مع الحبيب المصطفى: وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
82ـ وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لِكُلِّ واحِدٍ من النَّاسِ هَمٌّ، بل هُمومٌ يِحمِلُها في صَدرِهِ، إذ الدُّنيا هيَ دارُ الهُمومِ، كما قالَ الشَّاعِرُ:
جُبِلَت على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُهَا *** صَفْواً من الأحزانِ والأكدارِ!!
والنَّاسُ يَختَلِفونَ في حَملِ الهُمومِ، فمنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ الدُّنيا، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ الآخِرَةَ، منهُم من جَعَلَ هَمَّهُ مَرضاةَ النَّاسِ، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ مَرضاةَ الله عزَّ وجلَّ، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ عِمارَةَ الدُّنيا، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ عِمارَةَ الآخِرَةِ.
فالإنسانُ يَعيشُ وَسَطَ هذهِ الهُمومِ، الدُّنيا مَعاشُنا، والآخِرَةُ مَعادُنا، والإنسانُ مُرتَبِطٌ بَينَ الدَّارَينِ، ولهُ مَصلَحَةٌ في الدَّارَينِ، والعاقِلُ من أعطى لِكُلِّ دارٍ حَقَّها.
هَمُّ الدُّنيا، أم هَمُّ الآخِرَةِ؟
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على العَبدِ المُؤمِنِ أن يُعطِيَ الدُّنيا شَيئاً من هَمِّهِ ولكن بِقَدْرِها، وأن يُعطِيَ الآخِرَةَ شَيئاً من هَمِّهِ وكذلكَ بِقَدْرِها، وهذا ما أرشَدَنا إلَيهِ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ» رواه الإمام أحمد عن زَيْد بْن ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةٍ للحاكم عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمَّاً وَاحِداً كَفَاهُ اللهُ ما هَمَّهُ من أمرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَمَنْ تَشَاعَبَتْ بِهِ الْهُمُومُ لَمْ يُبَالِ اللهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنيا هَلَكَ».
وعن الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِى الْعِلْمِ لا يَشْبَعُ مِنْهُ، وَمَنْهُومٌ فِى الدُّنْيَا لا يَشْبَعُ مِنْهَا، فَمَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ هَمَّهُ وَبَثَّهُ وَسَدَمَهُ يَكْفي اللهُ ضَيْعَتَهُ وَيَجْعَلُ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ، وَمَنْ تَكُنِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَبَثَّهُ وَسَدَمَهُ يُفْشِي اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَجْعَلُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ لا يُصْبِحُ إِلا فَقِيراً وَلا يُمْسِى إِلاَّ فَقِيراً. رواه الدارمي. السَّدَمُ: هوَ اللَّهَجُ والوُلوعُ بالشَّيءِ.
ما هوَ الهَمُّ الأكبَرُ؟
أيُّها الإخوة الكرام: ما هوَ الهَمُّ الذي يُسَيطِرُ على قُلوبِنا؟ هل هوَ الهَمُّ الذي حَمَلَهُ الأنبِياءُ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ والصَّالِحونَ من بَعدِهِم، أم الهَمُّ الذي استَعاذَ منهُ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «وَلَا تَجْعَل الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»؟ رواه الترمذي عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
لِيَنظُرْ كُلُّ واحِدٍ منَّا إلى قَلبِهِ: أيُّ هَمٍّ أعظَمُ في قَلبِهِ؟ هل هَمُّ الدُّنيا أم هَمُّ الآخِرَةِ؟ معَ العِلمِ اليَقينِيِّ بأنَّ الدُّنيا رَاحِلَةٌ مُدبِرَةٌ، والآخِرَةَ رَاحِلَةٌ مُقبِلَةٌ، كما قالَ سيِّدُنا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ارْتَحَلَت الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَت الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.
هُمومُ الأنبِياءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَنْظُرْ إلى هُمومِ الأنبِياءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ الذينَ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى أئِمَّةً للاقتِداءِ بِهِم، وخاصَّةً سيِّدَنا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حيثُ جَعَلَهُ اللهُ تعالى قُدوَةً للبَشَرِيَّةِ جَمعاءَ بَعدَ بِعثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
هذا سيِّدُنا نوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ مَكَثَ في قَومِهِ ألفَ سَنَةٍ إلا خَمسينَ عاماً، وهَمُّهُ دَعوَةُ قَومِهِ إلى الله تعالى، وليسَ لهُ هَمٌّ إلا ذاكَ، قال تعالى مُخبِراً عنهُ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً﴾. وقال: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾. هَمُّهُ دَعوَتُهُم وإنقاذُهُم، وهَمُّهُم دُنياهُم، فَشَتَّانَ بَينَ مَهمومٍ ومَهمومٍ.
وهذا سيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قد بَيَّنَ اللهُ تعالى لنا في القُرآنِ العَظيمِ أنَّ هَمَّهُ هِدايَةُ النَّاسِ جَميعاً، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾.
وقد تَجَلَّى حِرصُهُ على الأُمَّةِ بأنَّهُ كادَ أن يُهلِكَ نَفسَهُ من أجلِ هِدايَةِ قَومِهِ، حتَّى عاتَبَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ عِتابَ شَفَقَةٍ ورَحمَةٍ، فقال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِين﴾. وقال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾. وقال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون﴾. وقال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾.
وبقِيَ هكذا هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حتَّى آخِرَ حَيَاتِهِ، حيثُ وَقَفَ في حَجَّةِ الوَداعِ وهوَ يُوصي الأُمَّةَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رواه الإمام مسلم عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةِ الترمذي قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا».
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ، أَلا فَاعْبُدوا رَبُّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالَكُمْ طَيْبَةً بِهَا أَنْفُسَكُمْ» رواه الطبراني في الكبير عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ.
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ أَبَداً، وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ» رواه الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأكبَرُ قَبلَ الالتِحاقِ بالرَّفيقِ الأعلى:
أيُّها الإخوة الكرام: وقَبلَ الانتِقالِ إلى الرَّفيقِ الأعلى تَجَلَّى هَمُّهُ الأكبرُ، حيثُ خافَ على أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من بَعدِهِ.
روى الإمام مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ، إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُم الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ: هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ، بَيْنهمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثِ لَيَالٍ.
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ مَوْلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي».
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللهُ مِنْهُ، أَقْبَلَت الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِن الْأُولَى».
قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ».
قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ.
قَالَ: «لَا والله يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ».
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبُدِئَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ.
قَبلَ وَفاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَمسَةِ أيَّامٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: وقَبلَ الانتِقالِ إلى الرَّفيقِ الأعلى بأيَّامٍ تَجَلَّى هَمُّهُ الأكبرُ، حيثُ أوصى الأُمَّةَ بالصَّلاةِ وبالنِّساءِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثمَّ أوضَحَ للأُمَّةِ خَوفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الله تعالى يَومَ القِيامَةِ، فَعَرَّضَ نَفسَهُ للقِصاصِ قائِلاً: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَهُ فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضاً فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ» رواه الطبراني في الكبير عَنِ الْفَضْلِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
آخِرُ يَومٍ من حَياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَ هَمُّ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأكبَرُ هوَ الحِرصَ على الأُمَّةِ من أجلِ سَلامَةِ دُنياها وآخِرَتِها، وذلكَ بالتِزامِ الشَّرعِ الذي جاءَ بهِ، وأن يَجعَلَ هَمَّ أُمَّتِهِ الأكبَرَ مُتَعَلِّقاً بالآخِرَةِ دونَ الدُّنيا، وحَقَّقَ اللهُ تعالى أُمنِيَتَهُ في أصحابِهِ الكِرامِ، حيثُ تَبَسَّمَ ضاحِكاً رِضاً عن أصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم.
روى الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحاً بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنا مَهمومٌ، ولكن شَتَّانَ بَينَ مَهمومٍ ومَهمومٍ، وقِيمَةُ كُلِّ إنسانٍ بما يَحتَويهِ صَدْرُهُ من هُمومٍ، فَلنَجعَلْ هَمَّنا هَمَّاً واحِداً، ألا وهوَ رِضا الله تعالى عنَّا، ولكن لا يَتَحَقَّقُ رِضاهُ عنَّا إلا إذا رَضِينا عن الله تعالى، ومن رَضِيَ عن الله تعالى استَسلَمَ لِشَرعِهِ فالتَزَمَهُ، فأحَلَّ حَلالَهُ، وحَرَّمَ حَرامَهُ، ورَضِيَ بِقَضاءِ الله تعالى ولو كانَ مُرَّاً.
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَل الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، ولا إلى النَّارِ مَصيرَنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
82ـ وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لِكُلِّ واحِدٍ من النَّاسِ هَمٌّ، بل هُمومٌ يِحمِلُها في صَدرِهِ، إذ الدُّنيا هيَ دارُ الهُمومِ، كما قالَ الشَّاعِرُ:
جُبِلَت على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُهَا *** صَفْواً من الأحزانِ والأكدارِ!!
والنَّاسُ يَختَلِفونَ في حَملِ الهُمومِ، فمنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ الدُّنيا، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ الآخِرَةَ، منهُم من جَعَلَ هَمَّهُ مَرضاةَ النَّاسِ، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ مَرضاةَ الله عزَّ وجلَّ، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ عِمارَةَ الدُّنيا، ومنهُم من جَعَلَ هَمَّهُ عِمارَةَ الآخِرَةِ.
فالإنسانُ يَعيشُ وَسَطَ هذهِ الهُمومِ، الدُّنيا مَعاشُنا، والآخِرَةُ مَعادُنا، والإنسانُ مُرتَبِطٌ بَينَ الدَّارَينِ، ولهُ مَصلَحَةٌ في الدَّارَينِ، والعاقِلُ من أعطى لِكُلِّ دارٍ حَقَّها.
هَمُّ الدُّنيا، أم هَمُّ الآخِرَةِ؟
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على العَبدِ المُؤمِنِ أن يُعطِيَ الدُّنيا شَيئاً من هَمِّهِ ولكن بِقَدْرِها، وأن يُعطِيَ الآخِرَةَ شَيئاً من هَمِّهِ وكذلكَ بِقَدْرِها، وهذا ما أرشَدَنا إلَيهِ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ» رواه الإمام أحمد عن زَيْد بْن ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةٍ للحاكم عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمَّاً وَاحِداً كَفَاهُ اللهُ ما هَمَّهُ من أمرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَمَنْ تَشَاعَبَتْ بِهِ الْهُمُومُ لَمْ يُبَالِ اللهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنيا هَلَكَ».
وعن الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِى الْعِلْمِ لا يَشْبَعُ مِنْهُ، وَمَنْهُومٌ فِى الدُّنْيَا لا يَشْبَعُ مِنْهَا، فَمَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ هَمَّهُ وَبَثَّهُ وَسَدَمَهُ يَكْفي اللهُ ضَيْعَتَهُ وَيَجْعَلُ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ، وَمَنْ تَكُنِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَبَثَّهُ وَسَدَمَهُ يُفْشِي اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَجْعَلُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ لا يُصْبِحُ إِلا فَقِيراً وَلا يُمْسِى إِلاَّ فَقِيراً. رواه الدارمي. السَّدَمُ: هوَ اللَّهَجُ والوُلوعُ بالشَّيءِ.
ما هوَ الهَمُّ الأكبَرُ؟
أيُّها الإخوة الكرام: ما هوَ الهَمُّ الذي يُسَيطِرُ على قُلوبِنا؟ هل هوَ الهَمُّ الذي حَمَلَهُ الأنبِياءُ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ والصَّالِحونَ من بَعدِهِم، أم الهَمُّ الذي استَعاذَ منهُ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «وَلَا تَجْعَل الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»؟ رواه الترمذي عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
لِيَنظُرْ كُلُّ واحِدٍ منَّا إلى قَلبِهِ: أيُّ هَمٍّ أعظَمُ في قَلبِهِ؟ هل هَمُّ الدُّنيا أم هَمُّ الآخِرَةِ؟ معَ العِلمِ اليَقينِيِّ بأنَّ الدُّنيا رَاحِلَةٌ مُدبِرَةٌ، والآخِرَةَ رَاحِلَةٌ مُقبِلَةٌ، كما قالَ سيِّدُنا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ارْتَحَلَت الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَت الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.
هُمومُ الأنبِياءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَنْظُرْ إلى هُمومِ الأنبِياءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ الذينَ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى أئِمَّةً للاقتِداءِ بِهِم، وخاصَّةً سيِّدَنا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حيثُ جَعَلَهُ اللهُ تعالى قُدوَةً للبَشَرِيَّةِ جَمعاءَ بَعدَ بِعثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
هذا سيِّدُنا نوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ مَكَثَ في قَومِهِ ألفَ سَنَةٍ إلا خَمسينَ عاماً، وهَمُّهُ دَعوَةُ قَومِهِ إلى الله تعالى، وليسَ لهُ هَمٌّ إلا ذاكَ، قال تعالى مُخبِراً عنهُ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً﴾. وقال: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾. هَمُّهُ دَعوَتُهُم وإنقاذُهُم، وهَمُّهُم دُنياهُم، فَشَتَّانَ بَينَ مَهمومٍ ومَهمومٍ.
وهذا سيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قد بَيَّنَ اللهُ تعالى لنا في القُرآنِ العَظيمِ أنَّ هَمَّهُ هِدايَةُ النَّاسِ جَميعاً، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾.
وقد تَجَلَّى حِرصُهُ على الأُمَّةِ بأنَّهُ كادَ أن يُهلِكَ نَفسَهُ من أجلِ هِدايَةِ قَومِهِ، حتَّى عاتَبَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ عِتابَ شَفَقَةٍ ورَحمَةٍ، فقال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِين﴾. وقال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾. وقال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون﴾. وقال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾.
وبقِيَ هكذا هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حتَّى آخِرَ حَيَاتِهِ، حيثُ وَقَفَ في حَجَّةِ الوَداعِ وهوَ يُوصي الأُمَّةَ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رواه الإمام مسلم عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةِ الترمذي قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا».
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ، أَلا فَاعْبُدوا رَبُّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالَكُمْ طَيْبَةً بِهَا أَنْفُسَكُمْ» رواه الطبراني في الكبير عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ.
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ومن جُملَةِ ما قالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ أَبَداً، وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ» رواه الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأكبَرُ قَبلَ الالتِحاقِ بالرَّفيقِ الأعلى:
أيُّها الإخوة الكرام: وقَبلَ الانتِقالِ إلى الرَّفيقِ الأعلى تَجَلَّى هَمُّهُ الأكبرُ، حيثُ خافَ على أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من بَعدِهِ.
روى الإمام مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ، إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُم الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ: هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ، بَيْنهمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثِ لَيَالٍ.
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ مَوْلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي».
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللهُ مِنْهُ، أَقْبَلَت الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِن الْأُولَى».
قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ».
قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ.
قَالَ: «لَا والله يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ».
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبُدِئَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ.
قَبلَ وَفاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَمسَةِ أيَّامٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: وقَبلَ الانتِقالِ إلى الرَّفيقِ الأعلى بأيَّامٍ تَجَلَّى هَمُّهُ الأكبرُ، حيثُ أوصى الأُمَّةَ بالصَّلاةِ وبالنِّساءِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثمَّ أوضَحَ للأُمَّةِ خَوفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الله تعالى يَومَ القِيامَةِ، فَعَرَّضَ نَفسَهُ للقِصاصِ قائِلاً: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَهُ فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضاً فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ» رواه الطبراني في الكبير عَنِ الْفَضْلِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
آخِرُ يَومٍ من حَياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَ هَمُّ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأكبَرُ هوَ الحِرصَ على الأُمَّةِ من أجلِ سَلامَةِ دُنياها وآخِرَتِها، وذلكَ بالتِزامِ الشَّرعِ الذي جاءَ بهِ، وأن يَجعَلَ هَمَّ أُمَّتِهِ الأكبَرَ مُتَعَلِّقاً بالآخِرَةِ دونَ الدُّنيا، وحَقَّقَ اللهُ تعالى أُمنِيَتَهُ في أصحابِهِ الكِرامِ، حيثُ تَبَسَّمَ ضاحِكاً رِضاً عن أصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم.
روى الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحاً بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنا مَهمومٌ، ولكن شَتَّانَ بَينَ مَهمومٍ ومَهمومٍ، وقِيمَةُ كُلِّ إنسانٍ بما يَحتَويهِ صَدْرُهُ من هُمومٍ، فَلنَجعَلْ هَمَّنا هَمَّاً واحِداً، ألا وهوَ رِضا الله تعالى عنَّا، ولكن لا يَتَحَقَّقُ رِضاهُ عنَّا إلا إذا رَضِينا عن الله تعالى، ومن رَضِيَ عن الله تعالى استَسلَمَ لِشَرعِهِ فالتَزَمَهُ، فأحَلَّ حَلالَهُ، وحَرَّمَ حَرامَهُ، ورَضِيَ بِقَضاءِ الله تعالى ولو كانَ مُرَّاً.
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَل الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، ولا إلى النَّارِ مَصيرَنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin