مع الحبيب المصطفى: «مالي أراك جالساً في المسجد»؟
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
89ـ «مالي أراك جالساً في المسجد»؟
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لِكُلٍّ منَّا هَمٌّ، بل هُمومٌ يَحمِلُها في صَدرِهِ، إذِ الدُّنيا دَارُ هُمومٍ وأكدارٍ، كما قالَ الشَّاعِرُ:
جُبِلَت على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُهَا *** صَفْواً من الأحزانِ والأكدارِ!!
هَمُّ الدَّينِ:
أيُّها الإخوة الكرام: من جُملَةِ هذهِ الهُمومِ التي تَحمِلُها صُدورُ كَثيرٍ من النَّاسِ هَمُّ الدَّينِ، الذي استَعاذَ منهُ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» رواه الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
الدَّينُ هَمٌّ باللَّيلِ، وذُلٌّ بالنَّهارِ، الدَّينُ يُزعِجُ القُلوبَ، ويُشَتِّتُ الأفكارَ، والمَدينُ مَهمومٌ ولو رَآهُ النَّاسُ فَرِحاً مَسروراً، المَدينُ ذَليلٌ حَسيرٌ كَسيرٌ أسيرٌ ولو رَآهُ النَّاسُ حُرَّاً طَليقاً.
كيفَ يَرتاحُ قَلبُ المَدينِ، ويَطمَئِنُّ فُؤادُهُ، وهُمومُ النَّاسِ قد أحاطَت به من كُلِّ جانِبٍ؟ كيفَ يَرتاحُ المَدينُ في بَيتِهِ وقد طُرِقَت عَلَيهِ الأبوابُ من أصحابِ الدُّيونِ والحُقوقِ والدَّائِنينَ؟
كيفَ يَرتاحُ قَلبُ المَدينِ في نَومِهِ؟بل كيفَ تَنامُ عَينُهُ، وهَمُّ الدَّينِ يُقلِقُها؟ بل كيفَ يَطمَئِنُّ جَسَدُهُ ومَصائِبُ الحُقوقِ تُزعِجُهُ؟
كيفَ يَرتاحُ قَلبُ المَدِينِ وهوَ يَذكُرُ حَديثَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»
قَالُوا: لَا.
قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟»
قَالُوا: لَا.
فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»
قِيلَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟»
قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ.
فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟»
قَالُوا: لَا.
قَالَ: «فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»
قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ.
قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ الله وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ.؟
ما أحوَجَ المَدينَ إلى الرَّحمَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: المَدينُ صَاحِبُ الدِّينِ الذي أخَذَ أموالَ النَّاسِ وهوَ يُريدُ أداءَها ما أحوَجَهُ إلى الرَّحمَةِ والشَّفَقَةِ والعَطْفِ والحَنانِ والإحسانِ، لأنَّ اللَه تعالى هوَ وَحدَهُ الذي يَعلَمُ ما يَحمِلُ قَلبُهُ من هُمومٍ وغُمومٍ.
وهل هُناكَ أحَدٌ بَعدَ الله تعالى أرحَمُ به من سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لا وَرَبِّ الكَعبَةِ.
لذلكُ أُخاطِبُ كُلَّ مَدينٍ، صَاحِبَ دِينٍ، تعالَ يا أخي، يا من أخَذتَ أموالَ النَّاسِ وأنتَ تُريدُ أداءَها، واسمَعْ إلى هَدْيِ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لك في هَمِّكَ هذا:
أولاً: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ:
روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِن الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ.
فَقَالَ: «يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟»
قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَاماً إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟»
قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ».
قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.
ثانياً: قُلْ: اللَّهُمَّ اكفِني بِحَلالِكَ عن حَرامِكَ:
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَى عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي، فَأَعِنِّي.
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صَبرٍ دَنَانِيرُ لَأَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
ثالثاً: قُلْ: ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِيني بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ:
روى الطبراني في الكبير عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى مُعَاذاً فَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَاذُ، مَا لِي لَمْ أَرَكَ؟»
قَالَ: يَا رَسُولَ الله، لِيَهُودِيٍّ عَلَيَّ أُوقِيَّةٌ مِنْ تِبْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْكَ فَحَبَسَنِي عَنْكَ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَلا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ؟ فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الدِّينِ مِثْلُ جَبَلِ صَبِرٍ أَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ ـ وَصَبِرٌ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ ـ فَادْعُ بِهِ، يَا مُعَاذُ قُل: اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكِ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُمَا، وتَمْنَعُ مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِيني بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ».
رابعاً: قُل: اللَّهُمَّ فارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ:
وروى الحاكم بإسنادٍ صَحيحٍ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ فقال: هَل سَمِعتِ من رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُعاءً عَلَّمَنيهِ؟
قُلتُ: ما هُوَ؟
قال: كَانَ عِيسى ابن ُمَريَمَ عَلَيهِ السَّلامُ يُعَلِّمُهُ أصحابَهُ؛ قال: لو كَانَ عَلى أحَدِكُم جَبَلُ ذَهَبٍ دَيناً، فَدَعا اللهَ بذلكَ لَقَضَاهُ اللهُ عنهُ:
اللَّهُمَّ فارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجيبَ دَعوَةِ المضطَرِّينَ، رَحمانَ الدُّنيا والآخِرَةِ ورَحيمَهُما، أنتَ تَرحَمُني، فارحَمْني بِرَحمَةٍ تُغنِينِي بها عن رَحمَةِ مَن سِواكَ.
قال أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: وكَانَت عَلَيَّ بَقِيَّةٌ من الدَّينِ، وكُنتُ للدَّينِ كَارِهاً، فَكُنتُ أدعو بذلكَ، فَأَتاني اللهُ بِفَائِدَةٍ فَقَضَاهُ اللهُ عَنِّي.
خامساً: اِلزَمِ الاستِغفارَ:
روى أبو داود وابنُ ماجه عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».
ويَقولُ اللهُ تعالى حِكايَةً عن سيِّدِنا نوحٍ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لله وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾.
سادساً: قُلْ حَسبِيَ اللهُ:
روى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ـ سَبْعَ مَرَّاتٍ ـ كَفَاهُ اللهُ مَا أَهَمَّهُ صَادِقاً كَانَ بِهَا أَوْ كَاذِباً.
سابعاً: أكثِرْ من الصَّلاةِ والسَّلامِ على سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
روى الترمذي عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَت الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ».
قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟
فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ.
قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
قُلْتُ: النِّصْفَ.
قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ.
قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا.
قَالَ: «إِذاً تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ يَعيشُ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا في وَسَطٍ من الهُمومِ، هُمومٍ دُنيَوِيَّةٍ وهُمومٍ أُخرَوِيَّةٍ، إذِ الدُّنيا مَعاشُنا، والآخِرَةُ مَعادُنا، وَكُلٌّ منهُما لنا فيهِ مَصلَحَةٌ نَوَدُّ لو كُفِينَاهَا، والعاقِلُ منَّا من أعطَى كُلَّاً من الدُّنيا والآخِرَةِ قَدْرَها.
أيُّها الإخوة الكرام: من اهتمَّ بآخرَتِهِ كانَ حَريصَاً على سَدَادِ الدَّينِ الذي عليهِ حتى يَتَخَلَّصَ من حُقُوقِ العِبادِ يَومَ القِيامَةَِ وحتَّى يَتَخَلَّصَ من همِّ الليلِ وذُلِّ النَّهَارِ، وحتى يَخشَعَ في عِبادَتِهِ ويَرتَاحَ بينَ أهلِهِ وَوَلَدِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: هل تعلمونَ حديثَ سيِّدِنَا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ»؟ رواه الإمامُ مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وهل تَعلمونَ تَتِمَّةَ حديث صلُّوا على صاحِبِكُم، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ الله وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ؟.
تَتِمَّةُ الحديثِ رواهَا الإمام أحمد، قالَ أبو قَتَادة: ثمَّ أَتانِي ـ يعني النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ بعدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فقالَ مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ.
قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ.
اللَّهُمَّ فارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجيبَ دَعوَةِ المضطَرِّينَ، فَرِّجْ عنَّا ما أهمَّنا وأغَمَّنا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنوبِنا من لا يَخافُكَ ولَا يَرْحَمُنَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
89ـ «مالي أراك جالساً في المسجد»؟
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لِكُلٍّ منَّا هَمٌّ، بل هُمومٌ يَحمِلُها في صَدرِهِ، إذِ الدُّنيا دَارُ هُمومٍ وأكدارٍ، كما قالَ الشَّاعِرُ:
جُبِلَت على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُهَا *** صَفْواً من الأحزانِ والأكدارِ!!
هَمُّ الدَّينِ:
أيُّها الإخوة الكرام: من جُملَةِ هذهِ الهُمومِ التي تَحمِلُها صُدورُ كَثيرٍ من النَّاسِ هَمُّ الدَّينِ، الذي استَعاذَ منهُ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» رواه الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
الدَّينُ هَمٌّ باللَّيلِ، وذُلٌّ بالنَّهارِ، الدَّينُ يُزعِجُ القُلوبَ، ويُشَتِّتُ الأفكارَ، والمَدينُ مَهمومٌ ولو رَآهُ النَّاسُ فَرِحاً مَسروراً، المَدينُ ذَليلٌ حَسيرٌ كَسيرٌ أسيرٌ ولو رَآهُ النَّاسُ حُرَّاً طَليقاً.
كيفَ يَرتاحُ قَلبُ المَدينِ، ويَطمَئِنُّ فُؤادُهُ، وهُمومُ النَّاسِ قد أحاطَت به من كُلِّ جانِبٍ؟ كيفَ يَرتاحُ المَدينُ في بَيتِهِ وقد طُرِقَت عَلَيهِ الأبوابُ من أصحابِ الدُّيونِ والحُقوقِ والدَّائِنينَ؟
كيفَ يَرتاحُ قَلبُ المَدينِ في نَومِهِ؟بل كيفَ تَنامُ عَينُهُ، وهَمُّ الدَّينِ يُقلِقُها؟ بل كيفَ يَطمَئِنُّ جَسَدُهُ ومَصائِبُ الحُقوقِ تُزعِجُهُ؟
كيفَ يَرتاحُ قَلبُ المَدِينِ وهوَ يَذكُرُ حَديثَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»
قَالُوا: لَا.
قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟»
قَالُوا: لَا.
فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»
قِيلَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟»
قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ.
فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟»
قَالُوا: لَا.
قَالَ: «فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»
قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ.
قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ الله وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ.؟
ما أحوَجَ المَدينَ إلى الرَّحمَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: المَدينُ صَاحِبُ الدِّينِ الذي أخَذَ أموالَ النَّاسِ وهوَ يُريدُ أداءَها ما أحوَجَهُ إلى الرَّحمَةِ والشَّفَقَةِ والعَطْفِ والحَنانِ والإحسانِ، لأنَّ اللَه تعالى هوَ وَحدَهُ الذي يَعلَمُ ما يَحمِلُ قَلبُهُ من هُمومٍ وغُمومٍ.
وهل هُناكَ أحَدٌ بَعدَ الله تعالى أرحَمُ به من سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لا وَرَبِّ الكَعبَةِ.
لذلكُ أُخاطِبُ كُلَّ مَدينٍ، صَاحِبَ دِينٍ، تعالَ يا أخي، يا من أخَذتَ أموالَ النَّاسِ وأنتَ تُريدُ أداءَها، واسمَعْ إلى هَدْيِ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لك في هَمِّكَ هذا:
أولاً: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ:
روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِن الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ.
فَقَالَ: «يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟»
قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَاماً إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟»
قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ».
قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.
ثانياً: قُلْ: اللَّهُمَّ اكفِني بِحَلالِكَ عن حَرامِكَ:
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَى عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي، فَأَعِنِّي.
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صَبرٍ دَنَانِيرُ لَأَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
ثالثاً: قُلْ: ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِيني بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ:
روى الطبراني في الكبير عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى مُعَاذاً فَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَاذُ، مَا لِي لَمْ أَرَكَ؟»
قَالَ: يَا رَسُولَ الله، لِيَهُودِيٍّ عَلَيَّ أُوقِيَّةٌ مِنْ تِبْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْكَ فَحَبَسَنِي عَنْكَ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَلا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ؟ فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الدِّينِ مِثْلُ جَبَلِ صَبِرٍ أَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ ـ وَصَبِرٌ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ ـ فَادْعُ بِهِ، يَا مُعَاذُ قُل: اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكِ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُمَا، وتَمْنَعُ مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِيني بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ».
رابعاً: قُل: اللَّهُمَّ فارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ:
وروى الحاكم بإسنادٍ صَحيحٍ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ فقال: هَل سَمِعتِ من رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُعاءً عَلَّمَنيهِ؟
قُلتُ: ما هُوَ؟
قال: كَانَ عِيسى ابن ُمَريَمَ عَلَيهِ السَّلامُ يُعَلِّمُهُ أصحابَهُ؛ قال: لو كَانَ عَلى أحَدِكُم جَبَلُ ذَهَبٍ دَيناً، فَدَعا اللهَ بذلكَ لَقَضَاهُ اللهُ عنهُ:
اللَّهُمَّ فارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجيبَ دَعوَةِ المضطَرِّينَ، رَحمانَ الدُّنيا والآخِرَةِ ورَحيمَهُما، أنتَ تَرحَمُني، فارحَمْني بِرَحمَةٍ تُغنِينِي بها عن رَحمَةِ مَن سِواكَ.
قال أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: وكَانَت عَلَيَّ بَقِيَّةٌ من الدَّينِ، وكُنتُ للدَّينِ كَارِهاً، فَكُنتُ أدعو بذلكَ، فَأَتاني اللهُ بِفَائِدَةٍ فَقَضَاهُ اللهُ عَنِّي.
خامساً: اِلزَمِ الاستِغفارَ:
روى أبو داود وابنُ ماجه عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».
ويَقولُ اللهُ تعالى حِكايَةً عن سيِّدِنا نوحٍ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لله وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾.
سادساً: قُلْ حَسبِيَ اللهُ:
روى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ـ سَبْعَ مَرَّاتٍ ـ كَفَاهُ اللهُ مَا أَهَمَّهُ صَادِقاً كَانَ بِهَا أَوْ كَاذِباً.
سابعاً: أكثِرْ من الصَّلاةِ والسَّلامِ على سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
روى الترمذي عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَت الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ».
قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟
فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ.
قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
قُلْتُ: النِّصْفَ.
قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ.
قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا.
قَالَ: «إِذاً تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ يَعيشُ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا في وَسَطٍ من الهُمومِ، هُمومٍ دُنيَوِيَّةٍ وهُمومٍ أُخرَوِيَّةٍ، إذِ الدُّنيا مَعاشُنا، والآخِرَةُ مَعادُنا، وَكُلٌّ منهُما لنا فيهِ مَصلَحَةٌ نَوَدُّ لو كُفِينَاهَا، والعاقِلُ منَّا من أعطَى كُلَّاً من الدُّنيا والآخِرَةِ قَدْرَها.
أيُّها الإخوة الكرام: من اهتمَّ بآخرَتِهِ كانَ حَريصَاً على سَدَادِ الدَّينِ الذي عليهِ حتى يَتَخَلَّصَ من حُقُوقِ العِبادِ يَومَ القِيامَةَِ وحتَّى يَتَخَلَّصَ من همِّ الليلِ وذُلِّ النَّهَارِ، وحتى يَخشَعَ في عِبادَتِهِ ويَرتَاحَ بينَ أهلِهِ وَوَلَدِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: هل تعلمونَ حديثَ سيِّدِنَا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ»؟ رواه الإمامُ مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وهل تَعلمونَ تَتِمَّةَ حديث صلُّوا على صاحِبِكُم، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ الله وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ؟.
تَتِمَّةُ الحديثِ رواهَا الإمام أحمد، قالَ أبو قَتَادة: ثمَّ أَتانِي ـ يعني النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ بعدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فقالَ مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ.
قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ.
اللَّهُمَّ فارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجيبَ دَعوَةِ المضطَرِّينَ، فَرِّجْ عنَّا ما أهمَّنا وأغَمَّنا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنوبِنا من لا يَخافُكَ ولَا يَرْحَمُنَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin