لم ولن يتخلى عن أمته ﷺ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
8 ـ لم ولن يتخلى عن أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد ضَرَبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أروَعَ مَثَلٍ في التَّعامُلِ مع الأعداءِ سِلماً وحَرباً، واستغاثَ لِقُرَيشٍ عندما أصابَها القَحْطُ، ورَفَعَ عنها الحِصارَ الذي فَرَضَتهُ اليمامَةُ عليها، وأعلَنَ يومَ فتحِ مكَّةَ: «اليومَ يومُ المرحمَةِ» وأصدَرَ عَفوَهُ عن المشركينَ، وقابَلَ الإساءَةَ بالإحسانِ، والأذِيَّةَ بِحُسنِ التَّعامُلِ.
كُلُّ ذلكَ من مُنطَلَقِ الرَّحمةِ التي جَبَلَهُ اللهُ تعالى عليها، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. ومن مُنطَلَقِ قولِ الله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ» رواه الإمام مسلم وأحمد ـ وأبو داوود واللَّفظُ له ـ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا أيُّها النَّاسُ: إنَّما أنا رحمَةٌ مُهداةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمةٌ، أنفاسُهُ رحمةٌ، مَشيُهُ رحمةٌ، جِهادُهُ ضِدَّ الكُفَّارِ والمنافقينَ رحمةٌ، كلامُهُ رحمةٌ، بِعثَتُهُ رحمةٌ، كُلُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظاهِراً وباطِناً رحمةٌ، حتَّى كانَ يُعاتِبُهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بقولِهِ: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾.
لم يَكُن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لعَّاناً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَثُرَ اللَّعنُ على ألسِنَةِ الكثيرِ من النَّاسِ في هذهِ الظُّروفِ العَصيبةِ التي تَمُرُّ بها الأمَّةُ، وهذا خِلافُ ما كانَ عليه سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، اُدْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً».
فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَجاوَزَ حُدودَ النَّاسِ في تَصَوُّرِهِم للرَّحمةِ، فَرَحمتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ليست مَقصورةً على رحمةِ الأولادِ والأزواجِ والأهلِ والأصحابِ والأصدقاءِ، بل تَجاوَزَت كُلَّ هذا، حتَّى نالتَ رحمتُهُ عامَّةَ الخلقِ، لذلك قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَن تُؤمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا، أفَلا أَدُلُّكُم على مَا تَحَابُّوا عليه؟» قالوا : بَلى يا رسولَ الله، قال: «أفشُوا السَّلامَ بَينَكُم تَحَابُّوا، والذي نفسي بِيَدِهِ لا تَدخُلُوا الجنَّةَ حتَّى تَرَاحَمُوا» قالوا: يا رسولَ الله، كُلُّنا رَحيمٌ، قال: «إنَّهُ ليسَ بِرَحمةِ أَحَدِكُم، ولكنْ رَحمَةَ العَامَّةِ، رَحمَةَ العَامَّةِ» رواه الحاكم عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
سيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ لَعَنَ قَومَهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: ما كانَ في سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لم يَكُن في أحَدٍ من خلقِ الله تعالى على الإطلاقِ سابقاً ولا لاحِقاً، فهذا سيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ يَتَبَرَّأُ من قَومِهِ بينَ يَدَي ربِّهِ عزَّ وجلَّ، ويُفَوِّضُ أمرَهُم إلى الله تعالى، وحينَ اتَّخَذَهُ قَومُهُ إلهاً هوَ وأمَّهُ من دونِ الله، وزَعَموا كَذِباً وزُوراً أنَّ سيِّدَنا عيسى عليه السَّلامُ هوَ الذي طَلَبَ منهُم لكَ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾. تَبَرَّأَ منهُم وفَوَّضَ أمرَهُم إلى الله تعالى، ولَعَنَهُم كما قالَ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون﴾.
فسيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ يَتَبَرَّأُ من الخلقِ جميعاً في أرضِ المَحشَرِ ويعتَذِرُ عن الشَّفاعَةِ لهُم، وَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، اِئْتُوا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَبْداً غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّر. رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَا لأُمَّتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: هذا سيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ ـ وهوَ رسولٌ من أولي العَزمِ من الرُّسُلِ ـ يَتَبَرَّأُ من قَومِهِ الذينَ افتَرَوا عليه، وَلَعَنَهُم وفَوَّضَ أمرَهُم إلى الله تعالى، أمَّا سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لم يَتَبَرَّأ من أمَّتِهِ، بل دَعَا لها، ولم يَدعُ عليها، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.
فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما تَبَرَّأَ من قَومِهِ، وما لَعَنَهُم، وما دَعَا عليهِم، بل سَيَشفَعُ لِجَميعِ الخلقِ يومَ القيامَةِ، مُؤمِنِهِم وكافِرِهِم، لِيَفصِلَ اللهُ تعالى بينَهُم ـ وهيَ الشَّفاعَةُ العامَّةُ ـ ثمَّ يَشفَعُ شَفاعَةً خاصَّةً لأمَّةِ الإجابَةِ. أسألُ اللهَ تعالى أن تَنالَنا شَفاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
خاتمةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسن الخاتمة ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: رَحِمَ اللهُ تعالى من قال:
إنْ فَـاتَـكُم أنْ تَـرَوهُ بالعُيونِ فما *** يَفُوتُكُم وَصْفُهُ، هـاذي شَمائِلُهُ
مُكَمَّلُ الذَّاتِ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ *** وفي صِفَاتٍ، فلا تُحصَى فَضَائِلُهُ
أيُّها الإخوة الكرام: من المؤسِفِ حقَّاً أن نرى بعضَ المسلمينَ ما قَدَّروا نَبِيَّهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حقَّ قَدْرِهِ، وهم يُحبُّونَ هذا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إلا أنَّهُ حُبٌّ سَلبِيٌّ لا أثَرَ لهُ في واقِعِ الحياةِ، ولا أثَرَ لهُ في السُّلوكِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لا تنسَوا حديثَ ثمامةَ بنِ أُثَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي حَدَّثتُكُم عنهُ في الدَّرسِ الماضي، ولا تنسَوا حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام البخاري عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنا للتَّحلِّي بأخلاقِ هذا الحبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
8 ـ لم ولن يتخلى عن أمته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد ضَرَبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أروَعَ مَثَلٍ في التَّعامُلِ مع الأعداءِ سِلماً وحَرباً، واستغاثَ لِقُرَيشٍ عندما أصابَها القَحْطُ، ورَفَعَ عنها الحِصارَ الذي فَرَضَتهُ اليمامَةُ عليها، وأعلَنَ يومَ فتحِ مكَّةَ: «اليومَ يومُ المرحمَةِ» وأصدَرَ عَفوَهُ عن المشركينَ، وقابَلَ الإساءَةَ بالإحسانِ، والأذِيَّةَ بِحُسنِ التَّعامُلِ.
كُلُّ ذلكَ من مُنطَلَقِ الرَّحمةِ التي جَبَلَهُ اللهُ تعالى عليها، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. ومن مُنطَلَقِ قولِ الله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ» رواه الإمام مسلم وأحمد ـ وأبو داوود واللَّفظُ له ـ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا أيُّها النَّاسُ: إنَّما أنا رحمَةٌ مُهداةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمةٌ، أنفاسُهُ رحمةٌ، مَشيُهُ رحمةٌ، جِهادُهُ ضِدَّ الكُفَّارِ والمنافقينَ رحمةٌ، كلامُهُ رحمةٌ، بِعثَتُهُ رحمةٌ، كُلُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظاهِراً وباطِناً رحمةٌ، حتَّى كانَ يُعاتِبُهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بقولِهِ: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾.
لم يَكُن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لعَّاناً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَثُرَ اللَّعنُ على ألسِنَةِ الكثيرِ من النَّاسِ في هذهِ الظُّروفِ العَصيبةِ التي تَمُرُّ بها الأمَّةُ، وهذا خِلافُ ما كانَ عليه سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، اُدْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً».
فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَجاوَزَ حُدودَ النَّاسِ في تَصَوُّرِهِم للرَّحمةِ، فَرَحمتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ليست مَقصورةً على رحمةِ الأولادِ والأزواجِ والأهلِ والأصحابِ والأصدقاءِ، بل تَجاوَزَت كُلَّ هذا، حتَّى نالتَ رحمتُهُ عامَّةَ الخلقِ، لذلك قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَن تُؤمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا، أفَلا أَدُلُّكُم على مَا تَحَابُّوا عليه؟» قالوا : بَلى يا رسولَ الله، قال: «أفشُوا السَّلامَ بَينَكُم تَحَابُّوا، والذي نفسي بِيَدِهِ لا تَدخُلُوا الجنَّةَ حتَّى تَرَاحَمُوا» قالوا: يا رسولَ الله، كُلُّنا رَحيمٌ، قال: «إنَّهُ ليسَ بِرَحمةِ أَحَدِكُم، ولكنْ رَحمَةَ العَامَّةِ، رَحمَةَ العَامَّةِ» رواه الحاكم عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
سيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ لَعَنَ قَومَهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: ما كانَ في سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لم يَكُن في أحَدٍ من خلقِ الله تعالى على الإطلاقِ سابقاً ولا لاحِقاً، فهذا سيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ يَتَبَرَّأُ من قَومِهِ بينَ يَدَي ربِّهِ عزَّ وجلَّ، ويُفَوِّضُ أمرَهُم إلى الله تعالى، وحينَ اتَّخَذَهُ قَومُهُ إلهاً هوَ وأمَّهُ من دونِ الله، وزَعَموا كَذِباً وزُوراً أنَّ سيِّدَنا عيسى عليه السَّلامُ هوَ الذي طَلَبَ منهُم لكَ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾. تَبَرَّأَ منهُم وفَوَّضَ أمرَهُم إلى الله تعالى، ولَعَنَهُم كما قالَ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون﴾.
فسيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ يَتَبَرَّأُ من الخلقِ جميعاً في أرضِ المَحشَرِ ويعتَذِرُ عن الشَّفاعَةِ لهُم، وَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، اِئْتُوا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَبْداً غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّر. رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَا لأُمَّتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: هذا سيِّدُنا عيسى عليه السَّلامُ ـ وهوَ رسولٌ من أولي العَزمِ من الرُّسُلِ ـ يَتَبَرَّأُ من قَومِهِ الذينَ افتَرَوا عليه، وَلَعَنَهُم وفَوَّضَ أمرَهُم إلى الله تعالى، أمَّا سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لم يَتَبَرَّأ من أمَّتِهِ، بل دَعَا لها، ولم يَدعُ عليها، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.
فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما تَبَرَّأَ من قَومِهِ، وما لَعَنَهُم، وما دَعَا عليهِم، بل سَيَشفَعُ لِجَميعِ الخلقِ يومَ القيامَةِ، مُؤمِنِهِم وكافِرِهِم، لِيَفصِلَ اللهُ تعالى بينَهُم ـ وهيَ الشَّفاعَةُ العامَّةُ ـ ثمَّ يَشفَعُ شَفاعَةً خاصَّةً لأمَّةِ الإجابَةِ. أسألُ اللهَ تعالى أن تَنالَنا شَفاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
خاتمةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسن الخاتمة ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: رَحِمَ اللهُ تعالى من قال:
إنْ فَـاتَـكُم أنْ تَـرَوهُ بالعُيونِ فما *** يَفُوتُكُم وَصْفُهُ، هـاذي شَمائِلُهُ
مُكَمَّلُ الذَّاتِ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ *** وفي صِفَاتٍ، فلا تُحصَى فَضَائِلُهُ
أيُّها الإخوة الكرام: من المؤسِفِ حقَّاً أن نرى بعضَ المسلمينَ ما قَدَّروا نَبِيَّهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حقَّ قَدْرِهِ، وهم يُحبُّونَ هذا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إلا أنَّهُ حُبٌّ سَلبِيٌّ لا أثَرَ لهُ في واقِعِ الحياةِ، ولا أثَرَ لهُ في السُّلوكِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لا تنسَوا حديثَ ثمامةَ بنِ أُثَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي حَدَّثتُكُم عنهُ في الدَّرسِ الماضي، ولا تنسَوا حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام البخاري عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنا للتَّحلِّي بأخلاقِ هذا الحبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
12/9/2024, 18:39 من طرف Admin
» كتاب اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي - الشيخ عبد العزيز الجعفي الشاذلي
12/9/2024, 18:25 من طرف Admin
» كتاب: نقض كتاب تثليث الوحدانية للإمام أحمد القرطبي
12/9/2024, 18:23 من طرف Admin
» كتاب: الشيخ سيدي محمد الصوفي كما رأيته و عرفته تأليف تلميذه الأستاذ عتو عياد
12/9/2024, 18:21 من طرف Admin
» كتاب تجلّيّات السَّادات ، مخطوط نادر جدا للشيخ محمد وفا الشاذلي
12/9/2024, 18:15 من طرف Admin
» كتاب: النسوة الصوفية و حِكمهن ـ قطفها أحمد بن أشموني
12/9/2024, 18:13 من طرف Admin
» كتاب: مرآة العرفان و لبه شرح رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربه ـ ابن عربي
12/9/2024, 18:09 من طرف Admin
» كتاب: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها - للشيخ فتح الله بناني
12/9/2024, 18:06 من طرف Admin
» كتاب: مجموع الرسائل الرحمانية ـ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري
12/9/2024, 18:04 من طرف Admin
» كتاب: المواقف الإلهية للشيخ قضيب البان و يليه رسالة تحفة الروح و الأنس ورسالة الأذكار الموصلة إلى حضرة الأنوار للبلاسي
12/9/2024, 18:00 من طرف Admin
» كتاب: مجالس شيخ الإسلام سيدي عبد القادر الجيلاني المسماة جلاء الخواطر
12/9/2024, 17:55 من طرف Admin
» كتاب: كيف أحفظ القرآن الكريم ـ للشيخ السيد البلقاسي
12/9/2024, 14:40 من طرف Admin
» كتاب: الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية تفسير القرآن العظيم ـ للإمام سليمان الصرصري
12/9/2024, 14:20 من طرف Admin
» كتاب: تربيع المراتب و الأصول .. نتائج أفكار الفحول من أرباب الوصول للشيخ إبراهيم البثنوي
11/9/2024, 18:44 من طرف Admin
» كتاب: الوصول إلى معاني وأسرار القول المقبول ـ للشيخ عبد القادر بن طه دحاح البوزيدي
11/9/2024, 18:42 من طرف Admin