَ مُجتَمِعينَ على صَعيدِ عَرَفات كُلُّهُم بِألسِنَةٍ مُختَلِفَةٍ، يَسألونَ اللهَ تعالى جَميعاً.
في يَومِ عَرَفَةَ تَستَشعِرُ عَظَمَةُ الله تعالى، وتَستَحضِرُ الحَديثَ القُدسِيَّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ».
خامساً: يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَجديدِ العَهدِ معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ:
يَومُ عَرَفَةَ يَومُ تَجديدِ العَهدِ معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ، لأنَّ اللهَ تعالى أخَذَ العَهدَ على بَني آدَمَ بِقَولِهِ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟﴾ قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين﴾.
روى الإمام أحمد والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ ـ يَعْنِي عَرَفَةَ ـ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً قَالَ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾».
يأتي يَومُ عَرَفَةَ لِيُجَدِّدَ فيهِ العِبادُ عَهدَهُم معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ، ويُكثِرونَ من قَولِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: ها نَحنُ في هذا اليَومِ العَظيمِ المُبارَكِ في يَومِ عَرَفَةَ، فهل يَجعَلُنا هذا اليَومُ نَتَذَكَّرُ يَومَ القِيامَةِ عسى أن نَكُفَّ عن الذُّنوبِ والمَعاصي والآثامِ، وعن إيذاءِ المُسلِمينَ بِألسِنَتِنا وأيدينا؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن تابَ إلى الله تعالى وأنابَ وأكثَرَ الدُّعاءَ واصطَلَحَ معَ الله تعالى، قَبلَ أن نَموتَ ونَندَمَ؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن زَهِدَ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا وتَجَرَّدَ من مَظاهِرِها وعَرَفَ بأنَّ النِّعمَةَ لن تَدومَ، ولو دامَت فلن يَدومَ المُنعَمُ عَلَيهِ؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن يَستَشعِرُ عَظَمَةَ الله تعالى ويَخافُ سُوءَ الخَاتِمَةِ وسُوءَ الحِسابِ؟
هل هذا اليَومُ يَجعَلُنا مِمَّن جَدَّدَ العَهدَ معَ الله تعالى بالعُبودِيَّةِ، فصارَ عَبداً لله، لا عَبداً للدِّينارِ والدِّرهَمِ والخَميصَةِ والدُّنيا بِكُلِّ صُوَرِها؟
أسألُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنا إلى دِينِهِ ردَّاً جَميلاً، وأن يَحقِنَ دِماءَ المُسلِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin