مع الحبيب المصطفى: من الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
160ـ من الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى شَرَعَ لَنَا أَزمِنَةً فَاضِلَةً تُضَاعَفُ فِيهَا الحَسَنَاتُ، وتُفتَحُ فِيهَا أَبوَابُ الرَّحَمَاتِ، يَتَفَضَّلُ بِهَا على عِبَادِهِ بِمُضَاعَفَةِ الأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، ويُعطِيهِم على القَلِيلِ الكَثِيرَ، يَغفِرُ فِيهَا لِلمُستَغفِرِينَ، ويَتُوبُ فِيهَا على عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، ويُجِيبُ فِيهَا عِبَادَهُ السَّائِلِينَ.
هذهِ الأَزمِنَةُ تَتَكَرَّرُ من عَامٍ إلى عَامٍ، ومن وَقتٍ إلى آخَرَ، من هذهِ الأَزمِنَةِ هذهِ الأَيَّامُ، أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، فهيَ أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ، عَظَّمَ اللهُ تعالى شَأنَهَا، ورَفَعَ مَكَانَتَهَا، وأَقسَمَ بِهَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ جَلَّ شَأنُهُ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾. اللَّيَالِي العَشْرُ هيَ لَيَالِي ذِي الحِجَّةِ، والشَّفْعُ هوَ يَومُ النَّحْرِ، والوَتْرُ هوَ يَومُ عَرَفَةَ.
اِغتَنِمْ هذهِ الأَيَّامَ قَبلَ النَّدَمِ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
أيُّها الإخوة الكرام: ما يَنبَغِي أن نَتَّخِذَ الدُّنيَا مَوطِنَاً ومَسْكَنَاً، وكَأَنَّا من الخَالِدِينَ فِيهَا، ونَطمِئَنَّ لَهَا، بل يَجِبُ أن نَكُونَ على أُهبَةِ السَّفَرِ، يُهَيِّئُ الوَاحِدُ مِنَّا نَفسَهُ للرَّحِيلِ ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾.
وقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَت الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.
ويَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إنَّ الدُّنيَا لَيسَت بِدَارِ قَرَارِكُم، كَتَبَ اللهُ عَلَيهَا الفَنَاءَ، وَكَتَبَ عَلَى أَهلِهَا مِنهَا الظَّعْنَ، فَكَم من عَامِرٍ مَوَثَّقٍ عن قَلِيلٍ يَخْرَبُ، وَكَم من مُقِيمٍ مُغتَبَطٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَظعَنُ ـ يَرتَحِلُ ـ فَأَحسِنُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ مِنهَا الرِّحلَةَ بِأَحسَنِ مَا بِحَضرَتِكُم مِن النِّقلَةِ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقوَى.
وقد أَوصَى بَعضُ السَّلَفِ وَلَدَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، جَدِّدِ السَفِينَةَ، فإنَّ البَحْرَ عَمِيقٌ، وأَكثِرِ الزَّادَ، فإنَّ السَّفَرَ بَعِيدٌ، وأَحسِنِ العَمَلَ، فإنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ.
وقَالَ آخَرُ من السَّلَفِ: إذا رَأَيتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُكَ في الدُّنيَا، فَنَافِسْهُ في الآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
العَمَلُ الصَّالِحُ في أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: من هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هذهِ الأَيَّامِ ما رواه الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ـ يَعنِي: أَيَّامَ العَشْرِ ـ».
قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟
قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
وروى الترمذي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». وَقَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
أيُّها الإخوة الكرام: من الأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، والتي يَجِبُ على العَبدِ المُؤمِنِ أن يَهتَمَّ بِهَا في هذهِ الأَيَّامِ:
أولاً: الاهتِمَامُ بالفَرَائِضِ:
أيُّها الإخوة الكرام: من أَهَمِّ الأَعمَالِ التي يَجِبُ عَلَينَا أن نَأتِيَ بِهَا في هذهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ الفَرَائِضُ التي أَوجَبَهَا اللهُ تعالى على عِبَادِهِ من صَلاةٍ وصِيَامٍ وحَجٍّ وزَكَاةٍ وبِرٍّ وصِلَةٍ للأَرحَامِ، مَعَ تَرْكِ المُحَرَّمَاتِ والمُنكَرَاتِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
وهذا ما أَوصَى بِهِ سَيِّدُنَا الصِّدِّيقُ سَيِّدَنَا الفَارُوقَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وذلكَ لإخلاءِ ذِمَّتِهِ من أَيِّ شَيءٍ، وحَتَّى يَمضِي إلى رَبِّهِ خَالِيَاً من أَيِّ تَبِعَةٍ، فَقَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ:
اِتَّقِ اللهَ يَا عُمَرُ، إِنْ وُلِّيتَ عَلَى النَّاسِ غَدَاً، فَاعلَمْ أَنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلَاً بالنَّهَارِ لا يَقبَلُهُ باللَّيلِ، وَعَمَلَاً باللَّيلِ لا يَقبَلُهُ بالنَّهَارِ، وأَنَّهُ لا يَقبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا ثَقُلَت مَوَازِينُ مَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ يَومَ القِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الحَقَّ في الدُّنيَا وَثِقَلِهِ عَلَيهِم، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ يُوضَعُ فِيهِ الحَقُّ غَدَاً أن يَكُونَ ثَقِيلَاً، وَإِنَّمَا خَفَّت مَوَازِينُ من خَفَّت مَوَازِينُهُ يَومَ القِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ البَاطِلَ في الدُّنيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيهِم، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ يُوضَعُ فِيهِ البَاطِلُ أن يَكُونَ خَفِيفَاً.
وأنَّ اللَه تعالى ذَكَرَ أَهلَ الجَنَّةِ فَذَكَرَهُم بِأَحسَنِ أَعمَالِهِم، وَتَجَاوَزَ عن سَيِّئِهِم، فإذا ذَكَرتَهُم، قُلتَ: إِنِّي لَأَخَافُ أن لا أَلحَقَ بِهِم.
وإنَّ اللَه تعالى ذَكَرَ أَهلَ النَّارِ، فَذَكَرَهُم بِأَسوَءِ أَعمَالِهِم، وَرَدَّ عَلَيهِم أَحسَنَهُ، فإذا ذَكَرتَهُم، قُلتَ: إِنِّي لَأَرجُو أن لا أَكُونَ مَعَ هؤلاءِ، لِيَكُونَ العَبدُ رَاغِبَاً رَاهِبَاً لا يَتَمَنَّى على اللهِ، ولا يَقنَطُ من رَحمَتِهِ.
فإنْ أَنتَ حَفِظتَ وَصِيَّتِي فلا يَكُ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيكَ من المَوتِ، وهوَ آتِيكَ، وإنْ أَنتَ ضَيَّعتَ وَصِيَّتِي فلا يَكُ غَائِبٌ أَبغَضَ إِلَيكَ من المَوتِ، وَلَستَ بِمُعجِزِهِ.
ثانياً: الإكثَارُ من السُّجُودِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُكثِرْ في هذهِ الأَيَّامِ، أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ من السُّجُودِ للهِ تعالى، ولنُطِلْ في سُجُودِنَا، وخَاصَّةً ونَحنُ نَتَلَظَّى من حَرَارَةِ هذهِ الأَزمِنَةِ وشِدَّتِهَا، ولنَذْكُرْ بأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا حَزَبَهُ أَمرٌ فَزَعَ إلى الصَّلاةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى.
وقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّضُ الأُمَّةَ على كَثْرَةِ السُّجُودِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» رواه الإمام مسلم عن ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وروى الإمام مسلم عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ.
فَقَالَ لِي: «سَلْ».
فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟».
قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.
قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».
ثالثاً: صِيَامُ النَّافِلَةِ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَيَّامِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَصُمْ هذهِ الأَيَّامَ التِّسْعَةَ، لأنَّ صِيَامَ النَّافِلَةِ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ عِندَ اللهِ تعالى، روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً».
أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الأَيَّامُ هيَ أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه البَزَّارُ بِإِسنَادٍ حَسَنٍ عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا العَشْرُ ـ يَعنِي: عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ ـ».
قِيلَ: ولا مِثلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ؟
قال: « ولا مِثلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ، إلا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ بالتُّرَابِ».
وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامٌ أَحَبُّ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ فِيهَا لَيَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ، وَلَيْلَةٍ فِيهَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُشَمِّرْ عن سَاعِدِ الجِدِّ في هذهِ الأَيَّامِ، لأنَّ الجَنَّةَ تَحتَاجُ إلى جِدٍّ واجتِهَادٍ، وبَذْلٍ وعَزْمٍ، روى الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ـ سَارَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ـ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ».
ورَحِمَ اللهُ تعالى من قَالَ:
لَيَالِي الــعَشْرِ أَوقَاتُ الإِجَابَهْ *** فَـبَـادِرْ رَغـبَةً تَـلحَـقْ ثَوَابَهْ
أَلَا لَا وَقـــتَ لِلـعُـمَّالِ فِـيـهِ *** ثَوَابُ الخَيرِ أَقرَبُ لِلإِصَابَهْ
مِن أَوقَاتِ اللَّيَالِي العَشْرِ حَقَّاً *** فَشَمِّرْ واطْلُبَنْ فِيهَا الإِنَابَـهْ
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرضِيكَ عَنَّا، وفَرِّجْ عَنَّا ما نَحنُ فِيهِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
160ـ من الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى شَرَعَ لَنَا أَزمِنَةً فَاضِلَةً تُضَاعَفُ فِيهَا الحَسَنَاتُ، وتُفتَحُ فِيهَا أَبوَابُ الرَّحَمَاتِ، يَتَفَضَّلُ بِهَا على عِبَادِهِ بِمُضَاعَفَةِ الأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، ويُعطِيهِم على القَلِيلِ الكَثِيرَ، يَغفِرُ فِيهَا لِلمُستَغفِرِينَ، ويَتُوبُ فِيهَا على عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، ويُجِيبُ فِيهَا عِبَادَهُ السَّائِلِينَ.
هذهِ الأَزمِنَةُ تَتَكَرَّرُ من عَامٍ إلى عَامٍ، ومن وَقتٍ إلى آخَرَ، من هذهِ الأَزمِنَةِ هذهِ الأَيَّامُ، أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، فهيَ أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ، عَظَّمَ اللهُ تعالى شَأنَهَا، ورَفَعَ مَكَانَتَهَا، وأَقسَمَ بِهَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ جَلَّ شَأنُهُ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾. اللَّيَالِي العَشْرُ هيَ لَيَالِي ذِي الحِجَّةِ، والشَّفْعُ هوَ يَومُ النَّحْرِ، والوَتْرُ هوَ يَومُ عَرَفَةَ.
اِغتَنِمْ هذهِ الأَيَّامَ قَبلَ النَّدَمِ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
أيُّها الإخوة الكرام: ما يَنبَغِي أن نَتَّخِذَ الدُّنيَا مَوطِنَاً ومَسْكَنَاً، وكَأَنَّا من الخَالِدِينَ فِيهَا، ونَطمِئَنَّ لَهَا، بل يَجِبُ أن نَكُونَ على أُهبَةِ السَّفَرِ، يُهَيِّئُ الوَاحِدُ مِنَّا نَفسَهُ للرَّحِيلِ ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾.
وقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَت الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.
ويَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إنَّ الدُّنيَا لَيسَت بِدَارِ قَرَارِكُم، كَتَبَ اللهُ عَلَيهَا الفَنَاءَ، وَكَتَبَ عَلَى أَهلِهَا مِنهَا الظَّعْنَ، فَكَم من عَامِرٍ مَوَثَّقٍ عن قَلِيلٍ يَخْرَبُ، وَكَم من مُقِيمٍ مُغتَبَطٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَظعَنُ ـ يَرتَحِلُ ـ فَأَحسِنُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ مِنهَا الرِّحلَةَ بِأَحسَنِ مَا بِحَضرَتِكُم مِن النِّقلَةِ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقوَى.
وقد أَوصَى بَعضُ السَّلَفِ وَلَدَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، جَدِّدِ السَفِينَةَ، فإنَّ البَحْرَ عَمِيقٌ، وأَكثِرِ الزَّادَ، فإنَّ السَّفَرَ بَعِيدٌ، وأَحسِنِ العَمَلَ، فإنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ.
وقَالَ آخَرُ من السَّلَفِ: إذا رَأَيتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُكَ في الدُّنيَا، فَنَافِسْهُ في الآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
العَمَلُ الصَّالِحُ في أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: من هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هذهِ الأَيَّامِ ما رواه الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ـ يَعنِي: أَيَّامَ العَشْرِ ـ».
قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟
قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
وروى الترمذي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». وَقَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
أيُّها الإخوة الكرام: من الأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، والتي يَجِبُ على العَبدِ المُؤمِنِ أن يَهتَمَّ بِهَا في هذهِ الأَيَّامِ:
أولاً: الاهتِمَامُ بالفَرَائِضِ:
أيُّها الإخوة الكرام: من أَهَمِّ الأَعمَالِ التي يَجِبُ عَلَينَا أن نَأتِيَ بِهَا في هذهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ الفَرَائِضُ التي أَوجَبَهَا اللهُ تعالى على عِبَادِهِ من صَلاةٍ وصِيَامٍ وحَجٍّ وزَكَاةٍ وبِرٍّ وصِلَةٍ للأَرحَامِ، مَعَ تَرْكِ المُحَرَّمَاتِ والمُنكَرَاتِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
وهذا ما أَوصَى بِهِ سَيِّدُنَا الصِّدِّيقُ سَيِّدَنَا الفَارُوقَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وذلكَ لإخلاءِ ذِمَّتِهِ من أَيِّ شَيءٍ، وحَتَّى يَمضِي إلى رَبِّهِ خَالِيَاً من أَيِّ تَبِعَةٍ، فَقَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ:
اِتَّقِ اللهَ يَا عُمَرُ، إِنْ وُلِّيتَ عَلَى النَّاسِ غَدَاً، فَاعلَمْ أَنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلَاً بالنَّهَارِ لا يَقبَلُهُ باللَّيلِ، وَعَمَلَاً باللَّيلِ لا يَقبَلُهُ بالنَّهَارِ، وأَنَّهُ لا يَقبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا ثَقُلَت مَوَازِينُ مَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ يَومَ القِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الحَقَّ في الدُّنيَا وَثِقَلِهِ عَلَيهِم، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ يُوضَعُ فِيهِ الحَقُّ غَدَاً أن يَكُونَ ثَقِيلَاً، وَإِنَّمَا خَفَّت مَوَازِينُ من خَفَّت مَوَازِينُهُ يَومَ القِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ البَاطِلَ في الدُّنيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيهِم، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ يُوضَعُ فِيهِ البَاطِلُ أن يَكُونَ خَفِيفَاً.
وأنَّ اللَه تعالى ذَكَرَ أَهلَ الجَنَّةِ فَذَكَرَهُم بِأَحسَنِ أَعمَالِهِم، وَتَجَاوَزَ عن سَيِّئِهِم، فإذا ذَكَرتَهُم، قُلتَ: إِنِّي لَأَخَافُ أن لا أَلحَقَ بِهِم.
وإنَّ اللَه تعالى ذَكَرَ أَهلَ النَّارِ، فَذَكَرَهُم بِأَسوَءِ أَعمَالِهِم، وَرَدَّ عَلَيهِم أَحسَنَهُ، فإذا ذَكَرتَهُم، قُلتَ: إِنِّي لَأَرجُو أن لا أَكُونَ مَعَ هؤلاءِ، لِيَكُونَ العَبدُ رَاغِبَاً رَاهِبَاً لا يَتَمَنَّى على اللهِ، ولا يَقنَطُ من رَحمَتِهِ.
فإنْ أَنتَ حَفِظتَ وَصِيَّتِي فلا يَكُ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيكَ من المَوتِ، وهوَ آتِيكَ، وإنْ أَنتَ ضَيَّعتَ وَصِيَّتِي فلا يَكُ غَائِبٌ أَبغَضَ إِلَيكَ من المَوتِ، وَلَستَ بِمُعجِزِهِ.
ثانياً: الإكثَارُ من السُّجُودِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُكثِرْ في هذهِ الأَيَّامِ، أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ من السُّجُودِ للهِ تعالى، ولنُطِلْ في سُجُودِنَا، وخَاصَّةً ونَحنُ نَتَلَظَّى من حَرَارَةِ هذهِ الأَزمِنَةِ وشِدَّتِهَا، ولنَذْكُرْ بأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا حَزَبَهُ أَمرٌ فَزَعَ إلى الصَّلاةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى.
وقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّضُ الأُمَّةَ على كَثْرَةِ السُّجُودِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» رواه الإمام مسلم عن ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وروى الإمام مسلم عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ.
فَقَالَ لِي: «سَلْ».
فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟».
قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.
قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».
ثالثاً: صِيَامُ النَّافِلَةِ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَيَّامِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَصُمْ هذهِ الأَيَّامَ التِّسْعَةَ، لأنَّ صِيَامَ النَّافِلَةِ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ عِندَ اللهِ تعالى، روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً».
أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الأَيَّامُ هيَ أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه البَزَّارُ بِإِسنَادٍ حَسَنٍ عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا العَشْرُ ـ يَعنِي: عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ ـ».
قِيلَ: ولا مِثلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ؟
قال: « ولا مِثلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ، إلا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ بالتُّرَابِ».
وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامٌ أَحَبُّ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ فِيهَا لَيَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ، وَلَيْلَةٍ فِيهَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُشَمِّرْ عن سَاعِدِ الجِدِّ في هذهِ الأَيَّامِ، لأنَّ الجَنَّةَ تَحتَاجُ إلى جِدٍّ واجتِهَادٍ، وبَذْلٍ وعَزْمٍ، روى الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ـ سَارَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ـ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ».
ورَحِمَ اللهُ تعالى من قَالَ:
لَيَالِي الــعَشْرِ أَوقَاتُ الإِجَابَهْ *** فَـبَـادِرْ رَغـبَةً تَـلحَـقْ ثَوَابَهْ
أَلَا لَا وَقـــتَ لِلـعُـمَّالِ فِـيـهِ *** ثَوَابُ الخَيرِ أَقرَبُ لِلإِصَابَهْ
مِن أَوقَاتِ اللَّيَالِي العَشْرِ حَقَّاً *** فَشَمِّرْ واطْلُبَنْ فِيهَا الإِنَابَـهْ
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرضِيكَ عَنَّا، وفَرِّجْ عَنَّا ما نَحنُ فِيهِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin