مع الحبيب المصطفى: الله يتولى الدفاع عن نبيه ﷺ (1)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
196ـ الله يتولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَو لَم يَكُنْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الفَضْلِ إلا أَنَّهُ حَمَلَ القُرآنَ العَظِيمَ للبَشَرِيَّةِ جَمعَاءَ، لَكَانَ فَضْلاً لا يَسْتَقِلُّ العَالَمُ بِشُكْرِهِ، ولا تَقُومُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَافَأَتِهِ، ولا يَستَطِيعُ النَّاسُ أن يُوفُوا بَعْضَ جَزَائِهِ.
ولقد أَنصَفَ بَعْضُ أَعدَائِهِ لمَّا قَرَؤُوا سِيرَتَهُ العَطِرَةَ، وعَرَفُوا شَيئَاً عن أَخلاقِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُم: يَكْفِي مُحَمَّدَاً فَخْرَاً أَنَّهُ خَلَّصَ أُمَّةً ذَلِيلَةً دَمَوِيَّةً من مَخَالِبِ شَيَاطِينِ العَادَاتِ الذَّمِيمَةِ، وفَتَحَ على وُجُوهِهِم طَرِيقَ الرُّقِيِّ والتَّقَدُّمِ، وإِنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ سَتَسُودُ العَالَمَ لانْسِجَامِهَا مَعَ العَقْلِ والحِكْمَةِ.
ويَقُولُ آخَرٌ: إِنَّ البَشَرِيَّةَ لَتَفْتَخِرُ بانْتِسَابِ رَجُلٍ كَمُحَمَّدٍ إِلَيهَا، إِذْ إِنَّهُ رَغمَ أُمِّيَّتِهِ استَطَاعَ قَبلَ بِضْعَةَ عَشَرَ قَرنَاً أن يَأتِيَ بِتَشْرِيعٍ سَنَكُونُ نَحنُ الأَورُبِّيينَ أَسعَدَ مَا نَكُونُ إذا تَوَصَّلنَا إلى قِمَّتِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد صَدَقَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها لمَّا قَالَت: أَبْشِرْ، فواللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدَاً، واللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. رواه الإمام البخاري.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَاصِي والدَّانِي، بَل عَرَفَتْهُ الجِنُّ لَمَّا سَمِعُوا كَلامَهُ، وعَرَفَهُ هِرَقْلُ لمَّا سَأَلَ أَبَا سُفيَانَ أَسئِلَةً فَأَجَابَهُ عَنهَا، ثمَّ قَالَ لَهُ هِرَقْلُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ.
وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ.
وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ.
وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقَّاً فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. رواه الإمام البخاري.
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: مَقَامُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمٌ في نُفُوسِنَا، والإِسَاءَةُ إِلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ولِدِينِهِ من أَعظَمِ المُحَرَّمَاتِ، ومَا من أَحَدٍ يُسِيءُ إِلَيهِ وإلى دِينِهِ إلا وسَيَنْتَقِمُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِنهُ، عَاجِلاً أم آجِلاً، أَلَمْ يَقُلْ مَولانَا جَلَّ وعَلا: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ مَولانَا عزَّ وجلَّ: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ لَهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؟
روى البيهقي عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما في قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ قَالَ: المُسْتَهْزِئُونَ: الوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ، والأَسْوَدُ بنُ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ، والأَسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ أَبُو زمعَةَ من بَنِي أسدِ بنِ عَبدِ العُزَّى، والحَارِثُ بنُ غيطَلَةَ السَّهْمِيِّ، والعَاصُ بنُ وَائِلٍ.
فَأَتَاهُ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ فَشَكَاهُم إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُ الوَلِيدَ أَبَا عَمرو بنِ المُغِيرَةِ، فَأَوْمَأَ ـ أَشَارَ ـ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ إلى أَبجلِهِ ـ الأَبْجَلُ: عِرْقٌ في بَاطِنِ الذِّرَاعِ، وَقِيلَ: هُوَ عِرْقٌ غَلِيظٌ في الرِّجْلِ فِيمَا بَينَ العَصَبِ والعَظْمِ ـ فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، ثمَّ أَرَاهُ الأَسْوَدَ بنَ المُطَّلِبِ، فَأَوْمَأَ جِبرِيلُ إلى عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، ثمَّ أَرَاهُ الأَسْوَدَ بنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ، فَأَوْمَأَ إلى رَأْسِهِ، فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، ثمَّ أَرَاهُ الحَارِثَ بنَ غيطَلَةَ السهْمِيِّ، فَأَوْمَأَ إلى رَأْسِهِ ـ أو قَالَ إلى بَطْنِهِ ـ فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، وَمَرَّ بِهِ العَاصُ بنُ وَائِلَ فَأَوْمَأَ إلى أَخْمَصِهِ ـ الأَخْمَصُ: تَجْويِفٌ بِبَاطِنِ القَدَمِ لا يَلْمِسُ الأَرضَ عِنْدَ المَشْيِ ـ فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ.
فَأَمَّا الوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةَ فَمَرَّ بِرَجُلٍ من خُزَاعَةَ وهوَ يَرِيشُ نَبْلَاً ـ سِهَاماً ـ لَهُ فَأَصَابَ أَبجَلَهُ فَقَطَعَهَا.
وأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ فَعَمِيَ، فَمِنهُم من يَقُولُ عَمِيَ هكذا، وَمِنهُم مَن يَقُولُ: نَزَلَ تَحتَ سَمُرَةٍ ـ السَّمُرُ: هُوَ ضَرْبٌ من شَجَرَ الطَّلْحِ، الوَاحِدَةُ سَمُرَةُ ـ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ، ألا تَدْفَعُونَ عَنِّي؟ قد قُتِلتُ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيئَاً، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ، ألا تَمْنَعُونَ عَنِّي، قد هَلَكْتُ، هَا هُوَ ذَا أَطعَنُ بالشَّوْكِ في عَينِي، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيئَاً، فَلَمْ يَزَلْ كذلكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَينَاهُ.
وَأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ فَخَرَجَ في رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنهَا.
وَأَمَّا الحَارِثُ بنُ غيطَلَةَ فَأَخَذَهُ المَاءُ الأَصْفَرُ في بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ من فِيهِ، فَمَاتَ مِنهَا، وَأَمَّا العَاصُ بنُ وَائِلٍ فَبَينَمَا هوَ كذلكَ يَومَاً، إذْ دَخَلَ في رَأْسِهِ شَبرَقَةٌ حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنهَا، فَمَاتَ مِنهَا، وَقَالَ غَيرُهُ: في هذا الحَدِيثِ: فَرَكِبَ إلى الطَّائِفِ على حِمَارٍ فَرَبَضَ على شَبرَقَةٍ فَدَخَلَت في أَخْمَصِ قَدَمِهِ شَوكَةٌ فَقَتَلَتْهُ.
اللهُ يَتَوَلَّى الدِّفَاعَ عَن نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: مَا مِن نَبِيٍّ من الأَنبِيَاءِ إلا وَقَد دَفَعَ عَن نَفْسِهِ التُّهَمَ التي وُجِّهَتْ إِلَيهِ من قِبَلِ قَوْمِهِ، فهذا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. فَدَافَعَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ عَن نَفْسِهِ فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا هُودٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. فَدَافَعَ سَيِّدُنَا هُودٌ عَلَيهِ السَّلامُ عَن نَفْسِهِ فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ لَهُ فِرعَونُ: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورَاً﴾. فَدَافَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ عَن نَفْسِهِ فَقَالَ: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورَاً﴾.
أمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الذي تَوَلَّى الدِّفَاعَ عَنهُ هوَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، فَعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بالجُنُونِ، رَدَّ عَلَيهِم رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. وعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بالشِّعْرِ والكَهَانَةِ، رَدَّ اللهُ تعالى عَلَيهِم بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾. وعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بالضَّلالِ، رَدَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَيهِم بِقَوْلِهِ: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. وعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بِأَنَّ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ قَد قَلاهُ وهَجَرَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: فَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ هوَ الذي تَوَلَّى الدِّفَاعَ عَن نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَل كَانَ يَنْتَقِمُ مِمَّن أَسَاءَ إِلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيَّاً فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ نَصْرَانِيَّاً، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ.
فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ، وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: اِفْتَخِرُوا بِنَبِيِّكُم سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومن الافْتِخَارِ بِهِ الْتِزَامُ شَرْعِهِ وسُنَّتِهِ المُطَهَّرَةِ، ولْنَحْذَرْ جَمِيعَاً من أَن يَطْعَنَ أَحَدٌ في نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ سُوءِ أَقوَالِنَا وأَفَعالِنَا، روى محمد بن نصر المروزي في كتاب السُّنَّةِ، عَن يَزِيدِ بنِ مرثَدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ رَجُلٍ من المُسْلِمِينَ على ثَغرَةٍ من ثُغَرِ الإِسْلامِ، اللهَ اللهَ لا يُؤْتَى الإِسْلامُ مِن قِبَلِكَ».
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
196ـ الله يتولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَو لَم يَكُنْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الفَضْلِ إلا أَنَّهُ حَمَلَ القُرآنَ العَظِيمَ للبَشَرِيَّةِ جَمعَاءَ، لَكَانَ فَضْلاً لا يَسْتَقِلُّ العَالَمُ بِشُكْرِهِ، ولا تَقُومُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَافَأَتِهِ، ولا يَستَطِيعُ النَّاسُ أن يُوفُوا بَعْضَ جَزَائِهِ.
ولقد أَنصَفَ بَعْضُ أَعدَائِهِ لمَّا قَرَؤُوا سِيرَتَهُ العَطِرَةَ، وعَرَفُوا شَيئَاً عن أَخلاقِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُم: يَكْفِي مُحَمَّدَاً فَخْرَاً أَنَّهُ خَلَّصَ أُمَّةً ذَلِيلَةً دَمَوِيَّةً من مَخَالِبِ شَيَاطِينِ العَادَاتِ الذَّمِيمَةِ، وفَتَحَ على وُجُوهِهِم طَرِيقَ الرُّقِيِّ والتَّقَدُّمِ، وإِنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ سَتَسُودُ العَالَمَ لانْسِجَامِهَا مَعَ العَقْلِ والحِكْمَةِ.
ويَقُولُ آخَرٌ: إِنَّ البَشَرِيَّةَ لَتَفْتَخِرُ بانْتِسَابِ رَجُلٍ كَمُحَمَّدٍ إِلَيهَا، إِذْ إِنَّهُ رَغمَ أُمِّيَّتِهِ استَطَاعَ قَبلَ بِضْعَةَ عَشَرَ قَرنَاً أن يَأتِيَ بِتَشْرِيعٍ سَنَكُونُ نَحنُ الأَورُبِّيينَ أَسعَدَ مَا نَكُونُ إذا تَوَصَّلنَا إلى قِمَّتِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد صَدَقَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها لمَّا قَالَت: أَبْشِرْ، فواللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدَاً، واللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. رواه الإمام البخاري.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَاصِي والدَّانِي، بَل عَرَفَتْهُ الجِنُّ لَمَّا سَمِعُوا كَلامَهُ، وعَرَفَهُ هِرَقْلُ لمَّا سَأَلَ أَبَا سُفيَانَ أَسئِلَةً فَأَجَابَهُ عَنهَا، ثمَّ قَالَ لَهُ هِرَقْلُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ.
وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ.
وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ.
وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقَّاً فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. رواه الإمام البخاري.
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: مَقَامُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمٌ في نُفُوسِنَا، والإِسَاءَةُ إِلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ولِدِينِهِ من أَعظَمِ المُحَرَّمَاتِ، ومَا من أَحَدٍ يُسِيءُ إِلَيهِ وإلى دِينِهِ إلا وسَيَنْتَقِمُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِنهُ، عَاجِلاً أم آجِلاً، أَلَمْ يَقُلْ مَولانَا جَلَّ وعَلا: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ مَولانَا عزَّ وجلَّ: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ لَهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؟
روى البيهقي عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما في قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ قَالَ: المُسْتَهْزِئُونَ: الوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ، والأَسْوَدُ بنُ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ، والأَسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ أَبُو زمعَةَ من بَنِي أسدِ بنِ عَبدِ العُزَّى، والحَارِثُ بنُ غيطَلَةَ السَّهْمِيِّ، والعَاصُ بنُ وَائِلٍ.
فَأَتَاهُ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ فَشَكَاهُم إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُ الوَلِيدَ أَبَا عَمرو بنِ المُغِيرَةِ، فَأَوْمَأَ ـ أَشَارَ ـ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ إلى أَبجلِهِ ـ الأَبْجَلُ: عِرْقٌ في بَاطِنِ الذِّرَاعِ، وَقِيلَ: هُوَ عِرْقٌ غَلِيظٌ في الرِّجْلِ فِيمَا بَينَ العَصَبِ والعَظْمِ ـ فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، ثمَّ أَرَاهُ الأَسْوَدَ بنَ المُطَّلِبِ، فَأَوْمَأَ جِبرِيلُ إلى عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، ثمَّ أَرَاهُ الأَسْوَدَ بنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ، فَأَوْمَأَ إلى رَأْسِهِ، فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، ثمَّ أَرَاهُ الحَارِثَ بنَ غيطَلَةَ السهْمِيِّ، فَأَوْمَأَ إلى رَأْسِهِ ـ أو قَالَ إلى بَطْنِهِ ـ فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ، وَمَرَّ بِهِ العَاصُ بنُ وَائِلَ فَأَوْمَأَ إلى أَخْمَصِهِ ـ الأَخْمَصُ: تَجْويِفٌ بِبَاطِنِ القَدَمِ لا يَلْمِسُ الأَرضَ عِنْدَ المَشْيِ ـ فَقَالَ: «مَا صَنَعتَ؟»
قَالَ: كُفِيتَهُ.
فَأَمَّا الوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةَ فَمَرَّ بِرَجُلٍ من خُزَاعَةَ وهوَ يَرِيشُ نَبْلَاً ـ سِهَاماً ـ لَهُ فَأَصَابَ أَبجَلَهُ فَقَطَعَهَا.
وأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ فَعَمِيَ، فَمِنهُم من يَقُولُ عَمِيَ هكذا، وَمِنهُم مَن يَقُولُ: نَزَلَ تَحتَ سَمُرَةٍ ـ السَّمُرُ: هُوَ ضَرْبٌ من شَجَرَ الطَّلْحِ، الوَاحِدَةُ سَمُرَةُ ـ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ، ألا تَدْفَعُونَ عَنِّي؟ قد قُتِلتُ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيئَاً، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ، ألا تَمْنَعُونَ عَنِّي، قد هَلَكْتُ، هَا هُوَ ذَا أَطعَنُ بالشَّوْكِ في عَينِي، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيئَاً، فَلَمْ يَزَلْ كذلكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَينَاهُ.
وَأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ فَخَرَجَ في رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنهَا.
وَأَمَّا الحَارِثُ بنُ غيطَلَةَ فَأَخَذَهُ المَاءُ الأَصْفَرُ في بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ من فِيهِ، فَمَاتَ مِنهَا، وَأَمَّا العَاصُ بنُ وَائِلٍ فَبَينَمَا هوَ كذلكَ يَومَاً، إذْ دَخَلَ في رَأْسِهِ شَبرَقَةٌ حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنهَا، فَمَاتَ مِنهَا، وَقَالَ غَيرُهُ: في هذا الحَدِيثِ: فَرَكِبَ إلى الطَّائِفِ على حِمَارٍ فَرَبَضَ على شَبرَقَةٍ فَدَخَلَت في أَخْمَصِ قَدَمِهِ شَوكَةٌ فَقَتَلَتْهُ.
اللهُ يَتَوَلَّى الدِّفَاعَ عَن نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: مَا مِن نَبِيٍّ من الأَنبِيَاءِ إلا وَقَد دَفَعَ عَن نَفْسِهِ التُّهَمَ التي وُجِّهَتْ إِلَيهِ من قِبَلِ قَوْمِهِ، فهذا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. فَدَافَعَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ عَن نَفْسِهِ فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا هُودٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. فَدَافَعَ سَيِّدُنَا هُودٌ عَلَيهِ السَّلامُ عَن نَفْسِهِ فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ لَهُ فِرعَونُ: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورَاً﴾. فَدَافَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ عَن نَفْسِهِ فَقَالَ: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورَاً﴾.
أمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الذي تَوَلَّى الدِّفَاعَ عَنهُ هوَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، فَعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بالجُنُونِ، رَدَّ عَلَيهِم رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. وعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بالشِّعْرِ والكَهَانَةِ، رَدَّ اللهُ تعالى عَلَيهِم بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾. وعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بالضَّلالِ، رَدَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَيهِم بِقَوْلِهِ: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. وعِنْدَمَا اتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بِأَنَّ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ قَد قَلاهُ وهَجَرَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: فَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ هوَ الذي تَوَلَّى الدِّفَاعَ عَن نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَل كَانَ يَنْتَقِمُ مِمَّن أَسَاءَ إِلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيَّاً فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ نَصْرَانِيَّاً، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ.
فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ، وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: اِفْتَخِرُوا بِنَبِيِّكُم سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومن الافْتِخَارِ بِهِ الْتِزَامُ شَرْعِهِ وسُنَّتِهِ المُطَهَّرَةِ، ولْنَحْذَرْ جَمِيعَاً من أَن يَطْعَنَ أَحَدٌ في نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ سُوءِ أَقوَالِنَا وأَفَعالِنَا، روى محمد بن نصر المروزي في كتاب السُّنَّةِ، عَن يَزِيدِ بنِ مرثَدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ رَجُلٍ من المُسْلِمِينَ على ثَغرَةٍ من ثُغَرِ الإِسْلامِ، اللهَ اللهَ لا يُؤْتَى الإِسْلامُ مِن قِبَلِكَ».
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin