مع الحبيب المصطفى: « اهتز لموته عرش الرحمن »(3)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
133ـ « اهتز لموته عرش الرحمن » (3)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: من طَبيعَةِ البَشَرِ وفِطرَتِهِمُ التي فَطَرَهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَيها أن يَعتَزُّوا ويَفتَخِروا بِسَبَبٍ من الأسبابِ، فَمِنهُم من قَد اعتَزَّ بِعِبَادَةِ الأوثانِ، قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّاً * كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدَّاً﴾.
ومِنهُم من اعتَزَّ بِسَادَاتِهِ وكُبَرَائِهِ، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾.
ومِنهُم من اعتَزَّ بأهلِ الكُفرِ والشِّقاقِ والنِّفاقِ، قال تعالى: ﴿بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعاً﴾. وهؤلاءِ كُلُّهُم خَاسِرونَ.
ومِنهُم من اعتَزَّ بإسلامِهِ ودِينِهِ، واعتَزَّ بالله تعالى وبِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، واعتَزَّ بالقُرآنِ العَظيمِ، هؤلاءِ طَلَبُوا العِزَّةَ من مَصْدَرِها الحَقِيقِيِّ، قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾. وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَرَفَ سَلَفُنا الصَّالِحُ بأنَّ مَصْدَرَ العِزَّةِ إنَّما هوَ من الله تعالى، فأقبَلوا على الله تعالى حَقَّ الإقبالِ، حتَّى نَالُوا عِزَّاً ما بَعدَهُ عِزٌّ، من جُملَةِ هؤلاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ رَضِيَ اللهُ عنهُم سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، فقد نَالَ عِزَّاً ما بَعدَهُ عِزٌّ، من صُوَرِ هذا العِزِّ:
أولاً: اِهتَزَّ لِمَوتِهِ عَرشُ الرَّحمنِ، روى الشيخان عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ». عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
ثانياً: حَمَلَت جَنَازَتَهُ المَلائِكَةُ، روى الترمذي والحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ المُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ». عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
ثالثاً: مَنَادِيلُهُ في الجَنَّةِ أليَنُ من الحَريرِ، روى الإمام البخاري عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا». عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
رابعاً: دَعَا لَهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعدَ شَهَادَتِهِ فِيهِ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ إنَّ سَعدَاً قد جَاهَدَ في سَبِيلِكَ، وَصَدَّقَ رَسُولَكَ، وقَضَى الذي عَلَيهِ، فَتَقَبَّلْ رُوحَهُ بِخَيرِ مَا تَقَبَّلتَ بِهِ رُوحَاً» من كِتابِ حَياةِ الصَّحَابَةِ. عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
خامساً: كان يَفوحُ قَبْرُهُ مِسكاً، يَقولُ أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: كُنتُ أنا مِمَّن حَفَرَ لِسَعدٍ قَبْرَهُ بالبَقِيعِ فَكَانَ يَفُوحُ عَلَينَا من المِسكِ كُلَّما حَفَرنَا قَترَةً من تُرابٍ، حتَّى انتَهَينَا إلى اللَّحْدِ ـ الشِقُّ يَكُونُ في جَانِبَ القَبرِ لِلمَيتِ- من سُبُلِ الهُدَى والرَّشادِ. عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
سادساً: اِفتَخَرَ بِهِ قَومُهُ لِمَكَانَتِهِ عِندَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، روى الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: اِفْتَخَرَ الْحَيَّانِ من الأنصارِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَتِ الأَوْسُ: مِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لِمَوتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ سَعْدُ بن مُعَاذٍ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ بنِ الأفلَحِ، وَمِنَّا مَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلائِكَةُ حَنْظَلَةُ بنُ الرَّاهِبِ، وَمِنَّا مَنْ أُجِيزَت شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَينِ خُزَيمَةُ بنُ ثَابِتٍ.
وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّونَ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ: أُبَيُّ بن كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بن جَبَلٍ، وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
لقد كانَ صَادِقاً في حُبِّهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد نَالَ سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ عِزَّاً ما بَعدَهُ عزٌّ، وما ذاكَ إلا بِصِدْقِ حُبِّهِ لله تعالى، وحُبِّهِ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبِتَحَقُّقِهِ بِقَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
نَالَ ذلكَ المَقامَ بَعدَ أن عَرَفَ تَحذيرَ الله تعالى لِعِبادِهِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
نَالَ هذا المَقامَ بِطَاعَتِهِ لله تعالى، وبِطَاعَتِهِ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعدَ تَصدِيقِهِ المُطلَقِ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما تَحَدَّثَ عن نَفسِهِ بِقَولِهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ثَلاثٌ أنا فِيمَا سِواهُنَّ ضَعيفٌ.
وفي رِوايَةٍ: ثَلاثٌ أنا فِيهِنَّ رَجُلٌ، وما سِوَى ذلكَ فأنا وَاحِدٌ من النَّاسِ:
ما سَمِعتُ من رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ شَيئاً قَطُّ إلا عَلِمتُ أَنَّهُ الحَقُّ من عِندِ الله لا شَكَّ فِيهِ.
ولا صَلَّيتُ صَلاةً قَطُّ فَحَدَّثتُ نَفسِي بِغَيرِها حتَّى أَفرَغَ مِنهَا.
ولا شَهِدتُ جَنَازَةً قَطُّ فَحَدَّثتُ نَفسِي بِغَيرِ مَا هِيَ قَائِلَةٌ أو مَقُولٌ لَهَا. رواه البيهقي.
أيُّها الإخوة الكرام: أينَ نَحنُ من هذا؟
هل إذا سَمِعنا حَدِيثاً عن رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلِمنا أنَّهُ حَقٌّ من الله تعالى، فالتَزَمنا ما قَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثلَما التَزَمَهُ سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ؟
هل صَلاتُنا اليَومَ كَصَلاةِ سَيِّدِنا سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ لا نَنشَغِلُ بِغَيرِها حتَّى نَقضِي صَلاتَنا؟
هل إذا اتَّبَعنا الجَنَائِزَ فَكَّرنا بما نَقُولُهُ لِمَلَكَيِ القَبْرِ، وبِما يَقُولانِهِ لَنا؟
المُحِبُّ لا يُسيءُ لِمَحبُوبِهِ، بل يَخافُ عَلَيهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: المُحِبُّ الصَّادِقُ هوَ الذي لا يُسيءُ لِمَحبُوبِهِ، بل يَخافُ عَلَيهِ أكثَرَ مِمَّا يَخافُ على نَفسِهِ ومَالِهِ ودُنياهُ، وهكذا كَانَ سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ مَعَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقد كَانَ يَخافُ عَلَيهِ من أن يَنَالَهُ أيُّ سُوءٍ، أو يَعْرِضَ لَهُ أيَّ خَطَرٍ.
جاءَ في مَغَازِي الوَاقِدِي عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ الله، إنَّا قَدْ خَلَفْنَا مِنْ قَوْمِنَا قَوْماً مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ حُبَّاَ لَك مِنْهُمْ، وَلَا أَطْوَعَ لَك مِنْهُمْ، لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ وَنِيَّةٌ، وَلَوْ ظَنُّوا يَا رَسُولَ الله أَنَّكَ مُلَاقٍ عَدُوَّاً مَا تَخَلَّفُوا، وَلَكِنْ إنَّمَا ظَنُّوا أَنَّهَا الْعِيرُ.
نَبْنِي لَكَ عَرِيشاً فَتَكُونُ فِيهِ وَنُعِدُّ لَكَ رَوَاحِلَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَعَزَّنَا اللهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ تَكُن الْأُخْرَى جَلَسْتَ عَلَى رَوَاحِلِكَ فَلَحِقْتَ مَنْ وَرَاءَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْراً، وَقَالَ: «أَوْ يَقْضِي اللهُ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟».
قَالُوا: فَلَمَّا فَرَغَ سَعْدٌ مِن الْمَشُورَةِ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ الله، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، والله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ». ورَجُوا النَّصرَ لِقَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: هكذا شَأنُ المُحِبِّ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ يَخافُ على مَحبُوبِهِ، وأنَّهُ يَغارُ عَلَيهِ أن يَنَالَهُ أيُّ أَذىً أو سُوءٍ من أعدَائِهِ.
أمَّا المُسيءُ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأقوالِهِ وأفعالِهِ فهذا لَيسَ بِمُحِبٍّ وإن ادَّعَى المَحَبَّةَ.
المُحِبُّ الحَقِيقِيُّ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ الذي يُحَسِّنُ قَولَهُ ويُحَسِّنُ عَمَلَهُ، ثمَّ بَعدَّ ذلكَ يُقولُ: إنَّني من المُسلِمينَ، لأنَّ من أحسَنَ القَولَ وأحسَنَ العَمَلَ كَانَ مَحبُوباً، ومن كَانَ مَحبُوباً كَانَ مُحَبِبَاً للآخَرينَ بالدِّينِ الذي يَنتَمِي إلَيهِ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾.
يَقولُ الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى فِيمَن تَحَقَّقَ بهذهِ الآيَةِ: هذا حَبيبُ الله، هذا وَلِيُّ الله، هذا صَفْوَةُ الله، هذا خِيَرَةُ الله، هذا أَحَبُّ أهلِ الأرضِ إلى الله، أَجَابَ اللهَ في دَعوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إلى ما أَجَابَ الله فِيهِ من دَعوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحَاً في إِجَابَتِهِ، وقال: إِنَّنِي من المُسلِمينَ، فهذا خَلِيفَةُ الله.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعتَزَّ بإسلامِنا ودِينِنا ونَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولنَكُنْ صَادِقِينَ في مَحَبَّتِنا لله تعالى، ولِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولنُعطِ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عن إسلامِنا بالقَولِ الحَسَنِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ، وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ، حَيثُ شَرَدَ النَّاسُ عن دِينِ الله تعالى، وابتَعَدُوا عن نَهْجِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وما ذاكَ إلا لأنَّهُم شَاهَدُوا بَعضَ أعمالِ المُسلِمينَ التي تُنَفِّرُ من دِينِ الله عزَّ وجلَّ، وسَمِعوا بَعضَ أقوالِ المُسلِمينَ التي تُنَفِّرُ من دِينِ الله عزَّ وجلَّ.
ولتَكُنْ عِندَنا الغَيْرَةُ على سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كما كَانَت عِندَ سَيِّدِنا سَعدِ بنِ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، الذي نَالَ عِزَّاً ما بَعدَهُ عِزٌّ، وذلكَ بِبَرَكَةِ صِدْقِ مَحَبَّتِهِ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فيا شَبابَ الأُمَّةِ ويا شَابَّاتِها، ويا رِجالَ الأُمَّةِ ويا نِساءَها، أعطُوا الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عن دِينِكُم من خِلالِ القَولِ الحَسَنِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ.
اللَّهُمَّ أكرِمنا بذلكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
133ـ « اهتز لموته عرش الرحمن » (3)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: من طَبيعَةِ البَشَرِ وفِطرَتِهِمُ التي فَطَرَهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَيها أن يَعتَزُّوا ويَفتَخِروا بِسَبَبٍ من الأسبابِ، فَمِنهُم من قَد اعتَزَّ بِعِبَادَةِ الأوثانِ، قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّاً * كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدَّاً﴾.
ومِنهُم من اعتَزَّ بِسَادَاتِهِ وكُبَرَائِهِ، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾.
ومِنهُم من اعتَزَّ بأهلِ الكُفرِ والشِّقاقِ والنِّفاقِ، قال تعالى: ﴿بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعاً﴾. وهؤلاءِ كُلُّهُم خَاسِرونَ.
ومِنهُم من اعتَزَّ بإسلامِهِ ودِينِهِ، واعتَزَّ بالله تعالى وبِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، واعتَزَّ بالقُرآنِ العَظيمِ، هؤلاءِ طَلَبُوا العِزَّةَ من مَصْدَرِها الحَقِيقِيِّ، قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾. وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَرَفَ سَلَفُنا الصَّالِحُ بأنَّ مَصْدَرَ العِزَّةِ إنَّما هوَ من الله تعالى، فأقبَلوا على الله تعالى حَقَّ الإقبالِ، حتَّى نَالُوا عِزَّاً ما بَعدَهُ عِزٌّ، من جُملَةِ هؤلاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ رَضِيَ اللهُ عنهُم سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ، فقد نَالَ عِزَّاً ما بَعدَهُ عِزٌّ، من صُوَرِ هذا العِزِّ:
أولاً: اِهتَزَّ لِمَوتِهِ عَرشُ الرَّحمنِ، روى الشيخان عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ». عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
ثانياً: حَمَلَت جَنَازَتَهُ المَلائِكَةُ، روى الترمذي والحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ المُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ». عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
ثالثاً: مَنَادِيلُهُ في الجَنَّةِ أليَنُ من الحَريرِ، روى الإمام البخاري عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا». عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
رابعاً: دَعَا لَهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعدَ شَهَادَتِهِ فِيهِ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ إنَّ سَعدَاً قد جَاهَدَ في سَبِيلِكَ، وَصَدَّقَ رَسُولَكَ، وقَضَى الذي عَلَيهِ، فَتَقَبَّلْ رُوحَهُ بِخَيرِ مَا تَقَبَّلتَ بِهِ رُوحَاً» من كِتابِ حَياةِ الصَّحَابَةِ. عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
خامساً: كان يَفوحُ قَبْرُهُ مِسكاً، يَقولُ أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: كُنتُ أنا مِمَّن حَفَرَ لِسَعدٍ قَبْرَهُ بالبَقِيعِ فَكَانَ يَفُوحُ عَلَينَا من المِسكِ كُلَّما حَفَرنَا قَترَةً من تُرابٍ، حتَّى انتَهَينَا إلى اللَّحْدِ ـ الشِقُّ يَكُونُ في جَانِبَ القَبرِ لِلمَيتِ- من سُبُلِ الهُدَى والرَّشادِ. عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
سادساً: اِفتَخَرَ بِهِ قَومُهُ لِمَكَانَتِهِ عِندَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، روى الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: اِفْتَخَرَ الْحَيَّانِ من الأنصارِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَتِ الأَوْسُ: مِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لِمَوتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ سَعْدُ بن مُعَاذٍ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ بنِ الأفلَحِ، وَمِنَّا مَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلائِكَةُ حَنْظَلَةُ بنُ الرَّاهِبِ، وَمِنَّا مَنْ أُجِيزَت شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَينِ خُزَيمَةُ بنُ ثَابِتٍ.
وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّونَ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ: أُبَيُّ بن كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بن جَبَلٍ، وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. عِزٌّ ما بَعدَهُ عِزٌّ.
لقد كانَ صَادِقاً في حُبِّهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد نَالَ سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ عِزَّاً ما بَعدَهُ عزٌّ، وما ذاكَ إلا بِصِدْقِ حُبِّهِ لله تعالى، وحُبِّهِ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبِتَحَقُّقِهِ بِقَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
نَالَ ذلكَ المَقامَ بَعدَ أن عَرَفَ تَحذيرَ الله تعالى لِعِبادِهِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
نَالَ هذا المَقامَ بِطَاعَتِهِ لله تعالى، وبِطَاعَتِهِ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعدَ تَصدِيقِهِ المُطلَقِ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما تَحَدَّثَ عن نَفسِهِ بِقَولِهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ثَلاثٌ أنا فِيمَا سِواهُنَّ ضَعيفٌ.
وفي رِوايَةٍ: ثَلاثٌ أنا فِيهِنَّ رَجُلٌ، وما سِوَى ذلكَ فأنا وَاحِدٌ من النَّاسِ:
ما سَمِعتُ من رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ شَيئاً قَطُّ إلا عَلِمتُ أَنَّهُ الحَقُّ من عِندِ الله لا شَكَّ فِيهِ.
ولا صَلَّيتُ صَلاةً قَطُّ فَحَدَّثتُ نَفسِي بِغَيرِها حتَّى أَفرَغَ مِنهَا.
ولا شَهِدتُ جَنَازَةً قَطُّ فَحَدَّثتُ نَفسِي بِغَيرِ مَا هِيَ قَائِلَةٌ أو مَقُولٌ لَهَا. رواه البيهقي.
أيُّها الإخوة الكرام: أينَ نَحنُ من هذا؟
هل إذا سَمِعنا حَدِيثاً عن رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلِمنا أنَّهُ حَقٌّ من الله تعالى، فالتَزَمنا ما قَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثلَما التَزَمَهُ سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ؟
هل صَلاتُنا اليَومَ كَصَلاةِ سَيِّدِنا سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ لا نَنشَغِلُ بِغَيرِها حتَّى نَقضِي صَلاتَنا؟
هل إذا اتَّبَعنا الجَنَائِزَ فَكَّرنا بما نَقُولُهُ لِمَلَكَيِ القَبْرِ، وبِما يَقُولانِهِ لَنا؟
المُحِبُّ لا يُسيءُ لِمَحبُوبِهِ، بل يَخافُ عَلَيهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: المُحِبُّ الصَّادِقُ هوَ الذي لا يُسيءُ لِمَحبُوبِهِ، بل يَخافُ عَلَيهِ أكثَرَ مِمَّا يَخافُ على نَفسِهِ ومَالِهِ ودُنياهُ، وهكذا كَانَ سَيِّدُنا سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ مَعَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقد كَانَ يَخافُ عَلَيهِ من أن يَنَالَهُ أيُّ سُوءٍ، أو يَعْرِضَ لَهُ أيَّ خَطَرٍ.
جاءَ في مَغَازِي الوَاقِدِي عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ الله، إنَّا قَدْ خَلَفْنَا مِنْ قَوْمِنَا قَوْماً مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ حُبَّاَ لَك مِنْهُمْ، وَلَا أَطْوَعَ لَك مِنْهُمْ، لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ وَنِيَّةٌ، وَلَوْ ظَنُّوا يَا رَسُولَ الله أَنَّكَ مُلَاقٍ عَدُوَّاً مَا تَخَلَّفُوا، وَلَكِنْ إنَّمَا ظَنُّوا أَنَّهَا الْعِيرُ.
نَبْنِي لَكَ عَرِيشاً فَتَكُونُ فِيهِ وَنُعِدُّ لَكَ رَوَاحِلَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَعَزَّنَا اللهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ تَكُن الْأُخْرَى جَلَسْتَ عَلَى رَوَاحِلِكَ فَلَحِقْتَ مَنْ وَرَاءَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْراً، وَقَالَ: «أَوْ يَقْضِي اللهُ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟».
قَالُوا: فَلَمَّا فَرَغَ سَعْدٌ مِن الْمَشُورَةِ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ الله، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، والله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ». ورَجُوا النَّصرَ لِقَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: هكذا شَأنُ المُحِبِّ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ يَخافُ على مَحبُوبِهِ، وأنَّهُ يَغارُ عَلَيهِ أن يَنَالَهُ أيُّ أَذىً أو سُوءٍ من أعدَائِهِ.
أمَّا المُسيءُ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأقوالِهِ وأفعالِهِ فهذا لَيسَ بِمُحِبٍّ وإن ادَّعَى المَحَبَّةَ.
المُحِبُّ الحَقِيقِيُّ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ الذي يُحَسِّنُ قَولَهُ ويُحَسِّنُ عَمَلَهُ، ثمَّ بَعدَّ ذلكَ يُقولُ: إنَّني من المُسلِمينَ، لأنَّ من أحسَنَ القَولَ وأحسَنَ العَمَلَ كَانَ مَحبُوباً، ومن كَانَ مَحبُوباً كَانَ مُحَبِبَاً للآخَرينَ بالدِّينِ الذي يَنتَمِي إلَيهِ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾.
يَقولُ الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى فِيمَن تَحَقَّقَ بهذهِ الآيَةِ: هذا حَبيبُ الله، هذا وَلِيُّ الله، هذا صَفْوَةُ الله، هذا خِيَرَةُ الله، هذا أَحَبُّ أهلِ الأرضِ إلى الله، أَجَابَ اللهَ في دَعوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إلى ما أَجَابَ الله فِيهِ من دَعوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحَاً في إِجَابَتِهِ، وقال: إِنَّنِي من المُسلِمينَ، فهذا خَلِيفَةُ الله.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعتَزَّ بإسلامِنا ودِينِنا ونَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولنَكُنْ صَادِقِينَ في مَحَبَّتِنا لله تعالى، ولِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولنُعطِ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عن إسلامِنا بالقَولِ الحَسَنِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ، وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ، حَيثُ شَرَدَ النَّاسُ عن دِينِ الله تعالى، وابتَعَدُوا عن نَهْجِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وما ذاكَ إلا لأنَّهُم شَاهَدُوا بَعضَ أعمالِ المُسلِمينَ التي تُنَفِّرُ من دِينِ الله عزَّ وجلَّ، وسَمِعوا بَعضَ أقوالِ المُسلِمينَ التي تُنَفِّرُ من دِينِ الله عزَّ وجلَّ.
ولتَكُنْ عِندَنا الغَيْرَةُ على سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كما كَانَت عِندَ سَيِّدِنا سَعدِ بنِ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، الذي نَالَ عِزَّاً ما بَعدَهُ عِزٌّ، وذلكَ بِبَرَكَةِ صِدْقِ مَحَبَّتِهِ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فيا شَبابَ الأُمَّةِ ويا شَابَّاتِها، ويا رِجالَ الأُمَّةِ ويا نِساءَها، أعطُوا الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عن دِينِكُم من خِلالِ القَولِ الحَسَنِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ.
اللَّهُمَّ أكرِمنا بذلكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin