مع الحبيب المصطفى: «ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
162ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (1)
«ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ يَومَ عَرَفَةَ يَومٌ عَظِيمٌ، أَنزَلَ اللهُ تعالى فِيهِ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَولَهُ عزَّ وجلَّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.
روى الإمام مسلم عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ مَعْشَرَ الْيَهُودِ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً.
قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟
قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: قَبلَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثَةِ أَشهُرٍ، خَطَبَ في الجُمُوعِ الغَفِيرَةِ من حُجَّاجِ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ، حَيثُ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وبَيَّنَ لَهُم قَوَاعِدَ هذا الدِّينِ الذي أَتَمَّهُ اللهُ تعالى وأَكمَلَهُ، وخَتَمَ وَصَايَاهُ بِوَصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ رَشِيدَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ، قَالَ فِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟».
قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ.
فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» رواه الإمام مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
حُقُوقُ الزَّوجَينِ:
أيُّها الإخوة الكرام: في أَرضِ عَرَفَةَ، وفي وَسَطِ الجُمُوعِ الغَفِيرَةِ التي التَفَّتْ حَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التِفَافَ السِّوَارِ بالمِعصَمِ، وَقَفَ الصَّادِقُ الأَمِينُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَفَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَفَ النَّبِيُّ الكَرِيمُ، الذي هوَ أَولَى بالمُؤمِنِينَ من أَنفُسِهِم، لِيُوَدِّعَ الأُمَّةَ بِوَصَايَا، واللهِ لو التَزَمَتْهَا الأُمَّةُ اليَومَ لَكَانَت سَيِّدَةَ الأُمَمِ على الإطلاقِ، فَكَانَ من هذهِ الوَصَايَا قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
«أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقَّاً، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقَّاً، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» رواه الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: كَمَا للزَّوجِ على زَوجَتِهِ حُقُوقَاً، فكذلكَ في المُقَابِلِ: إنَّ للزَّوجَةِ على زَوجِهَا حُقُوقَاً، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
حُقُوقُ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا في دِينِنَا الحَنِيفِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد استَطَاعَ أَعدَاءُ هذهِ الأُمَّةِ أن يَخدَعُوا المَرأَةَ المُسلِمَةَ، وأن يُشَكِّكُوهَا في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، بِسَبَبِ سُوءِ مُعَامَلَةِ بَعضِ الأَزوَاجِ لِنِسَائِهِم.
لذلكَ أَقُولُ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ التي ضَاعَ فِيهَا شَبَابُنَا وشَابَّاتُنَا بِسَبَبِ سُوءِ عَلاقَةِ الزَّوجَينِ مَعَ بَعضِهِمَا البَعضِ: جَاءَ في الأَثَرِ: «كُلُّ رَجُلٍ من المُسلِمِينَ على ثَغرَةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ، اللهَ اللهَ، لا يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِكَ». رواه مُحَمَّدُ بنُ نَصرِ المروزي في كِتَابِ السُّنَّةِ عَن يَزِيدَ بنِ مِرثَدَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَدَبَّرْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في النِّسَاءِ، حَيثُ أَصَّلَ حُقُوقَهُنَّ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، ثمَّ لِنَرجِعْ إلى دِينِنَا الحَنِيفِ لِنَتَعَلَّمَ مِنهُ.
أولها: حَقُّهَا في المَهْرِ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَوَّلِ حُقُوقِ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا المَهْرَ، الذي أَلزَمَ الزَّوجُ نَفسَهُ بِهِ، قال تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾. وحَذَّرَ من الأَخْذِ مِنهُ شَيئَاً بِغَيرِ طِيبِ نَفسٍ مِنهَا، فَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾.
فالمَهْرُ عَطِيَّةٌ مَحضَةٌ من اللهِ تعالى، فَرَضَهُ اللهُ تعالى للمَرأَةِ تَكرِيمَاً لَهَا، وتَعبِيرَاً عن رَغبَةِ الزَّوجِ فِيهَا، ورَمْزَاً لإكرَامِهَا وإعزَازِهَا، فهيَ بِشَكلٍ عَامٍّ مَطلُوبَةٌ ولَيسَت بِطَالِبَةٍ.
كَمَا حَذَّرَ الدِّينُ الحَنِيفُ الرَّجَالَ من التَّضيِيقِ على نِسَائِهِم لأخْذِ شَيءٍ من مَالِهِنَّ إن كَانَ من مَهْرٍ أو ذَهَبٍ أو مَالٍ خَاصٍّ بِهَا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾.
كَمَا حَذَّرَ الإسلامُ الرَّجَالَ إذا أَرَادُوا الزَّوَاجَ ثَانِيَةً من أن يَذهَبُوا بِمَالِ المَرأَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾.
هذا من حَقِّ المَرأَةِ، ومن خَدَعَ المَرأَةَ فَليَعلَمْ بأنَّهُ ما خَدَعَ إلا نَفسَهُ، وحِسَابُهُ على اللهِ تعالى، وليَسمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه البيهقي عن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «حُبُّ الأَنصَارِ إيمَانٌ، وَبُغضُهُم كُفْرٌ، وأَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرَأَةً على صَدَاقٍ ولا يُرِيدُ أن يُعطِيَهَا فَهُوَ زَانٍ».
ثانيها: عَدَمُ التِمَاسِ عَثَرَاتِهَا:
أيُّها الإخوة الكرام: من حُقُوقِ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا عَدَمُ التِمَاسِ عَثَرَاتِهَا، وعَدَمُ تَخوِينِهَا، لأنَّ هذا يُوَرِّثُ سُوءَ الظَّنِّ، وتَتَبُّعَ العَورَاتِ، والتَّجَسُّسَ من الطَّرَفِ الآخَرَ، وكُلُّ هذا مَنهِيٌّ عَنهُ شَرعَاً، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عن حَارِثَةَ بن النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللهِ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ» الْعَنَتُ: العَيبُ. رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لأنَّ هذا الأَمْرَ يُوَرِّثُ الشِّقَاقَ والخِلافَ، ومِمَّا يُؤَدِّي إلى هَدْمِ البُيُوتِ، وبَعدَهَا يُصبِحُ الرَّجُلُ نَادِمَاً لا يَنفَعُهُ النَّدَمُ.
أمَّا إذا قَامَت عِندَ الرَّجُلِ أَدِلَّةٌ ثَابِتَةٌ، وشُكُوكٌ غَالِبَةٌ، فَيَجِبُ عَلَيهِ أن لا يَتَعَامَى، ويَدُسَّ رَأسَهُ في الرِّمَالِ مِثلَ النَّعَامَةِ حَتَّى تَقَعَ الطَّامَّةُ الكُبرَى.
وأمَّا إذا كَانَتِ الأُمُورُ قَائِمَةً على البَرَاءَةِ، والطَّهَارَةِ، فلا يَجُوزُ التَّحَرِّي والشُّكُوكُ والظُّنُونُ، والزِّيَارَةُ المُفَاجِئَةُ، ومُرَاقَبَةُ الهَاتِفِ، لأنَّ هذا من التَّخوِينِ وتَلَمُّسِ وتَتَبُّعِ العَورَاتِ «فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
ثالثها: مُعَاشَرَتُهَا بالمَعرُوفِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَ الإسلامُ الرِّجَالَ على مُعَاشَرَةِ نِسَائِهِم بالمَعرُوفِ، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
فالمَرأَةُ هيَ أُمُّ الرِّجَالِ، وهيَ أُختُ الرِّجَالِ، وهيَ بِنتُ الرِّجَالِ، وهيَ مُرَبِّيَةُ الرِّجَالِ، وهيَ شَقِيقَةُ الرِّجَالِ، ولا فَضْلَ للرِّجَالِ على النِّسَاءِ إلا بالتَّقوَى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
ولقد سَوَّى اللهُ تعالى في خِطَابِهِ للرِّجَالِ والنِّسَاءِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: المَرأَةُ لَيسَت سِلعَةً رَخِيصَةً كَمَا هوَ الحَالُ في دُوَلِ الشَّرقِ والغَربِ غَيرِ المُسلِمَةِ، بل هيَ غَالِيَةٌ ونَفِيسَةٌ، لَهَا كَرَامَتُهَا ومَنزِلَتُهَا، حَتَّى سَمَّى اللهُ تعالى سُورَةً في القُرآنِ العَظِيمِ وهيَ من أَطوَلِ سُوَرِ القُرآنِ، سُورَةَ النِّسَاءِ.
أيُّها الإخوة الكرام: من مُعَاشَرَتِهَا بالمَعرُوفِ، إنْ أَبدَتْ إِلَيكَ عَينُكَ عَيبَاً من عُيُوبِهَا فَغُضَّ الطَّرْفَ مَعَ النُّصْحِ في الوَقتِ المُنَاسِبِ بِأُسلُوبِ لَطِيفٍ، وإن اعتَذَرَت إِلَيكَ فاقبَلْ عُذْرَهَا، واسمَعْ إلى هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ ـ لا يُبغِضْ ـ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
وروى الحاكم عن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُفُّوا عَن نِسَاءِ النَّاسِ تَعُفُّ نِسَاؤُكُم، وَبِرُّوا آبَاءَكُم تَبَرُّكُم أَبنَاؤُكُم، ومن أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصِّلَاً ـ مُعتَذِرَاً ـ فَليَقْبَلْ ذَلكَ مِنهُ، مُحِقَّاً كَانَ أو مُبطِلَاً، فإن لم يَفعَلْ لم يَرِدْ عَلَيَّ الحَوضَ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد تَرَكَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على المَحَجَّةِ البَيضَاءِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيَّاً، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ». فَكَمَا لَكَ حَقٌّ، عَلَيكَ وَاجِبٌ، فَقُمْ بالوَاجِبِ الذي عَلَيكَ أولاً، ثمَّ طَالِبْ بالحَقِّ الذي لَكَ ثَانيَاً.
وإذا كُنتَ صَادِقَ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فاسمَعْ وَصِيَّتَهُ التي قَالَهَا في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». وقَالَ في حَدِيثٍ آخَرَ رواه ابن عساكر عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ، وأنا خَيرُكُم لأهلِي، مَا أَكرَمَ النِّسَاءَ إلا كَرِيمٌ، ومَا أَهَانَهُنَّ إلا لَئِيمٌ».
أَيُّهَا الزَّوجُ، كُنْ كَرِيمَاً، ولا تَكُنْ لَئِيمَاً، فهذا الخُلُقُ من العَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُحِبُّهُ اللهُ تعالى، ويُقَرِّبُكَ من مَقَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَومَ القِيَامَةِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لما يُرضِيكَ عَنَّا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
162ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (1)
«ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ يَومَ عَرَفَةَ يَومٌ عَظِيمٌ، أَنزَلَ اللهُ تعالى فِيهِ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَولَهُ عزَّ وجلَّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.
روى الإمام مسلم عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ مَعْشَرَ الْيَهُودِ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً.
قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟
قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: قَبلَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثَةِ أَشهُرٍ، خَطَبَ في الجُمُوعِ الغَفِيرَةِ من حُجَّاجِ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ، حَيثُ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وبَيَّنَ لَهُم قَوَاعِدَ هذا الدِّينِ الذي أَتَمَّهُ اللهُ تعالى وأَكمَلَهُ، وخَتَمَ وَصَايَاهُ بِوَصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ رَشِيدَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ، قَالَ فِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟».
قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ.
فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» رواه الإمام مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
حُقُوقُ الزَّوجَينِ:
أيُّها الإخوة الكرام: في أَرضِ عَرَفَةَ، وفي وَسَطِ الجُمُوعِ الغَفِيرَةِ التي التَفَّتْ حَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التِفَافَ السِّوَارِ بالمِعصَمِ، وَقَفَ الصَّادِقُ الأَمِينُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَفَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَفَ النَّبِيُّ الكَرِيمُ، الذي هوَ أَولَى بالمُؤمِنِينَ من أَنفُسِهِم، لِيُوَدِّعَ الأُمَّةَ بِوَصَايَا، واللهِ لو التَزَمَتْهَا الأُمَّةُ اليَومَ لَكَانَت سَيِّدَةَ الأُمَمِ على الإطلاقِ، فَكَانَ من هذهِ الوَصَايَا قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
«أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقَّاً، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقَّاً، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» رواه الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: كَمَا للزَّوجِ على زَوجَتِهِ حُقُوقَاً، فكذلكَ في المُقَابِلِ: إنَّ للزَّوجَةِ على زَوجِهَا حُقُوقَاً، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
حُقُوقُ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا في دِينِنَا الحَنِيفِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد استَطَاعَ أَعدَاءُ هذهِ الأُمَّةِ أن يَخدَعُوا المَرأَةَ المُسلِمَةَ، وأن يُشَكِّكُوهَا في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، بِسَبَبِ سُوءِ مُعَامَلَةِ بَعضِ الأَزوَاجِ لِنِسَائِهِم.
لذلكَ أَقُولُ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ التي ضَاعَ فِيهَا شَبَابُنَا وشَابَّاتُنَا بِسَبَبِ سُوءِ عَلاقَةِ الزَّوجَينِ مَعَ بَعضِهِمَا البَعضِ: جَاءَ في الأَثَرِ: «كُلُّ رَجُلٍ من المُسلِمِينَ على ثَغرَةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ، اللهَ اللهَ، لا يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِكَ». رواه مُحَمَّدُ بنُ نَصرِ المروزي في كِتَابِ السُّنَّةِ عَن يَزِيدَ بنِ مِرثَدَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَدَبَّرْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في النِّسَاءِ، حَيثُ أَصَّلَ حُقُوقَهُنَّ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، ثمَّ لِنَرجِعْ إلى دِينِنَا الحَنِيفِ لِنَتَعَلَّمَ مِنهُ.
أولها: حَقُّهَا في المَهْرِ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَوَّلِ حُقُوقِ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا المَهْرَ، الذي أَلزَمَ الزَّوجُ نَفسَهُ بِهِ، قال تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾. وحَذَّرَ من الأَخْذِ مِنهُ شَيئَاً بِغَيرِ طِيبِ نَفسٍ مِنهَا، فَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾.
فالمَهْرُ عَطِيَّةٌ مَحضَةٌ من اللهِ تعالى، فَرَضَهُ اللهُ تعالى للمَرأَةِ تَكرِيمَاً لَهَا، وتَعبِيرَاً عن رَغبَةِ الزَّوجِ فِيهَا، ورَمْزَاً لإكرَامِهَا وإعزَازِهَا، فهيَ بِشَكلٍ عَامٍّ مَطلُوبَةٌ ولَيسَت بِطَالِبَةٍ.
كَمَا حَذَّرَ الدِّينُ الحَنِيفُ الرَّجَالَ من التَّضيِيقِ على نِسَائِهِم لأخْذِ شَيءٍ من مَالِهِنَّ إن كَانَ من مَهْرٍ أو ذَهَبٍ أو مَالٍ خَاصٍّ بِهَا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾.
كَمَا حَذَّرَ الإسلامُ الرَّجَالَ إذا أَرَادُوا الزَّوَاجَ ثَانِيَةً من أن يَذهَبُوا بِمَالِ المَرأَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾.
هذا من حَقِّ المَرأَةِ، ومن خَدَعَ المَرأَةَ فَليَعلَمْ بأنَّهُ ما خَدَعَ إلا نَفسَهُ، وحِسَابُهُ على اللهِ تعالى، وليَسمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه البيهقي عن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «حُبُّ الأَنصَارِ إيمَانٌ، وَبُغضُهُم كُفْرٌ، وأَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرَأَةً على صَدَاقٍ ولا يُرِيدُ أن يُعطِيَهَا فَهُوَ زَانٍ».
ثانيها: عَدَمُ التِمَاسِ عَثَرَاتِهَا:
أيُّها الإخوة الكرام: من حُقُوقِ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا عَدَمُ التِمَاسِ عَثَرَاتِهَا، وعَدَمُ تَخوِينِهَا، لأنَّ هذا يُوَرِّثُ سُوءَ الظَّنِّ، وتَتَبُّعَ العَورَاتِ، والتَّجَسُّسَ من الطَّرَفِ الآخَرَ، وكُلُّ هذا مَنهِيٌّ عَنهُ شَرعَاً، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عن حَارِثَةَ بن النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللهِ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ» الْعَنَتُ: العَيبُ. رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لأنَّ هذا الأَمْرَ يُوَرِّثُ الشِّقَاقَ والخِلافَ، ومِمَّا يُؤَدِّي إلى هَدْمِ البُيُوتِ، وبَعدَهَا يُصبِحُ الرَّجُلُ نَادِمَاً لا يَنفَعُهُ النَّدَمُ.
أمَّا إذا قَامَت عِندَ الرَّجُلِ أَدِلَّةٌ ثَابِتَةٌ، وشُكُوكٌ غَالِبَةٌ، فَيَجِبُ عَلَيهِ أن لا يَتَعَامَى، ويَدُسَّ رَأسَهُ في الرِّمَالِ مِثلَ النَّعَامَةِ حَتَّى تَقَعَ الطَّامَّةُ الكُبرَى.
وأمَّا إذا كَانَتِ الأُمُورُ قَائِمَةً على البَرَاءَةِ، والطَّهَارَةِ، فلا يَجُوزُ التَّحَرِّي والشُّكُوكُ والظُّنُونُ، والزِّيَارَةُ المُفَاجِئَةُ، ومُرَاقَبَةُ الهَاتِفِ، لأنَّ هذا من التَّخوِينِ وتَلَمُّسِ وتَتَبُّعِ العَورَاتِ «فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
ثالثها: مُعَاشَرَتُهَا بالمَعرُوفِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَ الإسلامُ الرِّجَالَ على مُعَاشَرَةِ نِسَائِهِم بالمَعرُوفِ، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
فالمَرأَةُ هيَ أُمُّ الرِّجَالِ، وهيَ أُختُ الرِّجَالِ، وهيَ بِنتُ الرِّجَالِ، وهيَ مُرَبِّيَةُ الرِّجَالِ، وهيَ شَقِيقَةُ الرِّجَالِ، ولا فَضْلَ للرِّجَالِ على النِّسَاءِ إلا بالتَّقوَى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
ولقد سَوَّى اللهُ تعالى في خِطَابِهِ للرِّجَالِ والنِّسَاءِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: المَرأَةُ لَيسَت سِلعَةً رَخِيصَةً كَمَا هوَ الحَالُ في دُوَلِ الشَّرقِ والغَربِ غَيرِ المُسلِمَةِ، بل هيَ غَالِيَةٌ ونَفِيسَةٌ، لَهَا كَرَامَتُهَا ومَنزِلَتُهَا، حَتَّى سَمَّى اللهُ تعالى سُورَةً في القُرآنِ العَظِيمِ وهيَ من أَطوَلِ سُوَرِ القُرآنِ، سُورَةَ النِّسَاءِ.
أيُّها الإخوة الكرام: من مُعَاشَرَتِهَا بالمَعرُوفِ، إنْ أَبدَتْ إِلَيكَ عَينُكَ عَيبَاً من عُيُوبِهَا فَغُضَّ الطَّرْفَ مَعَ النُّصْحِ في الوَقتِ المُنَاسِبِ بِأُسلُوبِ لَطِيفٍ، وإن اعتَذَرَت إِلَيكَ فاقبَلْ عُذْرَهَا، واسمَعْ إلى هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ ـ لا يُبغِضْ ـ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
وروى الحاكم عن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُفُّوا عَن نِسَاءِ النَّاسِ تَعُفُّ نِسَاؤُكُم، وَبِرُّوا آبَاءَكُم تَبَرُّكُم أَبنَاؤُكُم، ومن أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصِّلَاً ـ مُعتَذِرَاً ـ فَليَقْبَلْ ذَلكَ مِنهُ، مُحِقَّاً كَانَ أو مُبطِلَاً، فإن لم يَفعَلْ لم يَرِدْ عَلَيَّ الحَوضَ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد تَرَكَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على المَحَجَّةِ البَيضَاءِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيَّاً، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ». فَكَمَا لَكَ حَقٌّ، عَلَيكَ وَاجِبٌ، فَقُمْ بالوَاجِبِ الذي عَلَيكَ أولاً، ثمَّ طَالِبْ بالحَقِّ الذي لَكَ ثَانيَاً.
وإذا كُنتَ صَادِقَ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فاسمَعْ وَصِيَّتَهُ التي قَالَهَا في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». وقَالَ في حَدِيثٍ آخَرَ رواه ابن عساكر عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ، وأنا خَيرُكُم لأهلِي، مَا أَكرَمَ النِّسَاءَ إلا كَرِيمٌ، ومَا أَهَانَهُنَّ إلا لَئِيمٌ».
أَيُّهَا الزَّوجُ، كُنْ كَرِيمَاً، ولا تَكُنْ لَئِيمَاً، فهذا الخُلُقُ من العَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُحِبُّهُ اللهُ تعالى، ويُقَرِّبُكَ من مَقَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَومَ القِيَامَةِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لما يُرضِيكَ عَنَّا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin