مع الحبيب المصطفى: الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
161ـ الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَظَلَّتنَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ، يُضَاعِفُ فِيهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الحَسَنَاتِ، ويُكَفِّرُ فِيهَا السَّيِّئَاتِ، وإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى اختَارَ من الزَّمَانِ أَيَّامَاً، وإنَّ من أَحَبِّ الزَّمَانِ إلى اللهِ تعالى الأَشهُرُ الحُرُمُ، وقد اختَارَ اللهِ تعالى العَشْرَ الأُوَلَ من شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ لِتَكُونَ أَفضَلَ أَيَّامِ الدُّنيَا، فَأَقسَمَ بِهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾.
وقد حَضَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على اغتِنَامِ هذهِ الأَيَّامِ بالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِن الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِن التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
وَكَانَ ابنُ عَمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُما يَخرُجَانِ إلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكبِيرِهِمَا، لا يَأتِيَانِ السُّوقَ إلا لِذَلِكَ.
السَّعْيُ للإصلاحِ بَينَ النَّاسِ:
أيُّها الإخوة الكرام: ومن الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُحِبُّهَا اللهُ تعالى، الإصلاحُ بَينَ النَّاسِ، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأَبِي أَيُّوبَ بن زَيْدٍ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلا أَدُلُّكَ عَلَى عَمِلٍ يَرْضَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؟».
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: «تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَتُقَارِبُ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا».
اللهُ تعالى يُصلِحُ بَينَ المُؤمِنِينَ يَومَ القِيَامَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنَا حَرِيصٌ على الأَجْرِ العَظِيمِ، ومن حِرْصِنَا على الأَجْرِ العَظِيمِ أَقبَلنَا على صَلاةِ النَّافِلَةِ، وصِيَامِ النَّافِلَةِ، وتِلاوَةِ القُرآنِ العَظِيمِ، وسَائِرِ العِبَادَاتِ التي خَيرُهَا ونَفْعُهَا لازِمٌ لِفَاعِلِهَا، ولا يَتَعَدَّى خَيرُهَا لِغَيرِهِ.
ولكن لِنَعلَمْ بأنَّ الأَجْرَ الأَعظَمَ من ذلكَ هوَ السَّعْيُ للإصلاحِ بَينَ المُتَخَاصِمِينَ، وذلك لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟».
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا أن نَعلَمَ بأنَّ الإصلاحَ بَينَ المُؤمِنِينَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ، لأنَّ الخُصُومَاتِ والمُشَاجَرَاتِ والتَّدَابُرَ سَبَبٌ لِتَمزِيقِ كَيَانِ الأُمَّةِ، وسَبَبٌ لِتَكَالُبِ الأَعدَاءِ على الأُمَّةِ.
ولقد أَخبَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ اللهَ تعالى يُصلِحُ بَينَ عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ يَومَ القِيَامَةِ، وما ذاكَ إلا لِيُحَرِّضَنَا على الإصلاحِ بَينَ المُؤمِنِينَ.
روى الحاكم عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: بَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إذْ رَأَينَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنتَ وَأُمِّي؟
قَالَ: «رَجُلانِ من أُمَّتِي جَثَيَا بَينَ يَدَيْ رَبِّ العِزَّةِ.
فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ، خُذْ لِي مَظلَمَتِي من أَخِي.
فَقَالَ اللُه تَبَارَكَ وتَعَالى للطَّالِبِ: فَكَيفَ تَصنَعُ بِأَخِيكَ ولم يَبْقَ من حَسَنَاتِهِ شَيءٌ؟
قَالَ: يَا رَبِّ، فَليَحمِلْ من أَوزَارِي».
قَالَ: وَفَاضَت عَينَا رَسُولِ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالبُكَاءِ.
ثمَّ قَالَ: «إنَّ ذَاكَ اليَومَ عَظِيمٌ يَحتَاجُ النَّاسُ أن يُحمَلَ عَنهُم من أَوزَارِهِم.
فَقَالَ اللُه تَعَالى للطَّالِبِ: اِرفَعْ بَصَرَكَ فَانظُرْ في الجِنَانِ.
فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَرَى مَدَائِنَ من ذَهَبٍ وقُصُورَاً من ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ باللُّؤلُؤِ، لأيِّ نَبِيٍّ هذا، أو لأيِّ صِّدِّيقٍ هذا، أو لأيِّ شَهِيدٍ هذا؟
قَالَ: هذا لمن أَعطَى الثَّمَنَ.
قَالَ: يَا رَبِّ، ومن يَملِكُ ذَلكَ؟
قَالَ: أَنتَ تَملِكُهُ.
قَالَ: بِمَاذَا؟
قَالَ: بِعَفْوِكَ عن أَخِيكَ.
قَالَ: يَا رَبِّ، فَإِنِّي قَد عَفَوتُ عَنهُ.
قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدخِلْهُ الجَنَّةَ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَ ذَلكَ: «اِتَّقُوا اللَه، وأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم، فَإِنَّ اللَه تعالى يُصلِحُ بَينَ المُسلِمِينَ».
فَصْلُ القَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَرسَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَجمَعَ قُلُوبَ المُؤمِنِينَ على الإيمَانِ، ويُزِيلَ من قُلُوبِهِم كُلَّ أَسبَابِ الشَّحنَاءِ، ويُطَهِّرَ نُفُوسَهُم من كُلِّ أَسبَابِ البَغضَاءِ، ويَجعَلَهُم كالجَسَدِ الوَاحِدِ، إذا اشتَكَى مِنهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى.
وإذا حَصَلَت خُصُومَةٌ وشَحنَاءٌ ونِزَاعٌ بَينَ أَفرَادِ المُؤمِنِينَ أَمَرَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَقوَى اللهِ تعالى، وأن يُصلِحُوا ذَاتَ بَينِهِم، وأَوجَبَ على المُسلِمِينَ أن يَسْعَوا في الإصلاحِ ما استَطَاعُوا إلى ذلكَ سَبِيلاً، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وقَولِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقد كَتَبَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ إلى أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: رُدَّ الخُصُومَ حَتَّى يَصطَلِحُوا، فإنَّ فَصْلَ القَضَاءِ يُورِثُ بَينَهُمُ الضَّغَائِنَ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَنَا الإسلامُ على الصُّلْحِ والمُصَالَحَةِ حَتَّى يَكُونَ الأَفرَادُ، بل المُجتَمَعُ مُتَعَرِّضَاً لِمَغفِرَةِ اللهِ تعالى ورَحمَتِهِ، لَعَلَّهُم أن يَكُونُوا من أَهلِ الجَنَّةِ.
حَرَّضَنَا الإسلامُ على الصُّلْحِ والمُصَالَحَةِ حَتَّى لا يُؤَخَّرَ المُتَخَاصِمُونَ عن تَعَرُّضِهِم لِمَغفِرَةِ اللهِ تعالى، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: اِغتَنِمُوا هذهِ الأَيَّامَ المُبَارَكَةَ، التي هيَ خَيرُ أَيَّامِ الدُّنيَا، والتي يُحِبُّ اللهُ تعالى فِيهَا العَمَلَ الصَّالِحَ أَكثَرَ من غَيرِهَا، فَلنُصلِحْ فِيمَا بَينَنَا وبَينَ اللهِ تعالى، ولِنُصلِحْ فِيمَا بَينَنَا وبَينَ النَّاسِ، ولنَحذَرْ أَسبَابَ الشَّحنَاءِ والبَغضَاءِ، ولتَكُن لَنَا في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ.
روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ».
اللَّهُمَّ اجعَلنَا صَالِحِينَ مُصلِحِينَ، ولا تَجعَلنَا فَاسِدِينَ مُفسِدِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
161ـ الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَظَلَّتنَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ، يُضَاعِفُ فِيهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الحَسَنَاتِ، ويُكَفِّرُ فِيهَا السَّيِّئَاتِ، وإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى اختَارَ من الزَّمَانِ أَيَّامَاً، وإنَّ من أَحَبِّ الزَّمَانِ إلى اللهِ تعالى الأَشهُرُ الحُرُمُ، وقد اختَارَ اللهِ تعالى العَشْرَ الأُوَلَ من شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ لِتَكُونَ أَفضَلَ أَيَّامِ الدُّنيَا، فَأَقسَمَ بِهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾.
وقد حَضَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على اغتِنَامِ هذهِ الأَيَّامِ بالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِن الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِن التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
وَكَانَ ابنُ عَمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُما يَخرُجَانِ إلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكبِيرِهِمَا، لا يَأتِيَانِ السُّوقَ إلا لِذَلِكَ.
السَّعْيُ للإصلاحِ بَينَ النَّاسِ:
أيُّها الإخوة الكرام: ومن الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُحِبُّهَا اللهُ تعالى، الإصلاحُ بَينَ النَّاسِ، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأَبِي أَيُّوبَ بن زَيْدٍ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلا أَدُلُّكَ عَلَى عَمِلٍ يَرْضَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؟».
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: «تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَتُقَارِبُ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا».
اللهُ تعالى يُصلِحُ بَينَ المُؤمِنِينَ يَومَ القِيَامَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنَا حَرِيصٌ على الأَجْرِ العَظِيمِ، ومن حِرْصِنَا على الأَجْرِ العَظِيمِ أَقبَلنَا على صَلاةِ النَّافِلَةِ، وصِيَامِ النَّافِلَةِ، وتِلاوَةِ القُرآنِ العَظِيمِ، وسَائِرِ العِبَادَاتِ التي خَيرُهَا ونَفْعُهَا لازِمٌ لِفَاعِلِهَا، ولا يَتَعَدَّى خَيرُهَا لِغَيرِهِ.
ولكن لِنَعلَمْ بأنَّ الأَجْرَ الأَعظَمَ من ذلكَ هوَ السَّعْيُ للإصلاحِ بَينَ المُتَخَاصِمِينَ، وذلك لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟».
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا أن نَعلَمَ بأنَّ الإصلاحَ بَينَ المُؤمِنِينَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ، لأنَّ الخُصُومَاتِ والمُشَاجَرَاتِ والتَّدَابُرَ سَبَبٌ لِتَمزِيقِ كَيَانِ الأُمَّةِ، وسَبَبٌ لِتَكَالُبِ الأَعدَاءِ على الأُمَّةِ.
ولقد أَخبَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ اللهَ تعالى يُصلِحُ بَينَ عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ يَومَ القِيَامَةِ، وما ذاكَ إلا لِيُحَرِّضَنَا على الإصلاحِ بَينَ المُؤمِنِينَ.
روى الحاكم عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: بَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إذْ رَأَينَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنتَ وَأُمِّي؟
قَالَ: «رَجُلانِ من أُمَّتِي جَثَيَا بَينَ يَدَيْ رَبِّ العِزَّةِ.
فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ، خُذْ لِي مَظلَمَتِي من أَخِي.
فَقَالَ اللُه تَبَارَكَ وتَعَالى للطَّالِبِ: فَكَيفَ تَصنَعُ بِأَخِيكَ ولم يَبْقَ من حَسَنَاتِهِ شَيءٌ؟
قَالَ: يَا رَبِّ، فَليَحمِلْ من أَوزَارِي».
قَالَ: وَفَاضَت عَينَا رَسُولِ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالبُكَاءِ.
ثمَّ قَالَ: «إنَّ ذَاكَ اليَومَ عَظِيمٌ يَحتَاجُ النَّاسُ أن يُحمَلَ عَنهُم من أَوزَارِهِم.
فَقَالَ اللُه تَعَالى للطَّالِبِ: اِرفَعْ بَصَرَكَ فَانظُرْ في الجِنَانِ.
فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَرَى مَدَائِنَ من ذَهَبٍ وقُصُورَاً من ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ باللُّؤلُؤِ، لأيِّ نَبِيٍّ هذا، أو لأيِّ صِّدِّيقٍ هذا، أو لأيِّ شَهِيدٍ هذا؟
قَالَ: هذا لمن أَعطَى الثَّمَنَ.
قَالَ: يَا رَبِّ، ومن يَملِكُ ذَلكَ؟
قَالَ: أَنتَ تَملِكُهُ.
قَالَ: بِمَاذَا؟
قَالَ: بِعَفْوِكَ عن أَخِيكَ.
قَالَ: يَا رَبِّ، فَإِنِّي قَد عَفَوتُ عَنهُ.
قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدخِلْهُ الجَنَّةَ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَ ذَلكَ: «اِتَّقُوا اللَه، وأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم، فَإِنَّ اللَه تعالى يُصلِحُ بَينَ المُسلِمِينَ».
فَصْلُ القَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَرسَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَجمَعَ قُلُوبَ المُؤمِنِينَ على الإيمَانِ، ويُزِيلَ من قُلُوبِهِم كُلَّ أَسبَابِ الشَّحنَاءِ، ويُطَهِّرَ نُفُوسَهُم من كُلِّ أَسبَابِ البَغضَاءِ، ويَجعَلَهُم كالجَسَدِ الوَاحِدِ، إذا اشتَكَى مِنهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى.
وإذا حَصَلَت خُصُومَةٌ وشَحنَاءٌ ونِزَاعٌ بَينَ أَفرَادِ المُؤمِنِينَ أَمَرَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَقوَى اللهِ تعالى، وأن يُصلِحُوا ذَاتَ بَينِهِم، وأَوجَبَ على المُسلِمِينَ أن يَسْعَوا في الإصلاحِ ما استَطَاعُوا إلى ذلكَ سَبِيلاً، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وقَولِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقد كَتَبَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ إلى أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: رُدَّ الخُصُومَ حَتَّى يَصطَلِحُوا، فإنَّ فَصْلَ القَضَاءِ يُورِثُ بَينَهُمُ الضَّغَائِنَ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَنَا الإسلامُ على الصُّلْحِ والمُصَالَحَةِ حَتَّى يَكُونَ الأَفرَادُ، بل المُجتَمَعُ مُتَعَرِّضَاً لِمَغفِرَةِ اللهِ تعالى ورَحمَتِهِ، لَعَلَّهُم أن يَكُونُوا من أَهلِ الجَنَّةِ.
حَرَّضَنَا الإسلامُ على الصُّلْحِ والمُصَالَحَةِ حَتَّى لا يُؤَخَّرَ المُتَخَاصِمُونَ عن تَعَرُّضِهِم لِمَغفِرَةِ اللهِ تعالى، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: اِغتَنِمُوا هذهِ الأَيَّامَ المُبَارَكَةَ، التي هيَ خَيرُ أَيَّامِ الدُّنيَا، والتي يُحِبُّ اللهُ تعالى فِيهَا العَمَلَ الصَّالِحَ أَكثَرَ من غَيرِهَا، فَلنُصلِحْ فِيمَا بَينَنَا وبَينَ اللهِ تعالى، ولِنُصلِحْ فِيمَا بَينَنَا وبَينَ النَّاسِ، ولنَحذَرْ أَسبَابَ الشَّحنَاءِ والبَغضَاءِ، ولتَكُن لَنَا في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ.
روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ».
اللَّهُمَّ اجعَلنَا صَالِحِينَ مُصلِحِينَ، ولا تَجعَلنَا فَاسِدِينَ مُفسِدِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin